التاريخ الكنسى لسوزمينوس
THE ECCLESIASTICAL HISTORY
OF Sozomen
ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft
ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس
نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
المحتويـات
الكتاب الأول : الفصل الأول
(وفيه يمهد سوزمينوس بفحص تاريخ الأمة اليهودية، ويذكر أولئك الذين بدأوا هذا العمل. وكيف ومن أية مصادر جمع تاريخه، وكيف كان مُصرا على الحقيقة، وأية تفاصيل أخرى سيشملها التاريخ).
الكتاب الأول: الفصل الثانى
(عن اساقفة المدن الكبيرة فى عهد قنسطنطين، وكيف امتدت المسيحية خوفا من ليسينيوس بحذر إلى الشرق، حتى إلى ليبيا، بينما امتدت بحرية غربا بتشجيع قنسطنطين)
الكتاب الأول: الفصل الثالث
(اعتناق قنسطنطين للمسيحية عقب ظهور المسيح له ورؤيا الصليب. وتلقيه للتعليم الدينى من اخوتنا).
الكتاب الأول: الفصل الرابع
(قنسطنطين يأمر بحمل علامة الصليب أمامه فى المعركة، ورواية غير عادية عن حَمَلَة الصليب).
الكتاب الأول: الفصل الخامس
(دحض تأكيد أن قنسطنطين قد صار مسيحيا نتيجة لقتل ابنه كريسبوس)
الكتاب الأول: الفصل السادس
(أبو قنسطنطين يسمح بامتداد اسم المسيح. قنسطنطين العظيم يجعله يتغلغل فى كل مكان).
الكتاب الأول: الفصل السابع
(بشأن النزاع بين قنسطنطين وبين ليسينيوس نسيبه بشأن المسيحيين، وكيف هُزِم وقُتِل).
الكتاب الأول: الفصل الثامن
(قائمة المنافع التى اسبغها قنسطنطين لحرية بناء الكنائس والأعمال الأخرى للرفاهية العامة).
الكتاب الأول: الفصل التاسع (قنسطنطين يسن قانونا فى صالح المتبتلين والاكليروس)
الكتاب الأول: الفصل العاشر (قنسطنطين الكبير المعترف الخالد)
الكتاب الأول: الفصل الحادى عشر (وصف اسبريدون : اتضاعه وثباته)
الكتاب الأول: الفصل الثانى عشر (بشأن مؤسسة الرهبان : أصلها ومؤسسوها)
الكتاب الأول: الفصل الثالث عشر (عن انطونيوس الكبير وبولس البسيط)
الكتاب الأول: الفصل الرابع عشر (عن القديس آمون، ويوتيخيوس الذى من اُوليمبوس)
الكتاب الأول: الفصل الخامس عشر.
(الهرطقة الأريوسية: منشأها، وتطورها، والنزاع الذى سببته بين الأساقفة).
الكتاب الأول: الفصل السادس عشر
(قنسطنطين يسمع عن نزاع الاساقفة واختلاف وجهات النظر بشأن الفصح).
الكتاب الأول: الفصل السابع عشر (مجمع نيقية بسبب اريوس)
الكتاب الأول: الفصل الثامن عشر
(فيلسوفان يهتديان إلى الإيمان، بواسطة بساطة إثنين من كبار السن)
الكتاب الأول: الفصل التاسع عشر (خطاب الامبراطور فى المجمع)
الكتاب الأول: الفصل العشرون
( بعد الاستماع إلى الطرفين، أدان الامبراطور اريوس واتباعه ونفاهم)
الكتاب الأول: الفصل الواحد والعشرون
( قرارات المجمع بشأن اريوس. تسوية مسألة عيد الفصح)
الكتاب الأول: الفصل الثانى والعشرين
(دعوة الامبراطور لاكسيوس اسقف النوفاتيين لحضور المجمع)
الكتاب الأول: الفصل الثالث والعشرون (بافنتيوس المعترف وقوانين المجمع)
الكتاب الأول: الفصل الرابع والعشرون (مسألة ميليتوس)
الكتاب الأول: الفصل الخامس والعشرون.
( مأدبة الامبراطور لأعضاء المجمع ومناشدته لهم أن يكونوا بفكر واحد)
الكتاب الثانى
الكتاب الثانى: الفصل الأول (اكتشاف الصليب المُحيِى والمسامير المقدسة)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى (بشأن هيلانه أم الإمبراطور وزيارتها لأورشليم، وبنائها لهيكل هناك، وأعمالها التقوية الأخرى، ووفاتها)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث (هياكل تُبنَى بواسطة قنسطنطين الكبير. تأسيس مدينة بإسمه، وكنيسة رئيس الجنود ميخائيل فى سوثينيوم، والمعجزات التى جرت هناك).
الكتاب الثانى: الفصل الرابع (قنسطنطين وبلوطة ممرا)
الكتاب الثانى: الفصل الخامس (قنسطنطين يدمر الاماكن المخصصة للأوثان، ويحث الشعب على المسيحية)
الكتاب الثانى: الفصل السادس (سبب انتشار اسم المسيح فى سائر أرجاء العالم فى عهد قنسطنطين)
الكتاب الثانى: الفصل السابع (كيف قبل الايبريون الايمان بالمسيح)
الكتاب الثانى: الفصل الثامن (كيف اعتنق الأرمن والفرس المسيحية)
الكتاب الثانى: الفصل التاسع (سابور ملك فارس يضطهد المسيحين. استشهاد سيمون اسقف فارس، وأوسانينوس الخصى).
الكتاب الثانى: الفصل العاشر (قتل سابور للمسيحيين فى بلاد فارس)
الكتاب الثانى: الفصل الحادى عشر (استشهاد بوسكس مشرف فنانى الملك)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى عشر (استشهاد طاربولا أخت سيمون)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث عشر (استشهاد القديس اسبسيماس ورفقائه)
الكتاب الثانى: الفصل الرابع عشر (استشهاد الأسقف ميلس ومشيره وستة عشر ألفا من الرجال المتميزين فى عهد سابور)
الكتاب الثانى: الفصل الخامس عشر (قنسطنطين يكتب إلى سابور ليكف عن اضطهاد المسيحيين)
الكتاب الثانى: الفصل السادس عشر (عودة يوسيبيوس وثيوجينس اللذين امتنعا عن التصويت فى مجمع نيقية، الي كراسيهما)
الكتاب الثانى : الفصل السابع عشر. (موت الكسندروس اسقف الاسكندرية، واعتلاء اثناسيوس بناء على توصيته لكرسى الاسكندرية)
الكتاب الثانى: الفصل الثامن عشر (الأريوسيون والميليتيون واثناسيوس)
الكتاب الثانى: الفصل التاسع عشر (مجمع انطاكية)
الكتاب الثانى : الفصل العشرون (بشأن مكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كرسى اورشليم)
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والعشرون (اتفاق الميليتيين والأريوسيين فى المفاهيم)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والعشرون (حِيَل الاريوسيين والميليتيين ضد أثناسيوس)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والعشرون. (الافتراء على أثناسيوس ويد ارسينيوس)
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والعشرون (قبول بعض الأمم الهندية للمسيحية)
الكتاب الثانى: الفصل الخامس والعشرون (مجمع صُور والخلع غير الشرعى لأثناسيوس)
الكتاب الثانى: الفصل السادس والعشرون (تشييد هيكل قنسطنطين الكبير فى الجلجثة وتكريسه)
الكتاب الثانى: الفصل السابع والعشرون (الكاهن الذى أغوى قنسطنطين بإعادة أريوس ويوزيوس)
الكتاب الثانى: الفصل الثامن والعشرون (خطاب الامبراطور إلى مجمع صُور، ونفى أثناسيوس بواسطة دسائس الحزب الأريوسى)
الكتاب الثانى: الفصل التاسع والعشرون (الكسندروس اسقف القنسطنطينية، يرفض قبول اريوس فى الشركة)
الكتاب الثانى: الفصل الثلاثون (رواية اثناسيوس الكبير عن موت اريوس)
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والثلاثون (استمرار النزاع الاريوسى)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والثلاثون (قنسطنطين يسن قانونا ضد كل الهراطقة ويحظر على الشعب الحصول على كنائس فى أى مكان خلاف الكنيسة الجامعة)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والثلاثون (هرطقة مارسيللوس اسقف انقيرا، وخلعه)
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والثلاثون (وفاة قنسطنطين بعد عماده، ودفنه بهيكل الرسل القديسين)
الكتاب الثالث
الكتاب الثالث: الفصل الأول (بعد وفاة قنسطنطين هاجم اتباع يوسيبيوس وثيوجينس الايمان النيقاوى جهرا)
الكتاب الثالث: الفصل الثانى (عودة أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الثالث (بولس اسقف القنسطنطينية، والمقدونيون)
الكتاب الثالث: الفصل الرابع (عزل قنستانتيوس لبولس اسقف كنيسة القنسطنطينية)
الكتاب الثالث: الفصل الخامس (مجمع انطاكية وخلع أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل السادس (يوسيبيوس من اميسا. غريغوريوس الدخيل للأسكندرية. فرار أثناسيوس إلى روما)
الكتاب الثالث: الفصل السابع (رؤساء كهنة روما والقنسطنطينية. خلع بولس وطرده. مذبحة هرموجنس)
الكتاب الثالث: الفصل الثامن (وصول رؤساء كهنة الشرق إلى روما. رسالة يوليوس اسقف روما بخصوصهم. استلام بولس واثناسيوس لكراسيهم. محتوى رسالة رؤساء كهنة الشرق إلى يوليوس)
الكتاب الثالث: الفصل التاسع (خلع أثناسيوس وبولس)
الكتاب الثالث: الفصل العاشر (اسقف روما يكتب إلى اساقفة الشرق لصالح أثناسيوس. اساقفة الشرق يرسلون وفدا لأسقف روما. قنسطانس يرفض مقابلتهم)
الكتاب الثالث: الفصل الحادى عشر (مجمع سارديكا. اساقفة الشرق يخلعون اسقف روما وهوسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الثانى عشر (اساقفة الغرب فى مواجهة الحزب الاريوسى الشرقى)
الكتاب الثالث: الفصل الثالث عشر (الغرب يتمسك بالعقائد النيقية، والشرق يغرق فى نزاعات بين بدعة وأخرى)
الكتاب الثالث: الفصل الرابع عشر (عن الرهبان)
الكتاب الثالث: الفصل الخامس عشر (ديديموس الكفيف، واتيوس الهرطوقى)
الكتاب الثالث: الفصل السادس عشر (القديس افرايم)
الكتاب الثالث: الفصل السابع عشر (انتشار المسيحية فى هذه الفترة)
الكتاب الثالث: الفصل الثامن عشر (بشأن عقيدة كل من إبنىّ قنسطنطين. الفرق بين "هومووسيوس" و "هوموأوسيوس". متى هجر قنستانتيوس الإيمان القويم)
الكتاب الثالث: الفصل التاسع عشر (منازعات أكثر بشأن المصطلح. مجمع ارمينيم)
الكتاب الثالث: الفصل العشرون (إعادة تثبيت أثناسيوس ثانية على كرسيه بخطاب من قنستانتيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الواحد والعشرون (خطاب قنستانتيوس إلى شعب الأسكندرية. مجمع أورشليم)
الكتاب الثالث: الفصل الثانى والعشرون (رسالة مجمع اورشليم لصالح أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الثالث والعشرون (إعتراف فالنس و اورساكيوس بالإفتراء على أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الرابع وعشرون (عودة الاساقفة الشرقيين لكراسيهم)
الكتاب الرابع
الكتاب الرابع: الفصل الأول (وفاة قنسطانس قيصر. الأحداث التى حدثت فى روما)
الكتاب الرابع: الفصل الثانى (قنستانتيوس ينفى أثناسيوس ثانية، وأولئك المتمسكين بعقيدة هومسيوس. وفاة بولس اسقف القنسطنطينية. اغتصاب مقدونيوس للكرسى البطريركى، واعماله الشريرة )
الكتاب الرابع: الفصل الثالث (اسشهاد موثقى العقود المُقدَسين)
الكتاب الرابع: الفصل الرابع (قنستانتيوس فى سيرميوم. جالوس يحمل لقب قيصر، ويُرسَل إلى الشرق)
الكتاب الرابع: الفصل الخامس (كيرلس يقوم بالخدمات المقدَّسة بعد مكسيموس. ظهور علامة الصليب الضخمة، والتى تفوق الشمس فى فخامتها، وتدوم لعدة أيام)
الكتاب الرابع: الفصل السادس (فوتينوس اسقف سيرميوم وهرطقته. مجمع سيرميوم لمعارضته. صيغ ايمانية ثلاثة لهذا المجمع).
الكتاب الرابع: الفصل السابع (موت الطاغية ماجننتيوس وسيلفانوس المرتد. عصيان يهود فلسطين. مقتل جالوس قيصر)
الكتاب الرابع: الفصل الثامن (وصول قنستانتيوس إلى روما. عقد مجمع فى ايطاليا. رواية ما حدث لأثناسيوس الكبير بواسطة دسائس الاريوسيين)
الكتاب الرابع: الفصل التاسع (مجمع ميلان، وهروب أثناسيوس )
الكتاب الرابع: الفصل العاشر (الدسائس المتنوعة ضد أثناسيوس، وفراره من الأخطار العديدة بالإلهام الإلهى. اعمال جورج الشريرة فى مصر بعد طرد أثناسيوس)
الكتاب الرابع: الفصل الحادى عشر (ليبريوس اسقف روما، وعلة نفى قنستانتيوس له. فيلكس خليفته)
الكتاب الرابع: الفصل الثانى عشر (اتيوس السورى، واودكسيوس خليفة ليونتيوس فى انطاكية. مصطلح "مساوى فى الجوهر")
الكتاب الرابع: الفصل الثالث عشر (ابتداعات اودكسيوس محل الانتقاد، فى رسالة كتبها جورج اسقف لاودكية. وفد مجمع انقيرا إلى قنستانتيوس)
الكتاب الرابع: الفصل الرابع عشر (خطاب قنستانتيوس الإمبراطور ضد اودكسيوس وأنصاره)
الكتاب الرابع: الفصل الخامس عشر (الإمبراطور قنستانتيوس يتوجه إلى سيرميوم ويستدعى ليبريوس، ويعيده إلى كنيسة روما، ويأمر فيلكس بمساعدة ليبريوس فى الخدمة الكهنوتية)
الكتاب الرابع: الفصل السادس عشر (الامبراطور يقترح عقد مجمع فى نيقوميديا بسبب هرطقة اتيوس وبدع انطاكية ولكن بسبب زلزال حدث، انعقد المجمع أولا فى نيقية ثم فيما بعد فى ارمينيّم وسلوقية.)
الكتاب الرابع: الفصل السابع عشر (اجراءات مجمع ارمينيّم)
الكتاب الرابع: الفصل الثامن عشر (رسالة مجمع ارمينيّم إلى الامبراطور قنستانتيوس )
الكتاب الرابع: الفصل التاسع عشر (بشأن مندوبى المجمع، وخطاب الإمبراطور. موافقة فالنس واورساكيوس بعد ذلك على الخطاب. نفى رئيس الاساقفة. مجمع نيقية وسبب عقده فى ارمينيّم)
الكتاب الرابع: الفصل العشرون (الأحداث التى جرت فى الكنائس الشرقية. طرد ماراثونيوس وايليوسيوس من سيزيكوس. وطرد مقدونيوس لأولئك الذين حافظوا على مصطلح "مساوى فى الجوهر". اشتراك النوفاتيين مع الارثوذكس)
الكتاب الرابع: الفصل الواحد والعشرون (اجراءات مقدونيوس فى مانتينيوم، ونقله من كرسيه عندما حاول نقل كفن قنسطنطين الكبير. اعلان يوليانوس قيصرا).
الكتاب الرابع: الفصل الثانى والعشرون. (مجمع سلوقية)
الكتاب الرابع: الفصل الثالث والعشرون (اكاكيوس واتيوس. وكيف قاد الإمبراطور مندوبى المجمعيَن ارمينيّم وسلوقية إلى قبول نفس التعاليم)
الكتاب الرابع: الفصل الرابع والعشرون (اعتماد أنصار اكاكيوس لصيغة مجمع ارمينيّم. قائمة برؤوساء الكهنة المخلوعين واسباب ادانتهم)
الكتاب الرابع: الفصل الخامس والعشرون (أسباب عزل كيرلس اسقف اورشليم، والشقاق المتبادل بين الاساقفة. وسيامة مليتيوس بواسطة الاريوسيين. وتعضيد يوستاثيوس فى اسقفية سابستا)
الكتاب الرابع: الفصل السادس والعشرون (موت مقدونيوس اسقف القنسطنطينية. وماذا قال اودكسيوس فى تعليمه. سعى اكاكيوس واودكسيوس الشديد لإلغاء صيغ ايمان نقية وارمينيّم. المتاعب التى ثارت فى الكنائس)
الكتاب الرابع: الفصل السابع والعشرون. (بدعة مقدونيوس وتجديفه على الروح القدس. انتشار هرطقته بواسطة ماراثونيوس وآخرين)
الكتاب الرابع: الفصل الثامن والعشرون (الاريوسيين، إذ يتوهممون أن مليتيوس يتبنى مفاهيمهم، ينقلونه من سَبسطا إلى انطاكيا. وعندما صُدِموا من إعترافه الجرىء بالعقائد الارثوذكسية يخلعونه. إحلالهم ليوزيوس محله على كرسيه. مليتيوس يُكوِّن كنيسة له، ولكن المتمسكين بالمساوة فى الجوهر يبتعدون عنه لأنه سيم بواسطة الاريوسيين.)
الكتاب الرابع: الفصل التاسع والعشرون (استمرار حزب اكاكيوس فى السعى لإبطال مصطلح مساوى فى الجوهر، وتأكيد هرطقة اريوس)
الكتاب الرابع: الفصل الثلاثون (جورج اسقف انطاكية ورئيس كهنة اورشليم، والثلاثة اساقفة خلفاء كيرلس على التوالى. استرداد كيرلس لكرسى اورشليم).
الكتاب الخامس
الكتاب الخامس: الفصل الأول (موت الامبراطور قنستانتيوس، ويوليانوس المرتد والخائن)
الكتاب الخامس: الفصل الثانى (حياة وتعلّم وتدّرب يوليانوس، وإعتلائه للإمبراطورية)
الكتاب الخامس: الفصل الثالث (عندما استقر يوليانوس فى الحكم بدأ يُدخِل بمكر الوثنية، ويهيج المعارضين للمسيحية)
الكتاب الخامس: الفصل الرابع (يوليانوس يجلب الشرور على قيصرية. شجاعة ماريس اسقف خلقيدون)
الكتاب الخامس: الفصل الخامس (يوليانوس يرد الحرية للمسيحيين ليُحدِث متاعبا أكثر داخل الكنائس. والمعاملة الشريرة المبتكرة للمسيحيين)
الكتاب الخامس: الفصل السادس (أثناسيوس بعد اختبائه لسبع([1]) سنوات فى دار عذراء حكيمة وجميلة، يعود للظهور جهرا فى ذلك الوقت، ويدخل كنيسة الأسكندرية)
الكتاب الخامس: الفصل السابع (موت جورج اسقف الاسكندرية المفجع. نتائج أحداث معبد ميثرا. خطاب يوليانوس فى هذه الظروف العصيبة)
الكتاب الخامس: الفصل الثامن (بشأن ثيودور حارس الأوانى المقدسة فى انطاكية، وكيف سقط يوليانوس عم هذا الطاغية بسبب هذه الأوانى فريسة للدود)
الكتاب الخامس: الفصل التاسع (استشهاد القديسين يوسيبيوس ونستابوس وزينو فى مدينة غزة)
الكتاب الخامس: الفصل العاشر (بشأن القديس هيلاريون، وعذارى هليوبوليس اللواتى هلكن بالخنازير، والاستشهاد الغريب لأسقف أرثوسا)
الكتاب الخامس: الفصل الحادى عشر
(بخصوص استشهاد مقدونيوس وثيودولوس وجراتيان وبوسيريس وباسيليوس ويوبسكوس)
الكتاب الخامس: الفصل الثانى عشر
(بشأن لوسيفر ويوسيبيوس الأسقفيَن الغربييَن. وعقد يوسيبيوس مع اثناسيوس واساقفة آخرون لمجمع فى الأسكندرية لتأكيد ايمان نيقية وتعريف المساواة للروح مع الآب والإبن. ومرسومهم بشأن الجوهر والأقنوم).
الكتاب الخامس: الفصل الثالث عشر
(بشأن بولينوس ومليتيوس رؤساء كهنة انطاكية؛ وكيف عادى كل من لوسيفر ويوسيبيوس بعضهما بعضا. ودفاع يوسيبيوس وهيلاريوس عن الإيمان النيقاوى)
الكتاب الخامس: الفصل الرابع عشر ( نزاع حزب مقدونيوس مع الأريوسيين بشأن اكاكيوس)
الكتاب الخامس: الفصل الخامس عشر
(نفى أثناسيوس ثانية. ما يخص ايلسيوس اسقف سيزيكوس وتيطس اسقف بوسطرا. ذكرى اسلاف المؤلف.)
الكتاب الخامس: الفصل السادس عشر (جهود يوليانوس فى ترسيخ الوثنية والقضاء على أعرافنا. الرسالة التى ارسلها إلى كبير سدنة الوثنيين)
الكتاب الخامس: الفصل السابع عشر (لكى لا يُظَن أنه طاغية، سلك يوليانوس بحيلة ضد المسيحيين، فألغى شارة الصليب، وأمر الجنود بالذبائح، بدون إرادتهم)
الكتاب الخامس: الفصل الثامن عشر (حظر المسيحيين من الاسواق ومن المقاعد القضائية، ومن الاشتراك فى التعليم اليونانى. مقاومة باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتى وابوليناريوس لهذا المرسوم. وترجمتهم بسرعة للكتاب المقدس بحسب الانماط اليونانية)
الكتاب الخامس: الفصل التاسع عشر (العمل الذى كتبه يوليانوس بعنوان "النفور من اللحية". الوصف التام لها. نقل بقايا بابيلاس الشهيد)
الكتاب الخامس: الفصل العشرون (عواقب النقل. اساءة معاملة الكثيرين من المسيحيين. تيودور المعترف. سقوط نار من السماء تدمر معبد ابوللو بدافنة)
الكتاب الخامس: الفصل الواحد والعشرون
(تمثال المسيح الذى دمره يوليانوس، وتمثاله الذى أقامه فدمرته صاعقة وجعلته بلا فائدة. نبع عمواس الذى غسل فيه المسيح أقدامه. شجرة برسيس التى سجدت للمسيح فى مصر. العجائب التى جرت بواسطتها).
الكتاب الخامس: الفصل الثانى والعشرون
(يوليانوس يسمح لليهود بإعادة بناء هيكل أورشليم، نكاية بالمسيحيين. إندلاع نار تقتل الكثيرين من العاملين فيه. وظهور علامة الصليب على ثيابهم)
الكتـــاب السادس
الكتاب السادس: الفصل الأول
(حملة يوليانوس على فارس. إنكساره وفقدانه للحياة على نحو بائس. خطاب ليبانيوس عن موته)
الكتاب السادس: الفصل الثانى
(هلاكه بالسخط الإلهى. رؤيا أفراد كثيرين بشأن موت الإمبراطور. رد إبن النجار. يوليانوس يقذف بدمه إلى المسيح. الافتراءات التى لصقها ليبانيوس بالرومان)
الكتاب السادس: الفصل الثالث (عهد جوفيانوس. سنّه لقوانين كثيرة)
الكتاب السادس: الفصل الرابع
(الاضطرابات تبرز مرة أخرى فى الكنائس. مجمع انطاكية الذى صًدِّق فيه على الايمان النيقاوى. النقاط التى كتبها هذا المجمع لجوفيانوس)
الكتاب السادس: الفصل الخامس (أثناسيوس الكبير يُقدَّر كثيرا لدى الإمبراطور، ويدير كنائس مصر. ظهور انطونيوس الكبير)
الكتاب السادس: الفصل السادس (موت جوفيانوس، حياة فالنتنيانوس ثقته بالله. كيف وصل إلى العرش. اختياره لأخيه فالنس للحكم معه. الاختلاف بينهما)
الكتاب السادس: الفصل السابع (الاضطرابات تثور ثانية فى الكنائس. عقد مجمع لامبساكوس Lampsacus. سيادة الاريوسيين على الكنائس. طرد الارثوذكس، ومن بينهم ميليتس الانطاكى)
الكتاب السادس: الفصل الثامن ( الثورة وموت بروكبيوس غير العادى. إليوسيوس اسقف سيزيكيوس ويونوميوس الهرطوقى. يونوميوس يخلف اليوسيوس)
الكتاب السادس: الفصل التاسع (معاناة المتمسكين بإيمان نيقية. اجليوس رئيس النوفاتيين)
الكتاب السادس: الفصل العاشر (بشأن فالنتنيانوس الصغير، وجراتيان. اضطهاد فالنس. ضغط الاريوسيين والمقدونيين على الهوموأووسيين. بعثة الهوموأووسيين إلى روما)
الكتاب السادس: الفصل الحادى عشر. (اعتراف يوستاثيوس وسلفانوس وثيوفيلس مبعوثى المقدونيين إلى ليباريوس اسقف روما)
الكتاب السادس: الفصل الثانى عشر (مجامع صقلية وتيانا. الغاء المجمع الذى كان متوقعا عقده فى كيليكيا من قِبل فالنس. الاضطهاد فى ذلك الوقت. فرار أثناسيوس العظيم مرة أخرى واختفائه. ظهوره مرة ثانية بناء على رسالة من فالنس وإدارته لكنائس مصر)
الكتاب السادس: الفصل الثالث عشر (ديكوفيلس الاريوسى يصير اسقفا للقنسطنطينية بعد يودكسيوس. ايفاجريوس المختار التقى. رواية الاضطهاد الناجم)
الكتاب السادس: الفصل الرابع عشر (رواية المندوبين الاتقياء الثمانين فى نيقوميديا الذين حرقهم فالنس فى سفينة فى وسط البحر)
الكتاب السادس: الفصل الخامس عشر (المنازعات بين يوسيبيوس اسقف قيصرية، وباسيليوس الكبير. قدوم الاريوسيين إلى قيصرية وصدهم)
الكتاب السادس: الفصل السادس عشر (باسيليوس يصير اسقفا لقيصرية بعد يوسيبيوس. جرأته نحو الإمبراطور والحاكم)
الكتاب السادس: الفصل السابع عشر ( صداقة باسيليوس وغريغوريوس اللاهوتى بإعتبارهما صنوان فى الحٍكمة، ودفاعهما عن العقائد النيقاوية)
الكتاب السادس: الفصل الثامن عشر (الاضطهاد الذى جرى فى انطاكية عند اورانتس. موضع الصلاة فى اديسا الذى على اسم توماس الرسول. الاجتماع هناك. اعتراف سكان اديسا)
الكتاب السادس: الفصل التاسع عشر (وفاة أثناسيوس الكبير. اعتلاء لوقيوس النصف اريوسى لكرسة الأسكندرية. البلايا التى جلبها على كنائس مصر. بطرس خليفة أثناسيوس يتجه إلى روما)
الكتاب السادس: الفصل العشرون (اضطهاد الرهبان المصريين، وتلاميذ سان انطونيوس. حصرهم فى جزيرة بسبب ارثوذكسيتهم. المعجزات التى أجروها هناك)
الكتاب السادس: الفصل الواحد والعشرون (قائمة الأماكن التى تمسكت بالعقائد النيقاوية. الايمان الذى أظهره الاسكيثيون. فترانيو قائد هذا الجنس)
الكتاب السادس: الفصل الثانى والعشرون (بروز عقيدة الروح القدس فى ذلك الوقت. إقرار أنه واحد مع الاب والابن فى الجوهر.)
الكتاب السادس: الفصل الثالث والعشرون. (وفاة ليبريوس اسقف روما. داماسوس وسيريكيوس يخلفانه. سيادة العقائد الارثوذكسية فى كل مكان فى الغرب فيما عدا ميلان حيث اوكسنتيوس هو رئيس الكهنة. مجمع فى روما يخلع اوكسنتيوس. التعريف الذى أُرسِل بخطاب).
الكتاب السادس: الفصل الرابع والعشرون. (بخصوص القديس امبروسيوس وارتقائه لرئاسة الكهنوت. كيف اقنع الشعب بممارسة التقوى. النوفاتيون فى فريجية، وعيد الفصح)
الكتاب السادس: الفصل الخامس والعشرون. (بشأن ابوليناريوس: الآب والابن نفس الاسم. فتاليانوس الكاهن وانتقاله من هرطقة لأخرى)
الكتاب السادس: الفصل السادس والعشرون (يونيميوس ومُعلِّمه اتيوس. أمورهم وتعليمهم. أولاَّ من علَّما بغطسة واحدة للمعمودية)
الكتاب السادس: الفصل السابع والعشرون ( رواية غريغوريوس اللاهوتى عن ابوليناريوس ويونوميوس فى رسالة إلى نكتاريوس. تميز هرطقته بواسطة فلسفة الرهبان الذين كانوا يعيشون آنذاك، لأن هرطقة هذين الاثنين شغلت تقريبا الشرق كله)
الكتاب السادس: الفصل الثامن والعشرون ( القديسون الذين ازدهروا فى مصر فى هذه الفترة)
الكتاب السادس: الفصل التاسع والعشرون ( بخصوص رهبان طيبة، والفرما)
الكتاب السادس: الفصل الثلاثون (رهبان الاسقيط. الاخوة الملقبون بالطوال. ايفاجريوس الفيلسوف)
الكتاب السادس: الفصل الواحد وثلاثون (رهبان نتريا، والاديرة المسماة بكيليا، ودير رينوكرورا. وعن ميلاس وديونيسيوس وسولون.)
الكتاب السادس: الفصل الثانى والثلاثون (رهبان فلسطين)
الكتاب السادس: الفصل الثالث والثلاثون (رهبان سوريا وفارس)
الكتاب السادس: الفصل الرابع وثلاثون (رهبان اديسا. ورهبان كولى سيريا. والرجال القديسون فى غلاطية وكبادوكيا، وأماكن أخرى. ولماذا يعيش بعضهم عمرا مديدا)
الكتاب السادس: الفصل الخامس والثلاثون (المثلث الخشبى. هلاك الفلاسفة. التنجيم)
الكتاب السادس: الفصل السادس والثلاثون (الحملة ضد السراسيين. وفاة فالنتنيانوس فى روما. إعتلاء فالنتنيانوس الصغير. اضطهاد الكهنة. خطبة ثيمستيوس الفيلسوف التى بسببها عزم فالنس على معاملة المخالفين له فى العقيدة بأكثر انسانية)
الكتاب السادس: الفصل السابع والثلاثون
(بشأن بربر ما وراء الدانوب، الذين طردهم الهون، وزحفوا إلى الرومان، اهتداؤهم إلى المسيحية. الوقائع بين الفيلاس واثيناريخوس. متى تبَنَّى القوط الاريوسية.)
الكتاب السادس: الفصل الثامن وثلاثون
(بشأن مانيا Mania زعيمة Phylarch الساراسيين. انحلال المعاهدة مع الرومان. موسى اسقف العرب. أصل الاسماعليين، واعتناقهم للمسيحية)
الكتاب السادس: الفصل التاسع والثلاثون
(عودة بطرس من روما، استرداد كنائس مصر بعد هرب لوكيوس. حملة فالنس ضد الاسكيثيين فى الغرب)
الكتاب السادس: الفصل الاربعون ( القديس اسحق الراهب يتنبأ بموت فالنس. هلاك فالنس)
الكتاب السابع
الكتاب السابع : الفصل الأول (مساعدة مانيا للرومان. جراتيان يصرح بحرية الإيمان.)
الكتاب السابع: الفصل الثانى
(جراتيان يختار ثيودوسيوس الاسبانى ليحكم معه. الاريوسية تسود على الكنائس الشرقية فيما عدا اورشليم. مجمع انطاكية. إقرار مسألة رئاسة الكنائس)
الكتاب السابع: الفصل الثالث (بشأن مليتيوس وبولينوس اسقف انطاكية وقسَمَهما بشأن الكرسى الاسقفى)
الكتاب السابع: الفصل الرابع
(عهد ثيودوسيوس الكبير. عماده بواسطة اسخوليوس اسقف تسالونيكى. الرسائل التى وجهها إلى مَن لا يتمسكون بتعريف مجمع نيقية.)
الكتاب السابع: الفصل الخامس
(غريغوريوس اللاهوتى يستلم من ثيودسيوس إدارة الكنائس. طرد ديموفيلس وكل مَن ينكر أن الابن واحد مع الآب فى الجوهر)
الكتاب السابع: الفصل السادس
(بخصوص الاريوسيين، ونجاح يونوميوس. شجاعة سان امفيلوكيوس نحو الامبراطور)
الكتاب السابع: الفصل السابع (بشأن المجمع المقدس العام الثانى. مكان وسبب انعقاده. تنازل غريغوريوس اللاهوتى)
الكتاب السابع: الفصل الثامن (انتخاب نكتاريوس لكرسى القنسطنطينية. محل ميلاده وتعليمه)
الكتاب السابع: الفصل التاسع (مراسيم المجمع العام الثانى. مكسيموس الفيلسوف الساخر)
الكتاب السابع: الفصل العاشر
(بشأن مارتيريوس اسقف كيليكية. نقل بقايا بولس المعترف، ومليتيوس اسقف انطاكية)
الكتاب السابع: الفصل الحادى عشر (سيامة فلافيان اسقفا لأنطاكية. الأحداث المتعاقبة بسبب القسم)
الكتاب السابع: الفصل الثانى عشر
( مشروع ثيودوسيوس لتوحيد كل الهراطقة. الفروض التى وضعها آجلوس وسيسينوس النوفتيان. الامبراطور واتباع الآراء المخالفة.)
الكتاب السابع: الفصل الثالث عشر
( مكسيموس الطاغية. الوقائع التى جرت بين يوستينا الامبراطورة وامبروسيوس. مقتل الامبراطور جراتيان غدرا. هروب فالنتنيانوس الصغير وأمه إلى ثيودوسيوس
الكتاب السابع: الفصل الرابع عشر
(ميلاد هونوريوس. ثيودوسيوس يترك اركاديوس فى القنسطنطينية ويتجه إلى ايطاليا. خلافة النوفاتيين والبطاركة الآخرين. جرأة الاريوسيين. القضاء على الطاغية)
الكتاب السابع: الفصل الخامس عشر
(فلافيان وايفاجريوس اساقفة انطاكية. احداث الأسكندرية عند تدمير معبد ديونيسيوس. معبد سيرابيوم. والمعابد الأخرى الوثنية التى دُمِّرت.)
الكتاب السابع: الفصل السادس عشر (إلغاء وظيفة كاهن فريضة التوبة. اطروحة عن نمط التوبة)
الكتاب السابع: الفصل السابع عشر
( نفى ثيودوسيوس الكبير ليونوميوس، ثيوفرنيوس خليفته. يوتيخس، ودورثيوس وهرطقاتهما. انقسام الاريوسيبن إلى أحزاب مختلفة.)
الكتاب السابع: الفصل الثامن عشر
(هرطقة أخرى للسبتيين Sabbatians الناشئة من النوفاتيين. رواية مفصلة عن الاحتفال بعيد الفصح)
الكتاب السابع: الفصل التاسع عشر (العادات بين الشعوب والكنائس المختلفة)
الكتاب السابع: الفصل العشرون. (امتداد عقائدنا، وإزالة المعابد الوثنية بالكامل. فيضان النيل)
الكتاب السابع: الفصل الواحد وعشرون (اكتشاف رأس المُكرَّم السابق لربنا، والأحداث الخاصة بها)
الكتاب السابع: الفصل الثانى والعشرون
(موت فالنتنيانوس الصغير، الطاغية يوجينيوس. نبوة يوحنا الراهب الطيبى)
الكتاب السابع: الفصل الثالث والعشرون
(ابتزاز الضريبة فى انطاكية، تحطيم تماثيل الامبراطور. بعثة فلافيان رئيس الكهنة)
الكتاب السابع: الفصل الرابع والعشرون (انتصار ثيودوسيوس على يوجينيوس)
الكتاب السابع: الفصل الخامس والعشرون
(مذبحة تسالونيكى. جرأة القديس امبروسيوس فى حضرة الامبراطور ثيودوسيوس. سيرة هذا القديس البار)
الكتاب السابع: الفصل السادس والعشرون
(القديس دوناتوس اسقف بيرية، وثيوتيموس الكاهن الاعلى فى سكيثيا)
الكتاب السابع: الفصل السابع والعشرون
(القديس ابيفانيوس اسقف قبرص. ورواية أعماله الخاصة)
الكتاب السابع: الفصل الثامن والعشرون
(اكاكيوس اسقف بيرية، زينو، آجاكس. رجال متميزون ومشهورون بالفضيلة)
الكتاب السابع: الفصل التاسع وعشرون
(اكتشاف رفات النبى حبقوق وميخا. وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير)
الكتاب الثامن
الكتاب الثامن: الفصل الأول
(خلفاء ثيودوسيوس الكبير. مقتل روفينوس البريتوريان. رؤساء كهنة المدن الرئيسية. الاختلافات بين الهراطقة. رواية سيسنوس اسقف النوفاتيين)
الكتاب الثامن: الفصل الثانى
(تعليم وتدريب وسلوك وحكمة فم الذهب العظيم. اعتلائه للكرسى. ثيوفيلس اسقف الأسكندرية خصمه).
الكتاب الثامن: الفصل الثالث
(الترقية السريعة ليوحنا للأسقفية، صراعات عنيفة بشأنها. إعادة التهذب للكنائس الأخرى فى كل مكان. ازالة عداوة فلافيان بإرساله لبعثة إلى روما )
الكتاب الثامن: الفصل الرابع (مشروع جايناس القوطى البربرى. الشرور التى ارتكبها)
الكتاب الثامن: الفصل الخامس
(يوحنا يؤثر على الشعب بتعليمه.المرأة تابعة مقدونيوس التى تحول بسببها الخبز إلى حجر)
الكتاب الثامن: الفصل السادس
(اجراءات يوحنا فى اسيا وفريجية. هيراقليدس اسقف افسس، وجرونتيوس اسقف نيقوميديا)
الكتاب الثامن: الفصل السابع
(بشأن يوتربيوس رئيس الخصيان، والقانون الصادر ضده. موته عند خروجه من الكنيسة. الهمهات ضد يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل الثامن
(طريقة التسبيح بالمجاوبة التى أدخلها يوحنا ضد الاريوسيين. تعاظم منافع الارثوذكس بتعليم يوحنا، وتضخم الثروة أكثر وأكثر).
الكتاب الثامن: الفصل التاسع
(سيرابيون رئيس الشمامسة والقديسة اوليمبياس. وبعض الرجال المشهورين الذين تحاملوا بوقاحة على يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل العاشر
(سيفريانوس اسقف جابليا، وانتيوخس اسقف بتولمايس. المنازعة بين سيرابيون وسيفريان. المصالحة بينهما بواسطة الإمبراطورة)
الكتاب الثامن: الفصل الحادى عشر
(المسألة التى ثارت فى مصر بشأن ما إذا كان الله له شكل جسدى أم لا. ثيوفيلس اسقف الأسكندرية وكتب اوريجينوس)
الكتاب الثامن: الفصل الثانى عشر (الاخوة الطوال الأربعة، والأحداث الخاصة بهم)
الكتاب الثامن: الفصل الثالث عشر
(الاربعة يتوجهون إلى يوحنا. غضب ثيوفيلس لذلك. استعداده للحرب ضد يوحنا )
الكتاب الثامن: الفصل الرابع عشر
(شكاسة ثيوفيلس. القديس ابيفانيوس. الإعداد لإثارة الشغب ضد يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل الخامس عشر
(ابن الإمبراطور وابيفانيوس. اللقاء بين الإخوة الطوال وابيفانيوس. ابحار ابيفانيوس إلى قبرص. ابيفانيوس ويوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل السادس عشر
(النزاع بين يوحنا والإمبراطورة. وصول ثيوفيلس من مصر. كيرنوس اسقف خلقيدون)
الكتاب الثامن: الفصل السابع عشر
(المجمع المنعقد من ثيوفيلس فى رفينيانا. استدعاء يوحنا للحضور. عزله بواسطتهم)
الكتاب الثامن: الفصل الثامن عشر
(شغب الشعب ضد ثيوفيلس. التشهير بالحكام. استدعاء يوحنا إلى كرسيه مرة أخرى)
الكتاب الثامن: الفصل التاسع عشر
(مكابرة ثيوفيلس. العداوة بين المصريين ومواطنى القنسطنطينية، هروب ثيوفيلس. نيلامون الناسك الغزاوى. مجمع بشأن يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل العشرون
(تمثال الإمبراطورة. ما حدث هناك. تعليم يوحنا. الدعوة لمجمع آخر ضد يوحنا. عزله)
الكتاب الثامن: الفصل الواحد والعشرون
(المصائب التى حلت على الشعب بعد طرد يوحنا. مؤامرة لإغتياله)
الكتاب الثامن: الفصل الثانى وعشرون
(الطرد الظالم ليوحنا من ايبارشيته. المتاعب التى تلت ذلك. احتراق الكنيسة بنار من السماء. نفى يوحنا إلى كوكوسس)
الكتاب الثامن: الفصل الثالث والعشرون
(انتخاب ارساكيوس ليحل محل يوحنا. الشرور التى جرت ضد اتباع يوحنا. القديسة نيكاريت)
الكتاب الثامن: الفصل الرابع وعشرون
(يوتروبيوس القارىء، واولمبياس الشماسة، وتيجرس الكاهن يُضطَهدون بسبب التصاقهم بيوحنا. البطاركة)
الكتاب الثامن: الفصل الخامس والعشرون
(انحطاط الشؤن المدنية. امور ستيلكو. جنرال هونوريوس)
الكتاب الثامن: الفصل السادس والعشرون
(رسائل انسنت اسقف روما إلى يوحنا وكهنة القنسطنطينية كل على حدة.)
الكتاب الثامن: الفصل السابع وعشرون
(الاحداث المرعبة التى حدثت نتيجة لمعاملة يوحنا. موت افدوكسيا. موت اركاديوس. اتيكوس البطريرك: محل ميلاده وشخصيته)
الكتاب الثامن: الفصل الثامن وعشرون
(جهود انسنت لإرجاع يوحنا بواسطة مجمع. اولئك الذين ارسلهم لأجل هذا. وفاة يوحنا.)
الكتاب التاسع
الكتاب التاسع: الفصل الأول ( موت اركاديوس. حكم ثيودوسيوس الأصغر. أخواته المتبتلات)
الكتاب التاسع: الفصل الثانى (اكتشاف رفات الاربعين شهيدا القديسين)
الكتاب التاسع: الفصل الثالث (فضائل بولخريا وشقيقاتها)
الكتاب التاسع: الفصل الرابع (الهدنة مع فارس. هونوريوس واستيلكو. اعمال روما ودالماتيا)
الكتاب التاسع: الفصل الخامس
(أمم مختلفة تحمل السلاح ضد الرومان: بعضهم هُزِم بالعناية الإلهية، وبعضهم خضعوا بشروط)
الكتاب التاسع: الفصل السادس (آلاريك القوطى. الغارة على روما وحصارها حربيا)
الكتاب التاسع: الفصل السابع (سفارة اينسنت اسقف روما إلى آلاريك. جوفياس حاكم ايطاليا. السفارة إلى الإمبراطور. الاحداث بشأن آلاريك)
الكتاب التاسع: الفصل الثامن (عصيان اتالوس، وكيف طلب العفو عند اقدام هونوريوس)
الكتاب التاسع: الفصل التاسع (قلاقل بين اليونانيين والمسيحيين بشأن اتالوس، استيلاء آلاريك بالخديعة على روما، المحافظة على كنيسة مار بطرس)
الكتاب التاسع: الفصل العاشر. (سيدة رومانية تُظهِر عمل وداعة)
الكتاب التاسع: الفصل الحادى عشر (الطغاة الذين كانوا فى الغرب وقت العصيان على هونوريوس. هلاكهم جميعا بسبب محبة الله للإمبراطور)
الكتاب التاسع: الفصل الثانى عشر (ثيودولوس ولاجوديوس. أجناس الفاندال والسوفى. موت آلاريك. هرب قنسطنطين وقنسطانس الطاغيتين)
الكتاب التاسع: الفصل الثالث عشر (بشأن جرونتيوس ومكسيموس، وقوات هونوريوس. أسر جرونتيوس وزوجته وموتهما)
الكتاب التاسع: الفصل الرابع عشر (قنسطنطين. جيش هونوريوس وجنراله اودفيكوس. هزيمة اودفيكوس من اولفيلاس جنرال قنسطنطين. موت إدوفيكوس)
الكتاب التاسع: الفصل الخامس عشر (قنسطنطين يلقى بشعار الإمبراطورية، ويُمسَح ككاهن. موته. موت الطغاة الآخرين الذين قاموا ضد هونوريوس)
الكتاب التاسع: الفصل السادس عشر (هونوريوس الحاكم مُحب الله. وفاته. فالنتنيانوس وهونوريا ابنته. السلام فى العالم)
الكتاب التاسع: الفصل السابع عشر (اكتشاف رفات زكريا النبى، واستفانوس أول الشهداء)
تـمهـيــد المـعــــرب
حيـاتـه
سالامينوس هرمياس سوزمينوس([2])، غير معروف عنه على وجه التحديد، لا تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته. لذلك يرى بعض الدارسين أنه وُلِد فى وقت ما بين 370م و380م، حسب تقدير تشستر Chester، بينما يذهب آخرون إلى أنه وُلِد فى حوالى سنة 400م. وواضح أنها كلها تواريخ احتمالية لا تقريرية. على أية حال يمكننا القول أنه أحد رجال القرن الخامس الميلادى.
وقد وُلِد فى قرية بيثيليا Bethelia إحدى قرى غزة الآن([3]). ويُرجِح تشستر مترجم النص إلى أنه كان على الأرجح فلسطينيا وليس يهوديا لأنه كان، كا يرى هو، وثنيا. وبعد أن درس علوم عصره الكلاسيكية، ذهب إلى مدينة بريتس([4]) Berytus في فينيقية Phoenicia لكي يتعلم القانون المدني في مدرستها، حيث كانت هذه المدينة تتمتع آنذاك بشهرة خاصة فى دراسة القانون. ومن هنا كان لقبة اسكولاستيك.
وكان هذا اللقب يُطلق أساسا على المنشغلين بالمحاماة. وهكذا كان الحال مع رفيق عصره سقراتيس، وكذلك مع الأنبا زكريا البليغ فيما بعد. وبعد انتهائه من الدراسة ذهب إلى القنسطنطينية لكي يبدأ ممارسة عمل المحاماة.
وفي تلك الفترة تولدت لديه الرغبة فى كتابة تاريخ الكنيسة(3:2)، منقادًا بيوسيبيوس([5]) القيصرى كنموذجٍ ومثالٍ. فبدأ أولا ببعض الدراسات التمهيدية ثم كَتب عمله الكبير هذا في حوالى النصف الثاني من عام 443 م، وانتهى منه تقريبا عام 447 أو 448 م.
وجدير بالذكر أن سوزمينوس، وكذلك سقراتيس، لم يكونا بتاتا من الاكليريكين بأى شكل من الاشكال، بل كانا علمانيين([6]) فقط محبين للكنيسة وتاريخها، على عكس يوسيبيوس القيصرى من قبلهما وثيودريت اسقف كيروس من بعدهما.
وفى عمليَهما تتداخل الاحداث غير أن هناك تفاصيل لدى سقراتيس غير موجودة لدى سوزمينوس، وتفاصيل لدى سوزمينوس غير موجودة لدى سقراتيس. لذلك عملهما مكملان لبعضهما البعض([7])
ثقافته
كان الجانب الأعظم من دراسته باللغة اليونانية، والتي كان بارعا فيها، بل إنه صار واحدا من أبرع الكُتاب في أيامه كما يذكر فوتيوس([8]) المؤرخ. ومن معرفته بالأسماء السريانية والأرامية، ومن مقارنته بين أعمال مار آفرام في لغتها الأصلية وبين ترجمتها في اللغة اليونانية، ومن حديثه عن الرهبان السريان، وكذلك استخدامه للوثائق التي كتبها مسيحيو سوريا وفارس خاصة اديسا Edessa، ومعرفته الواسعة بتاريخ الكنيسة السريانية، يمكننا أن نستدل على إحاطته باللغة السريانية. أما بالنسبة للغة اللاتينية، فإنه اذا كان من الصعب البت في هذا الأمر، إلا أنه يمكن القول أن عمله كمحامى كان يجعله يُلِّم بلغة القضاء التى كانت آنذاك اللاتينية لأن كل الأحكام والقوانين كانت بهذه اللغة. غير أننا نجد من ناحية أخرى، أنه عندما كان يستشهد بوثائق لاتينية، كان ينقلها عن ترجمات يونانية!!.
على أية حال كان سوزومينوس ذا ثقافة عالية ودراية بالفلسفات والكتابات الأدبية غير المسيحية([9]).
أما عن تعليمه المسيحي، فقد كان يعترف بقانون الإيمان النيقاوي، وإن يقر بعدم درايته التامة بالأمور اللاهوتية. إذ بعد أن يسرد نص رسالة القديس غريغوريوس النزينزي إلى نكتاريوس Nectarius يقول للقارئ انه لا يستطيع القول أنه يفهم أو يشرح هذه الأمور بسهولة.
كذلك نجده يدافع في تاريخه عن القديس يوحنا فم الذهب ضد الاتهامات التي وُجهَّت إليه، مثل تلك التي ذكرها سقراتيس في تاريخه.
تاريخه الكنسي
بدأ سوزومينوس في كتابة "تاريخه الكنسي"، كما قلنا، فى حوالى سنة 443م وإنتهى منه سنة 448م على الأكثر، وأهداه إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير أو الثانى. وكان من المفترض أن يغطى الفترة ما بين نهاية عمل يوسيبيوس القيصرى (والذى ينتهى عند 325م) إلى السنة "السابعة عشر من حُكم ثيودوسيوس الصغير" حسبما أعلن فى تمهيده، أى سنة 439م.
ولكن ما وصلنا فعلا من مخطوطته يقف عند 429م تقريبا، حيث فُقِد الجزء الأكبر من كتابه التاسع والذى يُغطى الأحداث من عام 425م إلى عام 439م. وقد كان بالفعل كذلك الى عهد المؤرخ فوتيوس(ق9م).
ومن الفصل الأول من "تاريخه الكنسي"، محل إنشغالنا الآن، نعرف أن هذا العمل لم يكن عمله الأول بل كان قد وضع قبلا ملخصا لتاريخ الكنيسة منذ صعود السيد المسيح إلى هزيمة ليسينيوس فى عام 323 م فى إثنى عشر "كتابا" [أى بابًا]. وشملت مصادره يوسيبيوس القيصرى، عظات كليمندس، هجيسبيوس، سيكستوس يوليوس افريكانوس(1/1/9). وهذا العمل مفقود الآن ولم يصلنا.
أما "التاريخ الكنسي" لسوزومينوس فيتكون من تسعة كتب [أى أبواب، كما قلنا] يسبقهـا إهداء إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، وهي كما يلي:
الكتابان الأول والثاني: تاريخ الكنيسة أثناء حكم قنسطنطين Constantine.
الكتابان الثالث والرابع: تاريخ الكنيسة أثناء حكم أبناء قنسطنطين.
الكتابان الخامس والسادس: تاريخ الكنيسة أثناء حكم يوليانوس(المرتد) Julian وجوفيانوس Jovian وفالينتينيانوسValentinian وفالنس Valens.
الكتابان السابع والثامن: تاريخ الكنيسة فى عهد جراتيانوس Gratian وفالنتنيانوس( الأصغر) وثيودوسيوس الكبير Theodosius، واركاديوس Arcadius وهونوريوس Honorius.
الكتاب التاسع: يخص عهد ثيودوسيوس الصغير. (والذى لم يصلنا كاملا لسوزمينوس).
مـصــادره:
ماهى مصادر سوزمينوس؟. هناك جدل بين الدارسين الغربيين بشأن مصادر سوزمينوس. فالبعض يُسرِع بالقول أنه نقل عن سقراتيس معاصره والذى على ما يبدو أصدر عمله قبله، ويرون أن ثلاثة أرباع عمله هى من سقراتيس اسكولاستيكوس، حيث تظهر العلاقة الأدبية بين هؤلاء الكاتبيَن فى مواضع عدة (أنظر مثلا سقراتيس10:1 مع سوزمينوس22:1).
ولكننى أرى ان اعتماد سوزمينوس على سقراتيس ليس بهذه الدرجة التى تجعله فى نظر البعض ناسخا لسقراتيس، ولكن التشابه أو حتى التطابق بينهما فى ذات الحادثة أو الواقعة يعود، فى نظرى، إلى وِحدة المصدر أو المصادر. فما من شك أنه بالنسبة للأحداث القديمة نقل كلاهما من مصادر مكتوبة قبلهما. ومن هنا من الممكن لى قبول الرأى الذى يرى أن سوزمينوس قد استفاد من عمل سقراتيس فى التعرف على المصادر، ومن الممكن أيضا أن يكون قد استفاد منه فى ترتيب الأحداث. فهذا أمر ما زال حادثا حتى يومنا هذا حيث يَطَّلع باحث ما على مصادر عمل آخر، ثم يقرأ هو هذه المصادر بنفسه ويصوغها بأسلوبه هو، ويُضفِى عليها أو بالأحرى يُضمِنها وجهة نظره ورؤيته الخاصة.
ويرى البعض أنه بالنسبة للنوفاتيين([10])، اعتمد بالكامل على سقراتيس. ولا مانع لدىّ فى قبول هذا الرأى، على أساس أن آخرين يُرجحون أن سقراتيس ربما كان من شيعة النوفاتيين.
ولكن بلا شك كان لكلٍ منهما مصادره الخاصة إلى جانب المصادر المشتركة بينهما. وبالإضافة إلى ذلك كانت لكل منهما وجهة نظره الخاصة فى تناول ذات الحدث. بل أقول كان لكل منهما هدفه الخاص من وراء انتقاء الأحداث التى يرويها، وسأدع كل قارىء يستخلص هذا الهدف بذاته.
أما عن المصادر التى استقى منه سوزمينوس معلوماته فى هذا المكان أو ذاك، فيمكننا بصفة عامة، التعرف عليها بسهولة. رغم أنه لم يكن يشير، إلا فيما ندر، إلى مراجعه. وهى كما يلى:
(1) أول مصدر بالطبع هو " تاريخ الكنيسة" ليوسيبيوس القيصرى، وكذلك "حياة قنسطنطين" لنفس الكاتب.
(2) " أعمال أثناسيوس" الرسولى التاريخية وكذا كتابه عن "حياة الأنبا انطونيوس". حيث نجده يُكمِل رواية سقراتيس من عمل البابا أثناسيوس "ضد الاريوسيين"، كما ينسخ من رسالة البابا أثناسيوس إلى اساقفة مصر(18، 19).
(3) الكتابان التاريخيان اللذين أضافهما روفينوس الأكويللى القس الإيطالى، فى ترجمته اللاتينية لعمل يوسيبيوس القيصرى، والمعروفان بالكتابين "العاشر والحادى عشر" لروفينوس([11]). وبالطبع روفينوس هنا فى كثير من الأحداث كان المصدر الأول لسقراتيس وسوزومينوس ومَن بعدهما.
وهنا نلاحظ تميز كلٌ منهما فى تناوله لذات المصدر الواحد، إذ سنرى أن سوزمينوس كان أكثر قربا لروفينوس فى تناوله لراوية طفولة أثناسيوس، عن سقراتيس، مما يدل على أن كلا منهما أعد تاريخه بأسلوبه الخاص من ذات المصادر، ولم يكن ناسخا للآخر.
(3) عندما يتكلم عن كواكب الرهبنة ورموزها البارزين فى مصر فى مواضع مختلفة من عمله كانت تحت يده بالطبع أعمال: بالاديوس، و" وصف الرهبان السبعة الذين من أورشليم" المعروف باسم "هستوريا موناخورم"، ووصف روفينوس.([12])
(4) بالنسبة لمصادر السجلات الكنسية استخدم سوزمينوس بصفة اساسية عمل سابينوس Sabinus الذى كان يشير إليه بإستمرار. وأيضا سجلات المجامع من صُور(355م) إلى انطاكية التى فى كاريا(367م).
(5) واستخدم سوزمينوس مصادر أخرى عديدة انفرد هو بها. فهناك الكثير من الصفحات التي لا نجدها في تاريخ سقراتيس، ولكنها توجد فقط في تاريخ سوزومينوس، مثل الحديث عن اضطهاد المسيحيين في فارس أثناء حكم سابور الثاني Sapor II والذي استقاه بالتأكيد من " أعمال شهداء فارس". وكذلك التواريخ الرهبانية، و"Vita Martini" لسلبيسيوس ساويرس. واعمال هيلاريوس، ويوستاثيوس الانطاكى، ورسالة كيرلس الأورشليمى إلى قنستانتيوس بشأن ظهور الصليب الإعجازى، و"عمل" بالاديوس. هذا إلى جانب التقليد الشفاهى([13]) على نحو أضاف قيمة متميزة لعمله. بالإضافة إلى مصادر أخرى غريبة أكثر، من سقراتيس.
(6) ومن فترة ثيودوسيوس الأول، كف سوزمينوس عن تتبع عمل سقراتيس، واتبع نهج اولمبيودورس الطيبى Olympiodorus of Thebes الذى ربما كان المصدر المدنى الوحيد لسوزمينوس، حيث يبدو الكِتاب التاسع لسوزمينوس اختصارًا لعمل اولمبيادورس هذا، فى نظر شستر مترجم النص إلى الإنجليزية.
(7) هذا بالإضافة بالطبع إلى " اعمال" باسيليوس القيصرى، وغريغوريوس اللاهوتى، وكتاب بالاديوس "حوار عن حياة فم الذهب"([14]). فضلا عن تاريخ يوسيبيوس القيصرى الذى يُكمِل تاريخه. ليس هذا فحسب، بل نجده يشير(فى ك 19:6) إلى عمل للبابا الأسكندري تيموثاوس خاص بسير بعض الرهبان. لكنه بالطبع لم يكن ينقل منهم بالنص، ولكن بإختصار وبأسلوبه الخاص كقارىء يعرض بنفَسِه ما قد قرأه من معارف([15]).
(8) والى جانب ذلك اعتمد على وثائق أخرى فنجده يقول "ولكننى بحثتُ عن سجلات أحداث التاريخ القديم بين القوانين الراسخة المتعلقة بالديانة، وبين مضابط مجامع الفترة، وبين البدع التى ثارت وفى رسائل الملوك والكهنة. وكانت بعض هذه الوثائق محفوظة فى القصُور والكنائس وأخرى كانت متناثرة بين ممتلكات بعض المتعلمين"([16])
ويُلاحَظ أن سوزمينوس يبذل جهدا مضنيا لكى يكون مُلما جيدا بكافة مصادر المعلومات الخاصة بالموضوع الذى يطرقه، فقد كانت لدية رغبة جامحة فى الوصول إلى الحقيقة. فكان يتتبع مصادره بدرجة وثيقة، وفى بعض الأحيان حرفيا. ولذلك عندما كانت هناك اختلافات فى المصادر فيما بينها كان يعرضها كلها فى العادة.
نقد عمل سوزمينوس
إن عمل سوزمينوس شيق وقيّم لعدة أسباب:
1- أنه يُعطي، أكثر من أى مؤرخ سابق له، اهتماما كبيرا لنشاط المسيحيين التبشيرى. فيحدثنا عن العمل الكرازي في "إيبيريا" Iberia التى هى جورجيا الآن، وفى أرمينيا، والحبشة التى يدعوها نقلا عن روفينوس "بالهند الداخلية"، والقوط، والساراسيين أى العرب. وكان أول مؤرخ يقدم وصفا أشمل للمسيحية في سوريا وفلسطين. كما يذكر بعض أبعاد الحياة المسيحية والمعاناة في اديسا.
غير أنه كان على غرار سقراتيس يهتم بالأكثر بالتاريخ المسيحى الشرقى، لذا لا يتحدث على الإطلاق عن الكنيسة في إفريقيا، ويروى القليل جدا عن الكنيسة الغربية فى علاقتها بالشرق. وقد اختصر ثيودريت عنه هذه الأخبار فى عمله "التاريخ الكنسى".
2- وكان معجبا بشدة بالحياة الرهبانية التى اعتبرها "الفلسفة"([17]) الحقيقية للحياة. فتحدث عن ظهور وانتشار الرهبنة المسيحية، وجهادات مؤسسيها الأوائل فى إنشاء الأديرة والجماعات الرهبانية، مؤكدا أن الحياة النسكية هي، فى نظره، "الفلسفة" الحقيقية، وأن مؤسسيها هم فقط "الفلاسفة" الحقيقيون. فذكر آباء الرهبنة وقادتها العظماء في الأماكن المختلفة، وجعل ذلك سمة لمعالجته التاريخية لحياة الكنيسة. رغم أنه لم يكن راهبًا، فمع إعجابه بعظمة الرهبنة الروحية، إلا أنه لا يقول أبدا أنه اتبع هذا الدرب المقدس، بل انكر على نفسه الحق أو القدرة على اتباع هذا النهج، ويقول "لأننى لا أرغب فى أن أُعتَبر غير لطيف نحوهم، ولا أن أُهمِل فضائلهم، ولا أن أكون جاهلا بتاريخهم. ولكننى أرغب فى أن أُخلِف ورائى سجلا بسلوك حياتهم هذه، حتى ما يحض الآخرين على الإقتداء بنموذجهم إلى نهاية سعيدة ومباركة"([18]). ولذلك يُقدّم لنا السير الرهبانية بإسهاب أكثر نوعا ما عن سقراتيس، وبتأمل روحى جميل لا يخلو من رأي فلسفى له.
3- وعلى الرغم من أن معالجته للكنيسة الغربية لم يكن تاما إلا أننا نجد صفحات عنها تضم حقائقً ليست متوفرة فى أعمال أخرى، وتُعتبَر من الناحية الوثائقية ذات أهمية قصوى. وتتضح بجلاء روح واهتمام سوزمينوس التاريخى فى تتبعه لخيوط رواية سقراتيس، ولكنه يسعى إلى تجويدها والتفوق عليها بتعبير أنيق وباستخدام أفضل لمصادر ممتازة.
4- وتختلف نظرته لدور المؤرخ عن تلك التى لسقراتيس، فهو يرى (فى ك15:3) أن دور المؤرخ هو تجميع الحقائق دون إضافة شىء إليها. ومن هنا لم يكترث كثيرا بنقد مصادره([19]) بل كان يتبنى فى العادة وجهة نظرها، لدرجة أنه أُتُهِم بالأريوسية والنوفاتية!!. بينما فى الحقيقة، لم يكن له أى رأى فى الجدل اللاهوتى، وقد عبَّر عن ذلك صراحة وبكل جلاء.
5- وفى تناوله لأوضاع الكنيسة، وطرق تفسير الكتاب المقدس، ووجهة نظره فى التسلسل الكهنوتى وكرامة الرتب الكنسية، كان دائما يتناول هذه الأمور بشعور الخضوع والاحترام. فقد كان مقتنعا اقتناعا عميقا بدور العناية الإلهية فى مجرى التاريخ([20])، وقيادتها وإرشادها للكنيسة. وأن رسالة الكنيسة هى أساسا تنظيم شؤون البشر تحت الارشاد الإلهى.
وبالنسبة لطرق تفسير الأسفار المقدسة يأخذ بالرمزية كمنهج للتفسير. وفى الشؤن العقائدية حرص كل الحرص على التمسك بعقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية معتبرا إياها العقيدة الأصلية الحقيقية. واعتبر صيغة مجمع نيقية للإيمان الصيغة النهائية التى لا يجوز إضافة أى شيء إليها أو حذف أى شيءٍ منها. لكنه لم يدونه ضمن تاريخه خوفًا من أن يطلع عليه ، كما يقول، غير المُعمَّدين. فعارض بشدة كل انواع الهرطقات بكافة أشكالها.
ولكن بينما كان يكره بشدة الاريوسية و"الغنوسية الوثنية" والمونتانية والأبولينارية وغيرها، لم يسمح لنفسه بتاتا بالهجوم على قادتها([21])، إذ يقول " ولا يبدو غريبا إن قدَّمتُ توصيات بشأن قادة البدع السابق ذكرهم، أو المتحمسين لها، فاننى معجب ببلاغتهم ومثابرتهم فى الخطابة. واننى أدع الحُكم على عقائدهم لمن لهم الحق"([22])
6- ورغم أنه مؤرخ مسيحى أساسا ويؤرخ للتاريخ الكنسى، إلاَّ أننا نلاحظ أصداء قراءاته الفلسفية والأخلاقية فيُعلِّق مصححا لهذا الرأى أو ذاك متى وجده رأيا أو قولا غير سليم. مثلما نرى فى (ك 6:5) حيث يقول ليس صحيحا أنه حسبما يكون الجسد هكذا تكون النفس كما يقول البعض، ولكن على العكس يتشكل سلوك الجسد تبعا لنشاط النفس.
7- ويساعدنا هذا التاريخ على معرفة بعض "الاسرار الكنسية" (العماد، التناول، الاعتراف) تاريخيا. بل وأيضا ترتيبات موسم البصخة (فى ك18:7)
8- كما يكشف لنا هذا التاريخ عن أن جميع الهرطقات قد نبعت من "تضخم الذات" و"الأناوية". فكل خادم كنسى أيا كانت رتبته يُريد أن "يأتى بجديد" لم يعرفه أحدٌ من قبله ولا من بعده. وليس مهما أن يكون ذلك حسب التفليد الكنسى أو حسب الكتب المقدسة، المهم أن يكون منسوبا له.
9- وعلى الرغم من أن تاريخ سوزمينوس تاريخا كنسيا محضا إلاَّ أنه اشتمل على بعض السير لبعض القديسين والرهبان الذين كان يحلو له طوال عمله هذا أن ينعتهم، كما قلنا، "بالفلاسفة" ليس بالمعنى الحالى للكلمة ولكن بمعنى اصطلاحى عنده، استخدمه على اساس المعنى اللغوى للكلمة. فالفلسفة لغويا تعنى "حب الحكمة" والراهب يبحث عن "الحكمة الحقيقية" التى هى معرفة الله والحياة الدائمة معه. أو عن "اقنوم الحكمة" الذى هو "الله الكلمة". ومن ثم الرهبنة والحياة النسكية عنده هى "فلسفة" الحياة "الحقيقية" من وجهة نظره وموقف فكرى، ومَن يتبناها هو بالتالى، "الفيلسوف" "الحقيقى" فى نظره.
10- وسجل أيضا اكتشاف أجساد القديسين، الذى حدث قبل، أو فى زمانه. فيذكر منهم: ميخا، وحبقوق، وزكريا، ويوحنا المعمدان، واسطفانوس، والأربعين جنديًا، وهيلاريون الكبير، فضلا عن العثور على الصليب المقدس للمسيح والمسامير التى سُمِّر بها.
وذهب البعض إلى أنه وهو يحاول أن يُعِدّ تاريخا كنسيا أفضل من الذى لسقراتيس قد وُفِّق جزئيا. فصحيح أنه قدَّم مرارا مادة إضافية، ولكنه نادرا ما حَسَّن من النموذج السابق له. كما أخفق، مثل سقراتيس، فى تتبع التسلسل الزمنى عن كثب.
وفى الحقيقة، هناك العديد من الأخطاء وأوجه القصُور فى عمله. وقد كان هو نفسه واعيا بالكثير منها، لكن لم يكن فى وسعه تصحيحها. فكثيرا ما كان من العسير عليه أن يعرف الحقيقة فى خضم الأدلة المتباينة التى يتناولها والتى كانت فى غالب الأحيان ليس بها دليل كافٍ. ولكنه سعى فى كل حالة إلى التعبير عن الحقيقة وإلى أن يجعل عمله يُقدِّم شيئا نافعا فى الدفاع عن المسيحية واستجلاء مفاهيمها.
ويهمنى هنا أن اسجل بعض الملاحظات على هذا العمل:
1- ينبغى الوعى منذ البداية، منعا لأى تشوش، بأن سوزمينوس عند سرده للأحداث لا يتتبع الترتيب الزمني لوقوعها وإنما يسردها حسب موضوعها حيث كان يجمع أحداث حقبة أو فترة ما معا. ومن ثم من الممكن أن تجده مثلا يقول عن حاكم ما أنه غادر المدينة، ثم يسرد بعد ذلك واقعة حدثت أثناء وجوده. وهو نفسه يؤكد هذا الرأى إذ يقول فى (4/11/1) "على الرغم من أن ما قد سجلته لم يحدث لأثناسيوس وكنيسة الأسكندرية فى نفس الفترة من الزمن..."
2- يرى البعض أن سوزمينوس اعتمد فى تاريخه على السماع، وربما استند رأيهم هذا إلى تكرار كلمة "يُقال" فى أكثر من موضع من عمله هذا. ولكننى أرى أن هذه الكلمة قد استخدمها سوزمينوس هنا عند نقله من مصدر قرأه. حيث يُلاحَظ أنه لا يذكر اسماء الكتّاب الذين رجع إليهم، ولا حتى أسماء أعمالهم إلا فيما ندر جدا مثل إشارته إلى "اعمال المجمع" بالنسبة لبعض المجامع. والدليل على ذلك أنه عندما يذكر واقعة إقامة القديس أثناسيوس الرسولى(البابا الأسكندرى العشرون فى عداد بابوات الأسكندرية) لدى عذراء جميلة وحكيمة بالأسكندرية والتى كان بالاديوس أول مَن ذكرها(فى عمله "التاريخ الرهبانى") حيث زارها وهى فى شيخوختها([23])، نجده يقول هنا "ويُقال". رغم أنه من الثابت أن "عمل" بالاديوس كان متاحا للجميع وباللغة اليونانية فى أوائل القرن الخامس الميلادى، بينما وُلِد سوزمينوس فى حوالى سنة 400م كما قلنا عاليه، وكَتب تاريخه فى عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير، فلنقل فى خلال أربعينات القرن الخامس الميلادى.
3- لمَّا كان سوزمينوس، وكذلك سقراتيس، ليس اكليريكيا بأى نحو، وإنما هو شخص علمانى محب للكنيسة وتاريخها فقط. لذا لم يتبحر فى مناقشة العقائد، وكان يحيل قارئه صراحة إلى الكتابات المتخصصة فى ذلك.
ولذا أرى قراءة هذا الكتاب جنبا إلى جنب مع كتابى "تجسد الكلمة" و"ضد الاريوسيين" للقديس اثناسيوس الرسولى البابا الاسكندرى العشرون فى عداد باباوات الأسكندرية([24])، لفهم المصطلحات العقائدية التى كانت محور الصراع الذى دام نحو ستين عاما من 325م إلى حوالى 381م. بل وامتدت توابعه ولواحقه إلى مجمع خلقيدونية. وخاصة مصطلحات "جوهر" و"طبيعة" و"اقنوم" و"هيبوستاسيس" و"هوموسيسوس" و"هوموأوسيوس".
4- أن المرء عند قرائته لهذا التاريخ يخال له أنه يقرأ تقريرا للأحداث الجارية فى أيامنا الحالية.
5- يجب الوعى أن تعبير "ارثوذكس" عند سوزمينوس هنا لا يعنى المعنى الطائفى الحالى، ولكنه يعنى "أصحاب العقيدة النيقيّة" فى مواجهة البدع والهرطقات. وأن تعبير "كنيسة كاثوليكية" أيضا لا يعنى المعنى الطائفى الحالى، ولكنه يعنى الكنيسة "الجامعة" لكل الأجناس واللغات المؤمنة بالإيمان الواحد الارثوذكسى بالمعنى المذكور توا. ولذلك ترجمتُ بإستمرار "كاثوليكية" إلى "جامعة" منعا للتشويش الطائفى.
6- كذلك كان يقصد بكلمات "بربرى" و"بربر" الأجناس غير الرومانية بصفة عامة، بنفس فكر اليونانيين الذين كانوا ينعتون كل مَن هو غير يونانى بهذا اللقب. وهو مِثل لقب "العُجم" عند العرب، و"الأمم" عند اليهود.
7- كذلك يلزم الإلمام بأن كلمة "شركة" فى هذا العمل يُراد بها الاشتراك فى التناول من "السرائر المقدسة". وهو دليل على الاتفاق فى العقيدة مع الشيعة التى يتم التناول مع أعضائها. ولذلك نجد دائما فى المراسيم الصادرة من أى مجمع، قانونى كان أو خاص بالهراطقة، كان يتم النص فيها على عدم اشتراك أعضائها فى التناول فى الكنائس المضادة أو حضور اجتماعات فيها. فضلا عن حرومات أخرى.
مـقدمـة المترجم
حياته
الاسم سالامينيوس هرمياس سوزمينوس([25])، هو اسم غير عادى وصعب. ولذا يبدو أنه من المرغوب فيه أن نتبنى الترتيب الذى تبناه فوتيوس([26]) Photius على أن نحتفظ بالهجاء الذى [يَظهر] لدى نيسيفورس كاليستوس Nicephorus Callistus، وفى عناوين caption المخطوطات الرئيسية، ولذلك ندعوه سالامينيوس هرمياس سوزمين Salaminius Hermias Sozomen. وليس من الممكن أن نحدد بالضبط إلى ما تشير كلمة سالامينيوس. فليست هناك أية بيانات توضح بالضبط العلاقة الرئيسية بين سوزمينوس وسالاميس المقابلة لأثينا، أو سالاميس Salamis (كونستاتياConstantia ) فى قبرص. فمن المؤكد ليس هناك أى سجل لأى مصدر أصلى. ففى الفقرة 32:6، وهو يتكلم عن أنوار الرهبنة الأعظم فى فلسطين: هيلاريون Hilarion وهيزيكاس Hesychas وابيفانيوس Epiphanius يُلاحَظ أنه "فى نفس الفترة كان فى الأديرة سلامينس Salamines وفوسكون Phusconوملاخيون Malachionوكرسبون Crispion، أربعة اخوة كانوا متميزين بشدة".
وفى الجدل العنيف بين ابيفانيوس والامبراطورة [عندما] قالت له الثانية "ليست لك قوة لإقامة الموتى، وإلا لمَا مات رئيس شمامستك"، يشرح سوزمينوس [ذلك] "أنها أشارت إلى كريسبون رئيس الشمامسة الذى كان قد توفى قبل ذلك بوقت قصير. وقد كان أخا لفسكون وسالامينوس الراهبيَن اللذين انتهزتُ فرصة ذِكرهم عند تناول تفاصيل الأحداث فى عهد فالنسValens "(15:8). وتتنوع القراءة فى الاقتباس الأول بين سلامينس وسلامنس.
ولما كان هؤلاء الرهبان من عائلة آلافيون Alaphion الأصدقاء الحميمين وجيران لجد سوزمينوس (15:5) فإنه يمكن تخمين أن سلامينس كان على علاقة ما مع سوزمينوس، كأن يكون معلما أو راعيا، ومن ثمة يكون لقبه هذا ناجم عن مثل هذه العلاقة. ويبدو غريبا فى مثل هذه الحالة أنه لم يذكر هذا الرباط، أو على الأقل يؤكد حياة هذا الأخ الخاصة بإشارة ما ولكنه ببساطة يذكر أن "بعض الرجال الطيبين، الذين ينتمون إلى هذه العائلة قد أزدهروا حتى فى أيامنا هذه. وفى شبابى رأيتُ بعضهم، ولكنهم كانوا آنذاك مسنين جدا". وفى فقرات أخرى (32:6، 15:8)، وليست هناك أية اشارة لهذه الصداقة الحميمة. وفى نفس الوقت يبدو أن ذلك تفسيرا ترجيحيا للقب([27]).
أما هرمياس فقد كان اسما شائعا تماما بين المسيحيّن. إذ كان مرتبطا بتكريم محلى أو مكانى لهرماس Hermes كمُعطِى للهبات غير المتوقعة، أو ربما تعبير عن التمنى من والديه للنجاح المستقبلى للوليد الجديد. وعلى الرغم من أنه يحمل صدىً وثنيا إلاَّ أنه كان عاديا فى هذه الحالة، لأنه كان من الجد.
واسم سوزمينوس نفسه من الناحية الوثائقية لم يكن معتادا. ومن المحتمل أنه أُعطِى للطفل من الأب كإعتراف تقوى بالنجاة لنفسه وللطفل وبالمقابلة مع اللقب العائلى. وفى رسالة لإيسيدورس البيلزيومى موجهة لحاكم ما præfectus domestico (300:1)، كان اسمه أيضا هكذا، ولا بد أنه كان معاصرا له. إنه بالطبع مفاجئة سارة أن يتطابق اسمه مع المؤرخ، وليس ذلك بالمستحيل على الاطلاق لأن ايفاجريوس Evagriusالمدافع والمؤرخ كان مُعززا جدا ("ت. ك"، 24:6). واشاراته الخاصة بالسير فى عمل سوزمينوس الباقى الذى وصلنا، هى من الأقل، وفيما عدا التقليد، لم تحتفظ بشىء على الاطلاق.
وكان اسلافه منذ زمن بعيد من سكان قرية بيثِليا Bethelia فى مقاطعة غزة، وبالقرب من تلك المدينة الهامة. وكانوا، من المحتمل، من جهة الجنس من نسل فلسطينى أكثر منه يهودى، لأنهم كانوا وثنيين (هلينيين) إلى زمن هيلاريون فى الربع الثانى من القرن الرابع الميلادى. ويقابل مؤرخنا بينهم وبين العبرانيين.
وكانت عائلته إحدى العائلات المتميزة وتنتمى إلى نوع من أشراف القرية. فقد كان ألفيون Alaphion يحظى بكرامة أعظم. وكانت قرية بيثليا تكتظ بخليط من اليهود والأمم. وكان الأمميون، مع ذلك، يسودون بدرجة كبيرة. ويبدو أن اسمها مشتق من البانسيون Pantheon المُشيَّد على ربوة صناعية، وبذلك كان يطل على كل المدينة التى كانت غيرتها الدينية الشاملة مرموزا إليها بهذا المعبد الذى أخذ اسمه الاصلى من السريانية، ثم صُحف باليونانية إلى نعت يعنى "محل جميع الأرباب". فقد أُعطِى لقب Bethel أولا للمعبد ثم انتقل للمدينة (بثيليا). واستخدام شكل كهذا يشير إلى أن اللهجة التى كانت سائدة كانت تنوعا من السريانية أو الآرامية، وقد كُتِبت أيضا بالشكل Bethelea (32:6).
وقد وُلِد هيلاريون فى قرية أخرى تدعى ثباثا Thabatha بالقرب من غزة أيضا إلى الجنوب فى وادى بنفس الاسم. وقد صار طالبا فى الاسكندرية، ولكنه تبنى الحياة الرهبانية من خلال مثال انطونيوس. وعند عودته إلى وطنه، وجد والداه قد توفيا، فوزع نصيبه من ممتلكات والده على الفقراء ثم اعتكف فى الصحراء بالقرب من البحر على مسافة عشرين استاديا([28])stadia من قريته. وبدأ مهنته الرهبانية كمؤسس لهذا النظام الأخلاقى فى فلسطين. وقبل أن يهرب إلى معتكف آخر وبعيد، تواصل مع ألفيون رأس العائلة النبيلة فى بثيليا، الذى كان على درجة صداقة حميمة بجد سوزمينوس.
وكان ألفيون عليه روح نجس، ولم يستطع الراقون اليهود ولا الوصفات formularies الوثنية إخراجه. فدعا هيلاريون بإسم المسيح فقط، فطُرِد الروح الخبيث(15:5)، وصار الرجل الذى شُفِى مسيحيا فى الحال. وآمن جد سوزمينوس أيضا بعناية صديقه، وكذلك تبنى أبو سوزمينوس الايمان الجديد. وانضم أقارب آخرون إلى صفوف المؤمنين فى هذه المدن الوثنية لأن غزة المدينة الرئيسية أظهرت العداوة للإنجيل. وكان الجد ذا فطنة أصيلة وله دراية معقولة بالدراسات العامة، ولم يكن بلا معرفة ما بالحساب، وقد أهَّله مركزه الاجتماعى والفكرى لأن يكون متميزا بين المهتدين، وبصفة خاصة كمفسر للأسفار المقدسة، فكسب محبة المسيحيين فى عسقلون وغزة والمناطق الأخرى. وتقديرا لحفيده كان رمزا، ضروريا فى الحياة الدينية للجماعات المسيحية. وكان الشعب ينقلون إليه الكتابات المقدسة الصعبة ليحلها لهم. ولكن لا يبدو أنه شغل أي وظيفة اكليريكية. وبينما كان جد سوزمينوس ظاهرا للعيان كمُعلم دينى فى جنوب غرب فلسطين والمنطقة الفلسطينية القديمة، كان ألفيون وعائلته متميزين فى الأعمال ذات الصفة العملية. فقد أسسوا كنائس وأديرة، وكانوا نشطين فى إراحة الغرباء والفقراء. وقد تبنى البعض الفلسفة الجديدة، وخرج من صفوفهم شهداء واساقفة. ولم يقل سوزمينوس شيئا عن والده سوى أنه كان وثنيا وأنه وُلِد لذلك قبل ارسالية هيلاريون.
وقد أدى مرسوم يوليانوس Julian إلى انتعاش فجائى للديانة القديمة للدولة، مما أدى إلى اضطهادات محلية كثيرة حيث كان الوثنيون الحزب الأقوى، فكانت غزة وتوابعها من عداد هذه المواضع.
وقد سجل مؤرخنا بعضا من مآسى هذه الفترة غير السعيدة. واضطرت عائلة ألفيون وسوزمينوس إلى الهرب، ولكنه لم يقل لنا إلى أين. ومن المحتمل إلى المعتكفات فى أقصى الطرف الجنوبى، وبكل تأكيد عاد المنفيون(15:5) بعد اعتلاء جوفيانوس Jovianللعرش على الأرجح.
ويمكننا أن نخمن تاريخ ميلاد سوزمينوس كما يلى: كان نشاط هيلاريون فى فلسطين بعد مجمع نيقية وقبل ارتقاء يوليانوس للعرش، أى يمكن القول حوالى 345م. وكان عمر الجد عند اهتدائه حوالى الأربعين، حيث صار ملمحا بارزا ظاهرا للعيان، وكان الأب صبيا عندما حدث هذا التغير فى العبادة المحلية. أما النفى فى عهد يوليانوس فقد حدث حوالى 362م تقريبا، والعودة منه كانت سنة 364م، عندما صار الصبى شابا. وبذلك يمكن أن نضع ميلاد سوزمينوس فى وقت ما بين 370م و 380م.
وقد تنيح هيلاريون حوالى سنة 371م، وافرايم السورى سنة 378م. وكان جراتيان امبراطورا للغرب وثيودوسيوس Theodosiusالكبير كان قد خلف لتوه فالنس فى الشرق. وكان امبروسيوس أكثر الكنسيّين تأثيرا فى الغرب، وغريغوريوس النزينزى وابيفانيوس قادة الأرثوذكسية فى الشرق.
وهناك القليل عن تعليمه فقد كان توجيه الرهبان له حقيقة إذ كان النمط النسكى هو فقط شكل الحياة المسيحية المعروف فى ذلك الاقليم. فقد كان الاساقفة وذوى الرتب الاكليريكية يُختارون من الفلاسفة([29]) العمليِّين. وهناك تسلسل للرجال الأتقياء من صُلب ألفيون، ألمَّ سوزمينوس الشاب ببعض من بين قادة الجيل الثانى بدرجة كبرت أو صغرت. وقد ذُكِرت بالفعل اسماء بعضهم (15:5، 32:6، 15:8) وكانوا جميعا تلاميذ لهيلاريون. ولابد أن رابع الاخوة واسمه ملاخيون كان قد رحل بالفعل وأحاطت بذكراه الأساطير. وكان تأثير ابيفانيوس فى سائر أرجاء فلسطين وبصفة خاصة فى منحدراتها الجنوبية، كبيرا فى تشكيل صفة الفكر التقوى والمشاعر. وكانت قوته ما زالت عندما كان سوزمينوس صبيا.
هذه الروايات للقيمة المتعاظمة التى يضعها للتلمذة الرهبانية كفلسفة حقيقية، ولماذا يرغب فى ألاَّ يظهر كناكر للجميل بالنسبة للذين غرسوها عند كتابة تاريخه، جعله ذلك لا يشأ أن يكتم تلك الحركة الهائلة، وأن يحيى ذكرى قادتها البارزين فى الأقاليم المختلفة. وفى الحقيقة لقد قرر أن يجعلها ملمحا فى تناوله لتاريخ وحياة الكنيسة. ومع ذلك ليس هناك ما يدل على أنه قد صار هو نفسه راهبا، ومع كل اعجابه بتميزهم الروحى، لم يدعِّ أية تبعية مباشرة بل بالأحرى ينكر حقه أو منافسته فى غزو نطاقهم. ونحن متأكدون أنه تلقى تعليمه الأساسى فى المدارس الرهبانية لذلك الزمان التى على غرار المؤسسات المماثلة فى الاسكندرية. لقد كانت ضيقة([30]) وتزداد كراهية للأدب الوثنى، ومن ناحية أخرى كانت آبائية ومحلية فى لهجتها. وهذا يُصُور رغبته فى الارتقاء بأهمية فلسطين، فى مقابل تركيز كل الثقافة فى القنسطنطينية.
كانت دروسه الأساسية باللغة اليونانية التى كان يتقنها والتى صار فى الحقيقة واحدا من أفضل النحويين stylist فى زمانه، طبقا لحُكم شخص جيد جدا مثل فوتيوس([31])، وكان يُلم بالأسماء الآرامية والسريانية ودقة تصحيفها. ويشير إلمامه الكبير بتاريخ الكنيسة السورية إلى معرفة مماثلة على الأقل باللهجة المنتشرة على نطاق واسع. وبالكاد استطاع أن يفلت من اللهجة العامية التى كانت سائدة على اليونانيين فى بثيليا(16:3). إنه يسمح بخسارة الموهبة الأصلية وقوتها فى الترجمة، ولكنه يسجل أن أعمال افرايم كانت مُحرَّرة باللغة اليونانية السائدة فى أيام افرايم نفسه دون أى تغيير. وهو يؤسس رأيه هذا على أساس المقارنة بين الأصل ونُسخه. الأمر الذى يجعل المرء يميل إلى الاعتقاد أنه قد قرأ جميعها. ولذلك فإن جهده فى الحفاظ على التوازن فى الكتابة بين الأراضى الحدودية والأراضى المركزية للإمبراطورية، [بل] وفى الحقيقة فى خارجها، إنما يشير إلى انسجام لُغوى أوسع. ففى ك34:6 يتحدث بعاطفة عن الرهبان السوريين الذين كانوا موجودين فى أيامه. وربما تعود معرفته العميقة بهم أيضا إلى ممارسة مهنته، أو إلى الحالات السورية التى أحضرها إلى القنسطنطينية. فقد كان كل منها يتطلب إدراكا للغة. وليست أقل [من ذلك] السجلات المكتوبة بواسطة مسيحيىِّ بارثيا([32]) وسوريا وبصفة خاصة اديسا، لحفظ قصة الكنيسة الفارسية وشهدائها العديدين والتى استخدم مادتها بغزارة فى (ك9:2- 14). ومن الصعب التأكد من إلمامه باللاتينية. فمن ناحية كان من الضرورى له، كمحام، فهم لغة التقاضى لأن كل المراسيم والقوانين والأوامر العالية كانت مكتوبة بها. وكانت مجموعة قوانين ثيودوسيوس نفسه قد أُلِفَت فى أيامه. ومن ناحية أخرى عندما كان يقتبس من مستندات لاتينية كان يفعل ذلك على نحو لا يتغير نقلا عن ترجمة لها إلى اليونانية بواسطة آخرين، كما فى خطاب قنسطنطين إلى الأسكندريّين(ك2:3)، فهو يقول لقد عثرتُ على نسخة مترجمة من اللاتينية إلى اليونانية سوف أدرِجها كما وجدتها على نحو الدقة. وبالمثل فى ك18:4 رسالة مجمع ارمينيّم Ariminum إلى قنسطانتيوسConstantius. وفى ك26:8 رسالتين لإينوسنت Innocent. ومن المحتمل أن تقريره الثانوى عن هيلارى الذى من بكتافيوم Pictavium (13:4) يميل إلى نفس الطريقة. ولكن على وجه العموم يجب أن نسمح لمهنته التى اقتضت معرفة لغة القانون أن تفوق قصُور الاصدار الأصلى، فى كتابه.
إنه من الصعب الحُكم من عمل مفرد على درجة الثقافة العامة لمؤلف ما. فكليمندس الأسكندرى Clemens Alexandrinus له اقتباسات غفيرة تجعل من السهل أن نخلص إلى أنه كان مدرسيا([33]) scholar ذا قراءة شاملة وواسع المعرفة([34]) الأصيلة، ولكن عدم دقتها وتشوشها المتكرر يجعلها تبدو مجرد اقتطافات من مصدر متعدد اللغات أو كتَاب بلاغة([35]). فإلاشارات الكلاسيكية عند سوزمينوس ليست كثيرة وربما اعتبر، بصواب، إدماجها ضمن اشارات عديدة فى سجل كهذا خصيب بالتوصيفات المألوفة والشعرية، والتاريخية والميثولوجية، أمرا خارجا عن السياق. وفى ك6:1 يجر الارجوانتوس Argonautsمن آذانهم بمناسبة حديثه عن اكويلس Aquilis بالكاد من بيساندر Pisander، أو بالأحرى من زوسيمس الذى فعل نفس الشىء فى ذكر تقدم آلاريك Alaric. وعندما يصف سعى قنسطنطين الجاد فى البحث عن موقع مفضل يقيم عليه عاصمته الجديدة، يحرك ذكر هضبة ايلليم Ilium المؤرخ ليروى تقليدا قليلا عن مدينة تروجان (3:2). ويذكر ارسطو الذى كانت فلسفته الوجه الآخر لإتيوس Aëtius(ك 15:3) والذى وضع ثيوفرونيوس Theophronius مقدمة عمله الجدلى(17:7). وعندما ارتكن على أدب ابوليناريوس يلّمِح بطريق غير مباشر إلى القصائد الهوميرية ويذكر كتاباته الكوميدية محاكاة لميناندر والتراجيديا التى تشبه تلك التى ليوربيدوس والتى تعتمد على نموذج بندار. وفى روايته لدفنة فى عهد يوليانوس (19:5) يقدم خرافة دفنة وابوللو. هذه التلميحات وغيرها ليست برهانا أو عدم برهان على قراءات غير عادية. ومع ذلك الطريقة التى يشير بها إلى البعض هى حَولية بالأكثر عن أى دراسة عميقة للمؤلفين أنفسهم.
وفى الحقيقة اعترافه فى حالة خرافة ابوللو ودفنة هو اعتراف سليم الطوية "إننى أترك هذا الموضوع لِمن هم مُلمين بأكثر تدقيق بعلم الميثولوجيا". هذا الاعتراف لم يكن وليد أى تردد لأنه تجاسر [على الولوج] فى مستنقع حسى بالفعل، ولكنه بالأحرى تصريح أصيل بجهله، وأن ذلك كان فى العاصمة حيث كان انثيموس وسيسينيوس مَصدرَيّن. ومن المحتمل أن لدينا ضوء قليلا فى محدودية وضيق فكر تدريبه المبكر بتذكر موقفه اتجاه الكتابات التقليدية لأبوليناريوس النابعة لمواجهة مرسوم يوليانوس، والتى فسرها المسيحيون كتحذير من التمتع بالثقافة الهيلينية. فبينما يشايع سقراتيس بثبات وقوة التأثير الانسانى للأدب القديم(16:3)، يقول سوزمينوس "لو لم تكن من أجل التحيز المفرط الذى به يُعنَى بإنتاج العاديات، فإننى لا أشك فى أن كتابات ابوليناريوس كانت ستنال هذا التقدير مثل تلك التى للقدماء". وينحو منحى الرهبان فى ازدرائهم بالدراسات الكلاسيكية (12:1). إنه لا يُخضِع نفسه بالكامل، ولكنه تردُد نوعا ما، وهذه سمة فى تكوينه. لقد كانت هذه مسألة محيرة فى تلك الأيام الخوالى واستمرت تلوّح الكنيسة بدرجة كبرت أو صغرت إلى أيامنا هذه.
فى أيامه كان تأثير الرهبان والإكليروس الذين تشبَّعوا بالروح النسكية مضادا أكثر وأكثر للإنسانيات([36]). وقد تباين موقف البلاط [من هذه المسألة]. فبينما كان تدريب فالنتنيانوس والخلافة الثيودوسية رهبانيا على نحو قاطع، وكانت ميولهم بصفة أساسية مع اتجاه عدم التسامح، فإن ضروريات مركزهم والقدرات السياسية والرائعة لرجال مثل ليبانيوس وثيمستيوس، وانثيموس وترويلس جعل من غير الممكن وضعها جانبا. فلقد كان عِلم وموهبة اودكيا Eudocia الامبراطورة وروح تدريبها المبكر كإبنة فيلسوف آثينى، وموهبتها الشعرية الذاتية عوامل مغرية فى انعاش الكلاسيكيات فى البلاط، قبل أن تسقط تحت آفة غيرة زوجها. وقد ملأ كيروس الذى استرد القنسطنطينية عباراته بطعم العاديات. ولم يستطع الكهنة الذين تلقوا تدريبهم الأوَّلى فى مدارس السوفساطئيّن أو فى الجامعات دفن ميولهم تماما، على الرغم من أنهم اجتازوا كفاحا مريرا مثل جيروم([37]). وكان الأريوسيون أيضا ذوِى ثقافة أوسع. وبالنسبة للجانب الجرمانى، كانت المهارات العسكرية والدهاء السياسى [لهم] لا تُمّكن الدولة من عدم الأخذ بخدماتهم. وكانت الجامعة التى أنشأها ثيودوسيوس الأصغر فى القنسطنطينية رهبانية، فبينما كانت تسعى لإعطاء نغم مسيحي للتعليم العالى، كانت فيما سبق تُدار من الآثنيّين Athensوتُقدِّم مددا حرا للغات، إن لم يكن كثيرا للفلسفة.
لذلك، مال سوزمينوس، كما نرى، لوجهة النظر الأقل تسامحا، وظن أن أبوليناريوس كان له مثل هذا النبوغ الشامل، حتى أن العديد من الأصول يجب الاستغناء عنها، ولكن من باب العاطفة لم يتم الاستغناء عن هومر وميناندر ويوربيدس وبندار. وهذا يُظهر الصفة البسيطة لقراءاته إن لم تكن محدودية كميتها، ويُعرِّى الأهمية الوظيفية لنقده. لقد كانت هذه المحدودية بلا شك مقياسا كبيرا لمثل هذا التعليم الفلسطينى، وأعطت طعما خاصا لمزاج ابيفانيوس وأثره.
أما تعليمه الدينى فكان حسب الايمان النيقاوى كما تعترف به الكنيسة الجامعة فى الشرق والذى ظل الرهبان أمناء له دوما فى تلك الفترة العصيبة. فلم يكن الشعب، كما يقول سوزمينوس، بقادر على متابعة المناقشات اللاهوتية، وأخذوا ايمانهم من حياة أولئك الذين بَدوا لهم أفضل من الاكليروس العادى. ولم يكن له([38]) مهارة وثيقة فى هذا الجدل أو ذاك. وهذا واضح من تصريحه الخاص بأنه غير قادر على متابعة الجوانب المتعددة للمناقشة الأريوسية. فبعد أن يورد رسالة غريغوريوس النزينزى إلى نكتاريوس التى يستعرض فيها السِمات الأساسية لهرطقة ابوليناريوس، يستطرد "أظن أن ما قلته يكفى لإظهار طبيعة أفكار ابوليناريوس ويونوميوس. فإذا أراد أى واحد معلومات أكثر تفصيلا، فيمكننى فقط أن أشير إلى الأعمال الخاصة بهذا الموضوع، التى كُتبت إما بواسطة هؤلاء أو بواسطة آخرين بشأن هذين الرجلين، فإننى أقر بأننى لا افهم بسهولة هذه الأمور"(27:6)([39]).
وعندما يُعدد أسباب انشقاق أتباع يونوميوس [يقول] "سأكون مُسهِبا إن أنا تناولتُ بتفصيل أكثر، وفى الحقيقة لن يكون الموضوع سهلا لى إذ أننى لا أملك مهارة جدلية كهذه"(17:7). ويبدو أن مهارته الجدلية لم تكن عميقة جدا، ومع ذلك يجب ان يُقَال أن مثل هذه التعاريف والحجج كما يسجلها فى التاريخ المعاصر كانت معتادة وجلية.
كذلك تبدو الأمور الميتافيزيقية ليس لها موضع كبير فى الدراسات المبكرة، ولكنه بالتأكيد صار أكثر ألفة بالمصطلحات اللاهوتية المتأخرة ومحدداتها. ولذا يضع خطا فاصلا بين الثوابت المتعددة التى يحارب من أجلها، وبين ما هو ضد "للمساوة فى الجوهر" consubstantiality.
كذلك شملت قراءاته بعض التأملات الفلسفية حسبما يجمعها الشخص من بعض الجُمَل (6:5) [مثل] "لأنه ليس حقيقيا كما يؤكد البعض أن النفس كما الجسد". وربما تعلّم أيضا أن يميز بين الأخلاق وبين عِلم الوجود ontology بخطوط عملية مستقاة من المناقشات الاكليريكية وفلاسفة الرهبنة. ففى جملة فى تاريخه عن مليتيوس اسقف انطاكية(28:4) يؤكد على هذا الإختلاف، كما نجده نادرا فى الأدب المسيحى المبكر: "فى خطابه الأول، يحصر نفسه فى تعليم الشعب بما نسميه أخلاق، ثم يُعلِن صراحة أن الإبن من ذات جوهر الآب". لقد تَدرَّبتْ روحه على الخضوع للقيود الشرعية، وعندما كان يثور عليها بشىء من الارتعاد كان ينحاز، مثل سقراتيس، للأمور الأكبر. من المحتمل بسبب مهنته. ولكنه كان يخشى التجاسر إلى حد بعيد. ومع ذلك كان ذا نخوة إذا ما قورن بثيودوريت الاكليريكى ذا التعليم الأفضل.
كذلك يجب أن نعزو إلى سنوات تعليمه المبكرة عبارته أنه كان شاهدا لأمانة زينو اسقف مايوما Majuma ميناء غزة، "لقد قيل، وأنا نفسى شاهدُ حق على تأكيد أنه، عندما كان اسقفا للكنيسة فى مايوما لم يغب قط عن تسبحة باكر أو المساء أو أية عبادة أخرى لله ما لم يكن مُصابا بأى مرض ومع ذلك كان فى هذه الفترة مُسنا فى حوالى المائة سنة"(28:7). كذلك بالمثل كان عمل البطريرك محل اعجابه فى شبابه. ويتحدث سوزمينوس عن كفاح اسقف غزة فى تأكيد سيادته على مايوما الميناء البحرى التى كانت ايبارشيته ورغبته فى استرداد حكمها الذاتى الكنسي بعدما فقدت استقلالها المدنى كشىء يحدث فى أيامه، وكان أحد أخبار شبابه. ويشعر المرء فى عبارته ارتياحا باطنيا بقرار المجمع الذى يعترف بحرية الجماعة المسيحية فى البحر(3:5).
وبالنسبة للعبادة العامة، من المحتمل أنه سمع فى تلك الأيام المبكرة عن كتاب "رؤيا بطرس"، فهو يقول فى(19:7) "ولهذا الكتاب المسمى "ابوكاليبس بطرس" الذى يُعتبَر خرافة من قِبل القدماء ما زال يُقرَأ فى كنائس فلسطين فى يوم الاستعداد عندما يُراعِى الشعب صوما، تذكارا لآلام المُخلِّص على الرغم من عدم الاعتراف به من قِبل القدماء"(19:7). وأيضا رأى كِتابا مُفضَّلا فى يدى الرهبان فى بلدته هو "رؤيا بولس" على الرغم من أنه غير مُعترَف به من قِبل القدماء. إن الألفة بمثل هذه الكتب تعطينا مفتاحا لموقفه فيما بعد من النبوة.
وليس لدينا دليل على السبب الذى دفعه إلى دراسة القانون([40])، ولا نعرف متى حُسِب طالبا. إن حقيقة أنه يذكر مدرسة بيروت كمكان مارس فيه تريفيليوس Triphyllius الأسقف رعويته لزمن طويل(11:1) يمكن بالكاد أن تؤخذ كإقتراح لمكان اقامة سوزمينوس. لذا من المحتمل كثيرا أن يكون قد حضر محاضرات فى جامعة الاسكندرية أو انطاكية حيث يُظهِر إلماما معتبرا بمدن كهذه. وربما كانت دراساته معتمدة على كودكس غريغوريوس وملحقه كودكس هرموجنيانوس لأنه كان فى أيامه وخلال فترة كتابة تاريخه. وكان كودكس ثيودوسيوس قد بدأ، وللأسف لم يرد اسمه فى قائمة مؤلفيه، ولم يكن قد أُعلِن حتى سنة 439م كمرجع للقوانين الامبراطورية.
أما كونه قد التحق بممارسة هذه المهنة فلدينا دليل مباشر على ذلك كما فى حالة ايفاجريوس ("ت. ك."، 7:6). أما بالنسبة لسقراتيس فكان ببساطة تقليدا بلا شهادة. ويتحدث سوزمينوس عن صديقه الحميم اكويلينوس(3:2) "الذى كان يقيم معنا حتى فى الوقت الحاضر، وكان محاميا فى ذات محاكم العدالة التى ننتمى إليها". ومن بعض التلميحات للملاحظات القانونية فى تاريخه، من المحتمل أنه عمل فى المحاكم الأسقفية أيضا لأن هذه كان لها شكل معين، وكانت وظيفة المحامى تُنظَّم فى قوانين مجمعية عديدة. لقد كان أكثر عناية ونظاما فى تسجيله للتشريع الهام الخاص بالديانة والكنيسة عن أى مؤرخ آخر. وهكذا، فى عهد قنسطنطين(1: 3، 5، 8، 9، 21) و (32:2). وفى عهد قنسطانتيوس (17:3، 15:4) وفى عهد يوليانوس(5:5، 15،17) وفى عهد جوفيانوس(3:6) وفى عهد فالنس(12:6، 19) وجراتيان(1:7) وجراتيان وثيودوسيوس(4:7) وفى عهد ثيودوسيوس (9:7، 12، 16، 20، 25، 4:8) وفى عهد فالنتنيانوس الثانى وفى عهد يوستينا(13:7) وأركاديوس(7:8، 24). وليست هناك أية إشارة إلى ممارسته الخاصة مثلما يفعل ايفاجريوس (ت.ك.، 7:6). ويمكننا فقط أن نخمّن، من خلال روايته، أنه لم يكن فى القنسطنطينية اثناء الشغب الذى نجم عن خلع كريسوستوم سنة 404م، فربما وصل بعد إقامة آتيكوس Atticus بقليل كخليفة لآرساكيوس Arsaciusالذى تلى يوحنا [فم الذهب] فى وقت ما حول 406م أى قبل وفاة الخطيب([41]) بسنة، وقبل وفاة الامبراطور اركاديوس بسنتين.
ففى عهد أنثيميوس Anthemius الحكيم، وجد طريقة مهنته. ويمكن أن نفترض أنه وجد اعترافا ما به فى عهد بولخاريا([42]) Pulcheria، ومع ذلك ظلت العاصمة مركزا لممارسته. إذ يظهر أنه كان ما زال على صلة بالديكاستريس dikasteries اثناء كتابته لكتابه الثانى من التاريخ(3:2).
وهناك بضعة نقاط شخصية فى حياته فى المدينة الامبراطورية يشير إليها. فقد كانت هستيا Hestiæ على مسافة 35 استاديا برا من المدينة صوب بونطس، وبسبب ظهور رئيس الملائكة ميخائيل بُنِىّ هناك معبدٌ، وبالتالى دُعِيَت ميخائيليوم Michaelium وصارت مشهورة بسبب خصائصها الشافية للأمراض الفيزيقية وأيضا العقلية. وأن سوزمينوس نفسه قد أصيب، ولم يخبرنا كيف ولا بأى معاناة أو أى مرض أو خطر، ولكنه شُفِىَّ بواسطة المنافع التى تلقاها هناك (3:2). وهناك حالة شخصية أخرى يذكرها فى (2:9) فقد كان أحد الحاضرين فى الاحتفال الرائع الخاص بإكتشاف ونقل رفات الأربعين شهيدا، ورأى الصناديق الغالية، والاحتفال والموكب، واستمع إلى موسيقى القصائد التذكارية، وعاين إيداع رفات جسد القديس St. Thyrsus. وكان هناك عدد من المشاهدين الذين يعرفهم، وكان العدد الأعظم منهم ما زالوا يعيشون أثناء كتابته لسِجله هذا. وكان هذا الاحتفال فى عهد ايبارشية بروكلس Proclus، ولذلك كان بعد سنة 434م. وهناك اشارة شخصية أخرى نجدها فى عبارته عن خلع أولدِس Uldis. فهو يُلاحظ بقية الـ Sciri الذين تشتتوا، نتيجة لتلك الحَملة، كعبيد فى أسيا الصغرى [فيقول] "لقد رأيتُ كثيرين فى بيثينيا Bithynia بالقرب من جبل اولمبس Olympus يعيشون بعيدين عن بعضهم البعض. ويزرعون تلال ووديان ذلك الاقليم"(5:9)، ونحن لا نعرف شيئا عن هذه الحملة. ولا بد أنه كان نشطا فى الكثير من الأمور الدنيوية والكنسية اللاحقة التى رواها فإنه يذكر الأمور التى اعتنى بها فى بداية تاريخه (1:1) والتى كان سيُنجزها لو كان قد أكمل كتابه التاسع.
أما الدوائر المؤثرة فى العاصمتيَن الشرقية والغربية فقد انقسمت إلى أحزاب على أساس تنوع المواضيع. فإحداها كان تبعا للخط الثقافى الذى أشرنا إليه توا. وآخر، وهو حاسم، كان تبعا لِمَا إذا كان الأجانب، وبصفة خاصة القوط والفارسيين، يمكن أن يُسمَح لهم بالخدمة فى الدولة أم لا. فالمجموعة الأقوى اعتقدت بإستخدام هذه العناصر الجديدة. وما كان موضوعا متغيرا قبلا صار الآن سياسة ثابتة فى عهد ثيودوسيوس الكبير وفى سائر الاتجاهات، وتم ضبط أبنائه الضعفاء على التوالى فأنسيموس وبولخاريا وثيودوسيوس الثانى سايروا وجهة النظر الحرة. بيد أن صرخة "روما للرومانيين" خلعت شخصا مثل استيلكو Stilicho عن العرش ونَصَّبت شخصا ضعيفا مثل اوليمبيوس Olympius. ويربط سوزمينوس نفسه فى تناوله للأحداث بالخط غير المتحرر. وبينما يبحث عن موضع لممثلى المسيحية الأجنبية فى كتابه، إلا أنه يعارض رغم ذلك إدخال، على الأقل، العنصر الشمالى فى خدمة الدولة. وكان هناك خط ثالث يفصل بين الشعب والبلاط. فالحزب القوى والمقاوِم وضع نفسه ضد السماح للوثنيين والأريوسيّين بالخدمة فى المراكز السياسية. وهذان الصنفان اتحدا غالبا للنجاة من الإبعاد. واختلف البلاط نفسه، لأن الجرمان كانوا أساسا اريوسيّن، وكان أفضل المدرسيّين فى العلوم السياسية وثنيين. وأدت الضرورة إلى الاعتراف بمُعلّمين أمثال أنسيموس وتريللوس. وألقى سوزمينوس بنفسه فى المجال الضيق. إنه لم يتنازل ويذكر أفضل رجال الدولة فى أيامه، أو أوسع المفكرين السياسيين، الأمر الذى فعله سقراتيس وبإعجاب.
وقد مال سوزمينوس مع الغالبية فى تكريم الحياة الرهبانية، التى كان يقاومها بمرارة سياسيون كثيرون وكنسيون. ولذلك كان من الطبيعى أن يَنظر بعين الاعتبار إلى حياة أكثر تقوى عما يفعله البلاط بقيادة افدوكسيا، وردد أصداء بولخاريا وطهارة كريسوستوم. فدافع عن فم الذهب، ورَّد على الانتقادات الموجهة إليه مثلما فعل سقراتيس. وبالكاد يمكننا أن نشك فى أن قلبه كان مع اليوحانيين، على الرغم من أنه لم ينضم إلى جماعتهم.
ويمكننا أن نَجمع من تاريخه، أنه قد سافر نوعا ما، فهو يُظهِر معرفة أفضل بفلسطين، حتى عن ابيفانيوس، ولابد أنه احتفظ بصِلات مع موطنه حيث كان ملِّما بعادات بلاده وأماكنه وتقليده. ومن الطبيعى أن يكون الجزء الأكبر من المراكز فى غزة وما يجاورها مثل بيته الخاص. وفى قصته عن اكتشاف الصليب والمبانى المقدسة المقامة بواسطة هيلانه(ك1:1، 2)، يعتمد على أصول بتفصيل ولون محلى. وفى (ك4:2) يتوسع فى رواية يوسابيوس عن تطهير قنسطنطين لممرا Mamre أو تربينثوس Terebinthus، كشخص يألف الموقع بما فيه. وفى ك5:2 يعطينا قطعة من تاريخ غزة ومايوما فى عهد قنسطنطين. وفى ك20:2 يروى اصطفاء مكسيموس كأسقف لأورشليم من مَصدر لم يستخدمه غيره أبدا. وفى ك14:3 ملاحظاته عن سيّر هيلاريون وهيزيكاس، وآخرين تشير إلى معرفة طبوغرافية مضبوطة. ويُتِيح مرسوم يوليانوس الفرصة للدولة للشِقاق بين غزة ومينائها البحرى(3:7). وروايته عن الاستشهاد فى غزة وضواحيها فى (ك9:5) هى [رواية] جرافيكية تماما. وفى مناقشته لهيجان يوليانوس على صُورة [السيد] المسيح فى بانياس (27:5) والبئر الإعجازى فى نيكوبوليس، وهى عمواس سابقا، نرى علامات على إلمام محلى. وفى (ك22:5) قيل أن يوليانوس قد كَتَب إلى البطاركة والحكام والشعب يطلب صلواتهم عن نفسه والامبراطورية، وهنا إشارة قاطعة على وجود بطريركيات آنذاك. وهكذا تفشل كل تفاصيل الاسترداد أمام اليد المُختبِرة. مثلما تؤكد حقيقة التواصل المباشر مع شهود الظاهرة.
إن السيّر فى (ك32:6) ترتبط بجنوب فلسطين، وبصفة خاصة بثيليا وجيرار. والتماثل فى ك28:7 لأولئك القريبين بالأكثر منه، يبرهن بسهولة على أنه كان بالقرب من وطنه. وفى (ك 13:8) يتم اختيار سكيثوبوليس Scythopolis من قِبل الرهبان المصريين الفارين لأن نخيلها الكثير يزودهم بوسائل العمل المعتاد، لهى ظروف لم يروِها أىُ أحد آخر. ولا تعوزنا التلميحات الأخرى فى قصة وجود جسد زكريا(17:9) بأساطيرها. وهناك، ذِكر متفاوت لفلسطين، ليس فقط عن دافع حب الوطن عن قصد ولكن عن الرغبة فى تزكية الوضع التاريخى فى تطور تاريخ الكنيسة، وليؤنب الميل السائد لرجال الكنيسة والمؤرخين فى وضع [فلسطين] فى الخلفية. وإنه لأمر شيّق أن مجمع خلقيدون قد قرر فيما بعد أولوية أورشليم. وهناك أيضا إلمام جيد بحقيقة ودوافع التاريخ اليهودى وعلاقة اليهودية بالمسيحية(1:1)، وبجِنس البدو وارتباطهم بشعب العهد(38:6)، وبترتيبات موسم البصخة وبصفة خاصة فى (ك18:7). وبالمِثل الدقة الأكبر فى ترجمة أسماء المواضع.
لقد كانت رحلة غير ملائمة من غزة إلى مدرسته، ومن مدرسته إلى القنسطنطينية، فالإشارات إلى فلسطين التى ذكرناها توا تشير إلى ملاحظة شخصية. وبالإضافة إلى ذلك نظن أنه كان فى العربية وقبرص حيث يقول، عندما يتحدث عن عادات هذين البلديَن (ك19:7)، أن بهما خورى ابسكوبس على رأس الكنيسة المحلية. وأيضا عن الاسكندرية، إذ صُدِم بالموقف الغريب من الأسقف حيث لم ينهض عند قراءة الانجيل([43]) الأمر الذى لم يعرفه قط أو سمع عنه فى الجماعات الأخرى وهى كلمات تدل على أنه كان يألف هذه المدينة. وقد يَسُّر المرء أن يعرف أنه قد زار طرسوس حيث كان يعرف كيليكس Cilix كاهن تلك المدينة الذى استشاره بشأن أصل "ابوكالبسيس بولس"(19:7). وقد رأينا أنه كان يعرف بثينيا Bithynia من رؤيته لها(5:9). كما يشير إلى ملامح طبوغرافية ومعمارية للأسكندرية، وانطاكية ومن المحتمل اديسا على نحو يدع بالكاد شكا فى أنه قد رأى هذه المدن. ومن الممكن أن نفترض أن زبائنه قد اضطروه إلى رحلات هنا وهناك.
ويذخر عمله بالعديد من التلميحات إلى معمار وأقاليم القنسطنطينية(3:2)، ناهيك عن القول عن المناطق المجاورة لها. ويعطينا بالفعل الوصف العام لمبانى القنسطنطينية فى عهد قنسطنطين (3:2) بعضا من سماتها الرئيسية. وبالنسبة للكنائس يذكر أولا المُكرَّسة لرئيس الملائكة ميخائيل (3:2) والتى تبعد نحوا ما عن المدينة (هستيا، ميخائيليوم) والتى تتميز عن المبانى اللاحقة على الشاطىء الآخر. وواحدة فى المدينة مُشيَّدة لنفس الملاك، وكنيسة الرسل والتى صارت مكانا لدفن الأباطرة وحتى الأساقفة (34:2، 21:5، 10:8) وكنيسة أكاكيوس الشهيد(21:4) والتى حبَّذ مقدونيوس([44])Macedonius نقل جثمان قنسطنطين إليها، وكنيسة صوفيا (26:4) التى بدأها قنسطنطين، وكُرِّست فى عهد قنسطانتيوس والملحق بها معمودية(21:8). وقد احترق هذا البناء العظيم فى الشغب الذى ثار بعد إعلان النفى الثانى لكريسوستوم(22:8). وبيت الصلاة الذى بدأه كريسوستوم وأكمله سيسينيوس والذى يحوى على مقبرة شهداء متميزين. وهذه كانت خارج الاسوار فى موضع كان مخصصا فى السابق لإعدام المجرمين ومثيرى الرعب بسبب الأشباح المتكررة (3:4). وكنيسة النوفاتيين الواقعة فى جزء من المدينة يُدعَى بيلارجوم Pelargum، وهذه استولوا عليها وحوَّلوها إلى ضاحية تدعى Sycæ، ومن ثم دُعِىَّ المبنى انسطاسيا. وقد أُعيد إلى وضعه الأصلى فى عهد يوليانوس(20:4). كذلك دُعِى أنسطاسيا المبنى الصغير الذى حُوِّل إلى دار للصلاة لغريغوريوس النزينزى وبذا صار كنيسة (5:7). وقد شيَّد مقدونيوس كنيسة بإسم بولس اسقف القنسطنطينية، عندما نقل ثيودوسيوس جسد المعترف إلى هذا المبنى، وقد وُصِفت بأنها كنيسة فسيحة ومتميزة(10:7). وعندما نقل ثيودوسيوس رأس يوحنا المعمدان إلى هبدوماس Hebdomas فى الضواحى، حيث كانت هناك الطواحين السبعة، أقام فى ذلك الموضع معبدا فسيحا وهائلا، صار مركزا للعبادة الامبراطورية وللأشفية الإعجازية (21:7،24،4:8-14). وقد شُيِّدت كنيسة بإسم سان استيفان أول الشهداء(24:8). وكنيسة مُشيدة لذكرى القديس موكوس Mocus الشهيد حيث دُفِن ديوسقوروس([45]). وطبقا لبروكوبيوس Procopius (فى de Ædificis, i. 4) كان الموضع الذى نُقِل اليه جسد ثيرسس Thyrsus الشهيد، ورفات الأربعين جنديا(2:9) كنيسة. ويذكر فى خلقيدون كنيسة القديسة أوفيمية Euphemia، التى وصفها بغزارة ايفاجريوس، وكنيسة بطرس وبولس فى البلوطة (روفينوم Ruffinum).
وعندما يتحدث عن عدد الرهبان فى وحول القنسطنطينية(2:4، 9:8) ويشير إلى مساكنهم على نحو عام (20:4)، لا يذكر أية مؤسسة معينة فيما عدا تلك التى أسسها ماراثونيوس Marathonius والتى كانت ما زالت قائمة فى أيامه. وهو يشير أيضا إلى اكزنودوكياXenodochia ، ونوسوكوميا Nosocomia، وكيروتروفيا Cherotrophia، وبوتوكتروفيا Ptochotrophia (20:4، 27، 9:8). وكانت هناك مقرات للأساقفة والكهنة. ولكن هذه ألمح إليها فقط (14:7، 14:8). ولكنه لم يخصص ولا حتى اهتم بمجموعة المستوطنات التى أسستها وأنعمت عليها بولخاريا(8:9) وقد ذَكر القصُور والساحات على نحو عام، ولكن المجلس الفخم الذى احترق مع صوفيا قد وُصِف بأنه جنوب هذا المبنى. وأشار إلى هيبودروم فى الاقليم الثالث، مع وصف قليل لشكله القديم وموضعه (39:6، 21:8). وذَكر الحمامات العامة الثمانية. والمسرح الذى دُعِى على اسم زيوكيسبوس (9:3) قد ذُكِر كمبنى ضخم وكبير، والقصر القريب من شاطىء البحر، وكان ذلك فى الاقليم الثانى. ويتحدث بصواب عن حمامات تحمل أسماء انسطاسيا وكاروسا بنات فالنس، كانت قائمة فى أيامه(9:6) وحمامات قونسطانتيوس كانت متميزة بأنها فسيحة جدا عندما يخبرنا كيف لجأ اتباع يوحنا هناك لعيد البصخة(21:8).
ولدينا بعض الملاحظات القصيرة عن بضعة أصدقاء خارج الدوائر الأقدم فى بثيليا وغزة. فبناء على مشورة بعض الأتقياء المتضلعين فى السرائر الإلهية قرر ألا ينشر شِعار نيقية([46]).
ويُخبرنا سوزمينوس عن قصة شفاء رفيقه أكويلينوس المحامى الذى كان من بين الذين اختبروا الراحة فى ميخائيليوم، بعبارات مُسجَّلة من رفيقه(3:2). ولم يكن على صلة جيدة بكيليكس Cilix الكاهن المطوب فى طرسوس(19:7). وكان له صديق أو أصدقاء كانوا مصاحبين لأحداث ثيوفيلس(12:8). وبالمثل مع بعض الذين كانوا حميمين ليوحنا فم الذهب(9:8). وليس من غير المحتمل أن يكون قد عرف نيكَريت Nicareteفى شيخوختها، وهى سيدة بيثينية متميزة بحياتها الباذلة والتى حُفِظت ذِكراها بواسطته هو فقط (23:8). والحقائق الخاصة ببولخاريا التى سلط عليها الأضواء. وخضوع عمله لثيودوسيوس الشاب، يُظهِر أنه كان يَلقى إكراما من كل منهما.
(خطاب من سالامينيوس سوزمينوس إلى الامبراطور ثيودوسيوس، بمشروع "التاريخ الكنسى").
إن القول السائر هو أن الأباطرة السابقين كانوا مُولعين ببعض الأمور النافعة أو بأخرى. فالبعض كان مُغرَما بالزخارف مثلا أو بالاهتمام بالأرجوان الملكى أو بالتاج وما شابه ذلك. وأولئك الذين كانوا يهوون الرسائل، ألَّفوا بعض المقالات أو الأعمال الميثولوجية القادرة على إثارة خيال القراء. وهؤلاء الذين تمرَّسوا فى الحرب سعوا مباشرة إلى تصويب الأسلحة نحو هدفها، أو صيد الحيوانات المفترسة([47])، أو رشق الرماح، أو إمتطاء الجياد.
وكل واحد تخصص فى مهنة تَسُّر الحُكام، أعلن عن نفسه للقصر. فواحد يُحضِر حجارة كريمة ليس من السهل التشكك فيها. وآخر يهتم بإحضار لون أكثر لمعانا للثوب الأرجوانى. وواحد يهدى قصيدة أو مقالة، وآخر يُدخِل نمط عدة حربية غريبة ومختبرة.
لذلك يُعتبَر أمرٌ فاخرٌ وأعظم، لحَاكم كل الشعوب أن يمتلك على الأقل واحدة من الفضائل الخالية من التكلف. ولكن ما أعظم التقدير الذى للتقوى التى هى، فوق كل شىء، الزينة الحقيقية للامبراطورية.
ومع ذلك أنتَ أيها الامبراطور الأقوى ثيودوسيوس([48])، تمتلك بمعونة الله، بإختصارٍ، كل فضيلة. فإذ تلتحف بثياب الأرجوان والتاج رمزا الكرامة لمشاهديك، إنما ترتدى داخليا زينة السيادة الحقيقية، الشفقة ومحبة العمل الخيرى. ومن ثمة انشغل بك وبأعمالك الشعراء والكُتَّاب والقَدْر الأوفر من ضباطك وتابعيك. وعندما كنتَ تترأس كحَاكم على الأفعال وقاضى للأقوال، لم تُسلَب دقتك بأى صوت أو شكل اصطناعى، بل كنتَ تهب الجائزة عن اخلاص مراعيا ما إذا كان المرسوم مناسبا لقصد الانشاء أم لا. وهكذا أيضا بالنسبة لشكل الكلمات والأقسام والترتيب والوحدة وتركيب العبارات، والبناء، والحجج والفكر والرواية. وكنت تكافىء المتكلمين بقضاء العادل وبإستحسانك، وأيضا بصُور ذهبية وإقامة تماثيل وهبات وكل نوع من الإكرام. لقد أظهرت اهتماما شخصيا بالمتكلمين أعظم مما كان الكريتيون القدماء يُظهِروه للمغنيين لهومر، أو الألفاديون Alevadæ لسيموندس Simonides، أو [يُظهِره] ديونيسيوس Dionysius طاغية سيسلى Sicily لأفلاطون رفيق سقراتيس، أو فيليب المقدونى لثيوبومبوس Theopompus المؤرخ. أو الامبراطور ساويرس لأوبيانوس Oppianus الذى روى عن أنواع وطبيعة وصيد السمك. لأنه بعد أن كافأ الكريتيون هومر بألف نومى([49]) نقشوا كمية الهبة على عمود عام كما لو كانوا يفتخرون بهبتهم المفرطة. ولم يكن الألفادوديون وديونيسيوس وفيليب بأفضل منهم، حيث افتخروا بقدرتهم الفلسفية المتواضعة، وسرعان ما قلدوا عمودهم لكى لا يكونوا أدنى فى هباتهم. ولكن ساويرس عندما وهب أوبيانوس هبة ذهبية عن كل سطر من إصداره المتواضع أدهش كل أحدٍ بسخائه لدرجة أن قصائد أوبيانوس أُشتُهِرَت بالكلمات الذهبية إلى هذا اليوم([50]). هكذا كانت هبات المُحبين السابقين للعِلم والخطابة.
ولكنك أيها الامبراطور قد فقت كل أحدِ من القدماء فى سخائك للرسائل، وإنك لتبدو لى أنك تفعل ذلك ليس بلا فطنة. لأنك بينما تجاهد فى التغلب على الجميع بفضائلك، فإنك تدير أيضا شئونك بنجاح وفقا لمعرفتك العميقة بقصة تلك الأمور القديمة التى حدثت من اليونان والرومان. وتقول الاشاعات أنه خلال النهار تقوم بتدريبات بدنية وحربية وتنظيم شئون الدولة بإصدار قرارات وبأخذ ملاحظات بما هو ضرورى، وبالمتابعة جهرا وسرا للأمور التى ينبغى عملها، وفى الليل تشغل نفسك بالكتب. ويقال أن مصباحا يتدفق منه الزيت تلقائيا فى الفتيل بمكانيكية ما يخدمك فى دراسة هذه الأعمال حتى أن أحدا ما من خدم القصر لا يكون مضطرا إلى ازعاجك فى عملك أو يقتحم طبيعة جهادك ضد النوم. وهكذا أنت انسان ولطيف للقريبين وللجميع إذ أنك تحاكى الملك السمائى الذى هو نموذجك الذى يحب أن يُرسِل المطر وأن تشرق الشمس على البار والأثيم، مثلما يهب أيضا البركات بلا حد.
ومن الطبيعى أيضا، أن أسمع أنه بعلمك المتنوع لست أقل دراية بطبيعة الأحجار وفوائد الجذور لأن سليمان صار عبدا لمسراته ولم يحترس إلى المنتهى، تلك التقوى التى كانت له سبب الحكمة والرخاء. ولكنك أنت أيها الامبراطور القوى بالأكثر لأنك جعلت عقلك محصُورا ضد الهزل فلم تستطع فقط حُكم الناس، ولكن أيضا [ضبط] أوجاع النفس والجسد، كما يُفترَض فى المرء طبيعيا. وهذا أيضا ينبغى ملاحظته، فأنا أفهم أنك هزمت كل رغبة فى الأكل والشرب. فإذا تحدثنا شعريا، لا تين شهى ولا أى نوع آخر من الفاكهة فى موسمها، يمكن أن يأسرك فيما عدا ما تلمسه وما تتذوقه بعد أن تُقدِّم الشكر لصانع كل الأشياء. لقد أردتَ أن تهزم العطش والحرارة، والبرد بتدريباتك اليومية لدرجة أن ضبط النفس بدت طبيعة ثانية لك. وأخيرا، كما هو معروف جيدا، كنتَ مهتما بزيارة مدينة هيراكليا([51]) Heracleaفى بونطس وأن تستردها ثانية، واجتزت فى موسم الصيف خلال بيثنية([52]). وعندما كانت الشمس فى منتصف النهار تقريبا وشديدة القيظ، رآك أحد حراسك الشخصيين تتصببُ عرقا بغزارة وسُحب الغبار. وكما لو كان يريد أن يصنع معروفا قدَّم لك صحنا يعكس اشعة الشمس وسكب من الشراب الحلو فيه ، وأضاف إليه ماءً باردا. ولكنك أيها الإمبراطور الأقوى أخذته ومدحت الرجل على نيته الصالحة وأعلنتَ حالا أنك ستكافأه على صنيعه الجيّد بهبة ملكية. ولكن عندما اندهش سائر الجنود وفغروا أفواههم من الطبق واعتبروه مُباركا ذاك الذى سيشربه أعدت أيها الامبراطور النبيل ذلك الطبق إليه، وأمرته أن يستخدمه فى أى شىء يسره. لدرجة أنه يبدو لى أنك قد فُقتَ بفضيلتك الكسندروس بن فيليب ذاك الذى أشُتهِر بين معجبيه بأنه عندما كان يمر مع المقدونيّن خلال مكان بلا ماء وجد جنديا قلقا، ماءً فإستقى منه وأحضره إلى الكسندروس، فلم يشأ أن يشرب ولكنه سكبه([53]).
لذلك بإختصار، من المناسب أن ندعوك وفقا لهومر أكثر فخرا من الملوك الذين سبقوك لأننا نسمع عن البعض أنهم لم يحظوا بإعجاب ذى قيمة. وآخرون زينوا بالكاد عهدهم بعمل أو اثنين أما أنتَ أيها الامبراطور الأكثر قوة فقد جمعتَ سائر الفضائل معا وفُقتَ كل أحدِ فى التقوى ومحبة الخير للبشر والشجاعة والفطنة والعظمة والكرامة الملكية. وكل عصر سيفتخر بحكمك بأنه وحده كان غير ملوث ونقى من القتل عن سائر الحكومات التى وُجِدَت طرا. لقد عَلَّمتَ تابعيك أن يسعوا وراء الأمور المهمة بسرور لدرجة أنهم أظهروا غيرة لك وللشؤون العامة بكل احترام وإرادة جيدة.
لذلك، ولكل هذه الأسباب كان علىَّ ككاتب لتاريخ كنسى أن أقدِّم نفسى لك، لأنه مَن يكون أكثر ملائمة لأقدِّم له نفسى، حيث أننى عتيد أن أروى فضائل رجال أتقياء كثيرين، وأحداث الكنيسة الجامعة، ولما كان صراعها مع أعداء كثيرين قد قادنى [للإلتجاء] إلى حمايتك وحماية آبائك؟. فاقبل منى يا مَن تعرف كل هذه الأمور وتمتلك كل فضيلة وبصفة خاصة تلك الشفقة التى قال عنها الكلمة الإلهى أنها بداية الحكمة، هذا المكتوب ورتِّب حقائقه ونقيه بعملك الناجم عن معرفتك الدقيقة إما بالإضافة أو الحذف لأنه متى بدا الخطاب سارا لك، وكان ذا مزايا براقة وتامة للقراء، فلن تمتد إليه يد بعد استحسانك.
ان تاريخى يبدأ من القنصلية الثالثة للقياصرة: كريسبوس([54]) Crispus وقنسطنطين Constantine، ويمتد إلى قنصليتك السابعة عشر. وقد وجدتُ من المناسب تقسيم العمل كله إلى تسعة أجزاء:
الكتابان الأول والثانى يتضمنان الشؤون الكنسية فى عهد قنسطنطين.
الثالث والرابع تلك التى فى عهد ابنائه.
الخامس والسادس: تلك التى فى عهد يوليانوس Julian، ابن عم أبناء قنسطنطين الكبير وجوفيانوس Jovian، وفالنتنيانوس Valentinian، وفالنس Valens.
السابع والثامن: أيها الامبراطور الأقوى يتناول الشؤون فى عهد الاخوين جراتيان Gratian وفالنتنيانوس([55]) Valentinian إلى إعلان ثيودوسيوس Theodosius جدك التقى.
وبقدر ما تحتفل بأبيك اركاديوس Arcadiusمع عمك التقى هونوريوس Honorius بقدر ما شاركتَ واشتركت فى تنظيم العالم الرومانى.
أما الكتاب التاسع، فخصصته لجلالتك([56]) يا محب المسيح لعل الله يحفظك دائما بإرادة جيدة لا تنقطع وينصرك على الأعداء ويضع كل شىء تحت قدميك وينقل الامبراطورية المقدسة إلى أبناء ابناءك بمشيئة المسيح الذى [يليق] به ومعه المجد لله الآب مع الروح القدس إلى الابد. آمين.
الـكتـاب الأول
الكتاب الأول : الفصل الأول
( وفيه يمهد سوزمينوس بفحص تاريخ الأمة اليهودية، ويذكر أولئك الذين بدأوا هذا العمل. وكيف ومن أية مصادر جمع تاريخه، وكيف كان مُصِّرا على الحقيقة، وأية تفاصيل أخرى سيشملها التاريخ).
(1/1/1) لقد انشغل ذهنى مرارا بإستفسار: كيف أنَّ الناس الآخرين مستعدون جدا للإيمان بالله الكلمة، بينما اليهود يرتابون بشدة [فى ذلك]، على الرغم من أن هذا التعليم بشأن الأمور الخاصة بالله قد غرسه الأنبياء لهم منذ البداية، والذين بالمثل جعلوهم أيضا مُلمين بالأحداث المتعلقة بمجىء المسيح قبل أن تحدث. وبالإضافة إلى ذلك حُسِب ابراهيم مؤسس أمتهم و[مؤسس شريعة] الختان، مستحقا لأن يكون شاهدَ عيان ومضيفا لإبن الله([57]). وكُرِّم اسحق ابنه بأن يكون مثالا للذبيحة التى على الصليب حيث أُقتِيد إلى المذبح بواسطة أبيه، وكما يؤكد الدارسون المدققون للأسفار المقدسة، حدثت آلام المسيح وفقا لهذا المثال([58]). وسبق يعقوب وتنبأ بأنَّ رجاء([59]) الأمم سيكون للمسيح كما هو [حادث] الآن، وبالمثل سبق فتكلم عن الزمن الذى سيأتى فيه([60]) عندما قال أن حُكم سبط يهوذا، السبط القائد للعبرانيِّن، سيبطل([61]). وهذه اشارة واضحة إلى عهد هيرودوس الذى كان آدوميا من جهة أبيه وعربيا من جهة أمه، وسُلِّمت له الأمة اليهودية بواسطة السينات([62]) الرومانى واوغسطوس قيصر.
(1/1/2) وبالنسبة لباقى الأنبياء، أعلن البعض مسبقا عن ميلاد المسيح وحبله الذى لا يُنطَق به، والأم الباقية عذراء بعد ميلاده، وشعبه وبلده. والبعض سبق وأنبأ بأعماله الاعجازية والإلهية، بينما أخبر الآخرون مسبقا بآلامه وقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات والأحداث المصاحبة لكل منها. فإذا كان أحدٌ ما يجهل هذه الحقائق فليس من العسير أن يعرفها بقراءة الأسفار المقدسة.
(1/1/3) فيوسيفوس([63]) Josephus بن متياس الذى كان أيضا كاهنا وأكثر تميزا بين اليهود والرومان يمكن أن يُعتَبر شاهدُ جديرُ بالإعتبار بالنسبة للحقائق الخاصة بالمسيح. هذا قد تردد فى أن يدعوه إنسانا إذ قد أجرى أعمالا عجيبة وكان معلِّما للعقائد الحقيقية، فدعاه صراحة المسيح، وأنه قد أُدِين بالموت موت الصليب فظهر حيا ثانية فى اليوم الثالث. ولم يكن يوسيفوس جاهلا بالنبوات العجيبة الأخرى التى بلا عدد التى نُطِق بها قبلا بواسطة الأنبياء القديسين بشأن المسيح. وأكثر من ذلك يشهد بأن المسيح اكتسب لنفسه الكثيرين من اليونان واليهود الذين استمروا يحبونه وأن الذين دُعِيوا بإسمه ولم يعودوا مغمورين([64]). ويبدو لى من رواية هذه الأمور أنه يُصرّح بأن المسيح بالمقارنة بأعماله هو الله. وإذ صُدِم بهذه المعجزة، ركض نوعا ما إلى منحى وسط فهاجم أصلا أولئك الذين آمنوا بيسوع، ولكنه بالأحرى اتفق معهم.
(1/1/4) وعندما اتمعن فى هذا الأمر تبدو لى ملاحظة معقولة، [وهى] أن العبرانيين لم يتوقعوا أن يتحولوا ([65]) حالا، قبل سائر البشر، إلى المسيحية، لأنه على الرغم من بعض التكهنات والعرافة التى تعلن مسبقا مستقبل الاحداث الخاصة بالمسيح، فلا يجوز لنا أن نعزو فى هذا الصدد عدم الايمان إلى جميع اليونانيين. لأن أولئك الذين كانوا ذوى تعليم أفضل وقدرة على فهم مثل هذه النبوات التى كانت بالنسبة للجزء الأكبر وحى، كانوا قلة. وكانت هذه النبوات مُعلَنة للناس بكلمات عويصة.
(1/1/5) ولذلك، فى تقديرى الخاص، أن ذلك كان نتيجة المعرفة السمائية السابقة من أجل اتفاق الأحداث فى المستقبل، أن تُعلَن الحقائق الآتية ليس فقط بواسطة أنبيائه، ولكن أيضا جزئيا بواسطة الغرباء. فكمثل موسيقِى يقع تحت ضغط لحن غريب، فيُعالج الأصوات المتباينة للخورس برقة بواسطة ريشته، أو أن يضيف أخرى إلى تلك الموجودة بالفعل.
(1/1/6) وإذ رأينا الآن كيف أن العبرانيين على الرغم من أنهم يمتلكون نبوات محددة وبلا حصر بشأن مجىء المسيح كانوا أقل إرادة للايمان به عن اليونانيين، فإن ما قيل فى هذا الموضوع لكافٍ.
(1/1/7) ولكن يجب بأى حالٍ من الأحوال أن نعتبر الكنيسة على النقيض من ذلك، قد شُيِّدت بإهتداء الأمم الأخرى. لأنه من الثابت أن الله يُسَّر فى المقام الأول بالأمور الإلهية والعظيمة، أن يتم التغير بأسلوب اعجازى. ثم علينا أن نتذكر أنه بممارسة الفضائل غير الشائعة، حافظ الذين كانوا منذ البداية رؤساء الشؤون الدينية على تأثيرهم. فإذا كانوا حقا لا يمتلكون اللغة المُحدَّدة التعبيرات، أو جمال الأسلوب، ولا قوة اقناع السامعين بواسطة عبارات أو تراكيب رياضية إلا أنهم لم يقصّروا فى القيام بالعمل المعهود إليهم. لقد تخلوا عن ممتلكاتهم، وأهملوا أقاربهم، وتمددوا على الصليب. وكما لبسوا جسدا ليس لهم، قاسوا عذابات كثيرة لا تُحتمَل، ولم يخدعهم تملق أى شعب أو حُكام أية مدينة، ولا ارتعدوا من خطر، بل برهنوا بوضوح بسلوكهم أنهم مدَّعمين فى جهادهم بالرجاء فى الجائزة الأعلى حتى أنهم لم يحتاجوا فى الحقيقة إلى تبنى الجدل الشفاهى لأنهم بدون أى جهد من جانبهم ألزمَت أعمالهم سكان كل بيت وكل مدينة على أن يصادقوا على شهادتهم حتى قبل أن يعرفوا ما تحتويها.
(1/1/8) ولما كان مثل هذا التغير الإلهى والاعجازى قد حدث فى شؤون البشر، فقد هوت العبادات القديمة والقوانين المحلية إلى الازدراء. أذ أن كثيرين من الكتَّاب اليونان المتميزين قد سخَّروا قوى بلاغتهم فى وصف الخنزير الكاليدونى وعِجل ماراثون والأعمال المماثلة الأخرى التى حدثت بالفعل فى بلاد أو مدن أو لها أصل خرافى. فلِما لا أنهض أنا أيضا لكتابة تاريخ الكنيسة، إنه موضوع ليس فى متناول البشر ولكنه يستهوينى ويبدو من غير المصدَّق أن تاريخا كهذا يُكتَب بواسطتى، ولكن عند الله ليس شيء مستحيلا.
(1/1/9) فأولا شعرتُ بميل قوى إلى تعقب مجرى الأحداث منذ البداية، ولكن عند التمعن فى سجلات الماضى المماثلة إلى زمان كاتبيها، والمؤلفة بواسطة أولئك الرجال الحكماء [أمثال] كليمندس([66]) Clemens وهيجسبوس Hegesippus خلفاء الرسل، وافريكانوس Africanus المؤرخ ويوسيبيوس Eusebius الملقب بامفيلوس([67]) Pamphilus، وهو رجل مُلم للغاية بالأسفار المقدسة وكتابات الشعراء والمؤرخين اليونان، استخلصتُ على نحو ما مختصر لكتابيَن([68]) من كل ما قد سُجِّل يهتمان بما حدث للكنائس من صعود المسيح إلى وقت خلع ليسينيوس Licinius. والآن بمعونة الله، سأروى الأحداث التالية أيضا.
(1/1/10) سأسجل تلك الأمور التى انشغلتُ بها بنفسى، وأيضا تلك التى سمعتها من أناس عرفوها أو رأوها فى أيامنا هذه أو قبل جيلنا. ولكننى بحثتُ عن سجلات أحداث التاريخ القديم بين القوانين الراسخة المتعلقة بالديانة، وبين مضابط مجامع الفترة، وبين البدع التى ثارت، وفى رسائل الملوك والكهنة. وكانت بعض هذه الوثائق محفوظة فى القصُور والكنائس. وأخرى كانت متناثرة بين ممتلكات بعض المتعلمين. وقد فكرتُ مرارا فى نسخ الكل ولكن بعد تفكير عميق وجدتُ من الأفضل بسبب الكم الهائل من الوثائق أن أقدّم توليفة مختصرة لمحتوياتها. ولكن عندما يثور الجدل بالنسبة للموضوعات المُقدَّمة، فإننى سأكون مستعدا لنسخها طبق الأصل بتصرف من أى عمل يمكن أن يوضح الحقيقة.
(1/1/11) فإذا خلص أى شخص يجهل الاحداث الماضية إلى أن تاريخى مزيف لأنه صادف عبارات تتعارض مع كتابات أخرى، فعليه أن يعرف أنه منذ ثارت عقيدة اريوس والفرضيات الأخرى الأكثر حداثة، بدأ رؤساء الكنائس وهم مختلفون فى وجهات النظر فيما بين أنفسهم، فى كتابة وجهات نظرهم الخاصة لمنفعة تابعيهم. وأكثر من ذلك عليه أن يتذكر أن هؤلاء الرؤساء عقدوا مجامع، وأصدروا المراسيم التى تسرهم والتى غالبا ما تدين مَن لم يسمع بها، وأولئك الذين ايمانهم لا يماثل ايمانهم. وجاهدوا بكل ما فى وسعهم فى إغواء أمراء ونبلاء زمانهم لكى ينحازوا إليهم. وبزعم الحفاظ على الارثوذكسية التى لعقيدتهم الخاصة، ألَّف اتباع كل طائفة على التوالى مجموعة من الرسائل التى تؤيد هرطقتهم الخاصة حاذفين سائر الوثائق التى تخص الطرف المضاد. هذه هى العقبة التى صادفتنا فى سعينا للوصول إلى خلاصة فى هذا الموضوع.
(1/1/12) ولهذا تطلب الأمر منى، من أجل الحفاظ على الدقة التاريخية، أن أبذل أقصى عناية فى سبيل تحرى الحقيقة، فألزمتُ نفسى بفحص جميع كتابات هذه الفئة حسب قدرتى. فلا ينسب إلىَّ أحدٌ أى روح خبث لأننى تمعنتُ فى المنازعات بين الكنسيِّن أنفسهم الخاصة بأولوية وتميز هرطقاتهم.
(1/1/13) ففى المقام الأول كما قلتُ ينبغى للمؤرخ أن يعتبر كل شىء ثانوى بالنسبة لأهمية الحقيقة. وأكثر من ذلك فإن عقيدة الكنيسة الجامعة هى بصفة خاصة الأكثر أصالة، إذ أنها أُختُبِرت([69]) مرار بمكائد المفكرين المعارضين، ولكن التدبير مع ذلك كان من الرب، فحافظت الكنيسة الجامعة على سموها واستردت قوتها وقادت سائر الكنائس والشعوب إلى قبول حقها الذاتى. وعلىَّ أن أتروى فى امعان الفكر فيما إذا كان ينبغى أن احصر نفسى فى تلاوة الأحداث المتصلة بالكنيسة فى ظل الحكم الرومانى أم لا. ولكن يبدو من الملائم بالأكثر أن تشمل على قدر ما يمكن، على المعاملات الخاصة بالديانة بين الفارسيين والبربر. وليس بغريب على التاريخ الكنسى أن نُدخِل فى هذا العمل وصفا لهؤلاء الذين كانوا آباء ورواد ظاهرة الرهبنة، وخلفائهم الحاليين الذين شهرتهم معروفة جيدا لنا سواء بالمعاينة أو التقرير. لأننى لا أرغب فى أن أُعتَبر غير لطيف نحوهم ولا أن أُهمِل فضائلهم، ولا أن أكون جاهلا بتاريخهم. ولكننى أرغب لأن أُخلِف ورائى سجلا بسلوك حياتهم هذه حتى ما يحض الآخرين على الإقتداء بنموذجهم إلى نهاية سعيدة ومباركة. ومع تقدم العمل سيتم ملاحظة هذه الموضوعات كلما أمكن.
(1/1/14) واستمدادا لمعونة الله وتفضله أتقدم الآن لرواية الأحداث. وسيكون بداية التاريخ الحالى من هذه النقطة.
الكتاب الأول: الفصل الثانى
(عن اساقفة المدن الكبيرة فى عهد قنسطنطين، وكيف امتدت المسيحية خوفا من ليسينيوس بحذر إلى الشرق، حتى إلى ليبيا، بينما امتدت بحرية غربا بتشجيع قنسطنطين)
(1/2/1) فى عهد قنصلية قنسطنطين القيصر وكريسبوس القيصر، حكم سيلفستر([70]) Silvester كنيسة روما، والكسندروس([71]) Alexanderكنيسة الاسكندرية([72]). ومكاريوس كنيسة اورشليم. ولم يُعيَّن أحدٌ على كنيسة انطاكية فى أورانتس Orontes منذ رومانوس لأن الاضطهاد كما يظهر قد حال دون اتمام مراسِم السيامة. غير أن الاساقفة الذين اجتمعوا فى نيقية ليس بعد ذلك بوقت طويل، كانوا واعين جدا بنقاوة وحياة وعقائد يوستاثيوس Eustathius إلى حد أنهم حكموا بأنه مستحقٌ لشغل الكرسى الرسولى على الرغم من أنه كان آنذاك أسقف بيرية([73]) Berœa المجاورة فنقلوه إلى انطاكية.
(1/2/2) وبينما لم يجرؤ مسيحيو الشرق إلى ليبيا على حدود مصر، فى الاجتماع جهرا ككنيسة، إذ كان ليسينيوس Licinius قد سحب منهم رضاءه، كان مسيحيو الغرب من اليونانين والمقدونيين والإيلاريين يجتمعون جهرا للعبادة فى ظل حماية قنسطنطين([74]) الذى كان على رأس الامبراطورية الرومانية([75]).
الكتاب الأول: الفصل الثالث
(اعتناق قنسطنطين للمسيحية، عقب ظهور المسيح له، ورؤيا الصليب. وتلقيه للتعليم الدينى من اخوتنا).
(1/3/1) لقد علِمنا أن قنسطنطين قد أُقتِيد إلى شرف الديانة المسيحية بتوالى أحداث عديدة مختلفة، وعلى وجه الخصوص ظهور علامة من السماء. فعندما عَقد الأول العزم على شن الحرب ضد ماكسنتيوس Maxentius، ساورته الشكوك بالنسبة لوسائل تنفيذ عملياته الحربية ومن أين يمكنه طلب المعونة.
(1/3/2) وفى وسط حِيرته رأى فى رؤيا علامة الصليب تلمع فى السماء، فإندهش من المشهد ولكن بعض الملائكة الذين كانوا يقفون إلى جوار هذه العلامة صاحوا يا قنسطنطين بهذه العلامة تغلب([76]). وقد قيل أن السيد المسيح نفسه قد ظهر له وأراه علامة الصليب وأمره أن يصنع واحدة مثلها، ويجعلها عونا له فى المعركة فيضمن النصرة بصفة مؤكدة. ويؤكد يوسيبيوس المُلقب بامفيلوس أنه قد سمع الامبراطور وهو يُصرّح بقسَم أنه عندما كانت الشمس على شفا الانحدار فى حوالى منتصف النهار، رأى هو والجنود الذين كانوا معه علامة النصر التى للصليب مكونة من نور ومحاطة بهذه الكلمات: بهذه العلامة تغلب. وهذه الرؤيا صادفته بمناسبة حيرته فيما إذا كان يتعين عليه قيادة جيشه أم لا. وبينما كان يفكر فيما يمكن أن تعنيه هذه الرؤيا حل الليل. وعندما نام ظهر له المسيح بالعلامة التى رآها فى السماء وأمره أن يُشيِّد مثالا للشعار ويستخدمه كعون له فى المواجهات الضارية ولم يكن هناك توضيح أكثر من ذلك، إذ أدرك الإمبراطور بوضوح ضرورة خدمة الله.
(1/3/3) وعند طلوع النهار أَحضر سائر كهنة المسيح واستعلم منهم عن تعاليمهم. ففتحوا الاسفار المقدسة وشرحوا الحقائق الخاصة بالمسيح، وأظهروا له من الانبياء كيف أن العلامات التى تنبأوا بها قد تحققت فيه. وقالوا أن العلامة التى ظهرت له كانت علامة الانتصار على الجحيم لأن المسيح أتى بين البشر، وعُلِّق على الصليب ومات، وعاد إلى الحياة فى ثالث يوم. وقالوا فى هذا الصدد هناك رجاءٌ أنه فى نهاية التدبير الحالى ستكون هناك إقامة عامة من الأموات ودخول إلى الأبدية حيث يُكافأ أولئك الذين قادوا حياة صالحة، ويُعاقَب أولئك الذين عاشوا حياة طالحة. ولكنهم استطردوا قائلين غير أن وسائط الخلاص والنقاوة من الخطية مشروطة. أى العماد للشخص غير المُعمَّد وفقا لقوانين الكنيسة، وامتناع الشخص المُعمَّد عن خطايا جديدة. ولكن لما كان قلة، حتى بين الرجال القديسين، هم القادرين على حفظ هذا التقليد فإن هناك طريقة أخرى للتطهير تُدعَى التوبة، لأن الله فى محبته للإنسان يهب الغفران للذين سقطوا فى الخطية، عند توبتهم وتأكيد توبتهم بالأعمال الصالحة.
الكتاب الأول: الفصل الرابع
(قنسطنطين يأمر بحمل علامة الصليب أمامه فى المعركة، ورواية غير عادية عن حَمَلَة الصليب).
(1/4/1) واستدعى الإمبراطور- المندهش من النبوات المتعلقة بالمسيح التى شُرِحت له من الكهنة- بعض الفنيين المهرة وأمرهم فى إعادة رسم الشعار المعروف من الرومان بإسم لاباروم Labarum([77])، ويحولوه إلى مثال الصليب ويزينوه بالذهب والأحجار الكريمة. وفاقت علامة الانتصار الحربية هذه كل شىء آخر إذ كانت تُحمَل دائما أمام الإمبراطور، وتُعبَد من الجنود.
(1/4/2) وأظن أن قنسطنطين قد غيَّر أقوى شعار للقوة الرومانية إلى علامة الصليب حتى ما يميل الجنود بصفة رئيسية عن طريق التعود على رؤيتها دائما أمامهم إلى هجر خرافاتهم القديمة والاعتراف بالإله الحقيقى الذى يعبده الإمبراطور، كقائد لهم، ومُعينهم فى المعركة، إذ أن هذا الشعار كان يُحمَل دائما أمام كتائبه، وكان يُحمَل بأمر الإمبراطور بين الكتائب العسكرية فى وسط المعارك الضارية بواسطة فرقة ممتازة من رماة الرماح الذين كان كل واحد منهم يحمل فى دوره، الشعار على كتفيه ويتقدم به بين الصفوف.
(1/4/3) وقد قيل أنه فى إحدى المناسبات عند حركة غير متوقعة من القوات المعادية، وضعه حامل هذا الشعار من رعبه فى يد آخر وهرب سرا من المعركة. وعندما صار بعيدا عن متناول أسلحة العدو تلقى فجأة جرحا وسقط، بينما الرجل الذى ظل حاملا للعلامة الإلهية، ظل بلا ضرر على الرغم من أن أسلحة كثيرة قد صُوِّبت ضده لأن قذائف العدو المصوبة ضد حامل الراية قد وُجِهت بالعناية الإلهية على نحو عجيب بعيدا عنه، على الرغم من أنه كان فى وسط الخطر.
(1/4/4) وأيضا من المؤكد أنه لم يسقط قط أى جندى حمل هذه العلامة فى المعركة خلال أية مصيبة حالكة، أو أُخِذ أسيرا، أو جُرِح.
الكتاب الأول: الفصل الخامس
(دحض تأكيد أن قنسطنطين قد صار مسيحيا نتيجة لقتل ابنه كريسبوس)
(1/5/1) إننى أعى جيدا أنه قد قيل من قِبل الوثنيين أن قنسطنطين بعد قتله لبعض أقاربه المقربين، وبصفة خاصة بعد قتل إبنه كريسبوس Crispus، ندم على أعماله الشريرة فاستعلم من سوباتير Sopater الفيلسوف الذى كان آنذاك معلم مدرسة بلوتينُس Plotinus بشأن وسائل التطهر([78]) من هذا الذنب. ولكن الفيلسوف، حسبما تقول القصة، أجاب أن مثل هذه الرذائل الأخلاقية لا تسمح بأية وسيلة للتطهُر. فحزن الإمبراطور من هذه الاجابة وتصادف أن قابل بعض الاساقفة الذين قالوا له أنه يمكنه التطهُر من الخطية بالتوبة والمعمودية. فسُرَّ بإنعاشهم وتبنى تعاليمهم وصار مسيحيا وقاد تابعيه لنفس الايمان.
(1/5/2) ويظهر لى أن هذه القصة هى من اختراع أشخاص يرغبون فى الافتراء على الديانة المسيحية. فكريسبوس الذى بسببه قيل أن قنسطنطين قد طلب التطهُر لم يمت حتى السنة العشرين من حكم والده، وحاز الموضع الثانى فى الإمبراطورية، وحمل لقب قيصر، وصِيغت قوانين كثيرة برضائه فى صالح المسيحية وما زالت قائمة. وهذه الحالة يمكن البرهنة عليها بالإشارة إلى التواريخ المحددة لهذه القوانين، والى قوائم المشرعين. ولا يبدو من المقبول أن سوباتير كان له أية علاقة بقنسطنطين الذى كان حكمه آنذاك يتركز فى الأقاليم المجاورة للمحيط والراين Rhine لأن منازعته مع ماكسنتيوس حاكم ايطاليا خلقت انشقاقا فى السيادة الرومانية حتى أنه لم يكن بالأمر الهين الاقامة فى الغال وبريطانيا أو البلاد المجاورة التى كان مسلَّما فيها على نطاق واسع بأن قنسطنطين قد اعتنق الديانة المسيحية قبل حربه مع ماكسنتيوس، وقبل عودته إلى روما وايطاليا. وهذا ثابت من تواريخ القوانين التى فى صالح الديانة.
(1/5/3) ولكن حتى مع التسليم جدلا بأن سوباتير قد التقى بالإمبراطور أو كانت له مراسلات معه فإنه لا يمكن تصُور أن الفيلسوف كان يجهل أن هيراكلس ابن الكمينا قد حصل على التطهير فى أثينا بالاحتفال بسرائر سيرس Ceres بعد قتله لإبنه وايفيتس ضيفه وصديقه. وكون أن اليونانيين قد نالوا التطهير من ذنب من هذا النوع، فهذا واضح من المِثال الذى أشرتُ إليه توا، ومن ثمة فهو مفترِى وزائف مَن يظن أن سوباتير قد علَّم بعكس ذلك. وإننى لا يمكن أن أقبل إمكانية أن يكون هذا الفيلسوف جاهلا لهذه الحقائق لأنه كان فى ذلك الوقت يُعتبَر الأكثر علما بين رجال اليونان.
الكتاب الأول: الفصل السادس
(أبو قنسطنطين يسمح بامتداد اسم المسيح. قنسطنطين العظيم يجعله يتغلغل فى كل مكان).
(1/6/1) وفى عهد حكم قنسطنطين كانت الكنائس تزدهر وتتزايد فى العدد يوميا، إذ كرَّمها الإمبراطور الخيِّر المستعد دوما بأعمال صالحة. وحفظها الله بالأحرى من الاضطهادات والمضايقات التى كانت تواجهها. وعندما كانت الكنائس تعانى من اضطهاد فى مناطق أخرى من العالم كان قنسطانتيوس وحده أبو قنسطنطين يهب المسيحين حق عبادة الله بلا خوف. وأعرف أمرا غير عادى حدث بواسطته، جديرٌ بالتسجيل.
(1/6/2) لقد أراد أن يختبر أمانة بعض المسيحيين وكانوا رجالا صالحين وممتازين قد أُلحِقوا بقصره. فدعاهم جميعا وأخبرهم أنهم إذا ضحوا للأصنام مثلما يعبدون الله، فإنهم سيظلون فى خدمته ويضمنون تعيينهم، ولكنهم إن رفضوا قبول رغبته فإنهم سيُطرَدون من القصر، وبالكاد يفلتون من انتقامه. وعندما انقسموا إلى طرفين فيما بينهم فى حكمهم، فرز أولئك الذين قبلوا هجر ديانتهم عن أولئك الذين فضلوا اكرام الله عن الرفاهية الحاضرة، وصمم الإمبراطور على ابقاء أولئك الذين تمسكوا بإيمانهم كأصدقاء ومُشيرين له، وصرف الآخرين الذين اعتبرهم ليسوا رجالا، ودجالين، وطردهم من حضرته مُقرا بأن مَن يكون مستعدا لخيانة إلهه لن يكون أبدا صادقا لملِكه.
(1/6/3) لذلك من المحتمل أنه خلال حياة قنسطانتيوس لم يكن [أمرا] ضد القوانين أن يُقر بالمسيحية، السكان فى الأقطار التى ما وراء ايطاليا، أى فى الغال وبريطانيا، وفى اقليم جبال بيرنين Pyrenean والمحيط الغربى.
(1/6/4) وعندما خلفه قنسطنطين فى الحكم صارت شؤون الكنائس أكثر توهجا لأنه عندما قُتِل ماكسنتيوس بن هيراكليوس، آل نصيبه أيضا إلى قنسطنطين. وقيل أن سكان شواطىء البحر التيرانى، والأمم التى كانت تعيش على نهر تايبر واردانوس، التى يدعوها الأهالى بادوس Padus، أولئك الاكويليِّين، قد سُمِح لهم بممارسة ديانتهم بدون تحرش. فقد قيل أنه عندما فر أرجوناتسArgonauts من ايتس Æetes، عادوا إلى وطنهم من طريق مختلف وعبروا بحر سكيثيا Scythia، وأبحروا خلال بعض الأنهار هناك، وبذا وصلوا إلى شواطىء ايطاليا حيث قضوا الشتاء وبنوا مدينة دعوها ايمونا Emona. وفى الصيف التالى حرروا آرجو بوسائل ميكانيكية، وبمساعدة شعب البلدة. وهى على مسافة أربعمائة استاديا. ولذلك وصلوا أكويلسAquilis وهو نهر يصب فى إردانوس Eridanus. ولكن إردانوس نفسها هوت فى البحر الايطالى. وبعد معركة سيباليس Cibalis صار الدردانيون Dardanians والمقدونيون وسكان ضفتى استر Ister وهلاس وكل اقليم ايليريا خاضعين لقنسطنطين.
الكتاب الأول: الفصل السابع
(بشأن النزاع بين قنسطنطين وبين ليسينيوس نسيبه بشأن المسيحيين، وكيف هُزِم بالقوة، وقُتِل).
(1/7/1) وبعد ذلك، تغيرت نظرة ليسينيوس الذى كان المسيحيون يحترمون رأيه سابقا، وأساء معاملة الكهنة الذين يعيشون تحت حكمه، كما اضطهد أيضا عددا غفيرا من أشخاص آخرين، وبصفة خاصة الجنود. فقد كان مغتاظا بشدة من المسيحيين بسبب عدم اتفاقه مع قنسطنطين. وفكر فى إيذائه عن طريق معاناتهم بسبب الدين، إلى جانب أنه اعتقد أن الكنائس تصلى بحرارة لكى يتمتع قنسطنطين بالسيادة وحده.
(1/7/2) وبالإضافة إلى كل هذا، فى عشية معركة أخرى مع قنسطنطين، وكان ليسينيوس معتادا على الاستعانة بالعرافين، قدَّم الذبائح ليستطلع مصير الحرب المتوقعة. وإذ خدعوه بالنُصرة، ارتد إلى ديانة الوثنيين. ويروى الوثنيون انفسهم أنه فى حوالى هذه الفترة، إستشار تكهنات ابوللو ديديموس فى ميلتيس Miletus، وتلقى ردا بشأن نتيحة الحرب من الشيطان، أُدرِجت فى الأبيات التالية لهومر: ما أكثر ما يضايقك الشبان ايها الرجل العجوز. فلتحذر، كم صارت قوتك ضعيفة. بيد أن شيخوختك ستكون شاقة.
(1/7/3) ومن حقائق كثيرة يظهر لى أن تعليم المسيحيّن قد تأيد، وأن تقدمه كان مضمونا بعناية الله. ولم يكن أقل مما حدث آنذاك، لأنه فى نفس اللحظة التى كان ليسينيوس عتيدا أن يضطهد سائر الكنائس التى تحت حكمه، اندلعت الحرب فى بيثينية والتى انتهت بحرب بينه وبين قنسطنطين والتى تقوى فيها قنسطنطين بشدة بمعونة إلهية حتى أنه انتصر على سائر أعدائه برا وبحرا.
(1/7/4) وعندما دُمِّر اسطول ليسينيوس وجيشه، ألقى نفسه فى نيقوميديا([79]) وأقام لبعض الوقت فى تسالونيكى كفرد عام ثم قُتِل بالفعل هناك. هكذا كانت نهاية شخص كان منذ بداية حكمه متميزا فى الحرب والسلم والذى تشرف بزواج أخت قنسطنطين.
الكتاب الأول: الفصل الثامن
(قائمة المنافع التى اسبغها قنسطنطين لحرية بناء الكنائس، والأعمال الأخرى للرفاهية العامة).
(1/8/1) وبمجرد أن صار حكم الإمبراطورية الرومانية فى يد قنسطنطين وحده، أصدر مرسوما عاما يأمر فيه سائر تابعيه فى الشرق بتكريم الدين المسيحى، وعبادة الله بعناية والاعتراف به وحده كإله، وأنه وحده القادر على كل شىء إلى أبد الآبدين. إذ أنه سُّر بأن يعطى كل ما هو صالح بوفرة لأولئك الذين يعتنقون الحق بغيرة، وقابل تعهداتهم بأفضل رجاء بينما سوء الاقدار سواء أكانت فى السلم أو فى الحرب، فى الحياة العامة أو الخاصة تؤدى إلى المعاصى. وأضاف قنسطنطين، ولكن بدون مجد باطل، أن الله إذ قد حسبه خادما مناسبا جديرا بالحُكم قاده من بحر بريطانيا إلى المقاطعات الشرقية لكى ينشر الديانة المسيحية، وأن أولئك الذين ثبتوا راسخين فى اعترافهم أو استشهادهم بسبب عبادة الله يجب أن ينالوا تكريما عاما.
(1/8/2) وبعد هذه العبارات أورد حشدا من التفاصيل الأخرى التى علَّم بها تابعيه كيف يهتموا بالدين، فسَّن أن كل الأحكام والأعمال التى تمت من قِبل المضطهدين ضد الكنيسة يتعين أن تُرذل. وأمر بأن يسترد جميع الذين قد عوقبوا بسبب اعترافهم بالمسيح حريتهم. سواء أكان بالنفى إلى الجُزر أو إلى أى مكان آخر ضد ارادتهم الخاصة. أو حُكِم عليهم بالعمل فى المناجم أو الأشغال العامة([80]) أو كسرارى، أو فى مصانع الكتان([81]) أو أُحصُوا ضمن الموظفين العموميين. كما ينبغى نزع وصمة العار عن أولئك الذين وُصِموا بها. وأمر بأن يُسمَح لأولئك الذين حُرِموا من التعيينات فى الرتب العليا بالجيش إما أن يستردوا مكانتهم السابقة، وإما أن يُخلَى سبيلهم بإكرام ليتمتعوا براحة حرة، وذلك وفقا لإختيارهم الخاص. وبالمثل عندما دعا الجميع إلى التمتع بحرياتهم السابقة والكرم المعتاد، أمر بأن يستردوا كافة ممتلكاتهم التى صُودِرَت. وفى حالة أولئك الذين قُتِلوا يرثها أقرباؤهم، أو الكنيسة التى تقع فى مقاطعتهم فى حالة عدم وجود ورثة قريبين. وفى حالة انتقال الميراث إلى يد آخر، أو صار مِلكية عامة أو خاصة أمر يإسترداده. كما وعد بالمثل بإتخاذ أنسب الوسائل وأفضلها فى حالة ما إذا كانت المِلكية قد تم شرائها بواسطة خزانة الدولة، أو تم الحصول عليها كهبة منهم.
(1/8/3) وهذه المعايير، كما قيل، ما أن وقَّع عليها الامبراطور ودُعِمت بقانون([82])، حتى وُضِعَت سريعا موضع التنفيذ فى الحال. وهكذا شغل المسيحيون جميع الوظائف الرئيسية تقريبا فى الحكومة الرومانية. وتم حظر عبادة الآلهة الكذبة على نحو عام، وأنواع التأليه([83])، وتكريس الأصنام، والاحتفال بالمواسم الوثنية. وتوارى الكثيرُ من العادات القديمة التى كانت تُراعَى فى المدن. ولم يعد يُحمَل، لدى المصريين، المقياس الذى يشير إلى زيادة مياه النيل إلى المعابد الوثنية ولكن إلى الكنائس. وُمنِعت لدى الرومان مشاهدة المصارعة. ولدى الفينيقيين مضاجعة العذارى قبل الزواج فى هليوبوليس([84]) بلبنان، والتى كانت معتادة كشرط للزواج الشرعى([85]) بعد التجربة الأولى للمعاشرة المحرَّمة. وبالنسبة لبيوت الصلاة رمم الامبراطور بعضها الذى كان ذا حجم كافٍ، وأضاف إلى البعض الآخر طولا وعرضا، وأنشأ مبانٍ جديدة فى المواضع التى لم يكن بها مبان موجودة سابقا، وزودها بالمتطلبات اللازمة من الخزانة الامبراطورية، وكتب إلى اساقفة المدن وحكام المقاطعات يُرغّبهم فى المساهمة حسبما يرغب كل منهم وأن يُظهِروا خضوعا وطاعة حارة للكهنة.
(1/8/4) وصاحب رخاء الديانة، رخاءً متزايدا للإمبراطورية. فبعد حربه مع ليسينيوس نجح قنسطنطين فى سائر معاركه ضد الأمم الأجنبية، فهزم السامريين والشعب الذى يُدعَى القوط([86]). وعقد معاهدة متميزة معهم، وهذا الشعب يقطن [على ضفاف] إستر([87]) Ister وكانوا رجال حرب أشداء ومستعدين دوما للتعبئة بكلٍ من ضخامة أجسامهم وعددهم الغفير، وأبقى القبائل البربرية الأخرى فى خوف، وكانوا فقط خصوم الرومان. وقيل أنه فى هذه الحرب، تلقى قنسطنطين بوضوح بواسطة الأحلام والعلامات تلك الحماية الخاصة من العناية الإلهية.
(1/8/5) ومن ثم عندما انتصر على كل الذين أثاروا المعارك ضده قدَّم الشكر للمسيح بإهتمام بالغ بشؤون الدين وحث الحُكام على الاعتراف بالإيمان الحقيقى الوحيد وطريق الخلاص وخصص جزءً من أموال الجزية المفروضة على البلاد للأساقفة والإكليروس أينما حلَّوا وأمر أن يكون القانون الذى ينص على ذلك فريضة إلى الأبد.
(1/8/6) ولكى يعتاد الجنود على عبادة الله مثله، أمر أن تُعلَّم اسلحتهم بشعار الصليب وأقام بيت صلاة فى القصر. وعندما كان ينشغل فى حرب ما أمر أن تُحمَل خيمة على شكل كنيسة حتى يمكن له أو لجيشه فى حالة توغلهم فى الصحراء أن يكون لهم مبنى مقدس يمكنهم أن يعبدوا الله فيه وبسبحوه ويمارسوا فيه السرائر. وكان الكهنة والشمامسة يتبعون الخيمة([88]) ليتمموا ترتيبات هذا الأمر حسب قانون الكنيسة. ومنذ ذلك الوقت صارت الفيالق الرومانية التى صارت تُدعى بأرقامها، صار لكل منها خيمة خاصة بها بشمامستها وكهنتها.
(1/8/7) كذلك عَهَد بمراعاة اليوم الملقب بيوم الرب([89])، والذى يدعونه اليهود اليوم الأول من الأسبوع والذى يُخصصه الوثنيون للشمس. وبالمثل اليوم قبل السابع، وأمر بعدم ممارسة أية أعمال رسمية أو أخرى فى هذه الأيام([90]) لأن الرب قد صُلِب فيه. وكرَّم الصليب إكراما خاصا بسبب القوة التى وهبها له فى المعارك ضد أعدائه، وأيضا للأسلوب الإلهى التى ظهرت له به العلامة. وألغى من المحاكم عقوبة الصلب المعتادة بين الرومان، وأمر بأن تُنقَش هذه العلامة الإلهية، وتُطبَع دائما عند سك النقود فى أى وقت مع صُورته التى توجد فى هذا الشكل الذى ما زال حتى الآن([91]) شاهدا على أمره.
(1/8/7) وفى الحقيقة جاهد فى كل شىءٍ وبصفة خاصة فى سن التشريعات لخدمة الله. ويبدو أيضا أنه قد حظر كثيرا من الأعمال الشائنة والفاجرة التى كانت إلى تلك الفترة غير ممنوعة. ويمكن للمرء المهتم بها أن يَلمح قدرا من بضعة حالات، وكيف كانت القوانين التى أصدرها بخصوص هذه النقاط. ويبدو لى الآن أنه من غير المعقول أن نتناولها باستفاضة. ومع ذلك، اعتبر أنه من الضرورى أن نذكر القوانين التى سنها لتكريم وترسيخ الديانة حيث تشكل قدرا معتبرا من التاريخ الكنسى، لذلك سأستطرد فى روايتها.
الكتاب الأول: الفصل التاسع
(قنسطنطين يسن قانونا فى صالح المتبتلين والاكليروس)
(1/9/1) لقد كان هناك قانون رومانى قديم يجعل غير المتزوجين الذين بلغوا الخامسة والعشرين، لا يتمتعون بذات الإمتيازات التى يتمتع بها المتزوجون. ومن بين المواد الأخرى لهذا القانون، أن الذين ليسوا ذوى قرابة وثيقة لا يستطيعون الحصول على شىء من الوصية. وكذلك الذين كانوا بلا أولاد كانوا يُحرمَون من نصف أية ممتلكات يمكن أن تؤول اليهم. فقد كان موضوع اهتمام هذا القانون هو زيادة سكان روما والأفراد التابعين الذين تناقص عددهم بشدة قبل هذا القانون ليس بوقت طويل بسبب الحروب الأهلية.
(1/9/2) وإذ أدرك الإمبرطور أن هذا التشريع قد سُنَّ ضد مصالح أولئك الذين استمروا فى حالة التبتل وظلوا بلا أولاد من أجل الله، وحسب أنه من السخف مضاعفة الجنس البشرى بغيرة واهتمام الإنسان (حيث أن الطبيعة تحظى دائما بالزيادة أو النقصان وفقا للقضاء الأعلى)، فقد وضع قانونا يسمح بتمتع غير المتزوج والذى بلا أولاد بنفس المزايا كالمتزوج. بل وهب مزايا خاصة حتى لأولئك الذين اعتنقوا حياة التبتل والزهد، وصرَّح لهم، ضدا للعادة التى كانت سائدة فى سائر أرجاء الامبراطورية الرومانية أن يضعوا وصية قبل أن يبلغوا سن البلوغ، لأنه اعتقد أن أولئك الذين كرسوا أنفسهم لخدمة الرب وغرس الفلسفة([92]) سيحكمون فى جميع الأحوال بالصواب. فلنفس السبب، صرَّح الرومانيون القدماء للعذارى الطاهرات بوضع وصية بمجرد أن يبلغوا من العمر ست سنوات. وقد كان ذلك أعظم دليل على توقيره الاسمى للدين.
(1/9/3) وقد أعفى قنسطنطين الاكليروس فى كل مكان من الضرائب، وسمح للمتقاضين بحق الاستئناف على قرارات الاساقفة، إذا فضلوا أحكام الدولة. وأمر أن تسرى هذه التشريعات وأن تسمو على سائر الأحكام الأخرى كما لو كانت منطوقة من الامبراطور نفسه. وأنه على الحكام والضباط الحربيين التابعين، متابعة تنفيذ هذه المراسيم، وأن تكون التعاريف الصادرة من المجامع غير قابلة للنقض.
(1/9/4) وإذ قد وصلتُ إلى هذه النقطة من تاريخى، فليس من الصواب أن احذف كل ذكر لتلك القوانين التى صدرت لصالح أولئك الأفراد فى الكنائس الذين نالوا [بواسطتها] حريتهم. فنظرا لصرامة القوانين وعدم رغبة السادة [فى تنفيذها] كانت هناك صعوبات كثيرة فى طريق اقتناءهم لهذه الحرية على نحو أفضل. أى يمكن القول فى طريق حرية مدينة روما.
(1/9/5) لذلك سن قنسطنطين ثلاثة قوانين تنص على أن أولئك الأفراد المصدَّق عليهم ([93]) فى الكنائس، ينبغى أن يحصلوا على حرية روما. وما زالت هذه التشريعات التقوية موجودة إلى الآن([94])، فقد كانت العادة أن تنقش جميع القوانين المتعلقة بالعتق على ألواح.
(1/9/6) هكذا كانت تشريعات قنسطنطين فقد فكر فى كل شىءٍ يعلى من كرامة الدين. وقد كُرِّم الدين ليس فقط لذاته ولكن أيضا بسبب فضائل أولئك الذين شاركوا فيه آنذاك.
الكتاب الأول: الفصل العاشر
(قنسطنطين الكبير المعترف الخالد)
(1/10/1) ونظرا لأن الاضطهاد قد كف حاليا، فإن كثيرين من المسيحيين الممتازين وكثيرين من المعترفين([95]) الذين ظلوا على قيد الحياة قد زينوا الكنائس. ومن بين هؤلاء هوسيوس اسقف كوردوفا، وأمفيون اسقف ابيفانيا فى صقلية، ومكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كنيسة أورشليم، وبافنوتيوس المصرى. وقد قيل أن الله قد أجرى معجزات كثيرة بواسطة هذا الأخير، حيث ضبط شياطين، وأعطاه نعمة إشفاء أمراض عديدة.
(1/10/2) بافنوتيوس هذا ومكسيموس الذى قد ذكرناه توا كانا من بين عدد من المعترفين الذين حكم مكسيميانوس عليهم بالعمل فى المناجم بعدما قلع عيناهما اليمنى، وأرجلهما اليسرى([96]).
الكتاب الأول: الفصل الحادى عشر
(وصف اسبيريدون. اتضاعه وثباته)
(1/11/1) لقد ازدهر فى هذه الفترة اسبيريدون Spyridonاسقف ترميثون([97]) Trimythun فى قبرص. وأظن أن شهرته التى مازالت سارية تكفى لإظهار فضيلته. فمن الواضح أن الاعمال العجيبة التى أجراها بالمعونة الالهية، معروفة لجميع القاطنين فى نفس الاقليم. ولن اخفى الحقائق التى وصلتنى.
(1/11/2) لقد كان فلاحا ومتزوجا وله أولاد، ولكنه لم يكن فى هذا الصدد عاجزا عن بلوغ القامة الروحية. فقد رُوِى أنه فى ذات ليلة، دخل بعض الأشرار مربض غنمه، وكانوا عازمين على سرقة غنمه فرُبِطوا فجأة دون أن يربطهم أحد. وفى اليوم التالى عندما ذهب إلى الحظيرة وجدهم مُقيَّدين، فحلهم من قيودهم غير المرئية، ووبخهم على أنهم فضلوا أن يسرقوا ما هو شرعى عن أن يكتسبوه ويأخذوه، وأيضا لأنهم يقومون بهذا العمل فى الليل. ولكنه اشفق عليهم ورغب فى أن يزودهم بتعليم يقودهم إلى حياة أفضل، فقال لهم اذهبوا وخذوا هذا الكبش معكم لأنكم تعبتم من السهر، وليس من العدل أن يُلاَم عملكم هذا وتعودون فارغى اليد من حظيرتى. إن هذا العمل جدير بالإعجاب جدا ولكن ليس أقل مما سأرويه الآن.
(1/11/3) لقد عَهَد شخص ما بوديعة فى رعاية ابنته التى كانت عذراء([98]) وتدعى ارينى. ومن فرط حرصها دفنتها. وتصادف أن توفيت عقب ذلك سريعا، دون أن تذكر ذلك لأى أحد. وعندما جاء الشخص الذى أودع لديها هذه الوديعة ليطلبها من اسبيريدون لم يعرف أية إجابة يقولها له. لذا بحث عنها فى كل المنزل، ولكنه لم يكن قادرا على أن يجدها، فبكى الرجل ومزق شعره، وبدا أنه مستعد للإنتحار. فأشفق اسبيريدون عليه وذهب إلى القبر ودعى الفتاة بإسمها. وعندما ردت استعلم منها عن الوديعة. وبعد أن حصل على المعلومات المطلوبة عاد فوجد الوديعة فى المكان الذى حددته له، فأخذها وأعطاها لصاحبها.
(1/11/4) وإذ ولجتُ هذا الموضوع لن يفوتنى أن اذكر هذه الواقعة أيضا. كان من عادة اسبيريدون هذا أن يهب قدرا من ثماره للفقراء، ويُقرِض قدرا آخر لأولئك الذين يرغبون فى الاقتراض. ولكنه لم يكن يقُم بنفسه سواء فى المنح أو الاسترداد، بل كان فقط يشير إلى المخزن ويقول لأولئك الذين يأتون إليه أن يأخذوا ما يحتاجون، أو أن يردوا ما قد اقترضوه.
(1/11/5) فجاء شخص كان قد اقترض بهذه الطريقة، كأنه ينوى رد ما قد اقترض، وعندما وُجِّه كالعادة إلى المكان ليرد قرضه فى المخزن، انتهز فرصة الظلام وظن أن الأمر سيكون خفيا، ولم يفرّغ الدِين وتظاهر بأنه قد فرَّغ حمولته وانصرف كأنه عائد.
(1/11/6) ولكن ذلك لم يدم طويلا، فبعد قليل، أتى الرجل ثانية ليقترض وأُرسِل إلى المخزن بتصريح أن يأخذ ما يحتاح إليه، فلما ذهب وجد المخزن فارغا فذهب ليستفسر من اسبيريدون فقال له هذا الأخير إننى متعجب أيها الرجل لماذا أنتَ وحدك وجدتَ المخزن فارغا، وليس به ما تطلبه؟!. فكر هل أنتَ قد رددت قرضك الأول أم لا، حيث أنك تحتاج إلى آخر، وإلاَّ لما أعوزك ما تطلبه. اذهب بثقة، وستجد. فشعر الرجل بالندم واعترف بخطأه.
(1/11/7) إن حزم وتدقيق ادارة الشؤن الكنسية من جانب هذا الرجل التقى جديرة بالاعجاب. وقد قيل أنه فى مناسبة ما اجتمع اساقفة قبرص ليتشاوروا فى بعض الأمور الطارئة، وكان اسبيريدون حاضرا وتريفيليوس Triphyllius اسقف ليدرى Ledri وكان رجلا بليغا، الذى بسبب ممارسته للقانون، عاش بعض الوقت فى بيريتس([99]). وعندما إلتأم الجمع وطُلِب من تريفيليوس مخاطبة الشعب، اقتبس تريفيليوس فى خطابه النص القائل "خذ سريرك وامشى"([100])، فأحل كلمة فراشك بكلمة سريرك. فغضب اسبيريدون وتعجب وقال هل أنتَ أعظم من الذى نطق سريرك حتى تخجل من استخدام هذه الكلمة. وعندما قال ذلك التفت من عرش الكهنة وتطلع إلى الشعب، وبهذا المسلك علَّمهم أن يبقى الانسان المفتخر ببلاغته داخل قيوده وأن يستحق هذا التوبيخ. فقد كان مُكرَّما وأكثر تميزا بأعماله. وفى نفس الوقت كان يفوق ذلك الكاهن فى العمر والكهنوت.
(1/11/8) أما عن استقبال اسبيريدون للغرباء فيظهر من الرواية التالية: حدث أن أتى لزيارته مسافرٌ فى أحد أيام الصوم الأربعينى([101]) التى كان معتادا على المحافظة على استمرار الصوم فيها هو وأهل بيته، وكان يظل بلا انعاش حتى منتصف النهار. وإذ أدرك أن الغريب كان متعبا للغاية، قال اسبيريدون لإبنته تعالى اغسلى قدميه وضعى لحما أمامه. فأجابت العذراء أنه لا يوجد خبز ولا إدام فى البيت. لأنه من نافلة القول أن توجد مثل هذه الأشياء فى وقت الصوم. فصلى اسبيريدون أولا وطلب المغفرة، وأمرها أن تطهو بعضا من لحم الخنزير المملح الذى تصادف وجوده فى البيت. وعندما أُعِّد، جلس مع الغريب وتناول من اللحم، وأخبره أن يتبع مثاله. ولكن الغريب امتنع بحجة أنه مسيحى. فقال له ولهذا السبب ذاته ينبغى عليك ألا تمتنع عن تناول اللحم لأن الكلمة الإلهى بيَّن لنا أن كل شىءٍ طاهرٌ للطاهرين([102]).
هذه هى التفاصيل التى كان علىَّ أن أرويها بخصوص اسبيريدون.
الكتاب الأول: الفصل الثانى عشر
(بشأن نظام الرهبنة: أصلها ومؤسسوها)
(1/12/1) وأولئك الذين اعتنقوا الرهبنة فى هذه الفترة لم يكونوا الأدنى فى اظهار الكنيسة بأكثر ضياء والبرهنة على حقيقة عقائدهم بسلوكهم التقوى. وفى الحقيقة، أكثر الأمور فائدة التى يتلقاها الانسان من الله هى فلسفتهم([103]). فقد اهملوا فروعا كثيرة من الرياضيات والأساليب التكنيكية للجدل لأنهم اعتبروا أن مثل هذه الدراسات سخافات ومضيعة للوقت لا فائدة منها مدركين أنها لا تساهم بشىء نحو الحياة الصحيحة. لقد اخضعوا ذواتهم لغرس العِلم الطبيعى المفيد على وجه الحصر لكى ما يخففوا من الشر إن لم يقضوا عليه. لقد احجموا بثبات عن اعتبار أىَّ عمل ما أو مبدأ ما أنه جيد، إذا كان يشغل مكانا وسطا بين الفضيلة والرذيلة، لأنهم يبتهجون فقط بالصالح. إنهم يعتبرون أى انسان شريرا ذاك الذى بالرغم من امتناعه عن الشر لا يصنع خيرا. لأنهم لا يَظهرون بالجدل بل بالممارسة، ويعتبرون مجد الناس كلا شىء. وقهروا ببسالة أوجاع([104]) النفس، ولم يرضخوا لا لضروريات الطبيعة ولا لضعفات الجسد. وإذ اقتنوا قوة الذهن الإلهى، نظروا دوما إلى خالق الكل، ساجدين له ليلا ونهارا ومتوسلين بالصلوات والتضرعات، وأنجزوا، بواسطة ممارسة الأعمال الصالحة بنقاوة نفس، الفروض الدينية دون أدنى شعور بذنب. وازدروا بالتطهير([105]) والأوانى الشهوانية وما شابه ذلك من احتفالات. لأنهم رأوا أن الآثام وحدها هى [الأشياء] المُلامة. إنهم أكبر من المسببات الخارجية الخاضعين لها والمُمسَكين بها كما لو كانت كل الأشياء تحت سيطرتهم. ولذلك لا يحيدون عن الطريق الذى اختاروه، بسبب كوارث أو ضرورة تؤثّر فى الحياة. إنهم لا يحزنون عندما يُهَانون ولا يُدافعون عن أنفسهم عندما يتعرضون لمكيدة، ولا تخور عزائمهم عندما يُصابون بمرض، أو عوز فى الضروريات بل بالأحرى يبتهجون بمثل هذه التجارب ويحتملونها بصبر ودعة. إنهم يدربون أنفسهم طوال حياتهم على القناعة بالقليل، والاقتراب من الله كلما أمكن للطبيعة البشرية. إنهم يعتبرون الحياة الحاضرة كرحلة فقط، ولذلك ليسوا متهافتين على اقتفاء الثروة ولا على امدادات الحاضر بما يفوق الضروريات. إنهم يُعجَبون ببساطة وجمال الطبيعة ولكن رجاءهم فى السمائيات والبركات المستقبلية لإنهم غارقون بالكامل فى عبادة الله ويُحجِمون عن اللغة الفاحشة، ويُرذلون الممارسات الشريرة، لذلك لا يسمحون بمثل هذه الأشياء حتى أن تُذكَر. لقد حدوا كلما أمكن طلبات الطبيعة وأقمعوا الجسد ليقنع بالمدد المتواضع. لقد تغلبوا على الإفراط بالاعتدال، وعلى الظلم بالعدل، وعلى الباطل بالحق، وحازوا على الوسطية السعيدة فى كل شىء. وعاشوا فى اتساق وشركة مع جيرانهم. لقد زوَّدوا الأصدقاء والغرباء الذين فى حاجة ما، كلا بحسب حاجته وعزّوا الحزانى. وإذ كانوا مجتهدين فى كل شىء وغيورين فى السعى نحو الخير الأسمى، كان تعليمهم بالرغم من أنه ملتحف بالاتضاع والفطنة وخالٍ من البلاغة الباطلة، كان يحوز على قوة كدواء ناجع فى شفاء الأمراض الأخلاقية لسامعيهم. لقد تكلموا أيضا بخوف ورعدة مُحذرين من كل نزاع وغضب وتهكم. وفى الحقيقة، ساد المعقول على سائر الانفعالات غير المعقولة، وخمدت الأهواء الطبيعية والجسمانية.
(1/12/2) لقد كان يوحنا المعمدان وايلياس النبى مؤسسا هذه الفلسفة السامية، كما يقول البعض، ويروى فيلو الفيثاغورى([106]) أنه فى زمانه كان العبرانيون يلتقون معا، من سائر أرجاء الدنيا، فى مكان من البلد يقع على تل بالقرب من بحيرة ماريوتيس بقصد الحياة كفلاسفة([107]). ويصف مساكنهم، ونظامهم اليومى، وعاداتهم، والتى كانت تماثل نلك التى نقابلها اليوم فى رهبان مصر. ويقول أنه من اللحظة التى يُخضِعون فيها أنفسهم لدراسة الفلسفة يتخلون فيها عن مقتناياتهم لأقربائهم، ويهجرون الأعمال والمجتمع ويسكنون خارج الأسوار منفردين فى الحقول والبساتين. ويخبرنا أيضا أنه كان لهم مبانى مقدسة، كانوا يدعونها أديرة، كانوا يسكنون فيها منفردين([108]) وينشغلون بالإحتفال بالسرائر المقدسة وعبادة الله بالمثابرة على التسابيح والمزامير. ولا يذوقون طعاما قط قبل غروب الشمس، وبعضهم يتناولون طعاما كل ثلاثة أيام فقط، أو حتى مدة أكثر. وأخيرا، يقول أنه فى أيام معينة ينطرحون أرضا ويمتنعون عن النبيذ ولحم الحيونات، وطعامهم الخبز فقط ممزوجا بالملح والزوفا([109])، وشرابهم الماء. وأنه كانت هناك نساء بينهم عاشوا كعذارى إلى الشيخوخة محبة فى الفلسفة، واختاروا بإرادتهم الطواعية التبتل.
(1/12/3) وفى هذه الرواية يبدو أن فيلو يصف يهودا معينين اعتنقوا المسيحية، ولكنهم ظلوا يُبقون على عادات أمتهم. إذ لم توجد أيٌ من ملامح هذا النمط من الحياة فى أى مكان آخر. ومن ثمة فإننى أخلص إلى أن هذه الفلسفة([110]) قد ازدهرت فى مصر فى هذه الفترة. ومع ذلك، يؤكد آخرون أن هذا النمط من الحياة قد نتج عن الاضطهادات التى كانت تثور من وقتٍ إلى آخر والتى بسببها اضطر الكثيرون إلى الفرار إلى الجبال والصحارى والغابات ثم صاروا يعتادون هذا النوع من الحياة([111]).
الكتاب الأول: الفصل الثالث عشر
(عن انطونيوس الكبير وبولس البسيط)
(1/13/1) وسواء أكان المصريون أم غيرهم هم الذين أسسوا هذه الفلسفة، فإن المعتقد به على نحو عام أن انطونيوس([112]) الراهب العظيم قد نما بمنهج الحياة هذه بممارسات أخلاقية ولائقة حتى بلغت ذروة الكمال والدقة.
(1/13/2) لقد انتشرت شهرته فى سائر أرجاء صحارى مصر إلى درجة أن الإمبراطور قنسطنطين بسبب شهرة فضائل هذا الرجل، التمس صداقته وكرَّمه بالمراسلات وحثه على أن يكتب [له] بما يحتاجه.
(1/13/3) لقد كان مصريا بالجنس، وينتمى إلى أسرة عريقة فى "كوما" التى كانت تقع بالقرب من هيراكليا التى على الحدود المصرية. لقد كان شابا بعد عندما فقد والديه، فوهب ميراثه الأبوى لرفقائه القرويين، وباع باقى ممتلكاته ووزع الباقى على المحتاحين لأنه كان يعى أن الفلسفة لا تعنى مجرد ترك الممتلكات بل توزيعها المضبوط. وحصل على اعتراف الرجال المكرسين فى أيامه واحتذى بفضائل الجميع. واعتقادا منه أن ممارسة الصلاح ستكون مبهحة بالتعود، على الرغم من الحماس الخارجى، فإنه تأمل فى أكثر أساليب النسك كثافة، وتراكمت يوما فيوم عن طريق ضبط النفس مثلما كان يُوصِى دائما الذين تحت اشرافه. لقد أخضع ثورات الجسد بالعمل، وألجم أوجاع النفس بمعونة الحكمة الإلهية. كان طعامه الخبز والملح، وشرابه الماء، ولم يكسر صومه قط قبل غروب الشمس. وغالبا ما كان يظل يومان أو ثلاثة بدون أكل. لقد سهر طوال الليل، هكذا يُقال، واستمر فى الصلاة إلى مطلع النهار. وإذا ما غلبه النوم فى أى وقت كان ذلك لفترة قصيرة على حصيرة قصيرة، فلقد كانت الأرض الغبراء فراشه بصفة عامة. لقد رفض عادة التدهن بالزيت، وبالمثل استخدام الحمامات([113])، ووسائل الترف المماثلة لراحة تعب الجسد بالترطب، وقيل أنه لم ير نفسه قط عاريا. لم يكن متعلما ولكنه حاز على فهم جيد إذ كان متقدما فى الحروف ومكتشفا لها. كان وديعا للغاية ومحبا لخير البشر، فطنا وشهما حارا فى المحاورات، ودودا فى المجادلات حتى عندما يستخدم الآخرون الموضوعات الجدلية كمناسبة للنزاع، كان بسلوكه الخاص وبنوع من الذكاء يستمر فى الهدوء عندما يحتدمون، ويردهم إلى الاعتدال وأيضا كان يُلطَف من حمية المجادلين له ويضبط سلوكهم. وعلى الرغم من أنه قد صار بسبب فضائله غير العادية مملوءً من نعمة سبق المعرفة، فإنه لم يعتبر سبق المعرفة بالمستقبل فضيلة، ونصح الآخرين بشدة ألاَّ يمتلكوا هذه الفضيلة، لأنه اعتبر أن أحدا ما لن يُعاقَب أو يُجازَى بحسب جهله أو معرفته للآتيات، لأن البركات الحقيقية تكمن فى عبادة الله وحفظ نواميسه. ولكنه قال إن عرف أى إنسان المستقبل فعليه أن يتطهَّر بإستمرار فى النفس لأنه سيستطيع أن يسير حينئذ فى النور وسيفهم الأمور العتيدة أن تحدث لأن الله سيكشف له المستقبل. إنه لم يسمح لنفسه أبدا أن يكون خاملا، بل حث جميع أولئك الذين بدوا أنهم يرغبون فى حياة صالحة على الاجتهاد فى العمل، وعلى فحص الذات والاعتراف بالخطية أمام ذاك الذى خلق النهار والليل. وكان يحثهم على تسجيل زلاتهم كتابة عندما يضلون كى ما يخجلون من خطاياهم، ويخافون من أن يجدوا خطايا كثيرة مسجلة لأنه سيخاف أن يصل المكتوب إليه فينكشف للناس الآخرين كشخصية فاجرة.
(1/13/4) إنه خلاف الآخرين، جميعا، انبرى للدفاع عن المتألمين بأقصى غيرة ونشاط، وفى حالتهم كان يلجأ حتى إلى المدن، إذ أن كثيرين قد أتوا إليه وألزموه أن يتشفع من أجلهم لدى الحكام ورجال السلطة. ولقد شعر الجميع بالشرف عند رؤيته، وأصغوا بشدة لخطابه واستسلموا لحججه، لكنه فضَّل أن يظل مجهولا ومخفيا فى الصحراء. وعندما كان يُلزَم بالنزول إلى المدينة، لم يتوان قط فى الرجوع سريعا إلى الصحراء بمجرد إنجاز العمل الذى نزل من أجله. لأنه، كما قال، كما أن السمك لا يستطيع أن يعيش خارج المياه، هكذا الصحراء هى العالم الذى أُعِّد للرهبان. وكما أن السمك يموت متى أُلقِّى على اليابس هكذا تفقد الأديرة جاذبيتها متى نزلت إلى العالم. لقد ألزم نفسه بالطاعة والكرم لكل مَن كان يراه، وكان حريصا ألا يدع أو يبدو عليه طبيعة رياء.
(1/13/5) لقد أوردتُ هذا الوصف الموجز عن انطونيوس حتى يمكن تكوين فكرة عن فلسفته عن طريق الاستنتاج من وصف سلوكه فى الصحراء.
(1/13/6) وكان له تلاميذ مشهورين كثيرين، ازدهر بعضهم فى مصر وليبيا، وآخرون فى فلسطين([114]) وسوريا والعربية. ولم يكونوا أقل من معلِّمهم. إذ عاش كل منهم مع مَن سكنوا معه، ونظَّم سلوكهم، وعلَّم الكثيرين، وتوَّجهم بفضائل كثيرة وفلسفة.
(1/13/7) لكن من الصعب على أىّ أحدٍ أن يتتبع رفقاء انطونيوس أو خلفائهم من خلال الاهتمام بالذهاب إلى المدن أو القرى لإكتشافهم. لأنهم رأوا أن الاختفاء يكون أكثر حرارة عن الرجال الباحثين عن الشهرة والصيت والمظهر.
(1/13/8) ولابد أن نروى بترتيب زمنى تاريخ أكثر تلاميذ انطونيوس([115]) شهرة وبصفة خاصة بولس الملَّقب بالبسيط. لقد قيل أنه كان يسكن فى الريف، وكان متزوجا من امرأة جميلة. وحدث أن ضبطها ذات يوم فى فعل زنى، فإندهش وضحك وأكَّد بقسم أنه لن يحيا معها بعد الآن بتاتا. فتركها مع الزانى وذهب للتو للإنضمام إلى انطونيوس فى الصحراء. وأكثر من ذلك يُروَى عنه أنه كان وديعا وصبورا للغاية، وإذ كان مسنا وغير معتاد على الشفاء النسكى قام انطونيوس بإختبار قدراته بطرق عديدة كوافد جديد ولم يتوصل إلى أمر سلبى. وإذ قدَّم دليلا على كمال الفلسفة([116])، أُرسِل ليحيا بمفرده إذ لم يعد فى حاجة إلى معلِّم. وقد صدَّق الله نفسه على شهادة انطونيوس، وأظهَر الرجل كأكثر إنارة بأعماله العظيمة، حتى عن معلّمه فى طرد وإخراج الشياطين([117]).
الكتاب الأول: الفصل الرابع عشر
(عن القديس آمون، ويوتيخيوس فى أوليمبوس)
(1/14/1) وفى نحو هذه الفترة تبنى آمون المصرى [هذه] الفلسفة. لقد قيل أنه قد أُجبِر على الزواج من قِبل أسرته. ولكنه لم يعرف أبدا زوجته جسديا، لأنه فى يوم زواجه عندما كانا منفردين، وبينما يقود كعريس عروسه إلى فراش الزوجية، قال لها آه يا أمراة إن زواجنا قد حدث ولكنه لم يكمل. وعندئذ أظهر لها من الأسفار المقدسة أن خيرها الرئيسى أن تبقى عذراء وحثها على الحياة منفردين. وقد اقتنعت بحُججه بشأن البتولية، ولكنها كانت محصُورة بفكرة الحياة المنفصلة عنه. ولذلك على الرغم من أنه كان يعيش فى فراش منفصل، فإنه ظل لمدة ثمانى عشرة سنة لا يهمل تدريباته الرهبانية.
(1/14/2) وفى النهاية تشددت المرأة بقوة بفضيلة زوجها واقتنعت أنه ليس من العدل لرجل كهذا أن يعيش بسببها فى المجال البيتى. ورأت أنه من الضرورى لكل منهما من أجل الفلسفة أن يعيش بمفرده منفصلا عن الآخر فإلتمست من زوجها هذا.
(1/14/3) لذلك رحل بعد أن شكر الله على مشورة زوجته وقال لها ابقِ أنتِ فى هذا البيت وأنا سأصنع آخر لنفسى، واعتزل فى مكان صحراوى جنوب بحيرة مريوط بين الاسقيط وجبل يُدعى نيتريا.
(1/14/4) وهكذا كرَّس نفسه خلال إثنين وعشرين سنة للفلسفة، وكان يزور زوجته مرتين فى السنة. وكان هذا الرجل التقى مؤسس الأديرة هناك [أى فى نيتريا] وجمع حوله الكثيرين من التلاميذ، كما تُظهِر السجلات.
(1/14/5) وحدثت له كثير من الأحداث غير العادية التى سُجِلَّت بدقة من قِبل الرهبان المصريين، الذين بذلوا كلَّ ما فى وسعهم لإحياء ذكرى فضائل أقدم النساك، وحفظوها فى تقليد شفاهى غير مكتوب متعاقب([118]). واننى سأروى بعضها على قدر معرفتنا.
(1/14/6) حدث أن خرج آمون وتلميذه ثيودور ذات يومٍ فى سفر إلى مكان ما، واضطر إلى عبور قناة تُدعَى ليكوس. فأمر آمون ثيودور أن يرجع إلى الخلف لئلا يرى كل منهما عرى الآخر. وإذ كان هو بالمثل يخجل أن يرى نفسه عاريا، شعر بقوة إلهية تمسكه وتحمله إلى الضفة الأخرى. وعندما عبر ثيودور المياه أدرك أن ثياب وأقدام الكبير ليست مبتلة، وعندما استعلم عن السبب لم يتلق جوابا. فألح بشدة فى هذا الموضوع، وأخيرا اعترف آمون بعد أن اشترط عليه ألا يذكر ذلك خلال حياته بالحقيقة.
(1/14/7) وفيما يلى معجزة أخرى من نفس النوع. أحضَر إليه بعض الأشرار ابنا عقره كلب مسعور وكان على شفا الموت، وتوسلوا إليه بدموع أن يشفيه. فقال لهم: ابنكم ليس فى حاجة الىَّ ليُشفى، ولكن إن رغبتما فى شفائه، فردوا الثور الذى سرقتموه إلى أصحابه، فيُشفَى فى الحال. وكانت النتيجة كما توقع. رُدَّ الثور، وشُفِىَّ الابن فى الحال.
(1/14/8) وقيل أنه عندما توفى آمون رأى انطونيوس روحه صاعدة إلى السماء، وتقوده القوات السمائية مرتلة المزامير. وعندما سأله مرافقوه عن علة اندهاشه، لم يُخفِ الأمرَ عنهم، لأنه كان ينظر إلى السماء بشدة وكانت دهشته واضحة من المنظر العجيب. وبعد ذلك بوقت قصير حضر أناس من الاسقيط، وأبلغوا ساعة وفاة آمون. وتأكدت حقيقة ما قد قاله انطونيوس.
(1/14/9) وهكذا كما شهد جميع الصالحين كان كلٌ من هؤلاء الرجال القديسين مباركا فى سلوك معين. الواحد براحته من هذه الحياة، والآخر بإعتباره مستحقا لمعاينة المشهد العجيب الذى أراه اياه الرب. لأن انطونيوس وآمون كانا يعيشان على مسافة سفر عدة أيام بين بعضهما البعض. وهذه الرواية تُلِيَت من قِبل الذين كانوا مُلمين شخصيا بكل منهما.
(1/14/10) واننى مقتنع أنه فى خلال هذه الفترة كان تبنى يوتيخيانوس Eutychianus للفلسفة([119])، وقد اختار موضع اقامته فى بيثينيا بالقرب من اوليمبس وكان ينتمى إلى شيعة النوفاتيين([120]). وكشريك فى النعمة الإلهية شفى أمراض وأجرى معجزات، وبسبب شهرة حياته الفاضلة حرص قنسطنطين على صداقته به وعلاقته الحميمة.
(1/14/11) وفى حوالى ذلك الوقت حدث أن أُتهِم أحد الحرس الخصوصيين بأنه يدبر مكيدة ضد السلطة، فهرب. وبعد بحث عُثِر عليه بالقرب من اوليمبس. فإلتمس اقرباؤه من يوتيخيانوس أن يتشفع عنه لدى الإمبراطور وفى نفس الوقت يطلب رفع القيود عن الأسير لئلا يموت تحت ثقلها.
(1/14/12) ويُروَى أنَّ يوتيخيانوس ارسل إلى الضباط الذين يضعون الرجل فى الحبس طالبا منهم أن يحلوا القيود عنه. وعندما رفضوا ذهب بنفسه إلى السجن وكانت أبوابه موصدة وفتحها فسقطت القيود عن الأسير. وارسل يوتيخيانوس تقريرا بعد ذلك إلى الإمبراطور الذى كان يقيم آنذاك فى بيزنطة وحصل بسهولة على عفو. لأن قنسطنطين لم يكن يبغى رفض طلبه، لأنه كان يكرم الرجل بشدة.
(1/14/13) لقد أوردتُ الآن بإيجاز تاريخ معلمى الفلسفة الرهبانية الأكثر شهرة. فإذا أراد أى شخص الحصول على معلومات أكثر دقة عن هؤلاء الرجال فسيجدها فى السير التى كُتِبَت عن الكثيرين منهم.
الكتاب الأول: الفصل الخامس عشر
(الهرطقة الاريوسية. منشأها، وتطورها، والنزاع الذى سببته بين الأساقفة).
(1/15/1) على الرغم من أن الديانة كانت، كما رأينا، فى حالة مزدهرة إلا أن الكنائس كانت فى نزاع مرير. لأنه تحت زعم التقوى والبحث عن الاكتشاف الأكثر كمالا لله، ثارت مسألة معينة لم تكن قد نوقشت حتى الآن بعد.
(1/15/2) وكان اريوس مُنشِىء هذه المنازعات. لقد كان كاهنا بكنيسة الاسكندرية فى مصر، وكان فى البداية مفكرا غيورا فى العقيدة ومشايعا لابتداعات مليتيوس Melitius. وفى الحقيقة، مع أنه قد هجر رأى هذا الأخير وسيم شماسا بيد بطرس اسقف الاسكندرية([121]) الذى طرده فيما بعد من الكنيسة. لأنه عندما حرم مشايعو مليتيوس ورفض معموديتهم، هاجمه اريوس بسبب ذلك، ولم يستطع الصبر.
(1/15/3) وبعد استشهاد بطرس، طلب اريوس المغفرة من اخيلاس([122]) Achillas الذى رده إلى رتبته كشماس ثم رقاه فيما بعد إلى كاهن. وفيما بعد رفع الكسندروس([123]) من شأنه كثيرا إذ كان منطقيا لامعا، فقد قيل عنه أنه لم تكن تعوزه هذه المعرفة، فسقط فى مناقشات سخيفة لدرجة أنه كان يعظ فى الكنيسة بأى شىء لم يثيره أحدٌ من قبله. أى أن ابن الله لم يكن له وجود سابق، وأنه كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه، وأنه لمَّا كان يملك إرادة حرة فقد كان قادرا على فعل الرذيلة والفضيلة. وأنه مخلوق ومصنوع. والى جانب ذلك أضاف مزاعم أخرى كثيرة مع ازدياد مجادلاته وتفاصيل خطابه.
(1/15/4) وقد لام أولئك الذين سمعوا هذه الأفكار، الكسندروس لعدم اعتراضه على الابتداعات التى لا تتفق مع العقيدة. ولكن هذا الاسقف رأى أنه من الحكمة أن يدع كل طرف حرا فى مناقشة الموضوعات محل الشك، حتى يمكن بالاقناع وليس بالقوة توَّصل كلا الطرفين إلى أن يكفَّا عن النزاع. ومن ثم جلس كقاضى مع بعض كهنته وقاد الطرفين فى مناقشة.
(1/15/5) ولكن حدث فى هذه المناسبة كما هو الحال فى حالة أى منازعة كلامية، أن إدعى كل طرفٍ الانتصار[لرأيه]. فقد أكد اريوس مزاعمه، أما الآخرون فقد أقروا بوحدانية الابن مع الاب وأزليته. والتأم المجمع لثانى مرة، ونوقشت فيه نفس المسألة. ولكنهم لم يتوصلوا فيما بينهم إلى أية نتيجة. وخلال الجدل بدا أن الكسندروس يميل إلى أحد الجانبين تارة وإلى الجانب الآخر تارة أخرى. وأخيرا أعلن أنه مناصر لأولئك الذين يؤكدون أن الابن مساوٍ للآب وأزلى معه. وأمر اريوس بقبول هذه العقيدة ورذل آرائه السابقة.
(1/15/6) ولكن اريوس لم يُبدِ مع ذلك أيَّ قبولٍ، واعتبر كثيرون من الاكليروس والاساقفة عبارته العقيدية صواب. ولذلك حرمه الكسندروس هو والكهنة الذين شايعوه فى بدعته من الكنيسة.
(1/15/7) وكان ممن شايعوه من كهنة ايبارشية الاسكندرية، اشيلاوس واخيلاوس وكاربونس وسارناتس واريوس والشمامسة يوزويوس ومكاريوس ويوليوس وميناس وهيلاديوس. وكثيرون من الناس أيضا شايعوهم. البعض لأنهم ظنوا أن تعليمهم من الله، وآخرون، كما يحدث مرارا فى مثل هذه الحالات. لأنهم اعتقدوا أنهم عوملوا معاملة سيئة وحُوكِموا بغير عدلٍ. وهكذا كانت أحوال كنيسة الاسكندرية.
(1/15/8) لذلك رأى حزب اريوس أنه من الفطنة البحث عن مساندة اساقفة المدن الأخرى، فأرسلوا التماسات إليهم ورسالة مكتوبة بعقائدهم سائلين اياهم، إذا رأوا أنها من الله فعليهم أن يُخطروا الكسندروس ألا يزدرى بهم. ولكن إذا لم يوافقوا على هذا التعليم فعليهم أن يُعلِموهم بما هى الاراء السليمة التى يتعيَّن الأخذ بها.
(1/15/9) ولم يكن هذا الاحتياط بالفائدة القليلة لهم إذ صارت مفاهيمهم هكذا منتشرة على نطاق واسع وصارت المسائل التى أثاروها محل جدل بين سائر الاساقفة. فالبعض كتب إلى الكسندروس يلتمس منه عدم قبول حزب اريوس فى التناول ما لم يرذلوا آرائهم. بينما كتب إليه آخرون يحثونه على منحى آخر مضاد.
(1/15/10) وعندما أدرك الكسندروس أن كثيرين من المعتبرين بسلوكهم التقوى المظهرى، ولهم وزنهم فى البلاغة والاقناع قد انحازوا إلى اريوس، وبصفة خاصة يوسبيوس رئيس كنيسة نيقوميديا، وهو رجل متعلم وله شهرة عاليه فى القصر. كتَب إلى اساقفة سائر الكنائس طالبا اياهم عدم قبول شركتهم فى التناول الأمر الذى أضرم الغيرة أكثر لدى كل طرف.
(1/15/11) وكما كان الامر متوقعا تزايد النزاع، ورجا يوسيبيوس [النيقوميدى] وحزبه الكسندروس مرار، ولكنه لم يقتنع لدرجة أنهم اعتبروا ذلك اهانة لهم فصاروا عنيدين وأيدوا بالأكثر تعليم اريوس. فعقدوا مجمعا فى بثينية وكتبوا إلى جميع الاساقفة يُرِّغبوهم فى التناول مع الاريوسيين بإعتبارهم أنهم يأخذون بتعليم الحق، وأن يطلبوا من الكسندروس التناول معهم بالمثل.
(1/15/12) وإذ لم يوافق الكسندروس على هذه الشكوى أرسل اريوس رسلا إلى بولينوس اسقف صُور وإلى يوسيبيوس بامفيلوس رئيس كنيسة قيصرية فى فلسطين([124])، والى باتروفيلوس اسقف سكيثوبوليس([125]) يلتمس التصريح له ولمشايعيه بإعتبار أنهم نالوا سابقا رتبة الكهنوت أن يشكلوا هم والشعب الذين معهم كنيسة.
(1/15/13) لأن العادة فى الاسكندرية كانت وما زالت فى أيامنا الحالية([126]) أن تكون سائر الكنائس تحت اشراف اسقف واحد. ولكن كل كاهن له كنيسته التى يجتمع فيها مع شعبه. فمنح هؤلاء الاساقفة الثلاثة بالاتفاق مع آخرين من الذين اجتمعوا فى فلسطين اريوس ما قد طلبه وسمحوا له بالاجتماع مع الشعب كما كان قبلا على أن يخضع لالكسندروس. وأمروا اريوس أن يجاهد بشدة من أجل إعادة السلام والشركة معه([127]).
الكتاب الأول: الفصل السادس عشر
(قنسطنطين يسمع بنزاع الاساقفة واختلاف وجهات النظر بشأن الفصح. يُرسل هوسيوس اسقف كوردوفا إلى الأسكندرية ليزيل الشقاق بين الاساقفة)
(1/16/1) وبعد ان انعقدت مجامع كثيرة فى مصر، وكان النزاع مازال مستمرا ويتزايد عنفا، وصلت تقارير الشقاق إلى القصر، وانزعج قنسطنطين لذلك بشدة، لأنه فى الوقت الذى بدأت فى المسيحية تنتشر بصفة عامة، احجم كثيرون عن اعتناقها بسبب اختلاف العقيدة. واتهم الإمبراطور علانية اريوس والكسندروس بخلق هذا الاضطراب، وكتب مؤنبا لهما على جعل هذا الجدل علانية والذى كان بإمكانهما اخفاؤه، وعلى استمرارهما فى إثارة مسألة كان ينبغى عدم إثارتها بتاتا، أو كان على الأقل عرض وجهة نظرهما بهدوء. وقال لهما أنه يجب ألا ينفصلا عن بعضهما بسبب اختلاف المفاهيم بشأن نقاط عقيدية معينة. لأنه بالنسبة للعناية الإلهية ينبغى للجميع أن يتمسكوا بنفس الإيمان الواحد، ولكن الأبحاث الدقيقة فى هذا المجال وخاصة إذا لم تؤدِ بهم إلى رأى واحد، فيجب أن تتم سرا فى جميع الأحوال. وحثهم على الانصراف عن كل كلام لغو بشأن مثل هذه النقاط وأن يكونوا بفكر واحد، إذ أنه قد حزن كثيرا. ولذا عدل عن عزمه على زيارة مدن الشرق.
(1/16/2) هكذا كتب إلى الكسندروس واريوس مؤنبا وواعظا لهما معا. كذلك كان قنسطنطين حزينا بشدة بشأن تباين الآراء بخصوص الاحتفال بالفصح. لأن بعض مدن الشرق، اختلفت فى هذه النقطة على الرغم من أنها لم تمتنع عن الاشتراك فى التناول معا. لقد احتفظوا بالاحتفال حسب اسلوب اليهود، وكما هو طبيعى، ألغوا نتيجة لهذه الحالة ذبيحة الاحتفال الفاخرة.
(1/16/3) فحث الإمبراطور الطرفين بحماس على ازالة عِلل الشقاق هذه من الكنيسة، والتفكير فى ازالة الشر قبل أن يستفحل. فأرسل شخصا مُكرَّما لإيمانه وبحياته الفاضلة، ومحل تقدير فى تلك الأيام السابقة بسبب اعترافه بشأن هذه العقيدة، ليصالح المنشقين معا فى مصر بسبب العقيدة، وأولئك المختلفين حول الفصح فى الشرق. هذا الرجل كان هوسيوس Hosius اسقف كوردوفا([128]) Cordova.
الكتاب الأول: الفصل السابع عشر
(مجمع نيقية بسبب اريوس)
(1/17/1) ولما وجد الإمبراطور أن الحدث لم يتجاوب مع توقعاته بل على النقيض استعصى النزاع بشدة على نحو لا يمكن التصالح فيه، لدرجة أن الذى أرسله ليصنع سلاما عاد دون أن يتمم مهمته، دعا إلى عقد مجمع فى نيقية([129]) ببيثينيا. وكتب إلى سائر الرجال البارزين فى كل الكنائس فى كل اقليم ليجتمعوا هناك فى يوم معين.
(1/17/2) فحضر من بين الذين شغلوا الكراسى الرسولية: مقاريوس من أورشليم، يوستاثيوس رأس كنيسة انطاكية على اورنتس([130])، والكسندروس([131]) من الأسكندرية بالقرب من ماريوط. ولكن يوليوس اسقف روما لم يستطع الحضور بسبب شيخوخته الطاعنة فأرسل فيتو وفيسنتيوس كهنة كنيسته. وكذلك رجال اخرون متميزين من بلاد متعددة، اجتمعوا معا. بعضهم كانوا مكرمين لعلمهم وبلاغتهم ومعرفتهم بالأسفار المقدسة وآخرون لتهذبهم. البعض لفضائل حياتهم، وآخرون لأنهم يجمعون كل هذه الصفات. وقد حضر حوالى ثلاثمائة وعشرون اسقفا([132]) بصحبة حشد من الكهنة والشمامسة. وبالمثل حضر رجال مهرة فى البلاغة وجاهزون للمساعدة فى المناقشات.
(1/17/3) وكما هى العادة المعتادة فى هذه المناسبات حضر كهنة كثيرون إلى هذا المجمع بغرض تحقيق مصالح خاصة بشؤونهم الخاصة، إذ اعتبروها فرصة مواتية للتعبير عن احزانهم، وعن أى أمر وجدوه خطأ فى الباقين. وقدَّموا دعاوى للإمبراطور يذكرون فيها التعديات التى ارتكبت ضدهم. فعيَّن الإمبراطور يوما معينا ليتم احضار سائر هذه الدعاوى له.
(1/17/4) وعندما حلَّ الوقت المعيَّن، استلم الدعاوى التى قُدِّمت له وقال: كل هذه الاتهامات ستنُاقش فى حينها فى يوم الدينونة العظيم، وسيتم الحُكم فيها من قِبل الديان الأعظم لسائر البشر. وبالنسبة لى ما أنا سوى بشر، وسيكون شرا لى أن احتاط عِلما بمثل هذه الأمور، إذ أن الشاكى والمشكو منه كهنة، وينبغى ألاَّ يسلكوا هكذا بتاتا، وأن يكونوا تحت حُكم آخرين ([133])، لذلك حاكوا المحبة الإلهية ورحمة الله وتصالحوا مع بعضكم بعضا. وليسحب كل واحد اتهاماته ضد الاخر، ودعونا نكرس اهتمامانا لتلك الموضوعات المتعلقة بالإيمان الذى اجتمعنا بسببه.
(1/17/5) وبعد هذا الخطاب([134]) أمر الإمبراطور بحرق سائر الدعاوى التى قُدِّمت له لكى يجعل دعوى كل واحد كأن لم تكن. ثم حدد يوما لحل النقاط المشكوك فيها.
(1/17/6) ولكن قبل أن يحل الوقت، اجتمع الاساقفة معا، ودعوا اريوس للحضور، وبدأوا يتباحثون معا فى الموضوعات محل النزاع. وبدأ كل واحد منهم يعرض وجهة نظره. وكما هو متوقع برزت مسائل مختلفة كثيرة فى المناقشة. فقد تحدث بعض الاساقفة ضد ادخال ابتداعات ضد الايمان المُسلَّم لهم منذ البداية، وأكَّد المشايعون لبساطة العقيدة بأن الايمان بالله ينبغى أن يُقبَل بدون استعلام فضولى. ومع ذلك جادل آخرون قائلين أن الآراء القديمة لا يجب أن تُتَّبع بدون فحص. وقد صار كثيرون من الاساقفة الذين اجتمعوا ومن الكهنة الذين معهم، بسبب مهارتهم فى الحوار وخبرتهم بمثل هذه الأساليب البلاغية، على دراية كاملة وأدركوا اشارة الإمبراطور والبلاط.
ومن هذا العدد أثناسيوس الذى كان آنذاك شماسا، وصحب الكسندروس. فقد بدا له النصيب الأكبر بشأن هذه الموضوعات.
الكتاب الأول: الفصل الثامن عشر
(فيلسوفان يهتديان إلى الإيمان، بواسطة بساطة إثنين من كبار السن)
(1/18/1) وبينما كانت هذه المجادلات جارية، شغف بعض الفلاسفة الوثنيين فى الاشتراك فيها. بعضهم لأنهم أرادوا معرفة العقيدة المتنازع عليها، وبعضهم لشعورهم بالضيق من جهة المسيحيين بسبب الضغط على الديانة الوثنية، فأرادوا تحويل الاستعلام عن العقيدة إلى معركة شفاهية حول الكلمات، فيُدخِلون الشقاق بينهم، ولكى ما يُظهِروهم بأنهم يتمسكون بمفاهيم متناقضة.
(1/18/2) ويُروَى أن أحد هؤلاء الفلاسفة بدأ يسخر بالكهنة وهو مفتخر بتميزه فى عِلم البلاغة فأثار بذلك مشاعر رجل مسن كان محل تقدير كبير كمعترِف، الذى على الرغم من عدم مهارته فى الحجج المنطقية وعِلم الكلام، تصدى لمعارضته. فالأقل جدية مِمن يعرفون هذا المعترِف انفجروا ضاحكين من انشغاله بهذه الأمور، أما المفكرون منهم فشعروا بالقلق لئلا وهو يتصدى لرجل بليغ هكذا يُظهِر نفسه سخيفا. بيد أن تأثيره كان عظيما وسمعته كانت عالية بينهم جدا لدرجة أنهم لم يستطيعوا منعه من المجادلة.
(1/18/3) ومِن ثم قدَّم نفسه بالكلمات التالية: بإسم يسوع المسيح اصغِ الىَّ، هناك إله واحد، صانع السماء والأرض، وجميع الأشياء المنظورة وغير المنظورة. صنع جميع الأشياء بقوة الكلمة وأسسها بقداسة روحه. الكلمة الذى ندعوه ابن الله، عندما رأى أن الانسان كان غارقا فى الخطأ ويعيش مثل الحيوانات اشفق عليه وتنازل أن يولد من امرأة ليتعامل مع البشر، ولكى يموت من أجلهم. وهو سيأتى ثانية ليدين كل واحد منا حسب أعماله فى هذه الحياة الحاضرة. ونحن نؤمن بكل بساطة أن هذه الأمور حقيقية. لذلك لا تُضيّع تعبك باطلا بالمجادلة لإثبات عدم حقيقية أمور لن تُفهَم إلا بالإيمان، أو بالبحث فى حقيقة ما إذا كانت هذه الأمور قد حدثت أم لم تحدث. أجبنى هل تؤمن؟. وإذ اندهش الفيلسوف مما حدث أجابه أومن. وبعد أن شكر الرجل المسن لأنه غلبه فى المحاججة، بدأ يُعلِّم نفس العقائد للآخرين. وحث أولئك المتمسكين بتعاليمه السابقة على تبنى وجهات النظر التى اعتنقها مؤكدا لهم بقسم أنه قد أُجبِر على اعتناق المسيحية بدافع لا يمكن شرحه.
(1/18/4) وقد قيل أن أعجوبة مماثلة قد حدثت بواسطة الكسندروس الذى ترأس كنيسة القنسطنطينية. فعندما عاد قنسطنطين إلى بيزنطة، جاء إليه بعض الفلاسفة ليشكون له من البدع فى الدين، وبصفة خاصة من إدخال شكل جديد للعبادة فى الدولة مضادٌ لما اتبعه آبائهم وجميع السلاطين السابقين، سواء بين اليونانيين أو الرومان. وأرادوا بالمثل منازلة الكسندروس الاسقف بخصوص العقيدة. فقبل، نزولا على أمر الإمبراطور، بمحاججتهم على الرغم من عدم مهارته بمثل هذه المجادلات المنطقية، وربما عن اقتناع بحياته([135]) إذ رأى أنه رجل صالح وطيب.
(1/18/5) وعندما اجتمع الفلاسفة طلب منهم أن يختاروا شخصا واحدا يمثلهم يُقدّروه هم، بينما يبقى الباقون صامتين، إذ كان كل واحد منهم يريد المناقشة. وعندما بدأ واحد من الفلاسفة يقود المجادلة، قال له الكسندروس اننى آمرك بإسم يسوع المسيح ألا تتكلم، فصمت الرجل فى الحال. لذلك كان من الصواب اعتبار صمت الرجل فى الحال وهو فيلسوف معجزة أعظم إذ يصمت فى الحال بمجرد كلمة أو أن تنحدر صخرة بكلمة، وهى المعجزة التى سمعتُ البعض ينسبها إلى يوليانوس الملقب بالكلدانى([136]). وقد فهمتُ أن هذه الأمور قد حدثت على النحو المذكور عاليه.
الكتاب الأول: الفصل التاسع عشر
(خطاب الامبراطور فى المجمع)
(1/19/1) وأجرى الاساقفة مشاورات طويلة. وبعد أن استدعوا اريوس أمامهم اجروا اختبارا دقيقا لمقترحاته وكانوا معتنين بشدة من جانبهم ألا يُصوتوا لأىٍ من الطرفين.
(1/19/2) وعندما حل اليوم المعيَّن الذى تحدد لتسوية المسائل المتنازع عليها، اجتمعوا معا فى القصر، لأن الإمبراطور عقد عزمه على القيام بدور فى المداولات. وعندما كان، فى نفس المكان مع الكهنة اجتاز إلى رأس المؤتمر وجلس على العرش الذى أُعِد له، وأُمِر المجمع عندئذ بالجلوس حيث رُتِّبت المقاعد على الجانبين على طول جدران الغرفة الملكية، حيث كانت الأكبر وتفوق الأخرى.
(1/19/3) وبعد أن جلسوا، نهض يوسيبيوس بامفيلوس([137]) وألقى كلمة فى شرف الإمبراطور بعد أن رد الشكر إلى الله.
وعندما كفَّ عن الكلام وعاد الصمت، قدَّم الإمبراطور نفسه بالكلمات التالية:
إننى اشكر الله على كل شىء ولكن بالأخص يا اصدقائى على أنه سمح لى ان أرى مؤتمركم، الأمر الذى يفوق صلاتى أن يجتمع كهنة المسيح فى نفس المكان. والآن ارغب فى أن تكونوا جميعا بفكر واحد وشركاء فى حُكم مُرضى، لأننى احسب أن انشقاق كنيسة الله أخطر من أى شر آخر. لذلك عندما أُعلِن أمرٌ غير مرغوب فى سماعه، وفهمتُ أنكم كنتم مختلفين فى الرأى حزنتُ فى نفسى بشدة، إذ أنكم مرشدو العبادة الإلهية وصانعى السلام. ولهذا السبب دعوتكم([138]) إلى مجمع مقدس. وإذ أننى امبراطوركم وشريككم فإننى التمس منكم معروفا مقبولا عند ربنا كلنا، ويكون مُكرَّما لى ولكم. آلا وهو أن تفحصوا أسباب النزاع وتضعوا نهاية مُرضية وسَلامية له لكى ما انتصر معكم على الشيطان الحسود الذى أثار هذه الثورة الداخلية، لأنه اغتاظ من رؤية أعداءنا الخارجيين والطغاة تحت اقدامنا وحسد حالتنا الجيدة.
وقد ألقى الإمبراطور هذا الخطاب باللاتينية، وكانت الترجمه بواسطة واحد من جانبه.
الكتاب الأول: الفصل العشرون
(بعد الاستماع إلى الطرفين، أدان الامبراطور اريوس واتباعه ونفاهم)
(1/20/1) وكانت المداولة التالية من جانب الكهنة خاصة بالعقيدة. واصغى الإمبراطور باهتمام إلى خطاب كل من الطرفين. ومدح أولئك الذين تكلموا حسنا، ووبخ الذين عرضوا ميلا للمشاجرة حسب ادراكه لِما سمع إذ لم يكن غير ملم باليونانية تماما، فعبَّر عن نفسه بلطف لكل أحدٍ. وأخيرا اتفق الكهنة جميعا على أن الابن مساوى للآب فى الجوهر([139]).
(1/20/2) وعند بداية المؤتمر كان عدد مَن امتدحوا آراء اريوس سبعة عشر، ولكن فى النهاية انحاز أغلبهم إلى الرأى العام. وبالمثل اذعن الإمبراطور لهذا الحُكم إذ اعتبر إجماع المؤتمر قبولا الهيا، ورسم بعقاب كل مَن يعصى هذا الحُكم فى الحال كمذنب بالسعى إلى قلب التعاريف الإلهية.
(1/20/3) ولقد رأيتُ أنه من الضرورى أن أُعيد انتاج الوثيقة الخاصة بهذا الموضوع، كمثال للحقيقة لكى ما يتأسس بشكل واضح شعار الايمان الذى يُبرهن على صنع السلام حاليا. ولكن لما كان بعض الأصدقاء الاتقياء الذين فهموا هذه الامور قد أوصوا أن هذه الحقائق ينبغى تعليمها لطالبى المعمودية([140]) بواسطة مُعلِّميهم فقط، فقد وافقتهم على مشورتهم لأنه ليس من المستحسن لغير طالبى الايمان أن يقرأوا هذا الكتاب. وإذ قد أخفيتُ هذه المواد المحظورة التى ينبغى أن اصمت عنها، إلاَّ أننى لم أدع القارىء يجهل الآراء التى تناولها هذا المجمع.
الكتاب الأول: الفصل الواحد والعشرون
( قرارات المجمع بشأن اريوس. تسوية مسألة عيد الفصح)
(1/21/1) ينبغى معرفة أنهم قد أكدوا أن الابن مساوى للآب فى الجوهر، وأن أولئك الذين يرون أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودا، وأنه لم يكن موجودا قبل أن يُولد، وأنه قد صُنِع من العدم، وأنه من جوهر hypostasis آخر أو من طبيعة substanceأخرى غير التى للآب، وأنه خاضع للتغيّر والتبدّل، هم محرومون من الكنيسة الجامعة وغرباء عنها.
(1/21/2) وقد تم التوقيع على هذا القرار من يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينس اسقف نيقية، وماريس اسقف خلقيدون، وباتروفيلس اسقف اسكيثوبوليس، وسكوندس اسقف بتولمايس بليبيا. أما يوسبيوس بامفيلوس([141]) فقد تردد لبعض الوقت فى الموافقة، لكنه وافق فى المباحثة الأخيرة.
(1/21/3) وحرَم المجمع اريوس ومشايعيه ومنَع دخوله الاسكندرية. وقد أُدِينت بالمثل العبارات التى قدَّمها عن وجهة نظره وكذلك عمله المسمى "ثاليا" الذى كَتَبه عن هذا الموضوع. اننى لم اقرأ هذا الكتاب ولكننى افهم انه من النوع الفضفاض الذى يماثل نمط Sotadus.
(1/21/4) وينبغى معرفة أن يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينس اسقف نيقية رغم موافقتهما على وثيقة ايمان المجمع إلا أنهما لم يوافقا ولا اشتركا فى خلع اريوس.
(1/21/5) وقد عاقب الإمبراطور اريوس بالنفى وأرسل مراسيم للاساقفة والشعب فى كل الاقاليم مصرِّحا أنه هو([142]) وكل تابعيه غير اتقياء، ويأمر بتدمير كُتُبهم حتى لا تبقى ذكرى له أو لتعليمه الذى بثه. وأنَّ كل مَن يُخفِى كتاباته ولم يحرقها فى الحال سيتعرض لعقوبة الموت، وينال عقابا كبيرا. وكتب الامبراطور رسالة إلى كل مدينة ضد اريوس واولئك الذين قبلوا تعاليمه. وأمر يوسيبيوس [النيقوميدى] وثيوجينس أن يهجرا المدن التى كانا اساقفة لها. وخاطب كنيسة نيقوميديا حاثا لها على مشايعة الايمان الذى اقره المجمع وأن ينتخبوا اسقفا ارثوذكسيا ليطيعوه ويدعوا الماضى يمضى. وهدَّد كل مَن يتكلم حسنا عن الاساقفة المنفيين أو يتبنى مفاهيمهم بالعقاب. وأظهَر فى هذه الرسائل وغيرها مشاعر ضد يوسيبيوس [هذا] لأنه تبنى سابقا آراء الطاغية واشترك فى مكائده.
(1/21/6) وطبقا للمراسيم الإمبراطورية خُلِع يوسيبيوس ويوجينس من كنائسهما التى كانوا فيها، وصار امفيون Amphion على كنيسة نيقوميديا وخرستوس([143])Chrestus على كنيسة نيقية. وختاما لهذا الجدل العقيدى، قرر المجمع أن يتم الاحتفال بعيد الفصح فى نفس الوقت فى كل مكان.
الكتاب الأول: الفصل الثانى والعشرين
(دعوة الامبراطور لاكسيوس اسقف النوفاتيين لحضور المجمع)
(1/22/1) ويُروَى أن الامبراطور، من منطلق الرغبة الحارة فى أن يرى التناسق قد أُعيد للمسيحيين ، دعا اكسيوس اسقف كنيسة النوفاتيين إلى المجلس، ووضع أمامه تعريف الايمان، والعيد الذى تصدق عليه بتوقيعات الاساقفة، وسأله عما إذا كان يوافق عليه أم لا.
(1/22/2) فأجاب اكسيوس بأن تفسيرهم لم يُقدِّم تعريفا لتعليم جديد، وأنه يتفق فى الرأى مع المجمع، وأنه يتمسك منذ البداية بهذه المفاهيم الخاصة بالايمان والعيد. فقال له الإمبراطور عندئذ اذن لماذا تمتنع عن الاشتراك معهم فى التناول إذا كنت متفقا فى الرأى معهم؟. فأجاب أن هذا الشِقاق قد بدأ أولا فى عهد داكيوس بين نوفاتوس وكرنيليوس وأنه يعتبر أولئك الأشخاص الذين يُخطئون بعد المعمودية فى تلك الخطايا التى يُعلِن الكتاب المقدس أنها للموت([144]) أشخاصٌ غير جديرين بالتناول، لأن مغفرة تلك الخطايا، كما يُظن، تعتمد على سلطة الله فقط وليس على سلطة الكهنة([145]) فأجاب الامبراطور قائلا: إذن يا اكسيوس خذ سُلّما واصعد وحدك إلى السماء.
(1/22/3) وبعد هذا القول لا اتصُور([146]) أن يُمدَح اكسيوس، ولكن بالأحرى أن يُلام لأنه وهو بشر تخيل أنه معصوم من الخطية.
الكتاب الأول: الفصل الثالث والعشرون
(بافنتيوس المعترف وقوانين المجمع)
(1/23/1) ومن منطلق الغيرة على تقويم حياة أولئك المنشغلين بشؤن الكنائس سن المجمع تشريعات دُعِيَت قوانين.
(1/23/2) وبينما هم يتداولون بشأنها، فكَّر البعض فى اصدار قانون يُلزِم الاساقفة والكهنة والشمامسة بأن ينفصلوا عن الزوجات اللواتى اقترنوا بهن قبل دخولهم الكهنوت.
(1/23/3) ولكن بافنوتيوس المعترف وقف وشهد ضد هذا الاقتراح، وقال أن الزواج مُكَّرم وطاهر، وأن معاشرة زوجاتهم عفة، ونصح المجمع ألاَّ يُصدِر مثل هذا القانون، لأنه سيكون صعب الاحتمال، ويمكن أن يُستخدَم كفرصة للتحرق لهم ولزوجاتهم، وذكَّرهم أنه طبقا للتقليد القديم للكنيسة أولئك الذين كانوا غير متزوجين قبل الانضمام إلى الرتب المقدسة كان يُطلَب منهم البقاء هكذا، أما أولئك الذين كانوا متزوجين فلا يهجروا زوجاتهم. هكذا كانت نصيحة بافنوتيوس على الرغم من أنه كان هو نفسه غير متزوج.
(1/23/4) وطبقا لذلك نزل المجلس على مشورته ولم يسن قانونا بذلك ولكنه ترك الأمر للحُكم الفردى. وليس للإلزام وقد أصدر المجمع مع ذلك قوانينا تنظم سياسة الكنيسة، وهذه القوانين يمكن العثور عليها بسهولة، حيث أنها فى مِلكية افراد كثيرين.
الكتاب الأول: الفصل الرابع والعشرون
(مسألة ميليتوس)
(1/24/1) وبعد فحص مسألة سلوك مليتيوس الذى حَكم المجمع فى مصر عليه، بأن يبقى فى ليكوس Lycus([147])، ومنع عنه فقط لقب اسقف، وحظر عليه سيامة أىَّ أحدٍ سواء فى المدينة أو القرية. أما أولئك الذين قد رسمهم سابقا، فقد سُمِح لهم بهذا القانون أن يظلوا فى الشركة وفى الخدمة ولكن يٌعتبرون تاليين فى الكرامة لكهنة الكنيسة والايبارشية. ولما كان بالموت يُصبح المُعيَّن لا وارث له فقد سُمِح لهم بالخلافة متى حُسبوا أهلا لذلك بتصويت الجمهور. ولكن فى هذه الحالة يتعين سيامتهم بواسطة اسقف كنيسة الاسكندرية لأنهم ممنوعين من ممارسة أى سلطة أو تأثير فى الانتخاب.
(1/24/2) وقد بدت هذه اللوائح عادلة بالنسبة للمجمع لأن مليتيوس وتابعيه قد اظهروا اندفاعا شديدا وتهورا فى السيامات، لدرجة انها حرمت أيضا السيامات التى من بطرس من كل الاعتبارات. وهكذا بعدما أدار كنيسة الاسكندرية، هرب بسبب الاضطهاد الذى ثار عندئذ ثم استشهد فيما بعد([148]).
الكتاب الأول: الفصل الخامس والعشرون
( مأدبة الامبراطور لأعضاء المجمع ومناشدته لهم أن يكونوا بفكر واحد)
وفى نفس الوقت الذى كانت تُسَن فيه هذه القوانين فى المجلس حلَّ الاحتفال بالذكرى العشرين لحُكم قنسطنطين. لأن العادة الرومانية كانت أن يُقَام الاحتفال فى كل سنة عاشرة من الحُكم لذلك فكر الامبراطور أن تكون فرصة لأن يدعو المجمع إلى الاحتفال، وقدَّم لهم هدايا مناسبة، وعندما استعدوا للعودة إلى اوطانهم، دعاهم جميعا معا وحثهم على أن يبقوا جميعا بفكر واحد بشأن الايمان وأن يكونوا فى سلام فيما بينهم حتى لا يكون هناك شِقاق من الان فصاعدا فيما بينهم. وبعد حث كثير آخر من هذا النوع، ختم طلبه بأن يكونوا مجتهدين فى الصلاة وأن يتضرعوا إلى الله دائما من أجله، ومن أجل أبنائه ومن أجل الإمبراطورية. وبعد أن خاطب هكذا أولئك الذين أتوا إلى نيقية شيعهم. وكتب إلى الكنائس فى كل مدينة لكى يوضح لأولئك الذين لم يحضروا ما قد تقرر بواسطة المجمع، وبالنسبة لكنيسة الاسكندرية بصفة خاصة، كتب أكثر من ذلك حاثا لهم أن يضعوا جانبا الانشقاق وأن يكونوا متحدين فى الايمان الصادر من المجمع لأن ذلك لن يكون شيئا آخر سوى حكم الله إذ قد تقرر بواسطة الروح القدس ومن اتفاق هذا العدد الكبير من الكهنة المنيرين وتأيدهم بعد فحص دقيق ومناقشة لسائر النقاط محل الشك.
الكـتـاب الثـانى
الكتاب الثانى: الفصل الأول
(اكتشاف الصليب المُحيِى والمسامير المقدسة)
(2/1/1) عندما انتهت أعمال نيقية كما ذُكِر عاليه، عاد الكهنة إلى أوطانهم. وابتهج الامبراطور للغاية بعودة الاتحاد فى الرأى إلى الكنيسة الجامعة، فرغب فى التعبير عن امتنانه، بالنيابة عن نفسه وعن أبنائه، وعن الامبراطورية، إلى الله الذى ألهم الأساقفة وحدانية الرأى وذلك بإقامة بيت للصلاة فى أورشليم بالقرب من المكان الذى يُدعَى الجلجثة. فرحلت هيلانه Helena الأم، فى نفس هذا الوقت، إلى المدينة لرفع صلاة هناك وزيارة المواضع المقدسة. وقد جعلتها غيرتها للمسيحية تهتم بالكشف عن الخشبة التى شكلت الصليب الممجد.
(2/1/2) ولكن لم يكن الكشف عن هذا الأثر أو عن قبر الرب، بالأمر الهيّن. لأن الوثنيين الذين اضطهدوا الكنيسة فى الأزمنة السابقة، والذين لجأوا فى بداية انتشار المسيحية إلى كل حيلة لمحوها، قد اخفوا تلك البقعة تحت كوم ضخم من التراب ورفعوا ما كان قبلا منخفضا، كما يظهر الآن. ولكى يخفوها على نحو أكثر، زينوا الموقع كله ورصفوه بالحجارة. وشيَّدوا أيضا معبدا لأفروديت وأقاموا تمثالا صغيرا لكى يبدو مَن يريد السجود للمسيح أنه يركع لأفروديت. وبذلك تُنسَى مع مرور الزمن، العلة الحقيقية لتقديم العبادة فى ذلك المكان، وأنهم كمسيحيين لن يجرأوا على التردد على هذا الموقع بدون خوف أو أن يشيروا به للآخرين. وصار المعبد والتمثال محل توقير شديد من قِبل الوثنيين.
(2/1/3) وبإختصار، أُكتُشِف المكان مع ذلك وأمكن صيانته بحماس. وقد ذكر البعض أن الحقائق الخاصة به قد أُعلِنت أولا من عبرانى سكن فى الشرق، وقد استقى معلوماته من مستندات وصلته من ميراث عائلى. ولكن ما هو أكثر اتساقا كما يبدو مع الحقيقة هو افتراض أن الله قد كشف الحقيقة بواسطة علامات واحلام، لأنه لا اظن أن المعلومات البشرية تكون مطلوبة عندما يفكر الله فى إعلانه الأمر.
(2/1/4) وبأمر من الامبراطور تم التنقيب فى المكان بعمق، وأُكتُشِفت المغارة التى قام منها الرب من بين الأموات. وعلى مسافة ليست بعيدة عنها عُثِر على ثلاثة صلبان، وعلى قطعة من خشب أخرى منفصلة منقوش عليها بحروف بيضاء عبرية ويونانية ولاتينية الكلمات التالية: يسوع الناصرى ملك اليهود. وهذه الكلمات كما تسجل الأناجيل المقدسة قد عُلِقَت بأمر من بيلاطس حاكم اليهودية فوق رأس يسوع. ومن ثمة ثارت صعوبة فرز الصليب المقدس عن الآخرين لأن القطعة المنقوشة نُزِعت منه وأُلقِيت بعيدا. والصليب ذاته طرح جانبا مع الآخرين بدون تمييز عندما أُنزِلت أجساد المصلوبين. لأنه طبقا للتاريخ وجد الجنود يسوع قد مات على الصليب فأنزلوه وسلموه للدفن، بينما لكى يعجّلوا بموت اللصيَن اللذين صُلِبا على جانبى يسوع، كسروا ساقيهما ثم قلعوا الصلبان وطرحوها بعيدا عن الطريق، ولم يكن يعنيهم أن يدَعوا الصلبان فى مكانها الأول لأن الوقت كان متأخرا، وبما أن الرجال كانوا قد ماتوا، لم يفكروا أن يبقوا لحظة لمعاينة الصلبان. وكان لابد من معلومات إلهية أكثر يتزود بها الانسان لمعرفة كيفية تمييز الصليب المقدس عن الآخرين.
(2/1/5) وهذا الإعلان تم كما يلى:
كانت هناك سيدة شريفة فى أورشليم تعانى من مرض خطير جدا لا شفاء له، فاصطحبها مكاريوس اسقف اورشليم على محفة، مع أم الإمبراطور ومرافقيها. وبعد الصلاة اشار مكاريوس إلى المشاهدين، أن الصليب المقدس سيكون ذاك الذى عندما يوضع عليها يزول منها المرض. فقدَّمها بدوره إلى كل مِن الصلبان. ولكن عندما وُضِع الاثنان عليها كان الأمر يبدو سخيفا لأنها كانت على أبواب الموت. ووُضِع الثالث بدوره عليها، ففتحت عينيها فجأة واستردت قوتها وقفزت فى الحال من فراشها. وقد قيل أن ميتا قد استرد الحياة بنفس الطريقة. وبهذا أمكن تمييز الصليب المُكرَّم.
(2/1/6) ووُضِع الجزء الأكبر منه داخل صندوق من الفضة مازال محفوظا فى أورشليم. وأرسلت الإمبراطورة جزءً منه إلى ابنها قنسطنطين مع المسامير التى سُمِّر بها جسد المسيح. ويُروَى عن ذلك أن الإمبراطور كان لديه غطاء رأس وأجراس لحصانه طبقا لنبوة زكريا الذى أشار إلى هذه الفترة عندما قال: أنه سيكون اجراس للخيول قُدسٌ للرب ضابط الكل([149]). هذه الأمور فى الحقيقة قد عرفها سابقا الأنبياء المقدسين وتنبأوا بها. وبإختصار عندما بدا لله أنه يجب اظهارها تأيدت بالعجائب.
(2/1/7) ولا يبدو ذلك مدهشا عندما نتذكر أنه حتى من بين الوثنيين اعترفت سيبل Sibyl وتنبأت أن ذلك سيكون.[ حيث جاء بها ما يلى]: آه، ايتها الشجرة المُكرَّمة بالأكثر التى عُلِّق عليها ربنا، إن مقاومنا الغيور لن يقدر أن يُنكِر صدق هذه الحقيقة.
ومن ثمة من الثابت أن اعلانا سابقا قد حدث عن خشبة الصليب والإكرام التى تلاقيه.
(2/1/8) لقد روينا الأحداث عاليه بإختصار كما تسلمناها من أناس دقيقين للغاية، قد تلقوا المعلومات بالتسليم ابنا عن أبٍ، وأخرى مسجلة كتابة لمنفعة الأجيال([150]).
الكتاب الثانى: الفصل الثانى
(بشأن هيلانه أم الإمبراطور وزيارتها لأورشليم، وبنائها لهيكل هناك، وأعمالها التقوية الأخرى، ووفاتها)
(2/2/1) وفى نفس الفترة عزم الإمبراطور على إقامة هيكل تكريما للرب، فأمر الحُكام أن يتم العمل بأقصى ما يمكن من العظمة والتكلفة. فأقامت أمه هيلانه([151])، هيكلين: واحد فى بيت لحم بالقرب من المغارة التى وُلِد فيها المسيح، والثانى على منحدرات جبل الزيتون حيث أُخِذ من هناك إلى السماء.
(2/2/2) وتُظهِر أعمال كثيرة تقواها وتدينها من بينها ما يلى، والتى لا تقل اعتبارا، أنه اثناء اقامتها فى اورشليم، يُروَى أنها جمعت العذارى القديسات([152]) فى وليمة وقامت بخدمة العشاء وتقديم الطعام لهن، وسكبت المياه على أياديهن، وانجاز خدمات أخرى مماثلة معتادة لأولئك الذين ينتظرون ضيوفا. وعندما زارت مدن الشرق، مَنحَت هبات مناسبة للكنائس فى كل مدينة، وأغنت أولئك الذين جُرِّدوا من ممتلكاتهم، وزودت الفقراء بالضروريات بوفرة، وردت الحرية لأولئك الذين سُجِنوا طويلا، أو حُكِم عليهم بالنفى أو العمل فى المناجم. ويبدو لى أن هناك أعمالا مقدسة كثيرة تستحق المجازاة.
(2/2/3) وفى الحقيقة حتى فى هذه الحياة، قد ارتفعت إلى ذروة العظمة والفخامة، فقد دُعِيَت أوجاسطا([153]) Augusta. وطُبِعت صُورتها على العملات الذهبية، ووَهَب لها ابنها سلطة على الخزانة الإمبراطورية لتُعطِى حسبما تراه.
(2/2/4) وكانت وفاتها أيضا مجيدة إذ أنها عندما غادرت هذه الحياة عن عمر الثمانين، وتركت ابنها واحفادها (قياصرة مثلها) سادة العالم الرومانى. واذا كانت هناك أية ميزة لهذه الشهرة فإن النسيان لم يخفِها بوفاتها، وكانت الحياة الاتية عربون ذكراها الدائمة إذ دُعِيَت مدينتان بإسمها واحدة فى بثينيا، والأخرى فى فلسطين. هكذا كان تاريخ هيلانه.
الكتاب الثانى: الفصل الثالث
(هياكل تُبنَى بواسطة قنسطنطين الكبير. تأسيس مدينة بإسمه، وكنيسة رئيس الجنود ميخائيل فى سوثينيوم، والمعجزات التى جرت هناك).
(2/3/1) وكان الإمبراطور مصمما دائما على تقدم الديانة، فشيَّد لله أفخم المعابد فى كل مكان وبصفة خاصة فى المتروبوليات([154]) مثل نيقوميديا([155]) Nicomedia فى بثينية Bithynia، وأنطاكية على نهر أورنتس([156]) Orontes، وبيزنطة. وقد حسَّن الأخيرة بشدة وجعلها معادلة لروما فى القوة وفى السلطة لأنه بعدما سوَّى شؤون الإمبراطورية حسبْ ذهنه، وعالج الشؤن الخارجية بالحروب والمعاهدات، عزم على تأسيس مدينة تُدعَى بإسمه وتكون معادلة فى الكرامة لروما. وبهذا العزم لجأ إلى هضبة عند سفح تروى([157]) Troy بالقرب من هليسبونت([158]) Hellespont فوق مقبرة أجاكسAjax حيث قيل أنها كانت المحطة البحرية للآخائيين Achaians، ومحلة لخيامهم عند محاصرتهم لطروادة. وهنا وضع خطة مدينة كبيرة وجميلة وبنى بوابات على بقعة مرتفعة من الأرض ما زالت تُشاهَد([159]) من البحر لأولئك البحارة [المارين] بها.
(2/3/2) ولكنه بينما هو يتقدم هكذا، ظهر له الله ليلا وأمره أن يختار موضعا آخر، فوصل مُقادا بيد الله إلى بيزنطة فى تراقيا([160]) Thrace وراء خلقيدون([161]) فى بيثنية([162]) bithynia، وهنا رغب فى بناء مدينته وأن يجعلها جديرة بإسم قنسطنطين. وطاعة لكلام الله، وسَّع لذلك المدينة التى كانت تُدعَى سابقا بيزنطة([163]) وأحاطها بأسوار عالية، وأقام بها أيضا منازل فخمة فى الأقاليم جنوبا. وإذ كان يعى أن السكان السابقين غير كافين لمدينة عظيمة كهذه، فقد أسكن فيها أناسا ذوى رتب بعائلاتهم من روما القديمة ومن الأقطار الأخرى. وفرض ضرائب لتغطية نفقات البناء وتزيين المدينة، وتزويد سكانها بالطعام، وإمداد المدينة بكافة المستلزمات الأخرى. وقد زينها بملاعب فسيحة لسباق الخيل hippodrome، وبالينابيع والأروقة، والمبانى الأخرى. ودعاها القنسطنطينية، روما الجديدة، وجعلها العاصمة الإمبراطورية لكل سكان الشمال والجنوب والشرق وشواطىء البحر المتوسط من مدن استر([164])Ister وابيدامنوس Epidamnus وخليج ايجة Ionian إلى القيراون([165]) Cyreneوذلك الجزء من ليبيا المدعو بوريوم Borium([166]). وشيَّد مجلسا آخر، دعوه سينات senate، ورسم أياما مكرَّمة وأيام احتفال مثل تلك المعتادة للرومان الآخرين، ولم يخفق فى أن يجعل المدينة التى تحمل اسمه، معادلة فى كل شىء لروما فى ايطاليا، ولا خابت رغباته، لأنه بمعونة الله قد صارت عظيمة فى السكان والثروة.
(2/3/3) واننى لا أعرف سببا لهذا التضخم غير العادى خلاف تقوى الذين شيدوها والذين سكنوها وشفقتهم وكرمهم للفقراء. إن الغيرة التى اظهروها للإيمان المسيحى كانت عظيمة جدا لدرجة أن كثيرين من السكان اليهود ومعظم اليونانيين قد اهتدوا. ولما كانت هذه المدينة قد صارت عاصمة الإمبراطورية خلال فترة الإزدهار الدينى، لذا لم تتدنس بمذابح ومعابد يونانية ولا بالذبائح. وعلى الرغم من أن يوليانوس([167])Julian قد سمح بدخول الوثنية لفسحة قصيرة من الزمن، إلا أنها سرعان ما انقرضت بعد ذلك.
(2/3/4) ثم شرَّف قنسطنطين هذه المدينة الوليدة للمسيح التى دعاها بإسمه أكثر من ذلك بتشييد بيوت صلاة فخمة وعديدة. وقد آزرتْ أيضا الألوهية روح الإمبراطور بإعلانات إلهية اقنعت الناس أن بيوت الصلاة فى هذه المدينة مُقدَّسة ومُخلِّصة. فحسب الرأى العام للمواطنين والأجانب كانت أكثر الكنائس جديرة بالاعتبار تلك التى بُنيت فى الموضع الذى كان يُدعَى سابقا هستيا Hestiæ. فهذا المكان الذى يُدعَى الآن ميخائليوم Michaelium، يقع إلى اليمين لأولئك الذين يُبحِرون من بونطس Pontus إلى القنسطنطينية وعلى مسافة خمسة وثلاثين استاديا([168]) stadia من المدينة الأخيرة بحرا. ولكنك إذا اتخذت دائرة الميناء فإن الرحلة عندئذ تستغرق سبعين استاديا فصاعدا.
(2/3/5) وقد حصل هذا المكان على الاسم الذى يحمله الآن لأنه يُعتقَد أن ميخائيل رئيس الملائكة قد ظهر ذات مرة هناك. وأنا أيضا أوكد أن هذا حقيقىٌ لأننى أنا نفسى تلقيتُ منافعا عظيمة وخبرة أعمال معاونة حقيقية، إلى جانب أدلة أخرى كثيرة تثبت أن البعض الذين سقطوا فى أخطار لا يمكن تجنبها أو انتكاسات مخيفة، وآخرون فى أمراض وآلام غير معروفة، وصَلَّوا هناك إلى الله، وجدوا تغيرا فى قدَرِهم.
(2/3/6) وإننى لفى حيرة إن كنتُ أعطى تفصيلا للظروف والأشخاص أم لا. ولكننى لا استطيع أن احذف حالة اكويلينوس Aquilinus الذى يُقيم فى الوقت الحالى معنا، وهو محام فى نفس بلاط العدالة الذى ننتمى إليه. اننى سأروى ما سمعته منه بخصوص هذا الحدث وما رأيته.
(2/3/7) فعندما هوجم بحمى شديدة انبعثت من المرارة الصفراء، اعطاه الأطباء شرابا غريبا كدواء فتقيأه وبفعل القىء انتشرت الصفراء على نحو غيَّرت محياه إلى اللون الأصفر. واضطر إلى أن يتقيأ كل طعامه وشرابه. وظل على هذه الحالة مدة طويلة. ولما كان غذاءه لا يبقى فيه فقد فشلت مهارة الأطباء فى [تخفيف] المعاناة. وإذ صار بين الحياة والموت أمر خادمه بأن يحمله إلى بيت الصلاة، إذ تأكد بشدة أنه هناك إما أن يموت وإما أن يتحرر من هذا المرض. وبينما كان هناك، ظهرت له قوة إلهية ليلا وأمرته أن يغمس قدمه فى مربى من العسل والنبيذ والفلفل. ففعل الرجل كذلك، فتحرر من شكواه، على الرغم من أن الوصفة كانت ضد القواعد المهنية للأطباء حيث أن مخلوطا من أشياء شديدة الحرارة كهذه هو ضد مرض الصفراء([169]).
(2/3/8) وقد سمعتُ أيضا أن بروبيانوس Probianusأحد أطباء القصر كان يشكو بشدة من مرض فى القَدم قد نال بالمثل الخلاص من مرضه فى هذا الموضع، وحُسِب مستحقا أن يعاين رؤية إلهية عجيبة. فقد كان يلتصق فيما سبق بخرافات وثنية، ولكنه صار فيما بعد مسيحيا. وبينما كان يُسلِّم على نحو أو آخر ببقية عقائدنا، إلاَّ أنه لم يستطع أن يفهم كيف أنه بالصليب المقدس تم خلاص الجميع. وبينما كان ذهنه فى شك من جهة هذا الموضوع، إذا بعلامة الصليب الموضوع فوق المذبح بهذه الكنيسة تكشف له فى رؤية إلهية، وسمع صوتا بوضوح يعلن أنه عندما صُلِب المسيح على الصليب فإن إحتياجات الجنس البشرى أو الأفراد أيا كانت لا يمكن أن تفى بها خدمة ملائكة أو رجال أبرار وصالحين، لأنه ليست هناك قوة يمكنها أن تقوِّم بعيدا عن الصليب المكرَّم([170]).
(2/3/9) لقد سجلتُ فقط بضعة أحداث أعرف أنها قد حدثت فى هذا المعبد لأنه ليس هناك وقت لأرويها كلها.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع
(قنسطنطين وبلوطة ممرا)
(2/4/1) إننى اعتبر أنه من الضرورى أن أروى بالتفصيل اجراءات قنسطنطين بالنسبة لما يُدعَى بلوطة ممرا Mamre. فهذا المكان يُدعَى الآن تربنثوس Terebinthus وهو على مسافة حوالى خمسة عشر استاديا من حبرون([171]) Hebron التى تقع إلى الجنوب من أورشليم على مسافة 250 استاديا. فلقد قيل أنه هنا قد ظهر ابن الله لإبراهيم، مع ملاكين قد أرسلهما ضد سدوم وأعلن له ولادة ابنه.
(2/4/2) وهنا يجتمع سنويا، كل سكان البلد والأقاليم التى حول فلسطين، والفينيقيون والعرب، خلال موسم الصيف لإحتفال شهير. وكذلك يقيم هناك كثيرون آخرون، مشترون وبائعون لحساب شؤونهم.
(2/4/3) وفى الحقيقة هذا الاحتفال يتكرر بإجتهاد من قِبل جميع الأمم: اليهود لأنهم يفتخرون بأنهم من نسل أب الآباء ابراهيم. والوثنيون لأن الملائكة ظهروا هنا للبشر. والمسيحيون لأن مخلّص جنس البشر الذى وُلِد من عذراء فيما بعد قد أظهر ذاته لرجل تقى. وهذا المكان قد كُرَّم أكثر من ذلك لأنه مناسب للتداريب الدينية. فهنا يُصلى البعض الى رب الكل، ويدعو آخرون الملائكة ويسكبون نبيذا ويحرقون بخورا أو يقدمون ثورا، أو ذكر ماعز، أو خروفا، أو ديكا. وكل واحد يُقدِّم بعض منتجات عمله الجيدة، وبعد حصاد بعناية خلال كل العام، يُقدّمها حسب وعده كمادة للعيد، عن نفسه وعن تابعيه.
(2/4/4) وسواء أكان بسبب كرامة المكان أو خوفا من السخط الإلهى، فإن جميعهم يُحجِمون عن معاشرة زوجاتهم على الرغم من أنهن خلال هذا العيد يكونون أكثر جمالا وتزينا عن المعتاد. غير أنهن إذا حدث وظهرن واشتركن فى الموكب العام لا يسلكن على الاطلاق بخلاعة ولا يتصرفن بنجاسة فى أى شىء آخر، على الرغم من أن الخيام تكون متلاصقة لبعضها البعض، ويرقدون جميعا معا.
(2/4/5) والمكان بلد مفتوح وبلا منازل وصالح للزراعة، فيما عدا المبانى حول بلوطة ابراهيم القديمة والبئر الذى أعده. ولا يستقى أحد من البئر خلال العيد، لأنه حسب العادة الوثنية يضع البعض مصابيح موقدة بالقرب منه، والبعض يسكب نبيذا أو يطرح كعكا أو عملات معدنية، أو مرا أو بخورا. ومن ثمة فإننى أفترض أن المياه تكون بلا نفعٍ نتيجة للخليط الملقى فيها. ولما كانت هذه العادات تتم بواسطة الوثنيين بالمنوال السابق ذكره، وكانت حماة قنسطنطين حاضرة للصلاة هناك، فقد أعلَمت الإمبراطور بما يحدث.
(2/4/6) وعندما تَلَّقى هذه المعلومات وبخ أساقفة فلسطين بشدة لأنهم أهملوا واجباتهم وسمحوا لمكان مقدس أن يتدنس بذبائح وتقدمات نجسة، وعبَّر عن احساسه التقوى فى رسالة كتبها إلى مكاريوس اسقف اورشليم ويوسبيوس بامفيلوس([172]) وإلى اساقفة فلسطين. وأمر هؤلاء الاساقفة بعقد مؤتمر من اساقفة الفينيقيين بشأن هذا الموضوع، واصدار التوجيهات لإزالة المعبد من أساساته الذى كان قد شُيِّد سابقا، وتدمير التماثيل المنحوتة بالنار وإقامة كنيسة جديرة بمكان قديم ومقدس كهذا. وأخيرا أمر الإمبراطور بألا تُقدَّم ذبائح وتقدمات([173]) فى هذا المكان، ولكن يُكرَّس بالتمام لعبادة الله حصريا بحسب شريعة الكنيسة، وأن أية محاولة لاسترداد الطقوس القديمة([174]) فإن الاساقفة سيكونون مجرمين وسيخضعون لأشد العقوبات. واضطر الحُكام والكهنة إلى تنفيذ رسالة الإمبراطور.
الكتاب الثانى: الفصل الخامس
(قنسطنطين يُدمر الاماكن المخصصة للأوثان، ويحُث الشعب على المسيحية)
(2/5/1) ولما كانت أمم كثيرة ومدن كثيرة فى سائر العالم الخاضع له قد احتفظت بمشاعر خوف وتكريم نحو اصنامهم الباطلة، والتى قادتهم إلى الازدراء بعقائد المسيحية، والاهتمام بعاداتهم القديمة وسلوكيات وأعياد آبائهم، فقد تبين للامبراطور ضرورة أن يُعلِم الحُكام بقمع طقوس عباداتهم الخرافية. وظن أن ذلك سيكون سهلا إن هو ازدرى بمعابدهم والأصنام التى فيها.
(2/5/2) ولكى ما يُنفذ هذا المشروع لم يلجأ إلى الوسائل الحربية، وإنما جال رجال القصر المسيحيين من مدينة إلى مدينة حاملين رسائل من الإمبراطور، وحثوا الشعب على أن يُقلِعوا عن ذلك الخوف، وأنه إذا رفضوا هذه المراسيم فإنهم هم وأولادهم وزوجاتهم سيتعرضون للشر. فأَحضَر المنحرفون والكهنة [الوثنيون]، إذ [صاروا] غير مدعومين من الجمهور، كنوزهم الثمينة وأصنامهم التى تُدعى "ديوبيت" diobet. وبواسطة هؤلاء السَدنة، سُحِبت الهبات من المزارات ومن المخابىء الخفية فى المعابد. وصارت المواقع التى كانت سابقا لا يمكن الوصول إليها والمعروفة فقط للكهنة، سهلة الوصول إليها ومعروفة لكل مَن يرغب دخولها. وتطهرت بالنار التماثيل التى شُيِّدت من المعادن النفيسة أو أية مادة أخرى قيّمة وصارت مِلكية عامة. و حُمِلَت التماثيل النحاسية التى نُقِشَت بمهارة، إلى المدينة([175]) بإسم الإمبراطور، ووُضِعت هنا كمواد زينة، حيث ما زالت تُشَاهَد فى الأماكن العامة، كما فى الشوارع، والملاعب والقصُور. ومن بينها تمثال أبوللو الذى كان فى معبد بيثونس Pythoness للفينيقيين، وبالمِثل تمثال موسى من هليكون Helicon، والحوامل الثلاثية tripods من دلفوس Delphos، والحوض Panالمكرَّم جدا الذى كانت المدن البوسونية Pausanias والليكوميدية Lacedæmonian واليونانية تُوقره بعد الحرب ضد الميديين Medes.
(2/5/3) أما بالنسبة للمعابد فالبعض قُلِعت أبوابه، والآخر نُزِعت أسقفه والآخر أٌهمِل وتُرِك للسقوط فى الخراب والدمار أما معبد اسكلبيوس Æsculapius فى مدينة ايجة Ægis بكيليكيا Cilicia ومعبد فينوس Venusفى آفاسا Aphaca بالقرب من لبنان ونهر آدونيسAdonis فقد دُمِرا بالكامل. وكِلا المعبدين كانا مُكرَّمين بشدة من قِبل القدماء، فقد كان أهل ايجة يقولون أن المرضى منهم كانوا يُشفوَن من أمراضهم، لأن الشيطان كان يظهر ليلا ويشفيهم. وفى آفاسا كان يُعتقَد أنه بصلاة معينة فى يوم معين تنزل نار مثل نجم من قمة لبنان وتغرق فى النهر المجاور، ويؤكدون أن هذه هى اورانيا Urania، لأنهم يدعون افروديت بهذا الاسم.
(2/5/4) وقد نجحت مجهودات الإمبراطور لأقصى توقعاته، لأنه بالاستيلاء على مواد تبجيلهم طُرِح خوفهم الجسدى، وذُرَّ كالرفش وانقاد الشعب إلى الازدراء بما كانوا يبجلوه سابقا وإلى لوم وجهات نظر أسلافهم الخاطئة.
(2/5/5) وآخرون من باب الحسد للشرف الذى كان يحظى به المسيحيون من الإمبراطور، رأى البعض أنه من الضرورى أن يُقلدوا أعمال الحاكم، وآخرون كرَّسوا أنفسهم لفحص المسيحيين فرأوا بواسطة العلامات والأحلام أو بالمحاورات مع الاساقفة والرهبان، أنه من الأفضل أن يصيروا مسيحيين.
(2/5/6) ومن هذه الفترة هجرت الأمم والمواطنون تلقائيا معتقداتهم السابقة. وتحول فى ذلك الوقت ميناء غزة الذى يُدعى مايوما Majuma والذى كانت تُجرَى فيه احتفالات خرافية قديمة، بكل سكانه إلى المسيحية. ولكى يكافأهم الإمبراطور على تقواهم حسَبَهم أهلا لأقصى تكريم فجعل المكان مدينة، وهى حالة لم يتمتع بها أحد من قبلهم، ودعاها قنسطنطيا Constantia. وبهذا كرَّم الموقع بسبب تقواهم إذ وهبه اسم أعز ابنائه. وبنفس الطريقة القسطنطينة أيضا فى فينيقية من المعروف أنها نالت اسمها من الإمبراطور. لكن ليس من المناسب أن نسجل كل حالة من هذا النوع لأن مدنا كثيرة أخرى قد تحولت فى ذلك الوقت إلى الدين تلقائيا وبدون أى أمر من الإمبراطور، ودُمِرَّت المعابد والتماثيل وشُيِدَّت بيوت صلاة.
الكتاب الثانى: الفصل السادس
(سبب انتشار اسم المسيح فى سائر أرجاء العالم فى عهد قنسطنطين)
(2/6/1) وانتشرت الكنيسة بهذا النحو فى سائر أرجاء العالم الرومانى ودخل الدين حتى بين البرابرة أنفسهم. واعتنقت القبائل التى على ضفتى نهر الراين المسيحية، وبالمثل الكلت والغاليون([176]) الذين كانوا يقطنون النواحى القاصية على شاطىء المحيط. وأيضا القوط وتلك القبائل المجاورة لهم والتى كانت تقطن سابقا على شاطىء الدانوب([177]) قد اشتركت فى الايمان المسيحى وتحولت إلى ألطف واكثر عقلانية.
(2/6/2) وتقريبا معظم البرابرة اعتنقوا العقيدة المسيحية فى زمن الحرب بين الرومان والقبائل الأجنبية فى حكم جالينوس والأباطرة الذين تلوه. لأنه عندما انتقل خليط من الأمم لا يُعبَّر عنه من تراقيا إلى أسيا وما حولها، وفعل البرابرة نفس الشىء وأتوا إلى جوار الرومان، فإن كثيرين من كهنة المسيح الذين كانوا قد أُسِروا عاشوا بين هذه القبائل. وأثناء اقامتهم معهم، شفوا المرضى، وأخرجوا شياطين ممن كانت عليهم، بإسم المسيح فقط ودعائهم بإبن الله، وأكثر من ذلك عاشوا حياة بلا لوم، فأثاروا بفضائلهم غيرتهم. واندهش البرابرة من السلوك والأعمال العجيبة لهؤلاء الرجال، وفكَّروا أنه من الفطنة لهم ومدعاة لسرور الآلهة أن يُحاكوا هؤلاء الرجال الذين رأوا أنهم أفضل منهم، وأن يُقدِّموا مثلهم الإكرام لله. وعندما أخبرهم المُعلِمون بما يجب أن يفعلوه قبِلوا ما عرضوه عليهم وتعلموا وتعمدوا وانضموا بعد ذلك إلى الكنائس.
الكتاب الثانى: الفصل السابع
(كيف قبل الايبريون الايمان بالمسيح)
(2/7/1) وقد قيل أنه فى هذا العهد اعترف الايبريون([178]) Iberians بالمسيح وكانوا أمة بربرية كبيرة وميالة للحرب. وكانوا يسكنون فيما وراء ارمينيا. وذلك أن امرأة مسيحية كانت قد سُبيَت، قد حثتهم على رذل ديانة آبائهم. وكانت تقية وأمينة جدا ولم تتخل قط عن واجبات نظامها الدينى المعتاد وهى بين الأجانب من صوم وصلاة ليلا ونهارا وتسبيح لله يبهجها. واستعلم البرابرة عن دوافع مثابرتها فأجابتهم ببساطة أن ذلك ضرورى لعبادة ابن الله بهذه الطريقة. ولكن اسمه واسلوب عبادته بدا غريبا لهم.
(2/7/2) وحدث أن مرض ولدٌ ما من هذا البلد وكانت أمه تحمله من بيت إلى بيت بحسب عادة الايبريين، لعلها تجد مَن يقدر أن يشفيه من المرض وأن يعافيه من المعاناة. ولمَّا لم يقدر أى أحدٍ على شفائه، أحضرت الصبى إلى الأسيرة، فقالت لها بالنسبة للعلاج فليس لدىَّ معرفة ولا خبرة، ولا أُلّم بطريقة الدهن بالمراهم واللصقات، ولكننى كإمرأة فأنا أومن أن المسيح الذى أنا أعبده، الإله الحق والعظيم، قادرٌ أن يُخلِّص ابنك. وصلَّت فى الحال من أجله وحررَّته من المرض على الرغم من أنه كان من المعتقد أنه على شفا الموت.
(2/7/3) وبعد ذلك بقليل أُصيبت زوجة الحاكم بمرض غير قابل للشفاء وأوشكت على الموت، ولكنها أُنقِذت هى أيضا بنفس الطريقة. وهكذا علَّمت الأسيرة معرفة المسيح عن طريق تقديمه كشافى للأمراض، وكرب لحياة الامبراطورية ولجميع الأشياء.
(2/7/4) واقتنعت زوجة الحاكم بخبرتها الذاتية وصدَّقت كلام الأسيرة واعتنقت الديانة المسيحية وكرَّمت المرأة. واندهش الملك من سرعة الشفاء، فاستعلم من زوجته عن السبب وأمر أن تكافىء الأسيرة بالهبات. فقالت الزوجة الهبات بالنسبة لها ضئيلة جدا مهما كانت قيمتها، فهى تُقدِّم اقصى خدماتها لإلهها فقط. لذلك إن أردنا أن نكافأها أو رغبنا فى عمل ما هو صواب وآمِن، فلنعبد نحن أيضا الله الذى هو ضابط الكل ومُخلِّص، والذى بإرادته يُعطى الدوام للملوك، ويطرح الأعزاء ويجعل الأجلاء أدنياء، ويُنقذ الذين فى شدة. واستمرت الملكة تحاججه بهذا الأسلوب وأيضا تحترم دين آبائه.
(2/7/5) وبعد ذلك بقليل ذهب هو وحاشيته إلى الغابة فى رحلة صيد، وفجأة ثارت سحب كثيفة وهواء ثقيل شتتهم على نحو أخفى الناس والسماء وحل ظلام دامس وليل بهيم على الغابة. ولمَّا كان كل واحدٍ من الصيادين قد اهتم بنجاة نفسه فقد تناثروا فى اتجاهات مختلفة. وبينما كان الملك يجول منفردا على هذا النحو فكَّر فى المسيح كما يفعل الناس فى أوقات الخطر. فعزم على أنه إذا أنقذه من هذا الطارىء الحالى فإنه سيسير فى طريق الله ويعبده. وفى نفس الوقت الذى ثار فى ذهنه هذا الفكر انقشع الظلام وصار الهواء ساكنا وتغلغلت أشعة الشمس الغابة وخرج الملك بآمان.
(2/7/6) وأعلَم زوجته بما حدث له، واستدعى الأسيرة وأمرها أن تُعلِّمه بأى طريقة يعبد المسيح. وعندما أعطته كل ما يمكن لإمرأة أن تقوله وتفعله، استدعى كل تابعيه وأعلن لهم جهارا المراحم الإلهية التى تعطف بها عليه وعلى زوجته. وعلى الرغم من أنه لم يكن قد اعتمد بعد، أعلن لشعبه عقائد المسيح، وحثهم على اعتناق المسيحية. وإذ اقتنع الرجال بما قدَّمه الملك، والنساء بالملكة والأسيرة، شيدوا بأقصى حماس كنيسة بسرعة وبرضاء عام من كل الأمة.
وعندما كملت الجدران الخارجية أُحضِرَت الآلات لنصب الأعمدة وتثبيتها فى قواعدها. ويُروَى أنه بعد تنصيب العموديَن الأول والثانى جيدا بهذه الوسائل، وُجِدت صعوبة شديدة فى تنصيب الثالث وتثبيته فى قاعدته وذهبت القوة البدنية والفنية أدراج الرياح على الرغم من أن كثيرين كانوا حاضرين للمساعدة فى الشد.
(2/7/7) وعندما حلَّ الليل، كانت المرأة الأسيرة ما زالت موجودة بالموقع وظلت هناك طوال الليل تتشفع إلى الله كى يتم تنصيب الأعمدة بسهولة، خاصة وأن الجميع قد رحلوا يائسين من فشلهم لأن العمود كان مرفوعا إلى نصفه فقط وظل واقفا، وكان أحد طرفيه داخل الأساسات حيث من المستحيل تحريكه إلى اسفل. لقد كانت ارادة الله أنه بهذا، كما بالمعجزات السابقة، يتثبت ايمان الايبرييين أكثر بالألوهية.
(2/7/8) ففى الصباح الباكر عندما كانوا حاضرين فى الكنيسة عاينوا مشهدا عجيبا بدا لهم كحلم. فالعمود الذى كان بالأمس غير قابل للتحرك، منصوب اليوم ومرتفع قليلا فوق قاعدته. ونظر جميع الحاضرين إليه وهو ينزلق بهدوء وتلقائية وكان يتكيف كما بآلة فى قاعدته. وتم نصب باقى الأعمدة بسهولة، وأكمل الأيبريون البناء بأقصى حماس.
(2/7/9) وإذ بُنِيَت هكذا الكنيسة بسرعة أرسل الايبريون، بُناء على توصية الأسيرة، سفراء إلى الإمبراطور قنسطنطين يحملون عرضا بالتحالف معه والمعاهدة، ويطلبون إرسال كهنة إلى أمتهم. وعند وصولهم روى السفراء الأحداث التى حدثت وكيف عبدت الأمة كلها المسيح بأقصى عناية. وابتهج امبراطور الرومان بالسفارة، وبعد اجابة كل المطالب، صرف السفراء. وهكذا تلقى الايبريون معرفة المسيح، وهم يعبدونه إلى هذا اليوم بالتدقيق.
الكتاب الثانى: الفصل الثامن
(كيف اعتنق الأرمن والفرس المسيحية)
(2/8/1) وصارت الديانة المسيحية بالتالى معروفة للقبائل المجاورة وانتشرت بدرجة كبيرة. وكما فهمتُ كان الأرمن أول من اعتنقوا المسيحية، فقد قيل أن تيريداتس Tiridates حاكم الأمة آنذاك قد صار مسيحيا بواسطة آية إلهية عجيبة قد أُجرِيَت فى بيته، فأصدر أوامرا لتابعيه عن طريق منادى بتبنى نفس الدين.
(2/8/2) وأظن أن بداية اهتداء الفرس Persians كان بسبب علاقاتهم المتداخلة مع الأرمن والأوسرونيين Osroenians لأنه من المحتمل أن تداخلهم مع رجال أتقياء كهؤلاء جعلهم يختبرون فضائلهم.
الكتاب الثانى: الفصل التاسع
(سابور ملك فارس يضطهد المسيحين. استشهاد سيمون اسقف فارس وأوسانينوس الخصى).
(2/9/1) وعندما ازداد عدد المسيحيين بمرور الزمن وبدأوا فى تشييد الكنائس وتعيين كهنة وشمامسة، حنق المجوس عليهم بشدة، وقد كانوا قبيلة يهودية منذ البداية وعبر الأجيال، وكانوا يسلكون كحرس للديانة الفارسية. وقام ضدهم أيضا اليهود الذين كانوا بالطبيعة مقاومين للديانة المسيحية. ولذلك رفعوا إلى سابور([179])Sapor حاكم البلد، شكاوى ضد سيمون Symeon الذى كان آنذاك رئيس اساقفة سلوقية Seleucia واستسيفون Ctesiphon، وهى المدن الملكية لفارس، واتهموه أنه صديق لقيصر الرومان، وأنه يخبره بأمور الفارسيين.
(2/9/2) وصدَّق سابور هذه الاتهامات فأثقل المسيحيين فى البداية بضرائب مُفرطة([180]) على الرغم من أنه كان يُعرَف أنهم فى غالبيتهم كانوا قد تبنوا الفقر الاختيارى، وعهد بالتنفيذ إلى رجال قساة على أمل أنهم تحت ضغط الحاجة وقسوة المُحصلين يضطرون إلى رذل ديانتهم لأن هذا كان هدفه([181]). ومع ذلك، أمر فيما بعد بقتل الكهنة، وقادة عبادة الله بالسيف. فخُرِّبت الكنائس وحُمِلت أوانيها إلى الخزانة وقُبِض على سيمون كخائن للمَلَكية ولديانة الفرس.
(2/9/3) هكذا دمَّر المجوس بالتعاون مع اليهود بيوت الصلاة. وقُيِّد سيمون بالسلاسل وأُحضِر إلى الملك. وهناك أظهر الرجل شجاعته وتميزه لأنه عندما أمر سابور أن يُقاد إلى التعذيب لم يخف ولا طرح نفسه. فنقم سابور بشدة وسأل لماذا لم يطرح نفسه كما فعل سابقا. فأجاب سيمون: فى السابق لم أُقيَّد من أجل أن أرذِل حق الله، ولذلك لم اعترض على تقديم التحية المعتاد للمَلَكية، ولكن الآن ليس من الملائم لى عمل ذلك لأننى أقف هنا للدفاع عن الألوهية وعن ايماننا.
(2/9/4) وعندما كفّ عن الكلام أمره الملك أن يعبد الشمس ووعده كحافز له أن يُغدِق عليه بالهبات ويُنعِم عليه بالشرف. ولكنه من ناحية أخرى هدده فى حالة عدم الخضوع بدماره هو والمسيحين.
(2/9/5) وعندما وجد المَلك أنه لم يخيفه بالخسة ولم يربحه بالوعود وأنَّ سيمون قد ظل ثابتا، ورفض عبادة الشمس أو أن يخون ديانته، أمر بأن يوضَع فى الأغلال لبعض الوقت متخيلا أنه من المحتمل أن يغيّر رأيه.
(2/9/6) وعندما أُقتِيد سيمون إلى السجن تصادف أن كان اوثازانس Usthazanes وهو خصى عجوز كان مربيا لسابور ومشرِفا على القصر، كان جالسا عند بوابة القصر، فنهض لتقديم واجب الاحترام له. فأنبَّه سيمون بصوت عال ومنعه، وحوَّل نظره عنه وتركه ومضى. لأن الخصى كان قبلا مسيحيا ولكنه استسلم حاليا للسلطة وعبد الشمس.
(2/9/7) وقد أثر هذا السلوك على الخصى حتى أنه بكى بصوت عالٍ وطرح عنه الرداء الأبيض وارتدى رداءً اسود للحداد([182])، وجلس قبالة القصر يصرخ ويولول قائلا: الويل لى لماذا وجب علىَّ أن أعيش منذ أنكرتُ الله، حتى أن سيمون صديقى الأليف سابقا لا يفكر فى الكلام إلىَّ بل ينصرف مُسرِعا مبتعدا عنى.
(2/9/8) وعندما سمع سابور بما قد حدث استدعى الخصى، واستعلم منه عن سبب حزنه، وسأله عما إذا كانت أية مصيبة قد حلَّت بأسرته. فأجاب اوثازانس وقال: أيها الملك ليس هناك شىء حدث لعائلتى ولكننى كنتُ أود أن أقاسى أية بلوى أيا كانت عما حلَّ بى، فلقد كان من الأسهل لى أن أتحملها. فأنا حزين الآن لأننى ما زالتُ حيا وكان ينبغى أن أموت منذ زمن طويل مضى. ولكننى ما زالتُ أرى الشمس التى أعبدها ليس باختيارى ولكن لأرضيك. ولذلك من العدل من جميع النواحى أن أموت لأننى كنتُ خائنا للمسيح ومخادعا لك. وأقسَم عندئذ بخالق السماء والأرض أنه لن يحيد قط عن ايمانه.
(2/9/9) واندهش سابور من هذا التحول العجيب للخصى، وازداد حنقا على المسيحيين، كما لو كانوا قد أجروا هذه الأمور. وظل مبقيا على العجوز مجاهدا بكل قواه، بلطف وبشدة لكى يعيده إلى مشاعره القديمة. ولكنه وجد أن جهوده عديمة الجدوى، وأن اوثازانس مُصرّا على إعلان أنه من الغباء الشديد أن يعبد المخلوق دون الخالق، فإلتهب غيظا وأمر بقطع رأس الخصى بالسيف.
(2/9/10) وعندما تقدَّم المنفذون للقيام بمهمتهم طلب اوثازانس منهم أن ينتظروا قليلا ريثما يوّصل شيئا ما للملك. واستدعى أحد أخصائه من الخصيان وأمره أن يقول لسابور: منذ شبابى وحتى الآن وأنا أخدم بيتك أيها الملك بكل اجتهاد لأبيك ولكَ، ولستُ محتاجا إلى أى شهود لإثبات كلامى فهذه الحقائق راسخة جيدا. فقد خدمتك بسرور فى سائر الأمور وإختلاف الأوقات فهبنى هذه المكافأة حتى لا يتخيل أحد ممن يجهلون هذه الظروف أننى قد أُعدِمتُ بسبب عدم أمانتى للمملكة أو لارتكابى أية جريمة. ولكن ليُعلَن بواسطة منادى ويُنشَر أن اوثازانس قد فقد رأسه ليس بسبب جريمة اقترفها ولكن لكونه مسيحيا ورفض أن يطيع المَلك ويُنكر إلهه.
(2/9/11) وسلَّم الخصى هذه الرسالة لسابور الذى بناء على طلب اوثازانس أمر مناديا أن يُذيع هذه الرغبة متخيلا أن الآخرين سيُحجِمون عن اعتناق المسيحية عندما يتفكرون فى أن الذى قتل مربيه المسن وخادم أهل بيته الموقر سوف لا يرحم بكل تأكيد أى مسيحى آخر.
(2/9/12) ومع ذلك، آمن اوثازانس أنه بقبوله عبادة الشمس برضائه قد سبب الخوف لمسيحيين كثيرين، والآن أيضا بهذا الاعلان الجاد عن سبب معاناته سيتهذب كثيرون عندما يعلمون أنه قد مات من أجل الدين وبذلك يحاكون قدره.
الكتاب الثانى: الفصل العاشر
(قتل سابور للمسيحيين فى بلاد فارس)
(2/10/1) وبهذا النحو انتهت حياة اوثازانس المكرَّمة. وعندما وصل الخبر إلى سيمون فى السجن قدَّم الشكر لله من أجله. وفى اليوم التالى الذى تصادف أن كان اليوم السادس من الاسبوع، والذى كان بالمثل اليوم السابق مباشرة للإحتفال بعيد القيامة، وهو الذكرى السنوية للإٌحتفال بآلام مُخلِّصنا، أصدر الملك أمرا بقطع رأس سيمون، إذ قد أُحضِر من السجن إلى القصر وناقشه سابور بأكثر نبل فى مسألة العقيدة. فأعلن بثبات أنه لن يعبد لا الملك ولا الشمس.
(2/10/2) فأصدر أمرا بقتل مائة سجين آخرين معه فى نفس الوقت. وقد عاين سيمون إعدامهم، ثم قٌتِل هو آخر الكل. وكان من بين هؤلاء الضحايا اساقفة وكهنة واكليريكين من رتب مختلفة. وبينما كانوا مقادين إلى الموت كان رئيس المجوس يوبخهم ويطلب منهم ما إذا كانوا يحافظون على حياتهم بالتأكيد على ديانة المَلك وعبادة الشمس. وإذ لم يخضع أى منهم لهذا الشرط اقتيدوا إلى موضع الإعدام وقام المنفذون بمهمة ذبح هؤلاء الشهداء.
(2/10/3) ووقف سيمون بين هؤلاء العتيدين أن يُذبَحوا، يشجعهم على الثبات محدثا إياهم عن الموت والقيامة والتقوى، مُظهِرا لهم من الأسفار المقدسة أن موتا مثل موتهم إنما هو الحياة الحقيقية؛ بينما الحياة مع إنكار لله من الخوف هو الموت الحقيقى. وقال لهم أيضا أنه حتى إذا لم يذبحهم أىُ أحدٍ فإن الموت سيدركهم لا محالة لأن موتنا عاقبة طبيعية لميلادنا. أما الأمور التى تلى هذه الحياة فهى دائمة ولا تحدث لسائر البشر، ولكنها بمقياس ما يجب أن يُعطَى [عنها] حساب دقيق هنا فى هذه الحياة. فمن صنع احسانا سينال مكافأة أبدية، وسيهرب من العقاب الذى سيحل على مَن فعل العكس. وقال لهم بالمثل أن أعظم وأسعد الأعمال هو الموت من أجل الله.
(2/10/4) وبينما كان سيمون يشجع مثل هؤلاء الرجال، كان يعرض لهم، كمدبر لأهل بيت، الأسلوب الذى سيصادفوه فى هذا النزال. واستمع إليه كل واحد ومضى بحمية إلى الذبح. وبعد أن نفذ الجلادون الحكم فى المائة، ذُبِح سيمون نفسه([183]) وأبديكالاس وآنانياس كاهنين مسنين من كنيسته واللذين كانا رفقاء سجنه ويعانيان معه.
الكتاب الثانى: الفصل الحادى عشر
(استشهاد بوسيكس مشرف فنانى المَلك)
(2/11/1) وكان بوسيكس Pusices مشرف فنانى المَلك حاضرا هذا الاعدام وإذ لاحظ ارتعاد انانياس Ananniasمن الاعدادات الضرورية لموته، قال له: أيها الشيخ اغلق عينيك للحظة قصيرة وتشجع لأنك سرعان ما سترى نور المسيح.
(2/11/2) وما أن نطق بهذه الكلمات حتى قُبِض عليه واُقتِيد إلى المَلك، وهناك أعلن جهارا أنه مسيحى وتحدث بكل حرية أمام المَلك عن معتقده وعن الشهيد. فأُدِين بموت غير عادى وأكثر قسوة لأنه لم يكن مسموحا بالحديث إلى المَلك بمثل هذه الجرأة، إذ طعن الجلادون عضلات رقبته على نحو يقلعون به لسانه.
(2/11/3) وبناء على دعوة البعض، قُبِض على ابنته التى كانت قد كرست نفسها لحياة البتولية المقدسة وذُبِحت فى نفس الوقت.
(2/11/4) وفى السنة التالية فى نفس الاحتفال بذكرى آلام المسيح، وبينما كانت الترتيبات تُعَّد للاحتفال بذكرى قيامته من بين الأموات، أصدر سابور مرسوما أكثر قسوة يأمر بقتل جميع مَن يعترف أنه مسيحى فى سائر أرجاء فارس. ويُقال أن عددا أكبر من المسيحيين قد قُتِلوا بالسيف إذ سعى المجوس بإجتهاد فى المدن والقرى بحثا عن أولئك الذين أخفوا انفسهم. وسلَّم كثيرون أنفسهم طواعية لئلا يظهروا بصمتهم أنهم أنكروا المسيح.
(2/11/5) ومن بين المسيحيين الذين قُتِلوا هكذا، كثيرون ممن كانوا بالقصر ومنهم ازادس Azades الخصى الذى كان محبوبا على وجه خاص من الملك. وعند سماع موته غلب الحزن على سابور ووضع حدا لقتل عامة المسيحيين وأمر بقتل مُعلِّمى الدين وحدهم.
الكتاب الثانى: الفصل الثانى عشر
(استشهاد طاربولا أخت سيمون)
(2/12/1) وفى نفس الفترة اعترى المَلكة مرض وكانت طاربولا Tarbula أخت سيمون الاسقف عذراء مقدسة، قد قُبِض عليها هى وخادمتها التى كانت تشاركها نفس نمط الحياة، وأيضا على أخت طاربولا التى رفضت الزواج بعد موت زوجها وتبنت نفس الطريق.
(2/12/2) وكان سبب القبض عليهن، دعوى من اليهود الذين زعموا أنهن قد أضروا الملكة بسحرهما انتقاما لموت سيمون، وصدَّقت الملكة كشخص عليل بسهولة هذه التهمة الكريهة وخاصة أنها كانت مثارة من اليهود إذ كانت تعتنق مفاهيمهم، وتحافظ على الطقوس اليهودية، وكانت لها ثقة كبيرة فى صدقهم وإلتصاقهم بها.
(2/12/3) وقبض المجوس على طاربولا ورفيقاتها وأمروا بإعدامهن وبعد أن رأوا قتلهن، ربطوهن فى قوائم وجعلوا الملكة تجتاز بين هذه القوائم كوسيلة لدرء المرض. وقيل أن طاربولا هذه كانت جميلة ورشيقة القوام، وأن أحد المجوس قد هام بها بشدة فأرسل اليها سرا يعرض عليها المعاشرة ويعدها بالحفاظ عليها وعلى رفيقاتها إن وافقت([184]). ولكنها لم تُصغِ إليه وعاملت المجوسى بإحتقار، وأنبته على شهوته، مفضلة الموت بشجاعة عن خيانة عذراويتها.
(2/12/4) ولما كان مرسوم سابور هذا الذى قد ذكرناه يقضى بعدم قتل المسيحيين بدون تمييز وإنما الكهنة ومُعلِّمى العقيدة، فإن المجوس ورؤساء المجوس اجتازوا بهمة سائر بلاد فارس يسيئون معاملة الاساقفة والكهنة ويبحثون عنهم، وبصفة خاصة فى بلاد اديابين Adiabene وهى جزء من سيادة فارس لأنها كانت مسيحية بالكامل.
الكتاب الثانى: الفصل الثالث عشر
(استشهاد القديس آسبسيماس ورفقائه)
(2/13/1) وفى حوالى هذه الفترة قُبِض على آسبسيماس Acepsimasالاسقف واكليروس كثيرين. وبعد أن تشاوروا معا، اقنعوا أنفسهم([185]) بإصطياد قائدهم فقط، فأطلقوا الباقين بعد أن جرّدوهم من ممتلكاتهم.
(2/13/2) ومع ذلك تبع جيمس الذى كان أحد الكهنة اسبسيماس طواعية وحصل من المجوس على تصريح بمشاركته فى سجنه. وخدم الشيخ بغيرة، وأنار له قدَره السىء بأقصى ما يمكن وضمد جروحه. وبعد احتجازه ليس بوقت طويل عذبه المجوس بقسوة بسياط خام ليجبروه على عبادة الشمس. ولما أصر على رفضه أعادوه إلى الأغلال, وأودِع اثنان من الكهنة يدعوان أثالاس Aithalasوجيمس وشماسان يُدعَوان آبدى إيسوس([186]) Abdiesus,وآزادانس Azadanes السجن بعد جلدهم بأقسى قسوة من قِبل المجوس بسبب معتقداتهم.
(2/13/3) وبعد أن انقضى زمن طويل أبلغ رئيس المجوس المَلك بالحقائق الخاصة بهم ليعاقبوا وإذ حصل من الملك على تصريح بأن يفعل بهم كما يُحِب ما لم يقبلوا عبادة الشمس طواعية، فقد أعلن هذا القرار للسجناء.
(2/13/4) فأجابوا بوضوح تام أنهم لن يخونوا قط المسيح ولن يعبدوا الشمس، فعذبهم بشدة. وثابر اسبسيماس برجولة على اعترافه بإيمانه، إلى أن وضع الموت نهاية لعذاباته. فحمل بعض الأرمن الذين كان الفرس يحتجزونهم كرهائن جسده سرا ودفنوه. أما السجناء الآخرين، فعلى الرغم من أنهم قد جُلِدوا أقل فقد ظلوا أحياء بمعجزة ولم يغيّروا موقفهم فأعيدوا إلى الأغلال.
(2/13/5) ومن بين هؤلاء أثيلاس الذى مُدِّد أثناء ضربه وقُطِعت ذراعيه من الأكتاف بسخط شديد فحمل ذراعيه كميت وزحف ببطء لدرجة أن الآخرين كانوا يضعون الطعام فى فمه. وفى ظل هذا الحكم أنهت جمهرة لا تحصى من الكهنة والشمامسة والرهبان والعذارى القديسات وآخرون من خدم الكنيسة والذين تخصصوا فى عقيدتها حياتهم بالاستشهاد.
(2/13/6) وفيما يلى أسماء الاساقفة على قدر ما أمكننى من التأكد: بارباسيمس، بولس، جاديابس، سابينوس، ماريس Mareas، موسيوس، جون، هورميسيداس، باباس، جيمس، روماس، ماريس Maares ([187])، آجاس، بوشرس، ابداس، ابدايسوس، ابرامنس، جون، اجديلاس، سابورس، اسحق، دوساس، وقد سُجن الأخير بواسطة الفرس وأُحضِر من مكان يُدعى زبديوس، ومات فى حوالى هذا الوقت دفاعا عن العقيدة، وماريابيدس الخورى ابسكوبس، وحوالى مائتين وخمسين من كهنته كانوا قد أُسِروا أيضا بواسطة الفرس، وقد استشهدوا معه.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع عشر
(استشهاد الأسقف ميلس ومشيره وستة عشر ألفا من الرجال المتميزين فى عهد سابور)
(2/14/1) وفى حوالى هذه الفترة أُستشهد ميلس Milles. وهذا كان يخدم الفرس أساسا فى القوات المسلحة لكنه فيما بعد هجر هذه المهنة لكى ما يعتنق هذا النمط من الحياة. وقد رُوِى أنه سيم اسقفا على مدينة فارسية وقاسى شدائد كثيرة واحتمل جراحا وسحلا، وأنه إذ فشلت مجهوداته فى تحويل السكان إلى المسيحية لعن المدينة ورحل.
(2/14/2) وبعد ذلك ليس بوقت طويل قاوم بعض رؤساء المدينة المَلك، فأرسل جيشا بثلاثمائة فيلا ضدهم وخُرِّبت المدينة تماما وحُرِثت أرضها وزُرِعت. وأخذ ميلس معه حافظته فقط التى بها الكتاب المقدس للأناجيل ورحل إلى أورشليم للصلاة، ومن هناك توجه إلى مصر ليعاين الرهبان. أما الأعمال العجيبة وغير العادية التى سمعنا أنه قد تممها هناك فهى مسجلة من السريان الذين كتبوا وصفا لحياته وأعماله.
(2/14/3) ومن جانبى أظن أننى قد قلتُ ما يكفى عنه وعن الشهداء الأخرين الذين عانوا فى بلاد فارس فى عهد المَلك سابور، أذ أنه من العسير أن نروى بالتفصيل كل الظروف الخاصة بهم مثل أسماءهم وبلادهم واسلوب استشهادهم بالكامل، وطرق تعذيبهم التى خضعوا لها لأنها عديدة، لأن مثل هذه الطرق قد أجراها الفرس بقسوة مفرطة.
(2/14/4) وسأذكر بإختصار عدد الرجال والنساء الذين استشهدوا وتأكدت أسماءهم فى هذه الفترة إذ بلغوا ستة عشر ألفا، بينما الجمهرة الأخرى خلاف هذه الأسماء لا تُحصَى. وفى هذا الصدد إحصاء اسماءهم يكون من العسير بالنسبة للفرس والسوريين ولسكان إديسا الذين بذلوا أقصى إهتمام بهذا الأمر([188]).
الكتاب الثانى: الفصل الخامس عشر
(قنسطنطين يكتب إلى سابور ليكف عن اضطهاد المسيحيين)
(2/15/1) وكان قنسطنطين الإمبراطور الرومانى غاضبا وأساءه سماع المعاناة التى يتعرض لها المسيحيون فى فارس. ورغب بشدة فى مد يد العون لهم، ولكنه لم يعرف بأية وسيلة يتمم ذلك.
(2/15/2) وفى حوالى هذا الوقت أتى سفراء من المَلك الفارسى إلى بلاطه، وبعدما منحهم ما طلبوه رأى أنها فرصة مواتية ليخاطب سابور بشأن المسيحين فى فارس.
(2/15/3) فكتب إليه مقرا أنه سيكون أمرا مرغوبا فيه للغاية وعظيما إن هو تعامل بإنسانية مع أولئك المعجبين بتعاليم المسيحيين الذين تحت سيادته. وقال ليس شىء فى ديانتهم يستوجب التعنيف فهم يرفعون التضرعات بصلوات غير دموية فقط إلى الله الذى يسر لا بسفك الدماء ولكن فقط بنفس نقية مكرَّسة للفضيلة والتقوى لدرجة أن هؤلاء المؤمنين بهذه الأمور يستحقون عليها المديح. وأكد الامبراطور عندئذ لسابور أن الله سيكون كريما معه إن هو عامل المسيحيين بلطف. وقدَّم له مثال فالريان Valerian، وشخصه هو كبرهان على ذلك.
(2/15/4) فهو شخصيا، بالإيمان بالمسيح وبمعونة الوحى الإلهى، جاء من شواطىء المحيط الغربى وأخضع العالم بأسره، وأنهى حروبا كثيرة ضد الأجانب والطغاة ولكنه لم يلجأ قط إلى ذبائح([189]) أو كهانة([190]) بل بعلامة الصليب على مقدمة جيوشه الخاصة والصلاة الخالية من الدم والنجاسة. وكان عهد فالريان عهدَ رخاء طالما أحجم عن اضطهاد الكنيسة، ولكنه فيما بعد عندما اضطهد الكنيسة، أُسلِم للإنتقام الإلهى على يد الفرس، فأماتوه موتا قاسيا.
(2/15/5) على هذا النحو كتب قنسطنيطن الى سابور حاثا له على حسن التصرف مع هذا الدين إذ أن الامبراطور كان يعتنى بشدة بشؤون المسيحين فى كل اقليم سواء أكان رومانيا أو أجنبيا.
الكتاب الثانى: الفصل السادس عشر
(عودة يوسيبيوس وثيوجينس اللذين امتنعا عن التصويت فى مجمع نيقية، الي كراسيهما)
(2/16/1) وعقب مجمع نيقية ليس بوقت طويل أُعيد أريوس من منفاه. ولكن بدون الغاء حظر دخوله الاسكندرية. وسنروى فى المكان المناسب كيف جاهد للحصول على تصريح بالعودة الى مصر. واسترد، بعد ذلك ليس بوقت طويل، يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجنيس Theognis اسقف نيقية ممتلكات كنائسهما بعد خلع امفيون Amphionوكريستوس Chrestosاللذين سيما محلهما. وهما مدينان بعودتهما للوثيقة التى قدَّماها للأساقفة والتى تحتوى على نكوصهما كما يلى:
(2/16/2) [نوكوص يوسيبيوس النيقوميدى، وثيوجنيس]
"على الرغم من أننا قد أُدِنا بدون محاكمة من تقواكم إذ اعتبرنا أنه من المناسب أن نلوذ بالصمت بشأن الحُكم الذى أصدرتموه. فإنه لمَّا كان من السخف أن نظل صامتين مدة أطول، إذ سيُعتبَر صمتنا دليلا على صحة الافتراءات، فإننا نُعلن الآن لكم أننا نحن أيضا نوافق على هذا الايمان. فبعد تمحيص جاد للفكر [الخاص] بكلمة "مساوى فى الجوهر" consubstantial [نُعلِن] أننا مصممون تماما على حفظ السلام، وأننا لم نشايع قط أية هرطقة. ومن أجل إقامة السلام للكنائس مثلما حدث لنا، وعن اقتناع تام منا، واقتناع تام من قِبل أولئك الذين سيقتنعون بواسطتنا فأننا نوّقع على قانون الايمان. ولكننا لم نوّقع على الحرومات لا لأننا نطعن فى قانون الايمان، ولكن لأننا لم نقتنع بالتهم الموَّجهة للمتهم المقدَّمة لنا. فالرسائل التى استلمناها منه والحجج التى قدَّمها فى حضورنا تقنعنا تماما بأنه لم يكن ذلك الشخص. واننا لنرجو أن يقتنع المجمع المقدس بأننا لا نميل الى الاعتراض، ولكننا نتفق معا فى النقاط التى تم تعريفها بدقة من قِبلكم. وبهذه الوثيقة نؤكد موافقتنا. وهذا ليس لأننا نخشى النفى، ولكن لأننا نبغى تحاشى شبهة الهرطقة، لأنكم اذا تنازلتم بقبولنا الآن فى حضرتكم فإنكم ستجدوننا متفقين فى جميع النقاط مثلكم وطائعين لقرارتكم وعندئذ سيكون الأمر جيدا لتقواكم بأن ترحموا ذاك الذى أُتُهِم بهذه النقاط وتعيدوه. وإذ قد أُعيد ذلك الطرف حبا فى العدالة ودافع عن نفسه من التهمة المثارة فإنه من السخف أن نعزز بصمتنا أخبار الافتراء الذى نُشِر ضدنا.
لذا نرجوكم اذن، كما يليق لتقواكم يا أحباء المسيح أن تذكروا الامبراطور المحب لله وتسلموه التماسنا. وتتشاوروا سريعا فيما هو موافق لكم بشأننا".
وبهذه الوسيلة عاد يوسيبيوس وثيوجنيس، بعد أن غيَّرا من أقوالهما، الى كنائسهما.
الكتاب الثانى : الفصل السابع عشر
(موت الكسندروس اسقف الاسكندرية، واعتلاء اثناسيوس بناء على توصيته لكرسى الاسكندرية)
(2/17/1) وفى نحو هذا الوقت عندما كان الكسندروس اسقف الاسكندرية على وشك الرحيل عن هذه الحياة، ترك اثناسيوس كخليفة له بالاتفاق مع الإرادة الإلهية التى صوتت له. وأنا مقتنع بذلك([191]).
(2/17/2) ويقال أن اثناسيوس قد فكر فى البداية فى تجنب هذه الكرامة بالهروب، ولكنه فيما بعد أذعن بدون ارادته لالكسندروس وقبل الأسقفية. وهذا شهد به ابوليناريوس Apolinarius السوريانى([192]) بالعبارة التالية: وفى كل هذه الأمور ثارت القلاقل من الأنجاس، ولكن آثارها الأولى شعر بها المُعلِّم المُبارَك لهذا الانسان الذى كان مساعدا له كيَدِه وسلك كإبن لأبيه.
(2/17/3) وفيما بعد حاز هذا الرجل القديس على نفس الخبرة لأنه عندما تعين للخلافة الأسقفية أسرع للهرب من الكرامة، ولكنه كُشِف فى مخبأه بمعونة الله الذى سبق وأعلن بإعلان إلهى لسلفه المبارك بأن الخلافة ستحل عليه. لأنه عندما كان الكسندروس على شفا الموت نادى على اثناسيوس الذى كان غائبا آنذاك.
(2/17/4) وكان هناك شخص له نفس الاسم حاضرا، فعندما سمع هذا النداء أجابه. ولكن الكسندروس صمت، لأنه لم يكن الشخص الذى يناديه. فنادى ثانية، ومرة أخرى حضر ذاك الشخص الذى ظل حاضرا. وهكذا كشف عن الشخص الغائب. وعلاوة على ذلك، أعلن المبارَك الكسندروس نبويا "يا اثناسيوس لقد فكرتَ فى الهرب، ولكنك لن تهرب". ويقصد أن اثناسيوس سيُستَدعى للجهاد. هكذا كانت الرواية التى أوردها ابوليناريوس بخصوص اثناسيوس.
(2/17/5) ويزعم الأريوسيون أنه عقب وفاة الكسندروس اشترك اتباع الاسقف الموقرين واتباع مليتيس فى التناول معا. واتفقوا بقسَم على اختيار مَن يدير شؤون الكنيسة بإمتياز بالانتخاب العام. ولكن الاساقفة السبعة أولئك حنثوا بقسَمهم ورسموا سرا، ضدا لرأى الجميع اثناسيوس وأنه لهذا السبب امتنع كثيرون من الشعب ومن الكهنة المصريين عن الاشتراك فى التناول معه.
(2/17/6) أما أنا، فمن ناحيتى، مقتنعٌ بأن سيامته كانت بتعيين إلهى وأن الزمن كان فى أقصى احتياج لمثل هذا الرجل ليخلُف رئاسة الكهنوت العليا، فقد كان بليغا وذكيا وقادرا على مواجهة المكائد. لقد أظهر أهلية عظيمة لممارسة المهام الكنسية وملائمة للكهنوت، ويمكن القول أنه كان متعلما ذاتيا منذ سنواته المبكرة.
(2/17/7) فقد قيل([193]) أن هذه الحادثة قد وقعت فى شبابه. لقد كانت من عادة الاسكندريين أن يحتفلون بأبهة عظيمة بالذكرى السنوية لأحد اساقفتهم المدعو بطرس الذى استشهد([194]). وكان الكسندروس الذى كان يدير الكنيسة آنذاك مشغولا بإحتفال هذه الذكرى، وبعد أن أنهى العبادة بقى فى الموقع منتظرا بعض الضيوف الذين دعاهم لتناول طعام الافطار معه. وفى هذه الاثناء ألقى ببصره صوب البحر فشاهد بعض الصبية يلعبون على الشاطىء ويسّلون أنفسهم بتقليد الاسقف والاحتفالات الكنسية. وفى البداية اعتبر الهزل براءة وسُّر بمشاهدته، ولكنه عندما لمسوا ما لا يُنطق به، ارتعد واستعلم عن الامر من رئيس الاكليروس، وأَحضر الاولاد معا، وسألهم عن اللعبة التى كانوا يلعبونها وماذا فعلوا وماذا قالوا فى هذه التسلية. وفى البداية أنكروا من الخوف، ولكن عندما هددهم الكسندروس بالتعذيب اعترفوا بأن اثناسيوس كان اسقفهم وقائدهم، وأن أولادا كثيرين لم يكونوا قد عُمِّدوا عمَّدهم. فاستعلم الكسندروس بتدقيق عن الكاهن فى لعبتهم الذى قال أو فعل ذلك وبماذا ردوا أو تعلموا. وعندما وجد أن طقس الكنيسة قد راعوه بالضبط تشاور مع الكهنة الذين كانوا حوله فى هذا الموضوع وقرر أنه ليس من الضرورى إعادة المعمودية لأولئك الذين فى بساطتهم اُعتُبِروا أهلا للنعمة الإلهية. ولذلك قام فقط ببعض المهام القانونية لأولئك المكرَّسين لنوال السرائر. وأخذ اثناسيوس والأولاد الآخرين الذين لعبوا دور الكهنة والشمامسة الى أقربائهم ليربوهم للكنيسة، والله شاهد عليهم وللقيادة التى حاكوها.
(2/17/8) وليس بعد ذلك بوقت طويل، أخذ اثناسيوس كرفيق مائدة وسكرتيرا له. وقد تعلَّم جيدا وأجاد النحو والبلاغة. وعندما بلغ سن الرجولة وقبل أن ينال الاسقفية برهن لأولئك الذين تحاوروا معه على أنه رجل حكمة وفطنة. ولكنه عندما انتقلت إليه الخلافة عقب وفاة الكسندروس تزايد صيته بشدة وسندته فضائله الخاصة، وشهادة الراهب انطونيوس الكبير.
(2/17/9) فقد نزل هذا الراهب عندما طلب حضوره، وزار المدن واصطحبه الى الكنائس واتفق معه فى الرأى الخاص بالألوهية وأظهر صداقة بلا حدود له وتجنب مجتمعات اعدائه ومقاوميه.
الكتاب الثانى: الفصل الثامن عشر
(الأريوسيون والميليتيون واثناسيوس)
(2/18/1) ومع ذلك تزايدت شهرة اثناسيوس، بصفة خاصة من الاريوسيين والميليتيين، فعلى الرغم من أنهم كانوا يكيدون له إلا أنهم فشلوا فى جعله سجينا.
(2/18/2) ففى البداية كتَب له يوسيبيوس ليقبل اريوس فى شركة التناول، وهدَّد بدون كتابة أن يُسىء معاملته إذا رفض ذلك. ولكن أثناسيوس لم يستسلم لعرضه بل صرَّح بأن مَن ينصح بهرطقة فى الابتداع ضد الحق، وقد أدين من مجمع نيقية يتعين عدم قبوله فى الكنيسة.
(2/18/3) فقدَّم يوسيبيوس التماسا إلى الامبراطور ليتدخل لصالح اريوس ويوصى بعودته. وسأسجل هنا قليلا كيف حدثت كل هذه الأمور.
(2/18/4) فى ذلك الوقت كان هناك نزاع وجلبة بين الاساقفة انفسهم بشأن المعنى الدقيق لمصطلح "مساوٍى فى الجوهر". فالبعض رأى أن هذا المصطلح لا يمكن قبوله بدون تجديف لأنه يتضمن عدم وجود ابن الله، وأنه يشتمل على خطأ مونتانوس Montanus وسابليوس Sabellius. وفريق، من ناحية أخرى، يدافع عن المصطلح معتبرين مقاوميهم كيونانيين(أو وثنيين)، ويعتبرون تصُورهم يقود إلى تعدد الآلهة. وقاد هذا النزاع يوسيبيوس الملقب بامفيلوس، ويوستاثيوس Eustathius اسقف انطاكية.
(2/18/5) فلقد اعترف كلاهما بأن ابن الله موجود اقنوميا، ولكنهما اختلفا معا كما لو كان قد أساء كل منهما فهم الآخر. فقد اتهم يوستاثيوس يوسيبيوس بتحوير العقائد التى صدَّق عليها مجمع نيقية. بينما أعلن الثانى أنه يصدّق على عقائد نيقية وأنب الثانى على التصاقه ببدعة سابيليوس.
الكتاب الثانى: الفصل التاسع عشر
(مجمع انطاكية)
(2/19/1) وانعقد مجمع فى انطاكية وخلع يوستاثيوس([195]) من كنيسة هذه المدينة، ومن المعتقد على نحو عام أنه قد خٌلِع لمجرد أنه كان مشايعا لإيمان مجمع نيقية، وبسبب أنه قد أتهم يوسبيوس وبولينيس اسقف صُور وباتروفيلس اسقف اسكيثوبوليس Scythopolis (الذى تبنى كهنة الشرق مفاهيمه) بأنهم مشايعون لبدعة اريوس.
(2/19/2) ومع ذلك كانت الحجج التى اوردوها للخلع أنه قد دنس الكهنوت بأعمال غير مقدسة. وقد أثار خلعه انقساما كبيرا فى انطاكية لدرجة أن الشعب كان على وشك امتشاق السلاح، وكانت المدينة كلها فى حالة هياج. وهذا أساء إليه بشدة فى نظر الامبراطور لأنه عندما فهم ما قد حدث وأن شعب الكنيسة قد انقسم الى حزبين، ثار غضبه بشدة ونظر إليه بريبة كفاعل لهذا الهياج.
(2/19/3) ومع ذلك أرسل الامبراطور ضابطا مستنيرا من قصره مخولا بسلطة تامة لتهدئة الجمهور وانهاء القلاقل بدون اللجوء الى العنف أو الاساءة.
(2/19/4) أما أولئك الذين خلعوا يوستاثيوس والذين اجتمعوا فى انطاكية لهذا السبب وهم ظانين أن تصُورهم سيلقى قبولا على نطاق واسع، إذا وضعوا على كنيسة انطاكية شخصا من اصحاب رأيهم يكون معروفا للإمبرطور ويحظى بسمعة فى العِلم والبلاغة وأنهم بذلك يحصلون على طاعة الباقى، فقد ثبتوا نظرهم على يوسيبيوس بامفيلوس لهذا الكرسى. وكتبوا إلى الامبراطور بخصوص هذا الموضوع وسجلوا أن هذه الخطوة ستكون مقبولة بشدة من الشعب. وفى الحقيقة فكَّر فيه كل الكهنة والعلمانيون المعادون ليوستاثيوس.
(2/19/5) ومع ذلك كتب يوسييوس الى الامبراطور رافضا الرتبة، وصدَّق الامبراطور على رفضه وأثنى عليه. لأن هناك قانون كنسى يحظر نقل اسقف من ايبارشية لأخرى. وكتب إلى الشعب ويوسيبيوس لقبول حكمه ودعاه بالسعيد لأنه كان أهلا للأسقفية ليس فقط لمدينة واحدة ولكن للعالم. كذلك كتب الى شعب كنيسة انطاكية بشأن تشتت الفكر وقال لهم أنه لا ينبغى أن يرغبوا فى اساقفة المناطق الأخرى كما لو كانوا يطمعون فى مقتنيات الآخرين، وبالاضافة الى ذلك أرسل رسالة أخرى خاصة الى المجمع يمدح فيها يوسيبيوس كما فى الرسالة إليه لرفضه الاسقفية.
(2/19/6) ولما كان يوفرونيس Euphronius كاهن كبادوكيا وجورج من ارثوسا Arethusa رجال مشهود لهم بالايمان، فقد أوصى الأساقفة أن يقرروا سيامة واحد منهما أو أى شخص جدير بهذه الكرامة كرئيس لكنيسة انطاكية. وعند استلام هذه الرسالة من الامبراطور سيم يوفرونيوس.
(2/19/7) وقد سمعتُ أن يوستاثيوس قد تحمَّل هذه الاهانة غير العادلة بهدوء مقررا أنه الأفضل وأنه، الى جانب فضائله وصفاته الممتازة، رجل بليغ كما هو ثابت من اعماله الزائعة الصيت بسبب كلماتها المختارة ومذاق التعبير، ورقة العواطف وبلاغة ونعمة الرواية.
الكتاب الثانى : الفصل العشرون
(بشأن مكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كرسى اورشليم)
وفى نحو هذا الوقت توفى مرقس الذى خلف سيلفسترس Silvester وشغل الاسقفية لفترة قصيرة وارتقى يوليوس كرسى روما. وخلف مكسيموس مكاريوس فى ايبارشية اورشليم. وقد قيل أن مكاريوس قد سامه اسقفا على كنيسة ديوسبوليس Diospolis. ولكن اعضاء كنيسة اورشليم اصروا على بقائه معهم. ولما كان معترفا ومتميزا فقد أختير مقدما من الشعب للأسقفية عقب وفاة مكاريوس. وقد أدى الخوف من مخالفة الشعب واثارة الشقاق الى انتخاب اسقف آخر لديوسبوليس، وبقى مكسيموس فى أورشليم يمارس المهام الكهنوتية مع مقاريوس. وبعد وفاة الثانى، ترأس تلك الكنيسة. ومع ذلك من المعروف لأولئك الملمين بدقة بهذه الظروف أن مكاريوس اتفق مع الشعب فى رغبتهم بإبقاء مكسيموس، إذ قيل أنه ندم على رسامته وفكر أنه كان من الضرورى الاحتفاظ به ليخلفه لأنه يحتفظ بإيمان صحيح بشأن الله واعترافه الذى كان جليا للشعب. كما أنه خشى أن ينتهز اتباع يوسيبيوس وباتروفيلس الذين تبنوا الاريوسية الفرصة عند وفاته ليفرضوا تعليمهم الخاص فى كرسيه لأنه حتى بينما كان مقاريوس مازال حيا حاولوا إدخال بعض ابتداعاتهم، ولكن إذ انشقوا عنه فقد صمتوا لذلك.
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والعشرون
(اتفاق الميليتيين والأريوسيين فى المفاهيم)
(2/21/1) وفى نفس الوقت كان النزاع الذى ثار فى البداية لدى المصريين لم ينقض. فالهرطقة الأريوسية قد أُدينت من مجمع نيقية، ولكن اتباع مليتيوس Melitius قد قُبِلوا فى شركة التناول فى ظل الشروط السابق ذكرها عاليه.
(2/21/2) وعندما عاد الكسندروس الى مصر سلَّم له مليتيوس الكنائس التى كان قد اغتصبها وعاد إلى ليكوس Lycus. وليس بعد ذلك بوقت طويل، عندما شعر بقرب نهايته رشَّح يوحنا، أحد اصدقائه الحميمين، خليفة له وهو ما يخالف مرسوم مجمع نيقية وبذلك انعش الشقاق فى الكنائس.
(2/21/3) وعندما أدرك الأريوسيون أن الميليتيين يُدخِلون بدعا، ضغطوا هم أيضا على الكنائس لأنه كما يحدث غالبا فى هذه القلاقل استحسن البعض لرأى اريوس بينما عارض آخرون سيادة أولئك الذين رسمهم مليتيوس على الكنائس. وقاوم كل مِن الفريقين بعضهما بعضا، ولكن لعلمهم أن جمهور الشعب يتبع كهنة الكنيسة الجامعة، فقد صاروا غيورين وشكلوا تحالفا معا وأظهروا عداوة مشتركة لإكليروس الاسكندرية. لقد كانت معايير هجومهم ودفاعهم كثيرا ما تتم اتفاقا.
(2/21/4) ومع مرور الوقت دُعى الميليتيون اريوسيين فى مصر، على الرغم من أنهم كانوا يثيرون فقط مسألة الرئاسة، بينما كان الأريوسيون يتبنون رأى أريوس فى مسألة الله. وعلى الرغم من أنهم قد رفضوا، فرادى، مفاهيم بعضهما البعض. إلا أنهم راءوا فى وجهات نظرهم لكى يحصلوا على اتفاق مشترك فى عداوتهم. وفى نفس الوقت توقع كل طرف أن يسود بسهولة فيما يرغب.
(2/21/5) ومنذ هذا الوقت قبل المليتيون بعد مناقشة تلك المواضيع المفاهيم الأريوسية وأخذوا بمفاهيم أريوس بشأن الله. وهذا أحيا الجدل الأساسى بشأن أريوس، وأحجم بعض العلمانيين والاكليروس عن التناول مع الآخرين. واضطرم النزاع بشأن عقائد أريوس مرة أخرى فى المدن الأخرى وخاصة بيثينية وهيلسبونت ومدينة القنسطنطينية. وبإختصار، قيل أن يوسيبيوس اسقف نيقوميدية وثيوجنيس اسقف نيقية قد رشيا مسجل العقود الذى عهد الامبراطور إليه بحفظ مستندات مجمع نيقية، لمحو توقيعهما. وبدءَا يُعلّمان جهارا أن الإبن ليس مساويا للآب فى الجوهر.
(2/21/6) واُتهِم يوسيبيوس أمام الامبراطور بهذه الاضطرابات، فأجاب بوقاحة شديدة وهو يمسك طرف ثوبه، وقال إذا مُزِّق هذا الرداء فى حضورى فإننى لا أقدر أن أثبت أن أجزاءه هى من نفس المادة. وحزن الامبراطور بشدة من هذا الجدل إذ كان يعتقد أن مسائل الطبيعة قد سُويت نهائيا فى مجمع نيقية، ولكن على العكس من رجائه رأى أنه قد لوحتهم ثانية. وأسف بالأكثر أن يوسيبيوس وثيوجنيس قد قَبِلا فى شركة التناول بعض الاسكندريين على الرغم من أن المجمع كان قد أوصى بتوبتهم بسبب آرائهم الهرطوقية. وعلى الرغم من أنه هو نفسه([196]) قد وَّقع عليهم عقوبة النفى من أوطانهم بإعتبارهم مثيرين للقلاقل. وقد أكد البعض أنه لهذه الاسباب عاليه، أنْ نفى الامبراطور فى غضبه يوسيبيوس وثيوجينس. ولكن كما سجلت، قد استقيت معلوماتى من اولئك الذين كانوا ملمين بدقة الأحداث.
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والعشرون
(حيل الاريوسيين والمليتيين ضد أثناسيوس)
(2/22/1) وحلت الافتراءات المتعددة على اثناسيوس والتى سببتها حرية الكلام ليوسبيوس وثيوجنيس وتأثير الامبراطور، وسعيهما الى إعادة آريوس الذى كانت تربطهما به علاقة صداقة، إلى الاسكندرية، وفى نفس الوقت طرد مَن يعترض عليه من الكنيسة. فقد اتهماه([197]) امام الامبراطور بأنه سبب الشقاق والمتاعب التى طوحت بالكنيسة واستبعاد أولئك الذين يرغبون فى الانضمام الى الكنيسة، وزعموا أن الكراهية ستعود ما لم يُستَبعد هو وحده.
(2/22/2) وقد تأيدت الاتهامات ضده بتعضديد من اساقفة واكليروس كثيرين كانوا مع يوحنا([198])، وكانت لهم صلة بالامبراطور، وتظاهروا بالأرثوذكسية، ونعتوا اثناسيوس والاساقفة الذين من حزبه بأنهم سفاكى دماء، وحانثين بالعهود وأنهم يجرحون ويحرقون الكنائس.
(2/22/3) ولكن عندما أظهر اثناسيوس للإمبراطور عدم شرعية سيامة مشايعى يوحنا وابتداعاتهم ضد مراسيم مجمع نيقية وعدم صحة إيمانهم، والاهانات المُوجهة ضد أولئك الذين يتمسكون بالعقائد الصحيحة، كان قنسطنطين فى حيرة فيمن يُصدق، حيث كانت هناك مزاعم متبادلة، واثيرت اتهامات عدة من كل من الطرفين.
(2/22/4) ولمَّا كان مهتما بشدة بإسترداد وحدة الفكر للشعب فقد كتب إلى اثناسيوس أنه لا يجب أن يُطرَّد أحدٌ خارجا. وأنه اذا رفض ذلك أخيرا فإنه سيُرسِل مَن يطرده من الاسكندرية بغض النظر عن العواقب. وإذا أراد أى أحدٍ أن يرى خطاب الامبراطور، فإنه سيجد هنا الجزء الخاص بهذه الرواية:
(2/22/5) "أنت الآن مُلِّم برغبتى وهى أن كل مَن يُريد دخول([199]) الكنيسة، عليك أن تُزيل من أمامه كل عقبة، لأننى إن سمعتُ أن أيًا مِمَن يريد أن ينضم الى الكنيسة قد مُنِع وتعوّق من قِبلك، فإننى سأُرسِل ضابطا فى الحال لطردك بناء على أمرى لينقلك إلى مكان آخر".
(2/22/6) ومع ذلك كتب أثناسيوس إلى الامبراطور ليقنعه أن الأريوسيين لا ينبغى قبولهم فى شركة التناول فى الكنيسة الجامعة.
(2/22/7) وإذ أدرك يوسيبيوس أن خطته لن تفلح بينما اثناسيوس يجاهد ضدها، صمم على اتخاذ أية وسيلة للتخلص منه. وإذ لم يَجِد أية ذريعة لتحقيق قصده هذا، وعد الميليتيين بالتأثير على الامبراطور ومَن فى السلطة إن هم أحضروا له تهمة ضد أثناسيوس.
(2/22/8) وبناء علي ذلك، زعموا أنه فرض على المصريين ضريبة على الجلاليب الكتان، وأن هذه الضريبة قد حُصِّلت من المُتَّهِمِين. وفى الحال، أثبت آبيس ومقاريوس الكاهنان بكنيسة أثناسيوس اللذان تصادف وجودهما بالبلاط آنذاك أنها تهمة باطلة.
(2/22/9) وعندما اُستُدعى أثناسيوس للدفاع عن هذه التهمة، أُتُهم بالأكثر بأنه تآمر ضد الامبراطور إذ قد أرسل صندوقا من الذهب إلى شخص يُدعى فليمون. وإذ استنتج الامبراطور افتراء الشاكين، أعاد أثناسيوس إلى وطنه وكَتَب إلى شعب الأسكندرية أن اسقفهم يمتلك ايمانا سليما عظيما واتضاعا كبيرا لدرجة أنه مسرور جدا أن إلتقى به وتعرَّف عليه كرجل لله. وإذ كان الحسد هو العلة الوحيدة للمدعين عليه، فقد أظهر هو أفضلية عن المشتكين منه.
(2/22/10) وعندما سمع أن الأريوسيين والمليتيين المنشقين يثيرون الشقاقات فى مصر حث الامبراطور فى نفس الرسالة الجمهور أن ينظروا إلى الله وأن يحترزوا لوصاياه، وأن يسلكوا حسنا بعضهم نحو بعض ليقاوموا بكل قوتهم كل المكائد ضد وحدانية الفكر.
هكذا كَتَب الامبراطور إلى الشعب مشجعا لهم على وحدانية الفكر، ومجاهدا لمنع انقسام الكنيسة.
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والعشرون
(الافتراء على أثناسيوس ويد ارسينيوس)
(2/23/1) وإذ فشل المليتيون فى محاولتهم الأولى اتفقوا سرا على اتهام آخر. فمن ناحية اتهموه بكسر كأس مقدسة، ومن ناحية أخرى اتهموه بأنه قتل شخصا يُدعى ارسينيوس وقَطَع ذراعه واحتفظ بها لأغراض سحرية. وقيل أن ارسينيوس هذا كان احد الاكليروس، وإذ كان قد ارتكب بعض الجرائم هرب إلى مكان يختبىء فيه خوفا من القبض عليه ومعاقبته من الاسقف.
(2/23/2) وكرَّس أعداء أثناسيوس أقصى هجوم عليه لهذا الغرض. فبحثوا عن ارسينيوس بأقصى اجتهاد حتى وجدوه وأظهروا له رقة متناهية ووعدوه بضمان الأمن وحُسن المعاملة له وأرسلوه سرا إلى باترينس Patrines، كاهن بدير، وكان أحد المُخلِصين لهم وله نفس مقاصدهم. وبعد أن اخفوه هكذا بكل عناية، نشروا خبرا عنه فى الاسواق العامة، وفى كل مكان أنه قد قُتِل من أثناسيوس. كما رشوا راهبا يُدعى يوحنا ليُعضّد التُهمة.
(2/23/3) وعندما انتشر هذا الخبر الشرير على نطاق واسع ووصل إلى آذان الامبراطور، أدرك أثناسيوس أنه من الصعب الدفاع عن اتهامه هذا أمام قضاة قد سبق لأذهانهم الأخذ بهذه الاشاعة الزائفة فاعتزل فى مكان لدى مشايعيه القريبين له وبذل كل ما فى وسعه لمنع انطماس الحقيقة بهجومهم هذا. ولكن الجمهور لم يستطع أن يقتنع بسبب عدم ظهور ارسينيوس.
(2/23/4) وإذ فكر أثناسيوس فى أن الشك فيه لن يزول ما لم يظهر أن ارسينيوس المزعوم موته مازال حيا، فقد أرسل شماسا موثوقا فيه للغاية للبحث عنه. فذهب الشماس إلى طيبة، وعلِم من تصريح بعض الرهبان أين يقيم. وعندما جاء إلى باترينس Patrines مع مَن كان يُخفيه، وجد أن ارسينيوس ليس هناك لأنه عندما عُرِف وصول الشماس، نُقِل إلى مصر السفلى. فقبض الشماس على باترينس وأرسله إلى الأسكندرية، وأيضا على الياس أحد مساعديه الذى قيل أنه كان الشخص الذى نقل ارسينيوس إلى مكان آخر، وأسلمهما معا إلى قائد القوات المصرية.
(2/23/5) واعترفا بأن ارسينيوس ما زال حيا وأنه كان مخفيا فى منزلهما، وأنه يعيش الآن فى مصر. واهتم أثناسيوس بأن تُنقَل هذه الأخبار إلى قنسطنطين.
(2/23/6) فكتب الإمبراطور إليه ثانية يطلب منه أن يهتم بواجباته الكهنوتية وحفظ الديانة بين الشعب وألاَّ ينزعج من دسائس المليتيين. فمن الثابت أن الحسد وحده هو علة المكائد التى يجرونها ضده واضطرابات الكنائس. وأضاف الامبراطور أنه لن يسمح فى المستقبل بمثل هذه الأخبار وأنه ما لم يحفظ المفترون السلام، فإنه سيُخضِعهم لأقسى قوانين الدولة، وأن تأخذ العدالة مجراها. إذ أنهم لم يفتروا فقط ضد برىء بل انتهكوا أيضا قداسة وتقوى الكنيسة. هكذا كان فحوى رسالة الامبراطور إلى أثناسيوس([200]). وأمر، علاوة على ذلك، بقرائتها جهارا أمام العامة لكى ما يُلِّم الجميع بمقاصده.([201])
(2/23/7) وإذ علِم المليتيون بهذه الأمور هدأوا لبعض الوقت لأنهم أخذوا تهديد الحاكم بقلق. وتمتعت الكنائس بسلام عميق فى سائر أرجاء مصر، وأُدِيرت برئاسة هذا الكاهن العظيم، وتزايدت من يوم إلى يوم فى العدد بإهتداء جماهير الوثنيين والهراطقة الآخرين.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والعشرون
(قبول بعض الأمم الهندية للمسيحية)
(2/24/1) وقد سمعنا أنه فى ذلك الوقت اعتنقت بعض الأمم القاصية، والتى تُدعَى الهندية([202]) ممن لم يكن معروفا لديهم كرازة برثلماوس Bartholomew، عقيدتنا بواسطة فرومنتيوس Frumentius الذى صار قسا ومُعلِّما للعلوم المقدسة لهم.
(2/24/2) ولكن لكى ما تعرف حتى من باب الإعجاب أن عقيدة المسيحيين ينبغى أن تُقبَل كنظام ليس من انسان كما تبدو، بل أنها نسيج من المعجزات لدى البعض، فإنه من الضرورى أن نروى سبب سيامة فرومنتيوس Frumentius. لقد كانت كما يلى:
(2/24/3) كان كثيرون من الفلاسفة المشهورين بين اليونان يرتادون المدن والأقاليم المجهولة. فأفلاطون، صديق سقراط([203])، قد أقام لبعض الوقت فى مصر ليُلِّم بنفسه بعاداتهم وسلوكياتهم. وأبحر أيضا إلى صقلية Sicily لمشاهدة منظر فوهة البركان، حيث يندلع تلقائيا مجرى من النار، كما من ينبوع، ويندفع غالبا كنهر ملتهما المناطق المجاورة لدرجة أن حقولا كثيرة تبدو محروقة، ولا يمكن حرثها أو زراعتها بأشجار تماما مثلما يروُون عن سدوم. وبالمثل، اهتم امبيدوكليس Empedocles، وهو رجل مشهور جدا لدى اليونان لفلسفته والذى كان يُعبّر عن معرفته بأبيات بطولية، بفحص هذا الانفجار النارى من فوهة البركان. لذا قفز فى هذه النار وهلك، إما لأنه [رأى] أن موتا مثل هذا سيكون، حسبما ظن، أفضل؛ وإما بأكثر وضوح لأنه رغب فى إنهاء حياته بهذا النحو. وارتاد ديموقريتس Democritus الذى من سوس Coös مدنَا كثيرة وأمما، وقال عن نفسه أنه قضى ثمانين سنة من عمره فى الأسفار خلال البلاد الأجنبية. والى جانب هؤلاء الفلاسفة، كرَّس الآلاف من حكماء اليونان انفسهم، قديما وحديثا، للسفر.
(2/24/4) ومحاكاة لهم سافر ميروبيوس Meropius، فيلسوف من صُور([204]) بفينيقية، إلى الهند. ويقولون أنه اصطحب معه شابان يُدعَوَان فرومنتيوس واديسيوس Edesiusوكانا من أقربائه، ويعلَّمهما البلاغة والعلوم بطلاقة.
(2/24/5) وعندما ارتاد الهند([205]) حسبما أمكن شرع فى العودة إلى الوطن، وركب مركبا كانت متجهة إلى مصر([206]). وحدث أن المركب بسبب الحاجة إلى ماء، أو بسبب ضرورة ما أخرى، أن اضطرت إلى التوقف عند ميناء([207]) ما، فإندفع الهنود([208]) إليها وقتلوا كل مَن فيها ومن ضمنهم ميروبيوس.
(2/24/6) ولكنهم ابقوا على الشابين إذ اشفقوا على شبابهما. وكسروا تحالفهم مع الرومان وسلَّموا الشابين للملك([209]). فعين الأصغر ساقيا له، أما الأكبر وهو فرومنتيوس فقد أقامه على البيت وجعله مديرا لخزانته لأنه أدرك أنه ذكى وقادرٌ على ادارة الأعمال.
(2/24/7) وخدم هذان الشابان المَلك بأمانة واهتمام لسنوات طويلة، وعندما شعر بقرب نهايته وكانت زوجته وابنه احياء، كافأ حُسن خدمتهما بعتقهما وسمح لهما بالذهاب إلى أى مكان يرغبان فيه.
(2/24/8) وكانا مهتمان بالعودة إلى صُور حيث كان اقرباؤهما يقيمون، ولكن إذ كان إبن الملك صغيرا، لذا رجتهما أمه فى أن يبقيا بعض الوقت للقيام بالشؤن العامة إلى أن يبلغ ابنها سن الرجولة. فقبلا رجاءها وباشرا شؤن المملكة وحُكم الهند.
(2/24/9) واستعلم فرومنتيوس بإلهام إلهى، وبالطبع لأن الله حركه تلقائيا، عما إذا كان هناك مسيحيون فى الهند أو رومانيون بين التجار الذين ابحروا إلى هناك([210]). وعندما نجح فى العثور على موضوع طلبه، جمعهم فى حضرته وعاملهم بحب ومودة، ودعاهم للصلاة وكان الاجتماع يتم حسب العادة الرومانية. ثم شيَّد لهم بيت صلاة وشجعهم على تكريم الله بإستمرار.
(2/24/10) وعندما بلغ ابن الملك سن الرجولة التمس فرومنتيوس واديسيوس منه ومن الملكة الإذن بالعودة. واستطاعا اقناعهما، ليس بدون صعوبة.
(2/24/11) وعندما افترقا كأصدقاء عادا كرعايا رومان. فذهب اديسيوس إلى أقربائه بصُور، وسرعان ما نال بعد تقدمه رتبة الكهنوت.
(2/24/12) وأما فرومنتيوس فقد توجه، بدلا من العودة إلى فينيقية، إلى الأسكندرية حيث كانت الغيرة الدينية والتقوى الحارة تتأججان فيه، فتشاور مع أثناسيوس رأس كنيسة الأسكندرية، واصفا له حالة شؤون الهند([211]) وضرورة تعيين اسقف للمسيحيين المقيمين فى ذلك البلد، فجمع أثناسيوس الكهنة الوطنيون وتشاور([212]) معهم فى الأمر. ورسم فرومنتيوس اسقفا على الهند اذ كان مؤهلا على نحو متميز ومناسب لمهمة كهذه لخدمة مَن كانوا أول مَن يُعلِن لهم اسم المسيح وأن يكون شريكا فى حصاد العقيدة التى بذر بذورها.
(2/24/13) ولذلك عاد فرومنتيوس إلى الهند ثانية وقيل أنه قد قام بالمهام الكهنوتية على نحو مثير لدرجة أنه صار موضع اعجاب على نحو عام وكُرِّم ليس أقل من رسول. وكرَّمه الله بشدة ومَكَّنه من انجاز شفاء عجيب واجراء آيات وعجائب. وهكذا كان أصل الكهنوت الهندى([213]).
الكتاب الثانى: الفصل الخامس والعشرون
(مجمع صُور والخلع غير الشرعى لأثناسيوس)
(2/25/1) إن مكائد اعداء أثناسيوس قد اوقعته فى متاعب جديدة وأثارت كراهية الامبراطور ضده، وضمت مفترين عديدين.
(2/25/2) وإذ تعب الامبراطور من إلحاحهم، دعا إلى مجمع فى قيصرية فلسطين، ودعا أثناسيوس للحضور إلى هناك. ولكنه رفض الحضور خشية منه من حِيل يوسيبيوس اسقف تلك المدينة، ويوسيبيوس اسقف نيقوميديا وحزبهما. وأصر رغم الضغط عليه لمدة ثلاثين شهرا على رفضه. ومع ذلك أُجبِر فى نهاية هذه الفترة على الذهاب إلى صُور حيث كان عدد كبير من اساقفة الشرق مجتمعين والذين أمروه بالدفاع ضد التهم الموجهة إليه.
(2/25/3) وكان من حزب يوحنا([214]) كالينيكوس Callinicusالاسقف وشخص ما يُدعى اسخورياس Ischurias قد اتهمه بكسر كأس السرائر وقلب الكرسى الاسقفى، وأنه السبب فى وضعه([215]) فى القيود على الرغم من أنه كان كاهنا وذلك بتهمة زائفة لدى هيجنوس Hyginus حاكم مصر، بأنه ألقى حجارة على تمثال الامبراطور مما تسبب فى إلقائه فى السجن. وعن خلع كالينكوس اسقف الكنيسة الجامعة فى بليزيوم وادعائه أنه سيستبعده من الشركة ما لم يلغ شكوكه بشأن الكأس المكسورة، وعن اسناد كنيسة بليزيوم إلى مرقس وهو كاهن مخلوع ووضع كالينكوس تحت الحراسة العسكرية وتعريضه للتعذيب. وكان من حزب يوحنا اوبلس وباخوميوس واسحق واخيلاس وهرمان الاساقفة. وهؤلاء اتهموه بالضرب وجميعهم اتفقوا على أنه قد حصل على كرامة الاسقفية برشوة أفراد معينين، بينما المنصوص عليه أنه لا يحصل أحد على السيامة، ما لم يستطع أن يثبت براءته من أية تهمة أو جريمة. وأكثر من ذلك، زعموا أنهم وقد انخدعوا فيه، لذلك انفصلوا عن التناول معه ومن ثمة عاملهم بوحشية، وألقاهم فى السجن.
(2/25/4) وأُثيرت مرة أخرى مسألة ارسينيوس. ومثلما يحدث بصفة عامة فى مثل هذه الأحوال اشترك فى المكائد كثيرون ممن كانوا يُعتبَرون أصدقاء له وتحولوا إلى مدعين ضده. وقُرِأ عندئذ مستند يحتوى على شكوى من جمهور الاسكندرية يعلنون فيه أنهم سيمتنعون عن حضور الكنيسة بسببه.
(2/25/5) وإذ أُجبِر أثناسيوس على تبرئة نفسه، حضر أمام كرسى القضاء عدة مرات ودحض بنجاح بعض المزاعم، وطلب تأجيل البعض الآخر لاستكمال الفحص([216])، ولكنه كان متحيرا للغاية عندما فكر فى الاسلوب الذى تأثر به قضاته وبعدد الشهود المنتمين إلى حزب اريوس ومليتيوس، الذين ظهروا ضده وتغاضيهم ازاء المدعين عليه، رغم أنه دحض مزاعمهم ([217])، وخاصة بالنسبة لفرية ارسينيوس الذى زعموا أنه قد قَطع ذراعه لاستخدامها فى اعمال سحرية. وأيضا بالنسبة للفرية الخاصة بالمرأة التى قيل أنه قد دنس طهارتها مقابل هبات معينة، وافسدها ليلا على الرغم من عدم ارادتها. فكلتا الفريتين، قد دحضتا، وثبت سخافتهما وبطلانها التام.
(2/25/6) فعندما أُحضِرت هذه الانثى أمام الاساقفة اقترب تيموثاوس أحد كهنة الأسكندرية من فريق أثناسيوس، منها طبقا لخطة فكَّر فيها سرا، وقال لها: يا إمرأة هل حقا اغتصبتك عنوة ؟. فأجابته، أجل، ألم تفعل ذلك؟. ثم ذكرت المكان والظروف التى أُجبِرت فيها على ذلك. وبالمثل قاد ارسينيوس إلى وسطهم وأراهم يديه الاثنتين وقال للقضاة أن يستعلموا مِن المدعين عن الذراع التى عرضوها لمن تكون. فقد حدث أن ارسينيوس إما أنه قد تحرك بدافع إلهى أو كما قيل قد أخفاه حزب أثناسيوس عندما ظهر الخطر على هذا الاسقف وتم تهريبه ليلا ووصل إلى صُور قبل المحاكمة بيوم واحد.
(2/25/7) وبإختصار، سقطت هذه الدعاوى ولم تعد هناك ضرورة لدفاع، ولم تذكر الاولى فى المداولة. واننى أظن بأكثر احتمال أن كل الأمور كانت تعتبر سخيفة للإدراج. وبالنسبة للثانية جاهد المفترون فى تبرئة أنفسهم بالقول أن أسقفا تحت اشراف أثناسيوس يدعى بلسيان Plusian قد أحرق منزل ارسينيوس بناء على أمر رئيسه وربطه بعمود وشوهه بالسياط ثم قيَّده فى زنزانة. وقرروا علاوة على ذلك أن ارسينيوس قد هرب من الزنزانة من خلال نافذة، وبينما هو يفكر فى البقاء قليلا فى مخبأه حتى لا يظهر افترضوا أنه قد مات كمعترف، ولذا وصل خبره هكذا إلى اساقفة حزب يوحنا. ومن ثمة سعوا بالنيابة عنه إلى رفع الدعوى لدى الماجستريت.
(2/25/8) وعندما تمعن اثناسيوس فى هذه الأمور، أدرك تماما أن أعداءه يخططون لإهلاكه سرا. وبعد عدة جلسات، عندما غُصّ المجلس بالفوضى والهرج وكان المشتكون وجمهور من الاشخاص يصرخون بصوت عال أن أثناسيوس يلزم خلعه كساحر وسافل ولأنه غير مستحق بتاتا للكهنوت، فإن الضباط الذين كان الامبراطور قد عينهم لحفظ النظام أجبروا المُدعَّى عليه على مغادرة قاعة المحكمة سرا لأنهم قد خشيوا أن يقتلوه مثلما يحدث ذلك عادة فى أوقات اندلاع الفوضى. وإذ وجد أنه لا يستطيع البقاء فى صُور بدون هلاك حياته وأنه ليس هناك مجال للحصول على العدالة مقابل المشتكين الغفيرين ضده من قضاة هم أنفسهم متحاملين عليه، هرب إلى القنسطنطينية.
(2/25/9) وأدانه المجمع غيابيا وخلعه من الاسقفية وحظر اقامته فى الأسكندرية لئلا، كما قالوا، يكون مثيرا للقلاقل والانشقاقات. وتم رد يوحنا وأنصاره إلى الشركة بإعتبارهم عانوا من الخطأ بلا عدل، وعاد كل منهم إلى رتبته الإكليريكية.
(2/25/10) ورفع الاساقفة بيانا بإجراءاتهم إلى الامبراطور، وكتبوا إلى اساقفة سائر الأماكن مخبرين اياهم بعدم قبول أثناسيوس فى شركتهم وعدم الكتابة إليه أو تلقى رسائل منه بإعتباره شخص ارتكب الجرائم التى ناقشوها. أما بخصوص هروبه فهذا يدل على أنه مذنبٌ بالدعاوى التى لم يبحثوها. كذلك أعلنوا فى هذا المرسوم أنهم قد اضطروا إلى توقيع هذا الحُكم عليه لأنه عندما أمر الامبراطور فى السنة الماضية بعقد مجمع فى قيصرية لم يذعن لأمر الامبراطور وترك اساقفة الشرق ينتظرونه وضرب بتعليمات الحاكم عرض الحائط. وزعموا أيضا أنه عندما انعقد مجمع صُور، توجه إلى المدينة بحشد كبير بقصد اثارة القلاقل والفوضى فى المجمع، وأنه رفض أحيانا الرد على التهم المثارة ضده وأحيانا أهان الأساقفة كلٌ على حدة، عندما اجتمع بهم. ولم يكن مطيعا فى أحيان أخرى، واعتبر آخرين غير جديرين بالحُكم. كما أعلنوا فى نفس الرسالة بأنه مذنب بكسر كأس سرائرية، وأن هذه الواقعة شهد عليها ثيوجينس اسقف نيقية، وماريس اسقف خلقيدونية، وثيودور اسقف هيراكليا، وفالنتينوس واورساكيوس، ومقدونيوس الذى أُرسِل إلى قرية فى مصر حيث قيل أن الكأس قد كُسِر فيها للتأكد من الحقيقة.
(2/25/11) وهكذا فصَّل الأساقفة كل من المزاعم ضد أثناسيوس على التوالى بنفس الأسلوب الذى يفعله السوفسطائيون عندما يرغبون فى تعليل افتراءاتهم.([218])
(2/25/12) ومع ذلك أدرك كثيرون من الكهنة الذين كانوا حاضرين المجمع عدم عدالة الاتهامات. فقد رُوِى أن آبا بافنوتيوس المعترف والذى كان حاضرا فى هذا المجمع نهض وأمسك يد مكسيموس اسقف اورشليم ليخرجه، كما لو كان المعترفون الذين نُزِعت أعينهم بسبب ايمانهم، ينبغى ألا يشاركوا فى مجمع الأشرار.
الكتاب الثانى: الفصل السادس والعشرون
(تشييد هيكل قنسطنطين الكبير فى الجلجثة وتكريسه)
(2/26/1) وقد كمل بناء الهيكل المدعو "المارتيريوم" الكبير الذى شُيَّد فى موقع الجمجمة بأورشليم فى حوالى السنة الثالثة عشر([219]) من حكم قنسطنطين، فجاء ماريانوس الموظف الرسمى الذى كان كاتب الامبراطور إلى صُور وسلَّم رسالة من الامبراطور إلى المجمع يأمرهم فيها بالتوجه بسرعة إلى اورشليم ليكرسوا الهيكل.
(2/26/2) وعلى الرغم من أن ذلك كان مُحدَّدا سلفا إلا أن الامبراطور رأى أنه من الضرورى أن يتطهر الأساقفة المجتمعون فى صُور من الشقاق والحزن قبل أن يتوجهوا إلى اورشليم لتكريس الهيكل بعد تسوية الأمور بينهم. لانه من اللائق للكهنة أن يكونوا بوحدانية الفكر فى احتفال كهذا، ولذلك عندما وصل الاساقفة إلى اورشليم كُرِّس الهيكل.
وأرسل الامبراطور هبات وزخارف عديدة ما زالت محفوظة فى المبنى المقدس. وكانت قيمتها وعظمتها إلى الحد الذى تثير دهشة كل مَن يراها. ومنذ ذلك الوقت يتم الاحتفال سنويا بتذكار يوم التكريس بإبتهاج عظيم من قِبل كنيسة اورشليم ويستمر الاحتفال ثمانية أيام ويستهل بالعماد، ويتجمع الشعب من سائر الأماكن تحت الشمس، خلال هذا الاحتفال ويزورون الأماكن المقدسة.
الكتاب الثانى: الفصل السابع والعشرون
(الكاهن الذى أغوى قنسطنطين بإعادة أريوس ويوزيوس)
(2/27/1) وانتهز الاساقفة الذين تبنوا مفاهيم أريوس هذه الفرصة لإعادته هو ويوزيوس([220]) Euzoïus إلى شركة التناول، وذلك بالسعى الحثيث إلى عقد مجمع فى مدينة اورشليم. ونفذوا رغبتهم على النحو التالى:
(2/27/2) كان هناك كاهن ما معجَبا بدرجة كبيرة بالمفاهيم الأريوسية وعلى صلة وثيقة بأخت الامبراطور. وفى البداية أخفى مشاعره، ولكن مع تكرار زيارته صار أكثر ألفة مع قنسطنطيا، فهذا هو اسم أخت الامبراطور قنسطنطين، فتشجع وصرَّح لها بأن اريوس قد نُفِىَّ من بلده ظلما، وطُرِح من الكنيسة بسبب غيرة وعداوة شخصية من الكسندروس اسقف كنيسة الاسكندرية. وقال أن هذه الغيرة كانت بسبب التكريم الذى أظهره الشعب له.
(2/27/3) وصدَّقت قنسطنطيا هذا العرض واعتبرته حقيقيا، ولكنها لم تتخذ أية خطوات فى حياتها لنقض مرسوم نيقية. وإذ تعرضت لمرض هددها بنهاية حياتها، توسلت لأخيها الذى جاء لزيارتها أن يهبها هذا المطلب كآخر معروف يسديه لها وهو أن يقبل هذا الكاهن المذكر عاليه الوثيق الصلة ويرتكن اليه كرجل ملِّم بالعقائد الصحيحة عن الألوهية. واضافت: من جانبى أنا على وشك الموت ولم أعد أهتم بهذه الحياة بيد أن الشعور الوحيد الذى اشعر به الان يثور من خوفى ان تتعرض لغضب الله وتعانى من أية ضرر أو تفقد امبراطوريتك لأنك حكمت على اشخاص بريئين وصالحين بعقوبة دائمة خطأً.
(2/27/4) ومنذ ذلك الوقت استقبل الامبراطور الكاهن، وبعد أن سمح له بالكلام معه بحرية فى ذات الموضوعات التى أوصته أخته عليها، رأى من المناسب عرض موضوع اريوس للبحث من جديد. ومن الممكن أن يكون الامبراطور قد تأثر فى اتخاذه لهذا القرار إما بالاعتقاد فى معقولية الهجوم، وإما مرضاة لرغبة أخته.
(2/27/5) ولم يمض وقت طويل حتى استدعى أريوس من منفاه وطلب منه أن يعرض كتابة ايمانه بشأن الألوهية. فتجنب اريوس استخدام مصطلحات جديدة كان قد ابتدعها سابقا، وعرض تفسيرا آخر بمصطلحات بسيطة معترف بها من الاسفار المقدسة، وأعلن بقسَم أنه يتمسك بالمعتقدات التى يسجلها فى هذه العريضة وأنه يتمسك بكل هذه العبارات ex animo وليس لديه أى فكر آخر سوى هذه. وكانت كما يلى:
من أريوس ويوزيوس الكاهنيَن إلى امبراطورنا الأتقى والمحبوب جدا لدى الله، قنسطنطين. بناء على أمركم ياسيادة الامبراطور حبيب الله، والتقى، نقدِّم هنا كتابة اقرار ايماننا ونحن نُظهِر أمام الله أننا وكل الموقعين معنا أننا نؤمن بما هو مسجل هنا. نحن نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل. وبإبنه الرب يسوع المسيح المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة، به كان كل شىء مما فى السماء أو على الأرض. أتى وتجسد وتألم وقام ثانية، وصعد إلى السموات، ومن هناك سيأتى ثانية ليدين الأحياء والأموات. ونؤمن بالروح القدس. وبقيامة الأجساد والحياة الآتية، وبملكوت السموات. وبكنيسة الله الواحدة الجامعة المؤسسة على الأرض.
وقد تلقينا هذا الايمان من الأناجيل المقدسة التى قال الرب فيها لتلاميذه "اذهبوا وعلّموا جميع الأمم. وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس"([221]). فإذا لم نؤمن بهذا ولم نتلق العقائد الخاصة بالآب والإبن والروح القدس كما تعلمناها من الكنيسة الجامعة والأسفار المقدسة كما نؤمن فى كل نقطة، فليكن الله ديان لنا الآن وفى اليوم الذى سيأتى فيه.
لذلك نناشد تقواكم ايها الامبراطور المحبوب بالأكثر من الله بما أننا معدودين ضمن اعضاء الاكليروس ولنا ايمان وفكر الكنيسة والاسفار المقدسة أن نصطلح جهارا مع أمنا الكنيسة بواسطة تقواكم السلامية حتى ما تكف المسائل والمنازعات عديمة الجدوى ونعيش نحن والكنيسة معا فى سلام، ونشترك كلنا فى الصلوات المعتادة لامبراطوريتكم التقية السلامية ولكل عائلتك.
(2/27/6) ولقد اعتبر كثيرون هذا الإعلان للإيمان تأليف محنك، إذ يحمل مظهر اختلاف التعبير([222])، بينما هو فى الحقيقة يدعم مذهب اريوس. فالمصطلحات التى صيغت بها هذه الرسالة غامضة وتحتمل تفسيرات متباينة.
(2/27/7) وظن الامبراطور أن اريوس ويوزيوس لهما نفس ايمان اساقفة نيقية وابتهج بهذا الأمر. ومع ذلك، لم يحاول ارجاعهما إلى شركة التناول بدون موافقة ورضاء أولئك الذين حسب قانون الكنيسة هم معلموا هذه الأمور.
(2/27/8) لذلك أرسلهما إلى الاساقفة الذين كانوا مجتمعين عندئذ فى اورشليم وكتب إليهم يرغِّبهم فى فحص اعلان الايمان هذا الذى قدَّمه اريوس ويوزيوس. وهكذا حثَّ المجمع على تبين ما إذا كانت عقيدتهما ارثوذكسية أم لا، وهل غيرة أعدائهما هى السبب الوحيد لإدانتهما أم لا، أم أن الذين لاموهما قد أدانوهما بلا سبب، أم أنهما قد غيَّرا رأيهما وهل القرار البشرى يدعمهما فى أىٍ من الحالات.
(2/27/9) وانتهز أولئك الذين كانوا منشغلين بهذا المطلب منذ زمن طويل هذه الفرصة تحت ستار رسالة الامبراطور هذه، وقبلوه فى شركتهم. وكتبوا فى الحال إلى الامبراطور نفسه وإلى كنيسة الأسكندرية، وإلى أساقفة وكهنة مصر وطيبة([223])وليبيا يحضونهم على قبول اريوس ويوزيوس فى شركة التناول حيث أن الامبراطور يشهد بصحة ايمانهما([224]) فى رسالة من رسائله، وتأيد حكم الامبراطور بصوت المجمع.
تلك كانت الموضوعات التى ناقشوها بحماس فى مجمع أورشليم([225]).
الكتاب الثانى: الفصل الثامن والعشرون
(خطاب الامبراطور إلى مجمع صُور، ونفى أثناسيوس بواسطة دسائس الحزب الأريوسى)
(2/28/1) وتوجه أثناسيوس عقب فراره من صُور، إلى القنسطنطينية. وعندما جاء إلى الامبراطور قنسطنطين، شكا له ما قد قاساه فى حضرة الاساقفة الذين أدانوه ورجاه أن يُخضع مرسوم صُور للفحص أمام الامبراطور.
(2/28/2) فرأى أن هذا المطلب معقول، فكتب إلى الاساقفة المجتمعين فى صُور ما يلى:
"اننى لا أعرف سبب الفوضى والاضطراب فى مجمعكم، ولكنه يبدو من عدم النظام المزعج أن القوانين التى سُنَّت لم تكن متسقة مع الحقيقة، وأن هياجكم الدائم بين بعضكم بعضا من الثابت أنه قد منعكم من التفكير فيما يسر الله. ولكنه سيكون من العناية الالهية أن تنبذوا الشر الناجم عن هذه المنازعات وأن تُعلنوا لنا بوضوح ما إذا كنتم لم تنقادوا فى احكامكم بدوافع حسد أو صداقة شخصية، لذلك آمركم بأن تحضروا جميعا إلىَّ بدون تأخير حتى يمكننا تلقى بيانا دقيقا بمعاملاتكم.
وسأشرح لكم سبب كتابتى هذه بهذا الاسلوب، وستعرفون مما يلى لماذا جمعتكم أمامى بواسطة هذا المستند. بينما كنتُ عائدا إلى المدينة التى تحمل اسمى، والتى اعتبرها بلدى الخاص، صادفنى وأنا امتطى ظهر حصانى اثناسيوس الاسقف مع لفيف من الأفراد فى عرض الطريق على نحو غير متوقع لدرجة اننى اندهشتُ للغاية عندما شاهدته. إن الله الذى يرى كل شىء شاهدٌ على أننى لم أعرف فى البداية مَن يكون، ولكنَّ بعضا من مرافقىّ أكدوا لى هذه النقطة واعطونى معلومات ضرورية عن الظلم الذى عانى منه. ومع ذلك لم امنحه فرصة المقابلة. غير أنه ثابر على طلب جلسة استماع على الرغم من رفضى لطلبه وكنتُ على وشك اصدار الأمر بطرده من حضرتى.
إلا أنه قال لى بشجاعة أنه لا يسأل معروفا آخر سوى أن استدعيكم إلى هنا لكى ما يشكو فى حضرتكم من الظلم الذى قاساه. وهو مطلب رأيتُه، معقولا وآنيا. لذا وجدتُ أنه من المناسب أن اكتب اليكم على هذا النحو وأن أأمر كل المجتمعين فى مجمع صُور بالإسراع إلى بلاطنا، حتى تعرضون بأعمالكم صفاء وصلابة قراراتكم أمامى أنا الذى تعترفون بأنى خادم حقيقى لله. فبغيرتى فى خدمته تثبَّت السلام فى كل مكان فى العالم وتم التسبيح بإسم الله بين البرابرة الذين كانوا إلى هذه الساعة يجهلون الحق، ومن الثابت أن كل مَن يجهل الحق لا يعرف الله ناهيكم عن أن البرابرة كما هو مسجل عاليه من خلال خدمتى قد تعلَّموا كيف يعرفون الحق وعبادة الله إذ ادركوا أن حمايته حالة علىَّ فى كل مكان وفى كل زمان وهم يبجلون الله بأكثر عمق خوفا من سطوتى. ولكننا نحن الذين يتعين علينا أن نُعلن سرائر الاحتمال (ولن أقول المحافظة عليها) ينبغى ألا نفعل أى شىء يؤدى إلى الكراهية أو الشقاق أو لنقل صراحة، إلى هلاك الجنس البشرى.
فتعالوا اذن إلى حضرتى كما قد قلتُ لكم، وتأكدوا أننى سأفعل كل شىء فى سلطتى للحفاظ على كل ما يخص شريعة الله المعصومة على نحو لا يمكن أن يسمح بأى خطأ أو عدم ارثوذكسية بينما يتخفى أولئك الأعداء للشريعة فى الاسم المقدس ويسعون إلى ادراج تجاديف متنوعة ومختلفة قد تم رذلها جهارا وسحقها تماما وتجاوزها بالتمام".
(2/28/3) وقد أثارت هذه الرسالة خوفا لدى بعض الاساقفة لدرجة أنهم رحلوا قافلين إلى أوطانهم. ولكن يوسيبيوس اسقف نيقوميديا وحزبه ذهبوا إلى الامبراطور، وأعلموه أن القوانين التى سنها مجمع صُور ضد أثناسيوس مبنية على العدالة. واصطحبوا معهم كشهود ثيوجينس وماريس وفالنس واورساكيوس الذين اقروا أنه كسر كأسا سرائريا. وبعد تلاوة افتراءات أخرى كثيرة تغلبوا بإتهاماتهم.
(2/28/4) فما كان من الامبراطور، إما اقتناعا منه بصحة ادعائاتهم([226])، وإما تخيلا منه أنه بإستبعاد أثناسيوس سيُعيد السلام بين الاساقفة([227])، أن نفاه إلى تريف فى غرب الغال([228])، ولذا أُرسِل إلى هناك.([229])
الكتاب الثانى: الفصل التاسع والعشرون
(الكسندروس اسقف القنسطنطينية، يرفض قبول اريوس فى الشركة)
(2/29/1) وبعد مجمع أورشليم، توجه اريوس إلى مصر، وإذ لم يستطع أن يحصل على تصريح بالاشتراك فى التناول مع كنيسة الاسكندرية، عاد إلى القنسطنطينية حيث كان يجتمع فى هذه المدينة بمكر مع كل الذين تبنوا مفاهيمه وأولئك المناصرين ليوسيبيوس اسقف نيقوميديا بغرض عقد مجمع.
(2/29/2) ولذا بذل الكسندروس الذى كان يرأس كرسى القنسطنطينية كل جهده لفض هذا الاجتماع. وإذ ضاعت كل جهوده هباء رفض علانية كل عهود مع اريوس مؤكدا أنه ليس من العدل ولا من قوانين الكنيسة ابطال تصويت أولئك الاساقفة الذين اجتمعوا من كل مكان تحت الشمس تقريبا فى نيقية.
(2/29/3) وعندما ادرك حزب يوسيبيوس أن حُججهم لم تؤثر على الكسندروس لجأوا إلى التهديد بعزله من الكنيسة وتعيين آخر محله يكون مستعدا للشركة مع آريوس، وحددوا يوما معينا لذلك. وانتظر حزب يوسيبيوس ذلك اليوم الذى حددوه لتنفيذ خبثهم. وصلى الكسندروس من أجل منع تحقق كلام يوسيبيوس عمليا. وقد نجم خوفه بصفة رئيسية من حقيقة أن الامبراطور كان مستسلما [لهم].
(2/29/4) وفى اليوم السابق لليوم الذى حددوه طرح نفسه أمام المذبح واستمر طوال الليل فى الصلاة إلى الله لكى يمنع أعداءه من تنفيذ خطتهم ضده. وأخيرا، أصاب اريوس فى وقت العصر فجأة ألما فى معدته اضطره إلى الذهاب إلى مرحاض عام لقضاء الطبيعة. ومر وقت طويل ولم يخرج. فدخل بعض الرجال الذين كانوا ينتظرونه فى الخارج، فوجدوه ميتا وهو ما زال جالسا على المقعد.
(2/29/5) وعندما صار هذا الموت معلوما، لم ينظر كل الناس إلى هذه الواقعة من ذات الجانب. فقد اعتقد البعض أنه مات فى نفس الساعة التى ألمَّ به مرض القلب فجأة، بينما رأى آخرون أنه كان يعانى من سِقم بسبب فرحته بحقيقة أن الأمر يجرى حسب ما فى ذهنه. بينما تصُور فريق ثالث أن هذا الموت على هذا النحو هو كأس القضاء عليه بسبب بدعته. أما الذين تبنوا مفاهيمه فيرون أن موته كان بفنون سحرية.
(2/29/6) ولن يكون خارجا عن الموضوع أن نقتبس هنا ما قد سجله اثناسيوس اسقف الأسكندرية عن هذا الموضوع. فها هى روايته:
الكتاب الثانى: الفصل الثلاثون
(رواية اثناسيوس الكبير عن موت اريوس)
(2/30/1) "واذ قد اجتمع اريوس صاحب الهرطقة وشريكه يوسيبيوس أمام الطوباوى قنسطنطين اوجستوس([230]) بُناء على التماس حزب يوسيبيوس راغبين فى تقديم توضيح مكتوب بإيمانهما، فقد حررَّا ([231]) هذا المستند بحيلة كبيرة، وكمثل الشيطان اخفيا مزاعمهما الكافرة فى عبارات الكتاب المقدس البسيطة. وقال له الطوباوى قنسطنطين "اذا لم يكن هناك أمر ما آخر فى ذهنك غير ذلك، فاشهد للحق لأنك اذا حلفت زورا فإن الله سيعاقبك". فأقسم الرجل البائس بأنه لا يتمسك ولا يؤمن بمفاهيم خلاف ما هو مسجل الآن فى هذه الوثيقة حتى لو كان قد أكد عكس ذلك. وبمجرد أن خرج من لدنه، افتقدته الدينونة إذ انفجر فى الوسط. فالموت بالنسبة لجميع الناس بصفة عامة هو نهاية الحياة، ولا يجب أن نلوم إنسانا حتى لو كان عدوا لأنه مات، لأنه ليس من المؤكد لنا ما إذا كنا سنعيش حتى المساء أم لا، بيد أن موت اريوس كان فريدا على نحو يسترعى الملاحظة. فقد هدَّد حزب يوسيبيوس بإعادة أريوس إلى الكنيسة، وعارض الكسندروس أسقف القنسطنطينية عزمهم. لقد وضع أريوس ثقته فى قوة وخبث يوسيبيوس، لأنه كان يوم سبت، وكان يتوقع أنه فى اليوم التالى سيُعاد قبوله. واشتد الجدل، وكان حزب يوسيبيوس هم الأعلى صوتا فى مكرهم، بينما لجأ الكسندروس إلى الصلاة. فكان أن أظهر الله الديان نفسه ضد الأثيم. فقبل غروب الشمس بوقت قليل، أجبرت ضرورة الطبيعة اريوس على اللجوء إلى مكان مخصص لهذا الطارىء وهناك فقد كلٌ من عودته إلى شركة التناول وحياته. واندهش قنسطنطين المبارك عندما سمع بهذه الواقعة واعتبرها برهانا على الحنث بالقسم. وصار من الثابت لكل أحدٍ أن مكر يوسيبيوس كان عقيما تماما، وأن توقعات اريوس كانت هباءً. وصار من الواضح أيضا أن جنون اريوس لا يمكن أن يكون فى معية المخلِّص لا هنا ولا فى كنيسة الابكار. أليس من المدهش اذن أن يوجد بعض الناس الذين مازالوا يحاولون تبرير ذاك الذى أدانه الله ويدافعون عن هرطقة برهن الله أنها غير مستحقة بإتبَّاعِها وذلك بعدم السماح لمبتدعها بدخول الكنيسة؟!!.".
(2/30/2) ها قد اخبرنا بوضوح طريقة موت اريوس. وقد قيل أن الناس قد ظلوا لأمد طويل يتحاشون استخدام هذا المرحاض الذى مات فيه اريوس، وكان أولئك الذين يضطرون بفعل الطبيعة إلى أن يلجأوا إلى هذا المكان العام، كانوا مثلما هو الحال مع أى جبان، يتحدثون مع بعضهم البعض عندما يدخلونه ليتجنبوا ذلك المقعد.
(2/30/3) وسرعان ما هُجِر هذا المكان، فيما بعد لأن اريوس نال هناك جزاء كفره. وفى وقت لاحق، اشترى ثرىٌ مقتدر كان يتبنى عقيدة اريوس هذا المكان وشيَّد عليه منزلا حتى ما تتوارى الواقعة من الأذهان ولا يكون هناك تذكار خالد لموت اريوس.
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والثلاثون
(استمرار النزاع الاريوسى)
(2/31/1) ولم يُنه موت اريوس النزاع العقائدى الذى تسبب فيه. فأولئك الذين تبنوا مفاهيمه ظلوا يدبرون المكائد ضد الذين عارضوه.
(2/31/2) واحتج شعب الأسكندرية على نفى أثناسيوس وقدموا التماسات بعودته، وكتب انطونيوس الراهب المشهور الى الامبراطور مرارا يرجوه ألا يُصغى إلى مزاعم المليتيين بل يرذل اتهاماتهم بإعتبارها افتراءات.
(2/31/3) غير أن الامبراطور لم يكن مقتنعا بهذه الحُجج، وكتب إلى الأسكندريين يتهمهم بالغباء والسلوك بشغب. وأمر الكهنة والعذارى([232])، أن يلزموا الهدوء واعلن انه لن يغير رأيه ولن يُعيد أثناسيوس الذى قال عنه أنه مثير للشقاق وأنه قد أدين بعدل بحُكم من الكنيسة. ورد على انطونيوس بأنه يجب عليه ألاَّ ينقض مرسوم المجمع([233])لانه كما يقول حتى إذا كانت هناك قلة من الاساقفة كانوا يعانون من سوء النية أو الرغبة فى ظلم الآخرين، فإنه من العسير تصديق أن اساقفة ممتازين وفطناء كثيرين قد خضعوا لدوافع مثل هذه([234]). وأضاف أن أثناسيوس كان عنيدا ومستهزءً وعلة الشقاق والخصام. واتهمه اعداء أثناسيوس بالأكثر بهذه التهم لعِلمهم أن الامبراطور يمقتها على وجه الخصوص.
(2/31/4) وعندما وجد الامبراطور أن الكنيسة قد انشقت إلى فريقين واحد يؤيد أثناسيوس والآخر يؤيد يوحنا انتقل بالسخط ونفى يوحنا نفسه. ويوحنا هذا هو الذى تلى ميليتيوس وتم رده هو ومَن تبنوا نفس المفاهيم إلى شركة التناول والقيام بالوظائف الاكليريكية من قِبل مجمع صُور. وكان نفيه ضد رغبات اعداء أثناسيوس ولكن هذا ما حدث. ولم تفِد مراسيم مجمع صُور يوحنا إذ كان الامبراطور يُجيب على كل توسل أو التماس من أى نوع يخص شخص يشك فيه بأنه يدفع الشعب المسيحى إلى الخصام والشقاق.
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والثلاثون
(قنسطنطين يسن قانونا ضد كل الهراطقة ويحظر على الشعب الحصول على كنائس فى أى مكان خلاف الكنيسة الجامعة)
(2/32/1) وعلى الرغم من أن عقيدة اريوس قد لاقت تأييدا من قِبل كثيرين فى الجدال، فإنهم لم يُشكلوا حزبا لهم يمكن أن ينطبق عليه نعت اريوسيين كنعت مميز، ويجتمعون معا ككنيسة ويتناولون معا، فيما عدا النوفاتيين وأولئك المدعوين فريجيين والفالنتنيين والماركونيين والبولونيين وقلة أخرى من المشايعين للهرطقات المعروفة([235]).
(2/32/2) ومع ذلك سن الامبراطور قانونا يقضى بإزالة بيوت الصلاة الخاصة بهم وأن عليهم الاجتماع فى الكنائس وعدم اقامة كنائس فى بيوتهم الخاصة أو فى الاماكن العامة. واعتبر أن من الافضل الشركة فى الكنيسة الجامعة، ونصحهم بأن يجتمعوا داخل جدرانها.
(2/32/3) وبواسطة هذا القانون اختفت حسبما اعتقد كل الهرطقات تقريبا. ففى خلال العهود السابقة للإمبراطور كان جميع مَن يعبدون المسيح على اختلاف وجهات نظرهم فيما بينهم، يلقون نفس المعاملة من الوثنيين، وكانوا يُضطهَدون بقسوة بالتساوى. وقد جعلتهم هذه البلايا المشتركة التى يتعرضون لها لا ينشغلوا بفحص الاختلافات في وجهات النظر الموجودة بينهم، لذلك كان من السهل لأعضاء كل حزب أن يشكلوا كنيسة لأنفسهم دون ازعاج.
(2/32/4) ولكن بعد هذا القانون لم يعد من الممكن أن يجتمعوا فى الأماكن العامة لأن ذلك كان محظورا، ولا كانوا يقدرون أن يجتمعوا سرِّا لأنهم كانوا مراقبين من الاساقفة والاكليروس فى مدنهم. ومن ثمة أُقتِيد عدد كبير من هذه الطوائف خوفا من العواقب إلى الانضمام للكنيسة الجامعة. ولم يستطع أولئك الذين تشبثوا بمفاهيمهم الخاصة أن يخلفوا لهم تلاميذ عند موتهم ليحملوا هرطقتهم لأنهم لم يقدروا أن يجتمعوا معا فى نفس المكان، ولا كانوا قادرين أن يُعلِّموا سرا مَن كان لهم ذات مفاهيمهم.
(2/32/5) وبسبب سخافة التعاليم الهرطوقية أو الجهل التام لأولئك الذين يعلّمونها وينصحون بها، كان عدد الأتباع فى كل من هذه الرطقات قليلين جدا منذ البداية.
(2/32/6) بيد أن النوفاتيين وحدهم كان لهم قادة جيدون، وحافظوا على نفس التعليم الخاص بالألوهية والكنيسة الجامعة ولذا كان عددهم كبيرا منذ البداية وظلوا كذلك غير متأثرين كثيرا بهذا القانون. وأظن أن الامبراطور قد تساهل بإرادته معهم، لأنه أراد فقط أن يُرعِب اتباعه دون أن يقصد اضطهادهم([236]). وكان اكسيوس Acesius الذى كان اسقف هذه الهرطقة فى القنسطنطينية يحظى بتقدير كبير بسبب حياته التقية. ومن المحتمل أنه لهذا السبب تمتعت الكنيسة التى يرأسها بالحماية.
(2/32/7) وعانى الفريجيون والهراطقة الآخرون من نفس المعاملة فى سائر المقاطعات الرومانية، ما عدا فريجية والأقاليم المجاورة لأنهم كانوا يوجدون فيها منذ ايام مونتانوس بأعداد كبيرة وحتى الآن.
(2/32/8) وفى حوالى نفس الفترة، بدأت احزاب يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينس اسقف نيقية فى تسجيل ابتداعاتهم بشأن الاعتراف الوارد فى مجمع نيقية كتابة. انهم لم يجرؤوا على [اعلان] معارضتهم بوضوح للتأكيد([237]) بأن "الابن مساوىٍ للآب فى الجوهر" لأن هذا التأكيد كان معتمدا من الامبراطور، ولكنهم اصدروا وثيقة اخرى، ونسبوها إلى الاسقافة الشرقيين [يقولون فيها] انهم قد قبلوا الاصطلاح النيقاوى بتفسيرات شفاهية. وبهذا الاعلان والتفكير فيه، انتعش من جديد الجدل الذى كان يُعتقَد أنه قد وُضِع جانبا.!!
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والثلاثون
(هرطقة مارسيللوس اسقف انقيرا، وخلعه)
(2/33/1) وفى نفس هذه الفترة، عُزِل مارسيللوس Marcellusاسقف أنقيرا Ancyra بغلاطية، ونُبِذ من الكنيسة بواسطة الاساقفة المجتمعين بالقنسطنطينية لأنه ادخل بعض التعاليم الجديدة والتى علَّم بها أن وجود ابن الله قد بدأ بولادته من مريم، وأن لمُلكه انقضاء. وأكثر من ذلك حرَّر كتابا يعرض فيه آراءه.
(2/33/2) فإنزعج باسيليوس([238]) وهو رجل بليغ جدا ومتعلم، مع اساقفة ايبارشية غلاطية، فكتبوا إلى اساقفة الاقاليم المجاورة لكى يجمعوا نسخ كتاب مارسيللوس ويحرقوها وأن يردوا كل مَن يكون قد تبنى مفاهيمه([239])، وسجلوا أن العمل كان ضخما إلى الحد الذى لا يسمح بمعالجته كله فى رسالتهم، ولكنهم أدرجوا بعض الاقتباسات من فقراته لكى يبرهنوا على أن التعاليم التى أدانوها كانت واردة بهذا العمل.
(2/33/3) ومع ذلك زعم بعض الأشخاص أن مارسيللوس قد عرض فقط بعض الأسئلة التى اساء انصار يوسيبيوس تفسيرها، وقدَّموها للامبراطور على أنها اعترافات. وكان يوسييوس وحزبه حانقا بشدة على مارسيللوس لأنه لم يكن راضيا بالتعاريف الموضوعة فى مجمع فينيقية، ولا بالترتيبات التى أتُخِذَت فى صالح اريوس فى اورشليم، ورفض أيضا حضور تكريس المارتيريوم الكبير لكى يتجنب التناول معهم. وقد ركزوا بشدة على هذا الظرف الأخير فى رسالتهم إلى الامبراطور وابرزوه كتهمة زاعمين أنها إهانة لشخصه ألا يحضر تكريس الهيكل الذى شيده فى اورشليم.
(2/33/4) وكان الدافع لمارسيللوس Marcellusعلى كتابة عمله هذا هو أن آستيريوس Asterius الذى كان حكيما ومواطنا كبادوكيا كان قد كتب مقالة دفاعا عن التعاليم الاريوسية وقرأها فى عدة مدن، وللاساقفة بالمثل، وفى المجامع العديدة التى حضرها. فأراد مارسيللوس أن يدحض حججه. وبينما هو منشغل بهذا، سقط بقصد أو بدون قصد فى تعاليم بولس الذى من ساموسطا Samosata. ومع ذلك، عاد فتراجع فى رسالة رعوية فى مجمع ساردس مبرهنا أنه لم يقصد هذه المفاهيم.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والثلاثون
(وفاة قنسطنطين بعد عماده، ودفنه بهيكل الرسل القديسين)
(2/34/1) وكان الامبراطور قد قسَّم بالفعل الامبراطورية بين ابنائه والذين كانوا يُنعَتون بالقياصرة. فأعطى الأقاليم الغربية لقنسطنطين([240]) وقنسطانس، والأقاليم الشرقية لقونسطانتيوس. وإذ شعر بتوعك المزاج، التمس أن ينال نعمة الحميم فتوجه لهذا الغرض إلى مدينة هيللينوبولس ببثينية. ومع ذلك، ازداد المرض عليه فذهب إلى نيقوميديا وهناك نال المعمودية المقدسة فى إحدى ضواحى المدينة. وبعد الاحتفال شعر بإبتهاج وشكر الله.
(2/34/2) وعندئذ أكد تقسيم الامبراطورية بين ابنائه طبقا لتقسيمه السابق، واسبغ مزايا معينة على روما القديمة وعلى المدينة التى دُعِيت بإسمه. ووضع وصيته بين يدى ذلك الكاهن الذى كان مشايعا دائما لاريوس، والذى اوصته عليه أخته قنسطانتيا فى أواخر حياتها بأنه رجل ذو حياة فاضلة، وأمره بقسَمٍ أن يسلمها لقنسطانتيوس عند عودته، لأنه لم يكن معه عند وفاته لا قنسطانتيوس ولا غيره من القياصرة.
(2/34/3) وبعد الانتهاء من هذه الترتيبات لم يعش قنسطنطين سوى أيامٍ قليلة، وتوفى عن عمر خمسة وستين سنة، فى السنة الواحدة والثلاثين من حكمه.
(2/34/4) لقد كان حاميا قويا للديانة المسيحية، وأول الاباطرة الغيورين على الكنيسة واسبغ عليها المزايا العديدة. وكان الأكثر نجاحا بين سائر الاباطرة فى كل انجازاته لأنه كما اعتقدُ لم يقم بأى إجراء بدون [مشورة] الله. لقد انتصر فى حروبه ضد القوط والساراميين، وفى الحقيقة فى سائر عملياته الحربية. وغيَّر شكل الحُكم طبقا لرأيه بكل سهولة حتى أنه أنشأ سينات senateآخر، ومدينة امبراطورية أخرى اسبغ عليها اسمه، وقضى على الديانة الوثنية فى زمن قصير([241]) على الرغم من أنها سادت لعصُور طويلة بين الامراء والشعب.
(2/34/5) وبعد وفاته وُضِع جثمانه فى تابوت من الذهب ونُقِل إلى القنسطنطينية ووُضع فى ساحة معينة من القصر الذى راعى أولئك الذين فيه نفس المراسيم والتكريم الذى كانوا يقدمونه له فى حياته.
(2/34/6) وعندما سمع قنسطانتيوس بوفاة ابيه، وكان آنذاك فى الشرق اسرع إلى القنسطنطينية ونقل الرفات المَلكية بأقصى تعظيم وأودعها فى المقبرة التى كانت قد شُيِّدت بأمر المتوفى فى كنيسة الرسل.
ومنذ تلك الفترة، جرت العادة على دفن الاباطرة فى نفس مكان الدفن.
وهنا كان الاساقفة بالمثل يدفنون لأن الكرامة الكهنوتية ليست فقط تعادل كرامة السلطة الامبراطورية، ولكن فى المواضع المقدسة تأخذ الأولوية.
الكـتـاب الثـالـث
الكتاب الثالث: الفصل الأول
(بعد وفاة قنسطنطين هاجم اتباع يوسيبيوس وثيوجينس الايمان النيقاوى جهرا)
(3/1/1) لقد رأينا الآن الاحداث التى شاعت فى الكنائس خلال حُكم قنسطنطين. وبعد وفاته خضعت العقيدة التى نصَّ عليها مجمع نيقية للفحص من جديد. فعلى الرغم من أن هذه العقيدة لم تكن مقبولة على نطاق واسع، فإن أحدا ما لم يجرؤ خلال حياة قنسطنطين على رفضها جهارا. ومع ذلك عقب وفاته رفض كثيرون هذا الرأى، وبصفة خاصة أولئك الذين كانوا سابقا محل شك كمخادعين. ومن بين كل هؤلاء بذل يوسيبيوس ويوجينس اساقفة مقاطعة بيثينية كل ما فى وسعهم لكى ما تسود مفاهيم اريوس. ورأوا أن ذلك يمكن أن يتحقق بسهولة اذا ما أمكن منع عودة اثناسيوس من النفى، وبإسناد ادارة كنائس مصر إلى اسقف من رأيهم.
(3/1/2) وقد وجدوا نصيرا لهم فى ذلك، ذاك الكاهن الذى حصل من قنسطنطين على تصريح بعودة اريوس. وكان يحظى بتقدير كبير من الامبراطور قونسطانتيوس([242]) بسبب الخدمة التى قدَّمها له بتسليمه وصية أبيه. ولما كان موثوقا فيه، انتهز بشجاعة هذه الفرصة إلى أن صار قريبا من زوجة الامبراطور ومن خصيان جناح مخدع النساء.
(3/1/3) وفى هذا الوقت عُيّن يوسيبيوس مشرفا على شؤون الدار المَلكية. وإذ كان ملتصقا بحماس بالاريوسيين حث الامبراطور وكثيرين من الاشخاص المنتمين إلى البلاط على تبنى نفس المفاهيم.
(3/1/4) ومن ثم ثار من جديد الجدل الخاص بالعقائد على المستوى الخاص والمستوى العام، وتجددت المنازعات والشقاقات. وكانت هذه الحالة تتفق مع وجهة نظر ثيوجينس وحزبه.
الكتاب الثالث: الفصل الثانى
(عودة أثناسيوس)
(3/2/1) وفى هذه الفترة عاد أثناسيوس من الغال إلى الأسكندرية. وقد قيل أن قنسطنطين([243]) كان ينوى إعادته وأنه أمر بذلك فى وصيته، ولكن الوفاة حالت بينه وبين انجاز نيته. فأعاد ابنه الذى حمل اسمه وكان حاكما آنذاك للغال الغربية، أثناسيوس. وكتب خطابا إلى شعب الأسكندرية بخصوص هذا الموضوع.
(3/2/2) وإذ حصلتُ على نسخة من هذا الخطاب مترجمة من اللاتينية إلى اليونانية فإننى سأدرجها باختصار كما وجدتها وهى كما يلى:
"قنسطنطين القيصر إلى شعب الكنيسة الجامعة فى مدينة الاسكندرية. لا اظن أنكم لا تقدِرون أن تكونوا غير مُلمين بحقيقة أن اثناسيوس مفسر الشريعة المكرمة كان معرضا لمخاطر على شخصه المقدس من قِبل اعدائه المحبين للدماء والكراهية. لذلك أُرسِل لبعض الوقت إلى الغال، لكى لا يتعرض لأضرار خلال احداث التطرف من قِبل معارضيه الادنياء. ولكى ما تبطل هذه المخاطر، أُنتُزِع من فك أولئك الذين ظلموه، وأُمِر أن يعيش إلى جوارى لدرجة أن المدينة التى أقام فيها كانت تزوده بكل الضروريات، ولكن فضائله كانت مشهورة على نحو غير عادى لأنه موضع ثقة الله، ولكنه وضع جانبا كل ثقل الثروة.
إن سيدنا([244]) وابى قنسطنطين اوغسطس المطوَّب الذكر كان قد عزم على إعادة هذا الاسقف إلى وطنه، وأن يعيده بصفة خاصة إلى محبتكم. ولكن لمَّا كان القدر البشرى قد وافاه وتوفى قبل أن يتمم ما قد عزم عليه، فإننى كخليفة له انفّذ عزم الامبراطور ذى الذكرى العطرة.
وسوف يُعلِمكم أثناسيوس عندما يرى وجوهكم أى توقير كان يناله منى وليس مدهشا أن أسلك كما سلكتُ معه لأن صُورة رغبتكم ومظهر رجل نبيل كهذا قد دفعنى وأجبرنى على اتخاذ هذه الخطوة. فلتظللكم العناية الالهية يا اخوتى الاحباء".
(3/2/3) ونتيجة لهذا الخطاب من الامبراطور عاد أثناسيوس إلى وطنه واستعاد ادارة الكنائس المصرية. أما أولئك الذين التصقوا بالمفاهيم الاريوسية فقد طُرِحوا فى حبس ولم يجدوا سلاما، فأثاروا شقاقا مستمرا وعادوا إلى الدسائس ضده. واتهمه حزب يوسيبيوس امام الامبراطور بأنه شخص مثير للشقاق وأنه ألغى مرسوم النفى ضدا لشرائع الكنيسة[!!] وبدون موافقة الاساقفة، وسأروى فى المكان المناسب كيف نُفِى أثناسيوس ثانية من الأسكندرية بناء على افتراءاتهم.
(3/2/4) وفى هذه الفترة مات يوسيبيوس الملقب بامفيلس([245]) وخلفه اكاكيوس فى ايبارشية قيصرية فلسطين. وكان متعصبا ومقلدا ليوسيبيوس لأنه تعلَّم منه الكلام المقدس، وكان يمتلك ذهنا مقتدرا فى التعبير حتى أنه خلَّف كتابات كثيرة تستحق الإلمام بها.
(3/2/5) وبعد ذلك بوقت ليس بطويل أعلن الامبراطور قنسطنطين([246]) الحرب ضد أخيه فقُتِل من جنرالاته، وانقسمت الامبراطورية الرومانية بين الاخوين الأحياء فصار الغرب من نصيب قنسطانس والشرق من نصيب قونسطانتيوس.
الكتاب الثالث: الفصل الثالث
(بولس اسقف القنسطنطينية، والمقدونيون)
(3/3/1) وفى نحو هذا الوقت توفى الكسندروس وخلفه بولس فى رئاسة كهنوت القنسطنطينية. وزعم الاريوسيون والمقدونيون أنه حصل على الرتبة بدافعه الخاص وضدا لمشورة يوسيبيوس اسقف نيقوميديا أو ثيودور أسقف هيراكليا فى تيراقيا([247]) بكونهما الاساقفة الأقرب والذين لهم حق الإنعام بالسيامة.
(3/3/2) ولكن كثيرين مع ذلك يؤكدون شهادة الكسندروس الذى خلفه أنه سيم بواسطة الاساقفة الذين كانوا مجتمعين آنذاك فى القنسطنطينية، لأنه عندما كان الكسندروس يبلغ من العمر ثمانية وتسعين سنة وقد مارس المهام الكهنوتية بنشاط لمدة ثلاثة وعشرين سنة، وكان على شفا الموت سأله كهنته عمن يود أن يعهد إليه بإدارة الكنيسة فقال: إن أردتم رجلا صالحا فى الامور الالهية وجدير بتعليمكم فعليكم ببولس، ولكن إن أردتم شخصا بليغا فى الامور العامة وفى مجالس الحكام، فمقدونيوس أفضل.
(3/3/3) ويسلّم المقدونيون أنفسهم بأن هذه الشهادة قد أدلى بها فعلا الكسندروس، ولكنهم يقولون أن بولس كان أكثر مهارة فى المعاملات وفن البلاغة. غير أنهم يؤكدون على حياة مقدونيوس ويتهمون بولس بأنه كان مدمنا ومخنثا وشاذ السلوك. ومع ذلك يبدو من اعترافهم أن بولس كان رجل خطابة ومتميزا فى التعليم الكنسى.
(3/3/4) وقد برهنت الاحداث على أنه لم يكن مكترثا بكوارث الحياة أو بالتعامل مع ذوى السلطة لأنه لم يكن ناجحا أبدا فى دحض دسائس أعدائه كمثل أولئك المتمرسين على إدارة هذه الامور. وعلى الرغم من أنه كان محبوبا بشدة من الجماهير إلا أنه عانى بشدة من أولئك الذين رفضوا عقيدة نيقية.
(3/3/5) ففى المقام الأول، نُفِى من كنيسة القنسطنطينية حيث أُثيرت ضده تهمة اساءة السلوك. ثم حُكِم عليه بعد ذلك بالنفى. وأخيرا، يُقال أنه سقط ضحية مكائد أعدائه وقُتِل. ولكن هذه الاحداث الأخيرة حدثت فى فترة تالية.
الكتاب الثالث: الفصل الرابع
(عزل قنستانتيوس لبولس اسقف كنيسة القنسطنطينية)
(3/4/1) لقد أثارت سيامة بولس اضطرابا شديدا فى كنيسة القنسطنطينية. ففى خلال حياة الكسندروس لم يتصرف الاريوسيون علانية لأن الناس كانوا منجذبين بشدة له ويكرمون الأمور الدينية، وبصفة خاصة لأنهم كانوا يعتقدون أن الحدث غير المتوقع الذى حدث لاريوس الذى لقى حتفه كان من جراء السخط الإلهى ومن لعنة الكسندروس.
(3/4/2) ومع ذلك، بعد وفاة هذا الاسقف انقسم الشعب إلى فريقين، وبرزت على السطح المنازعات والمجادلات جهارا بشأن العقائد. فأنصار آريوس رغبوا فى سيامة مقدونيوس بينما أولئك المتمسكون بأن الابن مساوى للآب فى الجوهر رغبوا فى سيامة بولس كأسقف. وقد ساد هذا الفريق الثانى.
(3/4/3) وبعد سيامة بولس، عاد الامبراطور([248])الذى تصادف أن كان آنذاك بعيدا عن الوطن، إلى القنسطنطينية وأظهر عدم سرور كبير لِما حدث كما لو كانت الاسقفية قد مُنِحت لشخص غير مستحق. ومن خلال دسائس أعداء بولس إلتأم مجمع، وعُزِل من الكنيسة، وسُلِّمت الكنيسة ليوسيبيوس اسقف نيقوميديا.
الكتاب الثالث: الفصل الخامس
(مجمع انطاكية وخلع أثناسيوس)
(3/5/1) وسرعان ما توجه الامبراطور عقب هذه الأحداث إلى مدينة انطاكية بسوريا. وكانت الكنيسة هنا قد كملت وفاقت فى الحجم والروعة. وكان قنسطنطين([249])قد بدأ فى بنائها أثناء حياته، وكملت عمارتها بواسطة ابنه قنسطانتيوس.
(3/5/2) وانتهز حزب يوسيبيوس هذه الفرصة والتى كانوا يتوقون إليها منذ أمد بعيد ليعقدوا مجمعا([250]). لذلك اجتمعوا هم ومَن يتبنى مفاهيمهم مِن سائر الاقاليم فى انطاكية وكان عدد اساقفتهم سبعة وتسعون اسقفا. وكان غرضهم الظاهر الاحتفال بتكريس الكنيسة المنتهية حديثا، ولكنهم كانوا عازمين على شىء آخر ليس سوى إلغاء مرسوم نيقية. وهذا ما أكدته العواقب التالية.
(3/5/3) لقد كانت كنيسة انطاكية يحكمها بلاستوس Placetusالذى خلف يوفرنيويس Euphronius. وكان قد مضى على وفاة قنسطنطين خمس سنوات قبل هذا الوقت. وعندما اجتمع كل الاساقفة فى حضرة قنسطانتيوس، أظهر غالبيتهم حنقا شديدا على أثناسيوس، واتهموه بشدة بإزدرائه للوائح المقدسة التى سنّوها، وبإستيلائه على ايبارشية الأسكندرية بدون الحصول على تصديق مجمع. كما قرروا أنه كان سبب موت الكثيرين فى الشغب الذى نجم عن عودته، كما قُبِض على الكثيرين فى ذات المناسبة وأُقتيدوا إلى ساحات المحاكم.
(3/5/4) وبهذه الاتهامات سعوا بشدة إلى إلحاق الخزى بأثناسيوس وشهدوا أنه قد صدر مرسوم بأن يتولى غريغورى Gregory([251]) إدارة كنيسة الأسكندرية. ثم التفتوا إلى مناقشة المسائل العقائدية، [وتظاهروا] بأنه ليس هناك خطأ فى مراسيم مجمع نيقية.
(3/5/5) وأرسلوا رسائل إلى اسقف كل مدينة يعلنون فيها أنه بما أنهم اساقفة فإنهم لم يتبعوا اريوس إذ كيف، كما قالوا، يكونون تابعين لآريوس وهو ليس سوى كاهن، ونحن موضوعين فوقه؟. ولكنهم إذ فحصوا ايمانه، فقد قبلوه. وأنهم يعتقدون بالإيمان المسلَّم بالتقليد منذ البداية([252]). وقد شرحوا ذلك بالتفصيل فى آخر الرسالة، ولكن دون ذكر جوهر الآب أو الإبن أو مصطلح مساوى فى الجوهر.
(3/5/6) وفى الحقيقة لجأوا إلى تعبيرات مبهمة من العسير أن تكون محل تساؤل لا من الاريوسيين ولا من اتباع قوانين مجمع نيقية كما لو كانوا جاهلين بالأسفار المقدس. وتجنبوا عن عمد كل أشكال التعبير التى رفضها كل فريق، واستعملوا فقط تلك التى كانت محل قبول عام. واعترفوا بأن الإبن مع الآب، وأنه الإبن الوحيد، وأنه إله، وموجود قبل كل الأشياء، وأنه تجسد وتمم إرادة أبيه.
(3/5/7) لقد اعترفوا بذلك، وبالحقائق المماثلة لكنهم لم يَصِفوا عقيدة الإبن كمساوٍ فى الجوهر وأزلى مع الآب أو العكس. وغيَّروا بالتالى وجهة نظرهم على ما يظهر فى هذه الصيغة وأصدروا أخرى كانت على ما أظن تماثل تقريبا تلك التى لمجمع نيقية ما لم يكن هناك معانى خفية فى الحقيقة للكلمات الواردة ليست ظاهرة لى.
(3/5/8) وعلى الرغم من أنهم قد احجموا – ولا ادرى ما الدافع لهذا – عن القول أن الإبن مساوى فى الجوهر [للآب]، إلاَّ أنهم قد اعترفوا أنه غير متغير، وأنه قوة ومجد الآب، وبكر كل الخليقة. وقرروا أنهم وجدوا هذه الصيغة للإيمان مكتوبة بالكامل بواسطة لوكيانوس Lucianus الذى كان شهيدا فى نيقوميديا، وكان رجلا مختبرا جدا ودقيقا للغاية فى الاسفار المقدسة. ولا أعرف ما إذا كانت هذه الصيغة حقيقية أم لا، أو أنهم قد قدَّموها هكذا لكى ما يُعطوا لوثيقتهم وزنا عندما ينسبونها إلى شهيد له كرامته([253]).
(3/5/9) ولم يكن يوسيبيوس(الذى نُقِل من نيقوميديا إلى كرسى القنسطنطينية عندما طُرِد بولس) فقط مشاركا فى هذا المجمع، بل بالمثل اكاكيوس خليفة يوسيبيوس وباتروفيلس اسقف سكيثوبوليس، وثيودور اسقف هيراكليا والتى تُدعى سابقا بيرنثوس ويودوكسيوس اسقف جرمانيكا الذى أدار لاحقا كنيسة القنسطنطينية بعد مقدونيوس، وغريغوريوس الذى أُختير لرئاسة كنيسة الأسكندرية. ومن المسلَّم به على نطاق واسع أن كل هؤلاء كان لهم نفس المفاهيم مثل ديانيوس Dianius اسقف قيصرية الكبادوك، وجورج اسقف لاودكية Laodicea فى سورية وكثيرون آخرون سلكوا كأساقفة لمتروبوليات وكنائس متميزة أخرى.
الكتاب الثالث: الفصل السادس
(يوسيبيوس من اميسا. غريغوريوس الدخيل للأسكندرية, فرار أثناسيوس إلى روما)
(3/6/1) وكان يوسيبيوس الملَّقب امسينوس([254]) Emesenusحاضرا بالمثل هذا المجمع. وهو قد نبع من عائلة شريفة من اديسا([255]) مدينة فى اوسرونيا Osroënæ. وبحسب عادة بلده تعلم منذ صباه وما بعد ذلك، الكلمة المقدسة. وألمَّ بعد ذلك بعِلم اليونان على يد مُعلمين كانوا يترددون على بلدته. وبالتالى كانت له معرفة وثيقة بالأدب المقدس تحت اشراف يوسيبيوس بامفيلوس، وباتروفيلس رئيس سكيثوبوليس([256]). وتوجه إلى انطاكية فى وقت خلع يوستاثيوس بناء على اتهام كيروس، وعاش مع يوفرونيوس خلفه من باب الصداقة. وهرب من هناك عندما رُشِّح لكرامة الكهنوت إلى الأسكندرية، وتردد على مدارس الفلاسفة. وبعد أن ألمَّ بنمط التلمذة عاد إلى انطاكية وسكن مع بلانتوس خليفة يوفرنيوس.
(3/6/2) وفى خلال فترة انعقاد هذا المجمع فى تلك المدينة رجاه يوسيبيوس اسقف القنسطنطينية أن يقبل كرسى الأسكندرية، لأنه كان من المعتقد أنه يستطيع ببلاغته الفائقة وشهرة قداسته العظيمة أن يُلاشى تقدير المصريين لأثناسيوس. ومع ذلك، رفض السيامة بحجة أنه سيحظى على العكس بكراهية الأسكندريين الذين لن يقبلوا اسقفا آخر سوى أثناسيوس.
(3/6/3) لذلك سيم غريغوريوس على كرسى الأسكندرية، ويوسيبيوس هذا على اميسا([257]) Emesa. وهناك عانى من الشقاق إذ اتهمه الشعب بممارسة التنجيم. وإذ كان مضطرا إلى الفرار بحثا عن الآمان، توجه إلى لاودكية وأقام مع جورج اسقف تلك المدينة الذى كان صديقه الشخصى. ثم اصطحبه فيما بعد الى انطاكية وحصل هناك على تصريح من الاساقفة بلاستوس ونارسيسوس Narcissusبالعودة إلى اميسا. وكان محل تقدير كبير من الامبراطور قنستانتيوس فآزره بتجريدة حربية ضد الفارسيين.
(3/6/4) وقد قيل أن الله قد أجرى معجزات بواسطته، كما شهد جورج اسقف لاودكية الذى روى هذه الأحداث وغيرها عنه. ولكنه على الرغم من أنه قد تمتع بصفات سامية كثيرة، لم يستطع أن يفلت من غيرة أولئك الذين يتضايقون من مشاهدة فضائل الآخرين. فأُتُهِم بأنه يعتنق عقائد سابيليوس Sabellius. ومع ذلك صوَّت فى الوقت الحاضر مع الاساقفة المجتمعين فى انطاكية.
(3/6/5) وقد قيل أن مكسيموس اسقف اورشليم قد انسحب عن قصد من هذا المجمع لأنه ندم على رضائه بدون وعى بخلع أثناسيوس. ولم يحضر مجمع انطاكية هذا مدبر كرسى روما ولا أى ممثل من كنائس شرق ايطاليا، ولا من المناطق التى وراء روما.
(3/6/6) وفى نفس الفترة غزا الفرنك غرب الغال، وتعرضت اقاليم الشرق وبصفة خاصة انطاكية بعد هذا المجمع لزلازل مهول. وتوجه غريغوريوس بعد المجمع إلى الأسكندرية فى صحبة عدد كبير من الجنود الذين رافقوه لحفظ الأمن ومنع الاضطرابات عند دخوله المدينة. وقد سانده الاريوسيون الذين كانوا تواقين هم أيضا إلى خلع أثناسيوس.
(3/6/7) أما أثناسيوس فخوفا من أن يتعرض الشعب للأذى بسببه، اجتمع بهم ليلا فى الكنيسة عندما أتى الجنود للإستيلاء على الكنيسة، وكانت الصلوات قد انتهت، فأمر بإنشاد أحد المزامير. وخلال إنشاد هذا المزمور بقى الجنود فى الخارج منتظرين فى هدوء ختامه. فهرب أثناسيوس فى نفس الوقت خفية، وفرَّ إلى روما.
(3/6/8) واستولى غريغوريوس بهذه الطريقة على كرسى الاسكندرية. وثار حنق الشعب فأحرقوا الكنيسة التى تحمل اسم ديونيسيوس أحد اساقفتهم السالفين.
الكتاب الثالث: الفصل السابع
(رؤساء كهنة روما والقنسطنطينية. خلع بولس وطرده. مذبحة هرموجنس)
(2/7/1) وهكذا نجحت خطة أولئك الذين أثاروا الهرطقات المتعددة ضد الحق فى التنفيذ. وهكذا خلعوا الاساقفة الذين حافظوا على سيادة عقائد مجمع نيقية فى سائر أرجاء الشرق واستولى هؤلاء الهراطقة على معظم الكراسى الهامة مثل كرسى الأسكندرية فى مصر، وكرسى انطاكية فى سوريا، والمدينة الامبراطورية فى هلليسبونت، وأقاموا عليها اساقفة خاضعين لهم.
(3/7/2) وقد اعتبر حاكم كنيسة روما وكل كهنة الغرب هذه الاعمال بأنها اهانة شخصية لأنهم كانوا موافقين منذ البداية على كل القرارات التى صُوِّت عليها من قِبل المجتمعين فى نيقية، ولم يكفوا الآن عن ذات الفكر. ولذا عند وصول أثناسيوس استقبلوه بلطف وتشاوروا فيما بينهم فى موضوعه.
(3/7/3) وإذ انزعج يوسيبيوس من تدخلهم، كتب إلى يوليوس يحضه على أن يجعل نفسه حَكما على القوانين التى أُتُخِذت ضد أثناسيوس من قِبل مجمع صُور([258]). ولكن قبل أن يتأكد من مشاعر يوليوس Julius، وفى الحقيقة ليس بعد مجمع انطاكية بوقت طويل، مات يوسيبيوس. وفى الحال قاد مواطنو القنسطنطينية الذين حافظوا على عقائد مجمع نيقية بولس إلى الكنيسة. وفى نفس الوقت انتهز جمهور المعارضين الفرصة واجتمعوا معا فى كنيسة أخرى وكان من بينهم مشايعو ثيوجينس اسقف نيقية، وثيودور اسقف هيراكليا، وآخرون من نفس الحزب الذى تصادف وجودهم ورسموا مقدونيوس اسقفا للقسطنطينية. فأثار ذلك اضطرابا شديدا فى المدينة حمل كل مظاهر الحرب حيث قام الشعب على بعضه البعض وهلك الكثيرون.
(3/7/4) وعمت الفوضى المدينة لدرجة أن الامبراطور، وكان وقتها فى انطاكية، عند سماعه لِما حدث، استشاط غضبا وأصدر مرسوما بخلع بولس وعهد إلى هرموجينس Theognis قائد الحملة بتنفيذ هذا المرسوم الامبراطورى. ولمَّا كان سيمر على القنسطنطينية فى طريقه إلى تيراقيا therace، فقد فكر فى طرد بولس بالقوة من الكنيسة بمساعدة جيشه، ولكن الشعب بدلا من الخضوع قابلوه بمقاومة علنية. وعندما حاول الجنود تنفيذ الاوامر التى تلقوها، ازداد العنف بشدة واقتحم الثائرون منزل هرموجينس واشعلوا النيران فيه وقتلوه، وربطوا جثته بحبل وسحلوها فى المدينة. وما أن تلقى الامبراطور هذا الخبر حتى أسرع بإمتطاء جواده، واتجه صوب القنسطنطينية لكى ما يعاقب الشعب. ولكنه أبقى عليهم عندما خرجوا لمقابلته بالدموع متوسلين. غير أنه حرم المدينة من نصف حصة الحبوب التى كان والده قنسطنطين قد وهبها لهم سنويا من الخزانة العامة من جزية مصر. ربما انطلاقا من فكر أن الرفاهية والراحة جعلت العامة كسالى وميالين للمنازعات.
(3/7/5) ثم صبَّ غضبه على بولس وأمر بطرده من المدينة كما أظهر عدم رضائه بشدة على مقدونيوس أيضا لأنه كان سببا فى مقتل جنراله وأفراد آخرين ولأنه كان قد سيم أيضا بدون الحصول على موافقته. وعاد مع ذلك إلى انطاكية بدون أن يؤكد أو يلغى سيامته.
وفى نفس الوقت، خلع المشايعون للمفاهيم الاريوسية غريغوريوس لأنه كان مخالفا فى تأييد عقائدهم، وكان أكثر من ذلك محل عدم رضاء من الأسكندريين بسبب المصائب التى حلت على المدينة منذ قدومه وخاصة احتراق الكنيسة. وانتخبوا مواطنا من كبادوكيا يدعى جورج بدلا منه. وكان هذا الاسقف الجديد محل قبول بسبب نشاطه وغيرته فى تأييد المذهب الاريوسى.
الكتاب الثالث: الفصل الثامن
(وصول رؤساء كهنة الشرق إلى روما. رسالة يوليوس اسقف روما بخصوصهم. استلام بولس واثناسيوس لكراسيهم. محتوى رسالة رؤساء كهنة الشرق إلى يوليوس)
(3/8/1) وعندما ترك أثناسيوس الأسكندرية وفرَّ إلى روما، توجه فى نفس الوقت إلى هناك بولس اسقف القنسطنطينية، ومارسيللوس اسقف انقيرا، واسكيلاباس Asclepasاسقف غزة. وكان اسكيلاباس مقاوما للأريوسية، ولذلك خُلِع بعد أن اُتُهِم من قبل الهراطقة بإلقائه لمذبح ما أرضا، وعُيِّن محله كونتيانوس اسقفا على كنيسة غزة. كذلك خُلِع لوكيوس اسقف ادريانوبل([259]) Adrianople من الكنيسة بسبب عنايته بشىء آخر، وكان يقيم فى هذه الفترة فى روما. وعندما سمع الاسقف الرومانى بالاتهامات ضد كل واحد، وأن لهم نفس المفاهيم إزاء العقائد النيقاوية سمح لهم بالشركة فى التناول مثل الارثوذكسيين وبنفس الاهتمام اللائق بكرامة كرسيه وردهم إلى كنائسهم، وكتب إلى اساقفة الشرق موبخا لهم على محاكمتهم لهؤلاء الاساقفة بغير عدل وعلى استيلائهم على الكنائس، وهجرهم للعقائد النيقاوية.
(3/8/2) ودعا بعضا منهم للحضور أمامه فى يوم معيَّن لكى يوضحوا له الأحكام التى اصدروها. وهدَّد أنه لن يحتملهم أكثر من ذلك ما لم يكفوا عن ابتداعاتهم، وكانت هذه هى لهجة خطاباته. وأُعيد أثناسيوس وبولس إلى كراسيهما. وأرسِلت رسائل يوليوس([260])إلى اساقفة الشرق.
(3/8/3) ولما كان الاساقفة يستطيعون بالكاد أن ينقضوا هذه الوثيقة، اجتمعوا معا فى انطاكية وحرروا ردَّا إلى يوليوس عبّروا فيه بلطف وكتبوه بمهارة قانونية كبيرة، غير أنه مملوء أيضا بقدرٍ من التهديد الشديد والتهكم.
(3/8/4) وفى هذه الرسالة اعترفوا بأن كنيسة روما لها كرامة لأنها مدرسة الرسل([261])، وصارت متروبولية الدين([262]) منذ البداية([263]) على الرغم من أن تعريف العقائد قد تم فى الشرق. ثم اضافوا أن المرتبة الثانية فى الكرامة ينبغى ان تُعزَى إليهم ليس لأن لهم ميزة الحجم أو العدد لكنائسهم، ولكن لأنهم يفوقون الرومان فى الفضيلة والعزم. ودعوا يوليوس إلى مراجعة نفسه إذ سمح لأتباع أثناسيوس بالشركة فى التناول، وعبَّروا عن حنقهم ضده لكونهم ازدرى بمجمعهم ونسخ([264]) قراراتهم. ووصموا معاملته بأنها غير عادلة ولا تتسق مع الحق الكنسى. وبعد هذه المشاعر والاحتجاجات ضد مظالم كهذه، انتقلوا إلى هذه الوضعية وهى أنه اذا اعترف يوليوس بخلع الاساقفة الذين خلعوهم وبحلول مَن عينوهم محلهم بدلا منهم، فإنه يعدونه بالسلام والشركة، ولكن إذا لم يقبل هذه الشروط فإنهم سيعلنون جهارا معارضتهم. وأضافوا أن الكهنة الذين سبقوهم فى ادارة كنائس الشرق لم يقدِّموا أية معارضة على خلع نوفاتيان من قِبل كنيسة روما([265]) ولم يشيروا فى رسالتهم إلى انحرافاتهم التى اعلنوها عن عقائد مجمع نيقية، ولكنهم سجلوا ببساطة أن لديهم أسباب متعددة تبرر المسلك الذى اتخذوه، وأنهم يرون أنه من غير الضرورى عرضها فى الوقت الحالى للدفاع عن مسلكهم إذ أنهم يشكون فى نقض العدالة من جميع النواحى.
الكتاب الثالث: الفصل التاسع
(خلع أثناسيوس وبولس)
(3/9/1) وبعد كتابتهم إلى يوليوس بهذه اللهجة الشديدة، قدَّم اساقفة الشرق اتهامات ضد أولئك الذين خلعوهم إلى الامبراطور قنسطانتيوس. وبناء عليه كتب الامبراطور، الذى كان آنذاك فى انطاكية، إلى فيليب حاكم القنسطنطينية يأمره بتسليم الكنيسة إلى مقدونيوس ونفى بولس من المدينة.
(3/9/2) وإذ خاف الحاكِم من شغب الشعب توجه إلى حمَّام عام يُدعَى زيوكسبوس Zeuxippus وكان بِناءً كبيرا. وقبل أن يتسرب أمر الامبراطور، استدعى بولس كما لو كان يرغب فى مناقشته فى بعض الأمور العامة.
(3/9/3) وعند وصوله أطلعه على مرسوم الامبراطور، ونُقِل بولس طبقا للأوامر إلى شاطىء البحر سرا من خلال القصر الملاصق للحمَّام، حيث وُضِع على ظهر سفينة متجهة إلى تسالونيكى التى أتى منها أسلافه، كما قيل. ومُنِع بشدة من الاقتراب من الأقاليم الشرقية، ولكن لم يُمنَع من زيارة ايلليريا([266]) Illyria والمقاطعات القاصية.
(3/9/4) وعندما غادر فيليب الساحة، اصطحب معه مقدونيوس واتجه الى الكنيسة. فملأ الحاضرون آنذاك وكانوا عددا لا يُحصَى، الكنيسة بسرعة. وجاهد كل من الفريقين المنقسمين، أى اتباع الهرطقة الاريوسية واتباع بولس على التوالى، للإستيلاء على المبنى. وعندما وصل الحاكِم ومقدونيوس إلى بوابات الكنيسة، حاول الجنود أن يدفعوا الجمهور بالقوة إلى الخلف لكيما يفسحوا طريقا لهذيَن المسؤوليَن، ولكن إذ كان الجمهور مزدحما للغاية، كان من المستحيل عليهم التقهقر إذ كانوا مكدسين إلى أبعد نقطة على نحو لا يسمح بشق طريق. فقتل الجنود بسيوفهم عددا كبيرا من غير الراغبين فى التقهقر تحت ضغط الزحام، كما وطأوا بالأقدام فوقهم. وهكذا نُفِّذ مرسوم الامبراطور، واستلم مقدونيوس الكنائس([267]) بينما نُفِىَّ بولس على غير المتوقع من كنيسة القنسطنطينية.
(3/9/5) وكان أثناسيوس فى نفس الوقت قد فرَّ وأخفى نفسه خوفا من وعيد الامبراطور الذى هدد بعقابه بالموت. إذ جعل الهراطقة الامبراطور يعتقد أنه هو سبب الفتن، وأنه اذا ما عاد إلى ايبارشيته سيتسبب فى موت اشخاص عديدين. ولكن غضب الامبراطور قد اشتعل بصفة رئيسية من الادعاء بأن أثناسيوس قد باع مؤونة كان الامبراطور قنسطنطين قد وهبها فيما سبق لفقراء الأسكندرية، وأنه استولى على الثمن.
الكتاب الثالث: الفصل العاشر
(اسقف روما يكتب إلى اساقفة الشرق لصالح أثناسيوس. اساقفة الشرق يرسلون وفدا لأسقف روما. قنسطانس يرفض مقابلتهم)
(3/10/1) وإذ ارسل اساقفة مصر بيانا مكتوبا بأن هذه الافتراءات باطلة، وإذ اقتنع يوليوس أن أثناسيوس لن يكون بتاتا فى آمان فى مصر، أرسله إلى مدينته الخاصة. وردَّ فى نفس الوقت على رسالة الاساقفة الذين كانوا مجتمعين فى انطاكية، إذ تصادف أن استلم رسالتهم وقتئذ، واتهمهم بإدخال ابتداعات خفية ضد عقائد مجمع نيقية، وأنهم نقضوا قوانين الكنيسة بإهمالهم دعوته للإنضمام إلى مجمعهم إذ زعم أن هناك قانون مقدس ينص على أن أى مرسوم يصدر مناقضا لحكم اسقف روما يُعتبَر باطلا([268]) كذلك وبخهم على انحرافهم عن العدالة فى كل اجرائاتهم ضد أثناسيوس فى صُور وماريوتيس([269]) Mareotis وسجل أن المراسيم الصادرة من المدينة الأولى قد أُبطِلَت بسبب الافتراء المتعلق بيد ارسينيوس وفى المدينة الثانية بسبب غياب أثناسيوس. وأخيرا وبخهم على لهجة العناد فى رسالتهم.
(3/10/2) واتخذ يوليوس مدفوعا بكل هذه الاسباب موقف الدفاع عن أثناسيوس وبولس وكان الثانى قد وصل إلى ايطاليا ليس قبل ذلك بوقت طويل وناح بمرارة من هذه الافتراءات. وعندما ادرك يوليوس أن ما كتبه إلى أولئك الذين يشغلون رتبا مقدسة فى الشرق صار عبثا، رفع الامر إلى قنسطانس.
(3/10/3) وبناءً عليه، كتب قنسطانس إلى أخيه قنسطانتيوس يسأله إرسال بعض أساقفة الشرق ليسَّووا مسألة مراسيم الخلع التى أصدروها. فإنتخب ثلاثة اساقفة لهذا الغرض هم: نارسيسوس اسقف ايرينوبوليس Irenopolis فى كيليكية([270])، وثيودور اسقف هيراكليا فى تيراكيا ([271])، ومارك اسقف آريثوسا Arethusaفى سوريا. وعند وصولهم إلى ايطاليا، جاهدوا فى تبرير اعمالهم ومحاولة اقناع الامبراطور بأن الأحكام الصادرة عن المجمع الشرقى كانت عادلة.
(3/10/4) وعندما طُلِب منهم تقديم بيان بمعتقدهم اخفوا الصيغة التى اصدروها سابقا فى انطاكية، وقدَّموا كتابة اعترافا آخر كان معادلا فى لهجته لعقائد مجمع نيقية. وأدرك قنسطانس أنهم قد أوقعوا بغير عدلٍ بكل من أثناسيوس وبولس ومنعوهما من شركة التناول لا لسبب ضدهما، ولكن ببساطة بسبب اختلاف العقيدة، ومن ثمة صرف المندوبين دون إعطائهم أى ضمان لِما أتوا من أجله.
الكتاب الثالث: الفصل الحادى عشر
(مجمع سارديكا. اساقفة الشرق يخلعون اسقف روما وهوسيوس)
(3/11/1) وبعد ذلك بثلاث سنوات ارسل اساقفة الشرق إلى اساقفة الغرب صيغة الايمان التى دُعِيَت "ماكورستيكوس"([272]) μακρόστιχος ἔκθεσις بسبب الفاظها وأفكارها المسهبة التى تتجاوز أى صيغة اعتراف سابقة. فى هذه الصيغة لم يذكروا أى شىء عن جوهر الله، ولكن حرموا أولئك الذين يقولون أن الابن برز من العدم، أو أنه أقنوم آخر، وليس من الله أو أنه كان هناك وقت لم يوجد فيه.
(3/11/2) وحمل هذه الوثيقة يودوكيوس الذى كان مازال اسقفا لجرمانيكيا، ومارتيريوس ومقدونيوس، ولكن كهنة الغرب لم يُسلِّموا بها، إذ قد أعلنوا أنهم مقتنعون تماما بالعقائد المؤسسة فى نيقية ويرون أنه من غير الضرورى بتاتا الانشغال بهذه المسائل.
(3/11/3) وبعد أن طلب قنسطانس الامبراطور من أخيه إعادة تثبيت اتباع أثناسيوس فى كراسيهم، ووجد أن طلباته صارت عبثا بسبب تأثير أولئك الذين تبنوا الهرطقات الكريهة. وعندما توسل فريق أثناسيوس وبولس بالأكثر للامبراطور قنسطانس فى عقد مجمع لبحث المكائد المدبرة ضد العقائد الارثوذكسية، اتفق رأى الامبراطوريَن على عقد مجمع يضم اساقفة الشرق والغرب فى سارديكا([273])Sardica فى يوم معيَّن، وهى مدينة فى ايلليريا.
فكتب أساقفة الشرق الذين اجتمعوا سابقا فى مدينة فيلبوبوليس Philippopolis بتيراقيا إلى اساقفة الغرب الذين كانوا مجتمعين الآن فى سارديكا أنهم لن ينضموا إليهم ما لم يطردوا اتباع أثناسيوس من الاجتماع ومن شركة التناول معهم لأنهم مخلوعين. وفيما بعد، ذهبوا إلى سارديكا ولكنهم أعلنوا عدم دخولهم الكنيسة ما دام هؤلاء المخلوعين مسموحا لهم بالتواجد هناك.
فرد عليهم أساقفة الغرب أنهم لم يعزلوهم قط وأنهم لن يُذعنوا لذلك الان، وبصفة خاصة لأن يوليوس اسقف روما بعد أن فحص الحالة لم يُدِنهم، وإلى جانب ذلك هم حاضرون ومستعدون للدفاع عن أنفسهم ودحض الافتراءات الموجهة ضدهم.
(3/11/4) ومع ذلك، لم تُجدِ هذه التصريحات. وإذ كان الوقت المحدد لمناقشة الاختلافات التى من أجلها قد اجتمعوا قد انقضى، كتبوا فى النهاية رسائل إلى بعضهم بعضا بشأن هذه المسائل، وأدوا بذلك إلى زيادة عدم الاتفاق عما كان عليه سابقا.
(3/11/5) وبعد أن إجتمعوا على انفراد، اتخذوا قرارات متضادة إذ أكد اساقفة الشرق الاحكام التى سبق أن اتخذوها ضد أثناسيوس وبولس ومارسيللوس واسكاليباس، كما عزلوا يوليوس اسقف روما لأنه كان أول مَن يقبل مَن قد ادانوهم فى شركة التناول. كما عزلوا هوسيوس المعترف أيضا جزئيا لنفس السبب وجزئيا لأنه كان من ضمن أولئك الذين قبلوا بولس فى شركة التناول، وكان سببا فى عودته إلى القنسطنطينية ولأنه استبعد من التناول اساقفة الشرق الذين توجهوا إلى الغال. وإلى جانب هؤلاء عزلوا بروتوجينس اسقف سارديكا وجودانتيوس. الأول لأنه اهتم بمارسيللوس رغم ادانته سابقا والثانى لأنه تبنى منحى مخالف لمنحى كرياكوس سلفه وعضَّد افراد مخلوعين كثيرين.
(3/11/6) وبعد أن اصدروا هذه الاحكام، اعلنوها لجميع اساقفة الاقاليم لكى لا يشتركوا فى التناول معهم، ولا يكتبوا رسائل إليهم، أو يتلقوا منهم رسائل. كما أمروهم أيضا أن يؤمنوا بما قيل عن الله فى الصيغة التى أرفقوها برسالتهم، والتى لا يذكرون فيها اصطلاح واحد فى الجوهر، ولكن فقط حرم أولئك الذين يقولون ثلاثة آلهة، أو أن المسيح ليس الله، أو أن الآب والإبن والروح القدس نفس الشىء، أو أن الإبن غير مولود، أو أن هناك وقت لم يكن موجودا فيه.
الكتاب الثالث: الفصل الثانى عشر
(اساقفة الغرب فى مواجهة الحزب الاريوسى الشرقى)
(3/12/1) وفى نفس الوقت اجتمع انصار هوسيوس معا وأعلنوا براءة كلا من أثناسيوس لأن الدسائس التى حيكت من قِبل أولئك الذين اجتمعوا فى صُور كانت ظالمة؛ ومارسيللوس لأنه لم يعتنق الآراء التى أُتُهِم بها؛ واسكيلباس لأنه أُعيد تثبيته فى ايبارشيته بتصويت من يوسيبيوس بامفيلوس وقضاة آخرين كثيرين كما هو ثابت من سجلات المحاكمة؛ وأخيرا لوكيوس لأن متهموه قد فرَّوا.
(3/12/2) وكتبوا إلى ايبارشيات كلٍ منهم يأمروهم بقبول اساقفتهم وبالاعتراف بهم. وقد سجلوا أن غريغوريوس لم يُرَّشح من قِبلهم اسقفا على الأسكندرية، ولا باسيليوس اسقفا على انقيرا، ولا كونتيانس Quintianusاسقفا على غزة. وأنهم لم يقبلوا هؤلاء الرجال فى شركة التناول ولم يعتبروهم حتى مسيحيين.
(3/12/3) وقد عزلوا عن كراسيهم: ثيودور اسقف تيراقيا، ونارسيسوس اسقف ارينوبوليس، واكاكيوس اسقف قيصرية فلسطين، ومينوفانتوس اسقف افسس، واورساكيوس اسقف سيجدونس Sigidunus فى موسيا Mœsia، وفالنس اسقف مورسيا Mursia فى بانونيا([274]) Pannonia، وغريغوريوس اسقف لاودوكية على الرغم من أن هذا الأخير لم يحضر مجمع الاساقفة الشرقيين. وقد مُنِع هؤلاء المذكورين عاليه من الكهنوت، ومن شركة التناول لأنهم فصلوا الإبن عن جوهر الآب، ولأنهم قبلوا الذين سبق عزلهم بسبب اعتناقهم للهرطقة الاريوسية، وأكثر من ذلك رقوهم إلى رتب كهنوتية أعلى فى خدمة الله.
(3/12/4) وبعد أن استبعدوا هؤلاء لهذه الأسباب وحكموا عليهم بأنهم غرباء عن الكنيسة الجامعة، كتبوا إلى الاساقفة فى كل الأمم بعد ذلك يأمروهم بتأكيد هذه المراسيم وأن يكونوا فكرا واحدا فى الموضوعات العقائدية. كما ألفوا أيضا وثيقة ايمان كانت أكثر غزارة من وثيقة نيقية على الرغم من أنها حافظت بشدة على نفس الفكر مع تغيير بسيط جدا فى بعض الكلمات المستخدمة.
(3/12/5) واذ خشى هوسيوس وبروتوجينس اللذين حازا المرتبة الاولى بين الاساقفة الغربيين المجتمعين فى سارديكا من أن يُتَهما بإحداث ابتداعات فى عقائد مجامع نيقية، كتبا إلى يوليوس يشهدون أنهم متمسكون بشدة بهذه العقائد، ولكنهما مضطران تحت ضغط الحاجة إلى الوضوح، إلى التوسع فى العبارات الاصطلاحية لكى لا يستغلها الاريوسيون اعتمادا على الايجاز فى الوثيقة لكى يخدعوا بها غير المتمرسين على الديالوج.
(3/12/6) ثم انفض المجمع، وعاد الاعضاء إلى أوطانهم. وقد انعقد هذا المجمع فى زمن قنصلية روفينوس ويوسيبيوس، وبعد وفاة قنسطنطين بحوالى أحد عشر سنة. وكان هناك حوالى ثلاثمائة اسقف لمدنٍ فى الغرب، وأكثر من ستة وسبعين اسقفا من الشرق، كان من بينهم اسخريون الذى عُيِّن اسقفا لماريوتيس من قِبل أعداء أثناسيوس.
وقد رويتُ ما قد حدث من كلٍ من الفريقين.
الكتاب الثالث: الفصل الثالث عشر
(الغرب يتمسك بالعقائد النيقية، والشرق يغرق فى نزاعات بين بدعة وأخرى)
(3/13/1) وبعد هذا المجمع بطلت المحافظة على الاتصالات بين الكنائس الغربية والكنائس الشرقية، التى توجد عادة بين افراد لهم نفس الايمان، وأحجموا عن الاشتراك فى التناول مع بعضهما البعض. وانفصل مسيحيو الغرب عن الشرق، حتى إلى تيراقيا وايلليريا.
وقد اختلطت هذه الحالة المنقسمة للكنيسة كما هو مفترض بوجهات النظر المنشقة والافتراءات. وعلى الرغم من أنهم قد اختلفوا سابقا فى الموضوعات العقائدية، إلا أن الشيطان لم يحظ بمجال واسع إذ كانوا مازالوا يشتركون فى التناول معا ولم يكونوا راغبين فى اضرام المشاعر.
(3/13/2) والتصقت الكنيسة فى سائر ارجاء الغرب بالكامل بعقائد الآباء وابتعدت عن العقائد المثيرة للشقاق. وعلى الرغم من أن اوكسنتيوس الذى صار اسقفا لميلان، وفالنس واورساكيوس اساقفة بانونيا قد حاولوا أن يقودوا ذلك الجزء من الامبراطورية إلى المذهب الاريوسى، فإن مجهوداتهم قد خضعت لمراقبة دقيقة من قِبل رئاسة كرسى روما والكهنة الآخرين الذين قضوا على بذور الهراطقة.
(3/13/3) وبالنسبة للكنيسة الشرقية على الرغم من أنها قد انشقت منذ مجمع انطاكية، وعلى الرغم من أنها قد اختلفت جهارا مع صيغة الايمان النيقاوى إلا أن الغالبية فى الحقيقة، على ما أظن، كانوا متحدين فى نفس الفكر ويعترفون أن الإبن من جوهر الآب.
(3/13/4) ومع ذلك كان هناك بعضُ مغرمين بإثارة المعارك ضد مصطلح "مساوى فى الجوهر"، لأن هؤلاء المعارضين للكلمة منذ البداية، ظنوا كما استنتج، وكما حدث لمعظم الناس أن ذلك سيُحِط من قدرهم أن يظهروا مهزومين. وقد اقتنع آخرون بحقيقة العقائد الخاصة بالله، بعادة المنازعات المتكررة فى هذه الموضوعات وظلوا بعد ذلك متشبثين بها. ورأى آخرون أن مثل هذه المشاحنات ينبغى ألاَّ تثور، فمالوا إلى ما يُرضى كل من الطرفين بسبب تأثير الصداقة أو مدفوعين بأسباب متعددة غالبا ما تدفع الناس إلى الأخذ بما ينبغى رفضه وإلى أن يسلكوا بلا جسارة فى الظروف التى تتطلب اقتناعا عميقا.
(3/13/5) بينما اعتبر آخرون أنه من السخف قضاء وقتهم فى سفسطة الكلام، فتبنوا تماما مشاعر مجمع نيقية. وقد حافظ بولس اسقف القنسطنطينية واثناسيوس اسقف الأسكندرية وكل جمهرة الرهبان وانطونيوس الكبير الذى كان مازال حيا وتلاميذه وعدد كبير من المصريين ومن المناطق الأخرى فى المقاطعات الرومانية بثبات وجهارا بعقائد مجمع نيقية، وفى سائر الاقاليم الاخرى فى الشرق، خلال عهد قنستانتيوس.
(3/13/6) ولما كنتُ قد أشرتُ إلى الرهبان، فإننى سأذكر بإيجاز أولئك الذين ازدهروا فى عهد قنسطانتيوس.
الكتاب الثالث: الفصل الرابع عشر
(عن الرهبان)
(3/14/1) سأبدأ روايتى بمصر، وبالمقاريَن اللذيَن كانا أشهر الرؤساء المشهورين للاسقيط والجبل المجاور. كان واحدُ من أهل مصر، والآخر دُعِى بوليتيكوس([275]) Politicus لأنه كان مواطنا ومن أصل اسكندرى. وكلاهما وُهبِا على نحو عجيب فلسفة ومعرفة إلهية([276]) لدرجة أن الشياطين كانت ترتعد منهم، وأجريا أعمالا كثيرة فوق عادية، واشفية اعجازية. وتقول القصص أن المصرى أقام ميتا إلى الحياة لكى يُقنِع هرطوقيا بحقيقة القيامة من الاموات. وقد عاش حوالى تسعين سنة، قضى ستين منها فى الصحارى. وعندما بدأ فى شبابه دراسة الفلسفة([277]) تقدم بسرعة لدرجة أن الرهبان لقبوه بالشاب الشيخ، وسيم كاهنا فى سن الاربعين.
(3/14/2) أما مقاريوس الآخر فقد صار كاهنا فى فترة متأخرة فى حياته، وكان متمرسا فى كل فنون النسك. بعضها اختاره لنفسه بنفسه، وبعضها سمع به عن آخرين فتبارى فى تنفيذه بنجاح لدرجة أن جفاف جلده حال دون نمو شعر لحيته.
(3/14/3) وازدهر فى نفس الفترة والمكان أيضا بامبو وهيراكليس وكرونيوس وبافنوتيوس وبوتوباستس وآرسيسيوس وسيرابيون الكبير، وبيتوريون الذى سكن بالقرب من طيبة، وباخوميوس مؤسس [جماعة] الرهبان المعروفين بالطبانسيين. وكانت ثياب وإدارة هذه الفلسفة([278]) تختلف نوعا ما عن تلك التى للرهبان الآخرين. ومع ذلك كان اعضاؤها مُكرَّسين للفضيلة، ويزدرون بأمور الدنيا، ويُثِيرون النفس للتأمل السمائى ويُعدّون أنفسهم لترك الجسد بإبتهاج. كانوا يرتدون الجلود تذكارا لايليا، ويبدو لى أن ذلك لكى تظل فضيلة النبى دائما فى ذاكرتهم ويكونون قادرين مثله على مقاومة اغراءات المسرات الارضية برجولة، وأن يسلكوا بغيرة مماثلة وأن يستحثوا على ممارسة الاعتدال على رجاء المكافأة بالمثل. وقد قيل أن الملابس الخاصة بهؤلاء الرهبان المصريين كانت تشير إلى بعض الاسرار المرتبطة بفلسفتهم([279]) ولذا لا تختلف عن تلك التى للآخرين بدون سبب. فهم يرتدون جلاليب tunics بدون أكمام لكى ما يُعلِّموا أن الأيادى ينبغى ألاَّ تكون مستعدة لعمل الشر. وهم يرتدون غطاءً لرؤوسهم يُدعى "قلنسوة" لكى يُظهِروا أنه ينبغى أن يعيشوا فى براءة وطهارة الأطفال الذين يتغذون باللبن، فيرتدون نفس الشكل. والمِنطقة التى يرتدونها حول وسطهم والشرائط التى حول أكتافهم وأذرعتهم تعلّمهم أن يكونوا مستعدين دائما لعمل وخدمة الله. وإننى أعى بالأسباب التى تُعزَى لملبسهم الخاص، ولكن ما قلته يبدو لى كافيا.
(3/14/4) وقد قيل أن باخوميوس عند بداية ممارسته لهذه الفلسفة عاش فى مغارة. ولكن ملاكا مقدسا قد ظهر له وأمره أن يجمع الرهبان الشباب ويعيش معهم، لأنه قد نجح جيدا فى ممارسة هذه الفلسفة، لكى يدربهم على الشرائع العتيدة أن تُسلَّم له، وهو يمتلك الآن منافع كثيرة تفيد كثيرين كقائد لجماعات، وأُعطِى له عندئذ لوح مازال محفوظا بعناية. وقد نُقِش عليه تعليمات بمقتضاها يسمح لكل واحدٍ أن يأكل ويشرب ويعمل ويصوم تبعا لمقدرته على العمل. فهؤلاء الذين يأكلون جيدا يمارسون اعمالا شاقة، أما النساك فتُسنَد إليهم اعمالا أخف. وأمر أن يَبنِى قلالى كثيرة يقيم فى كلٍ منها ثلاثة رهبان يتناولون معا وجباتهم فى صمت فى قاعة طعام عامة، ويجلسون حول المائدة وهم يُسدِلون ساترا على وجوههم لكى لا يقدرون على رؤية أى شىء آخر سوى ما هو موضوع أمامهم على المائدة. ولم يكن مسموحا للغرباء بالأكل معهم فيما عدا المسافرين الذين يُظهرون لهم كرم الضيافة. وأولئك الذين يرغبون فى العيش معهم كان عليهم أن يخضعوا لمدة تلمذة ثلاث سنوات، وتُسنَد لهم خلال هذه السنوات واجبات للعمل بها. وبهذه الطريقة يمكنهم المشاركة فى جماعتهم. وهم يرتدون جلودا، ويلبسون قلنسوة([280]) من الصوف المزخرف بنقوش من الارجوان، وجلباب من الكتان ومناطق. وكانوا ينامون بجلاليبهم وأرديتهم الجلد. وهم ممددين على كراسى طويلة مصممة على نحو خاص لكى تكون قريبة من طرفيها ليكون لها مادة كل مرقد.
(3/14/5) وفى أول وآخر يوم من الأسبوع يتناولون من السرائر المقدسة. ويحلون عندئذ مناطقهم ويطرحون عنهم أرديتهم الجلد. وعليهم أن يصلّوا اثناعشر صلوة كل يوم. وغالبا اثناء المساء، ويًقدِّمون نفس عدد الصلوات اثناء الليل. وفى الساعة التاسعة([281]) يصلون الثالثة([282]) وعندما يتقدمون لتناول الطعام ينشدون مزمورا قبل كل صلوة. وكانت الجماعة كلها تنقسم إلى أربعة وعشرين فئة، كل منها يسَّمى بأحد الحروف اليونانية. وكل واحد ينتمى إلى هذه الفئة أو تلك حسب سلوكه وعاداته. وهكذا الحرف يوتا يُعطَى للأكثر بساطة، وزيتا أو خاى لغير البسطاء. والحروف الأخرى تُختَار تبعا للغرض المناسب لشكل الحرف.
(3/14/6) هذه كانت سنن باخوميوس التى حَكمت تلاميذه. لقد كان رجلا أحب الناس، وكان محبوبا من الله. لدرجة أنه تكهن بالآتيات، وسُمِح مرارا بالتواصل مع الملائكة القديسين. كان يقيم فى طابينا Tabenna بطيبة، ومن ثمة الاسم طابينيسيين الذى مازال مستمرا. وبتبنيهم لهذه القواعد فى ادارتهم صاروا مشهورين جدا، وتزايدوا بشدة بمرور الوقت لدرجة أن وصل عددهم إلى سبعة آلاف. ولكن الجماعة فى جزيرة([283]) طابينا التى عاش فيها باخوميوس كانت تشمل ألف وثلاثمائة. وأقام الآخرون فى طبايس Thebaïs والمواضع الأخرى من مصر. وجميعهم راعوا قاعدة واحدة، وكان كل شىء مشتركا بينهم. وكانوا يعتبرون الجماعة الموجودة بطابينا أمهم، ومدبروها آباءهم وأمراءهم([284]).
(3/14/7) وفى حوالى نفس الفترة تبنى ابولونيوس الفلسفة الرهبانية. وقيل أنه كرَّس نفسه لهذه الفلسفة فى الصحراء من عمر خمسة عشر سنة، وأنه عندما بلغ الاربعين من العمر توجه بناء لأمر إلهى للسكن فى المناطق المعمورة بالناس. وكانت له بالمثل جماعة فى طيبايس Thebaïs وكان محبوبا جدا من الله فأسبغ عليه قوة اجراء اعمال شفاء اعجازية. كان كاملا فى المحافظة على الواجب، وعلَّم الآخرين فى هذه الفلسفة بطيبة وصلاح عظيمين. وكان مقبولا فى صلاته لدرجة أنه ما من شىء طلبه من الله ولم يحصل عليه، لكنه كان حكيما حتى أنه كان يعرض على الله الطلبات الفطنة التى يكون مستعدا لإجابتها دوما.
(3/14/8) وأعتقد أن آنوف Anuph المكرَّم قد عاش فى حوالى هذه الفترة. لقد علمتُ أنه منذ وقت الاضطهاد عندما قدَّم نذره الأول للمسيحية، لم ينطق قط بالزيف ولا رغب فى شىء من الأرضيات. وكانت كل طلباته وتضرعاته إلى الله مستجابة بالكامل وقد تعلّم كل فضيلة من ملاك مقدس.
ومع ذلك فليكفى ما قد قلناه عن الرهبان المصريين.
(3/14/9) وفى حوالى نفس الفترة، غُرِست ذات الفلسفة فى فلسطين، بعدما تعلم هيلاريون([285]) المكرَّم فى مصر ونال صيتا عظيما. لقد كان مواطنا من ثاباثا([286]) Thabatha وهى قرية تقع بالقرب من مدينة غزة نحو الجنوب ويهددها سيل جارف يصب فى البحر، وقد حصلت على اسمها هذا من شعب ذلك المكان. فعندما كان يدرس النحو فى الاسكندرية، توجه إلى الصحراء لرؤية الراهب انطونيوس الكبير وتعلّم فى صحبته تبنى فلسفة مماثلة. وبعد أن قضى فترة قصيرة هناك عاد إلى بلده إذ لم يكن مسموحا له بالبقاء هناك كما رغب، بسبب الحشود الملتفة حول انطونيوس. وإذ وجد أن والداه قد تُوفيا، وزع نصيبه بين اخوته والفقراء ودون أن يُبقِى أى شىء لنفسه، وخرج إلى الصحراء الواقعة بالقرب من البحر على مسافة حوالى عشرين استاديا من قريته المحلية، وسكن هناك. وكانت قلايته دار ضيقة جدا مشيدة من الطوب والشقف، وكان طولها وعرضها وارتفاعها لا يقدر أن يقيم فيها أحد بدون احناء الرأس، والرقاد فيها بدون مد الأرجل. لقد جاهد فى كل شىء ليتعود على المشقة وقهر الترف. ولم يصِل أحدٌ ممن عرفناهم إلى مثل تلك المكانة العالية لإتضاعه وهدوءه. لقد جاهد ضد الجوع والعطش، ضد البرد والحر، والأتعاب الأخرى للجسد والنفس. كان حارا فى السلوك، شجاعا فى الحديث، متمتعا بذاكرة جيدة ودقيقة للأسفار المقدسة. لقد كان محبوبا جدا من الله حتى أن الكثيرين الآن من المتعبين والمسوسين([287]) يُشفوَن عند قبره.
(3/14/10) ومما هو جدير بالملاحظة أنه قد دفن أولا فى قبرص لكن رفاته توجد الآن فى فلسطين. فقد تصادف أنه قد توفى فى خلال إقامته فى قبرص فدفنه السكان بإحترام وتكريم عظيم. ولكن هيزيكاس Hesychasواحد من أكثر تلاميذه شهرة سرق الجسد ونقله إلى فلسطين ودفنه فى ديره الخاص. ومنذ تلك الفترة والسكان يقيمون احتفالا سنويا عاما ومشهورا. لأن العادة فى فلسطين إقامة هذا التكريم لمن يتمتع بشهرة لطيبته مثل اوريليوس وانسيدونيوس والكسيون مواطن من بيت اجاثون، والافيون من آثاليا Asaleaالذى عاش فى عهد قنستانتيوس بتقوى وشجاعة فى ممارسة الفلسفة. وبواسطة فضائلهم الشخصية ربحوا عددا زائدا من بين المواطنين والقرويين الذين كانوا مازالوا وثنيين إلى الايمان.
(3/14/11) وفى نحو ذات الفترة تبنى يوليانوس ذات الفلسفة بالقرب من اديسا وجرب طريقة قاسية جدا وغير بدنية للحياة لدرجة أنه بدا جلدا وعظم بلا لحم. إن سرد حياته تعود إلى تاريخ افرايم السريانى الذى كتب قصة حياة يوليانوس. إن الله نفسه أكدَّ الاكرام العظيم الذى اسبغه الناس عليه، إذ وهبه قدرة اخراج الشياطين وشفاء كل انواع الامراض بدون تناول ادوية ولكن ببساطة بالصلاة.
(3/14/12) وبالإضافة إلى هؤلاء ازدهر آخرون كثيرون من الفلاسفة الكنسيين فى مقاطعات اديسا وآميدا وحول جبل يُدعَى جوجاليوس Gaugalius. ومن بين هؤلاء دانيال وسيمون. ولكننى لن اتكلم الآن بشىء عن الرهبان السوريين إذ سأصفهم على نحو وافٍ انشاء الله فيما بعد.
(3/14/13) ولقد قيل أن يوستاثيوس الذى حَكم كنيسة سباستا Sebaste فى ارمينيا، قد أسس جماعة من الرهبان فى ارمينيا وبافلاجونيا وبونطس، وصار مدبرا لتلمذة نشطة سواء من جهة الوجبات التى يتم تناولها أو تجنبها، والملابس التى تُرتدَى والعادات والسلوكيات التى يجب تبنيها. ويؤكد البعض أنه كان مؤلِف المقالات المنسوبة بصفة عامة إلى باسيليوس الكبادوكى. وقيل أن لحيته الطويلة أدت إلى تجاوزات تُعتبَر ضدا لقوانين الكنيسة. ومع ذلك فإن اشخاصا كثيرين يبررون له هذه العلل ويُلقون باللوم على بعض تلاميذه الذين أدانوا الزواج ورفضوا الصلاة إلى الله فى بيوت المتزوجين، واحتقروا الكهنة المتزوجين([288]) وصاموا فى أيام الرب([289]) وعقدوا اجتماعاتهم فى منازل خاصة، واعلنوا أن الأغنياء ليس لهم نصيب فى ملكوت الله، وأدانوا مَن يأكلون طعاما حيوانيا. ولم يُبقوا على الجلباب العادى والمناطق كملبسٍ لهم لكنهم اتخذوا رداءً غريبا وغير مرغوب فيه وعملوا بدعا أخرى كثيرة. وانخدعت نساء كثيرات بهم وتركن ازواجهن، ولكن إذ لم يستطعن ممارسة التقشف سقطوا فى الدعارة. وقصَّت نساء أخريات، تحت ستار التدين، شعرهن([290]) وسلكن على نحو لا يليق بالمرأة بظهورهن بملابس رجال.
(3/14/14) فإجتمع معا اساقفة جانجر Gangr واوليج oelig المجاورة ومطران بافلاجونيا Paphlagonia واعلنوا أن كل مَن يتبنى هذه التعاليم يكون غريبا عن الكنيسة الجامعة، ما لم يجحد، طبقا لتعريفات المجمع، كل هذه العادات السابق ذكرها. وقيل أنه منذ ذلك الوقت، استبدل يوستاثيوس ملابسه بالفرو، وجعل سفرياته مثل الكهنة الآخرين مُثبِتا بذلك أنه لم يدخل ولم يمارس مثل هذه الابتداعات بإرادته الخاصة ولكن من أجل النسك والتقوى. لقد أُشتُهر بنقاوة سيرته بقدر ما أُشتُهِر بأحاديثه. لم يكن بليغا ولم يدرس قط فن البلاغة ومع ذلك كان يحظى بحاسة قابلة للإعجاب وقدرة عالية على الاقناع لدرجة أنه حث رجالا ونساءً كثيرين كانوا يعيشون فى زنى أن يسلكوا حياة معتدلة ونشطة. لقد رُوِى أن رجلا وإمرأة كانا قد كرَّسا نفسيهما لحياة البتولية حسب عادة الكنيسة، قد أُتهما بزيجة غير شرعية معا. فجاهد لأن يَكُفا عن المعاشرة، وإذ وجد أن هذا الحث لم يؤثر عليهما تنهد بعمق وقال أن المرأة المتزوجة شرعا عندما سمعت حديثه ذات مرة عن مزايا ضبط النفس قد تأثرت بشدة لدرجة أنها أحجمت طواعية عن المعاشرة الشرعية مع زوجها. لكن ضعف قواه للاقناع كان مرتبط من ناحية أخرى بحقيقة أن الطرفين المذكورين عاليه كانا يُصران على المعاشرة غير الشرعية. هكذا كان الرجال الذين تأصلوا فى ممارسة التلمذة الرهبانية فى المناطق المذكورة عاليه.
(3/14/15) وعلى الرغم من أن التيراقيين والإيلليريين والأمم الأوربية الأخرى كانت مازالت غير مختبرة فى الجماعات الرهبانية إلا أنه لم يكن يعوزها مع ذلك رجالا كرسوا انفسهم [لهذه] الفلسفة. من هؤلاء مارتن سليل عائلة نبيلة فى سابوريا Saboria ببانونيا Pannonia والذى كان الأكثر شهرة. كان أصلا محاربا متميزا وقائد جيوش، لكنه حسب خدمة الله أكثر شرفا، فإعتنق حياة الفلسفة وعاش أولا فى ايلليريا.
(3/14/16) وهنا دافع بشدة عن العقائد الأرثوذكسية ضد هجمات الاساقفة الاريوسيين. وبعد أن تعرض لمكائد ضده وللضرب مرارا من الناس طُرِد من البلد. فذهب إلى ميلان، وسكن بمفرده. ومع ذلك سرعان ما أٌجبِر على مغادرة مكان عزلته بسبب دسائس اوكسنتيوس اسقف تلك المنطقة الذى لم يكن يؤمن ايمانا سليما بالايمان النيقاوى فتوجه إلى جزيرة تدعى جاليناريا Gallenaria حيث بقى هناك لبعض الوقت مشبعا نفسه ببعض جذور النباتات إذ كانت جاليناريا جزيرة صغيرة غير مأهولة، تقع فى بحر تيرانيا Tyrrhenia. وقد عُيّن مارتن بعد ذلك اسقفا على كنيسة تارسينية Tarracinæ([291]). وقد وُهِب بغزارة بهبات اعجازية لدرجة أنه اقام ميتا إلى الحياة وأجرى آيات أخرى كعجائب مثل تلك التى اجراها الرسل.
(3/14/17) وقد سمعنا أن هيلارى الرجل التقى فى حياته وفى حديثه، قد عاش فى حوالى نفس الفترة، وفى نفس البلد. وقد أُجبِر كمثل مارتن على الهرب من مكان مسكنه بسبب غيرته فى الدفاع عن الايمان.
(3/14/18) لقد رويتُ الآن ما أقدر على تأكيده بشأن الرجال الذين مارسوا الفلسفة([292]) بتقوى وبطقوس كنسية. وهناك كثيرون آخرون كانوا بارزين فى الكنائس فى نفس الفترة بسبب بلاغتهم. ومن بين هؤلاء الأكثر تميزا كان يوسيبيوس الذى مارس خدمة الكهنوت فى اميسا، وتيطس اسقف بوسطرا Bostra ، وسيرابيون اسقف تموى، وباسيليوس اسقف انقيرا، ويودوكسيوس اسقف جرمانيكا، وأكاكيوس اسقف قيصرية، وكيرلس الذى حكم كرسى أورشليم، ودليل تعليمهم ظاهر فى الكتب التى كتبوها وخلفوها وراءهم والأشياء الكثيرة الجديرة بالتسجيل.
الكتاب الثالث: الفصل الخامس عشر
(ديديموس الكفيف، واتيوس الهرطوقى)
(3/15/1) ديديموس، كاتب كنسى ورئيس مدرسة التعليم المقدس بالأسكندرية، اينع فى حوالى نفس الفترة. كان مُلِّما بكل فروع العلم وماهرا فى الشعر والبلاغة والفَلك وعِلم الهندسة ونظريات الفلسفة العديدة. وكان مُلِّما بكل هذه المعارف بجهوده الذهنية المدعومة بحاسة سمعه، لأنه صار كفيفا خلال فترة تعلمه الأولى.
(3/15/2) وعندما تَقدَّم فى شبابه أبدى رغبة حارة فى اقتناء الخطابة والتدريب، ولهذا الغرض تردد على اساتذة هذه الفروع مُتعلِّما بالسمع فقط، وأظهر تقدما سريعا لدرجة أنه أدرك بسرعة المسائل الصعبة فى الرياضيات. لقد قيل أنه تعلّم حروف الابجدية بواسطة ألواح منقوشة عليها، وكان يلمسها بأصابعه([293])، وبذا جعل نفسه مُلِّما بمقاطع الكلمات بقوة الانتباه والذاكرة والاصغاء بعناية للأصوات. إن حالته غير العادية جعلت الكثيرين يتقاطرون إلى الاسكندرية لسماعه أو على الاقل لرؤيته. إن ثباته فى الدفاع عن عقائد مجمع نيقية لم تكن بالطبع محل رضا الاريوسيين. لقد اقنع عقول المستمعين بيُسر أكثر من قوة المنطق، وجعل كل واحد هو الذى يَحكم على النقاط المثارة. لقد سعى إليه بشدة اعضاء الكنيسة الجامعة ومدحه رهبان مصر وانطونيوس الكبير.
(3/15/3) لقد رُوِى أنه عندما ترك انطونيوس الصحراء وتوجه إلى الأسكندرية ليشهد لصالح عقائد أثناسيوس، أن قال لديديموس ليس أمرا عسيرا ولا يستحق أن تحزن لأجله يا ديديموس أنك حُرِمت من قوة البصر التى تمتلكها الفئران والجرذان والحيوانات الدنيا، لكنها بركة عظيمة أن تمتلك عيونا مثل الملائكة بها يمكنك أن تتأمل الكائن الإلهى عن قرب وترى المعرفة الحقيقية.
(3/15/4) وكان هيلارى ويوسيبيوس اللذان ذكرتهما عاليه فى ايطاليا ومقاطعاتها، واللذان كتبا بلسان مواطنيهم([294]) مقالات بشأن الايمان ضد البدع، قد قالا أن لوسيفر، كما تقول القصة، كان مؤسس الهرطقة التى تحمل اسمه والتى ظهرت فى هذه الفترة. وبالمثل حاز اتيوس Aëtius مكانة عالية بين المبتدعين وكان مجادلا وماهرا فى النزاع، وطالبا مٌجِّدا فى مثل هذه الاشكال ولكن بدون فن. لقد جادل بجسارة بشأن طبيعة الله حتى أن الكثيرين قد اعطوه اسم ملحد Atheist. وقد قيل أنه كان أصلا طبيبا من انطاكية بسوريا، وأنه كان يتردد كثيرا على الكنائس، ودرس الكتب المقدسة، وصار مُلِّما بجالوس Gallusالذى كان آنذاك قيصرا، والذى كرَّم الديانة كثيرا واعتنى بأساتذتها ومن المحتمل أنه عندما نال اتيوس إعجاب قيصر بواسطة هذه المجادلات أن خصص نفسه بالأكثر لهذه المنازعات لكى ينال رضا الإمبراطور أكثر. وقيل أنه تبنى فلسفة ارسطو وتردد على مدارسها بالاسكندرية.
(3/15/5) وبالاضافة إلى الاشخاص المذكورين عاليه كان هناك كثيرون آخرون قادرين على تعليم الناس واقناعهم بشأن عقائد الكتاب المقدس. وإنها لمهمة عظيمة أن نذكر اسماءهم جميعا.
(3/15/6) ولا يبدو غريبا إن قدمتُ توصيات بشأن قادة البدع السابق ذكرهم، أو المتحمسين لها، فاننى معجب ببلاغتهم ومثابرتهم فى الخطابة. وإننى أدعْ الحُكم على عقائدهم لمَن لهم الحق. لأننى لستُ بالشخص المناسب للولوج فى مثل هذه الأمور، ولا هى ملائمة فى التاريخ، فأنا فقط أسرد الأحداث كما حدثتْ دون اضافات من عندى.
(3/15/7) لقد أحصيتُ فى الرواية عاليه الكثيرين ممن صاروا متميزين فى ذلك الوقت، فى العِلم وفى الخطابة، والذين استخدموا اللغات الرومانية واليونانية، حسبما تلقيتُ روايات عنهم.
الكتاب الثالث: الفصل السادس عشر
(القديس افرايم)
(3/16/1) ونال افرايم السريانى اقصى تكريم، وكان أعظم حِلية فى الكنيسة الجامعة. كان مواطنا من نصيبين Nisibis، أو كانت عائلته من المناطق المجاورة. لقد كرَّس حياته للفلسفة الرهبانية وعلى الرغم من أنه لم ينل أى تعليم فقد صار على عكس التوقعات متميزا فى عِلم ولغة السريان لدرجة أنه أدرك بسهولة نظريات الفلسفة العسرة.
(3/16/2) إن نمط كتاباته كان مُفعَما بفن الخطابة الرائعة، وغِنى واعتدال الفكر لدرجة أنه فاق أكثر كُتَّاب اليونان المشهورين. فلو تُرجِمت كتابات هؤلاء الكُتّاب إلى اللغة السريانية أو أية لغة أخرى وحادت كما لو كانت عن لغة اليونان، فإنها ستُبِقى على القليل مِن قيمتها أو بلاغتها الأصلية. ولكن إنتاج افرايم ليس به هذه السيئة، فقد تُرجِم إلى اليونانية فى حياته، وما زالت الترجمات حتى الآن تتم، ومع ذلك تحتفظ بالكثير من قوتها الأصلية، لدرجة أن أعماله تحظى بإعجاب مَن يقرأها من اليونانية ليس بأقل ممن يقرأها بالسريانية.
(3/16/3) وكان باسيليوس([295]) الذى صار اسقفا على متروبولية كبادوكيا فيما بعد، مُعجبَا بشدة بافرايم، ومندهشا من سعة اطلاعه. إن وجهة نظر باسيليوس المُعترَف به على نطاق عام بأنه أكثر رجال عصره بلاغة، لهى شهادة قوية على ما أظن لاستحقاق افرايم، أكثر من أى شىء آخر لمدحه. لقد قيل أنه كَتَب ثلاثة آلاف بيت، وأنه كان له تلاميذ كثيرون يلتصقون بشدة بتعاليمه. وكان اشهرهم آباس، زينوبيوس، ابراهام، ماراس، سيمون، والذين كان السريان وأيا كان بينهم يسعى بشغف للتعلم منهم بفخر عظيم. وقد مُدِح بولانس واراناد على خطابتهما على الرغم من أنه قيل أنهما قد حادا عن العقيدة الصحيحة.
(3/16/4) ولستُ جاهلا أن هناك بعض الرجال المتعلمين قد برزوا فى أوسرينيا([296])Osroëne ، منهم على سبيل المثال بارداسانس Bardasanes الذى أوجد بدعة نُعتِت بإسمه، وهارمونيوس Harmonius ابنه. لقد قيل أن الأخير كان شاعرا عظيما فى البلاغة اليونانية وكان أول من يُخضِع لغة أهله للقوانين الموسيقية والقياسية([297])، وقد سلَّم هذه الأبيات لخورس، وإلى الآن يغنى السريان مرارا ليس النُسخ المختصرة لهارمونيوس ولكن نفس الألحان. وإذ لم يكن هارمونيوس حرا من أخطاء أبيه، اعتنق آراء متعددة بشأن النفس وتوالد وهلاك الجسد والتناسخ الذى نادى به الفلاسفة اليونانيون. وقد أدخل بعض هذه الأفكار فى أناشيده الغنائية التى ألفها.
(3/16/5) وعندما أدرك افرايم أن السريان مفتونين ببلاغة التأليف ورِتم الألحان، خشى أن يمتصوا ذات الآراء، لذلك، وعلى الرغم من جهله بالعِلم اليونانى، كرَس نفسه لفهم قياس التناغم وألَّف قصائد طبقا لعقائد الكنيسة، ووضع تسابيح مقدَّسة فى مدح الانسان الذى بلا أهواء([298]). ومنذ ذلك الوقت والسريان ينشدون قصائد افرايم طبقا لوزن هارمونيوس.
إن انجاز هذا العمل وحده لكافٍ للبرهنة على الموهبة الطبيعية لأفرايم.
(3/16/6) إنه اُشتُهِر بأعماله الجيدة التى انجزها، كمثل التهذب الراسخ الذى اتبعه. لقد كان مُغرَما بصفة خاصة بالهدوء. وكان جادا للغاية ومهتما بعدم اعطاء أية فرصة للافتراء لدرجة أنه امتنع حتى عن رؤية النساء. لقد قيل أن إمرأة ذات حياة مستهترة وكانت إما عن رغبة فى تجربته، أو لأنها قد أُرتُشِيَت لهذا الغرض، تجاهد فى مناسبة ما لمشاهدته وجها لوجه، وتُثبِّت عينيها عن قصد عليه. فانتهرها وأمرها أن تنظر إلى الأرض. فأجابت المرأة ليس لى أن اطيع أمرك، فأنا لم أولد من الأرض ولكن أنتَ. فمن العدل أن تنظر أنتَ إلى الأرض التى نبعت منها، بينما أنظر أنا إليك إذ قد وُلِدتُ منك. فإندهش افرايم من المرأة الصغيرة وسجل الموقف كله فى كتاب اعتبره معظم السريان واحدا من أعظم منتجاته.
(3/16/7) وقد قيل أيضا عنه أنه على الرغم من أنه كان عُرضة للوجع([299]) طبيعيا، لكنه لم يتعرض قط لمشاعر الغضب نحو أىَّ أحدٍ منذ فترة اعتناقه للحياة الرهبانية. فقد حدث أنه بعد صومه لأيام عديدة حسب العادة أن سقط من خادمه، اثناء تقديم بعض الطعام له، الطبق الذى كان يضعه فيه. وإذ أدرك افرايم أنه غُلِب بالخجل والرعب قال له: تشجع فإننا سنذهب نحن إلى الطعام بما أن الطعام لم يأتِ لنا، وفى الحال جلس بجوار قطع الطبق وتناول عشاءه.
(3/16/8) وماذا يمكننى أن اروي ما يُظهِر عصمته بالكامل من المجد الباطل. لقد عُيِّن اسقفا على مدينة ما، وجرت محاولات لإبعاده عن الغرض الذى سيم من أجله. وبمجرد أن وعى بالمقصود، ركض إلى السوق وأظهر نفسه كمجنون بالسير على نحو غير سليم، وهو يجر ملابسه ويأكل جهارا. أما أولئك الذين أتوا ليجعلوه اسقفا لهم فعندما رأوه فى هذه الحالة اعتقدوا أنه فقد عقله ورحلوا، فإنتهز هو هذه الفرصة وهرب، وظل مختبئا حتى تم سيامة آخر فى مكانه.
(3/16/9) إن ما قلتُ الآن بشأن افرايم، لا بد وأنه كافٍ، على الرغم من أن رفقاء وطنه يروون الروايات الأخرى الكثيرة عنه. غير أن سلوكه فى مناسبة ما قبل نياحته بوقت قصير تَظهَر لى أنها جديرة بالتذكر حتى أننى سأسجلها هنا.
(3/16/10) إذ تعرضت مدينة اديسا لمجاعة شديدة، ترك موضع اعتزاله الذى يمارس فيه الفلسفة، ووبخ الأغنياء لسماحهم بموت الفقراء حولهم، بدلا من تزويدهم من فوائضهم. وعرَض عليهم فلسفته وهى أن الثروة التى كدسوها بعناية سوف تؤول إلى دينونتهم وهلاك نفوسهم والتى هى أكثر قيمة من كل غِنى، وإلى هلاك الجسد نفسه، وكل القيم الأخرى، وأثبت لهم أنهم لا يُقدِّرون بتاتا نفوسهم بسبب اعمالهم. فأجاب الأثرياء، من توقيرهم للرجل ولكلامه، نحن لا نعتزم اكتناز ثرواتنا ولكننا لا نعرف أحدا يمكننا أن نثق فيه ليوزع منقولاتنا لأن الجميع معرضون للسعى وراء الكسب ولخيانة الثقة الموضوعة فيهم. فسألهم افرايم، ماذ تظنون فىَّ؟. فسلّموا أنه كفؤ وممتاز ورجل صالح، ومحل تقدير وهذا ما تؤكده بالضبط شهرته. فعرَض عليهم القيام بتوزيع صدقاتهم. وبمجرد أن تلقَّى نقودهم، أوجد نحو ثلاثمائة مرقدا فى رواقات عامة، وقام بنفسه بتمريض المرضى ومَن يُعانون من ألم المجاعة سواء أكانوا من أهالى المناطق المجاورة أم أجانب. وعندما انقضت المجاعة عاد إلى قلايته التى كان يقطنها سابقا. وبعد مرور بضعة أيام توفى.
(3/16/11) إنه لم ينل درجة اكليريكية سوى شماس، على الرغم من أنه لم يكن أقل شهرة ممن سيموا لدرجات كهنوتية، وكان محل اعجاب بحياته الصالحة وعِلمه.
(3/16/12) والآن، لقد قدمتُ وصفا ضافيا لشخصيته وللرجال المنيرين الآخرين الذين ازدهروا فى حوالى نفس الفترة وكرسوا انفسهم لحياة ومهنة الفلسفة. وبالنسبة لبعض الأمور سيتطلب الأمر كاتبا ما مثلما كان هو. وهى محاولة تفوق قدرتى بسبب ضعف اللغة وجهل الناس انفسهم واستغلالهم.
لقد أخفى البعض انفسهم فى الصحارى، وجاهد البعض الذى عاش بالقرب من المدن، للحفاظ على مظهر الدعة، ولكى ما يظهروا على نحو ما غير مختلفين عن الجمهور، كانوا يمارسون فضائلهم وهم يُخفون حقيقة انفسهم لكى ما يتجنبوا مديح الناس. لأنهم إذ كانوا عازمين على ربح المنافع الآتية، فإنهم جعلوا الله وحده شاهدا على افكارهم غير مكترثين بالمجد الخارجى.
الكتاب الثالث: الفصل السابع عشر
(انتشار المسيحية فى هذه الفترة)
(3/17/1) وأولئك الذين ترأسوا الكنائس فى هذه الفترة، قد تميزوا بسلوكهم الشخصى. وكما هو متوقع، كان الشعب الذين ترأسوا عليهم متمسكين بعبادة المسيح. وتقدمت الديانة يوميا بالغيرة والفضيلة والاعمال العجيبة من الكهنة، ومن الفلاسفة الكنسيين الذين لفتوا أنظار الوثنيين، وقادوهم إلى جحد خرافاتهم.
(3/17/2) وكان الأباطرة الذين اعتلوا العرش آنذاك غيورين مثل آبائهم على حماية الكنائس، فأسبغوا على الكهنة الإكرام والإعفاء من الضرائب هم وأولادهم([300]) وعبيدهم. وعززوا القوانين التى سنها آباهم. وأصدروا قوانين جديدة. تحظر تقديم ضحايا، أو عبادة الصُوَر([301]) أو أية فروض وثنية أخرى فأمروا بغلق المعابد[الوثنية] فى المدن أو الريف. وسُلِّمت بعض هذه المعابد للكنائس، حيثما كانت الأرض أو المواد اللازمة للبناء مطلوبة. وأُسبِغت اقصى عناية على بيوت الصلاة، ورُمّمت تلك التى تداعت بفعل الزمن، وشُيِّدت أخرى من قواعدها بنمط غير عادى للفخامة. إن كنيسة اميسا هى احدى الكنائس الشهيرة بجمالها والجديرة بالمشاهدة. ومُنِع اليهود من شراء أي عبيد ينتمون إلى أى هرطقة أخرى خلاف هرطقتهم([302]) وإذا خالفوا ذلك يصادر عبيدهم للعامة، وإذا طبقوا عليهم طقس الختان اليهودى فإن الموت ومصادرة ممتلكاتهم تكون العقوبة.
(3/17/3) إذ لما كان الأباطرة تواقين لنشر المسيحية بكافة السبل فقد حسبوه ضروريا منع اليهود من تهويد أولئك الذين كان اسلافهم من ديانة أخرى، وحافظوا على اٍولئك الذين كان يُرجَى ايمانهم بالمسيحية بعناية للكنائس، لأن المسيحية ازدادت من الجمهرة الوثنية.
الكتاب الثالث: الفصل الثامن عشر
(بشأن عقيدة كل من إبنىّ قنسطنطين. الفرق بين هومووسيوس وهوموأوسيوس. متى هجر قنستانتيوس الإيمان القويم)
(3/18/1) وحافظ الإمبرطوران منذ البداية على وجهة نظر أبيهما بشأن العقيدة، فقد شايع كل منهما شكل الايمان النيقاوى. فقنسطانس حافظ على هذا الرأى إلى وفاته. أما قنستانتيوس فقد تمسك بوجهة نظر مماثلة لبعض الوقت، ثم هجر مع ذلك مفاهيمه السابقة عندما ثار النزاع حول مصطلح مساوى فى الجوهر([303]).
(3/18/2) ومع ذلك لم يحِد بالكلية عن الاعتراف بأن الابن هو مثل الآب فى الجوهر. إن اتباع يوسيبيوس واساقفة الشرق الآخرون الذين كانوا محل اعجاب لخطابتهم وسيرتهم، قد ميزوا كما نعرف بين مصطلح "مساوى" فى الجوهر (هومووسيوس homoousios) وبين تعبير "مثل جوهر"([304]) الذى نعتوه فيما بعد بمصطلح homoiousios([305]). إنهم يقولون أن مصطلح "هومووسيوس" مساو فى الجوهر يخص الكائنات الفانية مثل البشر والحيوانات والاشجار والنباتات التى يشترك أصلها فى اشياء متماثلة. ولكن المصطلح homoiousios يخص حصريا الكائنات غير الجسدانية مثل الله والملائكة، والذين كل منهما يتشكل المفهوم طبقا لجوهره الخاص المميز.([306])
(3/18/3) وقد انخدع الامبراطور قنستانتيوس بهذا التمييز([307])، وعلى الرغم من اننى لستُ متأكدا من أنه تمسك بذات عقائد أبيه وأخيه، إلا أنه تبنى التغيُر فى التعبير واستخدم مصطلح "هوموأوسيوس" homoiousiosبدلا من هوموسيوس homoousios.
إن المعلِّمين الذين أشرنا اليهم قد ألمحوا إلى ضرورة هذا الاستخدام الموجز فى المصطلحات وإلاَّ سنكون بدلا من ذلك فى خطر ادراك أن الجسد غير فانى. غير أن الكثيرين مع ذلك اعتبروا هذه التفرقة سخفا لأن الأمور المُدرَكة بالعقل، كما يقولون، يمكن فقط أن تُنعَت بأسماء مشتقة من أمور تُرَى. ومن ثمة ليس هناك خطر ما على الاطلاق فى استخدتم الكلمات شريطة ألاَّ يكون هناك خطأ فى الفكر.
الكتاب الثالث: الفصل التاسع عشر
(منازعات أكثر بشأن المصطلح. مجمع ارمينيم)
(3/19/1) وليس مستغربا أن يُغوَى قنستانتيوس بتبنى مصطلح "هومو أوسيوس" إذ كان يُسلِّم به كثيرون من الكهنة المعارضين لعقائد مجمع نيقية. وقد استخدم كثيرون المصطلحين على السواء لينقلوا نفس المعنى.
(3/19/2) ومن ثمة يبدو لى أن الاريوسيين قد حادوا بشدة عن الحق عندما أكدوا أن كثيرين من الكهنة من بينهم يوسيبيوس وثيوجينيس قد رفضوا، بعد مجمع نيقية، التسليم بأن الابن مساوِ للآب فى الجوهر وأن قنسطنطين لم يكن عادلا بالتالى فى معاقبتهم. ويقولون أنه قد أُعلِن لأخته فيما بعد فى حُلم أو رؤيا من الله أن هذيَن الاسقفيَن كانا يتمسكان بعقائد ارثوذكسية وأنهما قاسا ظلما، وأن الإمبراطور قد دعاهما لذلك وأمرهما بالتسليم بعقائد نيقية، ولا سيما أنهما كانا مشاركين فى الوثيقة الخاصة بالايمان التى سُنَّت هناك، ومن ثمة أسرعا فى الرد بأنهما لا يوافقان على هذه العقائد، ولكنهما خشيا، إذا ما طال النزاع أن يرجع الإمبراطور الذى كان على وشك اعتناق المسيحية، ولم يكن قد نال المعمودية بعد، إلى الوثنية كما يبدو محتملا ويضطهد الكنيسة([308]).
(3/19/3) ويؤكدون أن قنسطنطين كان مسرورا بهذا الدفاع وعزم على عقد مجمع آخر غير أن الموت حال بينه وبين تنفيذ عزمه، ومن ثمة آلت المهمة إلى ابنه الأكبر قنستانتيوس الذى حدد([309]) له أنه لن يملك القوة الإمبراطورية ما لم يرسخ بثبات العبادة فى سائر ارجاء امبراطوريته. ويقولون أن قنستانتيوس بناء على وصية ابيه عقد مجمعا فى ارمينيم Ariminum.
(3/19/4) ومن السهل أن نرى أن هذه القصة هى فبركة كبيرة، لأن المجمع عُقِد خلال قنصلية هيباتيوس ويوسيبيوس، وبعد أن اعتلى قنستانتيوس عرش الإمبراطورية بعد وفاة والده باثنتين وعشرين سنة. وخلال مدة الاثنين والعشرين سنة هذه عُقِدت مجامع كثيرة نوقش فيها إستخدام المصطلحين، هوموسيوس وهوموأوسيوس. ولم يجرؤ أحدٌ على إنكار أن الإبن مثل الآب فى الجوهر، إلى أن بدأ اتيوس Aëtius الرأى المضاد، وصُدِم الإمبراطور لدرجة أنه لكى يوقف مجرى الهرطقة أمر الكهنة بالاجتماع معا فى ارمينيم وسيلوقية.
(3/19/5) وهكذا كان السبب الحقيقى لعقد هذا المجمع ليس أمر قنسطنطين، ولكن المسألة التى أثارها اتيوس. وهذه ستظهر بأكثر وضوح فيما سنرويه بعد ذلك.
الكتاب الثالث: الفصل العشرون
(إعادة تثبيت أثناسيوس ثانية على كرسيه بخطاب من قنستانتيوس)
(3/20/1) وعندما أُبلِغ قنسطانس بما تم سنّه فى مجمع سارديكا، كَتب إلى أخيه يطلب منه إرجاع اتباع أثناسيوس وبولس إلى كنائسهما الخاصة بهما. وإذ بدا قنستانتيوس مترددا، كَتب إليه ثانية مُهددا بالحرب ما لم يوافق على استقبال الاساقفة.
(3/20/2) فوجد قنستانتيوس بعد التفكير فى الأمر مع اساقفة الشرق، أنه من الحماقة التعرض لرعب حرب أهلية فى هذا الصدد. لذلك استدعى أثناسيوس من ايطاليا وأرسل مركبات عامة لنقله عند عودته إلى الوطن، وكَتب رسائل عديدة يطلب عودته السريعة.
(3/20/3) وعندما استلم أثناسيوس الذى كان يقيم عندئذ فى اكويليا([310]) Aquilea رسائل قنستانتيوس، توجه إلى روما يستأذن يوليوس واصدقائه. فشيعه بحفاوة عظيمة واعطاه رسالة موجهة إلى اكليروس وشعب الاسكندرية، تحدث فيها عنه كرجل عجيب يستحق الشهرة للمعاناة العديدة التى تحملها، وهنأ كنيسة الاسكندرية بعودة هذا الكاهن الصالح جدا، وحثهم على اتباع عقائده.
(3/20/4) ثم توجه عندئذ إلى أنطاكية بسوريا حيث كان الإمبراطور يقيم عندئذ. وكان ليونتيوس يرأس كنائس ذلك الاقليم، لأنه بعد هروب يوستاثيوس استولى اولئك الذين يتمسكون بالمفاهيم الهرطوقية على كنيسة انطاكية. وكان أول اسقف يعينوه هو يوفرونيوس، وقد خلفه بلاستيوس وفيما بعد استيفان. وقد خُلِع هذا الأخير كغير مستحق للرتبة، وحصل ليونتيوس على الايبارشية. وقد تجنبه أثناسيوس كهرطوقى، واشترك مع أولئك المدعوين يوستاثيين([311]) والذين كانوا يجتمعون فى بيت خاص.
(3/20/5) ووجد أن قنستانتيوس كان ميالا إلى الموافقة، وبدا أنه يرغب فى رد الكنائس الخاصة به إليه. [وعندما] قال قنستانتيوس بتحريض من قادة الهرطقة المضادة ما يلى: إننى مستعد لانجاز كل ما وعدتك به عند استدعائى لك، ولكن من العدل أن أطلب منك معروفا فى المقابل، وهو أن تُسلِّم إحدى الكنائس العديدة التى تحت تدبيرك لأولئك الذين يُحجِمون عن التناول معك. أجاب أثناسيوس: أيها الإمبراطور إنه من العدل جدا وأمرٌ لازم أن تُطاع أوامرك، ولن انقضها. ولكن بما أنه فى مدينة انطاكية هناك كثيرون يرفضون التناول مع غير الارثوذكس، فإننى ألتمس منك بالمثل معروفا وهو أن تُوهَب لنا إحدى الكنائس لنجتمع فيها بآمان.
(3/20/6) وإذ بدا للامبراطور أن طلب أثناسيوس معقول، وجد المبتدعون أنه من الكياسة بالأكثر الصمت، لأنهم فكروا أن آرائهم الخاصة لن تجد اطلاقا أرضا لها فى الأسكندرية بسبب أثناسيوس الذى كان قادرا على الحفاظ على مَن يتمسك بالتعاليم التى يتمسك هو بها، وأيضا على جذب أصحاب التعاليم المضادة. وأكثر من ذلك أنهم إن سلَّموا إحدى كنائس انطاكية فإن اليوستاثيين الذين كانوا عديدين جدا سيجتمعون معا، ومن المحتمل إذن أن يُثيروا المتاعب إذ أنهم سيكونون قادرين على المحافظة على مَن يتمسك بتعاليمهم بدون مخاطر. وبالاضافة إلى ذلك ادرك المبتدعون أنه على الرغم من أن ادارة الكنائس كانت فى يدهم، فإن كل الشعب والاكليروس لم يتبنوا تعاليمهم. فعندما رنموا تسبيحا للرب، انقسموا كالعادة إلى خورسين، وفى نهاية المدائح اعلن كل منهما مفاهيمه الخاصة به. فالبعض رفع التسابيح للآب والابن معتبرين أنهما متساويان فى المجد. وآخرون مجدوا الآب بالابن ليشيروا بواسطة إدراج حرف الجر إلى اعتبار الابن أدنى من الاب.
(3/20/7) وبينما كانت هذه الاحداث تجرى لم يجرؤ لينوتيوس اسقف الفريق المعارض الذى كان يرأس عندئذ كرسى انطاكية أن يمنع انشاد التسابيح لله، التى كانت تتفق مع تقليد مجمع نيقية لأنه خاف من ثورة الشعب.
(3/20/8) ويُروَى أنه قد رفع يده مع ذلك إلى رأسه التى كان شعرها ابيضا تماما وقال عندما يذوب هذا الثلج سيكون هناك وفرة من الطين. وقد قصد من هذه الاشارة إلى أنه عقب وفاته ستؤدِى أنماط مختلفة من انشاد التسابيح إلى شقاق عظيم، وأن خلفائِه سوف لا يُظهرون نفس الاعتبار للشعب مثل الذى أظهره هو.
الكتاب الثالث: الفصل الواحد والعشرون
(خطاب قنستانتيوس إلى شعب الأسكندرية. مجمع أورشليم )
(2/21/1) وعندما اعاد الإمبراطور أثناسيوس إلى مصر، كتب لصالحه إلى الاساقفة وكهنة القطر، وإلى شعب كنيسة الأسكندرية وشهد بكرامة مسلكه وتقوى سلوكه وحثهم على أن يكونوا بفكر واحد، وأن يتحدوا فى الصلاة وخدمة الله تحت ارشاده. وأضاف أنه إذا حاول أى اناس اشرار اثارة القلاقل فإنهم سيلقون العقاب القانونى المناسب لمثل هذه الجرائم. وقد أمر أيضا بمحو كافة المراسيم التى اصدرها سابقا ضد أثناسيوس والذين يشتركون معه من السجلات العامة، وأن يُسمَح للاكليروس الخاص به بنفس الاعفاءات التى كانوا يتمتعون بها سابقا، وأن تُبعَث المراسيم الخاصة بتنفيذ ذلك إلى حكام مصر وليبيا.
(3/21/2) وعند وصوله إلى مصر عزل أثناسيوس فى الحال كل مَن عَرِف أنه مشايعٌ للأريوسية، وأسند إدارة الكنيسة والاعتراف بمجمع نيقية ليد مَن وثق فيهم، وحثهم على التمسك به بشدة. وقيل أنه كان يباشر فى ذلك الوقت ذات التغيير فى كل البلاد التى كان يسافر إليها، إذا تصادف أن زار كنائس تحت يد اريوسيين.
(3/21/3) وبكل تأكيد، أُتُهِم أنه مارس طقوس السيامة فى مدن ليس له الحق فى عمل ذلك فيها. ولكن لأنه قد عاد رغما عن عدم رضاء أعدائه، وبدا أنه ليس من السهل أن يكون محلا لأى شك إذ قد كُرِّم بصداقة الإمبراطور قنسطانس، فإنه قد نُظِر إليه بتقدير أعظم مما كان سابقا. وقد قبله فى شركة التناول اساقفة كثيرون ممن كانوا فى عداوة معه سابقا، وخاصة أولئك الذين كانوا فى فلسطين. فعندما زارها فى ذلك الوقت، استقبلوه بترحاب، وعقدوا مجمعا فى اورشليم، وكَتَب مكسيموس وآخرون الرسالة التالية لصالحه.
الكتاب الثالث: الفصل الثانى والعشرون
(رسالة مجمع اورشليم لصالح أثناسيوس)
"من المجمع المقدس الملتئم فى اورشليم إلى الكهنة والشمامسة وكل شعب مصر وليبيا والاسكندرية، اخوتنا الاحباء والمكرمين جدا تحية من الرب. إننا لا نستطيع أبدا يا احبائنا أن نَفِى الله الشكر، خالق كل الأشياء على اعماله العجيبة التى انجزها الآن وخاصة البركات التى اسبغها على كنائسكم بعودة أثناسيوس راعيكم وسيدكم، وشريكنا فى الخدمة. مَن كان يقدر أن يأمل قط فى أن يرى ذلك بعينيه، الأمر الذى صار الآن فعلا. ولكن بالتأكيد قد سُمِعت صلواتكم من الله إله الجميع المعتنى بكنيسته، والذى اهتم بدموعكم وشكواكم واصغى فى هذا الصدد لمطالبكم لأنكم كنتم مشتتين ومُبعثَرين كقطيع بلا راعٍ. لذلك، قد أُعِيد لكم الراعى الحقيقى الذى عُيِّن من السماء، والمعتنى بقطيعه([312]) ليرعاكم كما ترغبون. هوذا نحن نعمل كل شىء من أجل سلام الكنيسة ومملوئين بالمحبة مثلكم. لذلك استقبلنا وعانقنا راعيكم وتناولنا معكم بواسطته، ونحن نبعث بخطابنا هذا وصلواتنا الافخارستية إليكم لكى ما تعرفوا كم نحن مُوثَقين برباط الحب له ولكم. إنه من الصواب أن تُصَلّوا من أجل تقوى الاباطرة المحبين لله الذين اعترفوا برغبتكم نحوه، وبطهارته، وعزموا على إعادته لكم بكل اكرام. اقبلوه اذن بأيادى مرفوعة، وكونوا غيورين على رفع صلوات افخارستية نيابة عنه إلى الله الذى اسبغ عليكم بهذه المنافع وأن تبتهجوا دوما بالله، وتمجدوا الرب بالمسيح يسوع ربنا الذى به المجد للآب إلى سائر الدهور آمين.
الكتاب الثالث: الفصل الثالث والعشرون
(إعتراف فالنس واورساكيوس بالإفتراء على أثناسيوس)
(3/23/1) هكذا كانت الرسالة التى كتبها المجمع المنعقد فى فلسطين. وفى وقت ما بعد ما نال أثناسيوس ترضية عن الظلم الذى شاهده من الحُكم الذى صدر ضده من مجمع صُور المُعترَف به من العامة، كتب فالنس واورساكيوس اللذان قد ارسلهما ثيوجينس واتباعه للحصول على معلومات فى ماريوتيس كما ذكرنا من قبل بشأن الكأس المقدس الذى اتهم اسخاريون أثناسيوس بكسرها، الاستدراك التالى إلى يوليوس اسقف روما:
"اورساكيوس وفالنس. إلى السيد يوليوس بابا روما المطوب. لمَّا كنا قد إتهمنا سابقا، كما هو معلوم جيدا، أثناسيوس الاسقف بتُهم كثيرة متعددة، بواسطة رسائلنا، وعلى الرغم من أن سعادتك قد حثثتنا برسائلك بشدة بالنسبة لهذا الموضوع الذى زعمناه جهرا، إلا أننا لم نكن قادرين على تقدير اسباب اتهامنا، ولذلك فإننا نعترف لسعادتكم فى حضور سائر الكهنة اخوتنا أن كل ما قد سمعته بشأن أثناسيوس السابق الذكر هو باطل تماما ومختلق، وهو غريب من سائر النواحى عن طبيعته، ولذلك فنحن نشترك فى التناول معه بكل ابتهاج مثل تقواكم بصفة خاصة طبقا لحب الصلاح الذى غفرت لنا به خطأنا. وأكثر من ذلك نعلن لك أنه إذا أراد اساقفة الشرق أو حتى أثناسيوس نفسه استدعاءنا للمحاكمة، فلن نتمتنع عن المحاكمة أو الخلع حسبما تقتضيه الحالة كما ترون. اننا الآن ودائما نحرم كما فعلنا سابقا فى المذكرة التى قدمناها فى ميلان، اريوس الهرطوقى واتباعه، الذى يقول أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الإبن، وأن المسيح وُجِد من العدم. وكل مَن ينكر أن المسيح هو الله وابن الله قبل كل الدهور. ونحن نحتج ثانية بخط يدنا أننا ندين دوما وابدا هرطقة اريوس السابق الذكر ومبتدعوها. انا اورساكيوس اوقع على هذا الاعتراف بتوقيعى الخاص، وبالمثل فالنس.
(3/23/2) هذا هو الاعتراف الذى ارسلاه إلى يوليوس. ومن الضرورى أيضا أن يُلحَق به رسالتهما إلى أثناسيوس وهى كما يلى:
"الاسقفان اورساكيوس وفالنس إلى أثناسيوس اخينا فى الرب. اننا ننتهز فرصة رحيل أخينا موسيوس والكاهن الشريك إلى سعادتكم ايها الأخ الحبيب ونرسل لكم معه تحياتنا من اكويليا ونرجو ان تصلك رسالتنا وانت فى صحة جيدة. اننا سنكون ممتنين للغاية إن كتبت لنا ردا على هذه الرسالة، عالما أننا فى سلام وشركة كنسية معك.
الكتاب الثالث: الفصل الرابع وعشرون
(عودة الاساقفة الشرقيين لكراسيهم)
(3/24/1) وهكذا عاد أثناسيوس فى ظل هذه الظروف من الغرب إلى مصر وعاد معه بولس ومارسيللوس واسكيليباس ولوكيوس الذين شملهم مرسوم الإمبراطور بإعادة المنفيين واستلموا كراسيهم.
(3/24/2) وعند عودة بولس إلى القنسطنطينية اعتزل فى الحال مقدونيوس فى كنيسة خاصة. وفى انقيرا كانت هناك جلبة كبيرة عند خلع باسيليوس([313]) من الكنيسة هناك، واعادة تنصيب مارسيللوس. أما الاساقفة الاخرون فقد أعيد تنصيبهم فى كنائسهم بدون صعوبة.
الكتاب الرابـع
الكتاب الرابع: الفصل الأول
(وفاة قنسطانس قيصر. الأحداث التى حدثت فى روما)
(4/1/1) وعقب مجمع سارديكا بأربع سنوات، قُتِل قنسطانس فى الغال الغربية، واستولى ماجننتيوس Magnentiusالذى دبَّر هذه المكيدة على حكومة قنسطانس. وفى نفس الوقت أُعلِن فيترانيو Vetranio امبراطورا فى سيرميوم([314]) Sirmium من قِبل القوات الايلليرية. وحشد نبوتيان Nepotian ابن اخت الامبراطور الأخير قوة من المحاربين وجاهد للاستيلاء على السلطة الامبراطورية. ونالت روما القديمة النصيب الأوفر من هذه الشرور. ومع ذلك قُتِل نبوتيان بواسطة جنود ماجننتيوس.
(4/1/2) وإذ وجد قنستانتيوس نفسه سيدا منفردا للامبراطورية، أعلن نفسه الحاكم الوحيد وأسرع إلى خلع الطغاة.
(4/1/3) وفى نفس الوقت إذ كان أثناسيوس قد وصل إلى الأسكندرية استعد لعقد مجمع من الاساقفة المصريين، ومعه المرسوم المُصدَق عليه فى سارديكا وفى فلسطين لصالحه.
الكتاب الرابع: الفصل الثانى
(قنستانتيوس ينفى أثناسيوس ثانية، وأولئك المتمسكين بعقيدة هومسيوس. وفاة بولس اسقف القنسطنطينية. اغتصاب مقدونيوس للكرسى البطريركى، واعماله الشريرة)
(4/2/1) وإذ انخدع الإمبراطور بإفتراءات المبتدعين، عدَل عن رأيه ونفى الاساقفة الذين قد أعادهم وذلك على العكس من مراسيم مجمع سارديكا. ومن ثم خُلِع مارسيللوس ثانية واستولى باسيليوس من جديد على اسقفية انقيرا. وأُلقِى لوكيوس فى السجن وتُوفى هناك. وحُكِم على بولس بالسجن المؤبد، ونُقِل إلى كوكوزم Cucusum بأرمينيا([315]) حيث توفى. ولم استطع مع ذلك، التأكد مما إذا كان قد توفى طبيعيا أم لا([316])، إذ مازال يُقال من أتباع مقدونيوس أنه قد خُنِق.
(4/2/2) وبمجرد أن أُرسِل إلى المنفى، استولى مقدونيوس على ادارة الكنيسة، إذ سانده بعض الرتب من الرهبان الذين انضموا إليه فى القنسطنطينية، وبواسطة التحالف مع اساقفة المناطق المجاورة شن كما قيل اضطهادا ضد أولئك المتمسكين بمفاهيم بولس. فطردهم أولا من الكنيسة ثم أجبرهم على الاشتراك معه فى التناول. وقد هلك كثيرون بسبب الجروح التى تلقوها فى المقاومة. وجُرِّد البعض من ممتلكاته، والبعض من المواطنة، ووُسِم البعض على جباههم بأداة حديدية لكى ما يوصموا كشائنين.
(4/2/3) ولم يُسَّر الإمبراطور بذلك عندما سمع بهذه المعاملات، وألقى باللوم على مقدونيوس وأتباعه.
الكتاب الرابع: الفصل الثالث
(اسشهاد موثقى العقود المُقدَّسين)
وازداد الاضطهاد عنفا وأدى إلى سفك الدماء. وكان مارتيريوس ومرقيان من بين الذين قُتِلوا. لقد كان يعيشان فى منزل بولس، وسُلِّما من قِبل مقدونيوس إلى الحاكم كمذنبين بتهمة قتل هرموجينس وبتنفيذ الشقاق السابق ضده. وكان مارتيريوس مساعد شماس([317])، ومرقيان مُنشِدا وقارئا للأسفار المقدسة. ومقبرتهما مشهورة، وتقع أمام أسوار القنسطنطينية كتذكار للشهيدين، ووُضِعت فى بيت للصلاة أقامه يوحنا([318]) وأكمله سيسينيوس اللذان ترأسا فيما بعد كنيسة القنسطنطينية، لأن هذيَن اللذيَن لم يكونا مستحقين لنوال كرامة الاستشهاد، قد كُرِّما من الله، لأن ذات المكان الذى قُطِعت فيه رأسيهما وماتا، والذى لم يكن أحد يقترب منه بسبب الاشباح قد تطهر الآن. وأولئك الذين كانوا تحت وطأة الشياطين قد تحرروا من الأمراض ومعجزات أخرى كثيرة قد أُجريَت من المقبرة، وهذه على وجه الخصوص يجب أن تُسجَّل عن مارتيريوس ومرقيان. واذا ما بدا أن ما قلته صعب التصديق، فمن السهل أن نلجأ إلى أولئك المُلِّمين جيدا بهذه الظروف وبالطبع سنجد معلومات أكثر عجبا بكثير من الأمور التى رويتها عنهما.
الكتاب الرابع: الفصل الرابع
(قنستانتيوس فى سيرميوم. جالوس يحمل لقب قيصر، ويُرسَل إلى الشرق)
(4/4/1) وعند نفْى أثناسيوس الذى حدث فى خلال هذه الفترة، اضطهد جورج كل مَن رفض الخضوع لمعتقداته فى سائر انحاء مصر. وزحف الإمبراطور إلى ايلليريا، ودخل سيرميوم التى توجه إليها فترانيو الذى عدَل الجنود فجأة عن إعلانهم له كإمبراطور، وحيّوا قنستانتيوس كحاكم أوحد وكأوغسطس، لأن كلا من الامبراطور ومؤيدوه قد جاهدوا لذات الفعل. وإذ أدرك فترانيو أنه قد تعرَّض لخيانة، طرح نفسه تحت أقدام قنستانتيوس فأشفق عليه حقا، ولكن جرَّده من الزينة الامبراطورية ومن الارجوان وألزمه بالعودة إلى الحياة الخاصة وأمده بحاجاته الخاصة من الخزانة العامة، وأخبره أنه من الجيد لرجل مسن أن يبتعد عن هموم الإمبراطورية ويعيش فى هدوء.
(4/4/2) وبعد الانتهاء من هذه الترتيبات بشأن فترانيو، أرسل قنستانتيوس جيشا كبيرا إلى ايطاليا ضد ماجننتيوس، وأسبغ عندئذ لقب قيصر على ابن عمه جالوس وأرسله إلى سوريا للدفاع عن المناطق الشرقية.
الكتاب الرابع: الفصل الخامس
(كيرلس يقوم بالخدمات المقدسة بعد مكسيموس. ظهور علامة الصليب الضخمة، والتى تفوق الشمس فى فخامتها، وتدوم لعدة أيام)
(4/5/1) فى ذلك الوقت تولى كيرلس ادارة كنيسة أورشليم بعد مكسيموس، وظهرت علامة الصليب فى السماء. كانت تظهر بلمعان ليست بأشعة متشعبة كمثل مذنب ولكن كنور عظيم مركز وكثيف بوضوح ولكن ليس شفافا. كان طوله خمسة عشر استاديا من جبانة جبل الزيتون، وكان عرضه متناسبا مع طوله.
(4/5/2) وقد أثارت هذه الظاهرة غير العادية رعبا عاما. فترك الرجال والنساء والأطفال بيوتهم وأسواقهم ووظائفهم وهرعوا إلى الكنيسة حيث أنشدوا التسابيح للمسيح معا واعترفوا اختياريا بإيمانهم بالله. ولم يكن المتعلمون فى مناطقنا بأقل اضطرابا، وقد حدث ذلك بسرعة. لأنه كما كانت العادة كان هناك مسافرون من كل مكان فى العالم يقيمون فى أورشليم للصلاة، أو لزيارة معالمها وشاهدوا هذه العلامة ونقلوا الحقيقة إلى اصدقائهم فى الوطن.
(4/5/3) وألمَّ الإمبراطور بالموضوع من التقارير العديدة الخاصة بها من ناحية، ومن رسالة للأسقف كيرلس من ناحية أخرى.
(4/5/4) وقد قيل أن هذه الاعجوبة كانت تحقيقا لنبوة قديمة فى الكتاب المقدس، وكانت واسطة لإعتناق الكثيرين من الوثنيين واليهود للمسيحية.
الكتاب الرابع: الفصل السادس
(فوتينوس اسقف سيرميوم وهرطقته. مجمع سيرميوم لمعارضته. صيغ ايمانية ثلاثة لهذا المجمع).
(4/6/1) وفى حوالى هذا الوقت أثار فوتينوس Photinusالذى كان يدير كنيسة سيرميوم هرطقة أمام الإمبراطور كان قد ابتدعها قبل ذلك بوقت ما. وقد أدت قدرته على الإقناع وطبيعة خطابه السهل إلى اتخاذ الكثيرين لطريقة تفكيره. فهو يعترف أن هناك إله واحد ضابط الكل، بكلمته وحدها خُلِقت سائر الأشياء. ولكنه كان لا يُسلِّم بأن وجود وولادة الابن كان قبل كل الدهور. فهو يزعم، على العكس، بأن المسيح استمد وجوده من مريم.
(4/6/2) وبمجرد أن أذاع هذا الرأى حتى أثار حنق الاساقفة الغربيين والشرقيين، واعتبروه ابتداعا فى الايمان الخاص بكل أحدٍ بصفة عامة. إذ أنه قوبل بإعتراض من كلٍ من أولئك الذين يعتنقون عقائد مجمع نيقية، وأولئك المشايعين لمفاهيم أريوس. وأيضا نظر الإمبراطور إلى الهرطقة بإشمئزاز وعقد مجمعا فى سيرميوم حيث ترأسه.
(4/6/3) ومن بين الاساقفة الشرقيين الذين حضروا هذا المجمع كان جورج الذى ترأس كنيسة الأسكندرية([319]) وباسيليوس([320]) اسقف انقيرا ومارك اسقف آرثوسا Arethusa. ومن بين الاساقفة الغربيين، حضر فالنس اسقف مورسا Mursa، وهوسيوس المُعترف.
(4/6/4) وهذا الأخير كان قد حضر مجمع نيقية ولذا لم يكن مشاركا فى هذا المجمع بإختياره إذ كان قد سبق وأن عوقب سابقا من خلال دسائس الاريوسيين، ولكنه أُستُدعِى إلى المجمع بأمر من الإمبراطور بتحريض من الاريوسيين، إذ رأوا أن حزبهم سيَقوى بحضوره إذا ما كسبوا، سواء بالإقناع أو بالقوة، رجلا محل إعجاب وتقدير عام مثل هوسيوس.
(4/6/5) وكان زمن انعقاد المجمع هو سنة بعد انتهاء قنصلية سرجيوس ونيجرنيان .Nigrinian وخلال هذه السنة لم يكن هناك قناصل سواء فى الشرق أو فى الغرب بسبب المنازعات المثارة من الطغاة.
(4/6/6) وخُلِع فوتينوس من المجمع إذ أُتُهِم بجمع أخطاء سابيللوس وبولس السموساطى. وسنَّ المجمع عندئذ ثلاث صيغ بالإضافة إلى الاعترافات السابقة، كانت إحداها مكتوبة باليونانية والأخريتان باللاتينية. ولكنها لم تتفق مع بعضها البعض ولا مع أى صيغة عقائدية سابقة سواء فى اللفظ أو المضمون. ففى الصيغة اليونانية الابن مساوى للآب ومن ذات الجوهر. وأُعلِن هناك أن أولئك الذين يزعمون أن الإبن ليست له بداية أو أنه انبثق من جوهر الآب، أو أنه متحد بالآب دون خضوع له محرومين([321]). وفى إحدى الصيغتين اللاتينيتين حُظِر القول من جوهر (الذى يدعونه الرومان substance) الله أو أن الإبن مساوى للآب، أو من ذات جوهر الآب، إذ أن هذه العبارات لم ترِد فى الكتاب المقدس وتفوق فهم ومعرفة البشر([322]). لقد قيل أنه يجب الاعتراف بأن الآب أسمى من الإبن([323]) فى الكرامة والعزة والألوهية وفى العلاقات الخاصة بإسم الآب، وأنه يجب الاعتراف بأن الابن، مثل كل الكائنات المخلوقة، خاضعا للآب([324])، وأن الآب لا بداية له، وأن ولادة الابن غير معروفة للجميع ما عدا الآب.
(4/6/7) وقد رُوِى أن هذه الصيغة عندما كمُلت أدرك الاساقفة الأخطاء التى بها، ورأوا ضرورة حجبها عن العامة وتصحيحها، وأن الإمبراطور قد هدد كل مَن يخفى أو يحجب أيا من النسخ التى حُرِّرت لها. ولكن ما أن نُشِرت لم تستطع أية جهود منعها.
(4/6/8) أما الصيغة الثالثة، فهى بذات المعنى مثل الأخريات فهى تحظر استخدام مصطلح جوهر substance بسبب المصطلحات المستخدمة فى اللاتينية، فبينما المصطلح اليونانى مستخدم بأكثر سهولة من قِبل الآباء، ولكن سبَّب عثرة لكثيرين من الجمهور غير المتعلم لأنه لم يوجد فى الكتاب المقدس، لذا وجدنا من المناسب منع استخدامه ونوصى بحذف كل ذِكر للمصطلح عند الاشارة إلى الألوهية، إذ أنه لم يرِد فى أى مكان فى الكتاب المقدس أن الآب والابن والروح القدس من ذات الجوهر same substance وإنما كلمة اقنوم person هى المكتوبة. ولكننا نقول اتساقا مع الأسفار المقدسة أن الابن مثل الآب.
(4/6/9) هذا هو القرار الذى تم التوصل إليه فى حضور الإمبراطور بشأن الايمان. وقد رفض هوسيوس أولا التصديق عليه، ولكن إذ كان هرما فقد رضخ تحت الضغط واللكمات التى أضرته بشدة، ووقَّع.
(4/6/10) وعقب خلع فوتينوس فكر المجمع فيما إذا كان من الممكن أم لا اقناع فوتينوس بالرجوع عن رأيه والتوقيع على صيغة الايمان التى أعدوها، ووعدوه بإسترداد اسقفيته، ولكن تحداهم لمناقشة عامة. وفى الوقت المُعيَّن لهذا الغرض اجتمع الاساقفة لذلك ومعهم القضاة المعينين من قِبل الإمبراطور لرئاسة هذه الجلسات والذين بسبب الكرامة والبلاغة حازوا الرتبة الأولى فى القصر. واُختِير باسيليوس اسقف انقيرا لإبتداء المناقشة مع فوتينوس.
(4/6/11) ودام الجدل مدة طويلة بسبب الاسئلة العديدة والأجوبة من قِبل الطرفين والتى كانت تدوَّن فى الحال بالإختزال، ولكن فى النهاية أُعلِنَت الغلبة لباسيليوس ونُفِى فوتينوس. ولكنه لم يكف عن نشر رأيه. وكَتَب أعمالا كثيرة باليونانية واللاتينية سعى فيها إلى اظهار سائر الآراء، ما عدا رأيه، على أنها غير صحيحة.
واختتم الآن، ما قد سجلته عن فوتينوس والهرطقة المسماة بإسمه.
الكتاب الرابع: الفصل السابع
(موت الطاغية ماجننتيوس وسيلفانوس المرتد. عصيان يهود فلسطين. مقتل جالوس قيصر)
(4/7/1) وفى نفس الوقت جعل ماجننتيوس نفسه سيدا على روما القديمة، وقتل عددا من السيناتورات ومن الشعب. وإذ سمع بتقدم جحافل قنستانتيوس انسحب إلى الغال، وهناك إلتقى الطرفان حيث كان النصر حليفا لكل منهما تارة وأخرى. ومع ذلك هُزِم ماجننتيوس أخيرا وهرب إلى مورسا Mursa التى هى حصن الغال هذه. وعندما رأى أن جنوده قد قنطوا لأنهم قد هُزِموا، وقف فوق ربوة عالية وسعى إلى إعادة شجاعتهم. ولكن على الرغم من أنهم خاطبوا ماجننتيوس بصيحات الاعجاب المعتادة للآباطرة، وكانوا مستعدين للهتاف عند ظهوره العلنى، إلاَّ أنهم هتفوا سرا وبدون تفكير مسبق لقنستانتيوس كإمبراطور بدلا من ماجننتيوس.
(4/7/2) وخلُص ماجننتيوس من هذه الظروف أنه ليس مُعيَّنا من الله للقيام بمهمة الإمبراطورية، فسعى إلى الانسحاب من الحصن إلى مكان ما أبعد. ولكن جحافل قنستانتيوس طاردته وهزمته عند بقعة تُدعَى جبل سلوقية Seleucus، فهرب وحده من الحصار إلى لوجدونا Lugduna. وعند وصوله إلى هناك ذبح أمه وأخيه الذى كان قد دعاه قيصرا، وأخيرا قتل نفسه. وليس بعد ذلك بوقت طويل، أنهى أخوه داكنتيوس أيضا حياته. وظل العامة فى شغب إذ قام سيلفانوس Silvanusليس بعد ذلك بوقت طويل، وادعى سيادته على الغال ولكنه قُتِل فى الحال على يد جنرالات قنستانتيوس.
(4/7/3) أيضا اجتاح يهود ديوقيصرية، فلسطين والمناطق المجاورة وحملوا السلاح عازمين على خلع النير الرومانى. وعندما سمع جالوس قيصر الذى كان آنذاك فى انطاكية بتمردهم أرسل كتائب ضدهم وهزمهم ودمر ديوقيصرية.
(4/7/4) وإذ افتتن بالنصر لم يستطع جالوس أن يقتنع بنشوته فتطلع إلى السلطة الاعلى فقتل ماجنوس القوِسطر([325]) quæstor، ودومتيان والى الشرق، لأنهما فتنا للإمبراطور بتطلعاته. فثار غضب قنستانتيوس واستدعاه إلى حضرته. ولم يجرؤ جالوس على عدم الطاعة وانطلق فى رحلته.
(4/7/5) وعندما وصل مع ذلك إلى جزيرة إيلافونا Elavona قُتِل بأمر الإمبراطور. وقد حدثت هذه الواقعة فى السنة الثالثة من قنصليته، والسابعة لقستنانتيوس.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن
(وصول قنستانتيوس إلى روما. عقد مجمع فى ايطاليا. رواية ما حدث لأثناسيوس الكبير بواسطة دسائس الاريوسيين)
(4/8/1) وبموت الطغاة توقع قنستانتيوس استعادة السلام، وإنتهاء الشغب. وغادر سيرميوم ليعود إلى روما القديمة لكى يتمتع بشرف النصر بعد انتصاره على الطغاة. وعزم بالمثل على دعوة الاساقفة الشرقيين والغربيين إذا أمكن، إلى الاتفاق بشأن العقيدة بعقد مجمع فى ايطاليا.
(4/8/2) وفى حوالى هذه الفترة توفى يوليوس([326]) بعد ادارته لكنيسة روما لمدة خمسة وعشرين سنة، وخلفه ليبريوس. وظن أولئك الذين عارضوا مجمع نيقية أنها فرصة مواتية للإفتراء على الاساقفة الذين قد خلعوهم، وأن يعملوا على طردهم من الكنائس بوصفهم يتمسكون بعقائد زائفة، ومخلين بالسلام العام، واتهموهم بإثارة سوء الفهم بين الأباطرة خلال حياة قنسطانس.
(4/8/3) وكان ذلك حقيقة كما روينا عاليه، إذ هدد قنسطانس أخيه بشن حرب ما لم يقبل بعودة الاساقفة الارثوذكسيين. وكانت جهودهم مركزة بصفة أساسية ضد أثناسيوس الذى كانوا يحنقون عليه بشدة، وحتى عندما كان محميا بقنسطانس ومتمتعا بود قنستانتيوس لم يستطيعوا اخفاء عداوتهم له.
(4/8/4) فإجتمع فى نيقية نارسيسوس اسقف كيليكية، وتيودور اسقف تراقيا، ويوجينوس اسقف نيقية، وباتروفيلوس اسقف سكيثوبوليس، ومينوفانتوس اسقف افسس، واساقفة آخرون ثلاثون بالعدد، وكتبوا رسالة إلى جميع الاساقفة فى سائر الأقاليم يسجلون فيها، أن أثناسيوس قد عاد إلى اسقفيته ضد أحكام الكنيسة، وأنه لم يُبرىء نفسه أمام أى مجمع وأنه كان مؤيدا فقط من قِبل بعض شيعته. وحثوهم على عدم الاشتراك معه فى التناول أو مراسلته، ولكن الاشتراك فقط مع جورج الذى كان قد سيم خلفا له.
(4/8/5) وازدرى أثناسيوس بهذه الاجراءات، ولكنه كان عتيدا أن يقاسى تجاربا أعظم من أىٍ مما عاناه من قبل. فعقب موت ماجننتيوس فى الحال، وجد قنستانتيوس نفسه، الإمبراطور المنفرد للإمبراطورية الرومانية، فوجه كل جهده إلى حض اساقفة الغرب على التسليم بأن الإبن هو مثل الآب فى الجوهر.
(4/8/6) ولكى ما ينفذ هذه الخطة لم يلجأ إلى الإجبار بل سعى إلى اغراء الاساقفة الآخرين إلى الموافقة على مراسيم اساقفة الشرق ضد أثناسيوس. لأنه ظن أنه إذا ما جعلهم يتفقون فى الرأى على هذه النقطة، فسيكون من السهل عليه بعد ذلك ادارة الشؤون المتعلقة بالديانة.
الكتاب الرابع: الفصل التاسع
(مجمع ميلان، وهروب أثناسيوس)
(4/9/1) وكان الإمبراطور متعجلا للغاية لعقد مجمع فى ميلان، ولكن عددا قليلا من اساقفة الشرق هم الذين توجهوا إلى هناك. فالبعض اعتذر عن الحضور بحجة المرض، وآخرون بدعوى مشقات الرحلة وطولها. ومع ذلك كان أكثر من ثلاثمائة من اساقفة الغرب فى المجمع.
(4/9/2) وأصر اساقفة الشرق على أن أثناسيوس يلزم أن يُعاقَب بالنفى ويُطرَد من الاسكندرية، وصمت الآخرون إما عن خوف وإما عن جهل.
(4/9/3) وكان ديونيسيوس اسقف آلبا Alba متربولية ايطاليا، ويوسيبيوس اسقف فيرسيلا Vercella فى ليجوريا Liguriaوبولينوس اسقف تريف، ورودانوس ولوسيفر هم الاساقفة الوحيدون الذين اعترضوا على هذا القرار، وصرحوا أن أثناسيوس لا ينبغى أن يُدَان على هذه المزاعم التافهة، وأن الشر لن يكف بإدانته، ولكن أولئك الذين أيدَّوا العقائد الارثوذكسية بشأن الألوهية سوف يخضعون فى الحال للمكائد. لقد أدركوا أن المسألة برمتها إنما هى خطة مدبَّرة من الإمبراطور والأريوسيين بقصد القضاء على الإيمان النيقاوى.
(4/9/4)وعوقبوا على جسارتهم بالنفى فى الحال. ونُفِى هيلارى معهم. وأظهرت النتيجة بوضوح القصد من عقد مجمع ميلان. لأن المجامع التى عُقِدت بعد ذلك بوقت قصير فى ارمينيّم وسيلوقيا كان القصد منها بوضوح هو تغيير العقائد المؤسسة فى مجمع نيقية كما سأوضح حالا.
(4/9/5) وإذ ادرك أثناسيوس المكائد المُدبَّرة لمحاكمته، وجد أنه من الفطنة عدم التوجه إلى الإمبراطور بشخصه إذ أن حياته ستكون فى خطر هناك، ولم يفكر فى أن ذلك سيكون له أية جدوى، ومع ذلك اختار خمسة من الاساقفة المصريين كان من بينهم سيرابيون اسقف تمى ([327]) وهو مدبر يتميز بقداسة حياته العجيبة وقوة بلاغته، وأرسلهم مع ثلاثة كهنة من الكنيسة إلى الإمبراطور الذى كان عندئذ فى الغرب. وكان عليهم أن يحاولوا الالتقاء بالامبراطور إن أمكن والرد على افتراءات الطرف المعادى عند الطلب، وأن يتخذوا كافة التدابير اللازمة للحفاظ على سلام الكنيسة وعلى نفسه.
(4/9/6) وبعد أن اقلعوا فى رحلتهم بوقت قصير تلقى أثناسيوس بعض الرسائل من الإمبراطور يستدعيه فيها إلى القصر، فاضطرب أثناسيوس وكل الشعب بشدة من هذا الأمر إذ أدركوا أنه ليس هناك أمان على الاطلاق سواء فى طاعة الأمر أو فى رفضه من قبل إمبراطور له مفاهيم غير ارثوذكسية.
(4/9/7) ومع ذلك أصر على البقاء فى الأسكندرية وغادر حاملو الرسائل المدينة دون تحقيق أى شىء. وفى الصيف التالى، وصل رسول آخر من قِبل الإمبراطور مع حكام الاقاليم، وهو مكلف بتعجيل رحيل أثناسيوس من المدينة والسلوك بعداء ضد الاكليروس. وعندما ادرك أن شعب الكنيسة رغم ذلك مملوء من الشجاعة ومستعد لحمل السلاح، رحل هو أيضا من المدينة دون انجاز مهمته. وليس بعد ذلك بوقت طويل، أن زحفت الكتائب المسماة بالفيلق الرومانى والتى كانت تقيم فى مصر وليبيا نحو الأسكندرية.
(4/9/8) وكما رُوى، أُخفِىّ أثناسيوس فى الكنيسة التى تُدعى ثيوناس، فأمر قائد الكتائب وهيلارى الذى عهد إليه الإمبراطور بمعالجة هذه المسألة، بكسر ابواب الكنيسة، وبذلك دخلوها. لكنهم لم يجدوا أثناسيوس داخل أسوارها على الرغم من أنهم بحثوا عنه فى كل مكان. وقد قيل أنه قد هرب هو وآخرون كثيرون بتدبير إلهى وأن الله قد كشف عن ذلك مسبقا، وعند خروجه فى الحال اقتحم الجنود ابواب الكنيسة وكانوا على وشك القبض عليه.
الكتاب الرابع: الفصل العاشر
(الدسائس المتنوعة ضد أثناسيوس، وفراره من الأخطار العديدة بالإلهام الإلهى. اعمال جورج الشريرة فى مصر بعد طرد أثناسيوس)
(4/10/1) ما من شك فى أن أثناسيوس كان حبيب الله، وكان موهوبا بعطية توَّقع الآتيات. فمن الحقائق الأكثر عجبا من التى قد رويناها، والتى يجب أن نوردها لنبرهن على إلمامه الوثيق بالآتيات، أنه قد حدث خلال حياة قنسطانس أن عزم قنستانتيوس على اساءة معاملة هذا الرجل القديس، ولكن أثناسيوس فر واختفى لدى شخص ما من معارفه، وعاش لوقت طويل فى خندق ومسكن بلا شمس كان يُستخدَم كمستودع للمياه. ولم يكن أحدٌ يعرف أنه يختبأ فيه ما عدا سيدة خادمة كانت تبدو مؤمنة كانت تقوم بخدمته.
(4/10/2) ولما كان الهراطقة شغوفين مع ذلك بالقبض على أثناسيوس حيا، لذلك يبدو أنهم فلحوا أخيرا فى إفساد المرأة سواء بالعطايا أو بالوعود. ولكن الله سبق أن حذر أثناسيوس من خيانتها وأمره بالهرب من المكان. وعوقبت الخادمة على البلاغ الكاذب ضد سادتها، بينما فروا هم أنفسهم من البلد لأنه كانت تُعَّد جريمة ليست بزهيدة لدى الهراطقة استقبال أو إخفاء أثناسيوس، بل وعلى النقيض من ذلك كانت تُعتبَر عصيانا ضد أوامر الإمبراطور الصريحة وجريمة ضد الإمبراطور يُعاقَب عليها أمام المحاكم المدنية.
(4/10/3) وقد بلغ إلى مسامعى أن أثناسيوس قد حُفِظ فى مناسبة أخرى بأسلوب مماثل. فقد اضطر مرة ثانية لنفس السبب أن يفر لحياته، فأبحر فى النيل بقصد الاعتزال فى مناطق مصر الأبعد، ولكن أعداءه علموا بنوايه فتعقبوه. وإذ قد حُذِّر سلفا من الله أنه سيُطارَد، أعلن ذلك لرفقائه المسافرين وأمرهم بالعودة إلى الأسكندرية. وفيما هو نازل فى النهر، مرَّ به الكائدون([328]). ووصل إلى الأسكندرية بآمان، واختفى فى الحال فى وسط منازلها العديدة والمتماثلة. إن نجاحه فى تجنب هذه الفخاخ العديدة هو الذى أدى إلى إتهام الوثنيين والهراطقة له بالسحر([329]).
(4/10/4) وقد سُجِّل أنه بينما كان يمر ذات يوم فى وسط المدينة، أن سُمِع نعيق غراب فسأله عدد من الوثنيين، الذين تصادف وجودهم فى تلك البقعة، ساخرين عما يقوله الغراب فأجابهم مبتسما أنه يتمتم بكلمة كَرَاس cras (التى معناها فى اللغة اللاتينية) "غدا"، وهذا إعلان لكم أن الغد لن يكون فى خيركم لأنه يُشير إلى أنكم ستُمنَعون من الإمبراطور الرومانى من الاحتفال بعيدكم غدا.
وعلى الرغم من أن ذلك كان توقعا من أثناسيوس يبدو سخيفا، إلا أنه قد تحقق فعلا. لأنه فى اليوم التالى صدرت مراسيم من الإمبراطور إلى الحُكام أُمِر فيها الوثنيون بعدم الاجتماع فى الهياكل لممارسة احتفالاتهم المعتادة، ولا الاحتفال بعيدهم. وهكذا تم القضاء على أعظم وأفخم عيد كان الوثنيون يحافظون عليه.
إن ما قلته يكفى لإظهار أن هذا الرجل القديس كان موهوبا بعطية النبوة.
(4/10/5) وبعد أن هرب أثناسيوس على النحو الذى وصفناه من أولئك الذين سعوا للقبض عليه. ظل شعبه والاكليروس يستولون على الكنائس لبعض الوقت، ولكن حاكم مصر وقائد الجيش انتزعها بالقوة من اتباع أثناسيوس لكى يسلِّم ادارتها إلى اتباع جورج الذى كان وصوله وشيكا.
(4/10/6) وبعد وصوله إلى المدينة ليس بوقت طويل، وُضِعت الكنائس تحت سلطته، فحكم بالقوة اكثر من الاعتدال الكهنوتى، وجاهد فى نشر الرعب فى أذهان الشعب، وأثار اضطهادا قاسيا ضد اتباع أثناسيوس، وأكثر من ذلك سجن وشوه رجالا ونساءً كثيرين. فحُسِب كطاغية، وصار مكروها على نطاق عام.
(4/10/7) وكان الشعب هائجا بشدة من هذا المسلك، لدرجة أنهم اندفعوا إلى الكنيسة وكانوا على وشك تمزيقه إربا، فهرب بصعوبة من هذا الخطر الداهم، وفرَّ إلى الإمبراطور. واستولى اتباع أثناسيوس على الكنائس، ولكنهم لم يحتفظوا بالسيادة عليها طويلا لأن قائد كتائب مصر جاء وردها إلى اتباع جورج. وأُرسِل بعد ذلك قائدٌ من الطبقة النبيلة لمعاقبة قادة الشعب، فعذَّب وشوَّه كثيرين من المواطنين. وعندما عاد جورج بعد ذلك بقليل كان أكثر رعبا على ما يبدو، وعومل بإشمئزاز أشد من قبل لأنه حرَّض الإمبراطور على القيام بأعمال شريرة كثيرة، وبالإضافة إلى ذلك اعتبره رهبان مصر بوضوح مختالا ومنتفخا بالعجرفة.
(4/10/8) وكان الشعب يعتنق دائما آراء هؤلاء الرهبان، وكانت شهادتهم تُقبَل على نطاق واسع لأنهم كانوا معتبرين بسبب فضائلهم، والمنحى الفلسفى لحياتهم.
الكتاب الرابع: الفصل الحادى عشر
(ليبريوس اسقف روما، وعلة نفى قنستانتيوس له. فيلكس خليفته)
(4/11/1) على الرغم من أن ما قد سجلته، لم يحدث لأثناسيوس وكنيسة الأسكندرية فى نفس الفترة من الزمن عقب وفاة قنسطانس، بيد أنه من الصواب من أجل وضوح أكثر، أن أروى كل هذه الاحداث مجتمعة. فقد انفض مجمع ميلان بدون أية أعمال، ونفى الإمبراطور جميع الذين عارضوا مقاصد أعداء اثناسيوس.
(4/11/2) ولما كان قنستانتيوس راغبا فى ارساء عقيدة متماثلة فى سائر ارجاء الكنيسة، وأن يُوحِد الكهنة فى الحفاظ على نفس المفاهيم فإنه خطط لجمع اساقفة كل عقيدة فى مجمع يُعقَد فى الغرب. لقد كان واعيا بصعوبة تنفيذ هذه الخطة الناجمة عن الاتساع الشاسع للأراضى والبحار التى كان يتعين على بعض الاساقفة أن يجتازوها، ولكنه لم ييأس بالكلية من النجاح.
(4/11/3) فبينما كان هذا المشروع يُشغِل ذهنه وقبل أن يُعِّد [العدة] لدخول روما دخولا انتصاريا، أرسل إلى ليباريوس اسقف روما وجاهد فى اقناعه أن يتفق فى المفاهيم مع الكهنة الذين كانوا معه([330]) ومن بينهم أودوكسيوس([331]). وعندما رفض ليباريوس مع ذلك الامتثال، واحتج بأنه لن يقبل قط بهذه المسألة، نفاه الامبراطور إلى بيرية([332]) Berœa فى تيراقيا. وقد زُعِم سبب آخر لنفى ليباريوس، وهو أنه لم يمتنع عن التناول مع اثناسيوس، وعارض جهرا الإمبراطور الذى أصر على أن أثناسيوس قد أضر بالكنيسة، وتسبب فى موت أخيه الكبير، وبذر بذور الكراهية بينه وبين قنسطانس.
(4/11/4) وعندما أحيا الإمبراطور كل المراسيم الصادرة من المجامع المتعددة ضد اثناسيوس، وبصفة خاصة من مجمع صُور قال له ليباريوس ليس هناك أى أعتبار لمراسيم تصدر عن دوافع الكراهية أو المحاباة أو الخوف. ورغب([333]) أن يوقع اساقفة سائر الاقاليم على صيغة الايمان الصادرة فى نيقية وأن يعود الاساقفة الذين نُفِيُوا بسبب تمسكهم بها. واقترح أنه بعد تسوية كل هذه الأمور يتوجه كل الاساقفة على نفقتهم الخاصة وبدون إمدادهم بوسائل نقل عامة أو نقود حتى لا يظهرون بأنهم عبء ومُكلِّفين إلى الأسكندرية. ويؤدون اختبارا دقيقا فى الحق الذى سيكون من السهل تأسيسه فى هذه المدينة عن أى مكان آخر، حيث يقيم هناك الذين أضرَّوا والذين تتضرروا، وأيضا اصحاب الدعاوى. ثم عرض عندئذ الرسالة التى كتبها فالنس واورساكيوس إلى يوليوس سلفه فى الكرسى الرومانى، والتى يلتمسان فيها المغفرة لهما، ويعترفان بأن خلع أثناسيوس الصادر ضده فى مريوتيس كان باطلا. وإلتمس من الإمبراطور عدم إدانة أثناسيوس غيابيا أو أن يثق فى السنن التى من الثابت أنها صادرة عن دسائس أعدائه. وبالنسبة للأضرار المزعومة التى حدثت لأخويه الكبيرين، إلتمس من الإمبراطور ألاَّ ينتقم لنفسه بيدى الكهنة الذين أفرزهم الله لا لتنفيذ الانتقام ولكن للتقديس ولإنجاز الأعمال الخيرة والعادلة.
(4/11/5) وإذ أدرك الإمبراطور أن ليباريوس لن يخضع لمطلبه أمر بنقله إلى تيراقيا ما لم يعدل عن رأيه خلال يومين. فأجاب ليباريوس بالنسبة لى ليست هناك حاجة للإنتظار أيها الإمبراطور، فإن عزمى قد تشكل وتحدد منذ أمد طويل وأنا جاهز للنفى. وقد قيل أنه بينما كان مُقادا إلى المنفى ارسل الإمبراطور إليه خمسمائة قطعة ذهب، فرفض مع ذلك استلامها وقال للرسول الذى أحضرها اذهب وقل للذى أرسل هذا الذهب أن يعطيه للمنافقين والمرائين الذين حوله لأن جشعهم الذى لا يُشبَع يجعلهم فى عوز دائم لا يمكن أبدا أن يزول. إن المسيح الذى مثل أبيه فى كل النواحى هو الذى يمدنا بالطعام وبكل الخيرات.
(4/11/6) وعندما خُلِع ليباريوس للأسباب عاليه من كنيسة روما انتقلت سيادتها إلى فيلكس الشماس من الاكليروس هناك. وقد قيل أن فيلكس استمر دائما مشايعا للإيمان النيقاوى وأنه كان بلا لوم فى الأمور الدينية. أما الامر الوحيد الذى زُعِم ضده فهو أنه قد اشترك فى التناول مع الهراطقة قبل سيامته.
(4/11/7) وعندما دخل الإمبراطور روما، طالبه الشعب جهارا بإعادة ليباريوس، فأجابهم بعد استشارة الاساقفة الذين كانوا حوله أنه سيُرد ليباريوس إلى شعبه إن هو قبل اعتناق ذات المفاهيم التى يأخذ بها كهنة البلاط.([334])
الكتاب الرابع: الفصل الثانى عشر
(اتيوس السورى، واودكسيوس خليفة ليونتيوس فى انطاكية. مصطلح "مساوى فى الجوهر" ( Consubstantial
(4/12/1) وفى حوالى هذا الوقت نشر اتيوس آراءه الخاصة بشأن الألوهية. وكان آنذاك شماسا بكنيسة انطاكية وقد سيم بيد ليونتيوس. وقد زعم مثل اريوس أن الابن كائن مخلوق، وأنه خُلِق من لا شىء وأنه ليس مثل الآب. ولما كان ميالا بشدة إلى النزاع وجسورا جدا فى المسائل اللاهوتية، ويميل إلى اللجوء لنمط الجدل العقيم جدا فقد حُسِب هرطوقيا حتى من قِبل مَن لهم نفس التصُورات مثله. وعندما حُرِم لنفس السبب من الهراطقة، تظاهر برفض الاشتراك معهم فى التناول لأنهم قبلوا بغير عدل اريوس فى الاشتراك معهم فى التناول بعدما أقسم يمينا كاذبا بتصريحه أمام الإمبراطور قنسطنطين أن يحافظ على عقائد مجمع نيقية. هذه هى الرواية المذكورة عن اتيوس.
(4/12/2) وبينما كان الإمبراطور فى الغرب وصلت أخبار وفاة ليونتيوس اسقف انطاكية، فإلتمس اودكسيوس([335]) من الإمبراطور تصريحا بالعودة إلى سوريا للإشراف على شؤون الكنيسة.
(4/12/3) وإذ منحه التصريح، توجه بأقصى سرعة إلى أنطاكية وهناك نصَّب نفسه اسقفا على المدينة بدون تصديق جورج اسقف لاودكية، ومرقس اسقف أرثوسا، والاساقفة السوريين الآخرين، أو أىٍ من الاساقفة الآخرين المحفوظ لهم حق السيامة.
(4/12/4) وقد سُجِّل أنه تصرف هكذا بالاتفاق مع الإمبراطور والخصيان المنتمين للقصر الذين شايعوا، مثل اودكسيوس مفاهيم اتيوس، واعتقدوا أن الابن غير مماثل للآب.
(4/12/5) وعندما وجد اودكسيوس نفسه يستولى على كنيسة انطاكية تجرأ على نشر هذه الهرطقة جهارا. وجمع فى انطاكية كل أولئك الذين لهم نفس الآراء مثله ومن بينهم، آكاكيوس اسقف صُور، ورفض مصطلحات "مثله فى الجوهر" و"مساوى فى الجوهر"، بزعم أن الاساقفة الغربيين قد رفضوها. لأن هوسيوس مع بعض الكهنة لكى يُنهِى الجدل الذى أثاره فالنس واورساكيوس وجرمانوس بالضغط عليهم فى سيرميم، قد سُجِّل عنهم أنهم قد احجموا عن استعمال هذه المصطلحات لأنها لم ترِد فى الأسفار المقدسة وتفوق فهم البشر. وأرسلوا رسائل إلى الاساقفة كما لو كانت كتابات هوسيوس فى هذه النقطة تدعمها، وعبَّروا عن شكرهم لفالنس واورساكيوس وجرمانيوس لأنهم عبَّروا عن وجهة النظر السليمة للاساقفة الغربيين.
الكتاب الرابع: الفصل الثالث عشر
(ابتداعات اودكسيوس محل الانتقاد، فى رسالة كتبها جورج اسقف لاودكية. وفد مجمع انقيرا إلى قنستانتيوس)
(4/13/1) وبعد أن أدخل اودكسيوس هذه التعاليم الجديدة، حرَم كثيرين من أعضاء كنيسة انطاكية الذين كانوا يعارضونها. فأعطاهم جورج اسقف لاودكية خطابا ليسلِّموه للأساقفة الذين دُعِيوا من المدن المجاورة لأنقيرا بغلاطية، بواسطة باسيليوس بغرض تكريس الكنيسة التى شيدها, هذا الخطاب كما يلى:
"من جورج إلى أسياده المُكرَّمين جدا: مقدونيوس وباسيليوس، وسيكوربيوس، ويوجينيوس. التحيات فى الرب. إن كل المدينة تقريبا قد تألمت لغرق مركب اتيوس. إن تلاميذ ذلك الرجل الشرير الذين أدانتموهم، كان اودكسيوس يشجعهم ويحثهم بتعينات اكليريكية، بل أن اتيوس نفسه كان قد رُقِّى إلى منصب أعلى.
"اذهبوا إذن لمساعدة تلك المدينة لئلا بغرقها يغرق العالم كله. فلتجتمعوا معا، ولتلتمسوا توقيع الاساقفة الآخرين لكى ما يُطرَد اتيوس من كنيسة انطاكية، ويُقطَع تلاميذه الذين سبق وأحصاهم اودكسيوس ضمن قائمة الاكليروس. واذا أصرَّ اودكسيوس على التحالف مع اتيوس على أن الإبن ليس مثل الآب، وعلى تفضيله لأولئك الذين يؤيدون هذا المعتقد عن أولئك الذين يرفضونه، فإنكم ستفقدون مدينة انطاكية."
(4/13/2) هكذا كان مجرى خطاب جورج. وعندما ادرك بوضوح الاساقفة المجتمعون فى انقيرا، من الشرائع التى سنها اودكسيوس فى انطاكية أنه يُدخِل ابتداعات فى العقيدة، أطلَعوا الإمبراطور على هذا الأمر، وإلتمسوا منه ترسيخ العقيدة المقررة فى مجمع سارديكا، وسيرميوم، والمجامع الأخرى، وخاصة التأكيد على أن عقيدة أن الإبن هو من جوهر الآب. ولكى ما يعرضوا هذا المطلب على الإمبراطور، ارسلوا وفدا مكونا من الاساقفة التاليِين: باسيليوس اسقف انقيرا، ويوستاثيوس اسقف سيباستا، وايلوسيوس اسقف اتشيزيكوس، وليونتيوس كاهن مخدع الإمبراطور.
(4/13/3) وعند وصولهم إلى القصر، وجدوا اسفاليوس الكاهن الأنطاكى والغيور لهرطقة اتيوس على وشك المغادرة بعد أن أنهى مهمته التى سافر من أجلها، وحصل على خطاب من الإمبراطور.
(4/13/4) ومع ذلك عندما تلقى الإمبراطور من الوفد القادم من انقيرا، المفهوم الخاص بالهرطقة، أدان قنستانتيوس اودكسيوس وأتباعه وسحب الخطاب الذى أعطاه لاسفاليوس وكتب ما يلى:
الكتاب الرابع: الفصل الرابع عشر
(خطاب قنستانتيوس الإمبراطور ضد اودكسيوس وأنصاره)
" من قنستانتيوس الظافر إلى الكنيسة المقدسة فى انطاكية. لقد أتى اودكسيوس بدون سلطتنا. ولا يظن أحدٌ ذلك، لأننا بعيدين تماما عن إعتبار اشخاص مثل هؤلاء إذا ما لجأوا إلى خداع الآخرين بمعاملات كهذه، لأنهم يُثبِتون أنهم سيحيدون عن الحق فى الأمور الأسمى. لأنهم من هذه الرغبة عن أى شىء سيمتنعون طواعية إذا كانوا، من أجل السلطة، يطوفون المدن ويقفزون من مكان إلى آخر كنوع ما من الطوافين، متفرسين فى كل ركن، منقادين بالرغبة فى المزيد؟. لقد نُشِر أن هناك دجالون وسفاسطة بين هؤلاء الرجال الذين اسماءهم يمكن بالكاد الصبر عليها، وأعمالهم شريرة وكافرة. وأنتم تعلمون عمَن أُلمِّح، لأنكم مُلمّون جيدا بتعاليم اتيوس والهرطقة التى بذرها. لقد كرَّس هو وأتباعه أنفسهم بصفة أساسية لإفساد الناس. وهؤلاء الناس الماهرون تجاسروا على نشر أننا قد وافقنا على سيامتهم. مثل هذا الخبر الذى تداولوه على غرار الثرثاريين هو بعيد تماما عن الحقيقة، بل فى الحقيقة أبعد ما يكون عن الحقيقة. تذكروا الكلام الذى قلناه عندما أعلنا أولا ايماننا، فلقد اعترفنا أن مُخلصنا هو ابن الله، وأنه مثل الآب فى الجوهر substance. ولكن هؤلاء الناس الذين يتجاسرون ويذيعون أى شىء يرد على مخيلتهم بشأن الألوهية ليسوا بعيدين عن الإلحاد، وهم يجاهدون بالأكثر لنشر آرائهم بين الآخرين. ونحن مقتنعون تماما أن عواقب آثامهم ستُرَّد على رؤوسهم. وفى نفس الوقت، إنه يكفى طردهم من المجامع ومن المؤتمرات المعتادة، لأننى لن أشير الآن إلى العقوبات التى لابد وأن تحل عليهم فيما بعد ما لم يتخلوا عن جنونهم. فما أعظم هذا الشر الذى يقترفونه عندما يجتمعون مع الأشرار كما لو كان بمرسوم، ويختارون قادة الهرطقة للكهنوت ويُحطون بذلك من الرتبة المُكرَّمة كما لو كان مسموحا لهم أن يفعلوا ما يسرهم. من ذا الذى يتساهل مع مَن يملأون المدن بالكفر، الذين دنسهم الخفى فى الأقاليم الأكثر بعدا، والذين لا يسرون بشىء إلاّ بضرر الأبرياء؟. يا لها من وحدة فى عمل الشر أن يسعوا إلى شغل المقاعد المقدسة. والآن، إنه الوقت لأولئك الذين تشربوا الحق لأن يأتوا إلى النور؛ وكل من أحجم سابقا بسبب الخوف ويهرب الآن من الاجتماعات، فليأتِ إلى الوسط لأن حيّل هؤلاء الأشرار قد فُنِّدَت بعمق. ولن يكون لأى نوع من الابتداع أن يمنعهم من السلوك بتقوى. إن واجب الصالحين هو الحفاظ على إيمان الآباء، ويمكن القول وزيادته دون الانشغال بأمور أخرى. إننى أحض بشدة أولئك الذين هربوا ولو حديثا من تعاليم هذه الهرطقة أن يُصدِّقوا على المراسيم التى اصدرها بصواب للأفضل، الأساقفة الحكماء فى التعليم الإلهى".
وهكذا نحن نرى أن الهرطقة التى ظهرت عادة انومية([336]) ما لبثت أن سادت فى هذه الفترة.
الكتاب الرابع: الفصل الخامس عشر
(الإمبراطور قنستانتيوس يتوجه إلى سيرميوم ويستدعى ليبريوس، ويعيده إلى كنيسة روما، ويأمر فيلكس بمساعدة ليبريوس فى الخدمة الكهنوتية)
(4/15/1) وبعد هذه الأحداث ليس بوقت طويل، توجه الإمبراطور إلى سيرميوم. وعند استقباله لوفد من الاساقفة الغربين استدعى ليبريوس من بيرية، وحثه فى حضور مندوبى الاساقفة الشرقيين والكهنة الآخرين الذين كانوا فى المعسكر، على الاعتراف بأن الإبن ليس مساويا للآب فى الجوهر([337]). وقد حرضه على ذلك باسيليوس([338]) ويوستاثيوس، ويوسيبيوس الذى كان له تأثير قوى عليه.
(4/15/2) ووضعوا توليفة فى مستند واحد من مراسيم ضد بولس الساموسطى، وفوتينوس اسقف سيرميوم، وألحقوا بها صيغة ايمان دُوِّنت فى انطاكية عند تكريس الكنيسة، كما لو كان بعض الأشخاص تحت زعم مصطلح "مساوى فى الجوهر"consubstantial قد حاولوا وضع هرطقتهم. وتم حث ليبريوس Liberiusواثناسيوس والكسندروس وسفريانوس Severianus، وكرسنس Crescens كاهن من افريقيا، على الموافقة على هذا المستند. وبالمثل اورساكيوس Ursacius، وجرمانيوس اسقف سيرميوم Sirmium، وفالنس Valensاسقف مورسا Mursa، وكثيرين بالمثل من اساقفة الشرق الذين كانوا حاضرين.
(4/15/3) ولكنهم صدَّقوا جزئيا على اعتراف الإيمان الذى دونه ليبريوس والذى يُعلِن فيه أن أولئك الذين يؤكدون على أن الإبن ليس مثل الآب فى الجوهر substance وفى كل النواحى الأخرى، هم محرومون. لأنه عندما تلقى اودكسيوس Eudoxius وانصاره فى انطاكية المشايعين لهرطقة اتيوس، خطاب هوسيوس، قد اشاعوا أن ليبريوس قد جحد مصطلح "مساوى فى الجوهر"، وسلَّم بأن الإبن ليس مثل الآب.
(4/15/4) وبعد هذه الفروض التى وضعها الاساقفة الغربيون سمح الامبراطور بعودة ليبريوس إلى روما. وكتب الاساقفة المجتمعون آنذاك فى سيرميوم إلى فيلكس الذى ترأس كنيسة روما وإلى الأساقفة الآخرين يُرغِّبونه فى قبول ليبريوس. وأمروا أن يُشارك كلاهما فى الكرسى وفى ممارسة المهام الكهنوتية على وجه العموم بإتفاق ذهن، وأنه يجب دفن أى أمر غير شرعى قد حدث فى سيامة فيلكس أو بالنسبة لنفى ليبريوس.
(4/15/5) ولقد اعتبر شعب روما ليبريوس رجلا ممتازا جدا ويستحق أقصى تكريم لشجاعته فى معارضة الامبراطور إلى حد أنهم أثاروا شغبا بسببه لدرجة سفك الدماء. وعاش فيلكس لمدة قصيرة، ووجد ليبريوس نفسه المسؤول الأوحد عن الكنيسة. وكانت هذه الحادثة بلا شك من الله حتى لا ينحط كرسى بطرس([339]) بإعتلاء اسقفين له، لأن مثل هذا الاجراء علامة على عدم الاتفاق وغريب على القانون الكنسى.
الكتاب الرابع: الفصل السادس عشر
(الامبراطور يقترح عقد مجمع فى نيقوميديا بسبب هرطقة اتيوس وبدع انطاكية ولكن بسبب زلزال حدث، انعقد المجمع أولا فى نيقية ثم فيما بعد فى ارمينيّم وسلوقية)
(4/16/1) هكذا كانت الاحداث التى شاعت فى سيرميوم. فلقد بدا فى هذه الفترة كما لو كان خوفا من عدم مسرة الامبراطور أن اتحدت الكنائس الغربية والشرقية فى الاعتراف بنفس العقيدة. وعزم الامبراطور على عقد مجمع فى نيقية لفحص البدع التى دخلت انطاكية وهرطقة اتيوس. ولما كان باسيليوس وحزبه كارهين لأن يُعقَد المجمع فى هذه المدينة لأن المسائل العقيدية سبق أن سُوِّيَت هناك، لذلك تقرر عقده فى نيقوميدية فى بيثينية. وصدرت المراسيم بذلك وتم استدعاء معظم الاساقفة الفطناء والبلغاء من كل أمة ليتوجهوا إلى هناك فى اليوم المحدد لكى ما يكون جميع كهنة الدولة مشتركين فى المجمع وحاضرين مناقشاته.
(4/16/2) وما أن شرع عدد كبير من هؤلاء الاساقفة فى السفر حتى حلت كارثة على نيقوميديا، وهز الله المدينة كلها من أساساتها. وانتشر خبر دمار المدينة كلها فى كل مكان وذاع. فأحجم الاساقفة عن السفر، لأنه كالعادة فى مثل هذه الحالات تنتشر الاشاعات فى المناطق البعيدة بأكثر مما حدث بالفعل. فقد أُذِيع أن نيقية وبرينثوس Perinthus والمدن المجاورة وحتى القنسطنطينية قد شملتها نفس الكارثة للغاية. لأن أعداء الدين انتهزوا فرصة وقوع الكنيسة الكبرى ليصُوِّروا للإمبراطور أن حشدا من الاساقفة والرجال والنساء والأطفال كانوا قد لجأوا إلى الكنيسة على أمل أن يجدوا فيها أمانا فهلكوا جميعا.
(4/16/3) وهذا الخبر لم يكن صحيحا. فقد وقع الزلزال فى الساعة الثانية من النهار([340]) وفى هذه الساعة لا يوجد اجتماع فى الكنيسة([341]). أما الاساقفة الذين ماتوا فكانوا فقط سكروبيوسCecropius اسقف نيقوميديا، واسقف من البوسفور. وكانا خارج الكنيسة عندما وقعت الحادثة المُهلِكة. فقد ارتجت المدينة فى لحظة حتى أن الناس لم يكن فى استطاعتهم، حتى لو أرادوا، البحث عن مكان آمن يهربون إليه عند بداية الشعور بالخطر. فهُم إما هلكوا وإما حُفِظوا فى ذات الموقع الذى كانوا قائمين فيه.
(4/16/4) وقد قيل أن هذه المصيبة، كان قد تنبأ بها ارساكيوس Arsacius. وهذا كان جنديا فارسيا كان يهتم بتمريض احقاء الامبراطور. ولكن فى خلال عهد ليسينيوس Licinius صار معترفا مشهورا وترك الجيش. وذهب إلى قلعة نيقوميديا، وتبنى حياة فيلسوف رهبانى داخل جدرانها. وهنا ظهرت له رؤيا من السماء وأُمِر أن يترك المدينة فى الحال لكى ينجو من المصيبة العتيدة أن تقع. فركض بأقصى نشاط إلى الكنيسة، ورجا الاكليروس أن يرفعوا توسلات إلى الله لكيما يصرف غضبه. ولكنه وجدهم أبعد ما يكون عن تصديقه، وأنهم ينظرون إليه بسخف، وأنهم غير متوقعين للمتاعب. فعاد إلى برجه وانطرح على الأرض فى صلاة. وفى هذه اللحظة وقع الزلزال وهلك الكثيرون، والذين نجوا هربوا إلى الريف والصحراء.
وكما يحدث فى مدينة كبيرة ومزدهرة كانت هناك حرائق فى المواقد وفى أدوات الاطفاء فى كل بيت، وفى غلايات الحمامات، وفى مراجل كل مَن يستخدِم النار فى حرفته. وعندما سقطت المشغولات فى الخراب تأجج اللهب بموادها، وبالطبع كان هناك خشب جاف وعليه زيت، فساعد هذا على تأجج النيران، وإلتهمت كل المواد المتاحة، ويمكن القول، جعلت المدينة كلها كتلة واحدة من النيران، وكان من المستحيل الوصول إلى المنازل. والذين نجوا من الزلزال اندفعوا إلى القلعة، ووجدوا ارساكيوس ميتا فى البرج الذى لم يهتز، وهو منطرح على الأرض بنفس الوضع الذى بدأ به الصلاة. وقيل أنه تضرع إلى الله أن يسمح بموته لأنه فضَّل الموت عن معاينة خراب المدينة التى عرِف فيها المسيح أولا، ومارس فيها الفلسفة الرهبانية.
(4/16/5) وإذ تكلمتُ عن هذا الرجل الصالح من الجيد أن أذكر أن الله قد منحه سلطة إخراج الشياطين وتطهير الممسوسين منهم. فقد حدث أن رجلا كان عليه شيطان كان يجرى ذات يوم فى السوق عاريا وهو ممسك بسيف فى يده. وهرب الناس منه واضطربت المدينة كلها فخرج ارساكيوس لمقابلته ودعا بإسم المسيح، فخرج الشيطان بهذا الاسم واسترد الرجل صحته. وبالإضافة إلى عاليه أجرى أرساكيوس أعمالا أخرى كثيرة تجاوز قدرة ومهارة الانسان. فقد كان هناك وحش أو نوع آخر من الزحافات يختفى فى نُقرة على جانب الطريق وكان يُهلِك المارة بأنفاسه فذهب ارساكيوس إلى المكان وهو منهمك فى الصلاة. فخرج الثعبان من ذاته من الحفرة وسحق رأسه بالأرض وقتل ذاته.
كل هذه التفاصيل حصلتُ عليها من أشخاص قد سمعوها من أولئك الذين رأوا ارساكيوس.
(4/16/6) ولما تَعوَّق الاساقفة عن السفر بسبب المصيبة التى حلت بنقيوميدية، انتظر البعض تعليمات أكثر من الامبراطور، وصرَّح آخرون بآرائهم فى الإيمان فى خطابات كتبوها بشأن هذه الأمر. وتحيَّر الامبراطور فيما يختاره، فكتب إلى باسيليوس يستشيره فيما إذا كان يجب أن ينعقد المجمع أم لا.
(4/16/7) فحاول باسيليوس، على ما يظهر فى رده، أن يمدح تقواه وأن يعزّيه فى خراب نيقوميدية بأمثلة من الأسفار المقدسة، وحثه على الاسراع بعقد المجمع من أجل الدين، وألاَّ يُهمِل غيرته هذه على الدين، وألاَّ يصرف الكهنة الذين اجتمعوا معا لهذا الغرض، والذين انطلقوا بالفعل وهم الآن فى طريقهم، إلى أن تتم بعض العمليات. واقترح أيضا أن يُعقَد المجمع فى نيقية بدلا من نيقوميدية لكى ما يتم تسوية النقاط المتنازع عليها بصفة نهائية فى نفس الموقع الذى دُعِيوا إليه أولا.
(4/16/8) واعتقد باسيليوس فى كتابته هذه أن الامبراطور سيُسَّر بهذا الاقتراح إذ أنه هو نفسه كان قد اقترح عقد المجمع فى نيقية. وعندما استلم الامبراطور هذه الرسالة من باسيليوس أمر بإجتماع الاساقفة فى بداية الصيف فى نيقية، فيما عدا مَن يعانون من سقم جسدى. وشملت هذه الرسائل الكهنة والشمامسة ليقدِّموا آرائهم ويتشاوروا معا فى النقاط المتنازع عليها، ويَصِلوا إلى قرار فى كل المسائل المثارة. وحدد أن تختار الكنائس الغربية عشرة مندوبين وكثيرين من الشرق ليسنوا الشرائع التى يجب اصدارها ويقرروا ما إذا كانت متفقة مع الأسفار المقدسة أم لا، وأيضا لكي ما يمارسوا الإشرف على أعمال المجمع.
(4/16/9) وبعد مشاورات أكثر أمر الامبراطور أن يبقى الاساقفة حيث هم أو فى كنائسهم إلى أن يتقرر أين سيُعقَد المجمع، وإلى أن يتلقوا اخطارا ليتوجهوا إلى أين. ثم كتب إلى باسيليوس ليحرر رسائل إلى الاساقفة الشرقيين ليستفسر منهم أين ينصحون بعقد المجمع، لكى ما يُعلِن عنه فى بداية الربيع، لأن الامبراطور كان يرى عدم عقد المجمع فى نيقية بسبب الزلزال الذى حدث فى المنطقة.
فكتب باسيليوس إلى الاساقفة فى كل منطقة حاثا إياهم على المداولة معا، وأن يقرروا بسرعة المكان الذى يرونه لعقد المجمع. وأرفق برسالته نسخة من خطاب الامبراطور.
(4/16/10) وكما هى العادة فى الحالات المماثلة، اختلف الاساقفة فى الرأى، وتوجه باسيليوس إلى الامبراطور الذى كان آنذاك فى سيرميوم، ووجد اساقفة عديدين فى هذه المدينة كانوا قد توجهوا إليها فى شؤون خاصة بهم، وكان من بينهم مارك اسقف أرثوسا Arethusa، وجورج الذى كان قد عُيِّن لرئاسة كنيسة الأسكندرية([342]).
وعندما تقرر أخيرا أن يُعقَد المجمع فى سلوقية Seleucia، مدينة فى ايسوريا Isauria، مِن قِبل فالنس وأنصاره، لأن فالنس كان متغربا آنذاك فى سيرميوم، وكانوا مشايعين لهرطقة آنوم Anom، حثوا الاساقفة الذين كانوا فى البلاط العسكرى على الاشتراك فى صيغة إيمان كانوا قد أعدّوها وليس فيها أى ذكر لمصطلح "جوهر" substance.
(4/16/11) ولكن بينما كانت الترتيبات تتم بحماس لإنعقاد المجمع، فكَّر اودكسيوس وأكاكيوس واورساكيوسUrsacius وفالنس مع أنصارهم، أنه بينما يلتصق اساقفة كثيرون بالإيمان النيقاوى، وآخرون يفضلون الصيغة التى وضعوها عند تدشين كنيسة انطاكية، إلاَّ أن الطرفيَن قد أبقيا على استخدام مصطلح جوهر substance، وحافظا على أن الإبن مثل الآب من جميع النواحى. وكانوا مُدركين أنه إن اجتمع الطرفان فى مكان واحد فإنهم سيدينون تعاليم اتيوس Aëtius بإعتبارها مضادة لمراسيم الايمان الموقرة. لذا اشاعوا أن اساقفة الغرب مجتمعين فى ارمينيمAriminum وأن اساقفة الشرق فى سلوقية، مدينة فى ايسوريا.
(4/16/12) ولما كان من السهل اقناع عدد قليل عن عدد كبير من الافراد، فقد رأوا أنه من الممكن أن يقنعوا الطرفين متى تداولوا معهما على انفراد، أو على أية حال كسب أحد الطرفين لرأيهم، وبالتالى لا تلقى هرطقتهم إدانة جماعية. وقد انجزوا ذلك بواسطة يوسيبيوس الخصى الذى كان مشرفا على المقر الامبراطورى، وكان على صداقة مع اودكسيوس، وكان مشايعا لنفس التعاليم، وكان كثيرون ممن كانوا فى سلطة ينشدون وساطة يوسيبيوس هذا.
الكتاب الرابع: الفصل السابع عشر
(اجراءات مجمع ارمينيّم)
(4/17/1) وأُقنِع الامبراطور بأنه من غير المرغوب فيه للعامة عقد المجمع فى نفس المكان للجميع بسبب النفقات وغياب المزايا للاساقفة، وطول مسافة السفر. لذلك كَتَب للأساقفة الذين فى ارمينيّم([343])، وكذلك بالمثل للذين فى سلوقية، ووجههم إلى البدء فى فحص النقاط المتنازع عليها بشأن الايمان، ثم يلتفتوا إلى شكاوى كيرلس اسقف اورشليم والاساقفة الآخرين الذين احتجوا على عدم عدالة مراسيم الخلع والنفى الصادرة ضدهم، وأن يفحصوا الاحكام العديدة الصادرة ضد الاساقفة الآخرين. وكان هناك فى الواقع اتهامات عديدة معلقة ضد اساقفة مختلفين. فقد أُتُهِم جورج من المصريين بالظلم والنهب. وأخيرا أمر الامبراطور بإرسال عشرة مندوبين من كل مجمع لإطلاعه على الاجراءات التى اتخذوها.
(4/17/2) وبناء على هذا المرسوم اجتمع الاساقفة فى المدن المعينة وبدأ مجمع ارمينيّم اجراءاته أولا، وكان يضم اربعمائة عضوا. فهؤلاء الذين كانوا يكِنون أقصى عداوة لأثناسيوس رأوا أنه ليس هناك شىء أكثر يُتخَذ ضده. وعندما بدأوا فى مناقشة المسائل العقيدية، وقف فالنس واورساكيوس وجرمانيوس واوكسنتيوس Auxentius وكايوس Caius ودموفيلوس Demophilus فى وسط المجمع، وطلبوا أن تُلغَى سائر الصيغ الخاصة بالإيمان التى صيغت سابقا، وأن تُقبَل فقط تلك التى وُضِعَت قبل وقت قصير باللغة اللاتينية فى مجمع سيريميم.
(4/17/3) وفى هذه الصيغة عُلِّم أن الإبن بحسب الكتاب المقدس مثل الآب، ولكنها لم تذكر أى شىء عن طبيعة substance الله. وصرَّحوا أن هذه الصيغة قد صدَّق عليها الامبراطور([344])، ومن ثم من المحتم على المجمع تبنيها([345]) بدلا من استشارة الآراء الفردية لأعضاء المجمع التى تثير بالتالى المنازعات والانقسامات([346])، وأنه يجب إقرار مصطلحات تتجنب النزاع ويكون لها برهان دقيق. وأضافوا أنه من الأفضل أن نزوّد أولئك الذين يجهلون فنون الخطابة بالمفهوم الصحيح عن الله بدلا من إدخال بدع فى المصطلحات تثير النزاع.
(4/17/4) وبهذه الأمثلة، قصدوا استبعاد مصطلح "مساوى فى الجوهر" consubstantial لأنه، كما قالوا، لم يرِد فى الكتاب المقدس وأنه غامض لدى الجمهور. وأرادوا بدلا من هذا المصطلح أن يحلوا محله تعبير الإبن "مثل" الآب فى كل شىء، وهو مستمد من الكتاب المقدس.
(4/17/5) وبعدما قرأوا صيغتهم المشتملة على الأمثلة عاليه، قال لهم اساقفة كثيرون أنه لا ينبغى وضع أية صيغة ايمان جديدة فما تم سنَّه سابقا كافيا لجميع الأغراض، وأنهم قد اجتمعوا معا للتعبير عن منع كل الابتداعات. وحث هؤلاء الاساقفة أولئك الذين قدَّموا هذه الصيغة وقرأوها أن يصرحوا جهرا بإدانتهم للتعليم الأريوسى كعِلة لكل المتاعب التى طوحت بالكنائس فى كل إقليم. فإحتج اورساكيوس وفالنس وجرمانيوس واوكسنتيوس وديموفيلس وكايوس ضد هذا المطلب.
(4/17/6) فأمر المجمع بقراءة آراء الهرطقات الأخرى، لكى ما تدان كل الصيغ التى تشايع الهرطقات المضادة لنيقية، ويتم التصديق على ما يتفق مع العقائد النيقاوية، حتى لا يكون هناك أى مجال للنزاع ولا تكون هناك ضرورة فى المستقبل لعقد أى مجمع، وأن يتم اتخاذ قرار قاطع. وأشاروا إلى أنه من السخف تأليف صيغ كثيرة كما لو كانوا مبتدئين فى الإلمام بالإيمان ويرغبون فى معرفة التقليد القديم للكنيسة الذى به تدير الكنائس ذاتها، والتى شهد اسلافها بالاعتراف الجيد ونالوا اكليل الشهادة.
(4/17/7) تلك كانت الحجج التى قدَّمها الاساقفة ليبرهنوا على وجوب عدم تقديم أية ابتداعات. ولما رفض فالنس واورساكيوس واحزابهما الاقتناع بهذه الحجج، وأصرَّوا على تبنى صيغتهم، خُلِعوا، وتقرر رفض صيغتهم.
(4/17/8) وقد لوحظ أن هذه الصيغة تصرِّح فى بدايتها أنها قد وُضِعت فى سيرميوم وفى حضور قنستانتيوس الأوغسطس الخالد، ولكن فى زمن قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس Hypatius اُستُخِف بها.
(4/17/9) وقد لاحظ اثناسيوس نفس الملاحظة فى رسالة وجهها إلى أحد اصدقائه وقال: "لقد كان سخيفا أن يُنعَت قنستانتيوس بالامبراطور الخالد، وأن يُنزَع من الابن الاعتراف بأنه ابن الله الخالد". وكذلك استسخف التاريخ المقترن بالصيغة، كما لو كانت الادانة تسرى على الايمان قبل الدهور. وأيضا على الذين قد آمنوا قبل هذه الفترة.
وبعد أن شاعت هذه الاحداث فى ارمينيّم تضايق فالنس واورساكيوس معا مع أنصارهم لخلعهم فتوجهوا بأقصى سرعة إلى الامبراطور.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن عشر
(رسالة مجمع ارمينيّم إلى الامبراطور قنستانتيوس)
واختار المجمع وفدا من عشرين اسقفا، وأرسلهم إلى الامبراطور بالخطاب الآتى، الذى ترجمته من اللاتينية إلى اليونانية، كما يلى:
"إننا نؤمن أنه بأمر الله وبترتيب تقواكم قد أتينا من كل مدن الغرب لنجتمع فى ارمينيّم بغرض اعلان ايمان الكنيسة الجامعة والكشف عن أولئك الذين ابتدعوا هرطقات مضادة له. وبعد تمحيص مسهب خلصنا إلى أنه من الأفضل الاحتفاظ [بصيغة] الايمان المسلَّم لنا من القِدم والتى كرز بها الأنبياء والانجيليون ورسل ربنا يسوع المسيح الذى هو حارس امبراطوريتك، وحامى قوتك، وذلك بالتمسك بها وحراستها الى المنتهى، وأنه من السخف بالإضافة إلى أنه غير شرعى إدخال أى تغيير فى العقائد السليمة والتى نطق بها بالصواب الاساقفة فى نيقية فى زمن والدك الامبراطور قنسطنطين الشهير، الذى انتشر تعليمه وفكره بين مسامع وتفكير الجميع بوصفه المقاوِم والقاضى على هرطقة آريوس. فبواسطته لم يتم القضاء على هذا الانحراف عن الايمان فقط، بل وعلى كل الانواع الأخرى.
هناك خطر كبير فى إضافة أو استبعاد أى شىء من هذه العقائد ولو كان زهيدا فى أىٍ منها بدون إعطاء الفرصة للمقاوِمين لأن يفعلوا ما يشاءون. وبعد التأكد من الشك فى مشايعة أورساكيوس وفالنس للتعليم الاريوسى، قُطِعا من الشركة معنا على رجاء أن يعودا إن هما اعترفا بزللهما وحصلا على المغفرة، كما تشهد بذلك كتاباتهما التى نالا بها العفو عن التهم. وكانت مناسبة صدور مرسوم العفو هو مجمع ميلان عندما كان كهنة الكنيسة الرومانية أيضا حاضرون.
ولمَّا كنا نعرف أن صيغة ايمان نيقية قد سُنَّت بأقصى دقة وعناية فى حضور قنسطنطين طيب الذكر، والتى حافظ عليها طوال حياته، وفى عماده، وعندما رحل الى التمتع بسلام السماء، رأينا أنه من السخف محاولة أى تبديل فيها، وأن نُغفل هذا الكم الغفير من المعترفين القديسين، والشهداء، والكتَّاب والمؤلفين لهذه العقيدة، الذين وهبوا أقصى فكر لها، وداوموا على مرسوم الكنيسة الجامعة القديم. وقد نقل الله معرفة ايمانهم الى الزمن الذى تعيش فيه، بالمسيح يسوع ربنا، الذى به تحكم وتملك العالم. وأيضا هؤلاء الرجال البؤساء الجديرين باللوم حسب اسلوب تفكيرنا قد أظهروا ذواتهم كأبطال فى الكفر بإندفاع غير شرعى، وحاولوا أن يقلبوا نظام الحق بأكمله. لأنه بحسب أوامركم انعقد المجمع وعرض هؤلاء الرجال خداعهم وحاولوا بمكر إدخال الابتداع والقلق، ووجدوا بعض الرفقاء الذين أسرعوا بمعاملات شائنة مثل جرمانيوس واوكسنتيوس وكايوس الذين سببوا نزاعا وشقاقا. إن تعليم هؤلاء الرجال، على الرغم من أنه متماثل، إلا أنه يجاوز كل رتب التجاديف. وعندما ادركوا بعد كل شىء أنهم ليسوا من نفس الهرطقة وأنهم ليسوا متماثلين فى عناصر آرائهم الشريرة عادوا الى شعارنا لكى ما يظهر كأنه مستند آخر. لقد كان الوقت فى الحقيقة مقصر لكنه كان كافيا لدحض آرائهم. ولكى لا تهتز شؤون الكنيسة ويتم تحجيم الانزعاج والشغب الناجم عنهم هنا وهناك، بدا [لنا] أنه من الآمان المحافظة على تعاريف الايمان القديمة والراسخة ورفض الدجالين السابق ذكرهم من الشركة معنا.
ولهذا السبب ارسلنا وفدنا إلى معاليكم وزودناهم بالخطابات التى تعلن احكام المجمع. وقد أمرنا هؤلاء المندوبين بالحفاظ على الحقائق التى تم تعريفها بصواب من قِبل المؤسسين وأن يُعلِموا معاليكم بزيف ادعاء فالنس واورساكيوس بأن بضعة تغييرات قليلة فى الحقائق القويمة ستؤدى إلى سلامة الكنيسة. لأنه كيف سيحدث السلام من أولئك الذين يهدمون السلام ؟. إنهم يريدون بالأحرى إدخال النزاع والاضطراب فى المدن الأخرى وفى كنيسة روما. لذلك نرجو من معاليكم أن تهتموا بمندوبينا، وأن تشملوهم برعايتكم ولا تسمحوا للموتى([347]) بأى حط لهم بواسطة تغيير مبتدع.
ونرجوك أن تسمح لنا بالإبقاء على التعاريف والمراسيم التى استلمناها من أسلافنا، والتى نتمسك بها بعقول حاضرة وبفطنة وبالروح القدس. لأن هذه الابتداعات لا تقود فقط المؤمنين إلى الكفر بل أيضا تضلل غير المؤمنين القليلى الخبرة. كذلك نرجو أن تأمر بتزويد الاساقفة الغائبين عن كنائسهم الآن، والذين يئن بعضهم بأسقام الشيخوخة وبعضهم الآخر بالفقر بوسائل العودة إلى أوطانهم حتى لا تُحرَم الكنائس من خدمتهم مدة أول.
ومرة أخرى، نلتمس منك ألا يُستبعَد أى شىء من القرارات السابقة أو يضاف عليها، وليبق كل شىء بلا تغيير كما حُفِظ من والدكم التقى إلى اليوم، حتى لا نتعب فى المستقبل ونصير غرباء فى ايبارشياتنا.
ولكن ليمكث الاساقفة والشعب فى سلام، ليكونوا قادرين على تكريس أنفسهم للصلاة والتضرع من أجل خلاصك الشخصى، ومن أجل الامبراطورية والسلام الذى ينعم به الله عليك بغزارة بلا انقطاع. وسيريك مندوبينا اسماء وتوقيعات الاساقفة، وسيقدِّم بعضهم لمعاليكم تعليما من الأسفار المقدسة".
الكتاب الرابع: الفصل التاسع عشر
(بشأن مندوبى المجمع، وخطاب الإمبراطور. موافقة فالنس واورساكيوس بعد ذلك على الخطاب. نفى رئيس الاساقفة. مجمع نيقية وسبب عقده فى ارمينيّم)
(4/19/1) لقد نسخنا خطاب مجمع ارمينيّم. ولقد توقع فالنس واورساكيوس وانصارهما وصول مبعوثى المجمع إلى الإمبراطور. فأروا الإمبراطور المستند الذى قد قرآه وافتريا على المجمع.
(4/19/2) وكان الإمبراطور غير مسرور برفض هذه الصيغة بإعتبارها قد حُررَّت فى سيرميوم فى حضوره، ولذلك عامل فالنس واورساكيوس بإكرام بينما أظهر من ناحية أخرى ازدراءً كبيرا نحو المبعوثين بل وأجَّل مقابلتهم.
(4/19/3) ومع ذلك، كتب أخيرا خطابا إلى المجمع وأخبرهم أن الحملة التى يُعّدها ضد البرابرة قد حالت دون الالتقاء بمبعوثيهم([348])، ولذلك أمرهم بالبقاء فى ادريانوبل إلى حين عودته، حتى متى انتهت الشؤون العامة يكون ذهنه متحررا لسماع واختبار أمثلة المندوبين. وقال أنه من الصواب لمناقشة الموضوعات الإلهية ألاَّ يكون الذهن منشغلا بأمور أخرى. وهكذا كانت فحوى خطابه.
(4/19/4) فرد الاساقفة بأنهم لن يقدروا أن يحيدوا عن القرار الذى اتخذوه حسبما اعلنوا ذلك كتابة سابقا، وأنهم قد أمروا مبعوثيهم بأن يوضحوا ذلك، ورجوه أن يشملهم بإهتمامه وأن يلتقى بهم ويقرأ خطابهم. وقالوا له أنه سيكون محزنا له أن تُحرَم كنائس عديدة من اساقفتها، وأنه إذا كان مقبولا لديه يلزم أن يرجعوا إلى كنائسهم قبل الشتاء.
(4/19/5) وبعد كتابة هذا الخطاب المملوء بالتضرعات والتوسلات، انتظر الاساقفة الرد لبعض الوقت. وإذ لم يحظوا بإجابة عادوا بعد ذلك إلى مدنهم.
(4/19/6) إن ما سجلته عاليه يبرهن على أن الاساقفة الذين اجتمعوا فى ارمينيّم قد صدَّقوا على المراسيم التى صدرت قديما فى نيقية.
ولنر الآن كيف وافقوا فى آخر مرة على الصيغة المؤلَّفة من فالنس واورساكيوس وانصارهم.
(4/19/7) لقد وردت لى روايات عديدة عن هذه الاعمال. فالبعض قال أن الإمبراطور قد استاء جدا من رحيل الاساقفة من ارمينيّم بدون إذنه، فسمح لفالنس وحزبه أن يرأسوا كنائس الغرب حسب إرادتهم وأن يفرضوا صيغتهم، وأن يطردوا مَن يرفض التوقيع عليها من الكنائس، وأن يرسموا آخرين بدلا منهم. وقالوا أن فالنس انتهز هذه السلطة وفرض على بعض الاساقفة التوقيع على الصيغة، وأنه طرد كثيرين رفضوا التوقيع من كنائسهم وأولهم ليبريوس اسقف روما.
(4/19/8) وأكثر من ذلك، بعدما تصرف فالنس على هذا النحو فى ايطاليا سلك نفس المسلك فى الكنائس الشرقية. فكان المُضطِّهدون التابعون له يطوفون فى ارجاء تيراقيا، وتوقفوا كما قيل فى نيقية، مدينة بتلك المقاطعة، وعقدوا هناك مجمعا وقرأوا صيغة ارمينيّم التى ترجموها إلى اللغة اليونانية. وصَورُوها على أنها قد تم التصديق عليها من قِبل مجمع عام. وحصلوا على تبنيهم [لها] فى نيقية، وأظهروها بمكر على أنها صيغة ايمان نيقية لكى يخدعون بواسطة تماثل الاسم البسطاء، ويتسببون فى إلحاق الخطأ بالصيغة القديمة لمجمع نيقية.
هذه هى الرواية التى قُدِّمت من بعض الأطراف.
(4/19/9) ويقول آخرون: أن الأساقفة الذين اجتمعوا فى ارمينيّم كانوا قد تعبوا من طول مكوثهم فى هذه المدينة حيث لم يُكرِّمهم الإمبراطور بأى ردِ على خطابهم، ولا هو أَذِن لهم بالعودة إلى كراسيهم، وفى هذه الظروف صَوَّر لهم الذين يشايعون الرأى الهرطوقى أنه ليس من الصواب أن يكون هناك انقسام بين كهنة العالم كله من أجل كلمة واحدة [!!]، وأن المطلب الوحيد هو التسليم بأن الإبن هو "مثل" الآب لكى ما ينتهى كل نزاع لأن أساقفة الشرق لن يرتاحوا إلاَّ متى رُفضت كلمة "جوهر"substance . وبهذه التصُورات، قيل أن، أعضاء المجمع اقتنعوا أخيرا بالموافقة على صيغة اورساكيوس بعد أن ضُغِط عليهم بإحتيال.
(4/19/10) وإذ أدرك اورساكيوس وانصاره أن المبعوثين المُرسلين من المجمع إلى الإمبراطور قد يعلنون للإمبراطور ما استقر عليه الاساقفة الغربيون أولا، ويُظهرون السبب الحقيقى لرفض مصطلح "مساوى فى الجوهر"، أبقوا على هؤلاء المبعوثين فى نيقية بتراقيا خلال الشتاء، تحت زعم أنه لا يمكن الحصول على نقل عام، وأن الطرق فى حالة رديئة جدا للسفر، وحثوهم عندئذ، كما قيل، على ترجمة الصيغة التى قبلوها من اللاتينية إلى اليونانية، وأن يرسلوها إلى اساقفة الشرق. وبهذه الوسيلة، توقعوا أن تُعطِى الصيغة المنتجة انطباعا بما يُريدون بدون حدوث شك، لأنه ليس هناك مَن سيشهد بأن أعضاء مجمع ارمينيّم لم يرفضوا طواعية مصطلح (جوهر) خلافا للاساقفة الشرقيين الذين كانوا يرفضون هذا المصطلح.
(4/19/11) ولكن هذه رواية باطلة لأن سائر اعضاء المجمع فيما عدا قلة قد حافظوا بشدة على أن الإبن مثل الآب فى الجوهر، وأن الخلاف الوحيد الذى وُجِد لديهم هو أن البعض يقول أن الإبن هو من "نفس" الجوهر substance مع الآب، بينما أكدَّ آخرون أنه هو "مثل" الآب فى الجوهر. والبعض يقرر ذلك بشكل ما، وآخرون بشكل آخر.
الكتاب الرابع: الفصل العشرون
(الأحداث التى جرت فى الكنائس الشرقية. طرد ماراثونيوس وايليوسيوس من سيزيكوس. وطرد مقدونيوس لأولئك الذين حافظوا على مصطلح "مساوى فى الجوهر". اشتراك النوفاتيين مع الارثوذكس).
(4/20/1) بينما كانت الاحداث التى رويتها عاليه تحدث فى ايطاليا، كان الشرق حتى قبل أن ينعقد مجمع سلوقية مسرحا لإضطربات كبيرة. إذ قد خلع انصار اكاكيوس وباتروفيلوس Patrophilus مكسيموس، وسلَّموا كنيسة اورشليم لكيرلس. وانتهك مقدونيوس القنسطنطينية والمدن المجاورة وكان يحرضه ايلوسيوس Eleusius وماراثونيوس marathonius. وكان هذا الأخير اساسا شماسا فى كنيسته وكان مشرفا على فقراء المساكن الرهبانية من الرجال والنساء، ورقاه مقدونيوس إلى اسقفية نيقوميديا، وكان ايلوسيوس مُلحقا سابقا بالخدمة العسكرية بالقصر ليس بدون تميز، وسيم اسقفا على سيزيكوس Cyzicus. وقيل أن ايلوسيوس وماراثونيوس كانا صالحين فى سلوكهما، ولكنهما كانا غيورين فى اضطهاد أولئك الذين يتمسكون بأن الإبن من نفس جوهر الآب، على الرغم من أنهما لم يكونا قساة مثل مقدونيوس الذى لم يَطرد فقط أولئك الذين رفضوا التناول معه، بل سجن البعض وقاد آخرين إلى المحاكم. وفى مرات كثيرة أجبر الرافضين على الاشتراك معه، وقبض على النساء والأطفال الذين لم يُعمَّدوا بعد وعمَّدهم، ودمَّر كنائس عديدة فى أماكن مختلفة تحت زعم أن الإمبراطور أمر بإزالة كل بيوت الصلاة التى يُعتَرف فيها بأن الإبن هو من "نفس" جوهر الآب. وتحت هذا الزعم دُمِّرت كنيسة النوفاتيين التى كانت تقع فى حى يُدعى بيلارجوس Pelargus بالقنسطنطينية.
(4/20/2) وقد قيل أن هؤلاء الهراطقة قد قاموا بعمل شجاع بمساعدة أعضاء من الكنيسة الجامعة كان لهم مفهوم مشترك معهم. فعندما كان هؤلاء الموظفون المُكلَّفون بتدمير الكنيسة على وشك البدء فى الإزالة، اجتمع النوفاتيون معا، وقام البعض بنقض المواد، ونقلها آخرون إلى ضاحية من المدينة تدعى سايس Sycæ. وأنهُوا بسرعة هذه المهمة حيث اشترك الرجال والنساء والاولاد فيها، وبتقديمهم للعمل لله مُنِحوا إلهاما غير عادى. وبممارسة هذه الغيرة تجددت الكنيسة بسرعة. ومن هذه الظروف نالت اسم انسطاسيا([349]) Anastasia.
وبعد موت قنستانتيوس منح يوليانوس([350]) خلفه النوفاتيين الارض التى كانوا يمتلكونها سابقا وسمح لهم بإعادة بناء كنيستهم. وانتهز الناس هذه الفرصة الروحية، ونقلوا المواد الخاصة بالمبنى الأول من سايس. ولكن ذلك حدث فى وقت متأخر عن تلك التى نستعرضها الآن.
(4/20/3) وفى هذه الفترة حدث اتحاد بين النوفاتيين والكنائس الجامعة، إذ تمسك كلاهما بنفس المفاهيم عن الألوهية، وخضعوا معا لإضطهاد مشترك، واجتمع اعضاء كل منهما للصلاة معا. وإذ لم يكن لأعضاء الكنيسة الجامعة بيوت للصلاة لأن الاريوسيين كانوا قد استولوا عليها منهم، فقد كانوا يجتمعون معهم. ومن تكرار اجتماعاتهم معهم بدت الفوارق بينهم تافهة وعزموا على الاشتراك مع بعضهم بعضا. وكانت المصالحة، على ما أظن، ستكون فعالة، لولا اغتياب بعض الافراد للجمهور، زاعمين أن هناك قانونا قديما ينص على عدم اتحاد الكنيستين.
الكتاب الرابع: الفصل الواحد والعشرون
(اجراءات مقدونيوس فى مانتينيوم، ونقله من كرسيه عندما حاول نقل كفن قنسطنطين الكبير. اعلان يوليانوس قيصرا)
(4/21/1) وفى مثل هذا الوقت تقريبا قضى ايلوسيوس Eleusius بالكلية على كنيسة النوفاتيين فى سيزيكوس. وتعرَّض سكان المناطق الأخرى فى بافلاجونيا Paphlagonia وبصفة خاصة مانتينيوم Mantiniumلإضطهادات مماثلة.
(4/21/2) فقد أشاع مقدونيوس أن غالبية هؤلاء الناس اتباع لنوفاتيوس، وأن السلطة الكنسية لم تكن كافية وحدها لطردهم، لذلك أقنع الإمبراطور بإرسال اربعة كتائب ضدهم. لأنه تخيل أن هؤلاء الرجال غير المعتادين على السلاح سيرتعدون عند أول ظهور للجنود، فيوافقون على مفاهيمه.
(4/21/3) ولكن ما حدث كان العكس، إذ سلَّح شعب مانتينيوم انفسهم بالفؤوس والمناجل وبكل سلاح أيا كان فى متناول يدهم وزحفوا ضد القوات. ودارت معركة حادة وسقط كثيرون من أهل بافلاجونيا، ولكن الجنود قد قُتِلوا جميعا تقريبا. وكثيرون من اصدقاء مقدونيوس قد لاموه لأنه تسبب فى فاجعة عظيمة كهذه. وكان الإمبراطور غير مسرور بذلك ونظر إليه بأقل مما كان.
(4/21/4) وتولدت مشاعر معادية [ضده] من حادثة أخرى. فقد فكَّر مقدنيوس فى نقل جثمان الإمبراطور قنسطنطين لتداعى البناء المدفون فيه. وانقسم الشعب بخصوص هذه المسألة إلى فريقين. فالبعض وافق على المشروع بينما عارضه آخرون معتبرين إياه عملا غير تقوِى ويماثل نبش القبور. وكان أولئك المتمسكين بالإيمان النيقاوى من أصحاب الرأى الثانى، وأصروّا على ألاَّ يتعرض جثمان قنسطنطين لأية إهانة لأن الإمبراطور كان يتمسك بنفس العقائد مثلهم. ويمكننى أن أتصُور أنهم بالإضافة إلى ذلك كانوا شغوفين بمعارضة مشروعات مقدونيوس. ومع ذلك، وبدون ابطاء نقل مقدونيوس الجثمان إلى نفس الكنيسة التى كان فيها مقبرة الشهيد اكاكيوس. وانقسم الناس إلى فريقين واحد يستحسن العمل، والآخر يدينه. واندفع الفريقان ضد بعضهما إلى الكنيسة وحدثت مذبحة داخل بيت الصلاة، وامتلأ المكان المجاور له بالدماء وأجساد القتلى. وثار الإمبراطور الذى كان وقتها فى الغرب بشدة لهذا الحدث، ولام مقدونيوس بإعتباره سبب هذه الإهانة التى لحقت بأبيه، ومذبحة الشعب.
(4/21/5) وصمم الإمبراطور على زيارة الشرق، وفى طريقه أسبغ على ابن عمه([351]) يوليانوس لقب قيصر، وأرسله إلى الغال الغربية.
الكتاب الرابع: الفصل الثانى والعشرون
(مجمع سلوقية)
(4/22/1) وفى حوالى نفس الفترة اجتمع الاساقفة الشرقيون، حوالى مائة وستون بالعدد، فى سلوقية Seleucia مدينة بإيسوريا. وكان ذلك خلال قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس. وتوجه ليوناس Leonas الذى كان يشغل وظيفة عسكرية براقة فى القصر إلى هذا المجمع بأمر من قنستانتيوس لكى ما يتم الاعتراف العقيدى فى حضوره. وكان لوريكيوس([352]) Lauriciusالحاكم العسكرى للمنطقة حاضرا ليهىء كل ما هو ضرورى، إذ كلفه خطاب الإمبراطور بهذه الخدمة.
(4/22/2) وفى الجلسة الأولى لهذا المجمع كان اساقفة عديدون غائبين ومن بينهم باتروفيلوس اسقف اسكيثوبوليس، ومقدونيوس اسقف القنسطنطينية، وباسيليوس اسقف انقيرا، وقد لجأوا إلى اعذار متنوعة تبريرا لعدم حضورهم. فقد زعم باتروفيلس بشكوى من عينيه، وتحجج مقدونيوس بتوعك، ولكن كان يُشَك فى أنهم تعللوا بذلك خوفا من الاتهامات العديدة التى كانت ستُثار ضدهم.
(4/22/3) ولما رفض الاساقفة الآخرون فحص النقاط المتنازع عليها فى غيابهم، أمرهم ليوناس بإتخاذ الإجراءات فى الحال لفحص المسائل المثارة.
وهكذا كان البعض يرى أنه من الضرورى البدء بمناقشة الموضوعات العقيدية بينما رأى الآخرون أن الاستعلام يجب أن يؤسس أولا على سلوك أولئك الذين وُجِّهت إليهم الاتهامات، كما كان الحال مع كيرلس اسقف اورشليم ويوستاثيوس اسقف سيباسطا وآخرين.
(4/22/4) ولكن غموض خطابات الإمبراطور الذى أدى إلى وصفها أحيانا على نحو معين، وفى أحيان على نحو آخر قد أدى إلى هذا النزاع. وصار النزاع الناشىء من هذا المصدر قويا، لدرجة أنه دمَّر كل اتفاق بينهم، وانقسموا إلى قسمين.
(4/22/5) ومع ذلك سادت مشورة أولئك الذين يرون البدء بفحص العقائد. وعندما بدأوا بفحص المصطلحات رغب البعض فى رفض استعمال مصطلح "جوهر" وناشدوا الرجوع إلى صيغة الايمان التى وضعها منذ وقت قصير مارك من سيرميوم، وقبِلها الاساقفة الذين كانوا فى البلاط ومنهم باسيليوس اسقف انقيرا، ولكن آخرين كثيرين كانوا مهتمين بتبنى صيغة الايمان التى وُضِعَت عند تكريس كنيسة انطاكية.
(4/22/6) وكان المنتمون إلى الفريق الأول اودكسيوس وأكاكيوس وباتروفيلوس، وجورج اسقف الأسكندرية، وأورانيوس اسقف سيزيكوس، وصفرونيوس اسقف بومبيوبوليس Pompeiopolis فى بافلاجونيا، واتفق معهم الغالبية. ولذلك كان يظن بدرجة معقولة، أن اكاكيوس وحزبه قد تغيبوا بسبب الإختلاف بين مفاهيمهم وتلك الخاصة بالاساقفة سالفى الذكر، وأيضا لأنهم رغبوا فى تجنب مناقشة الاتهامات المُوجهة ضدهم على الرغم من أنهم قد اعترفوا سابقا كتابة لمقدونيوس اسقف القنسطنطينية أن الإبن هو "مثل" الآب فى كل شىء، وأنه من نفس الجوهر، ولكنهم يكافحون الآن بخجل تام ضد اعترافهم السابق.
(4/22/7) وبعد منازعة مطولة أعلن سلفانوس اسقف طرسوس بصوت عالى ولهجة قاطعة أنه لا ينبغى إدخال أية صيغة ايمان جديدة، وأن صيغة انطاكية هى وحدها التى تسود.
(4/22/8) وفى اليوم التالى اجتمع هؤلاء الاساقفة فى الكنيسة، واغلقوا الأبواب، وصدَّقوا على هذه الصيغة سرا. وأدان اكاكيوس هذا الاجراء، ووضع سرا الصيغة التى يتبناها أمام ليوناس ولورسيوس. وبعد ذلك بثلاثة أيام عاد هؤلاء الاساقفة إلى الاجتماع وانضم إليهم مقدونيوس وباسيليوس اللذين كانا غائبين سابقا. وصرح اكاكيوس وحزبه أنه لن يشترك فى اجراءات المجمع إلى أن يغادر الاجتماع أولئك المتهمين والمخلوعين. فأُذعِن لطلبه، لأن الفريق المعارض كان قد عزم على ألاَّ يدع له أية ذريعة ضد المجمع والذى كان من الثابت أن هذا هو هدفه لكى ما يمنع فحص هرطقة اتيوس، والاتهامات الموجهة ضده هو وحزبه.
(4/22/9) وعندما اجتمع جميع الاعضاء سجَّل ليوناس أن معه مستند مُسلَّم له من حزب أكاكيوس، وهو عبارة عن صيغة ايمانهم مع ملاحظات تمهيدية. ولم يكن أحد من الاساقفة الآخرين يعرفون أى شىء عنه لأن ليوناس الذى كان له نفس مفاهيم اكاكيوس قد احتفظ بالموضوع كله سرا.
(4/22/10) وعندما قُرِأ هذا المستند امتلأ جميع المجتمعون بالشغب لأن بعض العبارات، على الرغم من أن الإمبراطور قد حظر إدخال أى مصطلح جديد على صيغ الإيمان لا يوجد فى الأسفار المقدسة، إلاَّ أن أولئك الاساقفة الذين كانوا قد خُلِعوا، إذ كانوا قد أُحضِروا من مناطق عديدة إلى الاجتماع مع آخرين ممن قد سيموا على نحو غير شرعى قد طرحوا المجمع فى فوضى.
(4/22/11) وأُهين بعض الاعضاء ومُنِع آخرون من الكلام. وقيل أن اكاكيوس وحزبه لم يرفضوا الصيغة التى وضُعِت فى انطاكية على الرغم من أولئك الذين اجتمعوا فى تلك المدينة قد دونوها بغرض معالجة الصعوبة التى أُثيرَت آنذاك وهى أن مصطلحات مساوى فى الجوهر([353])، و"المماثلة"([354]) فى الجوهر، قد أحزنت بعض الأفراد، وأنها كما لو كانت، مثل التى أُثِيرت حديثا، تنص على أن الإبن غير مشابه للآب([355]). لذلك كان من الضروى فى هذا الصدد رفض مصطلح "مساوى فى الجوهر" و"مشابه" فى الجوهر اللذيَن لم يرِدا فى الأسفار المقدسة، لإدانة مصطلح "ليس مشابه"، وللإعتراف صراحة بأن الإبن هو مثل الآب، لأنه كما يقول بولس الرسول فى مكان ما "صُورة الله غير المنظور".
وهذه الملاحظات التمهيدية، تلتها صيغة لا هى مطابقة لصيغة نيقية، ولا لصيغة انطاكية، ومكتوبة بحِرفية تجعل اتباع اريوس واتيوس غير ضالين متى تقرر ايمانهم بذلك. فقد حُذِفت فى هذه الصيغة الكلمات التى تدين التعليم الأريوسى والتى استخدمها المجتمعون فى نيقية، وتم العبور فى صمت على الكلمات المُعلنَة فى مجمع انطاكية بشأن عدم تغير الله الابن وبخصوص صُورة الجوهر غير المتغير، والسلطة والمجد والمشورة([356]) للآب. وتم التعبير ببساطة عن الايمان بالآب والابن والروح القدس.
(4/22/12) وبعد سرد بعض الألقاب الغامضة لحالات فردية لا تدخل فى أى مفهوم عقائدى من ناحية أو أخرى، تقول أن كل مَن يشايع أى آراء أخرى خلاف تلك المذكورة فى هذه الصيغة يكون غريبا على الكنيسة الجامعة.
(4/22/13) تلك كانت محتويات الرسالة المُقدَّمة من ليوناس، والموَّقع عليها من اكاكيوس ومن الذين تبنوا مفاهيمه.
(4/22/14) وبعد أن قُرِأت صاح صفرونيوس اسقف بافلاجونيا إن قبلنا نحن يوميا آراء الأفراد كإقرار إيمان فإننا سنخفق فى إحراز دقة الحق.
فرد اكاكيوس بحسم أنه ليس هناك ما يمنع من تأليف صيغ جديدة بديلة لتلك التى لنيقية. فأجاب ايلوسيوس كالآتى: ولكن المجمع لم يجتمع الآن بغرض تعلّم ما هو معروف بالفعل، أو لقبول صيغة أخرى خلاف تلك المُصدَّق عليها بالفعل من قِبل الذين اجتمعوا فى انطاكية. وأكثر من ذلك، سواء أكنا أحياء أو أموات فإننا نتمسك بهذه الصيغة.
(4/22/15) وبعد أن أخذ النقاش مداه، انتقلوا إلى استعلام آخر، وسألوا حزب أكاكيوس على أى نحو يعتبرون الإبن "مثل" الآب. فأجابوا أن الإبن مثل الآب فى الإرادة فقط وليس فى الجوهر. وأصرَّ الآخرون على أنه مثله فى الجوهر، واقنعوا اكاكيوس من العمل الذى كان قد كتبه سابقا، وأنه كان ذات مرة من رأيهم. فرد أكاكيوس بأنه لا ينبغى أن يُحاكَم بما قد كتبه. واستمرت المنازعة بحرارة لبعض الوقت، ثم تكلم ايليوسيوس اسقف سيزيكوس كالآتى:
إن المجمع لا يهتم كثيرا بما إذا كان باسيليوس أو مارك قد أخطأ على نحو ما، ولا يقلق بفحص الصيغ وما إذا كانت مقبولة أم لا، إنما يكفى الحفاظ على الصيغة التى تم التصديق عليها فى انطاكية من قِبل السبعة والتسعين كاهنا، وإذا رغب أى شخص فى إدخال أى تعليم لا تحتويه تلك الصيغة فيجب أن يٌعتبر غريبا عن الدين وعن الكنيسة. فإستحسن أولئك الذين كانوا حسب مفاهيمه، كلامه. ونهض المجتمعون عندئذ وانصرفوا.
(4/22/16) وفى اليوم التالى رفض حزب أكاكيوس وجورج حضور المجمع، وكذلك رفض ليوناس الذى أظهر نفسه الآن صراحة أنه مع مفاهيمهم، الحضور على الرغم من كل التوسلات ليتوجه إلى هناك. ووجد أولئك الذين أُرسلَوا إليه ليستدعوه للحضور، حزب اكاكيوس فى بيته. ورذل دعوتهم بحجة أن عدم الوفاق قد ازداد فى المجمع بسبب عدم التآلف بين الاعضاء. وضاع وقت طويل على هذا النحو.
(4/22/17) ودُعِى حزب اكاكيوس مرارا من قِبل الاساقفة الآخرين لحضور الاجتماعات، ولكنهم طلبوا حوارا خاصا فى بيت ليوناس مرة، وزعموا أنهم موفدون من الإمبراطور لمحاكمة أولئك المتهمون مرة أخرى، لأنهم لم يقبلوا قانون الإيمان الذى تبناه الاساقفة الآخرون ولا تتطهروا من الجرائم التى أُتُهِموا بها، ولا فحصوا قضية كيرلس الذى قد خلعوه. وأنه ليس هناك مَن يُجبِرهم على عمل ذلك.
(4/22/18) ومع ذلك، خلع المجمع أخيرا جورج اسقف الأسكندرية، واكاكيوس اسقف قيصرية واورانيوس اسقف صُور، وباتروفيلس اسقف سكيثوبولس واودكسيوس اسقف انطاكية ومقدّمين آخرين عديدين. ومنع أشخاصا كثيرين من الشركة إلى أن يتطهروا من الجرائم المنسوبة لهم. وأُرسِلت المداولات كتابة إلى ايبارشية كل من الاكليروس وسيم ادريان كاهن انطاكي اسقفا على هذه الكنيسة بدلا من اودكسيوس، ولكن حزب اكاكيوس قبضوا عليه وسلَّموه لليوناس ولورسيوس فأودعوه السجن العسكرى، ثم ارسلوه فيما بعد إلى المنفى.
(4/22/19) لقد اعطينا الآن رواية مختصرة عن اعمال مجمع سلوقية. ومَن يرغب فى معلومات تفصيلية أكثر يمكنه أن يجدها فى اعمال المجمع المسجلة كتابة بالإختزال.
الكتاب الرابع: الفصل الثالث والعشرون
(اكاكيوس واتيوس. وكيف قاد الإمبراطور مندوبى المجمعيَن ارمينيّم وسلوقية إلى قبول نفس التعاليم)
(4/23/1) وعقب الاجراءات عاليه توجه مشايعو اكاكيوس فى الحال إلى الإمبراطور، وعاد الاساقفة الآخرون إلى أوطانهم الخاصة بهم.
وتقابل فى الطريق المندوبين العشرة الذين ارسلهم مجمع ارمينيّم مع المندوبين العشرة المُرسَلين من مجمع سلوقية، وأيضا مع حزب اكاكيوس. وهؤلاء الآخيرون كانوا قد اكتسبوا لدعواهم الرجال الرئيسين بالقصر، وبواسطة تأثيرهم ضمنوا عطف الإمبراطور. وقيل أن بعض هؤلاء قد ناصروا مفاهيم اكاكيوس فى فترة ما سابقة، والبعض أُرتُشِى بثروة الكنيسة، وآخرون خُدِعوا بالحجج الماكرة التى قُدِّمت لهم، وبرتبة مَن أقنوعهم.
(4/23/2) ولم يكن اكاكيوس، فى الحقيقة، شخصية عامة، ولكنه وُهِب بالطبيعة قوة ذكاء كبيرة وبلاغة، ولم يُظهِر أى حاجة إلى مهارة أو خطابة فى انجاز مخططاته فقد كان رئيسا لكنيسة شهيرة ويمكنه أن يتباهى بأن استاذه كان يوسيبيوس بامفيلوس الذى خلفه فى الاسقفية، وكان مُكرَّما أكثر من أى شخص آخر بسمعته وكُتُبِه. وإذ قد وُهِب كل هذه المزايا، فقد نجح بكل سهولة فى كل ما تعهد به.
(4/23/3) ولما كان فى ذلك الوقت هناك عشرون مبعوثا بالقنسطنطينية، عشرة من كل مجمع، إلى جانب اساقفة آخرين كثيرين كانوا قد توجهوا إلى المدينة لأغراض شتى فقد تلقى هونوراتس Honoratus حاكم القنسطنطينية الرئيسى، الذى عيَّنه الإمبراطور قبل رحيله إلى الغرب، توجيهات بفحص التقارير الخاصة بإتيوس وهرطقته فى حضور مقدّمى المجمع الكبير.
(4/23/4) وقد اهتم قنستانتيوس مع بعض الحكام بفحص هذه القضية، ولما ثبت أن اتيوس قد ادخل بعض العقائد التى تتعارض بصفة جوهرية مع الايمان، غضب الإمبراطور والقضاة الآخرون من عباراته التجديفية. وقد قيل أن أنصار اكاكيوس تظاهروا بجهلهم بهذا الأمر بغرض أن يحثوا الإمبراطور ومَن حوله إلى الإلمام بها، لأنهم تخيلوا أن بلاغة اتيوس لا تُقاوَم وأنه سينجح بدون أدنى زلل فى اقناع سامعيه، وأن هرطقته قادرة على التغلب على الرافضين لها.
(4/23/5) ومع ذلك عندما أثبتت النتيجة عُقم توقعاتهم، طلبوا اعتماد وفد المبعوثين من مجمع سلوقية لصيغة الايمان التى قبلها مجمع ارمينيّم. فلما رفض مبعوثى مجمع سلوقية التخلى عن مصطلح جوهر، صرح حزب اكاكيوس لهم بقَسم أنهم لم يتمسكوا بأن الإبن "غير مماثل" للآب فى الجوهر، بل أنهم على العكس مستعدين لرفض هذا الرأى كهرطقة. وأضافوا أنهم يُقدِّرون الصيغة المحررة من الاساقفة الغربيين فى ارمينيّم بدرجة كبيرة لأن كلمة جوهر قد شُطِبت منها يشكل غير متوقع لأنهم قالوا إن قُبِلت هذه الصيغة فلن يكون هناك داعى لذكر كلمة جوهر أو مصطلح "مساوى فى الجوهر" التى كان الكثيرون من الكهنة الغربيون يتمسكون بها من توقيرهم لمجمع نيقية.
(4/23/6) وكان لهذا السبب أن اعتمد الإمبراطور الصيغة لأنه عندما تذكر عدد الاساقفة الكبير الذين اجتمعوا فى ارمينيّم وفكر أنه ليس هناك خطأ فى القول سواء أن الإبن مثل الآب، أو أنه من نفس الجوهر كالآب؛ وعندما تمعن بالأكثر فى أنه ليس هناك اختلاف فى الدلالة سينتُج عن ذلك إذا ما حلَّت تعبيرات لا جدال فيها محل مصطلحات لم ترِد فى الأسفار المقدسة (مثل "مماثل" على سبيل المثال) فقد صمم على التصديق على الصيغة.
وإذ كانت هذه هى وجهة نظره فقد أمر الاساقفة بقبول الصيغة.
(4/23/7) وفى اليوم التالى كانت الترتيبات تتخذ للإحتفال الفخم لإعلانه قنصلا الذى يحدث حسب العادة الرومانية فى بداية شهر يناير، ويقضى فيه الإمبراطور طوال النهار وجزء من الليل مع الاساقفة. ونجح فى النهاية فى اقناع مبعوثى مجمع سلوقية على قبول الصيغة المحالة من ارمينيّم.
الكتاب الرابع: الفصل الرابع والعشرون
(اعتماد أنصار اكاكيوس لصيغة مجمع ارمينيّم. قائمة برؤوساء الكهنة المخلوعين واسباب ادانتهم)
(4/24/1) وبقى أنصار اكاكيوس لبعض الوقت فى القنسطنطينية، ودعا اساقفة عديدين من بيثينية من بينهم ماريس Marisاسقف خلقيدون، واولفيلاس Ulfilasاسقف القوط. واجتمع هؤلاء المدبرون معا، حوالى خمسون بالعدد، واعتمدوا الصيغة التى قُرِأت فى مجمع ارمينيّم وأضافوا مادة تنص على عدم استخدام مصطلحات جوهرsubstance وهيبوستاسيس hypostasis مرة ثانية أبدا فى الاشارة إلى الله. وأن جميع الصيغ التى سبق سنها وتلك التى ستُسَّن فى المستقبل يجب إدانتها.
(4/24/2) ثم خلعوا اتيوس من خدمة الشموسية لأنه كتب أعمالا مملوءة بالخلافات، وبألوان من المعرفة الباطلة المضادة للدعوة الكنسية، ولأنه استخدم فى الكتابة وفى الجدال تعبيرات كافرة عديدة، ولأنه كان سبب المتاعب والشقاق فى الكنيسة. وقد زُعِم أنهم لم يخلعوه بإرادتهم ولكن لمجرد أنهم أرادوا أن يزيلوا كل شكٍ من ذهن الإمبراطور نحوهم، إذ أنهم أُتُهِمُوا بأنهم يشايعون آراء اتيوس.
(4/24/3) وانتهز أولئك الذين يتبنون نفس المفاهيم فرصة استياء الإمبراطور من مقدونيوس للأسباب المذكوره عاليه وعزلوه بالتالى. وبالمثل ايلوسيوس([357]) اسقف سيزيكوس، وباسيليوس اسقف انقيرا، وهيورتاسيوس اسقف ساردس، ودراكونتيوس اسقف برجاموس. وعلى الرغم من أنهم كانوا يختلفون فى العقيدة عن أولئك الاساقفة، إلاَّ أنهم فى خلعهم لم يُوَّجه لهم أى لوم على إيمانهم، بل كانت التهم المزعومة ضدهم هى [التهم] المشتركة للجميع وهى ازعاج السلام وكسر قوانين الكنيسة.
(4/24/4) وحددوا بصفة خاصة أنه عندما كان ديوجينس الكاهن مسافرا من الأسكندرية إلى انقيرا، استولى باسيليوس على اوراقه وضربه. وخلعوا أيضا باسيليوس بدون محاكمة. وسلَّموا الكثيرين من اكليروس انطاكية وشواطىء الفرات وكيليكية وغلاطية وآسيا لحُكام المقاطعات لنفيهم وإخضاعهم لعقوبات قاسية.
(4/24/5) وهكذا قُيِّد الكثيرون بالقيود وأُجبَروا على رشوة الجنود الذين كانوا يقتادونهم حتى لا يُسيئوا معاملتهم. وأضافوا أنه فى إحدى المناسبات عندما أمر الإمبراطور أن يتم إحضار اتيوس وبعض تابعيه للمثول أمام سكربيوس ليستجوبهم فى اتهامات متعددة موجهة لهم، أوصى باسيليوس ذاك الذى كان مُكلَّفا بتنفيذ هذا المرسوم أن يسلك حسب مقتضيات حُكمه الخاص. ويقولون أنه كتب توجيهات لهرموجينس البريفكت وحاكم سوريا مُحدِدا له مَن يُنفى، وما إذا كانوا يُرسَلون أم لا. وعندما كان المنفيون يُستَدعون من الإمبراطور كان هو يعترض ولا يوافق على عودتهم ويُقاوِم رغبات الحُكام والكهنة. وقالوا أيضا أنه هيّج كهنة سيرميوم ضد جرمانيوس وأنه على الرغم من أنه دوَّن كتابة أنه قبِل جرمانيوس وفالنس واورساكيوس فى الشركة، فإنه اعتبرهم كمجرمين أمام محكمة الاساقفة الافريقيين. وأنه عندما وُوجِه بهذا العمل انكره وحلف كاذبا. وعندما حُكِم عليه بعد ذلك برر حنثه بالقَسم بأعذار سوفسطائية. وأضافوا أنه كان السبب فى النزاع والتحريض فى ايلليريا وافريقيا وفى الكنيسة الرومانية. حتى أنه ألقى بخادمة فى السجن ليُجبرها على الشهادة بالزور ضد سيدها بأنه قد عمَّد رجلا ذا حياة ماجنة إذ كان يعيش فى جماع غير شرعى مع إمرأة، ورقاه إلى رتبة الشموسية. وأنه قد أهمل فى حرم طبيب دجال تسبب فى موت اشخاص عديدين. وأنه هو وبعض الاكليروس قد ربطوا انفسهم بقَسم امام المائدة المقدسة ألا يثيروا الاتهامات ضد بعضهم بعضا، ويقولون أن هذه حيلة من رئيس الاكليروس ليحصن نفسه ضد اتهامات المُدعِين عليه. وبإختصار كانت اسباب مثل هذه هى التى خصصوها لباسيليوس.
(4/24/6) ويقولون أن يوستاثيوس قد خُلِع لأنه عندما كان كاهنا قد أُدين من أبيه يولاليوس اسقف كنيسة قيصرية كبادوكية، وحُرِم من الشركة فى الصلاة. وأيضا لأنه حُرِم من مجمع مدينة نيوقصرية ببونطس، وخُلِع من يوسيبيوس اسقف القنسطنطينية لعدم أمانته فى القيام بواجبات معينة منوط بها. وحُرِم أيضا من اسقفيته بواسطة المجتمعين فى غنغرا بسبب تعليمه وعمله وفكره المضاد للعقيدة السليمة، وحُكِم عليه بحنث القَسم من مجمع انطاكية وقد سعى أيضا إلى إلغاء المراسيم الخاصة بالحُكم فى ميليتينا Melitina. وعلى الرغم من أنه مذنب فى قضايا كثيرة فقد تطلع إلى أن يكون قاضيا على الآخرين وأن يصمهم كهراطقة.
(4/24/7) وعزلوا ايلوسيوس لأنه رفع بلا اكتراث هيراكليوس مواطن من صُور ليكون شماسا. وهذا الرجل كان قسا فى هركلوس Hercules بصُور، وكان قد أتُهِم وحوكم بالسحر. ولذلك اعتزل فى سيزيكوس وتظاهر بالإهتداء إلى المسيحية. وأكثر من ذلك بعد أن علِم ايلوسيوس بهذه الظروف لم يطرده من الكنيسة. وأيضا رسم اشخاصا مُعيّنِين بدون استعلام كانوا قد أتوا إلى سيزيكوس بعدما أُدِينوا من قِبل ماريس اسقف خلقيدون الذى شارك فى هذا المجمع.
(4/24/8) وعُزِل هيروتاسيوس لأنه رسم اسقفا لأروس بدون موافقة اساقفة ليديا. وعزلوا دراكنتيوس اسقف برغامس لأنه كان يشغل سابقا اسقفية أخرى فى غلاطية، وقرروا أنها كانت فى جميع الأحوال سيامة غير شرعية.
وبعد هذه الاجراءات عُقِد اجتماع ثانى للمجمع عُزِل فيه سيلفانوس اسقف طرسوس وصفرونيوس اسقف بومبيوبولس، والبيديوس اسقف ساتلا، ونيوناس اسقف سلوقية بإيسوريا. والسبب الذى عزوه لعزل سلفانوس هو أنه نصَّب نفسه قائدا لحزب غبى فى سلوقية والقنسطنطينية، وجعل إلى جانب ذلك ثيوفيلس رئيسا لكنيسة كاستابلا، وهذا كان قد سيم قبلا اسقفا على اليوتيروبوليس بواسطة اساقفة فلسطين، وكان قد وعد بقَسم أنه لن يقبل اسقفية أخرى بدون إذنهم. وعُزِل صفرونيوس بسبب جشعه، ولأنه قد باع بعض التقدمات المُقدَّمة للكنيسة لربحه الخاص. وإلى جانب ذلك، بعد أن أُستُدعِىَّ مرة واثنين للمثول أمام المجمع، ظهر بالكاد أخيرا وبدلا من الرد على الاتهامات المثارة ضده طلب قضاة آخرين. وعُزِل نيوناس لأنه لجأ إلى العنف فى سعيه لسيامة انيانوس فى كنيسته الخاصة الذى عُيِّن اسقفا لأنطاكية ولأنه رسم كأساقفة اشخاصا قد انشغلوا سابقا بالسياسة وكانوا يجهلون تماما الأسفار المقدسة والقوانين الكنسية والذين فضَّلوا بعد سيامتهم التمتع بممتلكاتهم عن رتبة الكهنوت وأعلنوا كتابة أنهم يُفضلون تحمل مسؤولية ممتلكاتهم عن التفرغ للمهام الاسقفية بدونها. وعُزِل البيدوس لأنه شارك فى الممارسات الخاطئة لباسيليوس وسبَّب اضطرابا عظيما، ولأنه ضدا لمراسيم مجمع ميليتينا، أعاد إلى رتبته السابقة رجلا يُدعى يوسيبيوس كان قد عُزِل لأنه جعل نكتاريا شماسة بعد أن حُرِمت بسبب نقضها لإتفاقات وأقسام، وأن منحها لهذه الكرامة كان بكل وضوح ضدا لقوانين الكنيسة.
الكتاب الرابع: الفصل الخامس والعشرون
(أسباب عزل كيرلس اسقف اورشليم، والشقاق المتبادل بين الاساقفة. وسيامة مليتيوس بواسطة الاريوسيين. وتعضيد يوستاثيوس فى اسقفية سيباستا)
(4/25/1) وبالإضافة إلى الاساقفة السابق ذكرهم عُزل كيرلس اسقف اورشليم لأنه قبل يوستاثيوس والبيدوس فى الشركة بعد أن عارضا المراسيم الصادرة من قِبل المُجتمعين فى ميليتينيا. وكان من ضمنهم كيرلس نفسه. ولأنه قبل أيضا باسيليوس وجورج اسقف لاودوكية فى الشركة بعد عزلهما فى فلسطين.
(4/25/2) وقد كانت هناك منازعة بين كيرلس واكاكيوس اسقف قيصرية عندما نُصِّب على اسقفية اورشليم بشأن حقوقه كمطران، والتى طالب بها على اساس أن اسقفيته هى كرسى رسولى. فأثارت هذه المنازعة مشاعر البُغضة بين الاسقفين، واتهم كل منهما الآخر بعدم سلامة اعتقاده الخاص بالألوهية. وفى الحقيقة كان لكل منهما [سببا] مسبقا للشك، فأكاكيوس كان متعاطفا مع هرطقة آريوس. وكان كيرلس فى جانب أولئك الذين يحافظون على أن الإبن مثل الآب فى الجوهر. فجاهد أكاكيوس وهو ممتلىء حنقا ضد كيرلس، ومدعوما من اساقفة المنطقة الذين كانوا من نفس مفاهيمه، فى عزل كيرلس بواسطة المزاعم التالية: لقد تعرضت اورشليم والريف المجاور لها ذات مرة لمجاعة. فلجأ الفقراء بأعداد غفيرة إلى اسقفهم كيرلس من أجل الطعام الضرورى. وإذ لم يكن لديه نقود لشراء المواد المطلوبة باع من أجل هذا الغرض الستائر والأوانى المقدسة للكنيسة. وقيل أن رجلا تعرف على تقدمة كان قد قدَّمها للمذبح، كجزء من ملابس ممثلة. فاستعلم متى حصلت عليها، وتأكد أن تاجرا قد باعها للممثلة وأن الاسقف قد باعها للتاجر. وتحت هذه الذريعة عُزِل اكاكيوس كيرلس([358]). وعند الفحص وجدت هذه الحقائق. ولقد قيل أن حزب اكاكيوس قد طرد من القنسطنطينية كل الاساقفة الذين عزلوا المذكورين عاليه.
(4/25/3) ورفض عشرة أساقفة من هذا الحزب التوقيع على مراسيم العزل وانفصلوا عن الآخرين، فمُنِعوا([359]) من ممارسة مهام الخدمة([360]) أو إدارة كنائسهم إلى أن يوافقوا على إعطاء توقيعاتهم. وتم النص على أنه ما لم يوافقوا خلال ستة أشهر ويُسَلِّموا بكل مراسيم المجمع يتم عزلهم([361])، ويجتمع اساقفة كل منطقة لإختيار اساقفة آخرين بدلا منهم. وبعد هذه الاعمال والقرارات أُرسِلت الخطابات إلى جميع الاساقفة والاكليروس لمراعاة واتمام نصوصها.
(4/25/4) وبناء عليه حلَّ البعض من حزب اودكسيوس، ليس بعد ذلك بوقت طويل، هنا وهناك. واستولى اودكسيوس نفسه على اسقفية مقدونيوس. وحل أثناسيوس محل باسيليوس، واستولى اونوميوس الذى كان سابقا زعيما لهرطقة تحمل اسمه على كرسى ايلوسيوس. وعُيِّن مليتيوسMeletius على كنيسة سبسطا بدلا من يوستاثيوس.
الكتاب الرابع: الفصل السادس والعشرون
(موت مقدونيوس اسقف القنسطنطينية. وماذا قال اودكسيوس فى تعليمه. سعى اكاكيوس واودكسيوس الشديد لإلغاء صيغ ايمان نقية وارمينيّم. المتاعب التى ثارت فى الكنائس)
(4/26/1) وعندما عُزِل مقدونيوس من كنيسة القنسطنطينية، اعتزل بإحدى ضواحى المدينة حيث مات. واستولى اودكسيوس على كنيسته فى السنة العاشرة من قنصلية قنستانتيوس، والثالثة من يوليانوس المُلَقب قيصر.
(4/26/2) ويُروَى أنه عند تدشين الكنيسة الكبرى التى تُدعَى صوفيا، عندما نهض([362]) ليُعلِّم الناس بدأ حديثه بهذه العبارة: الآب غير تقى أما الإبن فتقى. فلما أثارت هذه العبارة هياجا شديدا بين الناس، أردف [قائلا] اهدأوا. الآب غير تقى لأنه لا يَعبُد أحدا، أما الإبن فتقى لأنه يَعبُد الآب([363]). وبهذا التفسير انفجر السامعون فى الضحك.
(4/26/3) وهكذا سعى اودكسيوس واكاكيوس بأقصى جهد لجعل مراسيم نيقية تسقط بالنسيان. فأرسلا صيغة ارمينيّم بتفسيرات عديدة مضافة من عندهما إلى سائر المقاطعات الامبراطورية، وطلبا من الإمبراطور مرسوما بنفى كل مَن يرفض التوقيع عليها.
(4/26/4) ولكن هذا الاجراء الذى بدا لهما سهل التنفيذ كان بداية لمصائب أعظم لأنها أثارت هياجا فى سائر ارجاء الامبرطورية، وجلبت على الكنيسة فى كل اقليم اضطهادًا أكثر قسوة من ذلك الذى جرى فى عهد الأباطرة الوثنيين.
فإذا كان اضطهادا كهذا لا يُعذِّب الجسد مثل الاضطهادات السابقة، إلاَّ أنه ظهر أكثر بشاعة لكل مفكر بسبب طبيعته الشائنة لأن كلا من المُضطِّهِدين والمضطَّهَدين ينتمون إلى الكنيسة. وكان الأمر أكثر خزيا أن يُعامِل اتباع نفس الدين رفقائهم بدرجة من القسوة تحظر القوانين الكنسية تطبيقها على الاعداء والغرباء([364]).
الكتاب الرابع: الفصل السابع والعشرون
(بدعة مقدونيوس وتجديفه على الروح القدس. انتشار هرطقته بواسطة ماراثونيوس وآخرين)
(4/27/1) إن روح الابتداع، ذاتية المديح، ومن ثم فهى تتقدم أكثر وأكثر وتمتد إلى بدع أكثر بالاقتناع الذاتى. فهى تحتقر الآباء، وتسن قوانينا من عندياتها، ولا تُكرِّم عقائد القدماء بشأن الله؛ ولكنها تفكر بإستمرار فى عقائد جديدة وتضيف بلا راحة بدعة إلى أخرى كما تُظهِر الأحداث الآن.
(4/27/2) فبعد أن عُزِل مقدونيوس من كنيسة القنسطنطينية، تخلى عن مفاهيم اكاكيوس واودكسيوس. وبدأ يُعلِّم أن الإبن هو الله وأنه مثل الآب فى كل شىء وفى الجوهر substance، ولكنه زعم أن الروح القدس لا يشترك فى نفس الكرامة، ونعته بخادم ورسول، وطبَّق عليه ما شاء بدون خطأ مما يُقال عن الملائكة المقدسين. وتبنى هذا المفهوم ايلوسيوس ويوستاثيوس وسائر الاساقفة الآخرين الذين خُلِعوا من القنسطنطينية من قِبل انصار الهرطقة المضادة. وتبع بسرعة مثالهم، عدد ليس بقليل من سكان القنسطنطينية وتيراقية وهللسبونت والمقاطعات المجاورة لأن نمط حياتهم لم يكن قليل الأثر، وهذا ما جذب بصفة خاصة انتباه الناس.
(4/27/3) فلقد كان لهم جاذبية كبيرة فى السلوك. وكان تهذبهم مثل الرهبان، وحديثهم واضح وبأسلوب ملائم للإقناع. وقد قيل أن كل هذه الصفات كانت مجتمعة فى ماراثونيوس. فقد كان يشغل قبلا منصبا عاما فى الجيش تحت إمرة الحاكم. وبعد أن كدَّس بعض المال من هذه الوظيفة، ترك الخدمة العسكرية، وانشغل بالإشراف على مؤسسة لراحة المرضى والمُعدَمين. وبعد ذلك، وبناء على اقتراح يوستاثيوس اسقف سبسطا تبنى الحياة النسكية وأسس مستوطنة رهبانية فى القنسطنطينية، ما زالت موجودة إلى اليوم الحالى([365]). فأظهر حماسا كبيرا، وقدَّم جزءً من ثروته الخاصة لدعم هذه الهرطقة السابق ذكرها، إلى حد أن المقدونيين يمكن اعتبارهم بدرجة كبيرة مارثونيين.
(4/27/4) ويبدو لى، ليس بلا سبب إذ أنه يبدو أنه هو وحده مع مؤسسته كان سبب عدم تميزها فى القنسطنطينية. ففى الحقيقة، لم يكن للمقدونيين، بعد عزل مقدونيوس كنيسة أو اساقفة إلى عهد اركاديوس. وطردهم الأريوسيون من الكنائس واضطهدوا بشدة كل من تبنى مفاهيما مضادة لمفاهيمهم وجردوهم من كل اميازاتهم.
(4/27/5) وليس بالمهمة اليسيرة احصاء اسماء الكهنة الذين طُرِدوا فى هذه الفترة من مدنهم الخاصة لأننى اعتقد أنه ليس هناك مقاطعة فى الإمبراطورية كانت معفاة من مصيبة كهذه.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن والعشرون
(الاريوسيون، إذ يتوهممون أن مليتيوس يتبنى مفاهيمهم، ينقلونه من سبسطا إلى انطاكيا. وعندما صُدِموا من إعترافه الجرىء بالعقائد الارثوذكسية يخلعونه. احلالهم ليوزيوس محله على كرسيه. مليتيوس يكون كنيسة له، ولكن المتمسكين بالمساوة فى الجوهر يبتعدون عنه لأنه سيم بواسطة الاريوسيين)
(4/28/1) وفى الفترة التى حصل فيها اودكسيوس على ادارة كنيسة القنسطنطينية كان هناك متطلعون كثيرون لكرسى انطاكية. وكما هو الحال فى مثل هذه الظروف قسَّمت الشقاقات والمنازعات الاكليروس والشعب فى انطاكية تلك. فكان كل فريق مهتم بتعيين اسقف حسب قناعته هو. فقد كانت المنازعات الخاصة بالعقيدة سائدة بينهم لدرجة أنهم لم يقدروا على الاتفاق على طريقة ترتيل المزامير. فقد كانت المزامير، كما كان مقررا سابقا، تُرتَّل بواسطة كل فرد بما يتناسب مع قانون الايمان الخاص به.
(4/28/2) هكذا كان الحال فى كنيسة انطاكية، فرأى حزب اودكسيوس أنه من الجيد اسناد اسقفية المدينة إلى مليتيوس Meletius الذى كان اسقفا لسباسطا آنذاك، وكان يتمتع ببلاغة اقناع عظيمة، وحياة ممتازة. وقد ظن جميعهم أنه حسب آرائهم. واعتقدوا أن صيته سيجذب سكان انطاكية، والمدن المجاورة للإنضمام إلى هرطقتهم، وخاصة هؤلاء الذين يُدعَون يوستاثيون، المشايعين بثبات للعقائد النيقاوية. ولكن توقعاتهم تبددت كلية.
(4/28/3) إذ يُقال أنه بمجرد وصوله إلى انطاكية إلتف حوله حشد كبير من الأريوسيين، وأولئك الذين كانوا فى شركة مع بولينس. البعض لأنه أراد أن يُشاهِد الرجل لأن صيته كان عظيما حتى قبل مجيئه، والبعض كان مهتما بما سيقوله للتعرف على طبيعة آرائه لأن الأخبار كانت قد انتشرت فى الخارج أنه يحافظ على عقائد أولئك الذين اجتمعوا فى نيقية.
(4/28/4) وفى حديثه الأول اهتم بتثقيف الناس بما ندعوه بالأخلاق، ومع ذلك أعلن جهارا أن الإبن من نفس جوهر الآب. ويُقال أنه عندما نطق بهذا الكلام بسط ارشيدياكون الكنيسة الذى كان أحد الاكليروس هناك يده وغطى فم المتكلم، ولكنه استمر فى شرح مفهومه بأكثر وضوح بواسطة اصابعه عما كان يمكنه باللغة. فقد مد ثلاثة أصابع فقط للشعب وأغلقهم ثم سمح لأصبع واحد أن يظل ممددا. وهكذا عبَّر بالإشارات عما مُنِع من النطق به. فلما أمسك الارشيدياكون بيده حرَّر الفم، فإنطلق اللسان. واستمر مليتيوس فى إعلان رأيه بأكثر وضوح وبأعلى صوت، وحث سامعيه على التمسك بقواعد مجمع نيقية، وشهد للسامعين بأن أولئك الذين يتبنون آراء أخرى قد حادوا عن الحق.
(4/28/5) فلما أصرَّ على هذا التعبير سواء بالفم أو بالإشارة عندما أغلق الارشيدياكون فمه، ثارت المنازعات بين الجانبين، ولكن ليست كتلك التى فى المصارعة الاوليمبية. فأتباع يوستاثيوس صاحوا بصوت عالى وابتهجوا وقفزوا، بينما انطرح الاريوسيون. وامتلأ اودكسيوس وحزبه بالغم من هذا الحديث، وسعوا بحيلتهم الخبيثة لطرد مليتيوس من انطاكية.
(4/28/6) وعندما استدعوه بعد ذلك، وهم يظنون أنه قد تخلى عن مفاهيمه القديمة واعتنق المفاهيم الجديدة، ووجدوا أنه متمسك بالعقائد النيقاوية بثبات وبلا اهتزاز طردوه من الكنيسة، ونفوه بأمر الإمبراطور، وعُهِد بكرسى انطاكية إلى يوذيوس Euzoïusالذى كان قد نُفِى سابقا مع اريوس.
(4/28/7) وانفصل اتباع مليتيوس عن الاريوسيين وعقدوا اجتماعاتهم على انفراد لأن أولئك الذين حافظوا منذ البداية على أن الإبن مساوى فى الجوهر مع الآب قد رفضوا قبولهم فى الشركة، لأن مليتيوس كان قد سيم بواسطة اساقفة اريوسيين، ولأن أتباعه قد عُمِّدوا بواسطة كهنة اريوسيين؛ لذلك انفصلوا عنهم على الرغم من أنه كان لهم نفس الآراء.
(4/28/8) وإذ عَلِم الإمبراطور أن عصيانا مسلحا كان على وشك أن يثور فى فارس، توجه إلى انطاكية.
الكتاب الرابع: الفصل التاسع والعشرون
(استمرار حزب اكاكيوس فى السعى لإبطال مصطلح مساوى فى الجوهر، وتأكيد هرطقة اريوس)
(4/29/1) لم يكن حزب اكاكيوس قادرا على البقاء فى هدوء، لذلك اجتمعوا معا مع آخرين قليلين فى انطاكية وأدانوا المراسيم التى كانوا قد اصدروها، وقرروا حذف "مماثل" من الصيغة التى قرأوها فى ارمينيّم وفى القنسطنطينية. وأكدوا أن الإبن لا يماثل الآب لا فى الجوهر ولا فى أى شىء. وأنه صدر من لا وجود سابق([366]) كما علَّم اريوس فى البداية. وانضم إليهم اتيوس الذى كان أول من تجرأ بعد اريوس على الاعتراف جهرا بهذه الاراء، ولهذا دُعِى اتيوس ملحدا، ودُعِى مؤيدوه آنوميين Anomians. واكسوكونتانيين Exucontians.
(4/29/2) وعندما سأل المحافظون على العقائد النيقاوية الآكاكيين كيف يقولون أن الإبن لا يماثل الآب وأنه صدر من العدم بينما هو ثابت فى صيغتهم الخاصة أنه إله من إله؟. أجابوا أن الرسول بولس يصرح أن كل الأشياء هى من الله([367])، وبذا فالإبن مضمن فى اصطلاح كل الأشياء، وأنه بهذا المعنى وطبقا للأسفار المقدسة يلزم فهم التعبيرات التى فى صيغتهم[!!].
(4/29/3) هكذا كانت سفسطتهم ومرواغاتهم التى كانوا يمارسونها([368]). وأخيرا، إذ وجدوا أنفسهم غير قادرين على إحراز أى تقدم فى المجادلة لتبرير آرائهم فى مواجهة هؤلاء الذين يضغطون عليهم فى هذه النقطة، انسحبوا من الاجتماع بعد أن قُرِأت صيغة القنسطنطينية مرة ثانية، وعادوا إلى مدنهم.
الكتاب الرابع: الفصل الثلاثون
(جورج اسقف انطاكية ورئيس كهنة اورشليم، والثلاثة اساقفة خلفاء كيرلس على التوالى. استرداد كيرلس لكرسى اورشليم)
(4/30/1) فى خلال هذه الفترة، أُجبِر اثناسيوس على البقاء فى مخبأه. وعاد جورج إلى الأسكندرية، وبدأ اضطهادا قاسيا ضد الوثنيين وضد المسيحيين المختلفين معه فى الرأى. وأُجبِر الطرفين على تقديم العبادة بالطريقة التى أملاها هو. وأينما أُثِير اعتراض كان يُجبِرهم على الطاعة بالإكراه.
(4/30/2) وكان مكروها من الحُكام لأنه كان يزدرى بهم ويُعطِى أوامره للضباط. وأبغضه الجمهور لأنه كان طاغية، وكانت قوته أكبر من الباقين. ومقته حتى الوثنيون بأكثر من مقت المسيحيين له لأنه منعهم من تقديم الذبائح، ومن الاحتفال بأعيادهم السلفية ولأنه أدخل فى إحدى المرات حاكم مصر والقوات العسكرية إلى المدينة ودمَّر تماثيلهم وزخارف معابدهم ونذورهم. وكان ذلك فى الواقع سبب موته الذى سأذكره.([369])
(4/30/3) وعند عزل كيرلس حصل ايرنيوس Erennius على كنيسة اورشليم، وخلفه هيراكليوس، وبعد هيراكليوس، هيلاريوس. لأننا جمعنا من التقليد أنه فى خلال تلك الفترة أدار هؤلاء الأشخاص الكنيسة هناك إلى عهد ثيودوسيوس عندما استرد كيرلس مرة أخرى كرسيه.
الكتــاب الخـامـس
الكتاب الخامس: الفصل الأول
(ارتداد يوليانوس الخائن. وموت الامبراطور قنستانتيوس)
(5/1/1) هكذا كانت المعاملات التى جرت فى الكنيسة الشرقية. ومع ذلك هاجم فى نفس الوقت يوليانوس القيصر البرابرة الذين يسكنون على ضفاف نهر الراين Rhine وهزمهم، وقتل الكثيرين وأسر آخرين.
(5/1/2) ولما صعَّد النصر صيته بشدة، وكان محبوبا من الكتائب لِلُطفه واعتداله، جعلوه أوغسطسا. ولكن لكى لا يُتِح لقنستانتيوس أى عذرٍ فى هذا العمل قام بتغيير الضباط الذين انتخبهم قنستانتيوس، ونشر بحماس خطابات دورية حث فيها قنستانتيوس البرابرة على دخول المقاطعات الرومانية ومساعدته ضد ماجننتيوس. ثم غيَّر فجأة ديانته على الرغم من أنه كان قد أعلن سابقا مسيحيته. وأعلن نفسه رئيسَ كهنة([370])، وتردد مرارا على المعابد الوثنية، وقدَّم الذبائح، ودعا تابعيه على تبنى شكل العبادة هذا.
(5/1/3) ولما كان الغزو الفارسى على المقاطعات الرومانية([371]) وشيكا، وكان قنستانتيوس قد توجه إلى سوريا لهذا السبب ؛ ففكر يوليانوس فى أن يقيم نفسه سيدا على ايلليريكوم Illyricum بدون معركة. لذلك انطلق مسافرا إلى هذه المقاطعة تحت ستار أنه ينوى تقديم اعتذار لقنستناتيوس على أنه قبل بدون موافقته شعار السلطة الرومانية.
(5/1/4) ويقال أنه عندما وصل إلى حدود ايلليريا، ظهرت الكروم ممتلئة بعناقيد عنب أخضر على الرغم من أن وقت المحصول كان قد مضى، وظهرت ثريا([372])، وسقطت على اتباعه قطرات بإندفاع من ندى الجو كانت كل قطرة منها تطبع علامة الصليب. وقد اعتبر هو وكثيرون ممن معه ظهور العنب فى غير موسمه فألا حسنا بينما عمل الندى لهذه العلامة على الثياب التى تقع عليها هى من قبيل المصادفة([373]).
(5/1/5) بينما ذهب آخرون بالنسبة للرمزين إلى أن الأول وهو العنب الأخضر يعنى أن الإمبراطور سيموت قبل أوانه، وأن عهده سيكون قصيرا جدا، وأما الرمز الثانى وهو الصلبان الناجمة عن قطرات الندى، فهو يشير إلى أن الديانة المسيحية هى من السماء، وأن على جميع الأشخاص أن ينالوا علامة الصليب.
(5/1/6) وأنا، من جانبى، مقتنعٌ أن أولئك الذين كانوا يعتبرون هاتين الظاهرتين كفأل غير مواتٍ ليوليانوس لم يكونوا مخطئين، فإن مرور الزمن برهن على دقة رأيهم.
(5/1/7) وعندما سمع قنستانتيوس أن يوليانوس زاحف ضده على رأس جيش، عدَل عن حملته المزمعة ضد الفارسيين، ورحل إلى القنسطنطينية، ولكنه مات أثناء السفر عندما كان قد وصل إلى موبسوكرانيا Mopsucrenæ التى تقع بالقرب من طورس Taurusبين كيليكية وكبادوكيا.
(5/1/8) وقد مات فى السنة الخامسة والأربعين من عمره بعد أن حكم ثلاثة عشر سنة بالاشتراك مع أبيه قنسطنطين، وخمسة وعشرين سنة عقب موت ذلك الإمبراطور.
(5/1/9) وبعد موت قنستانتيوس بقليل، دخل يوليانوس الذى كان قد جعل نفسه بالفعل سيد تيراقية، القنسطنطينية وأُعلِن امبراطورا. ويؤكد الوثنيون أن الشياطين والآلهة قد تنبأوا بموت قنستانتيوس وبالتغير فى الأمور قبل سفره إلى غلاطية، فنصحوه([374])بالقيام بحملته.
(5/1/10) وكان ذلك يمكن أن يكون نبوة صحيحة لو لم تكن حياة يوليانوس قد انتهت بعد ذلك بوقت قصير جدا، وعندما ذاق فقط السلطة الإمبراطورية كما فى حلم. ولكنه يبدو لى أنه من السخف أن نصدّق أنها قد تنبأت بعد أن سمعت بموت قنستانتيوس، وأنه قد حُذِّر من أن مصيره سيكون السقوط فى المعركة على يد الفارسيين، وأن عليه أن يركض إلى موت ظاهر لا يقدِّم له أية شهرة فى العالم أكثر من نقص المشورة، وبؤس القيادة. ومَن ذا الذى كان سيسمح، لو كان قد عاش، بسقوط الجزء الأكبر من المقاطعات الرومانية تحت النير الفارسى. ومع ذلك أدرجتُ هذه الملاحظة لئلا أُلاَم على حذفها، تاركا كلَّ أحدٍ يكوّن رأيه الخاص.
الكتاب الخامس: الفصل الثانى
(حياة وتعلّم وتدّرب يوليانوس، وإعتلائه للإمبراطورية)
(5/2/1) وفى الحال عقب موت قنستانتيوس، ثار رعب الاضطهاد فى الكنيسة، وكان فزع المسيحيين من توقع هذه المصيبة أكثر مما لو كانت قد حدثت بالفعل. وقد نبعت هذه الحالة من حقيقة أن طول الزمن المنقضى جعلتهم غير معتادين على مخاطر كهذه، ومن تذكر العذابات التى حلت على أبائهم، ومن معرفتهم بكراهية الإمبراطور([375])لعقائدهم. فيقال أنه قد جحد الايمان بالمسيح بالكلية، وأنه طهَّر نفسه من معموديتنا بالذبائح والأضاحى التى يسميها الوثنيون الجحد، وبدماء الحيوانات.
(5/2/2) ومنذ ذلك الوقت انغمس فى احتفالات الطقوس الوثنية جهرا وسرا. ويُروَى أنه بينما كان يفحص فى ذات يوم أحشاء ذبيحة، وجد فيها صليبا مزخرفا بتاج، فأرعب هذا المظهر أولئك الذين كانوا يساعدون فى الاحتفال لأنهم أدركوا أن ذلك إشارة إلى قوة الدين وإلى ديمومة العقائد المسيحية الخالدة، بقدر ما أن التاج الذى تُوِّج به هو رمز الغلبة، وبسبب استمراريته([376]) لأن الدائرة تبدأ من نقطة وتنتهى فى ذاتها وليس لها أى حد فى أى اتجاه([377]). ولذا أمر رئيس العرافين يوليانوس أن يطمئن لأن الأضاحى فى تقديره كانت مواتية لأن شعار العقيدة المسيحية مغروس فى الحقيقة فيها على نحو لا ينتشر كما يريد بل محصُور بمحيط الدائرة([378]).
(5/2/3) وقد سمعتُ أيضا أن يوليانوس قد نزل ذات يوم إلى آديتومadytum ([379]) مشهور وأكثر رعبا، إما بقصد المشاركة فى شعائر الاستهلال([380])، وإما لإستشارة الوحى، وأنه بواسطة الحيل الخداعية التى تدبَّر لهذه الغاية، أو عن طريق السحر، ظهرت أمامه بغتة اشباح مرعبة ومن ثمة نتيجة للخوف والاضطراب من أولئك الذين ظهروا أمامه سقط بلا وعى فى عادته الأقدم ورسم نفسه بعلامة الصليب( إذ أنه دخل الدين الجديد وهو رجل) مثلما يفعل المسيحيون عندما يواجهون خطرا ما، فاختفت الأشباح فى الحال وتبدد قصدهم.([381])
(5/2/4) وإندهش المعلِّم([382])initiator من ذلك فى البداية، ولكنه عندما تقصى عن سبب هروب الشياطين، أعلن أن هذا الاجراء([383]) كان دنسا([384]). وبعد أن وعظ الإمبراطور بأن يتشجع ولا يتردد فى العمل أو الفكر من أى شىء يخص الديانة المسيحية، وجههه ثانية إلى شعائر الإنضمام.
(5/2/5) وأحزن حماس الملك لمثل هذه الأمور، المسيحيين ليس قليلا وجعلهم قلقين بشدة، وبالأخص لأنه هو نفسه كان مسيحيا فيما سبق، ووُلِد من أبوين تقيين واعتمد فى طفولته حسب عادة الكنيسة([385]) وترعرع فى معرفة الأسفار المقدسة، ورضع من الاساقفة ورجال الكنيسة.
(5/2/6) وكان هو وجالوس ابناء قنستانتيوس أخو أبى قنسطنطين الإمبراطور، وأخو دالماتيوس. وكان لدالماتيوس ابنا بذات الاسم الذى أُعلِن قيصرا، وقُتِل على يد الجنود بعد موت قنسطنطين. وكان سيشاركه فى مصيره جالوس ويوليانوس اللذين كانا آنذاك يتيمان، لولا أن جالوس كان يُعانى وقتها من مرض وأُفتُرِض أنه سيموت سريعا بسببه موتا طبيعيا، فنجا. أما يوليانوس فبسبب صباه، إذ كان يبلغ وقتها من العمر ثمانى سنوات، فقد نجا هو أيضا. وبعد هذا الحفظ العجيب أقام الأخوان معا فى قصر يُدعَى ماكلوم Macellum يقع فى كبادوكيا، وكان هذا الموقع الامبراطورى بالقرب من جبل أرجوس Argeus وليس بعيدا عن قيصرية وكان يشتمل على قصر فخم مزودا بحمامات وبساتين وينابيع عامرة. وهنا تثقفا وتعلّما على نحو يليق بكرامة مولدهما، وتعلَّما العلوم والممارسات البدنية التى تناسب عمرهما بواسطة مدرسين لغة ومفسرين للأسفار المقدسة لدرجة أنهما أحصيا بين الاكليروس وقرأ الأسفار المقدسة للشعب، ولم يكن سلوكهما ولا أعمالهما تشير إلى أى تقصير أو إهمال فى التقوى. لقد احترما الاكليروس والصالحين الآخرين والأشخاص الغيورين على العقيدة. وكانوا يتوجهون بإنتظام إلى الكنيسة ويُقدِّمون الإكرام لمقابر الشهداء.
(5/2/7) ويُقال أنهما تعهدا بإيداع قبر الشهيد ماماس فى مبنى ضخم، وأن يقسِّما العمل بينهما، وأنه بينما كانا يتنافسان فى الشرف، حدثت واقعة مدهشة جدا لدرجة أنها لا تصدَّق بتاتا لولا شهادة كثيرين مازالوا بيننا قد سمعوها ممن كانوا شهود عيان لهذا العمل. كان الجزء من البناء الذى يعمل فيه جالوس يتقدم بسرعة وحسب المطلوب، لكن الجزء الذى كان يعمل فيه يوليانوس تخرب بعضه، وقُلِع آخر من الأرض، وجزء ثالث لم يثبت عند مجرد لمسه إذ كان يرجع إلى الوراء كما لو كانت قوة قوية ومقاومة تدفع الجدار من أسفل.
(5/2/8) وأُعتبر ذلك معجزة على نطاق واسع، ومع ذلك لم يستخلص الناس أية نتيحة من هذه الواقعة، إلى أن أظهرت الأحداث التالية مغزاها. وكان هناك قلة بدأوا يتشككون فى حقيقة ايمان يوليانوس، وتشككوا فى أنه يتظاهر بمظهر التقوى خوفا من عدم رضا الإمبراطور الذى كان آنذاك مسيحيا، ولذلك أخفى مفاهيمه الخاصة إذ لم يكن من الآمان أن يبوح بها. وتأكد أنه كان مُقادا إلى التنكر لأبائه بإتصاله بالعرافين، لأنه عندما خفتت ضغينة قنستانتيوس ضد الأخوين ذهب جالوس إلى أسيا وأقام فى افسس بينما ظل الجزء الأكبر من ممتلكاته قائما.
(5/2/9) وتوجه يوليانوس إلى القنسطنطينية وتردد على المدارس حيث لم تعد قدراته الطبيعية واستعداده للتحصيل بخفية. وقد ظهر للعامة بثياب الشخص العادى وكانت له صحبة كبيرة، ولكن لمَّا كان قريبا للإمبراطور، وقادرا على تسيير الأمور إذ كان من المتوقع أن يصير امبرطورا، فقد كان الكلام السائد عنه، كما هو الحال فى المدينة الامبراطورية الكثيفة السكان، أنه شخص جدير بالإعتبار. لذلك أُمِر بالإعتزال فى نيقوميديا.
(5/2/10) وهنا تعرَّف على مكسيموس الفيلسوف الأفسسى الذى علَّمه الفلسفة([386]) وشحنه بالكراهية إزاء الديانة المسيحية([387])، وأكثر من ذلك أكد له أن النبوات التى قيلت عنه صحيحة. ومن ثمة تلطف([388]) يوليانوس، مثلما يحدث فى حالات كثيرة، وهو يتوقع ظروف قاسية بهذه الأمنيات الرقيقة واتخذ مكسيموس صديقا له. وعندما بلغت هذه الوقائع إلى آذان قنستانتيوس، جبن يوليانوس، وبناء عليه حلق وتبنى خارجيا نمط الحياة الرهبانية([389])، بينما كان يتمسك سراً بالديانة الأخرى.
(5/2/11) وعندما بلغ سن الرجولة، صار مفتونا بالأكثر ومعجبا بفن(إن كان ذلك فنا) قراءة الطالع ومنشغلا بهذه الميول، وظن أن معرفته([390]) أمرا ضروريا، ومن ثمة ازداد فى مثل هذه الأمور كما لو كان ليس أمينا للمسيحيين. ومنذ هذه اللحظة اتحذ له اصدقاء ممن يتبعون هذه الحرفة. وبهذا الفكر جاء إلى اسيا من نيقوميديا، وهناك تآلف مع أناس من اصحاب هذه الممارسات وصار اكثر حماسا فى تتبع العرافين.
(5/2/12) وعندما قُتِل جالوس أخيه الذى قد أُعلِن قيصرا عقب إتهامه بثورة، شك قنستانتيوس أيضا فى تطلع يوليانوس إلى الإمبراطورية لذلك وضعه تحت الحراسة. وحصلت يوسيبيا Eusebiaزوجة قنستانتيوس([391]) على إذن من أجله بالإعتزال فى اثينا، ومن ثمة أقام هناك تحت زعم حضور المدارس والممارسات الوثنية، ولكن كما تقول الإشاعات كان يتصل بالعرافين بشأن مشروعاته المستقبلية.
(5/2/13) فإستدعاه قنستانتيوس وجعله قيصرا، ووعده بتزويجه من أخته، وأرسله إلى الغال لأن البرابرة الذين استأجرهم سابقا ضد ماجننتيوس إذ وجدوا أن خدماتهم غير مطلوبة، استولوا على ذلك البلد. ولما كان يوليانوس شابا فقد أُرسِل معه جنرالات على دراية بالأمور التحوطية. ولكن لما كان هؤلاء الجنرالات قد سلَّموا ذواتهم للملذات، وكان هو مهيأ للحرب كقيصر لذا هيأ جنوده معنويا للمعركة وحثهم على مواجهة الخطر وأمر بأن تُوهَب مكافأة معينة لكل مَن يقتل بربريا. وبعد أن ألهب هكذا عواطف الجنود، كتب إلى قنستانتيوس ليُطلعه على خفة الجنرالات. فلما أرسل إليه جنرالا آخر هاجم البربر وحقق نصرا، فأرسلوا سفارة يلتمسون السلام وأظهروا الرسالة التى يطلب فيها قنستانتيوس منهم دخول المقاطعات الرومانية.
(5/2/14) فأجَّل عن عمد عودة السفارة، وهاجم عددا من الأعداء وغلبهم. وقد قيل أن قنستانتيوس من باب العداوة له قد دبَّر هذه الحيلة، ولكن هذا لا يبدو محتملا لى لأنه لما كان قنستانتيوس قد استقر من نفسه على جعله قيصرا، فلماذا يُسبِغ عليه هذا اللقب ويعطيه أخته زوجة، ويستجيب لشكواه من عدم كفاءة الجنرالات ويرسل له جنرالا مناسبا بدلا منهم ليُكمِل الحرب إن لم يكن صديقا ليوليانوس؟.
ولكن، حسب تخمينى، أنعم عليه بلقب قيصر لأنه كان حسن النية نحو يوليانوس، ولكن لما أُعلِن امبراطورا بدون موافقته، تآمر ضده بواسطة برابرة الراين. وأظن أن هذه النتيجة ناتجة عن الخوف من أن يسعى يوليانوس إلى الانتقام من سوء المعاملة له هو وأخوه جالوس الذى عانا منها فى شبابهما، أو كما هو طبيعى من الغيرة لحصوله على شرف مماثل. ولكن آراء متعددة كثيرة ترِد بشأن هذا الموضوع.
الكتاب الخامس: الفصل الثالث
( عندما استقر يوليانوس فى الحكم بدأ يُدخِل بمكر الوثنية، ويهيج المعارضين للمسيحية)
(5/3/1) وعندما وجد يوليانوس نفسه الحائز المفرد للإمبراطورية، أمر بإعادة فتح سائر المعابد الوثنية فى سائر أرجاء الشرق، وإصلاح تلك التى أُهمِلت وإعادة بناء ما قد تخرب، واسترداد المذابح. وخصص مبلغا معقولا لهذا الغرض. وأعاد عادة الاحتفال بالسلف، وبالعاديات فى المدن وممارسة تقديم الأضاحى. وقدَّم هو نفسه سكيبا جهرا، وذبائح صراحة. وأنعم بالكرامة على المتحمسين بإنجاز مثل هذه الاحتفالات؛ وأعاد للكهنة والمعلميِّن والهيروفانتس([392]) hierophants ، وخدم الاصنام امتيازاتهم القديمة؛ وأكد شرعية الأباطرة السابقين فى سلوكهم، ومنحهم اعفاء من الواجبات والأعباء الأخرى كما كانت حقوقهم السابقة. وردَّ لحرس المعابد المؤن التى كانت قد أُلغيت، وأمرهم أن يتنقوا من اللحوم وأن يمتنعوا عن كل ما هو حسب الأقوال الوثنية ملائما لذاك الذى جعل غرضه السلوك فى حياة نقية [!!]. كما أمر بأن يُعهَد بمقياس النيل والرموز والألواح السلفية السابقة لمعبد سيرابيس بدلا من وضعها حسب التشريع الذى وضعه قنسطنطين فى الكنيسة. وكتب مرار إلى سكان تلك المدن التى عرف أن الوثنية قد تلاشت فيها، وسألهم أية هبات يريدون.
(5/3/2) أما بالنسبة للمسيحيين، فقد أظهر لهم صراحة مقته، رافضا تشريفهم بحضرته، أو السماح بإستقبال مبعوثيهم الذين كانوا مكلفين بإخطاره بأحزانهم. وعندما التمس سكان نصيبين معونته ضد الفارسيين الذين كانوا على وشك غزو المقاطعات الرومانية، رفض أن يساعدهم لأنهم كانوا جميعا مسيحيين ورفضوا إعادة فتح المعابد[الوثنية] أو العودة إلى المواضع المقدسة[الوثتية].
(5/3/3) وبالمثل اتهم سكان قنسطانطيا بفلسطين بإلتصاقهم بالمسيحية وأعطى جزية مدينتهم لمدينة غزة. وكانت قنسطانطيا تُدعى سابقا مايوما، وكانت تُستخدَم كمرفأ لبواخر غزة، ولكن عند سماع أن غالبية سكانها من المسيحيين رفعها قنسطنطين إلى مرتبة مدينة وأسبغ عليها اسم ابنه ووهبها شكلا معينا للحكم، لأنه اعتبر أنه لا ينبغى أن تعتمد على غزة المدينة المدمنة للطقوس الوثنية.
(5/3/4) وعند اعتلاء يوليانوس[للعرش] ذهب مواطنو غزة لمقاضاة مواطنى قنسطانطيا، وجلس الإمبراطور بنفسه كقاضى، وحكم لصالح غزة وأمر أن تكون قنسطانطيا ملحقة لغزة على الرغم من أنها تقع على مسافة عشرين استدايا منها، وألغى اسمها القديم، وظهرت منذ ذلك الحين كمنطقة بحرية لغزة، ولها الآن نفس ماجستريت المدينة والضباط الحربيين والتشريعات العامة.
(5/3/5) أما بخصوص الأمور الكنسية فما زالا مع ذلك تُعتبران مدينتان. فلكل منهما اسقفها الخاص بها واكليروس خاص بها وهما يحتفلان بأعياد قديسيهما الخاصين بكل منهما، وبتذكار الكهنة([393]) الذين قادوهما على التوالى. ومازالت حدود الحقول المتاخمة التى بها مذابح تخص كل من الاسقفيتيَن، محفوظة.
(5/3/6) وقد حدث على ما أذكر أن محاولة قد جرت من اسقف غزة عند وفاة رئيس كهنة مايوما، لضم اكليروس تلك المدينة إلى أولئك الذين تحت اشرافه، وكانت الحجة التى أوردها أنه ليس شرعيا أن يكون هناك اسقفان على مدينة واحدة. فإعترض سكان مايوما على هذا المخطط، ولما علِم مجمع الإقليم بهذه المنازعة رسم اسقفا آخر. وقرر المجمع أنهم جميعا على صواب لأن اولئك المستحقين لكرامة مدينة بسبب تقواهم يجب ألا يُحرَموا من الامتياز الممنوح لهم بالكهنوت ورتبة كنائسهم بسبب قرار اتخذه امبراطور وثنى على اساس مختلف.
الكتاب الخامس: الفصل الرابع
(يوليانوس يجلب الشرور على قيصرية. شجاعة ماريس اسقف خلقيدون)
(5/4/1) وفى نفس ذلك الوقت محا الإمبراطور قيصرية، متروبولية كبادوكية الكبيرة والثرية، والتى كانت تقع بالقرب من جبل أرجوس، من كتالوج المدن؛ بل وحرمها من اسم قيصرية ذلك الإسم الذى أُنعِم به عليها فى عهد كلوديوس قيصر، فقد كان اسمها مازقا Mazaca.
(5/4/2) فلقد نظر إلى سكان هذه المدينة بمقت شديد للغاية لأمد طويل لأنهم كانوا متعلقين بالمسيحية بشدة، وكانوا قد أزالوا سابقا معبدى ابوللو وجوبيتر حارسى المدينة. وكان المعبد المخصص [لإلهة] الحظ([394]) هو الوحيد الباقى فى تلك المدينة. وهذا كان قد هدمه المسيحيون عقب اعتلائه.
(5/4/3) وعندما سمع الإمبراطور بذلك كره كل المدينة بشدة وبالكاد صبر عليها. ولكنه لام الوثنيين أيضا، الذين كانوا عددا قليلا، لأنه كان عليهم أن يسرعوا إلى المعبد وإذا اقتضت الضرورة أن يتألموا بإبتهاج من أجل "فورتانا". وأمر بالاستيلاء على الممتلكات والأموال التى تخص كنائس المدينة وضواحى قيصرية. وحصل من هذا المصدر على نحو ثلاثمائة جنيه ذهب ونقلها إلى الخزانة العامة.
(5/4/4) وأمر أيضا بضم سائر الاكليروس إلى الكتائب التى تحت اشراف حاكم المقاطعة([395])، وكانت تعتبر اكثر الخدمات انحطاطا، وأكثرها شقاءَ بين الرومان. وأمر بإحصاء المسيحيين وخاصة النساء والأطفال على وجه الحصر، وفرض عليهم ضريبة شاقة كتلك التى تخضع لها القرى([396]). وهدد أيضا أنه ما لم يُعَاد بناء المعابد بسرعة فلن يكبح سخطه بل سيصبه على المدينة إلى أن لا يبقى أحدٌ من الجليليين فى الوجود، لأن هذا كان الإسم الذى يُطلقه على المسيحيين([397]).
وما من شك فى أن دنائته كانت ستتم بالتمام لو لم يحل موته سريعا.
(5/4/5) ولم يكن من قبيل أية مشاعر شفقة نحو المسيحيين أن عاملهم أولا بإنسانية كبيرة عما ظهر من مضطهديهم السابقين، ولكن لأنه اكتشف أن الوثنية لم تكسب أى شىء من تعذيبهم بينما تزايدت المسيحية بصفة خاصة، وصارت أكثر تكريما بموت أولئك الذين ماتوا دفاعا عن الايمان. لقد كان، ببساطة، الحسد من مجدهم([398])، فبدلا من استخدام النار ضدهم وتشويه أبدانهم مثل المضطهدين السابقين، وبدلا من رميهم فى البحار أو دفنهم أحياء لإجبارهم على تغيير مفاهيمهم لجأ إلى الحجة والاقناع، وظن أنه بهذ الوسيلة يردهم إلى الوثنية، وتوقع تحقيق مبتغاه بأكثر سهولة بهجر كل وسائل العنف وبإظهار الأريحية غير المتوقعة.
(5/4/6) ويُقال أنه فى إحدى المرات التى كان يُقدِّم فيها الذبائح فى معبد "فورتانا" يالقنسطنطينية، ظهر ماريس اسقف خلقيدون بنفسه أمامه ووبخه كرجل لا دينى وملحد وجاحد. ولم يجد يوليانوس ردا على توبيخه سوى [نعته] بالعمى لأن بصره كان قد كلَّ بالشيخوخة، وأنه يُقَاد كطفل ثم أضاف بعد ذلك، كعادته فى التكلم بالتجاديف، ساخرا أن الجليلى إلهك لن يشفيك. فأجاب ماريس "اشكر الله على عماى الذى يمنعنى من مشاهدة ذاك الذى سقط من ديانتنا". ولم يرد يوليانوس على هذا لأنه اعتبر الوثنية ستنمو بإظهار الصبر والرقة نحو المسيحيين.
الكتاب الخامس: الفصل الخامس
(يوليانوس يرد الحرية للمسيحيين ليُحدِث متاعبا أكثر داخل الكنائس. والمعاملة الشريرة المبتكرة للمسيحيين)
(5/5/1) وانطلاقا من هذه الدوافع([399])، استدعى يوليانوس جميع المسيحيين الذين نفيوا خلال عهد قنستانتيوس بسبب مفاهيمهم الدينية ورد لهم ممتلكاتهم التى صودرت حسب القانون. وأمر الشعب بعدم القيام بأى ظلم للمسيحيين أو أى إهانة وعدم اجبارهم على تقديم الذبائح بالإكراه. وأمر أنه إذا اقتربوا من المذابح([400]) بكامل إرادتهم فعليهم أولا أن يسترضوا الشياطين الذين يعتبرهم الوثنيون قادرين على منع الشر، وأن يتنقوا([401]) بواسطة اسلوب الفدية المعتادة.
(5/5/2) ومع ذلك حرم الكهنة من الحصانة والشرف والمؤونة التى كان قنستانتيوس قد أنعم بها عليهم. وألغى القوانين التى سنها لصالحهم وعزز التزاماتهم، بل ألزم حتى العذارى([402]) والأرامل اللواتى حُسِبن بسبب فقرهن ضمن الاكليروس على رد المؤونة التى خُصِصت لهن من المصادر العامة([403]). لأن قنسطنطين عندما نظم الشؤون الزمنية للكنيسة خصص قدرا معقولا من الضرائب المفروضة على كل مدينة لخدمة الاكليروس فى كل مكان. ولكى يضمن استقرار هذه الترتيبات سن قانونا ظل سارى المفعول منذ وفاة يوليانوس([404])Julian وإلى يومنا هذا.
(5/5/3) وقالوا أن هذه المعاملة كانت قاسية جدا وصارمة كما هو ظاهر من الايصالات التى كانت يعطيها المتلقون للأموال لأولئك المغتصبون والتى يُنَص فيها على أن الممتلكات المستلمة طبقا لقانون قنسطنطين قد تم ردها.
(5/5/4) ومع ذلك لم يستطع شىء أن يُنقِص من كراهية هذا الحاكم ضد الديانة [المسيحية]. ففى كراهيته الشديدة للإيمان، انتهز كل فرصة لتدمير الكنيسة. فقد جردها من كل مِلكية ونذور وأوانى مقدسة. وحكم على أولئك الذين دمروا المعابد خلال عهود قنسطنطين وقنستانتيوس بإعادة بناؤها أو بتزويد نفقات إعادة تشييدها. وعلى هذا الأساس إذ كانوا غير قادرين على دفع المبالغ أيضا بسبب مصادرة الأموال المقدسة، عُذِّب الكثيرون من الاكليروس والكهنة والمسيحيين الآخرين بقسوة، وطُرِحوا فى السجن.
(5/5/5) ويمكننا أن نخلص مما قيل أنه إذا كان يوليانوس قد سفك دماءً أقل من المضطِّهدين السابقين للكنيسة، وأنه إن كان قد أوقع عقوبات تعذيب أقل للبدن إلاَّ أنه كان اقساهم من جميع النواحى، إذ ألحق بهم الشر بكافة الطرق. [وحتى] إعادته للكهنة الذين حُكِم عليهم بالنفى من قِبل الإمبراطور قنستانتيوس، يُقال([405]) أنه قد أصدر هذا الأمر لصالحهم ليس من باب الرحمة ولكن لإثارة النزاع فيما بينهم([406])، ولكى ما تنغمس الكنائس فى الكراهية المتبادلة أيضا([407]) وتخفق فى حقوقها الخاصة. أو لأنه أراد أن يذم قنستانتيوس، فقد افترض أنه يقدر أن يجلب البغضة للمَلكية المائته من جميع النواحى، وذلك بإظهار العطف على الوثنيين الذين كانت لهم نفس مفاهيمه، وبإظهار الشفقة نحو أولئك الذين تألموا من أجل المسيح وعوملوا بغبن.
(5/5/6) وطرد الخصيان من القصر لأن الإمبراطور السابق كان ودودا معهم. وحكم على يوسيبيوس حاكم البلاط الامبراطورى بالموت عندما شك فى أنه بمشورته قد قُتِل جالوس أخيه. واستدعى اتيوس قائد الهرطقة الأنومية من الاقليم الذى نفاه إليه قنستانتيوس والذى كان محل شك بسبب صداقته لجالوس، وأرسل إليه يوليانوس خطابات مفعمة بالعطف وزوده بوسيلة نقل عامة. ولسبب مماثل حكم على ايليوسيوس اسقف سيزيكوس بغرامة ثقيلة لإعادة بناء كنيسة تخص النوفاتيين، كان قد دمرها فى عهد قنستانتيوس وذلك خلال شهرين وعلى نفقته الخاصة. وهناك أشياء ثقيلة فعلها من كراهيته لسلفه، سواء نفذها بنفسه أو سمح لآخرين بإنجازها.
الكتاب الخامس: الفصل السادس
(أثناسيوس بعد اختبائه لسبع([408]) سنوات فى دار عذراء حكيمة وجميلة، يعود للظهور جهرا فى ذلك الوقت، ويدخل كنيسة الأسكندرية )
(5/6/1) وفى هذه الفترة إذ سمع أثناسيوس الذى ظل مدة طويلة فى مخبأه عن موت قنستانتيوس، ظهر ليلا فى كنيسة الأسكندرية. وأثار ظهوره غير المتوقع أقصى اندهاش. فقد كان قد هرب من الوقوع فى يد حاكم مصر الذى، بناء على أمر الإمبراطور وطلب اصدقاء جورج، كان قد خطط للقبض عليه كما سبق أن دونا. فإختبأ فى منزل عذراء قديسة فى الأسكندرية. ويُقال أنها كانت موهوبة بجمال غير عادى لدرجة أن مَن كان يُشاهدها كان كمن شاهد ظاهرة طبيعية. وكان الفطنون والكابحين لأنفسهم يبتعدون عنها حتى لا يُوجَّه ضدهم أى لومٍ بسبب أى شكٍ. وكانت فى عز زهرة شبابها، وكانت فطنة للغاية ووديعة، وهى صفات كفيلة وحدها لأن تزين الجسد حتى لو لم تكن الطبيعة مُعِينة [له] بهباتها. لأنه ليس صحيحا كما يدَّعِى البعض أنه حسبما يكون الجسد هكذا تكون النفس؛ بل على العكس يتشكل سلوك الجسد تبعا لنشاط النفس. وأى شخص نشيط على نحو ما سيظهر بتلك الطبيعة طالما هو منشغل بهذا النشاط. وهذه الحقيقة كما نظن مقبولة من جميع الذين فحصوا الأمر بدقة.
(5/6/2) فيُروَى([409]) أن أثناسيوس قد لجأ إلى منزل هذه العذراء القديسة برؤيا من الله الذى قصد أن ينقذه بهذا الأسلوب.
(5/6/3) وعندما أفكر فى النتيجة التى تلت ذلك، لا أقدر أن أشك فى أن جميع الأحداث قد وُجِّهت من الله، لدرجة أن اقارب أثناسيوس ما كانوا ليحزنوا لو أن شخصا ما حاول أن يُزعجهم بسببه وأجبرهم على أن يُقسِموا. ولم يكن لدى الكهنة ما يوحى بشبهة اختفائه لدى هذه العذراء المحبوبة. ومع ذلك كان لديها الشجاعة فى أن تستقبله؛ وتحفظ بفطنتها حياته. لقد كانت حارسه الأمين، وخادمه المجتهد إذ كانت تغسل قدميه وتُحضِر له الطعام؛ وكانت تخدمه وحدها فى سائر الضرورات الأخرى التى تتطلبها الطبيعة، وكانت تُحضِر له ما يحتاج إليه من كتب بواسطة آخرين. وخلال الزمن الطويل الذى كانت تتم فيه هذه الخدمات لم يعرف أحدُ من سكان الأسكندرية أى شىء عنه.
الكتاب الخامس: الفصل السابع
(موت جورج اسقف الاسكندرية المفجع. نتائج أحداث معبد ميثرا. خطاب يوليانوس فى هذه الظروف العصيبة)
(5/7/1) وبعد أن حُفِظ أثناسيوس بهذه الطريقة الحكيمة، وظهر فجأة فى الكنيسة دون أن يعرف أحدٌ متى جاء، ابتهج مع ذلك شعب الأسكندرية بعودته واستردوا له كنائسه.
(5/7/2) وإذ طُرِد الاريوسيون هكذا من الكنائس، اضطروا إلى عقد اجتماعاتهم فى المنازل الخاصة، واقاموا لوكيوس Lucius محل جورج اسقفا لهرطقتهم. وكان جورج قد قُتِل بالفعل لأنه عندما أعلن الماجستريت للعامة موت قنستانتيوس، وأن يوليانوس هو الحاكم المفرد أثار الوثنيون الاسكندريون شغبا وهاجموا جورج وهم يصيحون ويوبخون وكأنهم سيقتلونه فى الحال. وأخذه قادة هذا الهياج وسجنوه. وبعد ذلك بقليل، اندفعوا باكرا فى الصباح إلى السجن وقتلوه ووضعوا جثته فوق جمل. وبعد أن عرَّضوها طوال النهار لكل إهانة أحرقوها عند قدوم الليل.
(5/7/3) ولست أجهل أن الهراطقة الأريوسيين قد أشاعوا أن جورج قد لقى هذه المعاملة القاسية من اتباع أثناسيوس([410]).
(5/7/4) ولكن، يبدو لى أن الأكثر إحتمالا هو أن الجناة لهذه الأعمال هم الوثنيون لأن لهم أكثر من سبب، أكثر من أى جماعة أخرى من الناس، لكراهيته وبصفة خاصة بسبب الإهانات التى ألحقها بأصنامهم ومعابدهم؛ وأكثر من ذلك حظره لهم من إقامة الذبائح أو ممارسة طقوس السلف بالإضافة إلى النفوذ الذى حازه فى القصُور والذى عمَّق الكراهية له، فاعتبروه، كمثل شعور الناس نحو مَن هم فى سلطة، [شخصا] لا يُطَاق.
(5/7/5) وأيضا وقعت مصيبة فى بقعة تُدعَى ميثريم Mithrium. وكانت أصلا صحراء وهبها قنستانتيوس لكنيسة الأسكندرية. وبينما كان جورج([411]) ينظف الارض لكى يقيم بيتا للصلاة، اكتشف آديتوم([412])، واكتشف فيه تماثيل وبعض أدوات الانضمام أو التطهر التى بدت غريبة ومضحكة للمشاهدين([413]). فطلب المسيحيون([414]) أن تُعرَض جهارا، وعملوا موكبا لأجل إغاظة الوثنيين.
(5/7/6) ولكن الوثنيين احتشدوا معا واندفعوا وهاجموا المسيحيين، بعدما سلَّحوا أنفسهم بالسيوف والحجارة وبأى سلاح تصل إليه أياديهم، وقتلوا الكثيرين من المسيحيين. وللسخرية بديانتهم صلبوا آخرين، وتركوا كثيرين جرحى. وأدى ذلك إلى هجر العمل الذى بدأه المسيحيون، بينما قتل الوثنيون جورج بمجرد أن سمعوا عن اعتلاء يوليانوس لعرش الامبراطورية.
(5/7/7) وهذ الواقعة، قد سلَّم بها الإمبراطور نفسه والذى ما كان ليعترف بها لولا أن الحقيقة قد أجبرته على ذلك. فأننى أظن أنه كان يود أن يكون المسيحيين أيا كانوا، وليس الوثنيون، هم قتلة جورج، ولكن ذلك لم يستطع أن يخفيه. وهذا ظاهر فى الخطاب([415]) الذى كتبه فى هذا الصدد إلى سكان الاسكندرية، والذى يعرض فيه آراء قاسية. ففى هذا الخطاب يوبخ فقط، ويعبر على العقاب، لأنه يقول أنه يخشى سيرابيس معبودهم الحارس[للمدينة] والاسكندر مؤسسها، ويوليانوس عمه الذى كان سابقا حاكما لمصر والاسكندرية. وهذا الأخير كان محبوبا جدا من الوثنيين، ويكره المسيحيين للغاية حتى أنه وضدا لرغبة الإمبراطور اضطهدهم إلى الموت.
الكتاب الخامس: الفصل الثامن
(بشأن ثيودور حارس الأوانى المقدسة فى انطاكية، وكيف سقط يوليانوس عم هذا الطاغية بسبب هذه الأوانى فريسة للدود)
(5/8/1) ويُقال أنه عندما عزم يوليانوس عم الإمبراطور على نقل هبات نذور كنيسة انطاكية التى كانت كثيرة وباهظة القيمة إلى الخزانة الإمبراطوية، وعلى غلق أماكن الصلاة أيضا، فر جميع الإكليروس.
(5/8/2) ولكن كاهنا اسمه ثيودوريتس Theodoritus وحده، لم يغادر المدينة. فقبض عليه يوليانوس بوصفه حارس الكنوز وقادر على إعطائه معلومات عنها وشوهه بدرجة مرعبة، وأخيرا أمر بقتله بالسيف بعد أن أجاب بشجاعة تحت كل عذاب وشهد جيدا لإعترافه العقيدى.
(5/8/3) وعندما حصل يوليانوس على غنيمة الأوانى المقدسة طرحها على الأرض وبدأ يسخر ويُجدِّف على المسيح بقدر ما شاء، ثم جلس عليها وتمادى بأعمال مشينة. وفى الحال تلفَت أعضاءه التناسلية والمستقيم، وتعفن لحمها وتحول إلى دود. وكان المرض يجاوز مهارة الأطباء، ومع ذلك من باب الاحترام للإمبراطور والخوف منه، لجأوا إلى تجربة كل أنواع الأدوية وذُبِِحت أغلى الطيور ليدهن بشحمها الأجزاء التالفة على أمل أن يخرج الدود إلى السطح، ولكن جميعها كان بلا أثر إذ كان [الدود] غائرا بعمق ويزحف إلى الأعضاء الحية، ولم يكف عن إلتهامها إلى أن وضع نهاية لحياته.
(5/8/4) ويبدو أن هذه المصيبة كانت بلاء من الغضب الإلهى لأن حارس الخزانة الإمبراطورية ورئيس ضباط البلاط اللذان سطيا على الكنيسة قد ماتا بأسلوب غير عادى ومرعب كحُكم من السخط الإلهى.
الكتاب الخامس: الفصل التاسع
(استشهاد القديسين يوسيبيوس ونستابوس وزينو فى مدينة غزة)
(5/9/1) وإذ تقدمتُ هكذا فى تاريخى إلى هذا الحد ورويتُ موت جورج وثيودريتوس، فإننى احسب من الصواب أن أروى بعض الأمور الخاصة بشأن وفاة الإخوة الثلاث يوسيبيوس ونستابوس وزينو سكان غزة الذين اندفعوا إليهم وهم ملتهبون بالغضب عليهم وجرّوهم من منزلهم الذى اختفوا فيه وطرحوهم فى السجن، وضربوهم. ثم اجتمعوا فى المسرح وصاحوا ضدهم بصوتٍ عالى معلنين أنهم قد دنسوا مقدسات معابدهم وأنهم انتهزوا الفرصة الماضية لإلحاق الضرر وإهانة الوثنية. وبهذا الصياح وتحريض بعضهم بعضا على قتل الإخوة امتلأوا حنقا وتحريضا متبادلا، وكما يفعل الجمهور عادة فى ثورة اندفعوا إلى السجن وعاملوا الرجال بقسوة شديدة [وطرحوهم] أرضا على ظهورهم تارة وعلى وجوههم تارة أخرى وجروا الضحايا وسحقوهم إربا على حجارة الطريق.
(5/9/2) وقد قيل لى أنه حتى النساء قد تركن فلكات مغازلهن، وثقبوهم بمثاقب الغزل، وأن الطهاة فى الأسواق قد انتشلوا من قدورهم الرغاوى مع ماء ساخن وسكبوه على الضحايا، وأشبعوهم بصاقا. وعندما مزقوا لحومهم وسحقوا جماجمهم حتى سالت مخاخهم على الأرض جرَّوا أجسادهم خارج المدينة، وألقوها فى موضع يُستخدَم بصفة عامة كبِركة لجثث الحيوانات وأشعلوا فيها نارا كبيرة وأحرقوها، وخلطوا العظام الباقية بدون إحتراق بعظام الجمال والحمير حتى لا توجد بسهولة.
(5/9/3) ولكنها لم تختف طويلا ذلك أن إمرأة مسيحية كانت ساكنة هناك رغم أنها لم تكن من مواطنى غزة قد جمعت العظام ليلا بتوجيه من الله، ووضعتها فى إناء من الفخار وأعطتها لزينو ابن عمهم ليحفظها، لأن الله أعلمها بذلك فى حلم وارشدها إلى أين يعيش الرجل، وأظهره لها قبل أن تراه لأنها لم تكن تعرف قبلا زينو، لأنه لما ثار الاضطهاد حديثا ظل مختفيا، فقد كان على وشك القبض عليه من شعب غزة وإماتته، ولكنه استطاع الهرب فى وسط انشغال الناس بقتل أبناء عمه وهرب إلى أنثيدون Anthedonالمدينة البحرية على مسافة عشرين استناديا من غزة، وكانت بالمثل مشايعة للوثنية ومخصصة لعبادة الاصنام. وعندما اكتشف سكان هذه المدينة أنه مسيحى ضربوه بشدة بالعصى على ظهره وطردوه من المدينة. فهرب عندئذ إلى ميناء غزة وأخفى نفسه. وهنا وجدته المرأة وأعطته البقايا، فإحتفظ بها بعناية إلى زمن ثيودوسيوس عندما رُسِم اسقفا وأقام بيتا للصلاة فى خارج أسوار المدينة ووضع مذبحا هناك، وأودع العظام بالقرب من تلك التى لنستور المعترف.
(5/9/4) وكان نستور هذا على علاقة وثيقة بأبناء عمه وقُبِض عليه معهم من شعب غزة وسُجِن وأُهِين. ولكن هؤلاء الذين جرّوه فى المدينة تأثروا بجماله الشخصى فأشفقوا عليه، وألقوه قبل أن يموت بالفعل خارج المدينة. فوجده بعض الأشخاص وحملوه إلى منزل زينو حيث لفظ أنفاسه أثناء تضميد جروحه وقطوعه. وعندما بدأ سكان غزة يفكرون فى عدد الجرائم التى ارتكبوها ارتعدوا لئلا ينتقم منهم الإمبراطور.
(5/9/5) وقد أُفِيد أن الإمبراطور قد استشاط غضبا وصمَّم على معاقبة الديكوريا decuria([416])، ولكن هذا الخبر زائف وليس له أى أساس خلاف الخوف والإتهام الذاتى بالجرائم. فلقد كان يوليانوس أبعد ما يكون عن الغضب ضدهم، فكما ظهر ضد الاسكندريين عند مقتل جورج، لم يكتب حتى خطاب تأنيب ضد شعب غزة. بل على العكس، عزل حاكم المقاطعة واعتبره محل شبهات، وتظاهر بأن الرأفة وحدها تمنعه من إماتته. وكانت الجريمة المنسوبة إليه هى أنه قبض على بعض سكان غزة الذين أفادت التقارير أنهم قد بدأوا الشغب والقتل، وسجنهم إلى أن تتم محاكمتهم طبقا للقانون.
(5/9/6) فقد تساءل الإمبراطور بأى حق قد فعل ذلك أن يقبض على المواطنين لمجرد الثأر لحفنة من الجليليين تعرضوا للأذى هم وآلهتهم؟. هذه هى حقيقة الأمر كما يُقال.
الكتاب الخامس: الفصل العاشر
(بشأن القديس هيلاريون، وعذارى هليوبوليس اللواتى هلكن بالخنازير، والاستشهاد الغريب لأسقف أرثوسا)
(5/10/1) وفى نفس الوقت بحث سكان غزة عن الراهب هيلاريون، ولكنه كان قد فر إلى صقلية. وهناك اشتغل بجمع الخشب من الصحارى ومن على الجبال، وكان يحملها على كتفيه ليبيعها فى المدن. وبهذه الوسيلة يحصل على الطعام الكافى للجسد. وأخيرا، تعرف عليه رجل ذو جودة كان قد طرد منه شيطانا، فإعتزل فى دلماطيا Dalmatiaوهناك بقوة الله انجز العديد من المعجزات، وبواسطة الصلاة حجز فيضان البحر، وحجز الأمواج فى حدودها ثم رحل ثانية، إذ لم تكن مسرته أن يعيش بين مَن يمدحوه، ولذا كان يُغيِّر محل اقامته لأنه كان يرغب فى أن يعيش بلا ملاحظة، وبإنتقاله المتكرر كان يتخلص من الشهرة التى تسود عليه. وأخيرا أبحر إلى جزيرة قبرص، وأقام فى بافوس Paphos. وبمناشدة اسقف قبرص، أحب الحياة هناك ومارس الفلسفة([417]) فى مكان يُدعى كاربوريس Charburis.
(5/10/2) لقد هرب من الاستشهاد بالفرار عملا بالوصية الإلهية ألاَّ نعرِّض أنفسنا للإضطهاد ولكن إن وقعنا فى يد مضطهدينا نتغلب على ظلم المقاومين بجلَدنا([418]).
(5/10/3) ولم يكن سكان غزة والأسكندرية هم فقط الذين يمارسون هذه الأعمال الوحشية ضد المسيحيين كما وصفتها. فإن سكان هليوبوليس([419]) بالقرب من جبل ليبانوس Libanus وجبل ارثوسا Arethusa([420]) بسوريا، يبدو أنهم قد فاقوهم فى القسوة، إذ كانوا مذنبين بعمل بربرى يمكن بالكاد أن يُصدَّق لولا أنه قد ثبت بشهادات أولئك الذين عاينوه.
(5/10/4) فقد جرَّدوا العذارى من ثيابهن، أولئك اللواتى لم يُشاهِدهُن أحدُ من الجمهور، وعرضوهن عراة كمشهد عام، وموضوع إهانة. وبعد إهانات أخرى عديدة حلقوهن أخيرا، ومزقوهن وحشوا أمعائهن بطعام الخنازير المعتاد. ولما كانت الخنازير لا تقدر أن تميز([421])، وإنما تندفع بحاجتها إلى الطعام المعتاد فقد مزقت بالتالى اللحم البشرى.
(5/10/5) وأنا مقتنع أن مواطنى هليوبوليس قد ارتكبوا هذه البربرية ضد العذارى القديسات بسبب حظر العادة القديمة لتسليم العذارى للدعارة مع أى وافدٍ يتصادف [مروره] قبل أن تتزوج من عريسها. فقد حُظِرَت هذه العادة بقانون سنه قنسطنطين بعد أن دمَّر معبد فينوس بهليوبوليس وشيَّد كنيسة على خرائبه([422]).
(5/10/6) وقد خضع مرقس اسقف أرثوسا، وهو رجل مسن ومكرَّم لشيبته وحياته، لموت شنيع جدا على يد سكان تلك المدينة الذين كانوا يحملون ضغينة ضده لأمد طويل، لأنه فى خلال عهد قنسطنطين كان يشجع الوثنيين بروحانياته أكثر من الاقناع، على الارتفاع إلى المسيحية([423]). وأبطل العديد من عجائب ومقدسات المعبد.
(5/10/7) وعند اعتلاء يوليانوس[للعرش] رأى الشعب([424]) هائجا ضد الاسقف، فأصدر مرسوما يأمر فيه الاسقف إما أن يدفع نفقات إعادة بناء المعبد، أو أن يعيد بناؤه. وإذ فكرَّ [الاسقف] أن الأول مستحيل، والثانى غير شرعى للمسيحى وبالأكثر للكاهن، فقد فرَّ أولا من المدينة.
(5/10/8) ولكن لمَّا سمع أن كثيرين قد تضرروا بسببه، وأن البعض قد أُقتيد إلى المحاكم، وعُذِّب آخرون، عاد وتقدَّم للآلام التى اختار الجمهور أن يفرضوها عليه أيا كانت. وبدلا من أن يُعجَب الشعب كله بأعماله الحسنة التى اظهرها لهم كفيلسوف، تصُوروا أنه كان مدفوعا بدافع الاحتقار لهم، فإندفعوا نحوه وجرّوه خلال الشوارع وهم يركلونه ويضربونه فى أى موضع كان. وانضم إليهم الناس من كل جنس ومن كل عمر بكل خفة وحنق فى هذه الاعمال الوحشية، ورُبِطت آذانه بحبال رفيعة، وتبارى أطفال المدارس عليه ودحرجوه أمامهم أكثر وأكثر، وأمسكوه ومزقوه بأدواتهم. وعندما تغطى جسده. بالجروح ولم يعد يتنفس، دهنوه بعسل ومخلوط معين ووضعوه فى سلة سمك مصنوعة من البوص ورفعوه على ربوة.
(5/10/9) ويُقال أنه بينما كان فى هذا الوضع وكانت الهوام والنحل، تلتهم لحمه قال لسكان ارثوسا أنه قد رُفِع أمامهم وأنه يقدر أن ينظر إليهم وهم أسفل، وهذا يذّكِره بالفارق الذى سيكون بينهم فى الحياة الآتية.
(5/10/10) ويُروى أيضا أن البريفكت([425]) الذى كان، رغم أنه وثنى، ذا أسلوب نبيل حتى أن ذكراه ما زالت مكرَّمة فى ذلك البلد، قد أُعجِب بضبط نفس مرقس، فنطق بشجاعة بتوبيخ ضد الإمبراطور لقبوله أن يُهزَم من رجل مسن عرَّضه لعذابات بلا حصر. وأضاف أن مثل هذه الاجراءات ستجلب للإمبراطور السخرية، بينما فى نفس الوقت ستُشتَهر أسماء المضطَّهدين.
(5/10/11) وهكذا تحمَّل المبارك كل العذابات التى لحقت به بجَلَدٍ لا يهتز حتى أن الوثنيين قد مدحوه.
الكتاب الخامس: الفصل الحادى عشر
(بخصوص استشهاد مقدونيوس وثيودولوس وجراتيان وبوسيريس وباسيليوس ويوبسكوس)
(5/11/1) وفى حوالى نفس الفترة، نال مقدونيوس وثيودلوس Theodulus وتاتيان الذين كانوا فريجيين بالمولد، الشهادة بشجاعة. فقد أعيد فتح معبد ميسوس Misos بمدينة فريجيا بواسطة حاكم المقاطعة بعد أن أُغلِق لسنوات كثيرة. فدخل هؤلاء الشهداء ليلا وحطَّموا التماثيل. ولما قُبِض على أفراد آخرين وكانوا على وشك المعاقبة على هذا العمل. قدَّموا أنفسهم كفاعلين للأمر. فعُرِض عليهم الهرب من القصاص بتقديم الذبائح للأصنام([426])، ولكن الحاكم لم يستطع إغوائهم بقبول الإعفاء بهذه الشروط. ولمَّا باءت إغراءاته بالإخفاق أساء معاملتهم بطرق شتى. وأخيرا مدّدهم على مشواة أسفلها نار مشتعلة.
(5/11/2) وبينما كانوا يهلكون، قالوا للحاكم آماخوس(فهذا كان اسمه) إذا أردت أن تطهى لحما، فإصدر أوامرك لكى ما يقلبوا أجسادنا من جنب إلى جنب على النار حتى لا نبدو غير ناضجين لمذاقك. وهكذا تحمل هؤلاء الرجال بنبل ووضعوا حياتهم للعقوبات.
(5/11/3) ويقال أن بوصيرس Busiris أيضا قد نال شهرة فى انقيرا، مدينة بغلاطية، بإعترافه الباهر والأكثر قوة بالدين. لقد كان ينتمى إلى هرطقة يوقراتيس Eucratites، فعزم حاكم المقاطعة على اساءة معاملته لسخريته بالوثنيين. فقاده جهرا لغرفة التعذيب وأمر برفعه، فرفع بوصيرس يديه إلى رأسه لكى يعرض جنبيه، وقال للحاكم لا لزوم لرفع المنفذين له ثم إنزاله بعد ذلك فهو جاهز لأداة التعذيب حسبما يُريد. فإندهش الحاكم من هذا العرض. ولكن دهشته إزدادت بالآتى: إذ ظلَّ بوصيرس رافعا يديه بثبات، وهو يتلقى الضربات ويُمزَّق جنبيه بالخطافات حسب توجيهات الحاكم. وفى الحال أُودِع بوصيرس السجن بعد ذلك، ولكنه أُطلِق سراحه بعد ذلك ليس بوقت طويل.
(5/11/4) ويقال أنه فى ذات الفترة استشهد باسيليوس كاهن كنيسة انقيرا ويوبسكيوس([427]) Eupsychius أحد نبلاء قيصرية كبادوكية الذى كان مازال عريسا. وأعتقدُ أن يوبسكيوس قد أُدِين بناء على تدمير معبد [إلهة] الحظ الذى قد سجلته، والذى أثار غضب الإمبراطور ضد كل سكان قيصرية. وفى الواقع أُدِين بعض الفاعلين بالموت وآخرين بالنفى. وقد أظهر باسيليوس غيرة شديدة فى الدفاع عن الايمان وعارض الاريوسيين خلال عهد قنستانتيوس، ومن ثم منعه حزب يودكسيوس من إقامة الإجتماعات العامة. ومع ذلك عند اعتلاء يوليانوس للعرش سافر هنا وهناك جهارا وعلنا يحض المسيحيين على الالتصاق بعقائدهم، وتجنب تدنيس أنفسهم بذبائح الوثنيين وسكائبهم. وحثهم على الازدراء بالشرف الذى يُنعِم به الإمبراطور عليهم، فمثل هذا الشرف يدوم لوقت قصير لكنه يقود إلى خزى أبدى. فعرَّضته غيرته لشك وكراهية الوثنيين. وعندما مرَّ ذات يوم ورآهم يقدمون ذبيحة، تنهد بعمق وصلى لأجل ألاَّ يسقط أى مسيحى فى خداع مماثل. فقُبِض عليه فى فى الموقع، وأُرسِل إلى حاكم المقاطعة. ووُقِّعت عليه عذابات كثيرة، فتحمل برجولة هذا الكرب ونال إكليل الشهادة.
(5/11/5) وحتى إن كانت هذه الاعمال الوحشية قد أُرتُكِبت ضد إرادة الإمبراطور، إلاَّ أنها تُقدِّم دليلا على أن عهده قد اتسم بشهداء ليسوا مجهولين، ولا هم قليلون. ولقد رويتُ هذه الوقائع على وجه الإجمال، من أجل التوضيح على الرغم من أن الاستشهاد كان، فى الحقيقة، فى فترات مختلفة.
الكتاب الخامس: الفصل الثانى عشر
(بشأن لوسيفر ويوسيبيوس الأسقفيَن الغربييَن. وعقد يوسيبيوس مع اثناسيوس واساقفة آخرون لمجمع فى الأسكندرية لتأكيد ايمان نيقية وتعريف المساواة للروح مع الآب والإبن. ومرسومهم بشأن الجوهر والأقنوم).
(5/12/1) وبعد عودة أثناسيوس، عاد لوسيفر([428]) Luciferاسقف كاجليارى([429]) Cagliari بساردينيا، ويوسيبيوس اسقف فيرسللى Vercelli مدينة بليجوريا Liguriaبإيطاليا، من طيبة العليا([430]). فقد كان قنستانتيوس قد حكم عليهما بالنفى المؤبد فى ذلك البلد.
(5/12/1) وكان يوسيبيوس قد جاء إلى الأسكندرية من أجل تنظيم وتصنيف الأمور الكنسية العامة. وهناك بالإتفاق مع أثناسيوس عُقِد مجمع من أجل تثبيت العقائد النقياوية. وأرسل لوسيفر شماسا مع يوسيبيوس ليحل محله فى المجمع، وذهب هو بنفسه إلى انطاكية ليفتقد الكنيسة هناك فى متاعبها. وكان قد حدث شقاق بين الاريوسيين بقيادة يوزويوس Euzoïus وأتباع مليتيوس الذين كما سجلتُ عاليه كانوا مختلفين مع مَن يتبنى ذات آرائهم. وإذ كان مليتيوس لم يعد آنذاك من المنفى فقد سام لوسيفر بولينوس Paulinus اسقفا.
(5/12/2) وفى نفس الوقت اجتمع([431]) اساقفة مدن كثيرة فى الأسكندرية مع أثناسيوس ويوسيبيوس وأكدوا عقائد نيقية، واعترفوا بأن الروح القدس هو من نفس جوهر substance الآب والإبن واستخدموا مصطلح الثالوث Trinity. وأعلنوا أن الطبيعة nature البشرية التى اتخذها "الله الكلمة" يجب أن تُعتَبر على أنها ليست جسدا كاملا فقط، ولكن أيضا نفسا كاملة. كما علَّم فلاسفة الكنيسة القدماء.
(5/12/3) ولما كانت الكنيسة قد تطوحت بالمسائل الخاصة بمصطلحات جوهر substance وهيبوستاسيس hypostasis([432]) وتكررت المنازعات والمجادلات بشأن هاتين الكلمتين، فقد نصا بحكمة، على ما أظن، على عدم استعمالهما من الآن فصاعدا، للإشارة إلى الله فيما عدا دحض مفهوم السابليين، لئلا ينتج عن ندرة استعمالهما أن يُسمّى نفس الشىء الواحد بثلاثة أسماء، ولكن يجب أن يُفهَم ذاك الواحد بإصطلاحه الخاص بطريقة ثلاثية.
(5/12/4) هذه كانت المراسيم التى أصدرها الاساقفة المجتمعون فى الأسكندرية. وقرأ أثناسيوس فى المجمع المستند الخاص بهروبه والذى دافع فيه عن نفسه([433]).
الكتاب الخامس: الفصل الثالث عشر
( بشأن بولينوس ومليتيوس رؤساء كهنة انطاكية؛ وكيف عادى كل من لوسيفر ويوسيبيوس بعضهما بعضا. ودفاع يوسيبيوس وهيلاريوس عن الإيمان النيقاوى)
(5/13/1) وعقب انتهاء المجمع توجه يوسيبيوس إلى انطاكية([434])، فوجد اختلافا فى الرأى يسود على الشعب. فأولئك المرتبطون بمليتيوس لم يرغبوا فى الانضمام إلى بولينوس، وعقدوا اجتماعهم منفردين. فحزن يوسيبيوس كثيرا من حالة الأمور هذه لأن السيامة ما كان يجب أن تتم بدون الموافقة الجماعية للشعب. ولكن من باب احترامه للوسيفر لم يشأ أن يعبّر عن عدم رضائه جهرا. ورفض الاشتراك مع أىٍ من الطرفين، ولكنه وعد بتدارك أحزانهم الخاصة بواسطة مجمع.
(5/13/2) وبينما كان يجاهد هكذا فى استرداد الوفاق والإجماع عاد مليتيوس من المنفى ووجد أن أولئك الذين يشايعون مفاهيمه قد انشقوا عن الحزب الآخر، فعقد اجتماعا معهم خارج أسوار المدينة. وجمع بولينوس حزبه فى نفس الوقت داخل المدينة، وبسبب لطفه وحياته الفاضلة وشيخوخته كسب احترام يوزيوس Euzoïusالرئيس الأريوسى الذى بدلا من أن يطرده من المدينة أعطاه كنيسة لإستعماله الخاص.
(5/13/3) وعندما اخفقت كل مساعى يوسيبيوس فى إعادة الوفاق غادر انطاكية. وتخيّل لوسيفر أنه قد جرحه لأنه لم يصدّق على سيامة بولينوس، فامتنع فى غضبه عن الشركة معه. وكما لو كان من باب حب النزاع، بدأ لوسيفر فى الطعن على مراسيم مجمع الأسكندرية. وبهذه الطريقة بدا أنه مؤسس الهرطقة" اللوسيفرية" التى نُسِبت إليه، وانفصل مَن تبنَّى علته عن الكنيسة. ولكن على الرغم من أنه قد اغتم بشدة من الأمورالتى حدثت، لكن لأنه كان قد أرسل شماسا بصحبة ثيودوسيوس ليحل محله، فقد خضع لمراسيم مجمع الأسكندرية، وصدَّق على عقائد الكنيسة الجامعة. وفى هذه الفترة توجه إلى ساردينيا.
وفى نفس الوقت توجه يوسيبيوس إلى المقاطعات الشرقية وردَّ أولئك الذين حادوا عن الإيمان وعلَّمهم ما يجب أن يؤمنوا به. وبعد أن مرَّ بإيلليريا ذهب إلى ايطاليا، وهناك قابل هيلاريوس([435]) Hilarius، اسقف بواتيه Poictiersفى أكويتانيا Aquitania. وكان هيلاريوس قد عاد من المنفى قبل يوسيبيوس، وعلَّم الايطاليين والغاليين العقائد التى يتعين عليهم قبولها وتلك التى يتعين عليهم رذلها، وعبَّر عن نفسه ببلاغة عظيمة باللسان اللاتينى وكتب أعمالا باهرة كثيرة، ويُقال أنه دحض المفاهيم الاريوسية.
وهكذا حافظ هيلاريوس ويوسيبيوس على عقائد المجمع النيقاوى فى أقاليم الغرب.
الكتاب الخامس: الفصل الرابع عشر
( نزاع حزب مقدونيوس مع الأريوسيين بشأن اكاكيوس)
(5/14/1) فى هذه الفترة اتخذ انصار مقدونيوس ومن بينهم اليسيوس ويوستاثيوس وصفرونيوس الذين بدأوا الآن يُدعَون صراحة بالمقدونيين حيث شكلوا شيعة متميزة، اجراءات جريئة عقب موت قنستانتيوس، فجمعوا مَن يتفقون مع آرائهم فى اجتماع بسلوقية وعقدوا عدة مجامع. وأدانوا حزب اكاكيوس والايمان الذى أسسه فى ارمينيّم وصدقوا على عقائد انطاكية والذى صودق عليها بعد ذلك فى سلوقية.
(5/14/2) وعندما سُئِلوا عن علة نزاعهم مع حزب اكاكيوس الذى كان له نفس المفاهيم وكانوا يشتركون معه سابقا، أجابوا، على لسان صفرونيوس اسقف بافلاجونيا، أنه بينما كان المسيحيون فى الغرب يحافظون على مصطلح مساوى فى الجوهر consubstantial فإن اتباع اتيوس فى الشرق تمسكوا بعقيدة "عدم المماثلة" dissimilarity فى الجوهر. وأن الحزب الأول ضم فى الوحدة الأقانيم المميزة للآب والإبن بإستعمالهم مصطلح (مساوى فى الجوهر)، وأن الفريق الثانى شكل اختلافا كبيرا فى العلاقة القائمة بين طبيعة الآب وطبيعة الإبن. أما هم أنفسهم فقد حافظوا على الوسطية بين الطرفين، وتجنبوا أخطاء كل منهما بالمحافظة بتقوى على أن الإبن مثل الآب فى الهيبوستاسيسhypostasis. وهكذا بهذه الأمثلة أظهر المقدونيون أنفسهم بلا لوم([436]).
الكتاب الخامس: الفصل الخامس عشر
( نفى أثناسيوس ثانية. ما يخص ايلسيوس اسقف سيزيكوس وتيطس اسقف بوسطرا. ذكرى اسلاف المؤلف.)
(5/15/1) وعندما علم الإمبراطور أن أثناسيوس يعقد الاجتماعات بكنيسة الأسكندرية ويُعلِّم الشعب بشجاعة ويحوِّل وثنيين كثيرين إلى المسيحية، أمره بالرحيل فورا من الأسكندرية مهددا إياه بأقسى العقوبات. وكانت الذريعة التى استخدمت لهذا المرسوم هو أن أثناسيوس بعد أن نُفِى من قِبل قنستانتيوس قد استرد كرسى اسقفيته بدون موافقة الإمبراطور الحاكم، إذ أن يوليانوس، قد صرَّح أنه لم يفكر قط فى إعادة الاساقفة الذين نفاهم قنستانتيوس إلى مهامهم الكنسية، ولكن فقط إلى أوطانهم.
(5/15/2) وعندما أذيع هذا الأمر بالرحيل الفورى، قال لجمهور المسيحيين الذين وقفوا حوله باكين، تشجعوا إنها ليست سوى غمامة سرعان ما ستنقضى. وبعد هذا الكلام ودعَّهم، وعهد بالكنيسة إلى أكثر أصدقائه غيرة، وغادر الاسكندرية.
(5/15/3) وفى حوالى نفس الفترة، أرسل سكان سيزيكوس سفارة إلى الإمبراطور ليعرضوا عليه بعض الأمور الخاصة بهم، وبصفة خاصة استرداد المعابد الوثنية. فإستحسن تفكيرهم ووعد بتلبية كل مطالبهم.
(5/15/4) فطرد ايليسيوس اسقف مدينتهم لأنه دمر بعض المعابد ودنس المناطق المقدسة([437]) بإزدراء، وأنشأ منازل للأرامل ومبانى للعذارى القديسات([438])، وحث الوثنيين على هجر طقوس اسلافهم.
(5/15/5) وحظر الإمبراطور دخول بعض المسيحيين الاجانب من الذين رافقوه، مدينة سيزيكوس خشية أن يثيروا شغبا بسبب الدين. ويظهر من هذا الحظر أنهم كانوا مرتبطين بالمسيحيين الذين كانوا داخل المدينة.
(5/15/6) وكان هناك اشخاص عديدون اجتمعوا معهم، كان لهم أيضا نفس المفاهيم الدينية التى للمسيحيين داخل المدينة، وكانوا يعملون فى مصانع النسيج لأجل الدولة، وفى سك النقود. وكانوا عديدين وينقسمون إلى فئتين، وكانوا قد نالوا تصريحا من الآباطرة السابقين بالسكن مع زوجاتهم وممتلكاتهم فى سيزيكوس شريطة أن يوردوا سنويا للخزانة العامة قدرا من القماش للجنود وعملات مسكوكة جديدة.
(5/15/7) وعلى الرغم من أن يوليانوس كان مهتما بنمو الوثنية بكل الطرق إلا أنه اعتبر أنه من عدم الفطنة استخدام القوة أو الانتقام ضد الذين يرفضون تقريب الأضاحى. إلى جانب أنه كان هناك عدد كبير من المسيحين فى كل مدينة ليس من السهل للحكام حتى احصائهم. ولم يمنعهم من الاجتماع معا للعبادة إذ كان يعى أنه متى تعلق الأمر بحرية الإرادة فإن الإكراه عندئذ يكون بلا فائدة على الإطلاق.
(5/15/8) فطرد الإكليروس ورؤساء الكنائس من كل المدن ليضع نهاية لهذه الاجتماعات، قائلا بحق أنه فى غيابهم ستبطل الاجتماعات بالفعل، إذ لا يكون هناك مَن يقود الاجتماع فى الكنائس، ولا مَن يقيم السرائر، وتتوارى الديانة ذاتها بمرور الزمن. وكانت الذريعة التى استخدمها لهذه الاجراءات هى أن الاكليروس كانوا قادة الشغب([439]) بين الشعب. وفى ظل هذه الذريعة طرد ايليسيوس واصدقائه من سيزيكوس، على الرغم من أنه لم يكن هناك أى مظهر أو توقع للشغب بالمدينة. ودعا أيضا سكان بوسطرا Bostraعلنا إلى طرد اسقفهم تيطس.
(5/15/9) ويبدو أن الإمبراطور قد هدد تيطس والاكليروس الآخرين كمثيرين للفتن التى قد تثور بين الشعب، وأن تيطس كتب لذلك مؤكدا له أنه على الرغم من أن المسيحيين كانوا تقريبا فى العدد مثل الوثنيين، إلا أنهم مع ذلك وبناء على توصياته قد لزموا الهدوء وليس فى نيتهم إحداث أى شغب.
(5/15/10) ولأن وجهة نظر يوليانوس عدم إثارة عداوة سكان بوسطرا([440]) ضد تيطس، فقد قدَّم فى رسالته التى أرسلها لهم([441])، أن اسقفهم قد افترى عليهم عندما سجل أنه بناء على توصياته وليس بناء على ميولكم الخاصة أنكم قد أحجمتم عن الشقاق، ولذلك حثهم على طرده من مدينتهم كعدو مشترك([442]).
(5/15/11) ويبدو أن المسيحيين قد خضعوا لظلم مماثل فى مناطق أخرى، أحيانا بأمر الإمبراطور وأحيانا بسخط وعدم تقوى العامة. واللوم فى هذه المعاملات يُوجَّه بعدل إلى الحاكم لأنه لم يُخضِع لقوة القانون الخارجين على القانون([443]). ولكن من كراهيته للمسيحيين كان يفتقد المرتكبون لمثل هذه الأعمال بتوبيخ شفاهى بينما بأفعاله يحثهم على نفس المنهج.
(5/15/12) ومن ثم، إزاء شدة الاضطهاد من الإمبراطور فرَّ المسيحيون من مدينة إلى اخرى ومن قرية إلى اخرى. واضطر جدى وكثيرون من اسلافى إلى الفرار على هذا النحو. وكان جدى من أبويين وثنيين، وكان هو وأسرته وأيضا أسرة الفيون أول من اعتنقوا المسيحية فى بيثليا وهى مدينة عامرة بالقرب من غزة وكان بها معابد مكرَّمة من سكان الاقليم لسبب قِدمها وفخامة بنيانها. وكان أكثر هذه المبانى شهرة هو البانثيون وقد شُيِّد على ربوة شاهقة تطل على المدينة كلها. وإننى أخمن أن المكان قد أخذ اسمه من المعبد حيث كان الاسم الاصلى الذى أُعطِى للمعبد باللغة السريانية، ثم تحول بعد ذلك إلى اليونانية بكلمة تعنى أن المعبد محل اقامة جميع الآلهة.
(5/15/13) ويقال أن هذه العائلات المذكورة عاليه، قد اهتدت بواسطة الراهب هيلاريون ([444]). فقد كان الفيون، على ما يبدو، ممسوسا بشيطان ولم يستطع لا اليهود ولا الوثنيون أن ينقذوه من هذا الداء بأية طريقة، سواء بالتعزيم([445])، أو بالسحر. ولكن هيلاريون بمجرد أن دعا بإسم المسيح طُرِد الشيطان، فآمن الفيون وكل عائلته فى الحال بالمسيحية. وكان جدى يتمتع بقدرة طبيعية كبيرة مكنته من شرح الاسفار المقدسة بنجاح، وحصل على بعض المعارف العامة ولم يكن يجهل الحساب، وكان محبوبا جدا من المسيحيين بعسقلان بغزة والريف المجاور، وكان يُعتبََر ضروريا للديانة بسبب موهبته فى شرح النقاط الغامضة فى الكتاب المقدس. ولا يقدر أحد أن يتكلم عن الجوانب الفاضلة فى العائلة الأخرى. فإن الكنائس والأديرة الأولى التى شُيِّدت فى هذا البلد قد تأسست بواسطة أعضاء هذه العائلة، ودُعِّمت بقوتهم وأريحيتهم نحو الغرباء والمحتاجين. وبعض الأعضاء الجيدين من هذه العائلة قد ازهروا حتى فى أيامنا هذه. وفى شبابى رأيتُ بعضهم لكنهم كانوا آنذاك متقدمين فى العمر جدا. وستكون لى فرصة للحديث عنهم خلال تاريخى هذا.
الكتاب الخامس: الفصل السادس عشر
(جهود يوليانوس فى ترسيخ الوثنية والقضاء على أعرافنا. الرسالة التى ارسلها إلى كبير سدنة الوثنيين)
(5/16/1) وكان الإمبراطور حزيتا للغاية، لأن كل جهوده لسيادة الوثنية كانت بلا فعالية بتاتا، ووجد أن المسيحية تتفوق فى الشهرة. فعلى الرغم من أن أبواب المعابد قد ظلت مفتوحة، والذبائح تُقدَّم، والاحتفالات القديمة تُراعَى فى كل المدن، إلاَّ أنه كان بعيدا عن الرضاء. فلقد استطاع أن يرى مقدَّما بوضوح، أنه بزوال تأثيره سرعان ما ستتغير كل الأمور. وكان مغموما بالأخص لإكتشافه أن زوجات وأطفال وخدم العديدين من الكهنة الوثنيين قد تحولوا إلى المسيحية.
(5/16/2) وعندما فكر فى أن إحدى دعائم الديانة المسيحية الاساسية هى حياة وسلوك معلميها، صمم على إدخال نظام التلمذة المسيحية وتأسيس النظم المتعددة ورتب الخدمة([446])، وفى تعيين معلمين، وقرّاء لتعليم العقائد والعظات الوثنية. وأمر أن تُقدَّم الصلوات فى أيام معينة وساعات معينة. وأكثر من ذلك، عزم على إقامة أديرة تضم الرجال والنساء الذين يودون أن يعيشوا فى اعتزال فلسفى. وبالمثل إقامة دار ضيافة لراحة الغرباء والفقراء وللأغراض الانسانية الأخرى. وأراد أن يُدخِل بين الوثنيين النظام المسيحى للتوبة عن الخطايا الإرادية واللاإرادية. ولكن بالنسبة لنقطة التهذب الكنسى التى أُعجِب بها بصفة رئيسية ورغب فى تطبيقها على الوثنيين كانت تلك العادة التى كانت سارية بين الاساقفة وهى إعطاء خطابات توصية لأولئك المسافرين إلى أراضى أجنبية يوصون فيها بتعطف وكرم ضيافة الاساقفة الآخرين فى كل الأماكن وفى كل الأحوال. إلى هذا الحد جاهد يوليانوس لنقش عادات المسيحية فى الوثنية.
(5/16/3) فإذا بدا ما قد سجلته لا يُصدَّق، فلستُ محتاجا للتفتيش عن براهين تدعم تسجيلاتى، لأننى أستطيع أن أقدِّم رسالة مكتوبة من الإمبراطور نفسه عن هذا الموضوع، فهو يكتب ما يلى:
"إلى ارساكيوس كبير كهنة غلاطية. إن الوثنية لم تصل بعد إلى درجة الازدهار المرغوبة بسبب سلوك أتباعها، رغم أن عبادة الآلهة سارية على نطاق كبير ورائع، على نحو يفوق ما نترجاه ونأمله. فلتَسعَد ([447])Adrastea بكلامنا هذا، لأنه ما كان لأحدٍ أن يجرأ ويتطلع لمثل هذا التغيّر المدهش والشديد كالذى شاهدناه فى فترة قصيرة من الزمن، ولكن هل نكتفى بما تحقق بالفعل؟. آلا ينبغى بالأحرى أن نفكر فى أن تقدم الإلحاد([448]) راجع بصفة أساسية إلى الانسانية التى تتجلى فى المسيحيين نحو الغرباء، وإلى التكريم الذى يقدمونه للموتى([449]) وإلى الجاذبية الخدَّاعة التى يتدثرون بها فى حياتهم؟. ألاَ يتطلب ذلك من كل فردٍ منا أن يجتهد فى أداء الواجب. إننى لا أشير إليك وحدك. فهذا لا يكفى، ولكن إلى كل كهنة غلاطية. يجب عليك أن تُخجِلهم أو أن تقنعهم أو حتى تحرمهم من ممارسة خدماتهم المقدسة إذا لم ينضموا هم وزوجاتهم وأبناؤهم وخدمهم إلى خدمة الآلهة. أو أيدوا عبيدهم، وأبناءهم، أو زوجات الغلاطيين فى معاملة الآلهة بلا تقوى بتفضيل الإلحاد([450]) عن التقوى. وعليك أن تحض الكهنة إذن على عدم ارتياد المسارح، وألا يشربوا فى الحانات ([451]) أو ينهمكوا فى أى تجارة، أو يمارسوا أية حرفة مشينة. أكرم أولئك الذين يخضعون لتنبيهاتك، واطرد أولئك الذين لا يكترثون بها. وأنشأ دار ضيافة فى كل مدينة حتى ما يجنى الغرباء من البلاد الاجنبية والمجاورة منافع احساناتنا حسب احتياجاتهم. لقد وفرتُ الوسائل اللازمة لتغطية النفقات الضرورية، وأصدرت التوجيهات فى سائر أنحاء غلاطية لكى ما تُزوَّد سنويا بثلاثين ألف باشل([452]) من الحنطة، وستين ألف معيار من النبيذ، يُخصَّص خمسها لدعم الفقراء الذين يُصغُون للكهنة. والباقى يوزع على الغرباء وعلى فقرائنا. لأنه أمر مشين أنه بينما ليس هناك محتاجين بين اليهود؛ وبينما هؤلاء الجليليون الكفرة ليس فقط يعولون المحتاجين من حزبهم بل أيضا الذين منّا، فإنه سيكون حقا أمراً مخزياً إن سمحنا لشعبنا بالمعاناة من الفقر.
علِّم الوثنيين التعاون فى عمل الخير هذا، ودع باكورات المدن الوثنية تُقدَّم للآلهة. وعوِّد الوثنيين على ممارسة هذا الجود، وذلك بأن تُظهِر لهم كيف ينبغى أن يسلكوا بقداسة بممارسة العادات القديمة، لأن هومر يقدِّم ايمويس Eumæus قائلا "يا ضيفى، أخشى أن أعامل الغريب بإحتقار، على الرغم من أن الأفقر يجب أن يصل حتى قبلك، لأن جميع الفقراء والغرباء هم فى عناية جوفا Jove". فلا ندع الآخرين يتفوقون علينا فى الأعمال الصالحة، ودعنا لا نُحِط أنفسنا بالظلم، بل بالأحرى دعنا نكون فى المقام الأول اتقياء للآلهة. إن سمعتُ أنك تسلك تبعا لتوجيهاتى، سأكون فى ملء الفرح. لا تزرالحكّام فى منازلهم غالبا، بل أكتب لهم مرارا. وعندما يدخلون المدينة لا تدع أى كاهن يذهب لإستقبالهم ولا تدع كاهنا يرافقهم أكثر من الردهة عندما يتوجهون إلى معبد الآلهة. ولا تدع أى جندى يسير أمامهم فى مثل هذه المناسبات، ولكن دع مَن يريد، يسير خلفهم، لأنه بمجرد أن يدخلون داخل الحدود المقدسة هم أفراد عاديون. وهناك واجبك كما تعرف جيدا أن ترأس بحسب المرسوم المقدس. أولئك الذين يوافقون بإتضاع على هذه السُّنة يُظهِرون أنهم اصحاب الدين الحق، بينما أولئك الذين يزدرون بها هم متكبرون ومختالون.
إننى مستعد لتقديم المساعدة لسكان بيسينوس Pessinusشريطة أن يسترضوا أم الآلهة ([453]) ولكن إن اهملوا هذا الواجب، فيسجلبون لأنفسهم أقصى استتيائى. فأنا نفسى سأتعدى هنا على مثل أولئك الممقوتين من الآلهة، ومعطيا التوجبهات هناك. لذلك اقنعهم إن كانوا يرغبون فى مساعدتى، أنه يجب عليهم أن يرفعوا توسلات إلى أم الآلهة".
الكتاب الخامس: الفصل السابع عشر
(لكى لا يُُظَن أنه طاغية، سلك يوليانوس بحيلة ضد المسيحيين، فألغى شارة الصليب ، وأمر الجنود بالذبائح، بدون إرادتهم)
(5/17/1) وعندما سلك يوليانوس وكتب بالاسلوب المذكور عاليه، ظن أنه بهذه الوسيلة سيُخضِع رعاياه بسهولة لأن يغيّروا مفاهيمهم الدينية. وعلى الرغم من أنه رغب بشدة فى محو الديانة المسيحية، إلاَّ أنه كان يستحى من استعمال وسائل العنف بوضوح لئلا يُعتبَر طاغية. فإستخدم، مع ذلك، كل وسيلة يكون من الممكن أن تؤدى إلى عودة رعاياه إلى الوثنية. وكان لحوحا على الأخص مع جنوده الذين خاطبهم أحيانا على انفراد وأحيانا من خلال الضباط.
(5/17/2) ولكى يعوِّدهم على عبادة الآلهة فى كل شىء، استرجع الشكل القديم للجنود الرومان، الذى كما قلنا، كان قنسطنطين قد غيَّره، بأمر من الله، إلى شارة الصليب. فأمر يوليانوس برسم إما صُورة جوبيتر، على الصُور العامة، خارجا من السماء ومقدِّما له شعار السلطة الرومانية وهو التاج أو الثوب الأرجوانى. وإما صُورة مارس Marsأو ميركورى Mercury بعيونها المثبتة عليه كما لو كانت تعبّر عن إعجابها ببلاغته ومهارته الحربية، وذلك جنبا إلى جنب مع صُورته. ووضع صُورة الآلهة جنبا إلى جنب مع صُورته حتى ينقاد الشعب سرا إلى عبادتهم بذريعة أنهم يقدمون الاكرام له.
(5/17/3) وانتهك الاعراف القديمة وسعى إلى اخفاء قصده عن رعاياه واعتبر أنه إذا كسب طاعتهم فى هذه النقطة سيكونون أكثر استعداد لطاعته فى أى مناسبة أخرى، ولكن إن تجرأوا ورفضوا الطاعة فسيكون لديه سبب لمعاقبتهم بوصفهم متعدين على العادات الرومانية، ومذنبين ضد الإمبراطور والدولة. وكان هناك قليلون جدا( وقد أخذ القانون مجراه ضدهم) الذين عندما رأوا مقاصده، رفضوا تقديم الإكرام المعتاد لصُوره، ولكن الجماهير عن جهل أو بساطة مارسوا كالعادة النظم القديمة، وقدَّموا بلا تفكير الإكرام لصُوره. ولكن الإمبراطور لم يجنِ من هذه الحيلة إلاَّ منفعة قليلة. ومع ذلك لم يكف عن بذل الجهد لتغيير الدين.
(5/17/4) وكانت المكيدة التالية التى لجأ إليها أقل رقة وأكثر عنفا من السابقة، فبها كان يتحدد مصير جنود كثيرين يعملون فى البلاط. فعندما حل اليوم المحدد لصرف النقود للكتائب وكان هذا اليوم يحل عادة فى يوم التذكار السنوى لإحتفال ما بين الرومان مثل يوم ميلاد الإمبراطور، أو تأسيس المدينة الملكية، فكَّر يوليانوس فى أن الجنود من الطبيعى بسطاء ويطمعون، بلا تفكير، فى النقود. ولذلك خلص إلى أنه سيكون من المناسب أن يخدعهم بعبادة الآلهة. وبناء عليه، أمر كل جندى يتقدم لإستلام النقود، أن يُقدِّم ذبيحة [وهى] حرق بخور كان قد أُعدِّ سلفا لهذا الغرض بالقرب من الإمبراطور، تبعا لعادة رومانية قديمة. بعض الجنود كانت لديهم الشجاعة لرفض تقديم الذبائح وتلقى الذهب؛ وآخرون كانوا معتادين على مراعاة هذه السُنّة والعادة فأدوها بدون أن يتصُوروا أنهم يرتكبون خطية. وامتثل آخرون إما تحت إغراء الذهب، وإما تحت ضغط الخوف واعتبار اللحظة الراهنة وعرَّضوا أنفسهم للسقوط فى التجربة التى كان عليهم أن يهربوا منها.
(5/17/5) ويُروَى أن بعضا ممن سقطوا بجهل فى هذه الخطية، كانوا جالسين حول مائدة ويشربون معا. فتصادف أن ذكر أحدهم اسم المسيح على الكأس. فتعجب فى الحال أحد الضيوف الآخرين و[قال] أنه غير عادى أن تدعو اسم المسيح بينما من وقت قصير مضى قد أنكرته من أجل هبة الإمبراطور عندما ألقيتَ بخورا فى النار. وعند سماع هذه الملاحظة ادركوا جميعا الخطية التى قد ارتكبوها، فنهضوا من على المائدة واندفعوا فى الشوارع العامة وهم يصيحون ويبكون ويدعون الناس ليشهدوا أنهم كانوا وسيظلون مسيحيين، وأنهم قدَّموا البخور بدون وعى وباليد فقط وليس بالموافقة على الأمر. ثم قدَّموا أنفسهم، للإمبراطور وردوا له الذهب بشجاعة، وطلبوا منه أن يسترد هبته والتمسوا منه إعدامهم، محتجين أنهم لن ينكروا قط مفاهيمهم مهما لاقوا من عذاب نتيجة للخطية التى ارتكبوها بأياديهم من أجل المسيح. وأيا كان الاستياء الذى شعر به الإمبراطور ضدهم، فقد أحجم عن قتلهم حتى لا يتمتعوا بكرامة الشهداء. ولذلك جرَّدهم فقط من مهمة الجندية وطردهم من القصر.
الكتاب الخامس: الفصل الثامن عشر
( حظر المسيحيين من الاسواق ومن المقاعد القضائية، ومن الاشتراك فى التعليم اليونانى. مقاومة باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتى وابوليناريوس لهذا المرسوم. وترجمتهم بسرعة للكتاب المقدس بحسب الانماط اليونانية)
(5/18/1) واستمتع يوليانوس بهذه المشاعر نحو المسيحية وأظهرها فى كل فرصة تتاح له. وهؤلاء الذين رفضوا تقديم الذبائح للآلهة على الرغم من أنهم كانوا بلا لوم فى النواحى الأخرى، قد جُرِّدوا من حقوق المواطنة وامتيازات المشاركة فى الاجتماعات، وفى المنتديات العامة ولم يكن مسموحا لهم أن يكونوا قضاة أو ماجستريت، أو يشتركوا فى الخدمات. ومنع الأطفال المسيحيين من ارتياد المدارس العامة، ومن تعلّم كتابات الشعراء والمؤلفين اليونان.
(5/18/2) وشعر بضغينة كبيرة نحو ابوليناريوس Apolinariusالسريانى. وهو رجل متعدد الجوانب فى المعرفة. وفى التحصيل الفيلولوجى([454]) وضد باسيليوس([455]) وغريغوريوس ([456])، المواطنيَن الكبادوكيّين، خطباء ذلك الزمان الأكثر شهرة وضد الرجال البلغاء والمتعلمين الآخرين الذين التصق بعضهم بالعقائد النيقاوية وآخرون بمفاهيم اريوس.
(5/18/3) وكان هدفه الوحيد من إبعاد الاولاد عن آبائهم المسيحيين، ومن التعلم من اليونانيين، هو أنه اعتبر أن مثل هذه الدراسات تؤدى إلى الإلمام بقوة المجادلة والإقناع. ولذلك وظف ابوليناريوس علمه الكبير وبراعته فى إنتاج ملاحم بطولية عن العاديات العبرية لعهد شاول([457])، لتحل محل قصائد هومر. وقسَّم عمله هذا إلى أربعة وعشرين جزءً، وأعطى لكل جزء منه أحد حروف الابجدية اليونانية. وكتب أيضا كوميديات تحاكى التى لميناندر، وتراجيديات على غرار تلك التى ليوربيدس، وأناشيد على غرار التى لبندار([458]). وبإختصار انطلاقا من مواضيع فى كل مجالات المعرفة للأسفار المقدسة، أنتج فى مدى قصير جدا من الزمن مجموعة من الاعمال تماثل بالضبط، فى الأسلوب والشخصيات والتعبير والترتيب تلك التى فى الآداب اليونانية وتعادلها فى القوة والعدد. ولولا أن ذلك سيُعتبَر تحيزا شديدا للعاديات القديمة لما ترددتُ فى القول أن كتابات ابوليناريوس لها ذات القيمة التى لأولئك القدماء. إن شمولية فطنته بصفة خاصة محل إعجاب، لأنها شملت كل فروع الأدب، بينما كان الكتَّاب القدامى يتخصصون فى واحد فقط. وقد كتب عملا رائعا جدا، بعنوان "الحقيقة ضد الإمبراطور والفلاسفة الوثنيين"، برهن فيه بجلاء، وبدون الاستناد إلى سلطة الأسفار المقدسة، أنهم بعيدين عن اقتناء الآراء السديدة عن الله.
(5/18/4) ولكى ما يسخر الإمبراطور بعمل من هذا النوع، كتب إلى الاساقفة الكلام التالى "لقد قرأتُ وفهمتُ وأدنتُ". فأجابوه على هذا الكلام "لقد قرأتَ ولكنك لم تفهم، لأنك لو فهمتَ لما كنتَ قد أدنتَ". وقد عزا البعض هذه الرسالة إلى باسيليوس رئيس كهنة كنيسة كبادوكيا. وبالطبع ليس بلا سبب. ولكن سواء أكانت قد أُملِيََت منه أو من غيره، فإنها تُظهِر تماما عظَمة وعِلم الكاتب.
الكتاب الخامس: الفصل التاسع عشر
(العمل الذى كتبه يوليانوس بعنوان "النفور من اللحية". الوصف التام لها. نقل بقايا بابيلاس الشهيد)
(5/19/1) وإذ عزم يوليانوس على شن الحرب ضد فارس، فقد توجه إلى انطاكية بسوريا. فاشتكى الناس بصوت عالى من غلاء الاسعار الشديد على الرغم من الوفرة الكبيرة للمؤون، ومن ثمة خفَّض الإمبراطور، من باب خيريته على ما أظن، من الاسعار إلى الدرجة التى جعلت التجار يهربون من المدينة، فترتب على ذلك ظهور ندرة لام عليها الشعبُ الإمبراطور([459]). ولكى ينفثوا عن استيائهم سخروا من طول لحيته([460])، ومن الثور الذى سكه على عملته، ولاحظوا بشكل هجائى أنه قد قلب العالم، بنفس الطريقة التى يطرح بها كهنته الأضاحى عندما يقدمون الذبائح.
(5/19/2) وفى البداية استشاط غضبا وهدد بمعاقبتهم، وأعدَّ للرحيل إلى طرسوس. ومع ذلك كبت مشاعره بعد ذلك ورد على سخريتهم بالكلام فقط وألَّف عملا بليغا جدا([461]) بعنوان "النفور من اللحية" وأرسله إليهم. وعامل المسيحيين بوجه خاص بنفس الطريقة التى فى الأماكن الأخرى، وسعى بأقصى ما يمكن إلى امتداد الوثنية.
(5/19/3) وسأروى بعض التفاصيل الخاصة بمقبرة الشهيد بابيلاس Babylasوالأحداث الخاصة التى حدثت فى حوالى نفس الفترة، فى معبد أبوللو بدفنة.
دفنة Daphne هى أحد أحياء انطاكية وهى مزروعة بأشجار السرو والأشجار الأخرى، وتزدهر تحتها كل أنواع الزهور فى مواسمها. وفروع هذه الاشجار سميكة جدا ومتشابكة. حتى أنه يمكن القول أنها تشكل سقفا أكثر من مجرد توفير ظل، ولا يمكن أن تتخللها أشعة الشمس لتصل إلى التربة. ومما يجعلها رائعة للغاية، ثراؤها وصفاء مياهها وإعتدال جوها وأنفاس ريحها اللطيفة.
(5/19/4) وقد ابتكر اليونان اسطورة أن دافنة ابنة نهر لادون قد تحولت إلى شجرة تحمل اسمها عندما كانت تهرب من اركاديا لتتجنب حب ابوللو، ويقولون أن هوى ابوللو لم يقّل بهذا التحول بل صنع تاجا من أوراق الشجر وتوج به الشجرة. وجعل إقامته فى هذا المكان بإعتباره أعز عنده عن أى مكان آخر.
(5/19/5) ومع ذلك اعتبر الرجال ذوى المزاج الخطر، الاقتراب من هذه الضاحية أمرا مشينا إذ أن موقع وطبيعة المكان يثير المشاعر الشهوانية، ومادة للخرافة التى هى فى ذاتها مثيرة، وتمنح دافعا بقدر ما وتضاعف من الأهواء بين الشباب الفاسد. وهؤلاء الذين قدَّموا هذه الاسطورة كذريعة، كانوا متلهبين بدرجة كبيرة، وغير قادرين على ضبط نفوسهم أو على احتمال حضور أولئك المنضبطين، فأفسحوا الطريق بلا ضابط لأعمال الفسق ([462]). وكان أى شخص يقيم فى دافنة بدون سيدة، يعتبر قاسيا وجافا، وكان يُبتَعَد عنه كشىء ممقوت وبغيض.
(5/19/6) وقد أظهر الوثنيون بالمثل توقيرا كبيرا لهذا المكان، بسبب تمثال ابوللو الجميل الذى يوجد هنا، وكذلك المعبد الضخم والنفيس. وهم يفترضون أنه قد شُيِّد بواسطة سلوقس ابو انتيوكس الذى أعطى، اسمه لمدينة انطاكية. وأولئك الذين يصدقون خرافات من هذا النوع، يعتقدون أن مجرى ينبع من عين كاستاليا تهِب قوة التكهن بالمستقبل، وهى تماثل فى اسمها وقوتها تلك التى لينبوع دلفى.
(5/19/7) ويُروَى أن هادريان قد تلقى هنا التوقع بمستقبله العظيم عندما كان مجرد فرد عادى، وأنه غرس ورقة شجر فى المياه فوجد مكتوبا عليها مصيره. وعندما صار امبراطورا يُقال أنه أغلق الينبوع لكى لا يتطلع أحدٌ إلى معرفة المستقبل. ولكننى أترك هذا الموضوع لمن يُلّم بدقة أكثر منى بعلم الأساطير.
(5/19/8) وعندما أُعلِن جالوس أخو يوليانوس قيصرا بواسطة قنستانتيوس وجعل إقامته فى انطاكية، جعلته غيرته للديانة المسيحية، وتكريم ذكرى الشهداء أن يصمم على تطهير المكان من الخرافات الوثنية، ومن أعمال الفجور. ورأى أن أسرع وسيلة لتحقيق هذا الغرض هو إقامة بيت للصلاة فى المعبد، ونقل مقبرة بابيلاس الشهيد الذى كان له شهرة عظيمة، وكان رئيسا لكنيسة انطاكية ونال الشهادة.
(5/19/9) ويُقال أنه منذ وقت نقله كف الشيطان عن النطق بالوحى. وقد عُزِىَّ هذا الصمت أولا إلى إهمال سدنته وترك العبادة القديمة تزوى. ولكن النتائج أثبتت أن ذلك قد حدث فقط بسبب حضور الشهيد. واستمر الصمت بلا انقطاع حتى عندما صار يوليانوس الحاكم الوحيد للامبراطورية الرومانية، على الرغم من السكائب والبخور والأضاحى التى كانت تقدَّم بوفرة للشياطين. ففى الواقع، نطق الوحى ذاته وأشار إلى علة صمته السابق، عندما دخل الإمبراطور نفسه إلى المعبد ليستشير الوحى ويُقدّم الهبات والذبائح على أمل أن يتلقى إجابة.
(5/19/10) إن الشيطان لم يُسلّم جهرا بأن العقبة كانت ناجمة عن قبر بابيلاس الشهيد، ولكنه قرر أن المكان ملىء بأجساد الموتى وهذا يمنع الوحى من الكلام. وعلى الرغم من أن عمليات دفن كثيرة قد حدثت فى دافنة، إلا أن الإمبراطور قد أدرك أن حضور بابيلاس الشهيد وحده هو الذى أسكت الوحى، فأمر بإزالة مقبرته.
(5/19/11) ولذلك اجتمع المسيحيون معا ونقلوا النعش إلى المدينة، مسافة حوالى أربعين استاديا, وأودعوه فى المكان الذى مازال محفوظا فيه والذى أُعطِى له إسم الشهيد. ويقال أن الرجال والنساء والشباب والبتولات وكبار السن من الرجال، والأطفال كانوا يجرّون النعش وهم يشجعون بعضهم بعضا بترنيم المزامير وهم سائرون عبر الطريق من أجل تخفيف كدهم ظاهريا، ولكن فى الحقيقة لأنهم كانوا ينقلون بالروح وبالحماس الايمان الدينى، الذى كان يعارضه الإمبراطور، إلى أقربائهم.
(5/19/12) وأنشد أولا أفضل المنشدين، وردد الجمهور [ القرار] فى خورس([463]). وكان ما يلى هو قرار أنشودتهم "فليخزى جميع عبدة المنحوتات المفتخرين بأصنامهم"([464]).
الكتاب الخامس: الفصل العشرون
(عواقب النقل. اساءة معاملة الكثيرين من المسيحيين. تيودور المعترف. سقوط نار من السماء تدمر معبد ابوللو بدافنة)
(5/20/1) وأثار الإجراء المروى عاليه حنق الإمبراطور بشدة كما لو كانت قد لحقت به هو إهانة، فصمم على معاقبة المسيحيين. وحاول سالوست Sallustالبريتوريان برفكت([465]) أن يثنيه عن عزمه، على الرغم من أنه كان وثنيا. ومع ذلك لم يستطع الإمبراطور أن يتسامح، واضطر سالوست إلى تنفيذ أوامره الرسمية وقبض على مسيحيين كثيرين وسجنهم.
(5/20/2) وكان أول مَن قبض عليهم شاب يدعى ثيودور، الذى مُدِّد فى الحال على المخلعة([466])، ولكنه على الرغم من تهرأ لحمه من جراء وخز المسامير، لم يقدِّم أى توسل لسالوست ولا تضرع من أجل تخفيض عذاباته، بل على النقيض بدا كأنه بلا حس بالألم، وكما لو كان يشاهد فقط آلام آخر، واحتمل بشجاعة الجروح، ورنم المزمور الذى كان يشارك فى ترنيمه بالأمس ليُظهِر أنه لم يندم على العمل الذى أُدِين لأجله.
(5/20/3) وإذ ذُهِل البريفكت من جلَد الشاب، ذهب إلى الإمبراطور وقال له أنه إن لم يتخل بسرعة عن هذه المعاملة التى اتبعها فإنه سيتعرض هو وحزبه للسخرية، بينما سيكتسب المسيحون مجدا أعظم. وقد أحدث هذا التصوير أثره، فأُطلِق سراح المسيحيين الذين قُبِض عليهم.
(5/20/4) ويقال أن ثيودور قد سُئِل فيما بعد([467])، ما إذا كان قد شعر بأى ألم خلال المخلعة، فأجاب: أنه لم يكن معصوما من الألم بالكلية، ولكن آلامه قد خففها اهتمام شاب [به] كان واقفا إلى جواره، ويجفف العرق بقطعة من الكتان، ويزوده بماء بارد كان يليّن من اللهيب ويُجدد جهده. وأنا مقتنع بأن أى انسان مهما كانت شهامته لا يمكن أن يمتلك القدرة على إظهار مثل هذه اللامبالاة بشأن الجسد، بدون مساعدة القدرة الإلهية.
(5/20/5) ولهذه الاسباب السابق ذكرها، نُقِل جسد بابيلاس الشهيد من دافنى إلى مكان آخر. وسرعان ما سقطت فجأة، بعد نقله، نار من السماء على معبد ابوللو بدافنى واحترق السقف وتمثال الإله ذاته، وتُرِكت الجدران عارية من الأعمدة التى عليها الرواق، وبقى فقط من الحريق الجزء الخلفى من المبنى.
(5/20/6) واعتقد المسيحيون أن صلوات الشهيد قد جلبت النار من السماء على الشيطان. أما الوثنيون فقد أذاعوا أن المسيحيين هم الذين أضرموا النار. ووجدت هذه الشبهة أرضية لها. وأُحضِر كاهن أبوللو أمام المحكمة ليُدلى بأسماء أولئك الذين تجرأوا على هذا الفعل المتعمد. ولكنه على الرغم من خضوعه لأقسى انواع التعذيب، فإنه لم يذكر إسم أحدٍ. ومن ثمة اقتنع المسيحيون تماما أكثر من ذى قبل أنه ليس بعمل انسان، ولكن بغضب من الله أن انسكبت النار من السماء على المعبد.
(5/20/7) هكذا كانت الأحداث التى وقعت آنذاك. وحسب تخمينى فإن الإمبراطور عندما سمع بالكارثة التى حلت بدافنى بسبب الشهيد بابيلاس وأُعلِم أكثر من ذلك بأن بقايا الشهيد المكرَّمة قد حُفِظت فى بيوت صلاة عديدة بالقرب من معبد ابوللو بديديموس التى تقع بالقرب من مدينة ميليتوس Miletus، كتب إلى حاكم كاريا([468]) Cariaآمرا إياه بإحراق كل هذه المبانى المزودة بسقف ومذبح، وتدمير بيوت الصلاة من اساساتها الغير كاملة من هذه النواحى.
الكتاب الخامس: الفصل الواحد والعشرون
(تمثال المسيح الذى دمره يوليانوس، وتمثاله الذى أقامه فدمرته صاعقة وجعلته بلا فائدة. نبع عمواس الذى غسل فيه المسيح أقدامه. شجرة برسيس التى سجدت للمسيح فى مصر. العجائب التى جرت بواسطتها).
(5/21/1) ومن بين الأحداث المشهورة التى جرت فى عهد يوليانوس يجب ألا أغفل ذكر إحداها التى تزودنا بآية على قوة المسيح، وتبرهن على السخط الإلهى ضد الإمبراطور.
فإذ سمع يوليانوس أن هناك تمثال مشهور، فى مدينة قيصرية فيليبى التى تُدعَى أيضا بانياس بفينيقية([469])، للمسيح قد نُصِب بواسطة المرأة التى شفاها الرب من نزيف الدم، حتى أمر بنزع التمثال وتنصيب تمثاله محله.
(5/21/2) ولكن نارا شديدة سقطت من السماء عليه فهشمته إلى أجزاء متجاورة إلى الصدر وألقت بالرأس والرقبة على الأرض مُثبَّتاً على وجهه عند الموضع المكسور من التمثال. وظل على هذا النحو منذ ذلك اليوم إلى الآن ممتلئا من صدأ البرق.
(5/21/3) وجرّ الوثنيون تمثال المسيح خلال المدينة وشوهوه ولكن المسيحيين جمعوا الشظايا وأقاموا التمثال فى الكنيسة التى مازالت محفوظة.
(5/21/4) ويروى يوسيبيوس([470]) أنه عند قاعدة هذا التمثال نما عشب غير معروف للأطباء والمُجبِّرين، كان فعالا فى علاج سائر الاضطرابات. ولا يبدو ذلك لى مدعاة للإستغراب، أن يتنازل الله بعدما تعطف بالسكن بين البشر ويهب المنافع لهم.
(5/21/5) ويظهر أن معجزات لا حصر لها قد جرت فى مدن وقرى مختلفة وقد حُفِظت الروايات بدقة بواسطة سكان تلك الأماكن فقط، لأنهم عرفوها من أسلافهم بالتقليد. أما عن مدى صدقها فسأظهره توا.
(5/21/6) هناك مدينة بفلسطين تدعى الآن نيكوبوليس Nicopolis كانت قبلا قرية، وقد ذُكِرت فى الكتاب الالهى للإنجيل([471]) باسم عمواس. وقد أُعطِى اسم نيكوبوليس لهذا المكان بواسطة الرومان الذين غزوا اورشليم، وانتصروا على اليهود([472]). وفى خارج هذه المدينة حيث تلتقى ثلاثة طرق، توجد البقعة التى شيَّع فيها المسيح، عقب قيامته، كليوباس ورفيقه، كأنه منطلق إلى قرية أخرى. وهنا يوجد نبع يغتسل فيه الرجال، والمخلوقات الأخرى ممن يعانون من أمراض مختلفة، فيُشفَون. لأنه يُقال أن المسيح مع تلاميذه عندما جاء من سفر إلى هذا الينبوع، غسلوا أقدامهم فيه. ومنذ ذلك الوقت صارت المياه شافية للإضطرابات.
(5/21/7) وفى هرموبوليس([473]) Hermopolis بطيبة هناك شجرة تُدعى برسيس Persis يقال أن أغصانها وأوراقها وأقل جزء من لحائها يشفى الأمراض عندما تلمس المرضى. لأنه يُروَى من المصريين أنه عندما فر يوسف مع المسيح ومريم والدة الإله من غضب هيرودوس ، مالت إلى الأرض وسجدت له.
(5/21/8) إننى رويتُ بدقة ما قد سمعته من مصادر كثيرة عن هذه الشجرة، وأظن أن هذه الظاهرة كانت علامة على حضور الله إلى المدينة، أو كما يبدو لى أكثر احتمالا أن الشجرة التى عبدها السكان حسب العادة الوثنية قد اهتزت لأن الشيطان الذى فيها الذى كان موضع العبادة قد وثب عند رؤيته لذاك الذى جاء للتطهير من هذه القوات. لقد تحرك من ذاته ، لأنه فى حضور المسيح ارتجت أوثان مصر، كما تنبأ اشعياء النبى. وعند خروج الشيطان تُرِكَت الشجرة كأثر لما حدث، ووُهِبَت خاصية الشفاء لمن يؤمن.
إن سكان مصر وفلسطين يشهدون بصدق هذه الاحداث التى حدثت بينهم.
الكتاب الخامس: الفصل الثانى والعشرون
(يوليانوس يسمح لليهود بإعادة بناء هيكل أورشليم، نكاية بالمسيحيين. إندلاع نار تقتل الكثيرين من العاملين فيه. وظهور علامة الصليب على ثيابهم)
(5/22/1) وعلى الرغم من أن الإمبراطور قد مقت المسيحيين وظلَمهم، بيد أنه أظهر أريحية وإنسانية نحو اليهود([474]) فكتب لبطاركة وقادة اليهود وأيضا للشعب([475]) طالبا منهم الصلاة لأجله ومن أجل رخاء الامبراطورية. وإننى لمقتنع بأنه قد اتخذ هذه الخطوة ليس لأى احترام لديانتهم لأنه يعلم جيدا أنها، يمكن القول، أم الديانة المسيحية، ويعرف أن كلتا الديانتان ترتكزان على سلطة البطاركة والأنبياء. ولكنه ظن أنه سيُحزِن المسيحيين بتفضيله لليهود، الذين هم أكثر أعدائهم المزمنين. ولكن ربما حسب أيضا أن ذلك سيغريهم([476]) على اتباع الوثنية، وتقديم الذبائح لأنهم يُلّمُون فقط بحرفية الكتاب المقدس، ولا يقدرون مثل المسيحيين وبعض الحكماء من العبرانيين على تمييز المعانى المستترة. بيد أن الأحداث قد أثبتت أن ذلك كان هو الدافع الحقيقى له، لأنه أرسل إلى بعض رؤساء [هذا] الجنس، ودعاهم للعودة إلى شرائع موسى وعادات آبائهم. وعندما أجابوا أنه ليس شرعا ولا هو من السلف إقامة ذلك فى مكان آخر خلاف المتروبوليت التى طُرِدوا منها، ولأن هيكل أورشليم قد هُدِم، أمر بإعطائهم مالا من [الخزانة] العامة لإعادة بناء الهيكل وممارسة العبادة المماثلة لأسلافهم وتقديم الذبائح حسب العادة القديمة.
(5/22/2) فشرع اليهود فى العمل دون أن يُفكِّروا فى أنه طبقا لنبوة الأنبياء القديسين لا يمكن أن يتم. وفتشوا عن أمهر الحرفيين، ونظفوا الأرض. وبدأوا بكل همة فى المهمة لدرجة أن النساء كانت تجمع أكوام التراب، وتُحضِر عقود أعناقهن وأدوات زينتهن للمساهمة فى النفقات. واعتبر الإمبراطور والوثنيون وكل اليهود كل عملٍ آخر يلى فى الأهمية هذا العمل.
(5/22/3) وعلى الرغم من أن الوثنيين لم يكونوا ودودين مع اليهود، إلاَّ أنهم ساعدوهم فى هذا المشروع، لأنهم رأوا فى نجاحه النهائى، تكذيبا لنبوات المسيح. وإلى جانب هذه الدافع كان اليهود أنفسهم مدفوعين بإعتبار أن وقت إعادة بناء الهيكل قد حل.
(5/22/4) وعندما أزالوا بقايا المبنى القديم، وحفروا الأرض وقلعوا الاساسات، يُقال أنه فى اليوم التالى، عندما كانوا على وشك وضع الأساس الأول حدثت زلزلة كبيرة وبواسطة الارتجاج الشديد للأرض، أُقتُلِعت الأحجار من أساساتها حتى أن اليهود الذين كانوا يعملون قد جُرِحوا. وبالمثل أولئك الذين كانوا فقط يشاهدون. وإنهارت فجأة المنازل والأروقة القريبة من الموقع والتى كانوا قد انتقلوا إليها، وهلك كثيرون فيها فى الحال. ووُجِد بعضهم بين حى وميت، ومبتورين الأيادى أو الأقدام. وآخرين جُُرِحوا فى أجزاء أخرى من أبدانهم. وعندما أمر الله الزلزال أن يكف، عاد العمال الأحياء ثانية إلى مهمتهم لأن ذلك كان مرسوم الإمبراطور من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنهم كانوا متشوقين لهذا العمل([477]). فالناس غالبا ما يبحثون، فى سعيهم لمعالجة أوجاعهم الخاصة، عما يضرهم ويرفضون ما يهبهم المزايا الحقيقية، وينخدعون بفكرة أن لا شىء نافع فى الحقيقة سوى ما هو مقبول لهم. وعندما يضلون بهذا [الفكر] الخاطىء لا يكونون قادرين بعد على السلوك على النحو المفيد لهم، أو على الإحتراس من المصائب التى ستفتقدهم.
(5/22/5) واعتقد أن اليهود كانوا فى هذه الحالة، لأنهم بدلا من التمعن فى هذا الزلزال غير المتوقع كمؤشر جلى على أن الله معترض على تشييد هيكلهم شرعوا فى استئناف العمل. ولكن جميع الأطراف تروى أنهم ما أن عادوا إلى العمل حتى اندلعت نار فجأة من اساسات الهيكل والتهمت العديد من الفعلة.
(5/22/6) وقد سُجِلَّت هذه الحقيقة على نحو مرعب، وصدَّقها الجميع. وكان الخلاف الوحيد هو أن البعض قال أن اللهب قد اندلع من داخل الهيكل عندما كان العمال يحاولون شق مدخل؛ بينما قال آخرون أن النار اندلعت مباشرة من الأرض. وفى أىٍ من الحالتين، الظاهرة قد حدثت وهى جديرة بالإعجاب.
(5/22/7) غير أن هناك معجزة ملموسة وغير عادية بالأكثر، قد حدثت أيضا. فقد ظهرت تلقائيا علامة الصليب فجأة على ثياب الأشخاص المنهمكين فى المهمة. وكانت هذه الصلبان تظهر مثل نجوم وتعكس عملا فنيا. ومن ثمة اعترف كثيرون أن المسيح هو الله وأن إعادة بناء الهيكل لا يرضيه. وتقدم آخرون إلى الكنيسة ونالوا المعمدية والتمسوا من المسيح المغفرة لخطاياهم، بالتوسلات والتسابيح.
(5/22/8) وإذا لم يرض أحدٌ أن يُصدّق روايتى، فليذهب ويستمع إلى مَن سمعوا الحقائق التى أرويها من شهود عيان لأنهم مازالوا أحياء، ليقتنع. وليستعلم أيضا من اليهود والوثنيين الذين تركوا العمل فى حالة غير كاملة، أو الذين، فلنقل بكل دقة، كانوا قادرين على الشروع فيه.
الكتـــاب السادس
الكتاب السادس: الفصل الأول
( حملة يوليانوس على فارس. إنكساره وفقدانه للحياة على نحو بائس. خطاب ليبانيوس عن موته)
(6/1/1) لقد رويتُ فى خطابى السابق الأحداث التى وقعت فى الكنيسة خلال عهد يوليانوس. وعندما صمم هذا الإمبراطور على شن الحرب ضد فارس، عبر بسرعة الفرات فى بداية الربيع، ومرَّ بإديسا التى التى كان يمقت سكانها لأنهم يؤمنون بالمسيحية منذ أمد طويل، وتوجه إلى كاريا Carræ حيث معبد جوبيتر، فقدَّم فيه الذبائح والصلوات. ثم اختار عندئذ عشرين ألف رجلا مسلحا من كتائبه، وأرسلهم صوب تيجرى Tigris لكى ما يحرسوا تلك المناطق، ولكى ما يكونوا أيضا جاهزين للإنضمام اليه فى حالة ما إذا طلب مساعدتهم.
(6/1/2) ثم كتب إلى ارساكيوس Arsaciusملك ارمينيا، أحد المتحالفين مع الرومان ليوصيه بالمساعدة فى الحرب. وفى هذا الخطاب يُظهِر يوليانوس أقصى رعونة، فيفتخر بالصفات العالية التى يمتلكها والتى جعلته يحوز على الإمبراطورية ويكون محل قبول من الآلهة التى اهتم بها، ويلعن قنستانتيوس سلفه كإمبراطور كافر مخنث([478]). وهدد ارساكيوس بإهانات مكثقة فادحة. وإذ يعرف أنه مسيحى، جدف بشدة وإفراط ضد المسيح لأنه كان متعودا على التجاسر بذلك فى كل مناسبة. وقال لأرساكيوس أنه ما لم يسلك حسب توجيهاته فإن الله الذى يؤمن به لن يقدر أن يحميه من نقمته.
(6/1/3) وعندما ظن أن كل الترتيبات قد تمت على نحو وافٍ قاد جيشه خلال أشور([479])، فإستولى على عدد كبير من المدن والحصون إما بمعركة وإما بخيانة. ونهب كل مكان إقترب منه، وقلب الشون والمخازن أو حرقها، دون ادنى تفكير فى أنه سيتعين عليه العودة من ذات الطريق. وبينما كان مسافرا عبر الفرات وصل إلى ستيسيفون Ctesiphon، مدينة كبيرة جدا كانت المَلكية الفارسية قد نقلت إقامتها من بابيلون إليها أنذاك, وكان [نهر] تيجرى يتدفق بالقرب من هذه البقعة. وعندما لم يتمكن من الوصول إلى هذه المدينة بسفنه بسبب الارض التى تفصلها عن النهر، فكر فى إما أن يتابع سفره بالمياه، وإما أن يترك سفنه ويتوجه إلى ستيسيفون برا. وفاوض الأسرى فى الأمر، وإذ تأكد منهم أن هناك قناة قد رُدِمَت خلال الزمن، أمر بتطهيرها، ووصَّل بذلك الفرات بتيجرى، وواصل سيره صوب المدينة، وكانت سفنه تطفوا بجوار جيشه.
(6/1/3) ولكن الفارسيين ظهروا على ضفتى تيجرى بعرض هائل للجياد والكتائب المسلحة والأفيال([480]). وأدرك يوليانوس أن جيشه قد حوصر بين نهرين كبيرين، وكان فى خطر الهلاك سواء أبقى فى مكانه الحالى، أو تقهقر خلال المدن والقرى التى خرَّبها تماما ولم يعد فيها مؤون. ومن ثم دعا جنوده لمشاهدة سباق خيل، ووعد بمكافآت لأسرع المتسابقين. وفى نفس الوقت أعطى تعليمات لضباط السفن بإلقاء مؤون وأمتعة الجيش، حتى إذا ما رأى الجنود أنفسهم فى خطر الحاجة إلى الضروريات، يُقدِمُون ببسالة على قتال أعدائهم بلا يأس. وبعد العشاء أمر الجنرالات والتربيونات والقواد بإقلاع القوات، فأبحروا على طول تيجرى خلال الليل، وجاءوا فى الحال إلى الضفة الأخرى ونزلوا.
(6/1/4) ولكن بعض الفارسيين كانوا قد عرفوا بمغادرتهم، فحثوا بعضهم بعضا على مواجهتهم، ولكن الذين كانوا مازالوا نائمين تغلَّب عليهم الرومان. وعند طلوع النهار اشتبك الجيشان فى معركة. وبعد سفك دماء كثيرة من الطرفين عاد الرومان نهرا، وعسكروا بالقرب من ستيسيفون.
(6/1/5) وإذ لم يكن الإمبراطور راغبا فى التقدم إلى أبعد، أحرق سفنه إذ رأى أنها تحتاج إلى جنود كثيرين لحراستها، ثم تابع انسحابه عبر تيجرى الذى كان على يساره, وقاده الأسرى الذى عملوا كمرشدين له إلى ريف خصيب وجدوا فيه وفرة من المؤن. وبعد ذلك إذ عزم رجل مسن أن يموت من أجل حرية فارس سمح لنفسه لأن يؤخذ أسيرا، وأُحضِر إلى الإمبراطور. وعندما سُئِل عن الطريق أقنعهم وهو يبدو أنه يتكلم بالصدق على أن يتبعوه إذ أنه قادر على نقل الجنود بسرعة إلى الحدود الرومانية. وأشار إلى أن هذا الطريق سيكون شاقا للسفر ثلاثة أيام أو أربعة، وأنه سيكون من الضرورى عليهم حمل المؤون خلال هذه الفترة، إذ أن البلاد المحيطة غير خصبة. وخُدِع الإمبراطور بكلام هذا العجوز الحكيم، وصادق على السير فى هذا الطريق. وبعد أن تقدَّموا لمسافة ثلاثة أيام، وجدوا أنفسهم فى إقليم قفر. فعُذِّب السجين العجوز، واعترف أنه إختار الموت طواعية من أجل بلده، وأنه مستعد لذلك أن يتحمل أى آلامات توقع عليه.
(6/1/6) وكانت الكتائب الرومانية منهكة الآن بسبب طول السفر، وندرة المؤن واختار الفارسيون هذه اللحظة للهجوم عليهم. وفى وسط حرارة المعركة التى اندلعت هبت ريح عاصفة وغطت السحب الشمس والسماء تقريبا بالكامل، بينما كان الهواء فى نفس الوقت مخلوطا بالتراب. وفى خلال الظلام الذى نجم عن ذلك، وجَّه فارس وهو ممتطى لفرسه حربته نحو الامبرطور وجرحه جرحا مميتا. وبعد أن سقط يوليانوس عن فرسه اختفى المُغِير المجهول.
(6/1/7) وقد خمن البعض أن يكون فارسيا، وآخرون أنه كان ساراسينيا. وهناك مَن يُصِّر على أن مَن قتله كان أحد الجنود الرومان الذى كان ساخطا لحماقة وتهور الإمبراطور التى ظهرت فى تعريضه للجيش لمثل هذا الخطر.
(6/1/5) وقد عبَّر ليبانيوس Libaniusالسوفسطائى الشهير، والمواطن السورى، وألصق صديق ليوليانوس عن نفسه بخصوص الشخص الذى ارتكب هذا العمل بالكلام التالى:
أنت تريد أن تعرف مَن الذى قتل الإمبراطور. أنا لا أعرف اسمه، ومع ذلك لدى دليل على أن القاتل لم يكن أحد الأعداء، لأنه لم يأتِ أحدٌ ليطلب المكافأة على الرغم من أن ملك الفرس قد صرَّح بإسباغ شرف البطولة على مَن يقوم بهذا العمل، ونحن بكل تأكيد مدينين بالفضل للأعداء، بعدم نسبة الفخر لأنفسهم بصلف عن هذا العمل، ولكن تركوه لنا لنفتش عن القاتل بيننا. إن أولئك الذين سعوا إلى موته، هم أولئك الذين عاشوا فى ظل انتهاك معتاد للشرائع، والذين تآمروا سابقا ضده، والذين ارتكبوا من ثمة الفعل عندما واتتهم الفرصة. لقد كانوا محصُورين بالرغبة فى الحصول على درجة حرية أكبر من كل قدرِ يمكن أن يتمتعوا به فى ظل حكمه وبالطبع كانوا مثارين أساسا بالسخط من إلتصاق الإمبراطور بخدمة المعبودات التى يمقتونها([481]).
الكتاب السادس: الفصل الثانى
(هلاكه بالسخط الإلهى. رؤيا أفراد كثيرين بشأن موت الإمبراطور. رد إبن النجار. يوليانوس يقذف بدمه إلى المسيح. الافتراءات التى لصقها ليبانيوس بالرومان)
(6/2/1) إن ليبانيوس يقرر بوضوح فى الوثيقة المقتبسة عاليه أن يوليانوس سقط على يد مسيحى. وربما كان ذلك صحيحا، فليس من غير المحتمل أن يكون بعض الجنود الذين كانوا يخدمون آنذاك فى الجيش الرومانى، قد فكَّروا فى ذلك. إذ أن اليونانيين وكل الرجال إلى هذا اليوم قد مدحوا أولئك الذين عرَّضوا أنفسهم للموت من أجل الحرية، ووقفوا إلى جانب بلدهم وعائلاتهم وأصدقائهم بشجاعة، وقتلوا المستبد. ولاموا بدرجة أقل ذاك الذى أنجز هذا العمل الجرىء من أجل الله والدين. وخلاف هذا الذى أعرفه ليس لدى شىء دقيق خاص بأولئك الذين ارتكبوا هذا القتل سوى الذى رويته([482]).
(6/2/2) ومع ذلك خمن جميع الناس عندما تلقوا الخبر، الرواية التى سُلِّمت لنا، والتى تُرجِع موته إلى السخط الإلهى. والدليل على ذلك الرؤية التى رآها أحد أصدقائه والتى سأصفها الآن.
فيُروَى، أنه قد سافر إلى فارس بقصد اللحاق بالامبراطور. وبينما هو فى الطريق وجد نفسه بعيدا عن أى عمران لدرجة أنه اضطر فى إحدى الليالى إلى أن ينام فى كنيسة. وفى خلال الليل رأى، فى حلم أو فى رؤيا، كل الرسل والأنبياء مجتمعين معا ويشتكون من الاضرار التى لحقت بالكنيسة من الإمبراطور ويتشاورون فى أفضل السبل التى تُتخّذ. وبعد مداولات كثيرة واجتهادات، وقف شخصان فى وسط الاجتماع وطلبا من الآخرين أن يطمئنوا. وتركا الصحبة بسرعة، كما لو كانا سيُجرِّدان يوليانوس من السلطة الإمبراطورية. ولم يحاول ذاك الذى عاين هذه الاعجوبة أن يُتابع رحلته، ولكنه انتظر وهو فى شك مرعب نتيجة هذه الرؤية. وخلد إلى النوم ثانية فى نفس المكان فرأى ثانية نفس الاجتماع والشخصان اللذان ظهرا أنهما قد غادرا فى الليلة السابقة ليتمما قصدهما ضد يوليانوس، قد عادا فجأة وأعلنا خبر موته للآخرين.
(6/2/3) وفى نفس اليوم أُرسِلت رؤيا أخرى لديديموس الفيلسوف الكنسى المقيم بالاسكندرية والذى من حزنه الشديد على ضلال يوليانوس واضطهاده للكنائس صام وتضرع إلى الله بإستمرار لهذا الخصوص. ونتيجة لقلقه وحاجته إلى الطعام خلال الليلة السابقة، نام وهو جالس على كرسيه. فإذا به يعاين كما بدهش جيادا بيضاء تركض فى الهواء، وسمع صوتا يقول للراكبين عليها إذهبوا وقولوا لديديموس أن يوليانوس قد قُتِل فى هذه الساعة، واجعلوه يبلغ هذا لأثناسيوس الاسقف، وأن ينهض ويأكل([483]). وقد علمتُ بثقة أن صديق يوليانوس وهذا الفيلسوف قد عاينا هذه الأمور. وقد أثبتت النتائج أن أحدا منهم لم يكن بعيدا عن الشهادة للحق.
(6/2/4) ولكن إن كانت هذه الأمثلة ليست كافية للبرهنة على أن موت يوليانوس كان نتيجة للسخط الإلهى، بسبب اضطهاده للكنيسة فلنتذكر ما تنبأ به أحد القديسين. فعندما كان يوليانوس يستعد لشن الحرب ضد الفرس، هدد بأنه عند انتهاء الحرب سيُعامِل المسيحيين بقسوة وتباهى، وأن ابن النجار لن يكون قادرا على مساعدتهم. فرَّد عليه عندئذ الكنسى المذكور عاليه أن ابن النجار سيكون قد أعد له تابوتا خشبيا لموته([484]).
(6/2/5) وكان يوليانوس نفسه واعيا بالضربة المميته وعلتها. فيُقال أنه أخذ، وهو جريح، بعضا من الدم المتدفق من الجرح وقذف به لأعلى فى الهواء، كما ولو كان قد رأى يسوع المسيح ظاهرا، وأراد أن يقذفه عليه، ليوبخه على مقتله.
(6/2/6) ويقول آخرون أنه كان غاضبا من الشمس لأنها صنعت معروفا للفارسيين ولم تنقذه على الرغم من أنه حسب عادة المنجمين كانت قد تصدرت فى مولده, فأراد أن يعبّر عن سخطه ضد هذا الجرم السمائى فأخذ دما بيده وقذفه إلى أعلى فى الهواء.
(6/2/7) ولا أعرف ما إذا كان يوليانوس قد شاهد المسيح أم لا، عند اقتراب موته وانفصال النفس عن البدن، كما هى العادة فى هذه الحالة عندما تكون[ النفس] قادرة على معاينة المناظر الأسمى عن تلك المسموح بها للبشر. فإن تلميحات قليلة قد ذُكِرت فى هذا الصدد. ولكننى لا استطيع أن أرفض هذه الفرضية واعتبرها باطلة على الاطلاق، لأن الله يهتم غالبا بحدوث الأمور غير المحتملة والمذهلة لكى تبرهن على أن الديانة المسماة بإسم المسيح ليس قائمة بالقوة البشرية.
(6/2/8) وأنه من الجلى جدا، أن الله خلال عهد هذا الإمبراطور قد أظهر علامات واضحة على إستيائه منه، وسمح بكوارث كثيرة أن تحل على مقاطعات عديدة من الإمبراطورية الرومانية. فقد افتقد الأرض بالزلازل المرعبة هذه، حتى أن المبانى ارتجت، ولم يكن هناك أى آمان داخل المنازل، عن الهواء المطلق.
(6/2/9) ومما قد سمعته يمكننى أن أخمن أنه خلال حكم هذا الإمبراطور أو على الأقل عندما كان يشغل الموضع الثانى فى الحكومة أن كارثة كبرى قد حدثت بالقرب من الأسكندرية فى مصر، عندما فاض البحر وجاوز حدوده من الأمواج العاتية وأغرق العديد من البلاد لدرجة أنه عندما انحسرت المياه وُجِدَت محارات ملتصقة بأسطح المنازل. وما زال التذكار السنوى لهذا الغمر الذى يدعونه عيد ميلاد الزلزال([485])، يُحتفَل به فى الأسكندرية بإحتفال سنوى حيث تقاد الأنوار العامة فى سائر أرجاء المدينة ويقدمون صلاة شكر لله، ويحتفلون بهذا اليوم بكل توقير وتقوى. كذلك حدث جفاف مفرط خلال هذا العهد، فجفت النباتات، وفسد الهواء، ونظرا للعوز إلى الضروريات اضطر الناس إلى اقتيات الاطعمة الخاصة عادة بالحيوانات. وأحدثت المجاعة أمراضا خاصة، وهلك بسببها الكثيرون من الأحياء.
هذه كانت حال الإمبراطورية خلال إدارة يوليانوس
الكتاب السادس: الفصل الثالث
(عهد جوفيانوس. سنه لقوانين كثيرة)
(6/3/1) بعد موت يوليانوس انتقل حكم الإمبراطورية، بموافقة إجماعية للكتائب إلى جوفيانوس Jovian. وعندما كان الجيش على وشك إعلانه امبراطورا صرَّح أنه مسيحى، ويرفض السيادة ولا يقبل شعارات الإمبراطورية. ولكن عندما اكتشف الجنود سبب رفضه صاحوا أنهم هم أنفسهم مسيحيون.
(6/3/2) وأجبرت الحالة المضطربة والخطيرة للأمور التى خلفتها استراتيجية يوليانوس، ومعاناة الجيش من المجاعة فى بلاد العدو إلى عقد معاهدة سلام مع الفارسيين، وأن يتخلوا عن بعض المقاطعات التى كانت تخص سابقا الرومان. وإذ تعلَّم بالتجربة أن كفر سلفه قد جلب سخط الله، وسبَّب الكوارث العامة، كتب فى الحال إلى حكام المقاطعات، بإجتماع الناس معا بدون خوف فى الكنائس ليعبدوا الله بخشوع ويقتبلوا الإيمان المسيحى بإعتباره الدين الحق فقط. ورد للكنائس والإكليروس، وللأرامل والعذارى، نفس الحصانات والهبات من أجل مزايا وكرامة الدين، والتى كانت مقررة سابقا من قنسطنطين وأولاده، وأبطلها بعد ذلك يوليانوس. وأمر سكوندس Secundusالذى كان آنذاك حاكما بريتوريا([486])، أن يُعتبَر ذلك جريمة كبيرة، الزواج من أىٍ من العذارى القديسات أو أن يعتبر ذلك رغبة غير شريفة.
(6/3/3) وقد سن هذا القانون بسبب الشرور التى سادت عهد يوليانوس، إذ أخذ كثيرون زوجات لهم من بين العذارى القديسات، سواء بالإكراه أو بالإغواء وأفسدوهن بالكامل. وترتب على ذلك إنغماس فى الشهوات المشينة بلا عقاب، الأمر الذى يحدث دائما فى حالة انتهاك الدين.
الكتاب السادس: الفصل الرابع
(الاضطرابات تبرز مرة أخرى فى الكنائس. مجمع انطاكية الذى صًدِّق فيه على الايمان النيقاوى. النقاط التى كتبها هذا المجمع لجوفيانوس)
(6/4/1) وعاد رؤساء الكنائس الآن إلى مناقشة المسائل العقائدية المتنازع عليها. لقد ظلوا هادئين طوال عهد يوليانوس عندما كانت المسيحية ذاتها فى خطر، ورفعوا بالإجماع خلال حكم يوليانوس توسلاتهم من أجل رحمة الله.
(6/4/2) وهكذا عندما يكون البشر مهاجمين من عدو خارجى يحافظون على الوحدة فيما بينهم، ولكن عندما تزول المتاعب الخارجية، عندئذ تزحف الشقاقات الداخلية. ومع ذلك ليس هنا المكان المناسب لذكر الأمثلة العديدة للأمم والحكومات التى يزودنا بها التاريخ فى الواقع.
(6/4/3) فى هذه الفترة اجتمع باسيليوس اسقف انقيرا وسلفانوس Silvanus اسقف طرسوس وصفرونيوس Sophronius اسقف بومبيوبولس Pompeiopolis وآخرون من حزبهم الذين اعتبروا الهرطقة المدعوة الأنوميين Anomiansاقصى مقت. وتناولوا مصطلح "مماثل فى الجوهر" بدلا من "مساوى فى الجوهر"، وكتبوا مقالة إلى الإمبراطور. وبعد التعبير عن شكرهم لله على اعتلائه لعرش الامبراطورية، رجوه أن يصدِّق على المراسيم الصادرة فى ارمينيّم وسلوقية، وأن يلغى ما قد تأسس بالغيرة المجردة وسلطة بعض الأفراد. كذلك التمسوا منه أنه متى حدث انقسام بسبب المجامع، فإن ذلك يجب أن يظل بين الكنائس وعلى الاساقفة من كل اقليم أن يجتمعوا فى مكان ما يحدده الإمبراطور ولا يُسمَح لهم بالإجتماع فى أى مكان آخر، وأن يتدارسوا الأمر فيما بينهم ويُصدِروا المراسيم الخاصة، مثلما كان يحدث فى عهد قنستانتيوس. وأضافوا أنهم لم يذهبوا لزيارته فى معسكره لأنهم خشيوا أن يكونوا عبئا عليه، ولكن إذا أراد أن يراهم فإنهم بكل سرور يتوجهون إليه، ويتحملون كل النفقات الخاصة بالسفر بأنفسهم. هذه هى الوثيقة التى كُتِبَت للإمبراطور.
(6/4/4) وعُقِد مجمع فى هذه الفترة فى انطاكية بسوريا وتم التصديق على الصيغة التى وضعها مجمع نيقية، وتقرر أن الإبن هو بلا جدال من نفس جوهر substanceالآب. وشارك فى هذا المجمع مليتيوس الذى كان يدير كنيسة انطاكية آنذاك، ويوسيبيوس اسقف سامسطا، وبيلاجيوس اسقف لاودكية فى سوريا، واكاكيوس اسقف قيصرية فلسطين، وايرينئوس اسقف غزة، واثناسيوس اسقف انقيرا. وعقب انتهاء المجمع احاطوا الإمبراطور عِلما بالمداولات التى تمت بهذا الخطاب الذى ارسلوه له.
(6/4/4) "إلى الأوغسطس الأكثر تقوى، والمحب لله، سيدنا جوفيانوس الظافر. من الاساقفة المجتمعين بأنطاكيا من أقاليم عدة. نحن نعرف أيها الإمبراطور المحب لله أن تقواكم تهتمون بالكامل بإقرار السلام ووحدانية الكنائس ولا نجهل أنك قد نلت ختم النقطة الرئيسية لهذا الاتحاد، ونعنى به الايمان الارثوذكسى والحقيقى. لذلك، لئلا نُحسَب ضمن أولئك الذين يغِيرون على عقائد الحق هذه، فإننا نشهد لتقواكم بأننا نقبل ونحافظ على كل الايمان الذى أقره قديما مجمع نيقية المقدس. والآن على الرغم من أن مصطلح مساوى فى الجوهر يبدو غريبا بالنسبة لبعض الأشخاص، إلا أنه قد فُسِّر جيدا من الآباء، وهو يعنى أن الإبن مولود من جوهر الآب، وهذا المصطلح لا يحمل فكرة التوالد بلا انقطاع، ولا هو يتضمن الاستعمال الذى يستخدمه اليونانيون لكلمة جوهر، ولكنه يُحسَب فى أذهان الكافرين والمندفعين وراء مجاز آريوس أنه إثم [ القول] أن الإبن منبثق مما لم يكن له وجود سابق([487]). فالانوميون الذين ظهروا حديثا قد تجاسروا بلا خجل على القول أن هذه الكلمة تسبب عدم انسجام الكنائس. ولذا نلحق بهذا الخطاب نسخة من صيغة الإيمان التى تبناها الاساقفة المجتمعون فى نيقية والتى نحن أيضا نعتز بها.
تلك كانت القرارات التى اتخذها الكهنة المجتمعون فى انطاكية، وأرفقوا بخطابهم نسخة من صيغة ايمان نيقية.
[1] - يقول الاب متى المسكين أنها كانت ست سنوات. ولا يشير الى إقامته لدى عذراء.
[2] - ويرِد اسمه بأشكال مختلفة فى المخطوطات اليونانية مثل سالمينس سوزومينوس. وفى المطبوعات الغربية بالشكل سوزمين. كما يُعرَف أيضا فى المطبوعات العربية القديمة بنفس الشكل الغربى. ولكننى اخترتُ هنا النطق اليونانى بإعتباره كاتبٌ كَتب باليونانية أساسا.
[3] - أنظر، ك 15:5 هنا.
[4] - أى مدينة بيروت الحالية بلبنان. المعرب
[5] - "يوسيبيوس" القيصرى، هو اسقف قيصرية المشهور بأبى التاريخ الكنسى لأنه كان أول من يجمع تاريخ المسيحية منذ نشأتها إلى أيامه. ويُكتَب اسمه بأشكال عِدة فى الكتابات العربية منها: يوسابيوس، أوسابيوس، يوسيبيوس. أفسابيوس(فى الكتابات الشامية) المعرب
[6]- لقب "علماني" فى الكتابات المسيحية يختلف فى معناه جذريا عن المفهوم السياسى المتداول حزبيا فى هذه الأيام. فالمقصود به حصريا فى الكتابات المسيحية، الشخص الذى لا يشغل أى وظيفة كهنوتية رسمية فى الكنيسة بدءً من "قارىء"(أوغنسطس) إلى البابا. وواضح أن كلمة "علمانى" فى المفهوم المسيحى لا تعنى بتاتا شخصا ضد الدين أو "ملحد" أو غير تقى أو "لا دينى" إلى آخر هذه الاسقاطات التى يلجأ اليها البعض فى صراعهم الحزبى لخداع الفئات الشعبية البسيطة.
[7] - ولذا نشرهما الناشر الانجليزى معا. غير اننى رأيتُ أن ذلك سيكون مرهقا للقارىء العربى ففضلت نشرهما على جزئين.
[8] - مؤرخ يونانى من ق9م.
[9] - أنظر ك1: 6، 2: 3، 3: 15، 4: 17، 5: 18 هنا.
[10] - هم شيعة تُنسَب إلى نوفاتيان Novatian أو نوفاتوس حسب النطق الشرقى وكان قسا بكنيسة روما هذا ذهب – كما قال يوسيبيوس القيصرى – بكبرياء قلب إلى أن الذين سقطوا فى أثناء الاضطهادات " ليس لهم أى رجاء فى الخلاص، حتى ولو عملوا كل ما يتصل بالتحديد الحقيقى التقى". ثم تزعم شيعة ظلت تناوىء الكنيسة الجامعة ردحا من الزمان. أنظر "البدع والهرطقات فى القرون الأولى" للمعرب
[11] - أنظر: "التاريخ الكنسى لرفينوس"، للمعرب. نشر مطرانية جنوب سيناء.
[12] - راجع "التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى" لبالاديوس وروفينوس والسبعة رهبان الاورشليميين، للمعرب. نشر دار باناريون، ديسمبر 2013.
[13] - وهذا هو سبب تكرار كلمة "قيل" و"يُقال" فى عمله.
[14] - أنظر تعريب له للمعرب على مدونته الخاصة egychrart.weebly.com.
[15] - أنظر على سبيل المثال، مكوث البابا أثناسيوس الرسولى عند عذراء بالأسكندرية والتى كان أول من سجلها بالاديوس، نجد أنه رغم توافر هذا المصدر تحت يد سقراتيس أيضا، فإنه لم يذكر هذه الواقعة ولا علَّق عليها. وذلك على العكس من سوزمينوس الذى أوردها.
[16] - ك1، ف1 بعده.
[17] - كان كل كاتب من الكُتاب الأوائل ينعت "الرهبنة المسيحية" بنعت خاص به هو، ويُعبِّر عن مفهومه الخاص ونظرته الخاصة لهذا النمط من الحياة. فكان بالاديوس، كما رأينا (فى "التاريخ الرهبانى"، اصدار دار باناريون) ينعتها "بحلبة المصارعة"، وكان كاسيان ينعتها "بطريق الكمال"، وهنا ينعتها سوزمينوس "بالفلسفة الحقيقية".
[18] - راجع: 1/1/13.
[19] - قد نتفق معه فى هذا المنهج أو لا نتفق. ولكن تبقى وجهة نظره للتاريخ ولدور المؤرخ متميزة عن تلك التى لسقراتيس.
[20] - وكأنه يردد من وراء الدهور المقولة التى كان يحلو لنيافة الأنبا صموئيل اسقف الخدمات العامة فى بداية حبرية الأنبا شنودة الثالث بابا الاسكندرية الـ 117 فى عداد باباوات الأسكندرية، والذى أُستُشهِد فى حادثة المنصة عند اغتيال الرئيس السادات، أن يُرددها بإستمرار "نحن لا نعرف ماذا يُمسكه التاريخ، ولكننا نعرف مَن يُمسِك التاريخ". we do not know what the history holds, but we do know Who holds the history.
[21] - على عكس النعوت التى نجدها لدى ثيودوريت مثلا.
[22] - أنظر، ك15:3: 6.
[23] - انظر "التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى"، ف63، للمعرب، نشر دار باناريون،2013م.
[24] - كما يمكن الاستعانة أيضا بكتاب الأب متى المسكين "القديس أثناسيوس الرسولى، نشر دير أنبا مقار، مصر.
[25] - كتبه البعض ايضا سوزومين أو سوزمين.
[26] - بطريرك القنسطنطينية فى ق 9م، كَتَب تاريخا كنسيا.
[27] - من مقدِّم الترجمة إلى الانجليزية.
[28] - "استاديا" وحدة قياس أطوال وهى باليونانية stadion وباللاتينية القديمة stadium، ومنها الكلمة الإنجليزية stade. وكانت طبقا لهيرودوت تساوى 600 قدم. ولكن كانت هناك أطوال متعددة للقدم تختلف باختلاف البلدان. ولذلك اختلف بالطبع طول الاستاديا بحسب تفسير كل كاتب. وقد قدَّر موقع جوجل طول الاستاديا من 150-200 متر.
[29] - يجب أن نلاحظ من البداية أن سوزمينوس سيعبِّر طوال هذا العمل عن الرهبنة بكلمة "الفلسفة"، وعن الرهبان بكلمة "فلاسفة". وذلك مثلما كان بالاديوس يعبّر عن الرهبنة "بحلبة المصارعة" الروحية. ومثلما كان كاسيان يشير إلى الرهبنة بعبارة "طريق الكمال".
[30] - يقصد المترجم هنا أنها كانت "ضيقة الأفق" علميا، هذا بالطبع من وجهة نظره الخاص.
[31] - هو مؤرخ من القرن التاسع الميلادى.
[32] - أى ايران حاليا (فارس سابقا). وهذه الكلمة كانت ترد أيضا فى بعض الكتابات العربية بالأشكال: فِرسيا، فارثيا ثم فارس أو الفُرْس.
[33] - تعددت الترجمات لهذه الكلمة بتعدد المترجمين، وجيد أن أشير إليها هنا للتعرف على الآراء المختلفة لكلمة كهذه على سبيل المثال، ونتعلم منها احترام أراء الآخرين دون التسرع – فى غير الثوابت – بالحُكم بأيها أدق. فهذه الكلمة تعنى فى القواميس العادية "مدرسى" أى متعلم مثلما يقول الشخص العامى المصرى عن الشخص المثقف "هذا إبن مدارس". وتعنى أيضا، باحث، أو دارس. ورأى آخرون أنها كانت نعتا خاصا برجال القانون فى العصر البيزنطى، والمحامين وهو رأى تعززه فعلا مصادر عديدة كان كاتبوها يمارسون فعلا مهنة المحاماة مثل المؤرخ زكريا البليغ (أو النحوى) وسقراتيس وسوزمينوس على سبيل المثال لا الحصر. وأخيرا ترجمها أحدهم "بالتقليدى" وقال أنه الشخص الشديد التمسك بالتعاليم والأساليب التقليدية لمذهب ما. أما أنا فقد تبنيتُ هنا الترجمة عاليه بالمتن.
[34] - حرفيا منعدد الثقافات polyhistor.
[35] - مرة أخرى هذه وجهة نظر مقدِّم عمل سوزمينوس وليست وجهة نظر المعرِّب، عن كلمنضس الاسكندرى.
[36] - "مضادة للإنسانيات" هذه عبارة شستر المترجم الإنجليزى وصاحب المقدمة هذه، وهى إما أنه تُعبِّر عن وجهة نظره الخاصة للرهبنة، وإما أنها تُشير إلى انماط معينة من الرهبنة شاعت فى الشرق فى ذلك الوقت كانت غريبة على الفكر الرهبانى المصرى، وكان يُمارس فيها الرهبان تعذيبا جسديا لأنفسهم. ومن "محاورات" كاسيان نَعلم أن آباء الرهبنة المصرية قد شجبوا بشدة مثل هذه الأنماط. أُنظر: "المحاورات" لكاسيان، تعريب الدكتور/بولا ساويرس. المعرب
[37] - المترجم هنا يُشير إلى أنين جيروم فى إحدى رسائله(الرسالة 22، فق 30) من أثر قراءاته الفلسفية القديمة على ذهنه، إلى الحد الذى رُفِض فيه دخوله الملكوت – كما ظَهر له فى رؤيا - لأنه من أتباع سيسرون وسينكا. المعرب
[38] - أى لسوزمينوس.
[39] - أولا ربما هذه العبارة من باب الاتضاع مثلما هى عادة معظم إن لم يكن كل كتَّاب ذلك العصر. وثانيا الرجل مؤرخ للتاريخ الكنسى العام وليس لتاريخ العقائد، ومن ثمة انشغاله بالجانب التاريخى أساسا، ولذا كان عندما يتطرق إلى مسألة عقائدية يحيل القارىء إلى المراجع الخاصة بهذا الموضوع مثلما نفعل نحن فى أيامنا هذه. ولا يسمح لنفسه أن يكون كشكولا لكل المعلومات. ومن ثم عدم ضلوعه فى المجادلات العقائدية واللاهوتية لا يعيبه ولا يُؤخذ عليه، بل هو نوع من التخصص. وفى رأيى الخاص كان سوزمينوس محترما لكلمته هذه، ولم يفعل مثلما فعل باحث جامعى فى هذه الأيام، إذ بينما هو يترجم عملا تاريخيا لأحد كتَّاب القرن السادس الميلادى، وعلى الرغم من أنه قال فى مقدمته الخاصة به، فحوى هذه العبارة، إلاَّ أنه ما لبث أن تكلم فى الأمور العقائدية للطرف المضاد لرأيه كلاما غير لائق بباحث يَدَّعِى المنهج العلمى والموضوعية، عن غير وعى أو دراسة أو موضوعية، فجاء كلامه سمجا معيبا أكاديميا.
[40] - هذا رأى المترجم. أما المعرب فيرى أن السبب واضح وهو أن المهن الأكثر تميزا اجتماعيا فى ذلك العصر كانت المحاماة والخطابة(البلاغة). ومن ثم كانت هذه الدراسات هدف كل أب وامنيته لأولاده، ومن ثم يسعى إلى تزويدهم بها كلما استطاع إلى ذلك سبيلا. مثلما كانت كلية الحقوق خلال القرن العشرين الميلادى والى العقد السادس فيه. وهكذا، بدأ القديس ساويرس الأنطاكى وزكريا البليغ (أو النحوى) على سبيل المثال لا الحصر، حياتهما العلمية.
[41] - أى فم الذهب. المعرب
[42] - أو بولشاريا حسبما يلفُظها البعض.
[43] - وأنا أيضا مندهش لهذا الموقف الغريب، إذ أن الطقس الجارى والثابت فى الليتورجيا القبطية أنه قبل قراءة الانجيل يقول الشماس بصوت عالٍ "قفوا بخوف وأدب من الله لسماع الانجيل المقدس، فصل شريف من الانجيل...". وعندما يكون البابا حاضراَ، فإنه هو نفسه الذى يقرأ الانجيل، ومن ثم لن يكون جالسا. وبالمثل إذا كان الأسقف حاضرا هو الذى يقرأ الإنجيل إما بالقبطية وإما بالعربية وهو واقفٌ. فكيف حدث ذلك؟، هذا ما لم يوضحه لنا سوزمينوس، مثلما أشار إلى الأسقف المُسن الذى واظب على حضور الخدمات الكنسية دون أن يمنعه مانع سوى المرض. فلماذا لم يعرف علة جلوس هذا الأسقف ويخبرنا بها؟. على أية حال هذه الاشارة نجدها عنده هو فقط. فقد جاء فى سير القديسين للبولاند عن البابا أثناسيوس الرسولى أنه "لم يقرأ الانجيل فى حياته قط وهو جالس". أنظر Bollan Act. SS. Feb. 26.. والعجيب أن هذه الإشارة موجودة فى طقس تنصيب البطريرك السريانى للأرثوذكس اللاخلقيدونيين كما ظهر فى تنصيب البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثانى يوم الخميس الموافق 29/5/2014 (عيد الصعود بالتقويم الشرقى). حيث قرأ فصل "الراعى" من الإنجيل وهو جالسٌ على كرسى محمول على أكتاف عددٍ من الأساقفة. وبعد قراءة هذا الفصل، تم إنزاله وهو جالس على الكرسى. لذلك لزم التنويه إلى هذه الملاحظة من قِبل سوزمينوس التى ربما اختلط عليه الأمر، أو على مَن نقل إليه هذه المعلومة. كما رأيتها أيضا بنفسى فى قداس مارونى متلفز من إحدى المدن بلبنان عام 2015م كان القارىء للإنجيل شماسا بينما كان الاساقفة والكهنة وكثيرين من الشعب جلوسً.
[44] - وتُكتَب أيضا بالشكل مكدونيوس، أو ماكدونيوس.
[45] - ديوسقورس هذا هو أحد الإخوة الطوال الذين توجهوا إلى القنسطنطينية فى أيام حبرية الأنبا يوحنا فم الذهب، وتُوفِىَّ هناك. المعرب
[46]- يشرح لنا سوزمينوس سبب ذلك بأنه لم يكن من اللائق آنذاك، حسب مشورة المحبين من رجال الدين له، نشر تفاصيل قانون الايمان لغير طالبى العماد. حيث كان هذا القانون والعقائد اللاهوتية تُدرَّس لهم طوال مدة الإعداد قبل نوال المعمودية. وبالفعل وصلنا مثال لذلك فى عظات القديس كيرلس الأورشليمى، والتى صدرت للقمص تادرس يعقوب، بكنيسة مارجرجس باسبورتنج، الاسكندرية. المعرب
[47]- أو الضارية.
[48] - هو ثيودوسيوس الثاني، أو الأصغر، الابن الأكبر لآركاديوس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية إبن ثيودوسيوس الأول، أو الكبير. وأصبح إمبراطوراً للإمبراطورية الرومانية الشرقية عندما كان عمره سبع سنوات. تأثر بأخته بولكاريا (أو بولخاريا) الأكبر منه سناً، والتي دفعته إلى المسيحية الأرثوذكسية. حكم الامبراطورية الرومانية الشرقية(من402-408م) مع ابيه آركاديوس ثم حكم مع أخته (408-416م) ثم منفردا (416-450م).
[49] - عملة نحاسية نقدية قديمة.
[50] - أى يوم كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا، ويرى البعض أنه كتبه سنة 439م تقريبا. المعرب
[51] - حسنا قال سوزمينوس "هيراكليا فى بونطس" ذلك لأن هناك مدن عديدة بإسم هيراكليا بل وجزيرة بنفس الاسم. والمدينة المذكورة هنا كانت تقع على ساحل بيثنية بآسيا الصغرى عند مصب نهر ليكوس. وموقعها الآن مدينة بإسم كارادينيز ايريجلى، في مقاطعة زونجولداك التركية. المعرب
[52] - بيثينيا (ويمكن أن تكتب أيضا بالشكل بيثينية)، هي منطقة قديمة في شمال غرب آسيا الصغرى، بجوار بحر مرمرة والبُسفور والبحر الأسود. وهى الآن إحدى محافظات تركيا. المعرب
[53] - لا أعرف لماذا استشهد سوزمينوس هنا بقصة المقدونى هذه، وأمامه مثال داوود النبى وما فعله فى موقف مثل هذا الموقف ذاته. أنظر: 2صم17:23. المعرب
[54] - القنصلية الثالثة لكريسبوس كانت خلال (317-326م). وبذلك يبدأ تاريخ سوزمينوس من 326م أو 325م.
[55] - الصغير أو الثانى.
[56] - المفروض أن هذا العمل لسوزمينوس، حسب التقسيم عاليه ينتهى بسنة 450م على الأكثر وهو تاريخ وفاة ثيودسيوس الصغير، أو على الأقل بسنة 425م فى تقدير آخرين، ولكن ما وصلنا فعلا من تاريخه يقف عند أوائل عهد هذا الامبراطور، كما سنرى فى الكتاب التاسع. المعرب
[57] - تك 18.
[58] - اشارة تاريخية مفيدة لدارسى الطقوس إلى "قسمة اسحق" فى الليتورجية القبطية. انظر خولاجى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، باب القِسم.
[59] - أو إنتظار، أو إشتهاء، أو ترقب.
[60] - أى السيد المسيح.
[61] - أنظر تك10:49.
[62] - تترجم مواقع الفحص الالكترونى هذه الكلمة، "بمجلس الشيوخ"، قياسا على هذا المجلس فى النظام السياسى الامريكى. ولكن الواقع أن ذلك يحتاج إلى دراسة سياسية مقارنة لكل من المجلسين الحالى والرومانى، للتأكد من دقة التعريف، ولما كان ذلك خارج دائرة اهتمامى الحالى فقد فضلتُ الابقاء على كلمة سينات كما هى لفظا، مُرّحِبا بأية مساهمة ترد لى بشأن هذا الموضوع على أن تكون موثقة بمصادر معتمدة.
[63] - يُعرِّب البعض هذا الاسم حاليا، فى اللهجات العربية الأخرى، جوزيفوس. أنظر عن الأشكال المختلفة للأسماء تمهيد المعرب.
[64] - حرفيا بائدين أو منقرضين.
[65] - أى لم يتوقع اليهود أن يتحول الأمم حالا إلى الايمان المسيحى.
[66] - من نعته "خلفاء الرسل" نفهم أنه يقصد القديس كليمندس الرومانى، من رجال القرن الأول الميلادى، وكان اسقفا لروما بإيطاليا.
[67] - أى يوسيبيوس القيصرى، المشهور بكتابه "التاريخ الكنسى".
[68] - هذا العمل لم يصلنا.
[69] - أو فلنقل مُحِصَّت مرار.
[70] - هو سلفستر الأول بابا روما للفترة 314م- 335م.
[71] - هو البابا الكسندروس الأول، بابا الاسكندرية(312م – 328م).
[72] - لاحظ هنا أن سوزمينوس لا يذكر أسماء اساقفة روما ولا الاسكندرية بلقب بابا. ولكن المترجمين يضيفون فى بعض المواضع فى المتن(وخاصة فى الترجمات اللاتينية) كلمة "بابا" لأسقف روما فقط وحصريا عليه. ثم يجردون أسقف الاسكندرية بما فى ذلك القديس أثناسيوس الرسولى من أى لقب. عِلما بأنه على الصعيد التاريخى البحت كان أول من أُطلِق عليه لقب "بابا" هو "ياروكلاس" (أو هيركلاس) اسقف الاسكندرية، البابا الثالث عشر فى عداد باباوات الاسكندرية. وقد قال القديس غريغوريوس النزينزى عن اسقف الأسكندرية "إن رأس كنيسة الأسكندرية هو رأس العالم"، عندما لم يكن للوضع السياسى المدنى شأن بترتيب الكنائس الرسولية (أنظر، متى المسكين، القديس أثناسيوس، مرجع سابق، ص 49، هـ6).
[73] - هذه المدينة (وتكتب أيضا فى مواقع البحث بالشكل "بروا" ) هى مدينة حلب السورية حاليا. وجدير بالذكر أن هذه المدينة قد تعددت اسماؤها عبر التاريخ كما تنوعت تفاسير اسمها الحالى نفسه "حلب". ما يهمنا هنا هو أنها قد عُرِفت بإسم Bereoa بيروا (أو بيرية) طوال العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية. ويرى البعض أنها المدينة التى ذُكِرت بإسم "آرام صوبا" في سِفر الملوك الثاني من كتاب العهد القديم.
[74] - هذا هو الشكل الاساسى لإسمه باللغات الاجنبية، ولكن الكتابات العربية تبنت شكل (قسطنطين) ربما لتخفيف النطق، مثل الشكل المتعارف عليه فى العربية (بطليموس)، بينما هو أساسا بتولمى، ولذا كتبه بعض الباحثين بطلميوس. ولا مانع من التعرف على هذه الاشكال المختلفة، وفى غياب اللسان الأصلى للغة، يختار كل ما يسهل له.
[75] - الرومانية الغربية. وهذه الفترة هى الفترة التى كان فيها قنسطنطين الكبير حاكما للقسم الغربى (313- 337م)، وليسنوس حاكما للقسم الشرقى.
[76] - انظر "ابصالية" يوم الجمعة بتسبحة نصف الليل اليومية بالكنيسة القبطية الأسكندرية، فى كتاب "الابصلمودية السنوية".
[77] - وهو "الراية" الحربية التى كانت تُحمَل فى طليعة القوات. وقد صارت منذ عهد قنسطنطين الأول أو الكبير، يُرسَم عليها الحرفان الأولان من اسم السيد المسيح، باليونانية كما فى الصورة المرفقة.
[78] - يقصد وسائل التكفير عن الذنب، وهو ما عبَّر عنه كاسيان فى محاوراته بوسائل "الترضية" أى إكتساب رضاء الله. أنظر المحاورة رقم 20 لكسيان، ترجمة المعرب.
[79] - هى مدينة إزميت الآن بتركيا، بالقرب من اسطامبول (اسلامبول).
[80] - أى السخرة.
[81] - أيضا أحد أنواع السخرة.
[82] - ألاحظ هنا الأثر القانونى لسوزمينوس عند تسجيله لهذا المرسوم ودقة الوصف القانونى "للإجراءات" كأنها تجرى اليوم فى زماننا، من ناحية. ومن ناحية أخرى، تعكس هذه "الاجراءات" نظام تشريع غير مستبد، رغم أن الحُكم فى ظاهره ملكى مطلق. إذ يقول سوزمينوس أن هذه الاجراءات وقَّع عليها الامبراطور[ أى صدَّق عليها بتعبيرنا الحالى]. أليس ذلك هو ما يجرى حاليا فى أيامنا فى الأنظمة الجمهورية عندما يصدر قانونا بمرسوم جمهورى.
[83] - مثل تأليه الأباطرة.
[84] - معبد وثنى.
[85] - للأسف هذه العادة مازالت قائمة فى البلاد الافريقية جنوب الصحارى كعادة اجتماعية عامة وعادية فى تلك المجتمعات. حيث تسعى الشابات بإختيارها الحر والعلنى، وبرضا الأب والأم، إلى المعاشرة الجنسية المبكرة قبل الزواج، للتأكد من قدرتها على الانجاب، ولإثبات صلاحيتها من ثمة للزواج. وتحاول الارساليات المسيحية معالجة هذا الأمر على قدر ما تستطيع.
[86] - القوط (باللاتينية: Gothi) قبائل جرمانية شرقية، قَدِمَت حسب أرجح الآراء من إسكندنافيا إلى وسط وجنوب شرق القارة الأوروبية.
[87] - "إستر"، هو النهر المعروف حاليا بالدانوب فى رومانيا الحالية، والاسم يعنى إله النهر لسكيثيا وشمال اوربا.
[88] - مثل خيمة الاجتماع واللاويين.
[89] - نلاحظ هنا اشارة طقسية شيقة لدارسى تاريخ الطقوس. فى عبارة "الذى يدعوه اليهود يوم أول الأسبوع والذى يخصصه الوثنيون للشمس". ومازال هذا السبب منعكس على اسم هذا اليوم فى اللغة الانجليزية Sunday.
[90] أى يومىَّ الأحد والجمعة كما سنرى حالا، بل يُعبَد الرب بالصلوات والتضرعات. لقد كرَّم يوم الرب لأن المسيح قام فيه من الموت، واليوم المذكور توا (فى عبارة "اليوم قبل السابع") وهو الجمعة، لأن يوم السبت هو اليوم السابع، تكريما ليوم الصلب كما سيذكر سوزمينوس حالا.
[91] - أى وقت كتابة سوزمينوس لعمله هذا فى حوالى 439م. أنظر المقدمة للمعرب.
[92] - أى تبنى الرهبنة.
[93] - أى المُعتمدين.
[94] - أى فى أيام كتابته لهذا العمل. أنظر مقدمة المعرب
[95] - أى الذين عُذِّبوا ولكن لم يستشهدوا بدنيا.
[96] - ومن ذلك نعرف أن شريعة قطع أطراف الانسان "خَلف خِلاف" التى أخذ بها عرب الجزيرة فيما بعد كانت واحدة من بين العديد من الأمور التى ورثها الحكم العربى من الامبراطوريات الغابرة.
[97] - اسم هذه المدينة ورد فى الترجمة الإنجليزية لعمل بالاديوس "حوار عن فم الذهب" بالشكل Trimithus.
[98] - لعل المقصود بذلك أنها كانت راهبة، حيث كان يُطلَق على الراهبات فى الزمن المبكر لقب "عذارى".
[99] - هى بيروت الحالية بلبنان.
[100] - مت6:9.
[101] - ويعرف فى الكتابات اليونانية القديمة quadragesima. وبالنسبة لمدته فى ذلك الزمن أنظر المحاورة الشيقة لكاسيان، رقم 21، فى "المحاورات" ترجمة المعرب.
[102] - تيط 15:1.
[103] - أى وجهة نظرهم إزاء مناحى الحياة. وتعبير سوزمينوس هنا ترديد لمفهوم "الغنوسية المسيحية" أى "المعرفة المسيحية" ولما كانت كلمة فلسفة تعنى لُغويا "محبة الحكمة" أى محبة المعرفة الجيدة. فمن هنا استخدمها سوزمينوس اصطلاحا للرهبنة بإعتبارها ، فى نظره، الطريق للمعرفة "الحقيقة" لله.
[104] - "أوجاع" هى الكلمة التى تُتَرجم أيضا إلى "أهواء" والتى كانت موضوع كُتُب القِسم الثانى من عمل كاسيان "الأنظمة"، أنظر ترجمته للمعرب.
[105] - اليهودى.
[106] - أى من أتباع فيثاغورس.
[107] - يُلاحظ هنا أن الجماعة التى تكلم عنها فيلو المؤرخ اليهودى الاسكندرى، والتى كانت تحيا بالقرب من بحيرة مريوط الحالية، دون أن يذكر جنسيتهم أو ديانتهم، يقول سوزمينوس هنا صراحة أنها كانت تتكون من العبرانيين. وهو بهذا أول من نعتها بوضوح هكذا. وفى نظرى لعلها كانت امتدادا لحركة الآسينيين القديمة فى وادى قمران.
[108] - واضح هنا من وصف سوزمينوس، أنه أخذ كلمة monastery بمعناها اللُغوى وهو مسكن الراهب أو الناسك، وليس بمعناها الاصطلاحى وهو الدير المسوَّر بشكله الحالى.
[109] - الزوفا أو بالإنكليزية (بالإنكليزية: Hyssop) هو عشب يُعرَف أيضاً بأشنان داود. موطنه الأصلي حوض البحر الأبيض المتوسط. يكثر في الأراضي الكلسية المشمسة. ويعتبر أحد أنواع النباتات التي تنمو في المستنقعات المالحة في أماكن كثيرة من العالم. له استعمالات طبية عديدة، ولكن يمكن استخدام بعضه كغذاء للإنسان، ويمكن تخليله. أنظر شكله وفوائده الطبية العديدة بإحدى مواقع البحث الإلكترونى.
[110] - يحلو لسوزمينوس، كما قلنا سابقا، نعت الرهبنة طوال هذا العمل بالفلسفة، إذ كان يراها "حُب الحكمة الحقيقية" التى هى معرفة الكلمة الإلهى. أنظر التمهيد للمعرب.
[111] - بينما يحاول البعض الاعتراض على هذا العامل، فإن الدراسة التاريخية المحضة، ترى أنه كان بالفعل أحد عوامل اللجوء الى الصحارى، ثم التنسك، ليس فقط فى مصر ولكن فى كل بلاد الشرق، وهى البلاد التى عانت من اضطهادات مريرة عديدة، دينية ومذهبية عبر القرون الوثنية والمسيحية والاسلامية، وما زالت تئن بأنواع شتى حتى الآن. أنظر عن ذلك، رسالة المعرب لنيل الماجستير. وتاريخ أديرة وادى النطرون، ايفيلين هوايت، ترجمة المعرب. و"الرهبنة القبطية ما لها وما عليها"، مذكرات للمعرب.
[112] - أى القديس انطونيوس الكبير، أول رهبان مصر.
[113] - أى الحمَّامات العامة، آنذاك المليئة بالموبقات.
[114] - مثل القديس هيلاريون، أو إيلاريون (الملقب بأنطونيس فلسطين) أنظر سيرته للمعرب.
[115] - القديس الأنبا انطونيوس الكبير مؤسس النظام الرهبانى فى مصر.
[116] - قلنا أن سوزمينوس كان يرى الرهبنة هى المعرفة الحقيقية لله، ومن هنا عبَّر عنها طوال عمله هذا بالفلسفة. أنظر مقدمة المعرب.
[117] - بالطبع اعتمد سوزمينوس هنا على بالاديوس. أنظر "التاريخ الرهبانى فى أواخر ق4م"، للمعرب.
[118] - هذا التقليد الشفاهى كان قد سجله بالاديوس وروفينوس وجيروم وكاسيان كتابة . وكانت هذه الأعمال بالطبع متاحة وفى متناول اليد فى تلك الفترة التى بدأ فيها كتابة تاريخه هذا. وقد شكَّلت بالطبع مصادرا اساسية لتاريخه هذا وإن لم يذكر اسماء مَن نقل عنهم.
[119] - أى للرهبنة.
[120] - يجب ملاحظة أن هذه الشيعة لم تكن بدعة فى العقيدة والإيمان، ولكنها كانت تمثل موقفا متشددا من جهة "الساقطين" بالضعف البشرى.
[121] - هو البابا بطرس الأول، السابع عشر فى عداد بابوات الاسكندرية، والذى كانت حبريته فى حوالى(302-312م).
[122] - البابا الثامن عشر فى عداد باباوات الاسكندرية. ويُلفَظ أيضا ارشيلاوس.
[123] - البابا الأسكندري التاسع عشر من باباوات الأسكندرية (312-328م).
[124] - هو الاسقف الاريوسى، المعروف فى الكتابات العربية بيوسابيوس القيصرى، أول من كتب تاريخ الكنيسة بصفة عامة. فرغم أننا نعتمد إلى حد ما على تاريخه، إلا أننا بالطبع نتحفظ بشدة على أى رأى عقيدى يبديه صراحة أو ضمنا. كما نتحفظ فى أرائه التاريخية ذاتها فى مناصرة طرف ما أو هجوم على طرف آخر، حيث أن الحيادية المطلقة أمر غير وارد للبشر.
[125] - "اسكيثوبوليس" باليونانية، هى مدينة "بيت شان" بالعبرية، وبيسان بالعربية. وهى حاليا فى شمال شرق القدس، بدولة اسرائيل السياسية الحالية.
[126] - أى فى أيام كتابة سوزمينوس لعمله هذا.
[127] - غريب حقا أن يطلبوا ذلك منه، وقد نقضوا هم ابسط القواعد الكنسية وهى عدم التدخل فى ايبارشية الآخرين، سواء على مستوى الكراسى، أو على مستوى الاساقفة الخاضعين لأسقف الكرسى الرئيسى فى كل قطر. لقد كانوا بذلك أول مَن خلق النزاع المسكونى فى نظرى.
[128] - هى مدينة قرطبة الحالية بجنوب اسبانيا، وقد تنوع هجاء اسمها اللاتينى فى الترجمة الانجليزية ذاتها بين مترجم عمل سوزمينوس وبين المصادر الانجليزية الأخرى، مما يدعم وجهة النظر التى أشرتُ إليها فى التمهيد عن كتابة الأسماء.
[129] - هى مدينة إزنيق الآن بتركيا.
[130] - هو نهر العاصى الآن.
[131] - هو البابا الكسندروس الأول، التاسع عشر فى عداد باباوات الاسكندرية (312- 328م).
[132] - يذكر سوزمينوس هنا أن عدد أساقفة الكراسى الذين حضروا هذا المجمع كان 320 أسقفا. أما الكنيسة القبطية فترى فى "صلاة تحليل الخدام" بالقداس الإلهى أنهم كانوا 318 أسقفا. هذا ويقول د/أسد رستم فى كتابه "كنيسة أنطاكية العظمى"، حـ1، ص 199 أن المراجع تختلف فيما بينها فى عدد الأساقفة الذين حضروا هذا المجمع. المعرب
[133] - ولهذا رتبت الكنيسة أن يُحاكِم الكهنة، مجلس كهنة الايبارشية مع الأسقف.
[134] - يذكرنى خطاب قنسطنطين هذا بكلام النوتية ليونان النبى.
[135] - أى بحياة الإمبراطور.
[136] - ما زال هذا الجنس يقطن أساسا شمال العراق، ولكن بعضهم يتواجد فى أماكن شتى من دول العالم.
[137] - أى يوسيبيوس القيصرى المؤرخ، أسقف قيصرية فلسطين.
[138]- لاحظ هنا، مَن هو الداعى إلى أول مجمع مسكونى.
[139] - Son is consubstantial with the Father . عن المدلولات اللاهوتية "للطبيعة" و"الجوهر" و"الاقنوم" و"الهيبوستاسيس"، و"الاموسيووس"، و"الأموأوسيوس"، والتى سترد على مدى عمل سوزمينوس هذا. رجاء الرجوع إلى القسم اللاهوتى من كتاب "القديس أثناسيوس الرسولى "، للأب متى المسكين، نشر دير انبا مقار.
[140] - حرفيا المبتدأون فى الايمان.
[141] - ولهذا عُرِف عنه أنه "نصف أريوسى"، وإن كان قد حاول فيما بعد أن يُبرر تردده هذا.
[142] - اى اريوس.
[143] - أو كرستوس.
[144] - 1يو16:5.
[145] - لاحظ هنا إغفال الأمر الإلهى "كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى...".
[146] - هنا أقول للذين رأوا أن سوزمينوس قد "نسخ" من سقراتيس، أن الحدث التاريخى من حيث هو حدث ماضى هو مشاع للجميع، ولكن الموقف منه يختلف من شخص لآخر. وها نحن نرى هنا الموقف الشخصى لسوزمينوس من هذا الحدث الذى يختلف بوضوح عن سقراتيس.
[147] - اسيوط حاليا.
[148] - أى البابا بطرس الملقب بخاتم الشهداء.
[149] - زك20:14
[150] - يوضح سوزمينوس هنا أن من ضمن مصادره، "التقليد" الصحيح السند، والسجلات المدونة سلفا.
[151] - أو هيلينا، كما لفظها البعض.
[152] - من الواضح أنه فى القرون الأولى كان يُطلَّق على المتبتلات أو المكرسات أو الراهبات إسم "العذارى". فنسمع عن القديس انطونيوس أنه قد أودع أخته "بيت" [أى دير، بالمعنى الحالى] للعذارى. وأن القديس آمون أودع زوجته لدى "العذارى".. وهكذا.
[153] - ويلفظها البعض أيضا أوغسطا.
[154] - أى المدن الكبيرة.
[155] - مدينة إزميت الآن بتركيا.
[156] - العاصى الآن.
[157] - "تُرُوى" هى المعروفة بالعربية بمدينة طروادة. وقد اكتشفت بعثة المانية أطلالها حديثا، وكانت تقع فى جنوب غرب اناتوليا بتركيا حاليا وفى شمال غرب الدردنيل (الذى كان يُعرف بإسم هيلسبونت).
[158] - هيلسبونت مضيق بحرى يربط بحر إيجة ببحر مرمرة، ويفصل المضيق ما بين شاطئ آسيا الصغرى وشبه جزيرة جاليبولي في الجانب الأوروبى، وهما من الأراضي التركية. ويُعرف حاليا بالدردنيل. وكان هذا المضيق مسرحا لمعركتين حربيتين أولاهما بين قنسطنطين وابنه الأكبر سنة 324م.
[159] - أى فى زمن سوزمينوس.
[160] - ويكتبها البعض أيضا، "تيراس". وهي منطقة تاريخية وجغرافية في جنوب شرق البلقان تضم شمال شرق اليونان وجنوب بلغاريا وتركيا الأوروبية. وتطل تراقيا على ثلاث بحار: البحر الأسود، وبحر إيجة، وبحر مرمرة، وهناك تداخل في حدود تراقيا التاريخية وحدود مقدونيا التاريخية.
[161] - ترِد فى الكتابات العربية المصرية بالشكل "خلقيدونية"، و"خلقيدونيا". كما ترد فى مواقع البحث أيضا بالشكل خلقدون. كما تنوع لفظها أيضا فى اللغة الانجليزية (أنظر مواقع البحث تحت كلمة خلقدون) وهى الآن ضاحية من مدينة اسطامبول بإسم (قاضى كوي) Kadıköy
[162] - بيثينيا هي منطقة قديمة في شمال غرب آسيا الصغرى، تجاور بحر مرمرة والبسفور والبحر الأسود.
[163] - بيزنطة، أو بيزنطية، أو بيزنطا، بالانجليزية Byzantium. هي مدينة إغريقية قديمة كانت تقع علي مضيق البوسفور بتركيا. أُسسها بيزاس ابن نيسوس ملك ميغارا عام 658 ق.م.، فدُعِيَّت بإسمه. وفي عام 335م جعلها الإمبراطور قنسطنطين عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية، فأصبح يُطلَق عليها القنسطنطينية. وعندما غزا العثمانيون هذه البلاد أطلقوا عليها (إسلام بول). ثم دُعِيَت الآستانة. وحاليا تُعرف بإسم إسطنبول أو اسطمبول.
[164] - وتكتب أيضا فى الكتب العربية القديمة "اسطر". وهو نهر الداونب حاليا.
[165] - أو قورين، أو قوريني، أو قورينا. هى مدينة تاريخية قديمة يونانية ورومانية بالقرب من المدينة الحالية "الشحات" في الجبل الأخضر بأقصى شمال شرق ليبيا، وتبعد عن مدينة البيضاء بحوالي عشرة كيلومترات.
[166] - "بوريوم" هى المدينة المندثرة "البوريقة" بالقرب من "بنغازى" الحالية بليبيا.
[167] - أو جوليان أو يوليان.
[168] - استاديا، معربة لفظا للكلمة الانجليزية stadeعن اللاتينية stadiumعن اليونانيةstadion ، هى أساسا وحدة قياس اغريقية قديمة للمسافات، وعرَّفها هيرودوت بأنها تساوى 600 قَدم. ولما كانت هناك أطوال مختلفة للقَدم تبعا للدول، فإن طولها بالضبط قد اختلف أيضا على الصعيد المكانى تبعا للدول، وعلى الصعيد الزمنى من حقبة لأخرى للبلد الواحد . أنظر عن ذلك :
Gulbekian, Edward (1987). "The Origin and Value of the Stadion Unit used by Eratosthenes in the Third Century BC". Archive for History of Exact Sciences 37: 359–363
[169] - طبعا ذلك لحكمة إلهية حتى لا يُنسَب الشفاء إلى المادة المستخدمة لإظهار الفعل الإلهى.
[170] - انظر عن ذلك "صلاة الصلح" بالقداس الغريغورى، للكنيسة القبطية، "لا ملاك ولا رئيس ملائكة إتمنته على خلاص جنس البشر...".
[171] - هى مدينة الخليل الآن بالضفة الغربية.
[172] - اسقف قيصرية، وهو كما قلنا سابقا شبه اريوسى.
[173] - وثنية من الوثنيين.
[174] - التى للوثنيين.
[175] - "إلى المدينة" بالطبع من السهل تصور المقصود بهذه العبارة، وهو "إلى العاصمة". والطريف أن كلمة "اسطمبولى" الدارجة فى الخطاب الشعبى الشرقى، تعنى "نحو المدينة" أو "إلى المدينة".
[176] - أى الفرنسيون.
[177] - يمكننا أن نتصور هذه الشعوب عندما نعرف مسار نهر الدانوب. فهو أطول أنهار الإتحاد الأوروبي. ويعبر أو يحاذي عشرة دول أوروبية. وينبع من الغابة السوداء في ألمانيا ويصب في البحر الأسود مُكَوّناً دلتا تشترك فيها ثلاث دول هي رومانيا ومولدافيا وأوكرانيا.
[178] - نلاحظ هنا أن سوزمينوس يحدد هذا الجنس بأنه يعيش (فيما وراء أرمينيا). وهذا صحيح حيث هناك أجناس ايبيرية نزحت الى القسم الشرقى خلال القرون السابقة للميلاد وشكلت القبائل التى اطلق عليها المؤرخون اليونان والرومان القدامى الايبريين الشرقيين، أو القوقازيين. وهم خلاف سكان شبه جزيرة أَيْبِيرِيَا التى هى دول جنوب غرب أوربا حاليا.
[179] - ويُكتب فى الكتب العربية القديمة أيضا بالشكل "شابور" وهو بن هرمز بن نرسى، ويلقب بذى الأكتاف لدى المؤرخين العرب. وهو سابور الثانى الذى حكم بلاد فارس (ايران الحالية) فى الفترة 309- 379م.
[180] - من التاريخ المدنى نعلم أن هذا المرسوم بفرض ضرائب ثقيلة على المسيحيين صدر حوالى سنة 344م.
[181] - تكرر هذا الاسلوب فى ازمنة أخرى، مثلما فعل بعض الحكام العرب مع قبط مصر، أنظر تعليق عبد العزيز جمال الدين فى مقدمته على تاريخ البطاركة المنسوب لساويرس بن المقفع، نشر مكتبة مدبولى، ص19.
[182] - واضح اذن من اشارة سوزمينوس هذه أن اللون الأسود كان على الأقل منذ زمن سوزمينوس هو لون الحداد فى الشرق.
[183]- تعيد الكنيسة القبطية بتذكار استشهاده فى اليوم التاسع عشر من شهر برمودة القبطى وتسميه (سمعان الأرمنى اسقف بلاد فارس الذى استشهد ومعه 149 آخرون فى زمن سابور بن هرمز ملك فارس). وهو مذكور أيضا فى سجلات شهداء الكنيسة اليونانية والكنيسة الرومانية. ويحتفلون بتذكاره فى الغرب يوم 23 ابريل. ويرى البعض أن استشهاده كان حوالى سنة 344م.
[184] - هذا يردد أصداء قصة "سوسنة العفيفة" المذكورة فى العهد القديم.
[185] - أى المجوس.
[186] - نلاحظ هنا تأثير سريانى فى الاسم، أو ربما أن صاحبه سريانى بالفعل، فالإسم يعنى "عبد ايسوس" أى عبد المسيح بالعربية.
[187] - واضح أنه آخر، وليس مكررا.
[188] - ولكن بالطبع اسماءهم منقوشة فى سفر الحياة أمام العرش الالهى.
[189] - يقصد الذبائح الدموية.
[190] - وثنية.
[191] - أى أن سوزمينوس مُقتنعٌ بأن اعتلاء أثناسيوس الرسولى لكرسى الاسكندرية كان بإرادة إلهية. أنظر (2/17/6) بعده.
[192] - واضح هنا تميز سوزمينوس، بوصفه مُلم باللغة السريانية، بمصادره السريانية عن سقراتيس. مما يجعل كلاهما يُثريان معا التاريخ الكنسى.
[193] - نلاحظ أن كلمة " قيل"، هنا قد يُفهم منها أنه يسجل كلاما سماعيا، لكنها فى الواقع ليست كذلك كما أشرنا فى مقدمتنا فهذه الرواية وردت فى تاريخ روفينوس الذى سجله كملحق لكتاب يوسيبيوس القيصرى.
[194] - يقصد البابا الأسكندرى بطرس الـسابع عشر فى العدد.
[195] - يقول الاب متى المسكين، فى كتابه "القديس أثناسيوس ..." (ص57 ، 58) أن هذا المجمع قد دبَّر له اسقف نيقوميديا الاريوسى عن قصد ليُطيح بأحد أنصار مجمع نيقية الأوفياء، وذلك عن طريق تلفيق تهم معينة بعيدة عن العقيدة وإنما تمس الذات المَلكية. وحقق ما يريد سنة330م وظل فى منفاه حتى توفى سنة 358م. ولكن الشعب الانطاكى لم يقبل بديلا عنه طوال حياته، وظل كذلك لمدة طويلة بعد وفاته.
[196] - أى الامبراطور.
[197] - أى قد اتهم يوسيبيوس النيقوميدى وثيوجنيس، البابا أثناسيوس الرسولى.
[198] - الأسقف الميليتى الذى رسمه المليتيون بعد وفاة مليتيوس إمعانا فى ترسيخ الشقاق فى الكنيسة المصرية.
[199] - يقصد كل مَن يريد الإنضمام الى الكنيسة.
[200] - وهو الأمر الذى لم يف به كما سنرى.
[201] - السياسة هى السياسة فى كل زمان ومكان، فتبا لها. فبينما نقرأ هذا الكلام من قنسطنطين ونعجب به على إدراكه للإفتراءات وإنحيازه للحق وللعدالة دفاعا عن البرىء كما قال، وعن سلام الكنيسة، سنرى بعد قليل كأس المر الذى أذاقه لأثناسيوس هو وإبنه قنستانتيوس من بعده، ومع ذلك ينعته كاتب سيرته بالسنكسار القبطى "بالقديس"!!، وتُلّقبه الابصلمودية السنوية "بالبار"!!، ورغم أنه مُعمَّد من اسقف أريوسى، فى رأى أغلب الباحثين حتى الآن.
[202] - "الهندية" هكذا وردت فى النص الانجليزى لدى سوزمينوس وكذلك سقراتيس وثيودريت. وفى الواقع، اعتمد هؤلاء جميعا بصفة رئيسية على عمل روفينوس الاكويللى التاريخى، الذى قام بترجمة كتاب يوسيبيوس القيصرى "تاريخ الكنيسة" إلى اللاتينية بتصرف كبير كما ذكر، وأضاف إلى هذه الترجمة كتابيَن من عنده ليروى تاريخ الكنيسة من حيث انتهى يوسيبيوس إلى أيامه هو. وهذا الفصل لدى سوزمينوس وسقراتيس ومَن بعدهما من المؤرخين، يعتمد هنا على رواية روفينوس مع تغيير طفيف فى بعض التفاصيل. المهم بالرجوع الى روفينوس تبين لى أنه قد استخدم بالفعل كلمة "هند". ويُعلق Michael whitby فى ترجمته لعمل روفينوس أنه استخدم عبارتىَّ India citerior & India ulterior وترجمهما إلى( & further India hither India). ثم قال أن روفينوس كان يقصد بلاد ساحل البحر الاحمر حاليا، وأن المملكة التى يشير إليها هى مملكة أكسوم التى هى حاليا أثيوبيا. وبذلك اتفق النص هنا مع الترجمات القبطية القديمة التى تربط فرومنتيوس بالحبشة. ويمكننا بالتالى فهم السياق التاريخى الوارد فى هذا الفقرة، بيسر.
[203] - الفيلسوف اليونانى القديم، وليس المؤرخ القسطنطينى فى القرن الخامس الميلادى السابق الذكر والذى كتبناه بالشكل سقراتيس تمييزا له عنه.
[204] - هى صُور بدولة لبنان حاليا.
[205] - أى ( البلاد الداخلية للبحر الاحمر) كما قلنا فى هامش سابق.
[206] - يمكننا أن نتصور هنا خط الرحلة من صور الى "الهند" هذه بأنها كانت برا من صور الى ميناء ما على خليج السويس الحالى، ثم مركبا من هناك إلى الجهة التى ينوى الذهاب إليها. ومن هنا قال أنه ركب مركبا "إلى مصر".
[207] - لم يزودنا روفينوس بإسم هذا الميناء رغم أنه استقى القصة من اديسيوس كما قال، وكذلك لم يذكر سقراتيس ولا سوزمينوس أى شىء وهما أقرب زمنيا إلى هذه البلاد، ولا حاول أحدهما تحقيق الرواية جغرافيا، غير أننا يمكننا أن نخمن أنه كان فى مكان ما على الساحل الشرقى للقرن الأفريقى، فكل الدلائل تشير الى أن المملكة المشار إليها هى مملكة اكسوم القديمة (أى اثيوبيا اليوم).
[208] - فى الواقع ظل تسمية سكان المناطق الداخلية لإفريقيا فى الكتابات الغربية حتى العصور الوسطى هى الهنود. على غرار الهنود الشرقيين، والهنود الحمر فى قارة امريكا.
[209] - أى إلى ملك أكسوم. ومن التاريخ الإثيوبى نعلم أنه كان على الأرجح ابرهة الأول أو إيزانا. ويذكر لوريمر فى كتابه "تاريخ الكنيسة"، ص26، نشر دار الثقافة، أنه توجد بالفعل نقوش على أحجار يرجع تاريخها إلى عصر الملك ايزانا (325-350م) تشير إلى تحوله إلى المسيحية. كذلك وصلتنا عملات أثرية ترجع إلى ذات الفترة عليها بالفعل علامة الصليب. ويرى أن هذا الملك هو الطفل الذى ساعده فرومنتيوس فى الحكم.
[210] - بالفعل تحدثنا التواريخ المبكرة عن علاقات تجارية نشطة بين مملكة اكسوم والاقطار الرومانية عبر الموانىء المصرية وأنها ظلت كذلك الى القرن العاشر الميلادى. أنظر تاريخ المسيحية الشرقية لعزيز سوريال عطية، ترجمة اسحق عبيد، المجلس الأعلى للثقافة، 2005م، ف8. وكذلك، يوسيبيوس القيصرى، "حياة قنسطنطين"، 1:7:4.
[211] - أى واصفا له حالة شؤون الحبشة (التى هى مملكة أكسوم آنذاك، واثيوبيا حاليا).
[212] - لاحظ هذه الكلمة، التى تقدم لنا درسا من وراء الدهور.
[213] - أى "وهكذا كان أصل الكهنوت الاثيوبى". واضح أن سوزمينوس وسقراتيس لا ينقل من المصدر الذى يعتمد عليه نقلا مباشرا، ولكنه يصوغ ما قد قرأه بأسلوبه الخاص. فالقصة وردت لأول مرة لدى روفينوس الاكويللى (صاحب هستوريا مونوخورم باللاتينية، انظر التاريخ الرهبانى، للمعرب) الذى يقول أنه قد سمعها من فم اديسيوس مباشرة. وهى مذكورة لديه بحوار شيق، بين البابا اثناسيوس الرسولى وفرومنتيوس فى كتابه "ت.ك."،9:10. وقد نقل عنه هذا الحدث، كاتب تاريخ البطاركة فى حياة البابا اثناسيوس. أما عن كرازة فرمونتيوس فى الحبشة، فهى معترف بها فى سائر الكراسى الرسولية التى تعتبر فرومنتيوس مبشر الحبشة، وقديس تحتفل بتذكاره الكنيسة الكاثوليكية فى الغرب يوم 27 أكتوبر، والكنيسة القبطية يوم 28 ديسمبر، وبالطبع الحبشة فى أول أغسطس. وتدعوه الكنيسة الحبشية "أبونا" وهو لقب لا يعادل نفس الكلمة لدى الاقباط، وإنما يُطلَق فى الحبشة على الاسقف أو البطريرك، كما تدعوه "آبا سلامة " أى "أبو السلام" وأيضا بلغتهم "Kesate birhan " أى "مُعلِن النور" أو "كاشف النور". والواقع أن هذا اللقب الأخير قد أطلقت قبيلة اوكمبانى فى كينيا مثيلا له على الأب سيرابيون المقارى الذى كان أول مَن خدم هذه القبيلة فى سبعينات القرن العشرين، حيث سمَّته "فاذر موتيسـو" وكلمة "موتيسو" بلغتهم تعنى "فج النور" أى ما يقابل بلغتنا "الفجر". أى "أبو الفجر". وقد تشرَّف المعرب بالإشتراك معه فى وقت لاحق فى خدمة هذه القبيلة لبعض الوقت. وقد صار الآن فى العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين الميلادى، من أبنائها، كهنة مباركين يخدمون رفقائهم، وراهبة أيضا بأحد أديرة الراهبات بمصر.
[214] - الذى عينه مليتيوس خليفة له.
[215] - اى اسخاريوس.
[216] - لاحظ أثر مهنة المحاماة التى كان يمارسها سوزمينوس على أسلوبه التاريخى، من كلمات مثل "دحض"، و"طلب تأجيل" و"استكمال الفحص"..الخ.
[217] - يقصد أن القضاة لم يوّقعوا القصاص القانونى عليهم سواء لإدعائهم بتهم لا أساس لها، أو على الشهود لشهادتهم شهادة زور.
[218] - لاحظ هنا خبرة سوزمينوس كمحامى.
[219] - استخدم سوزمينوس هنا، مثل سقراتيس، تاريخا date بدا مفهوما فى أيامهما، ولكن يتفاوت تقديره الآن من كاتب لآخر، وذلك لإختلاف نظم التقويم الحالية( وهذه محل دراسة خاصة بها، خارج سياقنا الآن). على أية حال يذهب الأب متى المسكين فى كتابه "القديس أثناسيوس" أن مجمع التدشين هذا كان فى حوالى سنة 341م.
[220] - أو اوزيوس.
[221] - مت 19:28.
[222] - عما كان يقوله سلفا، وبسببه حُكِم عليه من مجمع نيقية.
[223] - "مصر وطيبة" تعبيرٌ فى الكتابات القديمة يقابل اليوم "وجه بحرى، ووجه قبلى" أو "مصر السفلى" و"مصر العليا"(الصعيد). أنظر "التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى" للمترجم، نشر دار باناريون.
[224] - لاحظ هنا أسلوب الترهيب، وأن الذى يستخدمه رجال الاكليروس الأعلى(حسب الظاهر). فهل السلطة الزمنية المدنية هى التى تملك تقرير "صحة العقيدة" من عدمها، أم أن ذلك من اختصاص "السلطة الدينية العليا". ولكن بالطبع بما أنهم اريوسيين كان لابد من أن يبحثوا عن "سيف الحاكم" لدعم هواهم عملا بالقول العربى "الحاكم يُذِع بالسيف ما لا يذاع بالوعظ".
[225] - حسب آميدون، انعقد فى حوالى سنة 335م.
[226]- فهو كبشرى كان بالتأكيد يردد، ما يقوله أى فرد الآن فى أى موقف لا يعرف حقيقته اذا كان سليم الطوية، أو يتبنى آراء الطرف المُدعِى "معقول كل هؤلاء الناس على خطأ وأنتَ وحدك فقط الذى على صواب". وكثيرا ما سمعتُ هذه المقولة بنفسى من كثيرين فى دفاعهم عن موقف ما شرير، فى تجاهل تام لحقيقة "شهود الزور" وسهولة شراء الضمائر بالمال.
[227]- وأيضا هذه إحدى وسائل الادارة، فى أى مجال، التى تعتمد على استبعاد شخص ما من موقع معين أو دائرة معينة مع اليقين التام ببرائته من أجل تجنب شرور الطرف الآخر الأكثر شرا. مُسلِّمين أمر البرىء لله، أو متكلين على أن الله سيعينه ويقويه فى محنته.
[228]- الغال هى فرنسا حاليا، اما "تريف" فهى حاليا مدينة فى جنوب غرب ألمانيا ضمن مقاطعة "راينلاند- بفالز".
[229]- وهذا هو النفى الأول لأثناسيوس. ويقدره المسكين بحوالى 335- 337م.
[230] - لاحظ نعت أثناسيوس لقنسطنطين "بالطوباوى" رغم انحيازه للأريوسيين ونفيه له.
[231] - أى اريوس.
[232] - كان لقب العذارى فى ذلك الوقت يعنى المُكرسَات للخدمة الكنسية (أى الشماسات) كما فى حالة العذراء التى اخفت البابا أثناسيوس، أو الراهبات كما فى حالة آبا آمون النتريتى عندما أودع زوجته فى بيت للعذارى (أى دير، بالمفهوم الحالى) على سبيل المثال لا الحصر. أنظر: "التاريخ الرهبانى..." سابق الذكر.
[233] - يقصد هنا مجمع صُور الاريوسى الميليتى الذى عُقِد اساسا لنفى أثناسيوس، وكما نقول بالتعبير القانونى اليوم اصدر الحُكم قبل المداولة.
[234] - أنظر هامشنا رقم 201.
[235]- عن هذه الهرطقات وغيرها أنظر ورقتنا البدع والهرطقات منذ القرن الميلادى الأول وحتى اليوم.
[236] - أرى أن المقصود هنا أن الامبراطور قد أراد أن يُرعِب فقط أتباع الرطقات وليس اضطهادهم. وهذه – فى نظرى – كانت سياسة حكيمة منه، عكس مَن خلفوه الذين اضطهدوا عن عمد وبوحشية واساليب دموية الكنيسة غير الخلقيدونية كما سنرى حالا.
[237] - الصادر من مجمع نيقية.
[238] - باسيليوس الكبير صاحب القداس الشهير بإسمه فى الكنيسة القبطية.
[239] - إلى عقيدة الكنيسة الجامعة.
[240] - الاصغر.
[241] - تاريخيا عادت وبأكثر شراسة فى عهد يوليانوس (ليس المرتد كما يُنعَت فى كتب التاريخ، إذ لم يكن مسيحيا قط كما سنرى من عرض سوزمينوس هنا لاحقا) وإنما الخدّاع، والذى دام حُكمه مدة حوالى أربع سنوات.
[242] - يُكتَب بأشكال عدة: قنسطاطنتيوس، كونسطانطيوس، كونستانتيوس.
[243] - الكبير.
[244] - نلاحظ هنا الأصل التاريخى للقب "سيدنا" للأساقفة. حيث انتقل هذا اللقب من الوسط الرئاسى المدنى إلى الوسط الرئاسى الدينى، مثل غيره من الأمور التى سنشير إليها فى حينه.
[245] - أى يوسيبيوس القيصرى.
[246] - قنسطنطين هذا هو قنسطنطين الصغير أو الثانى، الإبن الأكبر لقنسطنطين الكبير.
[247] - أو تيراس كما قلنا سابقا.
[248] - قونسطانتيوس.
[249] - الكبير.
[250] - هذا المجمع المنعقد فى انطاكية فى حوالى سنة 340 / 341م لتدشين الكنيسة المذكورة عاليه، ويُعرف فى التاريخ بإسم "مجمع التدشين" أى مجمع تكريس الكنيسة الجديدة.
[251] - أريوسى. ويكتبه البعض أيضا جريجورى، وغريغوريوس.
[252] - هذه عبارة مطاطة لأن الجميع يمكن أن يرددها حتى الشيطان!! فإذا ما سألته وما هو الايمان الذى استلمته بالتقليد؟، فلسوف تجد عبارات ظاهرها كتابى وباطنها "هل حقا قال لكما الله..؟. ومِن هنا كان الإلهام الإلهى لأثناسيوس فى أن يربط هؤلاء الخبثاء بإصطلاح "هومووسيوس" ـ صحيح أنه لم يرد لفظا فى الأسفار المقدسة، لكنه ورد بالمضمون، ولا يستطيعون الانفلات منه. ومن هنا أيضا كانت الحرب الشعواء بلا هوادة ضد هذا المصطلح، وبشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة، وهذا ما أشار إليه سوزمينوس بالفعل توا بعده.
[253] - وهذا الفرض هو الأكثر صوابا، حيث كان يلجأ إليه دائما المبتدعون فى كل زمان وحتى الآن، من نسبة هرطقاتهم إلى شخصية مشهورة لدعم ابتداعهم فى عيون البسطاء. ويحضُرنى هنا مثلُ معاصر رواه لى أحد المرشدين السياحيين بقسم الآثار الفرعونية وكان بالطبع ملِّما جيدا باللغة المصرية القديمة فى خطها الهيروغليفى. هذا الشخص هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك وجد ذات يوم شخصا ما يطرق بابه ليدعوه إلى الإنضمام لشيعة معينة سبق أن تنبأ بها موسى النبى!!، وأن زعيمهم قد اكتشف وثيقة هذه النبوة وفسرها!!. فطلب منه هذا المرشد الاطلاع على صورة هذه الوثيقة، فأراه هذا "المبشر" بالجنة المفقودة، إياها بكل زهو وافتخار بالكشف النبوى المذهِل. وما أن رآها المرشد حتى انفجر ضاحكا، وقبل أن يخبره عن السبب شيَّعه إلى الباب قائلا: لا عليك يا رجل، فقد أوقعك حظك السىء أمام شخص قبطى. فالورقة هذه التى فى يدك هى زخرفة فرعونية بإسم أحد الملوك الفراعنة!!! الذين قبل عهد موسى النبى بقرون، وبالطبع قبل زعيمكم. وهذا فى الحقيقة ينطبق على سائر المبتدعين.
[254] - تعريب هذا الاسم بلقبه هذا هو(يوسيبيوس الحُمصانى) فمدينة "إمسينوس" هى مدينة حمص الحالية بسوريا.
[255] - إديسا هو الإسم الإغريقي لمدينة الرها باللفظ السريانى، وهى مدينة سريانية تاريخية في شبه الجزيرة الفراتية، وكانت عاصمة مملكة الرها. وتعرف حالياً باسم أورفة وهى عاصمة محافظة سارلى اورفا بجنوب شرق تركيا.
[256] - "اسكيثوبوليس" هى مدينة بيسان اليوم. وهي مِن أقدم مدن فلسطين التاريخية، وتقع حاليا على بعد 83 كم شمال شرق القدس، في شمال دولة إسرائيل السياسية.
[257] - هى مدينة حمص السورية اليوم.
[258] - هو مجمع أريوسى انعقد بمدينة صور فى حوالى سنة 335م وأُجبِر اثناسيوس على حضوره، ثم هرب منه، وقابل قنسطنطين الكبير، كما رأينا فى الكتاب الثانى.
[259] - ادريانوبل هى حاليا مدينة أدرنة بإقليم تراقيا بتركيا.
[260] - بابا روما.
[261] - هكذا وردت فى نص الترجمة الانجليزية(school of the apostles) . وعلى فرض أمانة المترجم من ناحية، وأن سوزمينوس قد عرض فقط الفاظهم، فإننى كنتُ أنتظر منه تعليقا مفسرا وشارحا لما يقصدوه بهذه العبارة. فمن جانبى، لا أفهم كيف كانت "روما" سواء القديمة أم الجديدة "مدرسة للرسل" !!. هل علَّم أهلها الوثنيون الرسلَ العبرانيين الايمان المسيحى؟!. أم علَّم اساقفة روما عندما آمنوا بالمسيحية الرسلَ؟!!. واضح إذن من هذه العبارة وأمثالها أن رسالة اولئك الهراطقة كانت، كما قال سوزمينوس، مليئة بالتهكم.
[262] - هنا أيضا مغازلة سياسية نفاقية فجة. فمن الممكن قبول مثل هذا الوصف على كرسى اورشليم أو انطاكية بغض النظر عن الأسكندرية. ولكن بالطبع هذه الكراسى كانت كراسى "مقاطعات" أى مجرد "ولايات" تابعة للتاج الرومانى، أما "روما" فهى عاصمة هذا الحُكم. وبديهى أن يؤثر الوضع السياسى العام، على الوضع الكنسى.
[263] - أى منذ مطلع الديانة المسيحية.
[264] - أى أبطل.
[265] - لاحظ المغالطة فى هذا الاستشهاد، وكيف أن الشيطان يستطيع أن يستغل كل الأحداث لدعم وجهة النظر الخاصة به فقط.
[266] - وتُكتَب أيضا ايلليريكوم. هى منطقة تمتد الآن من نهر درين(في شمال ألبانيا الحديثة) ولاستريا(كرواتيا) في الغرب ونهر سافا (البوسنة والهرسك) في الشمال. وسالونا(قرب سبليت في كرواتيا الحديثة). وقد تم تقسيمها إلى بانونيا في الشمال ودالماتيا في الجنوب.
[267] - حقا كما قال أحد آباء البرية لآبا كاسيان، ما معناه أن اعمال المتكلم وحياته الشخصية مرآة لصحة تعاليمه. فأين سلوك "هذا الأسقف" الدموى!! من موقف القديس غريغوريوس النزينزى الذى رفض أن يشغل الكرسى بالنزاع. انظر عن ذلك، سيرته للمعرب.
[268] - لم يعلق سوزمينوس هنا على هذه العبارة، ولكنه كمحامى يعكس عدم تأكده من هذه العبارة بكلمة "زعم"(he alleged) أى إدعى بلغة القانون.
[269] - هى مريوط الحالية فى غرب شمال مصر.
[270] - يكتبها البعض أيضا سيليسيا، وقليقية تبعا لأسلوب لفظ كل منهم.
[271] - أو تيراس، او تيراقيا أو تيراقية.
[272] - عرَّب الأب متى المسكين هذه الكلمة (بالقرار المُطوَّل) ولفَظَها "ماكروستخ".
[273] - سارديكا أو سرديكا هى اليوم مدينة "صوفيا" عاصمة جمهورية بلغاريا.
[274] - بانونيا هي مقاطعة رومانية قديمة يحدها من الشمال والشرق نهر الدانوب ومن الغرب نوريكوم وشمال ايطاليا وجنوبًا دالماسيا أو دالماتيا ومويزيا العليا. وهى تشمل حاليا أراضي غرب المجر وشمال كرواتيا وشمال غربي صربيا وسلوفينيا وسلوفاكيا الغربية وشمال البوسنة والهرسك.
[275]- "بوليتيكوس" نسبة الى المدينة، أى "المدنى" وهى مرادفة للقب الاسكندرى.
[276] - كما نلاحظ هنا وطوال عمله هذا، يعتبر سوزمينوس أن الرهبنة هى الاهتمام بالمعرفة الإلهية والبحث عنها والحياة بها ومن ثم يحلو له أن يدعوها "بالفلسفة" على اساس أن هذا اللفظ يعنى لغويا "حب الحكمة".
[277] - أى تبنى الحياة الرهبانية.
[278] - أى رهبنة باخوميوس.
[279] - رغم أن سوزمينوس يستخدم هنا كلمة "قيل" إلاَّ أنه من الواضح أنه يعتمد على "الانظمة" لكاسيان كما سيتضح بعده توا. مما يكشف لنا من ناحية أخرى سرعة انتشار عمل كاسيان وترجمته إلى اليونانية. أنظر، ترجمة المعرب لأعمال كاسيان، تحت الطبع.
[280] - استخدم سوزمينوس هنا كلمة يونانية أُستخدمت لفظا فى اللاتينية ودخلت بشكلها اللاتينى إلى الانجليزية كما هى، وهى كلمة tiara. وهذه فى شرح المصادر لها تعنى غطاء الرأس الذى كان يرتديه باباوات روما قديما، وهو طويل ومخروطي الشكل، مصنوع من القماش أو الجلد وغنى بالزخرفة. وهو يُشبه تاج الفراعنة الذى نشاهده فى الآثار. وبالطبع هذا الشكل لم يكن هو غطاء الرهبان الطبانسيين على ما أعتقد حاليا. ومن شرح المصادر الاجنبية لغويا لهذه الكلمة يظهر لى أنها تماثل ما يُعرَف بالعامية المصرية "بالطرطور" والذى نرى مثالا له فى لباس الرهبان الفرنسيسكان اليوم، والذى أيضا نشاهده كجزء من معاطف المطر فى الدول الأوربية.
[281] - بالتوقيت الغربى.
[282] - بالتوقيت الشرقى.
[283] - هنا خطأ إما من سوزمينوس، أو من ناسخ مخطوطته فيما بعد، حيث أظهرت الدراسات اللاحقة أن طابينا أو طبانيس لم تكن جزيرة، وإنما هى فى مكان ما بالقرب من مدينة الاقصر الحالية.
[284] - بالطبع اعتمد سوزمينوس فى هذا الفصل الخاص برهبان مصر على بالاديوس والرحالة الفلسطينيين السبعة اساسا، ولكن جدير بالذكر هنا، أن العالِم دراجيه درس الفصل(32) من تاريخ بالاديوس وهو الخاص بالرهبان الطبانيسيين (انظر ترجمته للمعرب، نشر دار باناريون) فوجده ترجمة يونانية كانت موجودة فى أديرة نتريا لمخطوطة باللغة القبطية باللهجة الصعيدية. (عن كتاب "فردوس الآباء" إعداد رهبان ببرية شهيت، حـ 2، ص 4هـ1).
[285] - ويُكتَب أيضا ايلاريون.
[286] - كانت هذه المدينة تقع، حسب وصف جيروم، على مسافة خمسة أميال جنوب غزة، وهى حاليا قرية "أم التوت"، من قرى الضفة الغربية فى جنوب شرق مدينة جنين..
[287] - أى الذين عليهم أرواح نجسة.
[288] - لم تعرف الرهبنة المصرية منذ نشأتها على اختلاف مدارسها مثل هذا الفكر. ويكفى أن أول مَن دافع عن زواج الاكليروس انفسهم، كان الناسك المصرى المعترف بافنوتيوس فى مجمع نيقية. أنظر الرهبنة القبطية ما لها وما عليها، مذكرات للمعرب.
[289] - أى أيام الأحاد التى لا يجوز فيها الصيام الانقطاعى طقسيا.
[290] - لعل المقصود بذلك ما نقوله نحن فى أيامنا عن إمرأة ما أنها "عملت راجل" أى اتخذت شكل الرجال.
[291] - وهى حاليا مدينة " تور" أو "طُرش" أو "تُرش"، وتقع على نهر اللوار في وسط غرب فرنسا. وهي عاصمة مقاطعة الأندرلوار.
[292] - أى حياة الرهبنة المسيحية كما قلنا آنفا.
[293] - كان ذلك بالطبع قبل عهد بريل بقرون، ولذا كان الأحرى أن تُنسَب إليه لا إلى بريل.
[294] - يقصد باللاتينية.
[295]- باسيليوس الكبير.
[296] - أو "اوسرينيا"، هى مملكة الرُها القديمة التى كانت تقع فى شمال غرب ما بين النهرين، بين نهرى تيجرى (دجلة) والفرات. وهى حاليا تدخل فى زمام تركيا.
[297] - لعل هذا هو السبب فى اشتقاق كلمة Harmony من إسمه.
[298] - عن الأهواء، أنظر عن ذلك القسم الثانى من عمل كاسيان الأنظمة، تعريب المعرب هنا.
[299] - هذا تعبير رهبانى، مرادف "للهوى" الذى يتعرض له الراهب فى جهاده الرهبانى. أنظر الهامش السابق مباشرة.
[300] - نلاحظ من هذه الاشارة الأخذ بزواج الكهنة.
[301] - لاحظ المقصود هنا، وكيف استخدمها البعض فيما بعد فى الحرب التى سُميَّت "حرب الايقونات" فى الشرق، ثم أثر ذلك على الفكر الاسلامى والعربى فيما بعد، وموقف الكنيسة القبطية من هذه القضية. راجع عن ذلك بالتفصيل القسم الثالث، من رسالتنا للماجستير.
[302] - فى العصور الاسلامية لمصر، مُنِع الأقباط (أى المصريين المسيحيين) من شراء أى عبيد على الاطلاق.
[303] - consubstantial
[304] - like substance
[305] - لاحظ هنا دقة وعمق اللغة اليونانية والتى كانت تُستخدم فى الجدل اللاهوتى آنذاك. فبينما دقة التعبير تظهر هنا فى اللغة اليونانية بإضافة حرف الـ i فى وسط الكلمة الأولى للتفرقة بين (واحد مع) الآب فى الجوهر وبين (مثل) الآب فى الجوهر.. فإن هذا الفرق اللاهوتى يظهر فى اللغة العربية بإضافة كلمة مختلفة. ومن هنا لخص الدارسون الكنسيون الارثوذكس جهاد أثناسيوس بالقول الصراع حول حرف واحد(فى اليونانية).
[306] - قلنا سابقا، ونكرر لفهم هذه النقطة على الصعيد العقيدى، يمكن الرجوع الى شرح مستفيض فى كتاب الاب متى المسكين عن "القديس اثناسيوس الرسولى، سابق الذكر.
[307] - استخدم سوزمينوس هنا كلمة انخدع بوضوح.
[308] - تكملة الجملة هنا مفهومة وهى انهم وقَّعوا هنا على الوثيقة لسبب سياسى وليس عن اقتناع. وهو تبرير معقول أن يصدر من الجناح الاريوسى تاريخيا مثلما فسروا موت أريوس الإعجازى من قبل، بأن جناح النيقاويين (والذين كانوا آنذاك مُطارَدين ومضطهَدين من السلطتين الزمنية بكل أدواتها العسكرية والسياسية والادارية، والدينية المدعومة أيضا بالقوة العسكرية) قد سموه!!.
[309] - أى قنسطنطين.
[310] - مدينة فى شمال ايطاليا على نهر ناتيسا، وعلى مسافة حوالى عشرة كيلوميترات من البحر الادرياتيكى.
[311] - أى اتباع يوستاثيوس المتمسك بالتعاليم النيقاوية.
[312] - ضمير الهاء هنا تعود إلى المسيح.
[313] - ليس الكبير.
[314] - مدينة سيرميوم تقع أثارها اليوم عند مدينة سريمسكا ميتروفيتسا، التى تبعد خمسة وخمسين كيلومتر عن غرب بلجراد عاصمة جمهورية صربيا حاليا.
[315] - أما سقراتيس فيقول فى(ك1ف26) أنه نُفِى إلى القوقاز بكبادوكية، حيث خنقه الذين اقتادوه.
[316] - يرى الأب متى المسكين، أنه مات خنقا فى الطريق بتوصية من الإمبراطور. وهذا احتمال وارد فقد حدث نفس الأمر مع أحد المقربين جدا من الخديوى فى مصر حيث أخذه فى رحلة نيلية وخنقه فى الطريق وألقى بجثته فى النهر، عقابا له على معارضته فى رأى ما.
[317] - أى "إبيذياكون".
[318] - لعله يوحنا فم الذهب.
[319] - الاسقف الاريوسى الدخيل، فى غياب البابا أثناسيوس.
[320] - أيضا الاريوسى، وليس باسيليوس الكبير صاخب القداس الباسيلى.
[321] - طبعا هذا رأى الأريوسيين.
[322] - لاحظ تلاعب الاريوسيين.
[323] - وهى ما تُعرَف بنظرية التدنى لسابليوس.
[324] - لاحظ هنا اسقاط الفكر الاريوسى للمفاهيم الخاصة بالمخلوقات على الخالق.
[325] - quæstor كلمة لاتينية كانت لقبا لموظف عمومى مهمته الإشراف على الشؤون المالية للدولة فى نظام الحكم الامبراطورى. وكان فى الجمهورية الرومانية يتم انتخابه، ولكن فى العصر الامبراطورى أصبح يُعيَّن. والطريف أن هذا اللقب يُستخدَم الآن فى ايطاليا ورومانيا للإشارة الى رتبة مقدم شرطة، وفى بعض المنظمات عنوان لمكتب الرقابة المالية.
[326] - فى حوالى سنة 352م.
[327] - ويلفظها آخرون تمويس. وهى الآن، "تمى الأمديد"، بمركز السنبلاوين، بمحافظة الدقهلية، بدولة مصر.
[328] - يعطينا "تاريخ البطاركة" تفصيلا لما حدث هنا. ونلاحظ من هذه الرواية سواء لدى سوزمينوس أو "تاريخ البطاركة"، أن ملابس الاكليروس بما فى ذلك البابا لم تكن آنذاك تختلف عن الزى العام، وإلا كانوا قد عرفوه بالطبع. وأنه إذا كانت هناك فى هذه الفترة ملابس معينة للكهنة فلا بد أنها كانت قاصرة على الخدمة الليتورجية. ولا مجال بالطبع إلى افتراض تنكر البابا.
[329]- وهذا فى الواقع ما يحدث منذ بزوغ شمس المسيحية والى اليوم ولا اتوقع زواله إلى المجىء الثانى. ففى ايام وجود رب المجد بالجسد على ارضنا قالوا عن أعماله العجيبة "ببعلزبول رئيس الشياطين" يُجرِى هذه الاعمال، ولم يسألوا أنفسهم ولماذا عجز سحرهم أمامه. وهاهم الوثنيون ينسبون عمل الله فى خادمه إلى السحر(الذى يتم بالطبع بعمل الشياطين). وفى أيامنا هذه سألنى ذات يوم أحد البدو عن "قسيس" يُخرِج "عفريتا" على زوجته، فلما قلتُ له اذهب يا رجل إلى أحد الشيوخ ليُصلى لها، أجابنى "العفريت نجس، ولا يُطلِّعه إلاَّ نجس مثله"!!. وكأنه يرى أن "النجاسة" التى يزعمها أقوى بكثير من "الصلاة".
[330] - أى مع الإمبراطور.
[331] - أو يودكسيوس.
[332] - بيرية مدينة فى تيراقيا التى هى الآن اقليم بين بلغاريا ورومانيا.
[333] - أى الاسقف ليباريوس.
[334] - واضح إذن أنه عندما نعت الاقباط الكهنة الدخلاء "بالمَلكيين" لم يكن ذلك استهزاءً بهم، ولكن وصفا حقيقيا لهم، إذ أنهم كما قال الإمبراطور صراحة "كهنة البلاط" للملك.
[335] - ويُلفَظ أيضا يودكسيوس، اودوكسيوس، يودوكسيوس.
[336] - نسبة إلى أنوم Anom الهرطوقى.
[337] - Son is not of the same substance
[338] - اسقف انقيرا، وكان من زمرة الاريوسيين.
[339] - نلاحظ هنا أن سوزمينوس فى هذا الوقت ينسب كرسى روما الى القديس بطرس الرسول، ولا يوضح لنا هل هذا رأيه أم رأى من.
[340] - حسب التوقيت الشرقى، أى الثامنه من النهار حسب التوقيت الغربى.
[341] - إذن لم يكن الزلزال يوم أحد.
[342] - هو جورج الأريوسى الدخيل، فى التاريخ القبطى.
[343] - ارمينيّم، هى مدينة بإقليم ايمليا من أقاليم ايطاليا.
[344] - يا للعجب ما دخل السلطة الزمنية بصياغة الصيغ العقائدية !!. من هنا كانت المقولة الشهيرة "الناس على دين ملوكهم".
[345] - نلاحظ هنا نبرة التهديد، بالسلطة الزمنية، فى شؤن العقيدة، لفرض تعاليم مضادة للإيمان المُسلَّم من الآباء.
[346] - قول حق قصد به باطل. والباطل هنا هو ألا تفكروا أنتم أيها الاساقفة الاربعمائة فنحن قد فكرنا بدلكم، وعليكم أنتم أن توقعوا فقط دون أدنى تعليق.
[347] - يقصدون الشهداء والأبرار الذين دافعوا عن الايمان القويم.
[348] - وهكذا فى كل زمان ومكان يستطيع رجل السلطة فى أى مجال أن يجد ذريعة ما يخفى وراءها ما فى باطنه.
[349] - أى القيامة.
[350] - ويكتب أيضا جوليان، وجوليانوس.
[351] - يقول سوزمينوس هنا أنه ابن عمه on his cousin، أما سقراتيس فيرى أنه كان "قريبه" his kinsman. ويقول الأب متى المسكين أنه كان ابن اخته (أنظر ص 281، المرجع السابق). كما يقول (فى هامشه رقم 3 ص 221) يقول أن قنستانتيوس تزوج ثلاث زوجات، كانت احداهن (أخت يوليانوس الجاحد) دون أن يذكر المرجع لذلك الرأى.
[352] - أو لوريسيوس
[353] - consubstantial .
[354] - of similar substance
[355] - Father the Son is dissimilar from the
[356] - عن هذه الصفات أنظر، تسبحة "لك القوة والمجد والبركة والعزة" التى نوجهها لأقنوم الكلمة فى تسبحة اسبوع الآلام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والمعروفة باللغة القبطية بـ"ثوك تاتى جوم".
[357] - نلاحظ هنا أن هذا الشخص كان معارضا لهم فى مجمع سلوقية. أى بلغة السياسة قام "حزب" أكاكيوس "بإقصاء" كل الاطراف المعارضة له.
[358] - تُرى ماذا كان سيفعل هؤلاء القضاة الأتقياء بذلك الناسك الذى باع انجيله الخاص ليتصدق به على الفقراء. أنظر التاريخ الرهبانى، للمعرب، سابق الذكر.
[359] - الكلمة المستخدمة هنا تعنى حرفيا "تم الحَجْر" عليهم.
[360] - أى الخدمات الكهنوتية.
[361] - واضح أن أسلوب الشورى قديما، أو على الأقل لدى اعضاء هذه المجمع المحلى، لم يكن يعرف لا الرأى الآخر، ولا حق الامتناع عن التصويت.
[362] - اكاكيوس.
[363] - طبعا، غنى عن الإشارة، الفكر الأريوسى الفاضح فى هذه العبارة الصادرة عن شخص يدعو نفسه اسقفا للعاصمة "الرومانية الجديدة".
[364] - هذه الكلمة تعنى الغرباء عن الايمان المسيحى، أى الوثنيين.
[365] - أى فى وقت كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا. انظر التمهيد للمعرب
[366] - أى من العدم، وهذا هو مفهوم اريوس والذى كان الرد عليه فى نيقية "مولود غير مخلوق".
[367] - 1كو12:11.
[368] - عن الردود على مثل هذه المرواغات الشديدة السخافة، أنظر تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولى.
[369] - أنظر ك7:5 بعده.
[370] - للوثنيين.
[371] - الشرقية.
[372] - أى كوكبة النجوم.
[373] - وهكذا هو حال الطبيعة البشرية دائما، آلا وهو تفسير الأمور حسب أهواء ورغبات المفسِّر.
[374] - الضمير عائد على يوليانوس.
[375] - يوليانوس.
[376] - أى استمرارية هذا الرمز وهو التاج.
[377] - نلاحظ هنا كيف أن تشبيه اللانهائية بالدائرة، الذى يتردد فى الكتابات المسيحية، كان مستخدما من العصور المبكرة.
[378] - لاحظ هنا تفسير رئيس العرافين للظاهرة على نحو يُطمئن يوليانوس، ويُبطِل مفهوم اللانهائية لرمز الدائرة. فكأنه يقول أنظر الصليب محصور بالدائرة وهذا معناه أنه لا يستطيع الانتشار أمامك أو فى عهدك!!.
[379] - الآديتوم، هو الجزء الداخلى من قدس الأقداس فى المعبد الوثنى والذى كان محظورا دخوله لغير الكهنة(أو لغير سدنة المعبد)، كما يرد فى الكتابات العربية.
[380] - "شعائر الاستهلال" هى شعائر إنضمام شخص جديد إلى الديانة الوثنية التى تخص هذا المعبد، على غرار شعيرة المعمودية فى المسيحية.
[381] - نلاحظ هنا إشارة تاريخية لرسم علامة الصليب عند الشعور بخطر ما.
[382] - أى الكاهن الوثنى.
[383] - أى رسم علامة الصليب.
[384] - ومن ثم لا تظهر الشياطين. وهذه فى الواقع كانت ذريعة الوثنيين دائما.
[385] - اشارة تاريخية هامة، عن عماد الأطفال وكيف أنها "حسب عادة الكنيسة".
[386] - هنا ليست الرهبنة، ولكنها الفلسفة الوثنية كما هو واضح من العبارة التالية.
[387] - من جانبى، لا استطيع أن أوافق على أن هذا الفيلسوف الوثنى سبب ارتداد يوليانوس. فلولا أن الاستعداد للإرتداد كان كامنا فيه، لما أثمرت دروس هذا الوثنى بتاتا فيه. ولدينا أمثلة عديدة من العلماء المسيحيين الأوائل الذين درسوا الفلسفات الوثنية وتعمقوا فيها وصاروا مسيحيين وفندوها جيدا، مثل العلامة القديس كلمنضس الاسكندرى على سبيل المثال لا الحصر.
[388] - أى تعزَّى، كما نقول.
[389] - هذه اشارة هامة، وإن كانت غير واضحة، ولكن يبدو أن سوزمينوس اعتبرها عادية ومفهومة. فهل كانت الرهبنة فى الشرق تتطلب حلق شعر الرأس مثلا؟، أم ماذا.
[390] - أى معرفة الطالع.
[391] - يقول الأب متى المسكين، فى كتابه "القديس اثناسيوس.."، ص 221 هـ1 أن قنستانتيوس تزوج ثلات مرات وكانت يوسيبيا هذه هى الزوجة الثانية، وقد لفظها يوسابيا، وكانت كما يقول اريوسية.
[392] - "هيروفانتس" كلمة يونانية تعنى الأشخاص الذين يفسرون للناس الأمور المقدسة فى المعابد الوثنية.
[393] - أى الأساقفة الذين أداروا هذا الكرسى.
[394] - هو معبد وثنى مخصص لإلهة الحظ والمستقبل والمصير لدى الرومان ويُعرَف باللاتينية بإسم فورتانا fortuna.
[395] - أى تجنيد الاكليروس.
[396] - يرى البعض أن مثل هذه الاجراءات الرومانية كانت أصل أو أحد أصول النظام الضريبى الذى أخذ به الحكم الاسلامى فيما بعد بإسم "الجزية" و"الخراج" والتى وإن كانت ظاهريا بإسم الدين، لكنها فى الحقيقة كانت أدوات للسياسة المالية للدولة. بدليل أنها لم تُرفَع فى بعض الأوقات عمن اعتنقوا الاسلام عندما تأثرت خزانة الدولة. أنظر على سبيل المثال، تعليق عبد العزيز جمال الدين على "تاريخ البطاركة" لساويرس ابن المقفع، جـ1 ، ص22 وما بعدها.
[397] - وذلك من باب السخرية منهم. ولم يكن ذلك اعتباطا، فقد رأينا من الفصل السابق أنه كان قد درس الأسفار المقدسة وكان قارئا لها للشعب(أى كان شماسا) ومن ثمة فهو يعرف سخرية نثنائيل "آمِن الناصرة يخرج شىء صالح"!!. ونفس الوضع فى استخدام عرب الجزيرة للفظة "نصارى".
[398] - الجملة هنا مبتورة فى الترجمة الإنجليزية، ولكن تكملتها واضح وهو أن الحسد من مجدهم(الناجم عن نوال إكليل الإستشهاد) هو، ببساطة، السبب فى التظاهر بالإنسانية نحوهم فى البداية. ومن هنا كانت العبارة الشهيرة "السياسة لعبة قذرة" أو "لا اخلاق فى السياسة"، فكل شىء مباح لرجل السياسة أيا كانت مشروعيته دينيا أو أخلاقيا.
[399] - الجملة الأخيرة فى الفصل السابق مباشرة.
[400] - الوثنية.
[401] - أى المسيحيون.
[402] - سبق أن قلنا أنها تُشير فى الكتابات المسيحية المبكرة إلى المكرسات بصفة عامة، والراهبات بصفة خاصة.
[403] - حسنا أن نعت سوزمينوس سياسة يوليانوس فى هذا الصدد بكلمة "بمكر"، فيُلاحظ هنا الضغط غير المباشر، اقتصاديا عن طريق الإفقار الشديد للعامة، وسلب الكنائس من قدرتها على المعاضدة عن طريق مصادرة ممتلكاتها وأموالها، فيلجأ الناس إلى "دين الملك" من أنفسهم ولا يكون هناك "إكراه فى الدين" وإنما دخلوه بملء إرادتهم!!.
[404] - هكذا ورد الإسم فى النص الإنجليزى بوضوح، ولا أدرى هل كان سهوا من ناسخ المخطوطة الأول، أم من المترجم أم من الجمع الآلى، لأنه بكل تأكيد لا يستقيم لا مع سياق الفقرة السابقة ولا مع الجملة التالية. فالصحيح منذ وفاة قنسطنطين إلى زمن يوليانوس حيث عطله فى عهده، ثم رده جوفيانوس، واستمر إلى زمن كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا.
[405] - ليس "يقال"، ولكن هذا هو بالفعل كان الدافع الحقيقى لقراره السياسى هذا.
[406] - وهذا هو بالفعل دأب الساسة فى كل العصور، وهو استخدام فرق تسد. غير أن هذا الأسلوب لم يعد قاصرا على رجال السياسة فقط، بل ساد العلاقات الاجتماعية والإدارية تحت إسم "الوقيعة" و"النميمة" حتى أننى سمعت من مسؤول إدارى سابق دفاعا مسهبا عن هذا الأسلوب كأحد لوزام الحنكة الإدارية للمدير فى موقعه!!، وكان يُطلِق عليه اسلوب "تطقيش" الموظفين بعضهم ببعض للتعرف على الحقيقة. وأراد أن يستخدم هذا الأسلوب فى المجال الكنسى أيضا!!.
[407] - وهذا ما أثبته التاريخ فعندما أنهك الأباطرة الرومان مقاطعات الامبراطورية فى الشقاق الدينى وعمقوه واضطهدوا المواطنين، إنهارت أمام الأعداء الخارجيين ثم ما لبثت أن اندثرت الامبراطورية ذاتها كلها حكاما وشعبا أمام القوى الغازية الجديدة وتغيَّرت معالمها الجغرافية وديانتها وعقائدها.
[408] - تحديد المده هنا بسبع سنوات هى من المترجم الانجليزى اعتمادا على بالاديوس، ف 63. ولم ترد فى نص سوزمينوس حيث يقول فقط فى (5/6/3) "وطوال هذه المدة الطويلة" دون تحديد لمداها. أما الاب متى المسكين فيقول عن مدة نفيه فى عهد قنسطانتيوس أنها كانت "ست سنوات" حسبما أشار روفينوس، ولا يشير الى إقامته لدى عذراء.
[409] - " يُروَى"، هنا نقلا عن بالاديوس، "ت.ل."، ف 63. ويلاحظ أن سقراتيس لم يذكر هذه الواقعة رغم توفر عمل بالاديوس تحت يده.
[410] - نلاحظ هنا، المصدر الرئيسى لمؤلف رواية "عزازيل" فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين!!، وكيف أن سوزمينوس يرد عليه مسبقا من وراء الدهور. وأنا أقول أنه إذا كان صاحب هذه الرواية، بدهاء وسوء نية، قد طمس المصادر الحقيقية شأنه فى ذلك شأن آخرين يلجأون إلى كتب ملحدين غربيين لكن لهم أسماء تبدو للبسطاء مسيحية ليتخذوا من كتاباتهم سندا لما يودون هم أن يقولوه، فإن اللوم يقع علينا نحن إذ لم "نفتش" الكتب الخاصة بنا من أنفسنا. كما أننى أردد مع القديس أغسطينوس اسقف هيبو: نحن نشكر الهراطقة لأنهم فيما هم يهاجمون كتبنا، يدفعوننا إلى دراستها فنكتشف "جددا وعتقا". أى نكتشف لآلىء لم نكن ندرى بها.
[411] - اسقف الاسكندرية الدخيل الاريوسى.
[412] - الآديتوم، مكان سرى فى المعابد الوثنية القديمة، كما قلنا سابقا، كان الوثنيون يمارسون فيه طقوس وثنية وفنون سحرية يخدعون بها المنضمين الجدد ويسبون بها النفوس. أنظر عن طرق الخداع هذه: روفينوس،"ت.ك."، للمعرب، 11/23/1.
[413] - يقول سقراتيس فى هذا الموضع (ك2:3) انهم وجدوا جماجم لعديدين من الاشخاص من جميع الاعمار، ممن كانوا يقدمونهم قربانا من أجل العرافة (او الكهانة) عن طريق فحص الاحشاء حيث كان الوثنيون يمارسون هذه وغيرها من فنون السحر التى يسحرون بها أو يسبون نفوس الناس. انظر ترجمتنا لسقراتيس.
[414] - المسيحيون هنا أتباع جورج الأريوسى الأجنبى الدخيل والاسقف غير الشرعى كنسيا للأسكندرية.
[415] - يُورِد لنا سقراتيس هذا الخطاب. انظر، "التاريخ الكنسى" له للمعرب.
[416] - decuria، مصطلح لاتينى يعنى العشرة، وكان يستخدم فى روما القديمة. وهو عبارة عن هيئة من عشرة أشخاص تحت رئيس واحد أو قائد. أى ما يشبه مجلس المدينة حاليا.
[417] - أى الرهبنة.
[418] - عن مفهوم الاستشهاد فى فكر الأباء الأولين، أنظر الاستشهاد فى المسيحية، للمتنيح الأنبا يؤانس اسقف الغربية.
[419] - مدينة بعلبك الآن بلبنان.
[420] - اسم ارثوسا، اسم لعدة مدن فى بلاد عدة. ولذلك جيد أن ذكر سوزمينوس كلمة بسوريا ومنه نعرف أنها كانت مركز اسقفية بسوريا، بالقرب من آفاميا التى هى حاليا مدينة الرستن التى تقع على مسافة نحو خمسة وخمسين كيلومتر إلى الشمال من مدينة حماة التابعة لمحافظة حمص، وهى أريتوزا قديما. وجميع سكانها حاليا مسلمون.
[421] - يقصد بين طعامها وبين اللحم الآدمى.
[422] - أود أن أشير إلى أن هذه العادة الوثنية فى ذلك الزمان مازالت قائمة فى المجتمعات الافريقية جنوب الصحارى فى أيامنا هذه، ولم تستطع الارساليات المسيحية التى سبقتنا إلى هناك، ولا حتى البعثات الاسلامية أن تقضى عليها قضاء مبرما. ولكن هدفها اختلف حيث لم يعد ممارسة الفتاة على وجه الحصر للجنس قبل الزواج من أجل ترضية المعبود( أو لنقل التوتم أيا كان) وإنما للتأكد من قدرتها على الإنجاب الذى هو شرط جوهرى وأساسى للزواج لدى هذه القبائل، لدرجة أن مَن ينضم لأى طائفة مسيحية، ولا يستطيع الاقلاع عن هذه "العادة الاجتماعية" يلجأ إلى "شخصيات العهد القديم" كسند له.
[423] - لاحظ هذا التعبير الفلسفى لسوزمينوس.
[424] - هنا الشعب الوثنى.
[425] - أى مقدِّم المدينة.
[426] - نجد نفس الاجراء استخدمه اتباع كل دين أو مذهب آخر عبر العصور فى اضطهادهم للمسيحيين، "إن اعتنقت مذهبنا نعفو عنك من باب "السماحة". أنظر على سبيل المثال لا الحصر المقريزى، وسيرة شهداء نجران.
[427] - يكتبه البعض أيضا بأىٍ من الأشكال: يوبسخيوس، أوبسخيوس، اوبسكيوس.
[428] - هو الاسقف الذى نفاه قنسطانتيوس بعد اسقف ميلان، اولا الى جرمانيكا ثم الى اليوثيرابوليس بفلسطين، ثم الى إقليم طيبة العليا بمصر.
[429] - كتبها البعض كالاريس. وهى فى جزيرة ساردينيا فى جنوب غرب ايطاليا.
[430] - كانت مصر العليا، تنقسم إداريا فى ذلك الزمن إلى قسمين طيبة العليا وطيبة السفلى. أنظر الخرائط الملحقة بكتاب القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين السابق الاشارة اليه.
[431] - يرى الأب متى المسكين أن هذا المجمع انعقد فى حوالى سنة 362م. وعن القضايا العقائدية التى ناقشها وبت فيها، انظر ص285-289 من كتابه "القديس اثناسيوس.." السابق الذكر.
[432] - انظر، القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين، القسم اللاهوتى.
[433] - أنظر، اقتطاف مطول منه فى سقراتيس، ك8:3 وهامشنا هناك.
[434] - قارن، سقراتيس، ك9:3 للمعرب.
[435] - نلاحظ أولا الشكل الانجليزى الوارد لهذا الاسم، وثانيا هذا الاسقف هو المعروف فى الكتابات العربية بالقديس هيلارى اسقف بواتيه.
[436] - طبعا كما قال سوزمينوس "ظهروا بلا لوم". ولكن هذه المقارنات العقيدية، التى عبََرعليها سوزمينوس، لأنها كما قلنا فى المقدمة، ليست من اختصاصه، يمكن لفهمها جيدا الرجوع إلى كتاب الأب متى المسكين "القديس أثناسيوس الرسولى"، قسم كتاباته العقيدية واللاهوتية.
[437] - التى للوثنيين.
[438] - أنظر هذه التهم!!.
[439] - لاحظ هذا الاتهام "الناعم" سياسيا والذى لن يفتقر إليه الحاكم فى أى زمان، وبالقانون!!. تحت أسماء عدة مثل "إثارة فتنة طائفية" أو "إستقواء بالخارج". أو "إزعاج السِلم العام" إلخ.
[440] - يقصد سوزمينوس هنا، السكان الوثنيين كما سنرى من باقى الفقرة.
[441] - أى إلى المسيحيين.
[442] - ألم نقل أن السياسة لعبة قذرة وأن الحاكم السياسى لا أخلاق له. وإذا كان يُقال فى مجال المحاماة "قل أى كلمة وأنا بالقانون اسجنك" من باب التعبير عن امكانية التلاعب بالنص. فهذه العبارة تصدق أيضا، عمليا وفعليا، على أى سياسى بأخلاق يوليانوس.
[443] - وكما كان هكذا يكون. هذا هو ما كانت تردده دائما منظمات حقوق الانسان فى مصر فى فترة حكم حسنى مبارك، وكذلك فى فترة حكم حزب الحرية والعدالة عقب ثورة 25 يناير، عندما تعرَّض الاقباط لإعتداءات مريرة ومتكررة على كنائسهم وأبدانهم وممتلكاتهم بل وأعراض بناتهم من قِبل متطرفين. وكانت ترى أن اللوم يوجه إلى الحاكم. وهذا بالفعل ما ثبت، ويثبت دائما، فبعد زوال حكم حسنى مبارك، أشارت وسائل الإعلام إلى تورط وزير الداخلية حبيب العادلى فى الكثير من هذه الاعمال بأسلوب يمكننى القول أنه مماثل إن لم يكن مطابق كلية لأعمال يوليانوس هذا.
[444] - ويُكتَب أيضا ايلاريون. انظر سيرته للمعرب.
[445] - كانت هذه الطريقة احدى طرق العلاج الشعبى لمثل هذه الحالات وهى التى تُعرَف شعبيا بكلمة "يرقيه" من "رقية" وقد سمعتها بنفسى ورأيتها فى خمسينات القرن العشرين فى إحدى قرى صعيد مصر، والأحياء الشعبية جدا بالقاهرة فى ذلك الزمان.
[446] - أى الخدمة الكهنوتية.
[447] - إحدى معبودات الوثنية.
[448] - يعتبر المسيحية إلحادا، بمعنى كفر بديانته وآلهته، وهو بالطبع الفكر البشرى بصفة عامة لأتباع كل دين تجاه الديانات الأخرى.
[449] - يقصد تكريم القديسين المنتقلين.
[450] - أى المسيحية حسب نظره.
[451] - أى السُكر.
[452] - "الباشل"، مكيالٌ للحبوب فى الدولة الرومانية الشرقية.
[453] - هى معبودة فى الشرق القديم، الرومانى/اليونانى، وتعرف بأسماء محلية عديدة، وكان الاسم الغالب لها هو سابيلا Cybele فى الأدب الرومانى واليونانى.
[454] - أى المتعلقة بفقه اللغة.
[455] - هو القديس باسيليوس الكبير صاحب القداس المعنون بإسمه فى الكنيسة القبطية.
[456] - هو القديس غريغوريوس اللاهوتى، أو غريغوريوس النزينزى، صاحب القداس المنسوب له بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
[457] - أى شاول الملك.
[458] - ميناندر ويوربيدس وبندار أبرز الشخصيات المشهورة فى الأدب اليونانى، وقد أشار إليهم واقتبس منهم القديس كلمنضس الاسكندرى، فى عمله "المربى"، انظر ترجمته للمعرب.
[459] - واضح هنا خطأ السياسة المالية الشديد، بلغة رجال الاقتصاد.
[460] - فى الواقع الصورة التى وصلتنا على العملات لهذا الإمبراطور لا تكشف عن طول غير عادى للحيته، ولذا لم أفهم سبب سخريتهم منها. لكن قول سوزمينوس (ومن الثور الذى سكه على عملته) يبدو لى سببا معقولا.
[461] - نلاحظ أن سوزمينوس هنا بينما يسرد انتهاكات يوليانوس ضد المسيحية والمسيحيين لم يتردد فى وصف عمل أدبى له بأنه بليغ جدا، عندما وجده كذلك، فى تجرد كامل.
[462] - يُلاحظ هنا أن سوزمينوس رغم أن تكوينه قانونى أساسا، إنما يقدِّم رأيا فلسفيا لبروز الأسطورة أيا كانت. فالإنسان فى بحثه عن سندٍ يشرّع له رغباته هو الذاتية المكنونة، يُنشأ هذه الشخصيات الوهمية، كمثل أى مؤلف لرواية خيالية، ويُلبِسها أو يضع على لسانها كل ما يريده هو. فإن كانت رغباته فاسقة، جعل معبوده يحلل الفسق ويدشنه؛ وإن كانت رغباته سامية، جعل شخصيات اسطورته سامية.
[463] - يعطينا هنا سوزمينوس إشارة تاريخية لإحدى طرق الترنيم التى كانت معروفة آنذاك، أنظر عن ذلك الانظمة لكاسيان، ترجمة المعرب.
[464] - قارن مز 7:96 س. وهو أيضا المزمور 96 بصلاة الساعة التاسعة بالأجبية القبطية الارثوذكسية "فليخزى جميع الساجدين لصنعة الأيدى، المفتخرين بأصنامهم، اسجدوا لله يا جميع ملائكته".
[465] - prætorian prefect
[466] - كانت هذه أداة تعذيب قديمة.
[467] - أنظر، روفينوس، "ت.ك."، للمعرب، (10/35/3).
[468] - "كاريا"، منطقة قديمة كانت تقع فى جنوب غرب أسيا وكانت تحدها من الشمال ايونيا وليديا، ومن الغرب الجنوبى بحر إيجة ومن الشرق ليكيا وجزء من فريجية. وهى بالطبع تدخل اليوم ضمن حدود تركيا السياسية.
[469] - ما زالت المدينة قائمة بنفس الإسم فى محافظة طرطوس بسوريا.
[470] - وهو يوسابيوس القيصرى المؤرخ، فى كتابه تاريخ الكنيسة، ك18:7.
[471] - هكذا عبَّر سوزمينوس عن الانجيل، ويخيل لى أنه استخدم هنا لفظة انجيل بمعناها اللغوى العام، أى البشارة المفرحة، وبذلك يريد أن يقول: فى الكتاب الإلهى للبشارة المفرحة. أنظر لو 13:24.
[472] - كان ذلك فى حملة تيطس الرومانى الشهيرة، فى حوالى سنة 70م، والتى عاصرها يوسيفوس المؤرخ اليهودى.
[473] - يلزم التنويه إلى وجود مدينتين فى العصر الرومانى البيزنطى لمصر، بإسم هرموبوليس، الأولى هرموبوليس بارفا وهى دمنهور الحالية، والثانية هرموبوليس ماجنا وهى مدينة الاشمونين حاليا بمحافظة ملوى. لذلك حسنا أن قال سوزمينوس هنا بطيبة. وكما نعرف كانت المدن فى هذا العصر دائما بإسمين إسم محلى بلغة أهل البلاد، مثل القبطية فى مصر/ والسريانية فى الشرق وهكذا، والآخر باليونانية.
[474] - بالطبع كان ذلك من باب القول المشهور "ليس حبا فى معاوية ولكن كرها فى على".
[475] - الشعب اليهودى.
[476] - يقصد سوزمينوس هنا، اليهود كما سيتضح من الجملة التالية.
[477] - وأقول، ومن ناحية ثالثة أنهم نظروا، من البديهى، إلى الواقعة على أنها ظاهرة طبيعية تصادف حدوثها دون أن يخطر على بالهم أية صلة بينها وبين العمل ذاته الذى يقومون به.
[478] - واضح جدا أن هناك عقد سيكولوجية غائرة بشدة فى تكوينه من جهة هذا الإمبراطور رغم قرابته له، ورغم ترقيته له بدلا من قتله، جعلته ليس فقط ينتقم منه ولكن أيضا يكفر بكل ما يرتبط به بما فى ذلك الدين نفسه. وقد قرأت فى هذا الشأن ذات مرة ورقة بمخطوط قديم لا اتذكر حاليا اسمه أن سبب ارتداد دقلديانوس أيضا واضطهاده الدموى الرهيب للمسيحيين هو أن أحد الاساقفة كان قد كذب عليه فى أمر ما. وبالطبع لم يفرق بين اسقف حقيقى وبين محتال فى زى اسقف.
[479] - أشور وهى بالانجليزية Assyria هى بلاد ما بين النهرين، والتى كانت امبرطورية غزت ايران والشرق ومصر، وحتى أجزاء من الأراضى الواقعة فى تركيا الحالية فى القرون القديمة قبل الميلاد. وهى تختلف عن بلاد أخرى داخلة فى زمام تركيا الحالية واسمها قريب منها وهى ايسوريا Isauriaلذا لزم التنويه.
[480] - عُرِف استخدام الفيلة كسلاح أساسى فى الهجوم، أولا فى الهند فيما قبل الميلاد. ثم انتشر هذا الأسلوب فى بلاد جنوب اسيا وامتد إلى البحر الابيض المتوسط، بل استخدمته أيضا بعض دول أوربا، وقد اختفت الفيلة من الحروب مع ظهور المدافع.
[481] - واضح أن الفيلسوف الوثنى يُلمِّح إلى الرومان بصفة عامة، والرومان المسيحيين بصفة خاصة. لذلك جاء الفصل التالى تحليلا من سوزمينوس لرأيه، وتفنيدا لحججه.
[482] - أرى هنا موضوعية شديدة من جانب سوزمينوس فى تفسير الواقعة. فهو لم يُسرِع بنفى الاحتمال الذى يراه ليبانيوس الفيلسوف الوثنى، لأنه فرض وارد وممكن، وإنما يسجله أولا ويقرر، كرجل محامى، أنه ليس لديه دليل قاطع على نفيه أو إثباته. ثم فى الفقرات التالية يعرض ما يمكن، بلغة الماديين، أن يعتبر "تفسير غيبى" للتاريخ، بينما هو مقبول لعلماء التاريخ المؤمنين الذين يرون أن التاريخ نفسه فى يد الله.
[483] - انظر عن ذلك، التاريخ الرهبانى لبالاديوس، للمعرب، نشر دار باناريون.
[484] - قارن، ثيودوريت 18:3. للمعرب، تحت الطبع.
[485] - هذه العبارة تعكس حب المصريين منذ "القروى الفصيح" على مواجهة الكوارث والطغاة بالسخرية والتنكيت.
[486] - praetorian prefect هى وظيفة قيادية مدنية اقليمية هامة، وبصفة خاصة فى الجهاز المكتبى الامبراطورى للقسطنطينية. أنظر LRE 370-2, ODB 1710-11 .
[487] - إحدى تعبيرات اريوس والتى تعنى ببساطة الوجود من العدم، أى مخلوق.
THE ECCLESIASTICAL HISTORY
OF Sozomen
ترجمه من اليونانية : Chester d. Hartranft
ونقله الى العربية : الدكتور/ بولا سـاويرس
نقلا عن : NPNF, II, 1890 A.D.
المحتويـات
الكتاب الأول : الفصل الأول
(وفيه يمهد سوزمينوس بفحص تاريخ الأمة اليهودية، ويذكر أولئك الذين بدأوا هذا العمل. وكيف ومن أية مصادر جمع تاريخه، وكيف كان مُصرا على الحقيقة، وأية تفاصيل أخرى سيشملها التاريخ).
الكتاب الأول: الفصل الثانى
(عن اساقفة المدن الكبيرة فى عهد قنسطنطين، وكيف امتدت المسيحية خوفا من ليسينيوس بحذر إلى الشرق، حتى إلى ليبيا، بينما امتدت بحرية غربا بتشجيع قنسطنطين)
الكتاب الأول: الفصل الثالث
(اعتناق قنسطنطين للمسيحية عقب ظهور المسيح له ورؤيا الصليب. وتلقيه للتعليم الدينى من اخوتنا).
الكتاب الأول: الفصل الرابع
(قنسطنطين يأمر بحمل علامة الصليب أمامه فى المعركة، ورواية غير عادية عن حَمَلَة الصليب).
الكتاب الأول: الفصل الخامس
(دحض تأكيد أن قنسطنطين قد صار مسيحيا نتيجة لقتل ابنه كريسبوس)
الكتاب الأول: الفصل السادس
(أبو قنسطنطين يسمح بامتداد اسم المسيح. قنسطنطين العظيم يجعله يتغلغل فى كل مكان).
الكتاب الأول: الفصل السابع
(بشأن النزاع بين قنسطنطين وبين ليسينيوس نسيبه بشأن المسيحيين، وكيف هُزِم وقُتِل).
الكتاب الأول: الفصل الثامن
(قائمة المنافع التى اسبغها قنسطنطين لحرية بناء الكنائس والأعمال الأخرى للرفاهية العامة).
الكتاب الأول: الفصل التاسع (قنسطنطين يسن قانونا فى صالح المتبتلين والاكليروس)
الكتاب الأول: الفصل العاشر (قنسطنطين الكبير المعترف الخالد)
الكتاب الأول: الفصل الحادى عشر (وصف اسبريدون : اتضاعه وثباته)
الكتاب الأول: الفصل الثانى عشر (بشأن مؤسسة الرهبان : أصلها ومؤسسوها)
الكتاب الأول: الفصل الثالث عشر (عن انطونيوس الكبير وبولس البسيط)
الكتاب الأول: الفصل الرابع عشر (عن القديس آمون، ويوتيخيوس الذى من اُوليمبوس)
الكتاب الأول: الفصل الخامس عشر.
(الهرطقة الأريوسية: منشأها، وتطورها، والنزاع الذى سببته بين الأساقفة).
الكتاب الأول: الفصل السادس عشر
(قنسطنطين يسمع عن نزاع الاساقفة واختلاف وجهات النظر بشأن الفصح).
الكتاب الأول: الفصل السابع عشر (مجمع نيقية بسبب اريوس)
الكتاب الأول: الفصل الثامن عشر
(فيلسوفان يهتديان إلى الإيمان، بواسطة بساطة إثنين من كبار السن)
الكتاب الأول: الفصل التاسع عشر (خطاب الامبراطور فى المجمع)
الكتاب الأول: الفصل العشرون
( بعد الاستماع إلى الطرفين، أدان الامبراطور اريوس واتباعه ونفاهم)
الكتاب الأول: الفصل الواحد والعشرون
( قرارات المجمع بشأن اريوس. تسوية مسألة عيد الفصح)
الكتاب الأول: الفصل الثانى والعشرين
(دعوة الامبراطور لاكسيوس اسقف النوفاتيين لحضور المجمع)
الكتاب الأول: الفصل الثالث والعشرون (بافنتيوس المعترف وقوانين المجمع)
الكتاب الأول: الفصل الرابع والعشرون (مسألة ميليتوس)
الكتاب الأول: الفصل الخامس والعشرون.
( مأدبة الامبراطور لأعضاء المجمع ومناشدته لهم أن يكونوا بفكر واحد)
الكتاب الثانى
الكتاب الثانى: الفصل الأول (اكتشاف الصليب المُحيِى والمسامير المقدسة)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى (بشأن هيلانه أم الإمبراطور وزيارتها لأورشليم، وبنائها لهيكل هناك، وأعمالها التقوية الأخرى، ووفاتها)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث (هياكل تُبنَى بواسطة قنسطنطين الكبير. تأسيس مدينة بإسمه، وكنيسة رئيس الجنود ميخائيل فى سوثينيوم، والمعجزات التى جرت هناك).
الكتاب الثانى: الفصل الرابع (قنسطنطين وبلوطة ممرا)
الكتاب الثانى: الفصل الخامس (قنسطنطين يدمر الاماكن المخصصة للأوثان، ويحث الشعب على المسيحية)
الكتاب الثانى: الفصل السادس (سبب انتشار اسم المسيح فى سائر أرجاء العالم فى عهد قنسطنطين)
الكتاب الثانى: الفصل السابع (كيف قبل الايبريون الايمان بالمسيح)
الكتاب الثانى: الفصل الثامن (كيف اعتنق الأرمن والفرس المسيحية)
الكتاب الثانى: الفصل التاسع (سابور ملك فارس يضطهد المسيحين. استشهاد سيمون اسقف فارس، وأوسانينوس الخصى).
الكتاب الثانى: الفصل العاشر (قتل سابور للمسيحيين فى بلاد فارس)
الكتاب الثانى: الفصل الحادى عشر (استشهاد بوسكس مشرف فنانى الملك)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى عشر (استشهاد طاربولا أخت سيمون)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث عشر (استشهاد القديس اسبسيماس ورفقائه)
الكتاب الثانى: الفصل الرابع عشر (استشهاد الأسقف ميلس ومشيره وستة عشر ألفا من الرجال المتميزين فى عهد سابور)
الكتاب الثانى: الفصل الخامس عشر (قنسطنطين يكتب إلى سابور ليكف عن اضطهاد المسيحيين)
الكتاب الثانى: الفصل السادس عشر (عودة يوسيبيوس وثيوجينس اللذين امتنعا عن التصويت فى مجمع نيقية، الي كراسيهما)
الكتاب الثانى : الفصل السابع عشر. (موت الكسندروس اسقف الاسكندرية، واعتلاء اثناسيوس بناء على توصيته لكرسى الاسكندرية)
الكتاب الثانى: الفصل الثامن عشر (الأريوسيون والميليتيون واثناسيوس)
الكتاب الثانى: الفصل التاسع عشر (مجمع انطاكية)
الكتاب الثانى : الفصل العشرون (بشأن مكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كرسى اورشليم)
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والعشرون (اتفاق الميليتيين والأريوسيين فى المفاهيم)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والعشرون (حِيَل الاريوسيين والميليتيين ضد أثناسيوس)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والعشرون. (الافتراء على أثناسيوس ويد ارسينيوس)
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والعشرون (قبول بعض الأمم الهندية للمسيحية)
الكتاب الثانى: الفصل الخامس والعشرون (مجمع صُور والخلع غير الشرعى لأثناسيوس)
الكتاب الثانى: الفصل السادس والعشرون (تشييد هيكل قنسطنطين الكبير فى الجلجثة وتكريسه)
الكتاب الثانى: الفصل السابع والعشرون (الكاهن الذى أغوى قنسطنطين بإعادة أريوس ويوزيوس)
الكتاب الثانى: الفصل الثامن والعشرون (خطاب الامبراطور إلى مجمع صُور، ونفى أثناسيوس بواسطة دسائس الحزب الأريوسى)
الكتاب الثانى: الفصل التاسع والعشرون (الكسندروس اسقف القنسطنطينية، يرفض قبول اريوس فى الشركة)
الكتاب الثانى: الفصل الثلاثون (رواية اثناسيوس الكبير عن موت اريوس)
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والثلاثون (استمرار النزاع الاريوسى)
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والثلاثون (قنسطنطين يسن قانونا ضد كل الهراطقة ويحظر على الشعب الحصول على كنائس فى أى مكان خلاف الكنيسة الجامعة)
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والثلاثون (هرطقة مارسيللوس اسقف انقيرا، وخلعه)
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والثلاثون (وفاة قنسطنطين بعد عماده، ودفنه بهيكل الرسل القديسين)
الكتاب الثالث
الكتاب الثالث: الفصل الأول (بعد وفاة قنسطنطين هاجم اتباع يوسيبيوس وثيوجينس الايمان النيقاوى جهرا)
الكتاب الثالث: الفصل الثانى (عودة أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الثالث (بولس اسقف القنسطنطينية، والمقدونيون)
الكتاب الثالث: الفصل الرابع (عزل قنستانتيوس لبولس اسقف كنيسة القنسطنطينية)
الكتاب الثالث: الفصل الخامس (مجمع انطاكية وخلع أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل السادس (يوسيبيوس من اميسا. غريغوريوس الدخيل للأسكندرية. فرار أثناسيوس إلى روما)
الكتاب الثالث: الفصل السابع (رؤساء كهنة روما والقنسطنطينية. خلع بولس وطرده. مذبحة هرموجنس)
الكتاب الثالث: الفصل الثامن (وصول رؤساء كهنة الشرق إلى روما. رسالة يوليوس اسقف روما بخصوصهم. استلام بولس واثناسيوس لكراسيهم. محتوى رسالة رؤساء كهنة الشرق إلى يوليوس)
الكتاب الثالث: الفصل التاسع (خلع أثناسيوس وبولس)
الكتاب الثالث: الفصل العاشر (اسقف روما يكتب إلى اساقفة الشرق لصالح أثناسيوس. اساقفة الشرق يرسلون وفدا لأسقف روما. قنسطانس يرفض مقابلتهم)
الكتاب الثالث: الفصل الحادى عشر (مجمع سارديكا. اساقفة الشرق يخلعون اسقف روما وهوسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الثانى عشر (اساقفة الغرب فى مواجهة الحزب الاريوسى الشرقى)
الكتاب الثالث: الفصل الثالث عشر (الغرب يتمسك بالعقائد النيقية، والشرق يغرق فى نزاعات بين بدعة وأخرى)
الكتاب الثالث: الفصل الرابع عشر (عن الرهبان)
الكتاب الثالث: الفصل الخامس عشر (ديديموس الكفيف، واتيوس الهرطوقى)
الكتاب الثالث: الفصل السادس عشر (القديس افرايم)
الكتاب الثالث: الفصل السابع عشر (انتشار المسيحية فى هذه الفترة)
الكتاب الثالث: الفصل الثامن عشر (بشأن عقيدة كل من إبنىّ قنسطنطين. الفرق بين "هومووسيوس" و "هوموأوسيوس". متى هجر قنستانتيوس الإيمان القويم)
الكتاب الثالث: الفصل التاسع عشر (منازعات أكثر بشأن المصطلح. مجمع ارمينيم)
الكتاب الثالث: الفصل العشرون (إعادة تثبيت أثناسيوس ثانية على كرسيه بخطاب من قنستانتيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الواحد والعشرون (خطاب قنستانتيوس إلى شعب الأسكندرية. مجمع أورشليم)
الكتاب الثالث: الفصل الثانى والعشرون (رسالة مجمع اورشليم لصالح أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الثالث والعشرون (إعتراف فالنس و اورساكيوس بالإفتراء على أثناسيوس)
الكتاب الثالث: الفصل الرابع وعشرون (عودة الاساقفة الشرقيين لكراسيهم)
الكتاب الرابع
الكتاب الرابع: الفصل الأول (وفاة قنسطانس قيصر. الأحداث التى حدثت فى روما)
الكتاب الرابع: الفصل الثانى (قنستانتيوس ينفى أثناسيوس ثانية، وأولئك المتمسكين بعقيدة هومسيوس. وفاة بولس اسقف القنسطنطينية. اغتصاب مقدونيوس للكرسى البطريركى، واعماله الشريرة )
الكتاب الرابع: الفصل الثالث (اسشهاد موثقى العقود المُقدَسين)
الكتاب الرابع: الفصل الرابع (قنستانتيوس فى سيرميوم. جالوس يحمل لقب قيصر، ويُرسَل إلى الشرق)
الكتاب الرابع: الفصل الخامس (كيرلس يقوم بالخدمات المقدَّسة بعد مكسيموس. ظهور علامة الصليب الضخمة، والتى تفوق الشمس فى فخامتها، وتدوم لعدة أيام)
الكتاب الرابع: الفصل السادس (فوتينوس اسقف سيرميوم وهرطقته. مجمع سيرميوم لمعارضته. صيغ ايمانية ثلاثة لهذا المجمع).
الكتاب الرابع: الفصل السابع (موت الطاغية ماجننتيوس وسيلفانوس المرتد. عصيان يهود فلسطين. مقتل جالوس قيصر)
الكتاب الرابع: الفصل الثامن (وصول قنستانتيوس إلى روما. عقد مجمع فى ايطاليا. رواية ما حدث لأثناسيوس الكبير بواسطة دسائس الاريوسيين)
الكتاب الرابع: الفصل التاسع (مجمع ميلان، وهروب أثناسيوس )
الكتاب الرابع: الفصل العاشر (الدسائس المتنوعة ضد أثناسيوس، وفراره من الأخطار العديدة بالإلهام الإلهى. اعمال جورج الشريرة فى مصر بعد طرد أثناسيوس)
الكتاب الرابع: الفصل الحادى عشر (ليبريوس اسقف روما، وعلة نفى قنستانتيوس له. فيلكس خليفته)
الكتاب الرابع: الفصل الثانى عشر (اتيوس السورى، واودكسيوس خليفة ليونتيوس فى انطاكية. مصطلح "مساوى فى الجوهر")
الكتاب الرابع: الفصل الثالث عشر (ابتداعات اودكسيوس محل الانتقاد، فى رسالة كتبها جورج اسقف لاودكية. وفد مجمع انقيرا إلى قنستانتيوس)
الكتاب الرابع: الفصل الرابع عشر (خطاب قنستانتيوس الإمبراطور ضد اودكسيوس وأنصاره)
الكتاب الرابع: الفصل الخامس عشر (الإمبراطور قنستانتيوس يتوجه إلى سيرميوم ويستدعى ليبريوس، ويعيده إلى كنيسة روما، ويأمر فيلكس بمساعدة ليبريوس فى الخدمة الكهنوتية)
الكتاب الرابع: الفصل السادس عشر (الامبراطور يقترح عقد مجمع فى نيقوميديا بسبب هرطقة اتيوس وبدع انطاكية ولكن بسبب زلزال حدث، انعقد المجمع أولا فى نيقية ثم فيما بعد فى ارمينيّم وسلوقية.)
الكتاب الرابع: الفصل السابع عشر (اجراءات مجمع ارمينيّم)
الكتاب الرابع: الفصل الثامن عشر (رسالة مجمع ارمينيّم إلى الامبراطور قنستانتيوس )
الكتاب الرابع: الفصل التاسع عشر (بشأن مندوبى المجمع، وخطاب الإمبراطور. موافقة فالنس واورساكيوس بعد ذلك على الخطاب. نفى رئيس الاساقفة. مجمع نيقية وسبب عقده فى ارمينيّم)
الكتاب الرابع: الفصل العشرون (الأحداث التى جرت فى الكنائس الشرقية. طرد ماراثونيوس وايليوسيوس من سيزيكوس. وطرد مقدونيوس لأولئك الذين حافظوا على مصطلح "مساوى فى الجوهر". اشتراك النوفاتيين مع الارثوذكس)
الكتاب الرابع: الفصل الواحد والعشرون (اجراءات مقدونيوس فى مانتينيوم، ونقله من كرسيه عندما حاول نقل كفن قنسطنطين الكبير. اعلان يوليانوس قيصرا).
الكتاب الرابع: الفصل الثانى والعشرون. (مجمع سلوقية)
الكتاب الرابع: الفصل الثالث والعشرون (اكاكيوس واتيوس. وكيف قاد الإمبراطور مندوبى المجمعيَن ارمينيّم وسلوقية إلى قبول نفس التعاليم)
الكتاب الرابع: الفصل الرابع والعشرون (اعتماد أنصار اكاكيوس لصيغة مجمع ارمينيّم. قائمة برؤوساء الكهنة المخلوعين واسباب ادانتهم)
الكتاب الرابع: الفصل الخامس والعشرون (أسباب عزل كيرلس اسقف اورشليم، والشقاق المتبادل بين الاساقفة. وسيامة مليتيوس بواسطة الاريوسيين. وتعضيد يوستاثيوس فى اسقفية سابستا)
الكتاب الرابع: الفصل السادس والعشرون (موت مقدونيوس اسقف القنسطنطينية. وماذا قال اودكسيوس فى تعليمه. سعى اكاكيوس واودكسيوس الشديد لإلغاء صيغ ايمان نقية وارمينيّم. المتاعب التى ثارت فى الكنائس)
الكتاب الرابع: الفصل السابع والعشرون. (بدعة مقدونيوس وتجديفه على الروح القدس. انتشار هرطقته بواسطة ماراثونيوس وآخرين)
الكتاب الرابع: الفصل الثامن والعشرون (الاريوسيين، إذ يتوهممون أن مليتيوس يتبنى مفاهيمهم، ينقلونه من سَبسطا إلى انطاكيا. وعندما صُدِموا من إعترافه الجرىء بالعقائد الارثوذكسية يخلعونه. إحلالهم ليوزيوس محله على كرسيه. مليتيوس يُكوِّن كنيسة له، ولكن المتمسكين بالمساوة فى الجوهر يبتعدون عنه لأنه سيم بواسطة الاريوسيين.)
الكتاب الرابع: الفصل التاسع والعشرون (استمرار حزب اكاكيوس فى السعى لإبطال مصطلح مساوى فى الجوهر، وتأكيد هرطقة اريوس)
الكتاب الرابع: الفصل الثلاثون (جورج اسقف انطاكية ورئيس كهنة اورشليم، والثلاثة اساقفة خلفاء كيرلس على التوالى. استرداد كيرلس لكرسى اورشليم).
الكتاب الخامس
الكتاب الخامس: الفصل الأول (موت الامبراطور قنستانتيوس، ويوليانوس المرتد والخائن)
الكتاب الخامس: الفصل الثانى (حياة وتعلّم وتدّرب يوليانوس، وإعتلائه للإمبراطورية)
الكتاب الخامس: الفصل الثالث (عندما استقر يوليانوس فى الحكم بدأ يُدخِل بمكر الوثنية، ويهيج المعارضين للمسيحية)
الكتاب الخامس: الفصل الرابع (يوليانوس يجلب الشرور على قيصرية. شجاعة ماريس اسقف خلقيدون)
الكتاب الخامس: الفصل الخامس (يوليانوس يرد الحرية للمسيحيين ليُحدِث متاعبا أكثر داخل الكنائس. والمعاملة الشريرة المبتكرة للمسيحيين)
الكتاب الخامس: الفصل السادس (أثناسيوس بعد اختبائه لسبع([1]) سنوات فى دار عذراء حكيمة وجميلة، يعود للظهور جهرا فى ذلك الوقت، ويدخل كنيسة الأسكندرية)
الكتاب الخامس: الفصل السابع (موت جورج اسقف الاسكندرية المفجع. نتائج أحداث معبد ميثرا. خطاب يوليانوس فى هذه الظروف العصيبة)
الكتاب الخامس: الفصل الثامن (بشأن ثيودور حارس الأوانى المقدسة فى انطاكية، وكيف سقط يوليانوس عم هذا الطاغية بسبب هذه الأوانى فريسة للدود)
الكتاب الخامس: الفصل التاسع (استشهاد القديسين يوسيبيوس ونستابوس وزينو فى مدينة غزة)
الكتاب الخامس: الفصل العاشر (بشأن القديس هيلاريون، وعذارى هليوبوليس اللواتى هلكن بالخنازير، والاستشهاد الغريب لأسقف أرثوسا)
الكتاب الخامس: الفصل الحادى عشر
(بخصوص استشهاد مقدونيوس وثيودولوس وجراتيان وبوسيريس وباسيليوس ويوبسكوس)
الكتاب الخامس: الفصل الثانى عشر
(بشأن لوسيفر ويوسيبيوس الأسقفيَن الغربييَن. وعقد يوسيبيوس مع اثناسيوس واساقفة آخرون لمجمع فى الأسكندرية لتأكيد ايمان نيقية وتعريف المساواة للروح مع الآب والإبن. ومرسومهم بشأن الجوهر والأقنوم).
الكتاب الخامس: الفصل الثالث عشر
(بشأن بولينوس ومليتيوس رؤساء كهنة انطاكية؛ وكيف عادى كل من لوسيفر ويوسيبيوس بعضهما بعضا. ودفاع يوسيبيوس وهيلاريوس عن الإيمان النيقاوى)
الكتاب الخامس: الفصل الرابع عشر ( نزاع حزب مقدونيوس مع الأريوسيين بشأن اكاكيوس)
الكتاب الخامس: الفصل الخامس عشر
(نفى أثناسيوس ثانية. ما يخص ايلسيوس اسقف سيزيكوس وتيطس اسقف بوسطرا. ذكرى اسلاف المؤلف.)
الكتاب الخامس: الفصل السادس عشر (جهود يوليانوس فى ترسيخ الوثنية والقضاء على أعرافنا. الرسالة التى ارسلها إلى كبير سدنة الوثنيين)
الكتاب الخامس: الفصل السابع عشر (لكى لا يُظَن أنه طاغية، سلك يوليانوس بحيلة ضد المسيحيين، فألغى شارة الصليب، وأمر الجنود بالذبائح، بدون إرادتهم)
الكتاب الخامس: الفصل الثامن عشر (حظر المسيحيين من الاسواق ومن المقاعد القضائية، ومن الاشتراك فى التعليم اليونانى. مقاومة باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتى وابوليناريوس لهذا المرسوم. وترجمتهم بسرعة للكتاب المقدس بحسب الانماط اليونانية)
الكتاب الخامس: الفصل التاسع عشر (العمل الذى كتبه يوليانوس بعنوان "النفور من اللحية". الوصف التام لها. نقل بقايا بابيلاس الشهيد)
الكتاب الخامس: الفصل العشرون (عواقب النقل. اساءة معاملة الكثيرين من المسيحيين. تيودور المعترف. سقوط نار من السماء تدمر معبد ابوللو بدافنة)
الكتاب الخامس: الفصل الواحد والعشرون
(تمثال المسيح الذى دمره يوليانوس، وتمثاله الذى أقامه فدمرته صاعقة وجعلته بلا فائدة. نبع عمواس الذى غسل فيه المسيح أقدامه. شجرة برسيس التى سجدت للمسيح فى مصر. العجائب التى جرت بواسطتها).
الكتاب الخامس: الفصل الثانى والعشرون
(يوليانوس يسمح لليهود بإعادة بناء هيكل أورشليم، نكاية بالمسيحيين. إندلاع نار تقتل الكثيرين من العاملين فيه. وظهور علامة الصليب على ثيابهم)
الكتـــاب السادس
الكتاب السادس: الفصل الأول
(حملة يوليانوس على فارس. إنكساره وفقدانه للحياة على نحو بائس. خطاب ليبانيوس عن موته)
الكتاب السادس: الفصل الثانى
(هلاكه بالسخط الإلهى. رؤيا أفراد كثيرين بشأن موت الإمبراطور. رد إبن النجار. يوليانوس يقذف بدمه إلى المسيح. الافتراءات التى لصقها ليبانيوس بالرومان)
الكتاب السادس: الفصل الثالث (عهد جوفيانوس. سنّه لقوانين كثيرة)
الكتاب السادس: الفصل الرابع
(الاضطرابات تبرز مرة أخرى فى الكنائس. مجمع انطاكية الذى صًدِّق فيه على الايمان النيقاوى. النقاط التى كتبها هذا المجمع لجوفيانوس)
الكتاب السادس: الفصل الخامس (أثناسيوس الكبير يُقدَّر كثيرا لدى الإمبراطور، ويدير كنائس مصر. ظهور انطونيوس الكبير)
الكتاب السادس: الفصل السادس (موت جوفيانوس، حياة فالنتنيانوس ثقته بالله. كيف وصل إلى العرش. اختياره لأخيه فالنس للحكم معه. الاختلاف بينهما)
الكتاب السادس: الفصل السابع (الاضطرابات تثور ثانية فى الكنائس. عقد مجمع لامبساكوس Lampsacus. سيادة الاريوسيين على الكنائس. طرد الارثوذكس، ومن بينهم ميليتس الانطاكى)
الكتاب السادس: الفصل الثامن ( الثورة وموت بروكبيوس غير العادى. إليوسيوس اسقف سيزيكيوس ويونوميوس الهرطوقى. يونوميوس يخلف اليوسيوس)
الكتاب السادس: الفصل التاسع (معاناة المتمسكين بإيمان نيقية. اجليوس رئيس النوفاتيين)
الكتاب السادس: الفصل العاشر (بشأن فالنتنيانوس الصغير، وجراتيان. اضطهاد فالنس. ضغط الاريوسيين والمقدونيين على الهوموأووسيين. بعثة الهوموأووسيين إلى روما)
الكتاب السادس: الفصل الحادى عشر. (اعتراف يوستاثيوس وسلفانوس وثيوفيلس مبعوثى المقدونيين إلى ليباريوس اسقف روما)
الكتاب السادس: الفصل الثانى عشر (مجامع صقلية وتيانا. الغاء المجمع الذى كان متوقعا عقده فى كيليكيا من قِبل فالنس. الاضطهاد فى ذلك الوقت. فرار أثناسيوس العظيم مرة أخرى واختفائه. ظهوره مرة ثانية بناء على رسالة من فالنس وإدارته لكنائس مصر)
الكتاب السادس: الفصل الثالث عشر (ديكوفيلس الاريوسى يصير اسقفا للقنسطنطينية بعد يودكسيوس. ايفاجريوس المختار التقى. رواية الاضطهاد الناجم)
الكتاب السادس: الفصل الرابع عشر (رواية المندوبين الاتقياء الثمانين فى نيقوميديا الذين حرقهم فالنس فى سفينة فى وسط البحر)
الكتاب السادس: الفصل الخامس عشر (المنازعات بين يوسيبيوس اسقف قيصرية، وباسيليوس الكبير. قدوم الاريوسيين إلى قيصرية وصدهم)
الكتاب السادس: الفصل السادس عشر (باسيليوس يصير اسقفا لقيصرية بعد يوسيبيوس. جرأته نحو الإمبراطور والحاكم)
الكتاب السادس: الفصل السابع عشر ( صداقة باسيليوس وغريغوريوس اللاهوتى بإعتبارهما صنوان فى الحٍكمة، ودفاعهما عن العقائد النيقاوية)
الكتاب السادس: الفصل الثامن عشر (الاضطهاد الذى جرى فى انطاكية عند اورانتس. موضع الصلاة فى اديسا الذى على اسم توماس الرسول. الاجتماع هناك. اعتراف سكان اديسا)
الكتاب السادس: الفصل التاسع عشر (وفاة أثناسيوس الكبير. اعتلاء لوقيوس النصف اريوسى لكرسة الأسكندرية. البلايا التى جلبها على كنائس مصر. بطرس خليفة أثناسيوس يتجه إلى روما)
الكتاب السادس: الفصل العشرون (اضطهاد الرهبان المصريين، وتلاميذ سان انطونيوس. حصرهم فى جزيرة بسبب ارثوذكسيتهم. المعجزات التى أجروها هناك)
الكتاب السادس: الفصل الواحد والعشرون (قائمة الأماكن التى تمسكت بالعقائد النيقاوية. الايمان الذى أظهره الاسكيثيون. فترانيو قائد هذا الجنس)
الكتاب السادس: الفصل الثانى والعشرون (بروز عقيدة الروح القدس فى ذلك الوقت. إقرار أنه واحد مع الاب والابن فى الجوهر.)
الكتاب السادس: الفصل الثالث والعشرون. (وفاة ليبريوس اسقف روما. داماسوس وسيريكيوس يخلفانه. سيادة العقائد الارثوذكسية فى كل مكان فى الغرب فيما عدا ميلان حيث اوكسنتيوس هو رئيس الكهنة. مجمع فى روما يخلع اوكسنتيوس. التعريف الذى أُرسِل بخطاب).
الكتاب السادس: الفصل الرابع والعشرون. (بخصوص القديس امبروسيوس وارتقائه لرئاسة الكهنوت. كيف اقنع الشعب بممارسة التقوى. النوفاتيون فى فريجية، وعيد الفصح)
الكتاب السادس: الفصل الخامس والعشرون. (بشأن ابوليناريوس: الآب والابن نفس الاسم. فتاليانوس الكاهن وانتقاله من هرطقة لأخرى)
الكتاب السادس: الفصل السادس والعشرون (يونيميوس ومُعلِّمه اتيوس. أمورهم وتعليمهم. أولاَّ من علَّما بغطسة واحدة للمعمودية)
الكتاب السادس: الفصل السابع والعشرون ( رواية غريغوريوس اللاهوتى عن ابوليناريوس ويونوميوس فى رسالة إلى نكتاريوس. تميز هرطقته بواسطة فلسفة الرهبان الذين كانوا يعيشون آنذاك، لأن هرطقة هذين الاثنين شغلت تقريبا الشرق كله)
الكتاب السادس: الفصل الثامن والعشرون ( القديسون الذين ازدهروا فى مصر فى هذه الفترة)
الكتاب السادس: الفصل التاسع والعشرون ( بخصوص رهبان طيبة، والفرما)
الكتاب السادس: الفصل الثلاثون (رهبان الاسقيط. الاخوة الملقبون بالطوال. ايفاجريوس الفيلسوف)
الكتاب السادس: الفصل الواحد وثلاثون (رهبان نتريا، والاديرة المسماة بكيليا، ودير رينوكرورا. وعن ميلاس وديونيسيوس وسولون.)
الكتاب السادس: الفصل الثانى والثلاثون (رهبان فلسطين)
الكتاب السادس: الفصل الثالث والثلاثون (رهبان سوريا وفارس)
الكتاب السادس: الفصل الرابع وثلاثون (رهبان اديسا. ورهبان كولى سيريا. والرجال القديسون فى غلاطية وكبادوكيا، وأماكن أخرى. ولماذا يعيش بعضهم عمرا مديدا)
الكتاب السادس: الفصل الخامس والثلاثون (المثلث الخشبى. هلاك الفلاسفة. التنجيم)
الكتاب السادس: الفصل السادس والثلاثون (الحملة ضد السراسيين. وفاة فالنتنيانوس فى روما. إعتلاء فالنتنيانوس الصغير. اضطهاد الكهنة. خطبة ثيمستيوس الفيلسوف التى بسببها عزم فالنس على معاملة المخالفين له فى العقيدة بأكثر انسانية)
الكتاب السادس: الفصل السابع والثلاثون
(بشأن بربر ما وراء الدانوب، الذين طردهم الهون، وزحفوا إلى الرومان، اهتداؤهم إلى المسيحية. الوقائع بين الفيلاس واثيناريخوس. متى تبَنَّى القوط الاريوسية.)
الكتاب السادس: الفصل الثامن وثلاثون
(بشأن مانيا Mania زعيمة Phylarch الساراسيين. انحلال المعاهدة مع الرومان. موسى اسقف العرب. أصل الاسماعليين، واعتناقهم للمسيحية)
الكتاب السادس: الفصل التاسع والثلاثون
(عودة بطرس من روما، استرداد كنائس مصر بعد هرب لوكيوس. حملة فالنس ضد الاسكيثيين فى الغرب)
الكتاب السادس: الفصل الاربعون ( القديس اسحق الراهب يتنبأ بموت فالنس. هلاك فالنس)
الكتاب السابع
الكتاب السابع : الفصل الأول (مساعدة مانيا للرومان. جراتيان يصرح بحرية الإيمان.)
الكتاب السابع: الفصل الثانى
(جراتيان يختار ثيودوسيوس الاسبانى ليحكم معه. الاريوسية تسود على الكنائس الشرقية فيما عدا اورشليم. مجمع انطاكية. إقرار مسألة رئاسة الكنائس)
الكتاب السابع: الفصل الثالث (بشأن مليتيوس وبولينوس اسقف انطاكية وقسَمَهما بشأن الكرسى الاسقفى)
الكتاب السابع: الفصل الرابع
(عهد ثيودوسيوس الكبير. عماده بواسطة اسخوليوس اسقف تسالونيكى. الرسائل التى وجهها إلى مَن لا يتمسكون بتعريف مجمع نيقية.)
الكتاب السابع: الفصل الخامس
(غريغوريوس اللاهوتى يستلم من ثيودسيوس إدارة الكنائس. طرد ديموفيلس وكل مَن ينكر أن الابن واحد مع الآب فى الجوهر)
الكتاب السابع: الفصل السادس
(بخصوص الاريوسيين، ونجاح يونوميوس. شجاعة سان امفيلوكيوس نحو الامبراطور)
الكتاب السابع: الفصل السابع (بشأن المجمع المقدس العام الثانى. مكان وسبب انعقاده. تنازل غريغوريوس اللاهوتى)
الكتاب السابع: الفصل الثامن (انتخاب نكتاريوس لكرسى القنسطنطينية. محل ميلاده وتعليمه)
الكتاب السابع: الفصل التاسع (مراسيم المجمع العام الثانى. مكسيموس الفيلسوف الساخر)
الكتاب السابع: الفصل العاشر
(بشأن مارتيريوس اسقف كيليكية. نقل بقايا بولس المعترف، ومليتيوس اسقف انطاكية)
الكتاب السابع: الفصل الحادى عشر (سيامة فلافيان اسقفا لأنطاكية. الأحداث المتعاقبة بسبب القسم)
الكتاب السابع: الفصل الثانى عشر
( مشروع ثيودوسيوس لتوحيد كل الهراطقة. الفروض التى وضعها آجلوس وسيسينوس النوفتيان. الامبراطور واتباع الآراء المخالفة.)
الكتاب السابع: الفصل الثالث عشر
( مكسيموس الطاغية. الوقائع التى جرت بين يوستينا الامبراطورة وامبروسيوس. مقتل الامبراطور جراتيان غدرا. هروب فالنتنيانوس الصغير وأمه إلى ثيودوسيوس
الكتاب السابع: الفصل الرابع عشر
(ميلاد هونوريوس. ثيودوسيوس يترك اركاديوس فى القنسطنطينية ويتجه إلى ايطاليا. خلافة النوفاتيين والبطاركة الآخرين. جرأة الاريوسيين. القضاء على الطاغية)
الكتاب السابع: الفصل الخامس عشر
(فلافيان وايفاجريوس اساقفة انطاكية. احداث الأسكندرية عند تدمير معبد ديونيسيوس. معبد سيرابيوم. والمعابد الأخرى الوثنية التى دُمِّرت.)
الكتاب السابع: الفصل السادس عشر (إلغاء وظيفة كاهن فريضة التوبة. اطروحة عن نمط التوبة)
الكتاب السابع: الفصل السابع عشر
( نفى ثيودوسيوس الكبير ليونوميوس، ثيوفرنيوس خليفته. يوتيخس، ودورثيوس وهرطقاتهما. انقسام الاريوسيبن إلى أحزاب مختلفة.)
الكتاب السابع: الفصل الثامن عشر
(هرطقة أخرى للسبتيين Sabbatians الناشئة من النوفاتيين. رواية مفصلة عن الاحتفال بعيد الفصح)
الكتاب السابع: الفصل التاسع عشر (العادات بين الشعوب والكنائس المختلفة)
الكتاب السابع: الفصل العشرون. (امتداد عقائدنا، وإزالة المعابد الوثنية بالكامل. فيضان النيل)
الكتاب السابع: الفصل الواحد وعشرون (اكتشاف رأس المُكرَّم السابق لربنا، والأحداث الخاصة بها)
الكتاب السابع: الفصل الثانى والعشرون
(موت فالنتنيانوس الصغير، الطاغية يوجينيوس. نبوة يوحنا الراهب الطيبى)
الكتاب السابع: الفصل الثالث والعشرون
(ابتزاز الضريبة فى انطاكية، تحطيم تماثيل الامبراطور. بعثة فلافيان رئيس الكهنة)
الكتاب السابع: الفصل الرابع والعشرون (انتصار ثيودوسيوس على يوجينيوس)
الكتاب السابع: الفصل الخامس والعشرون
(مذبحة تسالونيكى. جرأة القديس امبروسيوس فى حضرة الامبراطور ثيودوسيوس. سيرة هذا القديس البار)
الكتاب السابع: الفصل السادس والعشرون
(القديس دوناتوس اسقف بيرية، وثيوتيموس الكاهن الاعلى فى سكيثيا)
الكتاب السابع: الفصل السابع والعشرون
(القديس ابيفانيوس اسقف قبرص. ورواية أعماله الخاصة)
الكتاب السابع: الفصل الثامن والعشرون
(اكاكيوس اسقف بيرية، زينو، آجاكس. رجال متميزون ومشهورون بالفضيلة)
الكتاب السابع: الفصل التاسع وعشرون
(اكتشاف رفات النبى حبقوق وميخا. وفاة الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير)
الكتاب الثامن
الكتاب الثامن: الفصل الأول
(خلفاء ثيودوسيوس الكبير. مقتل روفينوس البريتوريان. رؤساء كهنة المدن الرئيسية. الاختلافات بين الهراطقة. رواية سيسنوس اسقف النوفاتيين)
الكتاب الثامن: الفصل الثانى
(تعليم وتدريب وسلوك وحكمة فم الذهب العظيم. اعتلائه للكرسى. ثيوفيلس اسقف الأسكندرية خصمه).
الكتاب الثامن: الفصل الثالث
(الترقية السريعة ليوحنا للأسقفية، صراعات عنيفة بشأنها. إعادة التهذب للكنائس الأخرى فى كل مكان. ازالة عداوة فلافيان بإرساله لبعثة إلى روما )
الكتاب الثامن: الفصل الرابع (مشروع جايناس القوطى البربرى. الشرور التى ارتكبها)
الكتاب الثامن: الفصل الخامس
(يوحنا يؤثر على الشعب بتعليمه.المرأة تابعة مقدونيوس التى تحول بسببها الخبز إلى حجر)
الكتاب الثامن: الفصل السادس
(اجراءات يوحنا فى اسيا وفريجية. هيراقليدس اسقف افسس، وجرونتيوس اسقف نيقوميديا)
الكتاب الثامن: الفصل السابع
(بشأن يوتربيوس رئيس الخصيان، والقانون الصادر ضده. موته عند خروجه من الكنيسة. الهمهات ضد يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل الثامن
(طريقة التسبيح بالمجاوبة التى أدخلها يوحنا ضد الاريوسيين. تعاظم منافع الارثوذكس بتعليم يوحنا، وتضخم الثروة أكثر وأكثر).
الكتاب الثامن: الفصل التاسع
(سيرابيون رئيس الشمامسة والقديسة اوليمبياس. وبعض الرجال المشهورين الذين تحاملوا بوقاحة على يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل العاشر
(سيفريانوس اسقف جابليا، وانتيوخس اسقف بتولمايس. المنازعة بين سيرابيون وسيفريان. المصالحة بينهما بواسطة الإمبراطورة)
الكتاب الثامن: الفصل الحادى عشر
(المسألة التى ثارت فى مصر بشأن ما إذا كان الله له شكل جسدى أم لا. ثيوفيلس اسقف الأسكندرية وكتب اوريجينوس)
الكتاب الثامن: الفصل الثانى عشر (الاخوة الطوال الأربعة، والأحداث الخاصة بهم)
الكتاب الثامن: الفصل الثالث عشر
(الاربعة يتوجهون إلى يوحنا. غضب ثيوفيلس لذلك. استعداده للحرب ضد يوحنا )
الكتاب الثامن: الفصل الرابع عشر
(شكاسة ثيوفيلس. القديس ابيفانيوس. الإعداد لإثارة الشغب ضد يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل الخامس عشر
(ابن الإمبراطور وابيفانيوس. اللقاء بين الإخوة الطوال وابيفانيوس. ابحار ابيفانيوس إلى قبرص. ابيفانيوس ويوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل السادس عشر
(النزاع بين يوحنا والإمبراطورة. وصول ثيوفيلس من مصر. كيرنوس اسقف خلقيدون)
الكتاب الثامن: الفصل السابع عشر
(المجمع المنعقد من ثيوفيلس فى رفينيانا. استدعاء يوحنا للحضور. عزله بواسطتهم)
الكتاب الثامن: الفصل الثامن عشر
(شغب الشعب ضد ثيوفيلس. التشهير بالحكام. استدعاء يوحنا إلى كرسيه مرة أخرى)
الكتاب الثامن: الفصل التاسع عشر
(مكابرة ثيوفيلس. العداوة بين المصريين ومواطنى القنسطنطينية، هروب ثيوفيلس. نيلامون الناسك الغزاوى. مجمع بشأن يوحنا)
الكتاب الثامن: الفصل العشرون
(تمثال الإمبراطورة. ما حدث هناك. تعليم يوحنا. الدعوة لمجمع آخر ضد يوحنا. عزله)
الكتاب الثامن: الفصل الواحد والعشرون
(المصائب التى حلت على الشعب بعد طرد يوحنا. مؤامرة لإغتياله)
الكتاب الثامن: الفصل الثانى وعشرون
(الطرد الظالم ليوحنا من ايبارشيته. المتاعب التى تلت ذلك. احتراق الكنيسة بنار من السماء. نفى يوحنا إلى كوكوسس)
الكتاب الثامن: الفصل الثالث والعشرون
(انتخاب ارساكيوس ليحل محل يوحنا. الشرور التى جرت ضد اتباع يوحنا. القديسة نيكاريت)
الكتاب الثامن: الفصل الرابع وعشرون
(يوتروبيوس القارىء، واولمبياس الشماسة، وتيجرس الكاهن يُضطَهدون بسبب التصاقهم بيوحنا. البطاركة)
الكتاب الثامن: الفصل الخامس والعشرون
(انحطاط الشؤن المدنية. امور ستيلكو. جنرال هونوريوس)
الكتاب الثامن: الفصل السادس والعشرون
(رسائل انسنت اسقف روما إلى يوحنا وكهنة القنسطنطينية كل على حدة.)
الكتاب الثامن: الفصل السابع وعشرون
(الاحداث المرعبة التى حدثت نتيجة لمعاملة يوحنا. موت افدوكسيا. موت اركاديوس. اتيكوس البطريرك: محل ميلاده وشخصيته)
الكتاب الثامن: الفصل الثامن وعشرون
(جهود انسنت لإرجاع يوحنا بواسطة مجمع. اولئك الذين ارسلهم لأجل هذا. وفاة يوحنا.)
الكتاب التاسع
الكتاب التاسع: الفصل الأول ( موت اركاديوس. حكم ثيودوسيوس الأصغر. أخواته المتبتلات)
الكتاب التاسع: الفصل الثانى (اكتشاف رفات الاربعين شهيدا القديسين)
الكتاب التاسع: الفصل الثالث (فضائل بولخريا وشقيقاتها)
الكتاب التاسع: الفصل الرابع (الهدنة مع فارس. هونوريوس واستيلكو. اعمال روما ودالماتيا)
الكتاب التاسع: الفصل الخامس
(أمم مختلفة تحمل السلاح ضد الرومان: بعضهم هُزِم بالعناية الإلهية، وبعضهم خضعوا بشروط)
الكتاب التاسع: الفصل السادس (آلاريك القوطى. الغارة على روما وحصارها حربيا)
الكتاب التاسع: الفصل السابع (سفارة اينسنت اسقف روما إلى آلاريك. جوفياس حاكم ايطاليا. السفارة إلى الإمبراطور. الاحداث بشأن آلاريك)
الكتاب التاسع: الفصل الثامن (عصيان اتالوس، وكيف طلب العفو عند اقدام هونوريوس)
الكتاب التاسع: الفصل التاسع (قلاقل بين اليونانيين والمسيحيين بشأن اتالوس، استيلاء آلاريك بالخديعة على روما، المحافظة على كنيسة مار بطرس)
الكتاب التاسع: الفصل العاشر. (سيدة رومانية تُظهِر عمل وداعة)
الكتاب التاسع: الفصل الحادى عشر (الطغاة الذين كانوا فى الغرب وقت العصيان على هونوريوس. هلاكهم جميعا بسبب محبة الله للإمبراطور)
الكتاب التاسع: الفصل الثانى عشر (ثيودولوس ولاجوديوس. أجناس الفاندال والسوفى. موت آلاريك. هرب قنسطنطين وقنسطانس الطاغيتين)
الكتاب التاسع: الفصل الثالث عشر (بشأن جرونتيوس ومكسيموس، وقوات هونوريوس. أسر جرونتيوس وزوجته وموتهما)
الكتاب التاسع: الفصل الرابع عشر (قنسطنطين. جيش هونوريوس وجنراله اودفيكوس. هزيمة اودفيكوس من اولفيلاس جنرال قنسطنطين. موت إدوفيكوس)
الكتاب التاسع: الفصل الخامس عشر (قنسطنطين يلقى بشعار الإمبراطورية، ويُمسَح ككاهن. موته. موت الطغاة الآخرين الذين قاموا ضد هونوريوس)
الكتاب التاسع: الفصل السادس عشر (هونوريوس الحاكم مُحب الله. وفاته. فالنتنيانوس وهونوريا ابنته. السلام فى العالم)
الكتاب التاسع: الفصل السابع عشر (اكتشاف رفات زكريا النبى، واستفانوس أول الشهداء)
تـمهـيــد المـعــــرب
حيـاتـه
سالامينوس هرمياس سوزمينوس([2])، غير معروف عنه على وجه التحديد، لا تاريخ ولادته ولا تاريخ وفاته. لذلك يرى بعض الدارسين أنه وُلِد فى وقت ما بين 370م و380م، حسب تقدير تشستر Chester، بينما يذهب آخرون إلى أنه وُلِد فى حوالى سنة 400م. وواضح أنها كلها تواريخ احتمالية لا تقريرية. على أية حال يمكننا القول أنه أحد رجال القرن الخامس الميلادى.
وقد وُلِد فى قرية بيثيليا Bethelia إحدى قرى غزة الآن([3]). ويُرجِح تشستر مترجم النص إلى أنه كان على الأرجح فلسطينيا وليس يهوديا لأنه كان، كا يرى هو، وثنيا. وبعد أن درس علوم عصره الكلاسيكية، ذهب إلى مدينة بريتس([4]) Berytus في فينيقية Phoenicia لكي يتعلم القانون المدني في مدرستها، حيث كانت هذه المدينة تتمتع آنذاك بشهرة خاصة فى دراسة القانون. ومن هنا كان لقبة اسكولاستيك.
وكان هذا اللقب يُطلق أساسا على المنشغلين بالمحاماة. وهكذا كان الحال مع رفيق عصره سقراتيس، وكذلك مع الأنبا زكريا البليغ فيما بعد. وبعد انتهائه من الدراسة ذهب إلى القنسطنطينية لكي يبدأ ممارسة عمل المحاماة.
وفي تلك الفترة تولدت لديه الرغبة فى كتابة تاريخ الكنيسة(3:2)، منقادًا بيوسيبيوس([5]) القيصرى كنموذجٍ ومثالٍ. فبدأ أولا ببعض الدراسات التمهيدية ثم كَتب عمله الكبير هذا في حوالى النصف الثاني من عام 443 م، وانتهى منه تقريبا عام 447 أو 448 م.
وجدير بالذكر أن سوزمينوس، وكذلك سقراتيس، لم يكونا بتاتا من الاكليريكين بأى شكل من الاشكال، بل كانا علمانيين([6]) فقط محبين للكنيسة وتاريخها، على عكس يوسيبيوس القيصرى من قبلهما وثيودريت اسقف كيروس من بعدهما.
وفى عمليَهما تتداخل الاحداث غير أن هناك تفاصيل لدى سقراتيس غير موجودة لدى سوزمينوس، وتفاصيل لدى سوزمينوس غير موجودة لدى سقراتيس. لذلك عملهما مكملان لبعضهما البعض([7])
ثقافته
كان الجانب الأعظم من دراسته باللغة اليونانية، والتي كان بارعا فيها، بل إنه صار واحدا من أبرع الكُتاب في أيامه كما يذكر فوتيوس([8]) المؤرخ. ومن معرفته بالأسماء السريانية والأرامية، ومن مقارنته بين أعمال مار آفرام في لغتها الأصلية وبين ترجمتها في اللغة اليونانية، ومن حديثه عن الرهبان السريان، وكذلك استخدامه للوثائق التي كتبها مسيحيو سوريا وفارس خاصة اديسا Edessa، ومعرفته الواسعة بتاريخ الكنيسة السريانية، يمكننا أن نستدل على إحاطته باللغة السريانية. أما بالنسبة للغة اللاتينية، فإنه اذا كان من الصعب البت في هذا الأمر، إلا أنه يمكن القول أن عمله كمحامى كان يجعله يُلِّم بلغة القضاء التى كانت آنذاك اللاتينية لأن كل الأحكام والقوانين كانت بهذه اللغة. غير أننا نجد من ناحية أخرى، أنه عندما كان يستشهد بوثائق لاتينية، كان ينقلها عن ترجمات يونانية!!.
على أية حال كان سوزومينوس ذا ثقافة عالية ودراية بالفلسفات والكتابات الأدبية غير المسيحية([9]).
أما عن تعليمه المسيحي، فقد كان يعترف بقانون الإيمان النيقاوي، وإن يقر بعدم درايته التامة بالأمور اللاهوتية. إذ بعد أن يسرد نص رسالة القديس غريغوريوس النزينزي إلى نكتاريوس Nectarius يقول للقارئ انه لا يستطيع القول أنه يفهم أو يشرح هذه الأمور بسهولة.
كذلك نجده يدافع في تاريخه عن القديس يوحنا فم الذهب ضد الاتهامات التي وُجهَّت إليه، مثل تلك التي ذكرها سقراتيس في تاريخه.
تاريخه الكنسي
بدأ سوزومينوس في كتابة "تاريخه الكنسي"، كما قلنا، فى حوالى سنة 443م وإنتهى منه سنة 448م على الأكثر، وأهداه إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير أو الثانى. وكان من المفترض أن يغطى الفترة ما بين نهاية عمل يوسيبيوس القيصرى (والذى ينتهى عند 325م) إلى السنة "السابعة عشر من حُكم ثيودوسيوس الصغير" حسبما أعلن فى تمهيده، أى سنة 439م.
ولكن ما وصلنا فعلا من مخطوطته يقف عند 429م تقريبا، حيث فُقِد الجزء الأكبر من كتابه التاسع والذى يُغطى الأحداث من عام 425م إلى عام 439م. وقد كان بالفعل كذلك الى عهد المؤرخ فوتيوس(ق9م).
ومن الفصل الأول من "تاريخه الكنسي"، محل إنشغالنا الآن، نعرف أن هذا العمل لم يكن عمله الأول بل كان قد وضع قبلا ملخصا لتاريخ الكنيسة منذ صعود السيد المسيح إلى هزيمة ليسينيوس فى عام 323 م فى إثنى عشر "كتابا" [أى بابًا]. وشملت مصادره يوسيبيوس القيصرى، عظات كليمندس، هجيسبيوس، سيكستوس يوليوس افريكانوس(1/1/9). وهذا العمل مفقود الآن ولم يصلنا.
أما "التاريخ الكنسي" لسوزومينوس فيتكون من تسعة كتب [أى أبواب، كما قلنا] يسبقهـا إهداء إلى الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، وهي كما يلي:
الكتابان الأول والثاني: تاريخ الكنيسة أثناء حكم قنسطنطين Constantine.
الكتابان الثالث والرابع: تاريخ الكنيسة أثناء حكم أبناء قنسطنطين.
الكتابان الخامس والسادس: تاريخ الكنيسة أثناء حكم يوليانوس(المرتد) Julian وجوفيانوس Jovian وفالينتينيانوسValentinian وفالنس Valens.
الكتابان السابع والثامن: تاريخ الكنيسة فى عهد جراتيانوس Gratian وفالنتنيانوس( الأصغر) وثيودوسيوس الكبير Theodosius، واركاديوس Arcadius وهونوريوس Honorius.
الكتاب التاسع: يخص عهد ثيودوسيوس الصغير. (والذى لم يصلنا كاملا لسوزمينوس).
مـصــادره:
ماهى مصادر سوزمينوس؟. هناك جدل بين الدارسين الغربيين بشأن مصادر سوزمينوس. فالبعض يُسرِع بالقول أنه نقل عن سقراتيس معاصره والذى على ما يبدو أصدر عمله قبله، ويرون أن ثلاثة أرباع عمله هى من سقراتيس اسكولاستيكوس، حيث تظهر العلاقة الأدبية بين هؤلاء الكاتبيَن فى مواضع عدة (أنظر مثلا سقراتيس10:1 مع سوزمينوس22:1).
ولكننى أرى ان اعتماد سوزمينوس على سقراتيس ليس بهذه الدرجة التى تجعله فى نظر البعض ناسخا لسقراتيس، ولكن التشابه أو حتى التطابق بينهما فى ذات الحادثة أو الواقعة يعود، فى نظرى، إلى وِحدة المصدر أو المصادر. فما من شك أنه بالنسبة للأحداث القديمة نقل كلاهما من مصادر مكتوبة قبلهما. ومن هنا من الممكن لى قبول الرأى الذى يرى أن سوزمينوس قد استفاد من عمل سقراتيس فى التعرف على المصادر، ومن الممكن أيضا أن يكون قد استفاد منه فى ترتيب الأحداث. فهذا أمر ما زال حادثا حتى يومنا هذا حيث يَطَّلع باحث ما على مصادر عمل آخر، ثم يقرأ هو هذه المصادر بنفسه ويصوغها بأسلوبه هو، ويُضفِى عليها أو بالأحرى يُضمِنها وجهة نظره ورؤيته الخاصة.
ويرى البعض أنه بالنسبة للنوفاتيين([10])، اعتمد بالكامل على سقراتيس. ولا مانع لدىّ فى قبول هذا الرأى، على أساس أن آخرين يُرجحون أن سقراتيس ربما كان من شيعة النوفاتيين.
ولكن بلا شك كان لكلٍ منهما مصادره الخاصة إلى جانب المصادر المشتركة بينهما. وبالإضافة إلى ذلك كانت لكل منهما وجهة نظره الخاصة فى تناول ذات الحدث. بل أقول كان لكل منهما هدفه الخاص من وراء انتقاء الأحداث التى يرويها، وسأدع كل قارىء يستخلص هذا الهدف بذاته.
أما عن المصادر التى استقى منه سوزمينوس معلوماته فى هذا المكان أو ذاك، فيمكننا بصفة عامة، التعرف عليها بسهولة. رغم أنه لم يكن يشير، إلا فيما ندر، إلى مراجعه. وهى كما يلى:
(1) أول مصدر بالطبع هو " تاريخ الكنيسة" ليوسيبيوس القيصرى، وكذلك "حياة قنسطنطين" لنفس الكاتب.
(2) " أعمال أثناسيوس" الرسولى التاريخية وكذا كتابه عن "حياة الأنبا انطونيوس". حيث نجده يُكمِل رواية سقراتيس من عمل البابا أثناسيوس "ضد الاريوسيين"، كما ينسخ من رسالة البابا أثناسيوس إلى اساقفة مصر(18، 19).
(3) الكتابان التاريخيان اللذين أضافهما روفينوس الأكويللى القس الإيطالى، فى ترجمته اللاتينية لعمل يوسيبيوس القيصرى، والمعروفان بالكتابين "العاشر والحادى عشر" لروفينوس([11]). وبالطبع روفينوس هنا فى كثير من الأحداث كان المصدر الأول لسقراتيس وسوزومينوس ومَن بعدهما.
وهنا نلاحظ تميز كلٌ منهما فى تناوله لذات المصدر الواحد، إذ سنرى أن سوزمينوس كان أكثر قربا لروفينوس فى تناوله لراوية طفولة أثناسيوس، عن سقراتيس، مما يدل على أن كلا منهما أعد تاريخه بأسلوبه الخاص من ذات المصادر، ولم يكن ناسخا للآخر.
(3) عندما يتكلم عن كواكب الرهبنة ورموزها البارزين فى مصر فى مواضع مختلفة من عمله كانت تحت يده بالطبع أعمال: بالاديوس، و" وصف الرهبان السبعة الذين من أورشليم" المعروف باسم "هستوريا موناخورم"، ووصف روفينوس.([12])
(4) بالنسبة لمصادر السجلات الكنسية استخدم سوزمينوس بصفة اساسية عمل سابينوس Sabinus الذى كان يشير إليه بإستمرار. وأيضا سجلات المجامع من صُور(355م) إلى انطاكية التى فى كاريا(367م).
(5) واستخدم سوزمينوس مصادر أخرى عديدة انفرد هو بها. فهناك الكثير من الصفحات التي لا نجدها في تاريخ سقراتيس، ولكنها توجد فقط في تاريخ سوزومينوس، مثل الحديث عن اضطهاد المسيحيين في فارس أثناء حكم سابور الثاني Sapor II والذي استقاه بالتأكيد من " أعمال شهداء فارس". وكذلك التواريخ الرهبانية، و"Vita Martini" لسلبيسيوس ساويرس. واعمال هيلاريوس، ويوستاثيوس الانطاكى، ورسالة كيرلس الأورشليمى إلى قنستانتيوس بشأن ظهور الصليب الإعجازى، و"عمل" بالاديوس. هذا إلى جانب التقليد الشفاهى([13]) على نحو أضاف قيمة متميزة لعمله. بالإضافة إلى مصادر أخرى غريبة أكثر، من سقراتيس.
(6) ومن فترة ثيودوسيوس الأول، كف سوزمينوس عن تتبع عمل سقراتيس، واتبع نهج اولمبيودورس الطيبى Olympiodorus of Thebes الذى ربما كان المصدر المدنى الوحيد لسوزمينوس، حيث يبدو الكِتاب التاسع لسوزمينوس اختصارًا لعمل اولمبيادورس هذا، فى نظر شستر مترجم النص إلى الإنجليزية.
(7) هذا بالإضافة بالطبع إلى " اعمال" باسيليوس القيصرى، وغريغوريوس اللاهوتى، وكتاب بالاديوس "حوار عن حياة فم الذهب"([14]). فضلا عن تاريخ يوسيبيوس القيصرى الذى يُكمِل تاريخه. ليس هذا فحسب، بل نجده يشير(فى ك 19:6) إلى عمل للبابا الأسكندري تيموثاوس خاص بسير بعض الرهبان. لكنه بالطبع لم يكن ينقل منهم بالنص، ولكن بإختصار وبأسلوبه الخاص كقارىء يعرض بنفَسِه ما قد قرأه من معارف([15]).
(8) والى جانب ذلك اعتمد على وثائق أخرى فنجده يقول "ولكننى بحثتُ عن سجلات أحداث التاريخ القديم بين القوانين الراسخة المتعلقة بالديانة، وبين مضابط مجامع الفترة، وبين البدع التى ثارت وفى رسائل الملوك والكهنة. وكانت بعض هذه الوثائق محفوظة فى القصُور والكنائس وأخرى كانت متناثرة بين ممتلكات بعض المتعلمين"([16])
ويُلاحَظ أن سوزمينوس يبذل جهدا مضنيا لكى يكون مُلما جيدا بكافة مصادر المعلومات الخاصة بالموضوع الذى يطرقه، فقد كانت لدية رغبة جامحة فى الوصول إلى الحقيقة. فكان يتتبع مصادره بدرجة وثيقة، وفى بعض الأحيان حرفيا. ولذلك عندما كانت هناك اختلافات فى المصادر فيما بينها كان يعرضها كلها فى العادة.
نقد عمل سوزمينوس
إن عمل سوزمينوس شيق وقيّم لعدة أسباب:
1- أنه يُعطي، أكثر من أى مؤرخ سابق له، اهتماما كبيرا لنشاط المسيحيين التبشيرى. فيحدثنا عن العمل الكرازي في "إيبيريا" Iberia التى هى جورجيا الآن، وفى أرمينيا، والحبشة التى يدعوها نقلا عن روفينوس "بالهند الداخلية"، والقوط، والساراسيين أى العرب. وكان أول مؤرخ يقدم وصفا أشمل للمسيحية في سوريا وفلسطين. كما يذكر بعض أبعاد الحياة المسيحية والمعاناة في اديسا.
غير أنه كان على غرار سقراتيس يهتم بالأكثر بالتاريخ المسيحى الشرقى، لذا لا يتحدث على الإطلاق عن الكنيسة في إفريقيا، ويروى القليل جدا عن الكنيسة الغربية فى علاقتها بالشرق. وقد اختصر ثيودريت عنه هذه الأخبار فى عمله "التاريخ الكنسى".
2- وكان معجبا بشدة بالحياة الرهبانية التى اعتبرها "الفلسفة"([17]) الحقيقية للحياة. فتحدث عن ظهور وانتشار الرهبنة المسيحية، وجهادات مؤسسيها الأوائل فى إنشاء الأديرة والجماعات الرهبانية، مؤكدا أن الحياة النسكية هي، فى نظره، "الفلسفة" الحقيقية، وأن مؤسسيها هم فقط "الفلاسفة" الحقيقيون. فذكر آباء الرهبنة وقادتها العظماء في الأماكن المختلفة، وجعل ذلك سمة لمعالجته التاريخية لحياة الكنيسة. رغم أنه لم يكن راهبًا، فمع إعجابه بعظمة الرهبنة الروحية، إلا أنه لا يقول أبدا أنه اتبع هذا الدرب المقدس، بل انكر على نفسه الحق أو القدرة على اتباع هذا النهج، ويقول "لأننى لا أرغب فى أن أُعتَبر غير لطيف نحوهم، ولا أن أُهمِل فضائلهم، ولا أن أكون جاهلا بتاريخهم. ولكننى أرغب فى أن أُخلِف ورائى سجلا بسلوك حياتهم هذه، حتى ما يحض الآخرين على الإقتداء بنموذجهم إلى نهاية سعيدة ومباركة"([18]). ولذلك يُقدّم لنا السير الرهبانية بإسهاب أكثر نوعا ما عن سقراتيس، وبتأمل روحى جميل لا يخلو من رأي فلسفى له.
3- وعلى الرغم من أن معالجته للكنيسة الغربية لم يكن تاما إلا أننا نجد صفحات عنها تضم حقائقً ليست متوفرة فى أعمال أخرى، وتُعتبَر من الناحية الوثائقية ذات أهمية قصوى. وتتضح بجلاء روح واهتمام سوزمينوس التاريخى فى تتبعه لخيوط رواية سقراتيس، ولكنه يسعى إلى تجويدها والتفوق عليها بتعبير أنيق وباستخدام أفضل لمصادر ممتازة.
4- وتختلف نظرته لدور المؤرخ عن تلك التى لسقراتيس، فهو يرى (فى ك15:3) أن دور المؤرخ هو تجميع الحقائق دون إضافة شىء إليها. ومن هنا لم يكترث كثيرا بنقد مصادره([19]) بل كان يتبنى فى العادة وجهة نظرها، لدرجة أنه أُتُهِم بالأريوسية والنوفاتية!!. بينما فى الحقيقة، لم يكن له أى رأى فى الجدل اللاهوتى، وقد عبَّر عن ذلك صراحة وبكل جلاء.
5- وفى تناوله لأوضاع الكنيسة، وطرق تفسير الكتاب المقدس، ووجهة نظره فى التسلسل الكهنوتى وكرامة الرتب الكنسية، كان دائما يتناول هذه الأمور بشعور الخضوع والاحترام. فقد كان مقتنعا اقتناعا عميقا بدور العناية الإلهية فى مجرى التاريخ([20])، وقيادتها وإرشادها للكنيسة. وأن رسالة الكنيسة هى أساسا تنظيم شؤون البشر تحت الارشاد الإلهى.
وبالنسبة لطرق تفسير الأسفار المقدسة يأخذ بالرمزية كمنهج للتفسير. وفى الشؤن العقائدية حرص كل الحرص على التمسك بعقيدة الكنيسة الجامعة الرسولية الأرثوذكسية معتبرا إياها العقيدة الأصلية الحقيقية. واعتبر صيغة مجمع نيقية للإيمان الصيغة النهائية التى لا يجوز إضافة أى شيء إليها أو حذف أى شيءٍ منها. لكنه لم يدونه ضمن تاريخه خوفًا من أن يطلع عليه ، كما يقول، غير المُعمَّدين. فعارض بشدة كل انواع الهرطقات بكافة أشكالها.
ولكن بينما كان يكره بشدة الاريوسية و"الغنوسية الوثنية" والمونتانية والأبولينارية وغيرها، لم يسمح لنفسه بتاتا بالهجوم على قادتها([21])، إذ يقول " ولا يبدو غريبا إن قدَّمتُ توصيات بشأن قادة البدع السابق ذكرهم، أو المتحمسين لها، فاننى معجب ببلاغتهم ومثابرتهم فى الخطابة. واننى أدع الحُكم على عقائدهم لمن لهم الحق"([22])
6- ورغم أنه مؤرخ مسيحى أساسا ويؤرخ للتاريخ الكنسى، إلاَّ أننا نلاحظ أصداء قراءاته الفلسفية والأخلاقية فيُعلِّق مصححا لهذا الرأى أو ذاك متى وجده رأيا أو قولا غير سليم. مثلما نرى فى (ك 6:5) حيث يقول ليس صحيحا أنه حسبما يكون الجسد هكذا تكون النفس كما يقول البعض، ولكن على العكس يتشكل سلوك الجسد تبعا لنشاط النفس.
7- ويساعدنا هذا التاريخ على معرفة بعض "الاسرار الكنسية" (العماد، التناول، الاعتراف) تاريخيا. بل وأيضا ترتيبات موسم البصخة (فى ك18:7)
8- كما يكشف لنا هذا التاريخ عن أن جميع الهرطقات قد نبعت من "تضخم الذات" و"الأناوية". فكل خادم كنسى أيا كانت رتبته يُريد أن "يأتى بجديد" لم يعرفه أحدٌ من قبله ولا من بعده. وليس مهما أن يكون ذلك حسب التفليد الكنسى أو حسب الكتب المقدسة، المهم أن يكون منسوبا له.
9- وعلى الرغم من أن تاريخ سوزمينوس تاريخا كنسيا محضا إلاَّ أنه اشتمل على بعض السير لبعض القديسين والرهبان الذين كان يحلو له طوال عمله هذا أن ينعتهم، كما قلنا، "بالفلاسفة" ليس بالمعنى الحالى للكلمة ولكن بمعنى اصطلاحى عنده، استخدمه على اساس المعنى اللغوى للكلمة. فالفلسفة لغويا تعنى "حب الحكمة" والراهب يبحث عن "الحكمة الحقيقية" التى هى معرفة الله والحياة الدائمة معه. أو عن "اقنوم الحكمة" الذى هو "الله الكلمة". ومن ثم الرهبنة والحياة النسكية عنده هى "فلسفة" الحياة "الحقيقية" من وجهة نظره وموقف فكرى، ومَن يتبناها هو بالتالى، "الفيلسوف" "الحقيقى" فى نظره.
10- وسجل أيضا اكتشاف أجساد القديسين، الذى حدث قبل، أو فى زمانه. فيذكر منهم: ميخا، وحبقوق، وزكريا، ويوحنا المعمدان، واسطفانوس، والأربعين جنديًا، وهيلاريون الكبير، فضلا عن العثور على الصليب المقدس للمسيح والمسامير التى سُمِّر بها.
وذهب البعض إلى أنه وهو يحاول أن يُعِدّ تاريخا كنسيا أفضل من الذى لسقراتيس قد وُفِّق جزئيا. فصحيح أنه قدَّم مرارا مادة إضافية، ولكنه نادرا ما حَسَّن من النموذج السابق له. كما أخفق، مثل سقراتيس، فى تتبع التسلسل الزمنى عن كثب.
وفى الحقيقة، هناك العديد من الأخطاء وأوجه القصُور فى عمله. وقد كان هو نفسه واعيا بالكثير منها، لكن لم يكن فى وسعه تصحيحها. فكثيرا ما كان من العسير عليه أن يعرف الحقيقة فى خضم الأدلة المتباينة التى يتناولها والتى كانت فى غالب الأحيان ليس بها دليل كافٍ. ولكنه سعى فى كل حالة إلى التعبير عن الحقيقة وإلى أن يجعل عمله يُقدِّم شيئا نافعا فى الدفاع عن المسيحية واستجلاء مفاهيمها.
ويهمنى هنا أن اسجل بعض الملاحظات على هذا العمل:
1- ينبغى الوعى منذ البداية، منعا لأى تشوش، بأن سوزمينوس عند سرده للأحداث لا يتتبع الترتيب الزمني لوقوعها وإنما يسردها حسب موضوعها حيث كان يجمع أحداث حقبة أو فترة ما معا. ومن ثم من الممكن أن تجده مثلا يقول عن حاكم ما أنه غادر المدينة، ثم يسرد بعد ذلك واقعة حدثت أثناء وجوده. وهو نفسه يؤكد هذا الرأى إذ يقول فى (4/11/1) "على الرغم من أن ما قد سجلته لم يحدث لأثناسيوس وكنيسة الأسكندرية فى نفس الفترة من الزمن..."
2- يرى البعض أن سوزمينوس اعتمد فى تاريخه على السماع، وربما استند رأيهم هذا إلى تكرار كلمة "يُقال" فى أكثر من موضع من عمله هذا. ولكننى أرى أن هذه الكلمة قد استخدمها سوزمينوس هنا عند نقله من مصدر قرأه. حيث يُلاحَظ أنه لا يذكر اسماء الكتّاب الذين رجع إليهم، ولا حتى أسماء أعمالهم إلا فيما ندر جدا مثل إشارته إلى "اعمال المجمع" بالنسبة لبعض المجامع. والدليل على ذلك أنه عندما يذكر واقعة إقامة القديس أثناسيوس الرسولى(البابا الأسكندرى العشرون فى عداد بابوات الأسكندرية) لدى عذراء جميلة وحكيمة بالأسكندرية والتى كان بالاديوس أول مَن ذكرها(فى عمله "التاريخ الرهبانى") حيث زارها وهى فى شيخوختها([23])، نجده يقول هنا "ويُقال". رغم أنه من الثابت أن "عمل" بالاديوس كان متاحا للجميع وباللغة اليونانية فى أوائل القرن الخامس الميلادى، بينما وُلِد سوزمينوس فى حوالى سنة 400م كما قلنا عاليه، وكَتب تاريخه فى عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الصغير، فلنقل فى خلال أربعينات القرن الخامس الميلادى.
3- لمَّا كان سوزمينوس، وكذلك سقراتيس، ليس اكليريكيا بأى نحو، وإنما هو شخص علمانى محب للكنيسة وتاريخها فقط. لذا لم يتبحر فى مناقشة العقائد، وكان يحيل قارئه صراحة إلى الكتابات المتخصصة فى ذلك.
ولذا أرى قراءة هذا الكتاب جنبا إلى جنب مع كتابى "تجسد الكلمة" و"ضد الاريوسيين" للقديس اثناسيوس الرسولى البابا الاسكندرى العشرون فى عداد باباوات الأسكندرية([24])، لفهم المصطلحات العقائدية التى كانت محور الصراع الذى دام نحو ستين عاما من 325م إلى حوالى 381م. بل وامتدت توابعه ولواحقه إلى مجمع خلقيدونية. وخاصة مصطلحات "جوهر" و"طبيعة" و"اقنوم" و"هيبوستاسيس" و"هوموسيسوس" و"هوموأوسيوس".
4- أن المرء عند قرائته لهذا التاريخ يخال له أنه يقرأ تقريرا للأحداث الجارية فى أيامنا الحالية.
5- يجب الوعى أن تعبير "ارثوذكس" عند سوزمينوس هنا لا يعنى المعنى الطائفى الحالى، ولكنه يعنى "أصحاب العقيدة النيقيّة" فى مواجهة البدع والهرطقات. وأن تعبير "كنيسة كاثوليكية" أيضا لا يعنى المعنى الطائفى الحالى، ولكنه يعنى الكنيسة "الجامعة" لكل الأجناس واللغات المؤمنة بالإيمان الواحد الارثوذكسى بالمعنى المذكور توا. ولذلك ترجمتُ بإستمرار "كاثوليكية" إلى "جامعة" منعا للتشويش الطائفى.
6- كذلك كان يقصد بكلمات "بربرى" و"بربر" الأجناس غير الرومانية بصفة عامة، بنفس فكر اليونانيين الذين كانوا ينعتون كل مَن هو غير يونانى بهذا اللقب. وهو مِثل لقب "العُجم" عند العرب، و"الأمم" عند اليهود.
7- كذلك يلزم الإلمام بأن كلمة "شركة" فى هذا العمل يُراد بها الاشتراك فى التناول من "السرائر المقدسة". وهو دليل على الاتفاق فى العقيدة مع الشيعة التى يتم التناول مع أعضائها. ولذلك نجد دائما فى المراسيم الصادرة من أى مجمع، قانونى كان أو خاص بالهراطقة، كان يتم النص فيها على عدم اشتراك أعضائها فى التناول فى الكنائس المضادة أو حضور اجتماعات فيها. فضلا عن حرومات أخرى.
مـقدمـة المترجم
حياته
الاسم سالامينيوس هرمياس سوزمينوس([25])، هو اسم غير عادى وصعب. ولذا يبدو أنه من المرغوب فيه أن نتبنى الترتيب الذى تبناه فوتيوس([26]) Photius على أن نحتفظ بالهجاء الذى [يَظهر] لدى نيسيفورس كاليستوس Nicephorus Callistus، وفى عناوين caption المخطوطات الرئيسية، ولذلك ندعوه سالامينيوس هرمياس سوزمين Salaminius Hermias Sozomen. وليس من الممكن أن نحدد بالضبط إلى ما تشير كلمة سالامينيوس. فليست هناك أية بيانات توضح بالضبط العلاقة الرئيسية بين سوزمينوس وسالاميس المقابلة لأثينا، أو سالاميس Salamis (كونستاتياConstantia ) فى قبرص. فمن المؤكد ليس هناك أى سجل لأى مصدر أصلى. ففى الفقرة 32:6، وهو يتكلم عن أنوار الرهبنة الأعظم فى فلسطين: هيلاريون Hilarion وهيزيكاس Hesychas وابيفانيوس Epiphanius يُلاحَظ أنه "فى نفس الفترة كان فى الأديرة سلامينس Salamines وفوسكون Phusconوملاخيون Malachionوكرسبون Crispion، أربعة اخوة كانوا متميزين بشدة".
وفى الجدل العنيف بين ابيفانيوس والامبراطورة [عندما] قالت له الثانية "ليست لك قوة لإقامة الموتى، وإلا لمَا مات رئيس شمامستك"، يشرح سوزمينوس [ذلك] "أنها أشارت إلى كريسبون رئيس الشمامسة الذى كان قد توفى قبل ذلك بوقت قصير. وقد كان أخا لفسكون وسالامينوس الراهبيَن اللذين انتهزتُ فرصة ذِكرهم عند تناول تفاصيل الأحداث فى عهد فالنسValens "(15:8). وتتنوع القراءة فى الاقتباس الأول بين سلامينس وسلامنس.
ولما كان هؤلاء الرهبان من عائلة آلافيون Alaphion الأصدقاء الحميمين وجيران لجد سوزمينوس (15:5) فإنه يمكن تخمين أن سلامينس كان على علاقة ما مع سوزمينوس، كأن يكون معلما أو راعيا، ومن ثمة يكون لقبه هذا ناجم عن مثل هذه العلاقة. ويبدو غريبا فى مثل هذه الحالة أنه لم يذكر هذا الرباط، أو على الأقل يؤكد حياة هذا الأخ الخاصة بإشارة ما ولكنه ببساطة يذكر أن "بعض الرجال الطيبين، الذين ينتمون إلى هذه العائلة قد أزدهروا حتى فى أيامنا هذه. وفى شبابى رأيتُ بعضهم، ولكنهم كانوا آنذاك مسنين جدا". وفى فقرات أخرى (32:6، 15:8)، وليست هناك أية اشارة لهذه الصداقة الحميمة. وفى نفس الوقت يبدو أن ذلك تفسيرا ترجيحيا للقب([27]).
أما هرمياس فقد كان اسما شائعا تماما بين المسيحيّن. إذ كان مرتبطا بتكريم محلى أو مكانى لهرماس Hermes كمُعطِى للهبات غير المتوقعة، أو ربما تعبير عن التمنى من والديه للنجاح المستقبلى للوليد الجديد. وعلى الرغم من أنه يحمل صدىً وثنيا إلاَّ أنه كان عاديا فى هذه الحالة، لأنه كان من الجد.
واسم سوزمينوس نفسه من الناحية الوثائقية لم يكن معتادا. ومن المحتمل أنه أُعطِى للطفل من الأب كإعتراف تقوى بالنجاة لنفسه وللطفل وبالمقابلة مع اللقب العائلى. وفى رسالة لإيسيدورس البيلزيومى موجهة لحاكم ما præfectus domestico (300:1)، كان اسمه أيضا هكذا، ولا بد أنه كان معاصرا له. إنه بالطبع مفاجئة سارة أن يتطابق اسمه مع المؤرخ، وليس ذلك بالمستحيل على الاطلاق لأن ايفاجريوس Evagriusالمدافع والمؤرخ كان مُعززا جدا ("ت. ك"، 24:6). واشاراته الخاصة بالسير فى عمل سوزمينوس الباقى الذى وصلنا، هى من الأقل، وفيما عدا التقليد، لم تحتفظ بشىء على الاطلاق.
وكان اسلافه منذ زمن بعيد من سكان قرية بيثِليا Bethelia فى مقاطعة غزة، وبالقرب من تلك المدينة الهامة. وكانوا، من المحتمل، من جهة الجنس من نسل فلسطينى أكثر منه يهودى، لأنهم كانوا وثنيين (هلينيين) إلى زمن هيلاريون فى الربع الثانى من القرن الرابع الميلادى. ويقابل مؤرخنا بينهم وبين العبرانيين.
وكانت عائلته إحدى العائلات المتميزة وتنتمى إلى نوع من أشراف القرية. فقد كان ألفيون Alaphion يحظى بكرامة أعظم. وكانت قرية بيثليا تكتظ بخليط من اليهود والأمم. وكان الأمميون، مع ذلك، يسودون بدرجة كبيرة. ويبدو أن اسمها مشتق من البانسيون Pantheon المُشيَّد على ربوة صناعية، وبذلك كان يطل على كل المدينة التى كانت غيرتها الدينية الشاملة مرموزا إليها بهذا المعبد الذى أخذ اسمه الاصلى من السريانية، ثم صُحف باليونانية إلى نعت يعنى "محل جميع الأرباب". فقد أُعطِى لقب Bethel أولا للمعبد ثم انتقل للمدينة (بثيليا). واستخدام شكل كهذا يشير إلى أن اللهجة التى كانت سائدة كانت تنوعا من السريانية أو الآرامية، وقد كُتِبت أيضا بالشكل Bethelea (32:6).
وقد وُلِد هيلاريون فى قرية أخرى تدعى ثباثا Thabatha بالقرب من غزة أيضا إلى الجنوب فى وادى بنفس الاسم. وقد صار طالبا فى الاسكندرية، ولكنه تبنى الحياة الرهبانية من خلال مثال انطونيوس. وعند عودته إلى وطنه، وجد والداه قد توفيا، فوزع نصيبه من ممتلكات والده على الفقراء ثم اعتكف فى الصحراء بالقرب من البحر على مسافة عشرين استاديا([28])stadia من قريته. وبدأ مهنته الرهبانية كمؤسس لهذا النظام الأخلاقى فى فلسطين. وقبل أن يهرب إلى معتكف آخر وبعيد، تواصل مع ألفيون رأس العائلة النبيلة فى بثيليا، الذى كان على درجة صداقة حميمة بجد سوزمينوس.
وكان ألفيون عليه روح نجس، ولم يستطع الراقون اليهود ولا الوصفات formularies الوثنية إخراجه. فدعا هيلاريون بإسم المسيح فقط، فطُرِد الروح الخبيث(15:5)، وصار الرجل الذى شُفِى مسيحيا فى الحال. وآمن جد سوزمينوس أيضا بعناية صديقه، وكذلك تبنى أبو سوزمينوس الايمان الجديد. وانضم أقارب آخرون إلى صفوف المؤمنين فى هذه المدن الوثنية لأن غزة المدينة الرئيسية أظهرت العداوة للإنجيل. وكان الجد ذا فطنة أصيلة وله دراية معقولة بالدراسات العامة، ولم يكن بلا معرفة ما بالحساب، وقد أهَّله مركزه الاجتماعى والفكرى لأن يكون متميزا بين المهتدين، وبصفة خاصة كمفسر للأسفار المقدسة، فكسب محبة المسيحيين فى عسقلون وغزة والمناطق الأخرى. وتقديرا لحفيده كان رمزا، ضروريا فى الحياة الدينية للجماعات المسيحية. وكان الشعب ينقلون إليه الكتابات المقدسة الصعبة ليحلها لهم. ولكن لا يبدو أنه شغل أي وظيفة اكليريكية. وبينما كان جد سوزمينوس ظاهرا للعيان كمُعلم دينى فى جنوب غرب فلسطين والمنطقة الفلسطينية القديمة، كان ألفيون وعائلته متميزين فى الأعمال ذات الصفة العملية. فقد أسسوا كنائس وأديرة، وكانوا نشطين فى إراحة الغرباء والفقراء. وقد تبنى البعض الفلسفة الجديدة، وخرج من صفوفهم شهداء واساقفة. ولم يقل سوزمينوس شيئا عن والده سوى أنه كان وثنيا وأنه وُلِد لذلك قبل ارسالية هيلاريون.
وقد أدى مرسوم يوليانوس Julian إلى انتعاش فجائى للديانة القديمة للدولة، مما أدى إلى اضطهادات محلية كثيرة حيث كان الوثنيون الحزب الأقوى، فكانت غزة وتوابعها من عداد هذه المواضع.
وقد سجل مؤرخنا بعضا من مآسى هذه الفترة غير السعيدة. واضطرت عائلة ألفيون وسوزمينوس إلى الهرب، ولكنه لم يقل لنا إلى أين. ومن المحتمل إلى المعتكفات فى أقصى الطرف الجنوبى، وبكل تأكيد عاد المنفيون(15:5) بعد اعتلاء جوفيانوس Jovianللعرش على الأرجح.
ويمكننا أن نخمن تاريخ ميلاد سوزمينوس كما يلى: كان نشاط هيلاريون فى فلسطين بعد مجمع نيقية وقبل ارتقاء يوليانوس للعرش، أى يمكن القول حوالى 345م. وكان عمر الجد عند اهتدائه حوالى الأربعين، حيث صار ملمحا بارزا ظاهرا للعيان، وكان الأب صبيا عندما حدث هذا التغير فى العبادة المحلية. أما النفى فى عهد يوليانوس فقد حدث حوالى 362م تقريبا، والعودة منه كانت سنة 364م، عندما صار الصبى شابا. وبذلك يمكن أن نضع ميلاد سوزمينوس فى وقت ما بين 370م و 380م.
وقد تنيح هيلاريون حوالى سنة 371م، وافرايم السورى سنة 378م. وكان جراتيان امبراطورا للغرب وثيودوسيوس Theodosiusالكبير كان قد خلف لتوه فالنس فى الشرق. وكان امبروسيوس أكثر الكنسيّين تأثيرا فى الغرب، وغريغوريوس النزينزى وابيفانيوس قادة الأرثوذكسية فى الشرق.
وهناك القليل عن تعليمه فقد كان توجيه الرهبان له حقيقة إذ كان النمط النسكى هو فقط شكل الحياة المسيحية المعروف فى ذلك الاقليم. فقد كان الاساقفة وذوى الرتب الاكليريكية يُختارون من الفلاسفة([29]) العمليِّين. وهناك تسلسل للرجال الأتقياء من صُلب ألفيون، ألمَّ سوزمينوس الشاب ببعض من بين قادة الجيل الثانى بدرجة كبرت أو صغرت. وقد ذُكِرت بالفعل اسماء بعضهم (15:5، 32:6، 15:8) وكانوا جميعا تلاميذ لهيلاريون. ولابد أن رابع الاخوة واسمه ملاخيون كان قد رحل بالفعل وأحاطت بذكراه الأساطير. وكان تأثير ابيفانيوس فى سائر أرجاء فلسطين وبصفة خاصة فى منحدراتها الجنوبية، كبيرا فى تشكيل صفة الفكر التقوى والمشاعر. وكانت قوته ما زالت عندما كان سوزمينوس صبيا.
هذه الروايات للقيمة المتعاظمة التى يضعها للتلمذة الرهبانية كفلسفة حقيقية، ولماذا يرغب فى ألاَّ يظهر كناكر للجميل بالنسبة للذين غرسوها عند كتابة تاريخه، جعله ذلك لا يشأ أن يكتم تلك الحركة الهائلة، وأن يحيى ذكرى قادتها البارزين فى الأقاليم المختلفة. وفى الحقيقة لقد قرر أن يجعلها ملمحا فى تناوله لتاريخ وحياة الكنيسة. ومع ذلك ليس هناك ما يدل على أنه قد صار هو نفسه راهبا، ومع كل اعجابه بتميزهم الروحى، لم يدعِّ أية تبعية مباشرة بل بالأحرى ينكر حقه أو منافسته فى غزو نطاقهم. ونحن متأكدون أنه تلقى تعليمه الأساسى فى المدارس الرهبانية لذلك الزمان التى على غرار المؤسسات المماثلة فى الاسكندرية. لقد كانت ضيقة([30]) وتزداد كراهية للأدب الوثنى، ومن ناحية أخرى كانت آبائية ومحلية فى لهجتها. وهذا يُصُور رغبته فى الارتقاء بأهمية فلسطين، فى مقابل تركيز كل الثقافة فى القنسطنطينية.
كانت دروسه الأساسية باللغة اليونانية التى كان يتقنها والتى صار فى الحقيقة واحدا من أفضل النحويين stylist فى زمانه، طبقا لحُكم شخص جيد جدا مثل فوتيوس([31])، وكان يُلم بالأسماء الآرامية والسريانية ودقة تصحيفها. ويشير إلمامه الكبير بتاريخ الكنيسة السورية إلى معرفة مماثلة على الأقل باللهجة المنتشرة على نطاق واسع. وبالكاد استطاع أن يفلت من اللهجة العامية التى كانت سائدة على اليونانيين فى بثيليا(16:3). إنه يسمح بخسارة الموهبة الأصلية وقوتها فى الترجمة، ولكنه يسجل أن أعمال افرايم كانت مُحرَّرة باللغة اليونانية السائدة فى أيام افرايم نفسه دون أى تغيير. وهو يؤسس رأيه هذا على أساس المقارنة بين الأصل ونُسخه. الأمر الذى يجعل المرء يميل إلى الاعتقاد أنه قد قرأ جميعها. ولذلك فإن جهده فى الحفاظ على التوازن فى الكتابة بين الأراضى الحدودية والأراضى المركزية للإمبراطورية، [بل] وفى الحقيقة فى خارجها، إنما يشير إلى انسجام لُغوى أوسع. ففى ك34:6 يتحدث بعاطفة عن الرهبان السوريين الذين كانوا موجودين فى أيامه. وربما تعود معرفته العميقة بهم أيضا إلى ممارسة مهنته، أو إلى الحالات السورية التى أحضرها إلى القنسطنطينية. فقد كان كل منها يتطلب إدراكا للغة. وليست أقل [من ذلك] السجلات المكتوبة بواسطة مسيحيىِّ بارثيا([32]) وسوريا وبصفة خاصة اديسا، لحفظ قصة الكنيسة الفارسية وشهدائها العديدين والتى استخدم مادتها بغزارة فى (ك9:2- 14). ومن الصعب التأكد من إلمامه باللاتينية. فمن ناحية كان من الضرورى له، كمحام، فهم لغة التقاضى لأن كل المراسيم والقوانين والأوامر العالية كانت مكتوبة بها. وكانت مجموعة قوانين ثيودوسيوس نفسه قد أُلِفَت فى أيامه. ومن ناحية أخرى عندما كان يقتبس من مستندات لاتينية كان يفعل ذلك على نحو لا يتغير نقلا عن ترجمة لها إلى اليونانية بواسطة آخرين، كما فى خطاب قنسطنطين إلى الأسكندريّين(ك2:3)، فهو يقول لقد عثرتُ على نسخة مترجمة من اللاتينية إلى اليونانية سوف أدرِجها كما وجدتها على نحو الدقة. وبالمثل فى ك18:4 رسالة مجمع ارمينيّم Ariminum إلى قنسطانتيوسConstantius. وفى ك26:8 رسالتين لإينوسنت Innocent. ومن المحتمل أن تقريره الثانوى عن هيلارى الذى من بكتافيوم Pictavium (13:4) يميل إلى نفس الطريقة. ولكن على وجه العموم يجب أن نسمح لمهنته التى اقتضت معرفة لغة القانون أن تفوق قصُور الاصدار الأصلى، فى كتابه.
إنه من الصعب الحُكم من عمل مفرد على درجة الثقافة العامة لمؤلف ما. فكليمندس الأسكندرى Clemens Alexandrinus له اقتباسات غفيرة تجعل من السهل أن نخلص إلى أنه كان مدرسيا([33]) scholar ذا قراءة شاملة وواسع المعرفة([34]) الأصيلة، ولكن عدم دقتها وتشوشها المتكرر يجعلها تبدو مجرد اقتطافات من مصدر متعدد اللغات أو كتَاب بلاغة([35]). فإلاشارات الكلاسيكية عند سوزمينوس ليست كثيرة وربما اعتبر، بصواب، إدماجها ضمن اشارات عديدة فى سجل كهذا خصيب بالتوصيفات المألوفة والشعرية، والتاريخية والميثولوجية، أمرا خارجا عن السياق. وفى ك6:1 يجر الارجوانتوس Argonautsمن آذانهم بمناسبة حديثه عن اكويلس Aquilis بالكاد من بيساندر Pisander، أو بالأحرى من زوسيمس الذى فعل نفس الشىء فى ذكر تقدم آلاريك Alaric. وعندما يصف سعى قنسطنطين الجاد فى البحث عن موقع مفضل يقيم عليه عاصمته الجديدة، يحرك ذكر هضبة ايلليم Ilium المؤرخ ليروى تقليدا قليلا عن مدينة تروجان (3:2). ويذكر ارسطو الذى كانت فلسفته الوجه الآخر لإتيوس Aëtius(ك 15:3) والذى وضع ثيوفرونيوس Theophronius مقدمة عمله الجدلى(17:7). وعندما ارتكن على أدب ابوليناريوس يلّمِح بطريق غير مباشر إلى القصائد الهوميرية ويذكر كتاباته الكوميدية محاكاة لميناندر والتراجيديا التى تشبه تلك التى ليوربيدوس والتى تعتمد على نموذج بندار. وفى روايته لدفنة فى عهد يوليانوس (19:5) يقدم خرافة دفنة وابوللو. هذه التلميحات وغيرها ليست برهانا أو عدم برهان على قراءات غير عادية. ومع ذلك الطريقة التى يشير بها إلى البعض هى حَولية بالأكثر عن أى دراسة عميقة للمؤلفين أنفسهم.
وفى الحقيقة اعترافه فى حالة خرافة ابوللو ودفنة هو اعتراف سليم الطوية "إننى أترك هذا الموضوع لِمن هم مُلمين بأكثر تدقيق بعلم الميثولوجيا". هذا الاعتراف لم يكن وليد أى تردد لأنه تجاسر [على الولوج] فى مستنقع حسى بالفعل، ولكنه بالأحرى تصريح أصيل بجهله، وأن ذلك كان فى العاصمة حيث كان انثيموس وسيسينيوس مَصدرَيّن. ومن المحتمل أن لدينا ضوء قليلا فى محدودية وضيق فكر تدريبه المبكر بتذكر موقفه اتجاه الكتابات التقليدية لأبوليناريوس النابعة لمواجهة مرسوم يوليانوس، والتى فسرها المسيحيون كتحذير من التمتع بالثقافة الهيلينية. فبينما يشايع سقراتيس بثبات وقوة التأثير الانسانى للأدب القديم(16:3)، يقول سوزمينوس "لو لم تكن من أجل التحيز المفرط الذى به يُعنَى بإنتاج العاديات، فإننى لا أشك فى أن كتابات ابوليناريوس كانت ستنال هذا التقدير مثل تلك التى للقدماء". وينحو منحى الرهبان فى ازدرائهم بالدراسات الكلاسيكية (12:1). إنه لا يُخضِع نفسه بالكامل، ولكنه تردُد نوعا ما، وهذه سمة فى تكوينه. لقد كانت هذه مسألة محيرة فى تلك الأيام الخوالى واستمرت تلوّح الكنيسة بدرجة كبرت أو صغرت إلى أيامنا هذه.
فى أيامه كان تأثير الرهبان والإكليروس الذين تشبَّعوا بالروح النسكية مضادا أكثر وأكثر للإنسانيات([36]). وقد تباين موقف البلاط [من هذه المسألة]. فبينما كان تدريب فالنتنيانوس والخلافة الثيودوسية رهبانيا على نحو قاطع، وكانت ميولهم بصفة أساسية مع اتجاه عدم التسامح، فإن ضروريات مركزهم والقدرات السياسية والرائعة لرجال مثل ليبانيوس وثيمستيوس، وانثيموس وترويلس جعل من غير الممكن وضعها جانبا. فلقد كان عِلم وموهبة اودكيا Eudocia الامبراطورة وروح تدريبها المبكر كإبنة فيلسوف آثينى، وموهبتها الشعرية الذاتية عوامل مغرية فى انعاش الكلاسيكيات فى البلاط، قبل أن تسقط تحت آفة غيرة زوجها. وقد ملأ كيروس الذى استرد القنسطنطينية عباراته بطعم العاديات. ولم يستطع الكهنة الذين تلقوا تدريبهم الأوَّلى فى مدارس السوفساطئيّن أو فى الجامعات دفن ميولهم تماما، على الرغم من أنهم اجتازوا كفاحا مريرا مثل جيروم([37]). وكان الأريوسيون أيضا ذوِى ثقافة أوسع. وبالنسبة للجانب الجرمانى، كانت المهارات العسكرية والدهاء السياسى [لهم] لا تُمّكن الدولة من عدم الأخذ بخدماتهم. وكانت الجامعة التى أنشأها ثيودوسيوس الأصغر فى القنسطنطينية رهبانية، فبينما كانت تسعى لإعطاء نغم مسيحي للتعليم العالى، كانت فيما سبق تُدار من الآثنيّين Athensوتُقدِّم مددا حرا للغات، إن لم يكن كثيرا للفلسفة.
لذلك، مال سوزمينوس، كما نرى، لوجهة النظر الأقل تسامحا، وظن أن أبوليناريوس كان له مثل هذا النبوغ الشامل، حتى أن العديد من الأصول يجب الاستغناء عنها، ولكن من باب العاطفة لم يتم الاستغناء عن هومر وميناندر ويوربيدس وبندار. وهذا يُظهر الصفة البسيطة لقراءاته إن لم تكن محدودية كميتها، ويُعرِّى الأهمية الوظيفية لنقده. لقد كانت هذه المحدودية بلا شك مقياسا كبيرا لمثل هذا التعليم الفلسطينى، وأعطت طعما خاصا لمزاج ابيفانيوس وأثره.
أما تعليمه الدينى فكان حسب الايمان النيقاوى كما تعترف به الكنيسة الجامعة فى الشرق والذى ظل الرهبان أمناء له دوما فى تلك الفترة العصيبة. فلم يكن الشعب، كما يقول سوزمينوس، بقادر على متابعة المناقشات اللاهوتية، وأخذوا ايمانهم من حياة أولئك الذين بَدوا لهم أفضل من الاكليروس العادى. ولم يكن له([38]) مهارة وثيقة فى هذا الجدل أو ذاك. وهذا واضح من تصريحه الخاص بأنه غير قادر على متابعة الجوانب المتعددة للمناقشة الأريوسية. فبعد أن يورد رسالة غريغوريوس النزينزى إلى نكتاريوس التى يستعرض فيها السِمات الأساسية لهرطقة ابوليناريوس، يستطرد "أظن أن ما قلته يكفى لإظهار طبيعة أفكار ابوليناريوس ويونوميوس. فإذا أراد أى واحد معلومات أكثر تفصيلا، فيمكننى فقط أن أشير إلى الأعمال الخاصة بهذا الموضوع، التى كُتبت إما بواسطة هؤلاء أو بواسطة آخرين بشأن هذين الرجلين، فإننى أقر بأننى لا افهم بسهولة هذه الأمور"(27:6)([39]).
وعندما يُعدد أسباب انشقاق أتباع يونوميوس [يقول] "سأكون مُسهِبا إن أنا تناولتُ بتفصيل أكثر، وفى الحقيقة لن يكون الموضوع سهلا لى إذ أننى لا أملك مهارة جدلية كهذه"(17:7). ويبدو أن مهارته الجدلية لم تكن عميقة جدا، ومع ذلك يجب ان يُقَال أن مثل هذه التعاريف والحجج كما يسجلها فى التاريخ المعاصر كانت معتادة وجلية.
كذلك تبدو الأمور الميتافيزيقية ليس لها موضع كبير فى الدراسات المبكرة، ولكنه بالتأكيد صار أكثر ألفة بالمصطلحات اللاهوتية المتأخرة ومحدداتها. ولذا يضع خطا فاصلا بين الثوابت المتعددة التى يحارب من أجلها، وبين ما هو ضد "للمساوة فى الجوهر" consubstantiality.
كذلك شملت قراءاته بعض التأملات الفلسفية حسبما يجمعها الشخص من بعض الجُمَل (6:5) [مثل] "لأنه ليس حقيقيا كما يؤكد البعض أن النفس كما الجسد". وربما تعلّم أيضا أن يميز بين الأخلاق وبين عِلم الوجود ontology بخطوط عملية مستقاة من المناقشات الاكليريكية وفلاسفة الرهبنة. ففى جملة فى تاريخه عن مليتيوس اسقف انطاكية(28:4) يؤكد على هذا الإختلاف، كما نجده نادرا فى الأدب المسيحى المبكر: "فى خطابه الأول، يحصر نفسه فى تعليم الشعب بما نسميه أخلاق، ثم يُعلِن صراحة أن الإبن من ذات جوهر الآب". لقد تَدرَّبتْ روحه على الخضوع للقيود الشرعية، وعندما كان يثور عليها بشىء من الارتعاد كان ينحاز، مثل سقراتيس، للأمور الأكبر. من المحتمل بسبب مهنته. ولكنه كان يخشى التجاسر إلى حد بعيد. ومع ذلك كان ذا نخوة إذا ما قورن بثيودوريت الاكليريكى ذا التعليم الأفضل.
كذلك يجب أن نعزو إلى سنوات تعليمه المبكرة عبارته أنه كان شاهدا لأمانة زينو اسقف مايوما Majuma ميناء غزة، "لقد قيل، وأنا نفسى شاهدُ حق على تأكيد أنه، عندما كان اسقفا للكنيسة فى مايوما لم يغب قط عن تسبحة باكر أو المساء أو أية عبادة أخرى لله ما لم يكن مُصابا بأى مرض ومع ذلك كان فى هذه الفترة مُسنا فى حوالى المائة سنة"(28:7). كذلك بالمثل كان عمل البطريرك محل اعجابه فى شبابه. ويتحدث سوزمينوس عن كفاح اسقف غزة فى تأكيد سيادته على مايوما الميناء البحرى التى كانت ايبارشيته ورغبته فى استرداد حكمها الذاتى الكنسي بعدما فقدت استقلالها المدنى كشىء يحدث فى أيامه، وكان أحد أخبار شبابه. ويشعر المرء فى عبارته ارتياحا باطنيا بقرار المجمع الذى يعترف بحرية الجماعة المسيحية فى البحر(3:5).
وبالنسبة للعبادة العامة، من المحتمل أنه سمع فى تلك الأيام المبكرة عن كتاب "رؤيا بطرس"، فهو يقول فى(19:7) "ولهذا الكتاب المسمى "ابوكاليبس بطرس" الذى يُعتبَر خرافة من قِبل القدماء ما زال يُقرَأ فى كنائس فلسطين فى يوم الاستعداد عندما يُراعِى الشعب صوما، تذكارا لآلام المُخلِّص على الرغم من عدم الاعتراف به من قِبل القدماء"(19:7). وأيضا رأى كِتابا مُفضَّلا فى يدى الرهبان فى بلدته هو "رؤيا بولس" على الرغم من أنه غير مُعترَف به من قِبل القدماء. إن الألفة بمثل هذه الكتب تعطينا مفتاحا لموقفه فيما بعد من النبوة.
وليس لدينا دليل على السبب الذى دفعه إلى دراسة القانون([40])، ولا نعرف متى حُسِب طالبا. إن حقيقة أنه يذكر مدرسة بيروت كمكان مارس فيه تريفيليوس Triphyllius الأسقف رعويته لزمن طويل(11:1) يمكن بالكاد أن تؤخذ كإقتراح لمكان اقامة سوزمينوس. لذا من المحتمل كثيرا أن يكون قد حضر محاضرات فى جامعة الاسكندرية أو انطاكية حيث يُظهِر إلماما معتبرا بمدن كهذه. وربما كانت دراساته معتمدة على كودكس غريغوريوس وملحقه كودكس هرموجنيانوس لأنه كان فى أيامه وخلال فترة كتابة تاريخه. وكان كودكس ثيودوسيوس قد بدأ، وللأسف لم يرد اسمه فى قائمة مؤلفيه، ولم يكن قد أُعلِن حتى سنة 439م كمرجع للقوانين الامبراطورية.
أما كونه قد التحق بممارسة هذه المهنة فلدينا دليل مباشر على ذلك كما فى حالة ايفاجريوس ("ت. ك."، 7:6). أما بالنسبة لسقراتيس فكان ببساطة تقليدا بلا شهادة. ويتحدث سوزمينوس عن صديقه الحميم اكويلينوس(3:2) "الذى كان يقيم معنا حتى فى الوقت الحاضر، وكان محاميا فى ذات محاكم العدالة التى ننتمى إليها". ومن بعض التلميحات للملاحظات القانونية فى تاريخه، من المحتمل أنه عمل فى المحاكم الأسقفية أيضا لأن هذه كان لها شكل معين، وكانت وظيفة المحامى تُنظَّم فى قوانين مجمعية عديدة. لقد كان أكثر عناية ونظاما فى تسجيله للتشريع الهام الخاص بالديانة والكنيسة عن أى مؤرخ آخر. وهكذا، فى عهد قنسطنطين(1: 3، 5، 8، 9، 21) و (32:2). وفى عهد قنسطانتيوس (17:3، 15:4) وفى عهد يوليانوس(5:5، 15،17) وفى عهد جوفيانوس(3:6) وفى عهد فالنس(12:6، 19) وجراتيان(1:7) وجراتيان وثيودوسيوس(4:7) وفى عهد ثيودوسيوس (9:7، 12، 16، 20، 25، 4:8) وفى عهد فالنتنيانوس الثانى وفى عهد يوستينا(13:7) وأركاديوس(7:8، 24). وليست هناك أية إشارة إلى ممارسته الخاصة مثلما يفعل ايفاجريوس (ت.ك.، 7:6). ويمكننا فقط أن نخمّن، من خلال روايته، أنه لم يكن فى القنسطنطينية اثناء الشغب الذى نجم عن خلع كريسوستوم سنة 404م، فربما وصل بعد إقامة آتيكوس Atticus بقليل كخليفة لآرساكيوس Arsaciusالذى تلى يوحنا [فم الذهب] فى وقت ما حول 406م أى قبل وفاة الخطيب([41]) بسنة، وقبل وفاة الامبراطور اركاديوس بسنتين.
ففى عهد أنثيميوس Anthemius الحكيم، وجد طريقة مهنته. ويمكن أن نفترض أنه وجد اعترافا ما به فى عهد بولخاريا([42]) Pulcheria، ومع ذلك ظلت العاصمة مركزا لممارسته. إذ يظهر أنه كان ما زال على صلة بالديكاستريس dikasteries اثناء كتابته لكتابه الثانى من التاريخ(3:2).
وهناك بضعة نقاط شخصية فى حياته فى المدينة الامبراطورية يشير إليها. فقد كانت هستيا Hestiæ على مسافة 35 استاديا برا من المدينة صوب بونطس، وبسبب ظهور رئيس الملائكة ميخائيل بُنِىّ هناك معبدٌ، وبالتالى دُعِيَت ميخائيليوم Michaelium وصارت مشهورة بسبب خصائصها الشافية للأمراض الفيزيقية وأيضا العقلية. وأن سوزمينوس نفسه قد أصيب، ولم يخبرنا كيف ولا بأى معاناة أو أى مرض أو خطر، ولكنه شُفِىَّ بواسطة المنافع التى تلقاها هناك (3:2). وهناك حالة شخصية أخرى يذكرها فى (2:9) فقد كان أحد الحاضرين فى الاحتفال الرائع الخاص بإكتشاف ونقل رفات الأربعين شهيدا، ورأى الصناديق الغالية، والاحتفال والموكب، واستمع إلى موسيقى القصائد التذكارية، وعاين إيداع رفات جسد القديس St. Thyrsus. وكان هناك عدد من المشاهدين الذين يعرفهم، وكان العدد الأعظم منهم ما زالوا يعيشون أثناء كتابته لسِجله هذا. وكان هذا الاحتفال فى عهد ايبارشية بروكلس Proclus، ولذلك كان بعد سنة 434م. وهناك اشارة شخصية أخرى نجدها فى عبارته عن خلع أولدِس Uldis. فهو يُلاحظ بقية الـ Sciri الذين تشتتوا، نتيجة لتلك الحَملة، كعبيد فى أسيا الصغرى [فيقول] "لقد رأيتُ كثيرين فى بيثينيا Bithynia بالقرب من جبل اولمبس Olympus يعيشون بعيدين عن بعضهم البعض. ويزرعون تلال ووديان ذلك الاقليم"(5:9)، ونحن لا نعرف شيئا عن هذه الحملة. ولا بد أنه كان نشطا فى الكثير من الأمور الدنيوية والكنسية اللاحقة التى رواها فإنه يذكر الأمور التى اعتنى بها فى بداية تاريخه (1:1) والتى كان سيُنجزها لو كان قد أكمل كتابه التاسع.
أما الدوائر المؤثرة فى العاصمتيَن الشرقية والغربية فقد انقسمت إلى أحزاب على أساس تنوع المواضيع. فإحداها كان تبعا للخط الثقافى الذى أشرنا إليه توا. وآخر، وهو حاسم، كان تبعا لِمَا إذا كان الأجانب، وبصفة خاصة القوط والفارسيين، يمكن أن يُسمَح لهم بالخدمة فى الدولة أم لا. فالمجموعة الأقوى اعتقدت بإستخدام هذه العناصر الجديدة. وما كان موضوعا متغيرا قبلا صار الآن سياسة ثابتة فى عهد ثيودوسيوس الكبير وفى سائر الاتجاهات، وتم ضبط أبنائه الضعفاء على التوالى فأنسيموس وبولخاريا وثيودوسيوس الثانى سايروا وجهة النظر الحرة. بيد أن صرخة "روما للرومانيين" خلعت شخصا مثل استيلكو Stilicho عن العرش ونَصَّبت شخصا ضعيفا مثل اوليمبيوس Olympius. ويربط سوزمينوس نفسه فى تناوله للأحداث بالخط غير المتحرر. وبينما يبحث عن موضع لممثلى المسيحية الأجنبية فى كتابه، إلا أنه يعارض رغم ذلك إدخال، على الأقل، العنصر الشمالى فى خدمة الدولة. وكان هناك خط ثالث يفصل بين الشعب والبلاط. فالحزب القوى والمقاوِم وضع نفسه ضد السماح للوثنيين والأريوسيّين بالخدمة فى المراكز السياسية. وهذان الصنفان اتحدا غالبا للنجاة من الإبعاد. واختلف البلاط نفسه، لأن الجرمان كانوا أساسا اريوسيّن، وكان أفضل المدرسيّين فى العلوم السياسية وثنيين. وأدت الضرورة إلى الاعتراف بمُعلّمين أمثال أنسيموس وتريللوس. وألقى سوزمينوس بنفسه فى المجال الضيق. إنه لم يتنازل ويذكر أفضل رجال الدولة فى أيامه، أو أوسع المفكرين السياسيين، الأمر الذى فعله سقراتيس وبإعجاب.
وقد مال سوزمينوس مع الغالبية فى تكريم الحياة الرهبانية، التى كان يقاومها بمرارة سياسيون كثيرون وكنسيون. ولذلك كان من الطبيعى أن يَنظر بعين الاعتبار إلى حياة أكثر تقوى عما يفعله البلاط بقيادة افدوكسيا، وردد أصداء بولخاريا وطهارة كريسوستوم. فدافع عن فم الذهب، ورَّد على الانتقادات الموجهة إليه مثلما فعل سقراتيس. وبالكاد يمكننا أن نشك فى أن قلبه كان مع اليوحانيين، على الرغم من أنه لم ينضم إلى جماعتهم.
ويمكننا أن نَجمع من تاريخه، أنه قد سافر نوعا ما، فهو يُظهِر معرفة أفضل بفلسطين، حتى عن ابيفانيوس، ولابد أنه احتفظ بصِلات مع موطنه حيث كان ملِّما بعادات بلاده وأماكنه وتقليده. ومن الطبيعى أن يكون الجزء الأكبر من المراكز فى غزة وما يجاورها مثل بيته الخاص. وفى قصته عن اكتشاف الصليب والمبانى المقدسة المقامة بواسطة هيلانه(ك1:1، 2)، يعتمد على أصول بتفصيل ولون محلى. وفى (ك4:2) يتوسع فى رواية يوسابيوس عن تطهير قنسطنطين لممرا Mamre أو تربينثوس Terebinthus، كشخص يألف الموقع بما فيه. وفى ك5:2 يعطينا قطعة من تاريخ غزة ومايوما فى عهد قنسطنطين. وفى ك20:2 يروى اصطفاء مكسيموس كأسقف لأورشليم من مَصدر لم يستخدمه غيره أبدا. وفى ك14:3 ملاحظاته عن سيّر هيلاريون وهيزيكاس، وآخرين تشير إلى معرفة طبوغرافية مضبوطة. ويُتِيح مرسوم يوليانوس الفرصة للدولة للشِقاق بين غزة ومينائها البحرى(3:7). وروايته عن الاستشهاد فى غزة وضواحيها فى (ك9:5) هى [رواية] جرافيكية تماما. وفى مناقشته لهيجان يوليانوس على صُورة [السيد] المسيح فى بانياس (27:5) والبئر الإعجازى فى نيكوبوليس، وهى عمواس سابقا، نرى علامات على إلمام محلى. وفى (ك22:5) قيل أن يوليانوس قد كَتَب إلى البطاركة والحكام والشعب يطلب صلواتهم عن نفسه والامبراطورية، وهنا إشارة قاطعة على وجود بطريركيات آنذاك. وهكذا تفشل كل تفاصيل الاسترداد أمام اليد المُختبِرة. مثلما تؤكد حقيقة التواصل المباشر مع شهود الظاهرة.
إن السيّر فى (ك32:6) ترتبط بجنوب فلسطين، وبصفة خاصة بثيليا وجيرار. والتماثل فى ك28:7 لأولئك القريبين بالأكثر منه، يبرهن بسهولة على أنه كان بالقرب من وطنه. وفى (ك 13:8) يتم اختيار سكيثوبوليس Scythopolis من قِبل الرهبان المصريين الفارين لأن نخيلها الكثير يزودهم بوسائل العمل المعتاد، لهى ظروف لم يروِها أىُ أحد آخر. ولا تعوزنا التلميحات الأخرى فى قصة وجود جسد زكريا(17:9) بأساطيرها. وهناك، ذِكر متفاوت لفلسطين، ليس فقط عن دافع حب الوطن عن قصد ولكن عن الرغبة فى تزكية الوضع التاريخى فى تطور تاريخ الكنيسة، وليؤنب الميل السائد لرجال الكنيسة والمؤرخين فى وضع [فلسطين] فى الخلفية. وإنه لأمر شيّق أن مجمع خلقيدون قد قرر فيما بعد أولوية أورشليم. وهناك أيضا إلمام جيد بحقيقة ودوافع التاريخ اليهودى وعلاقة اليهودية بالمسيحية(1:1)، وبجِنس البدو وارتباطهم بشعب العهد(38:6)، وبترتيبات موسم البصخة وبصفة خاصة فى (ك18:7). وبالمِثل الدقة الأكبر فى ترجمة أسماء المواضع.
لقد كانت رحلة غير ملائمة من غزة إلى مدرسته، ومن مدرسته إلى القنسطنطينية، فالإشارات إلى فلسطين التى ذكرناها توا تشير إلى ملاحظة شخصية. وبالإضافة إلى ذلك نظن أنه كان فى العربية وقبرص حيث يقول، عندما يتحدث عن عادات هذين البلديَن (ك19:7)، أن بهما خورى ابسكوبس على رأس الكنيسة المحلية. وأيضا عن الاسكندرية، إذ صُدِم بالموقف الغريب من الأسقف حيث لم ينهض عند قراءة الانجيل([43]) الأمر الذى لم يعرفه قط أو سمع عنه فى الجماعات الأخرى وهى كلمات تدل على أنه كان يألف هذه المدينة. وقد يَسُّر المرء أن يعرف أنه قد زار طرسوس حيث كان يعرف كيليكس Cilix كاهن تلك المدينة الذى استشاره بشأن أصل "ابوكالبسيس بولس"(19:7). وقد رأينا أنه كان يعرف بثينيا Bithynia من رؤيته لها(5:9). كما يشير إلى ملامح طبوغرافية ومعمارية للأسكندرية، وانطاكية ومن المحتمل اديسا على نحو يدع بالكاد شكا فى أنه قد رأى هذه المدن. ومن الممكن أن نفترض أن زبائنه قد اضطروه إلى رحلات هنا وهناك.
ويذخر عمله بالعديد من التلميحات إلى معمار وأقاليم القنسطنطينية(3:2)، ناهيك عن القول عن المناطق المجاورة لها. ويعطينا بالفعل الوصف العام لمبانى القنسطنطينية فى عهد قنسطنطين (3:2) بعضا من سماتها الرئيسية. وبالنسبة للكنائس يذكر أولا المُكرَّسة لرئيس الملائكة ميخائيل (3:2) والتى تبعد نحوا ما عن المدينة (هستيا، ميخائيليوم) والتى تتميز عن المبانى اللاحقة على الشاطىء الآخر. وواحدة فى المدينة مُشيَّدة لنفس الملاك، وكنيسة الرسل والتى صارت مكانا لدفن الأباطرة وحتى الأساقفة (34:2، 21:5، 10:8) وكنيسة أكاكيوس الشهيد(21:4) والتى حبَّذ مقدونيوس([44])Macedonius نقل جثمان قنسطنطين إليها، وكنيسة صوفيا (26:4) التى بدأها قنسطنطين، وكُرِّست فى عهد قنسطانتيوس والملحق بها معمودية(21:8). وقد احترق هذا البناء العظيم فى الشغب الذى ثار بعد إعلان النفى الثانى لكريسوستوم(22:8). وبيت الصلاة الذى بدأه كريسوستوم وأكمله سيسينيوس والذى يحوى على مقبرة شهداء متميزين. وهذه كانت خارج الاسوار فى موضع كان مخصصا فى السابق لإعدام المجرمين ومثيرى الرعب بسبب الأشباح المتكررة (3:4). وكنيسة النوفاتيين الواقعة فى جزء من المدينة يُدعَى بيلارجوم Pelargum، وهذه استولوا عليها وحوَّلوها إلى ضاحية تدعى Sycæ، ومن ثم دُعِىَّ المبنى انسطاسيا. وقد أُعيد إلى وضعه الأصلى فى عهد يوليانوس(20:4). كذلك دُعِى أنسطاسيا المبنى الصغير الذى حُوِّل إلى دار للصلاة لغريغوريوس النزينزى وبذا صار كنيسة (5:7). وقد شيَّد مقدونيوس كنيسة بإسم بولس اسقف القنسطنطينية، عندما نقل ثيودوسيوس جسد المعترف إلى هذا المبنى، وقد وُصِفت بأنها كنيسة فسيحة ومتميزة(10:7). وعندما نقل ثيودوسيوس رأس يوحنا المعمدان إلى هبدوماس Hebdomas فى الضواحى، حيث كانت هناك الطواحين السبعة، أقام فى ذلك الموضع معبدا فسيحا وهائلا، صار مركزا للعبادة الامبراطورية وللأشفية الإعجازية (21:7،24،4:8-14). وقد شُيِّدت كنيسة بإسم سان استيفان أول الشهداء(24:8). وكنيسة مُشيدة لذكرى القديس موكوس Mocus الشهيد حيث دُفِن ديوسقوروس([45]). وطبقا لبروكوبيوس Procopius (فى de Ædificis, i. 4) كان الموضع الذى نُقِل اليه جسد ثيرسس Thyrsus الشهيد، ورفات الأربعين جنديا(2:9) كنيسة. ويذكر فى خلقيدون كنيسة القديسة أوفيمية Euphemia، التى وصفها بغزارة ايفاجريوس، وكنيسة بطرس وبولس فى البلوطة (روفينوم Ruffinum).
وعندما يتحدث عن عدد الرهبان فى وحول القنسطنطينية(2:4، 9:8) ويشير إلى مساكنهم على نحو عام (20:4)، لا يذكر أية مؤسسة معينة فيما عدا تلك التى أسسها ماراثونيوس Marathonius والتى كانت ما زالت قائمة فى أيامه. وهو يشير أيضا إلى اكزنودوكياXenodochia ، ونوسوكوميا Nosocomia، وكيروتروفيا Cherotrophia، وبوتوكتروفيا Ptochotrophia (20:4، 27، 9:8). وكانت هناك مقرات للأساقفة والكهنة. ولكن هذه ألمح إليها فقط (14:7، 14:8). ولكنه لم يخصص ولا حتى اهتم بمجموعة المستوطنات التى أسستها وأنعمت عليها بولخاريا(8:9) وقد ذَكر القصُور والساحات على نحو عام، ولكن المجلس الفخم الذى احترق مع صوفيا قد وُصِف بأنه جنوب هذا المبنى. وأشار إلى هيبودروم فى الاقليم الثالث، مع وصف قليل لشكله القديم وموضعه (39:6، 21:8). وذَكر الحمامات العامة الثمانية. والمسرح الذى دُعِى على اسم زيوكيسبوس (9:3) قد ذُكِر كمبنى ضخم وكبير، والقصر القريب من شاطىء البحر، وكان ذلك فى الاقليم الثانى. ويتحدث بصواب عن حمامات تحمل أسماء انسطاسيا وكاروسا بنات فالنس، كانت قائمة فى أيامه(9:6) وحمامات قونسطانتيوس كانت متميزة بأنها فسيحة جدا عندما يخبرنا كيف لجأ اتباع يوحنا هناك لعيد البصخة(21:8).
ولدينا بعض الملاحظات القصيرة عن بضعة أصدقاء خارج الدوائر الأقدم فى بثيليا وغزة. فبناء على مشورة بعض الأتقياء المتضلعين فى السرائر الإلهية قرر ألا ينشر شِعار نيقية([46]).
ويُخبرنا سوزمينوس عن قصة شفاء رفيقه أكويلينوس المحامى الذى كان من بين الذين اختبروا الراحة فى ميخائيليوم، بعبارات مُسجَّلة من رفيقه(3:2). ولم يكن على صلة جيدة بكيليكس Cilix الكاهن المطوب فى طرسوس(19:7). وكان له صديق أو أصدقاء كانوا مصاحبين لأحداث ثيوفيلس(12:8). وبالمثل مع بعض الذين كانوا حميمين ليوحنا فم الذهب(9:8). وليس من غير المحتمل أن يكون قد عرف نيكَريت Nicareteفى شيخوختها، وهى سيدة بيثينية متميزة بحياتها الباذلة والتى حُفِظت ذِكراها بواسطته هو فقط (23:8). والحقائق الخاصة ببولخاريا التى سلط عليها الأضواء. وخضوع عمله لثيودوسيوس الشاب، يُظهِر أنه كان يَلقى إكراما من كل منهما.
(خطاب من سالامينيوس سوزمينوس إلى الامبراطور ثيودوسيوس، بمشروع "التاريخ الكنسى").
إن القول السائر هو أن الأباطرة السابقين كانوا مُولعين ببعض الأمور النافعة أو بأخرى. فالبعض كان مُغرَما بالزخارف مثلا أو بالاهتمام بالأرجوان الملكى أو بالتاج وما شابه ذلك. وأولئك الذين كانوا يهوون الرسائل، ألَّفوا بعض المقالات أو الأعمال الميثولوجية القادرة على إثارة خيال القراء. وهؤلاء الذين تمرَّسوا فى الحرب سعوا مباشرة إلى تصويب الأسلحة نحو هدفها، أو صيد الحيوانات المفترسة([47])، أو رشق الرماح، أو إمتطاء الجياد.
وكل واحد تخصص فى مهنة تَسُّر الحُكام، أعلن عن نفسه للقصر. فواحد يُحضِر حجارة كريمة ليس من السهل التشكك فيها. وآخر يهتم بإحضار لون أكثر لمعانا للثوب الأرجوانى. وواحد يهدى قصيدة أو مقالة، وآخر يُدخِل نمط عدة حربية غريبة ومختبرة.
لذلك يُعتبَر أمرٌ فاخرٌ وأعظم، لحَاكم كل الشعوب أن يمتلك على الأقل واحدة من الفضائل الخالية من التكلف. ولكن ما أعظم التقدير الذى للتقوى التى هى، فوق كل شىء، الزينة الحقيقية للامبراطورية.
ومع ذلك أنتَ أيها الامبراطور الأقوى ثيودوسيوس([48])، تمتلك بمعونة الله، بإختصارٍ، كل فضيلة. فإذ تلتحف بثياب الأرجوان والتاج رمزا الكرامة لمشاهديك، إنما ترتدى داخليا زينة السيادة الحقيقية، الشفقة ومحبة العمل الخيرى. ومن ثمة انشغل بك وبأعمالك الشعراء والكُتَّاب والقَدْر الأوفر من ضباطك وتابعيك. وعندما كنتَ تترأس كحَاكم على الأفعال وقاضى للأقوال، لم تُسلَب دقتك بأى صوت أو شكل اصطناعى، بل كنتَ تهب الجائزة عن اخلاص مراعيا ما إذا كان المرسوم مناسبا لقصد الانشاء أم لا. وهكذا أيضا بالنسبة لشكل الكلمات والأقسام والترتيب والوحدة وتركيب العبارات، والبناء، والحجج والفكر والرواية. وكنت تكافىء المتكلمين بقضاء العادل وبإستحسانك، وأيضا بصُور ذهبية وإقامة تماثيل وهبات وكل نوع من الإكرام. لقد أظهرت اهتماما شخصيا بالمتكلمين أعظم مما كان الكريتيون القدماء يُظهِروه للمغنيين لهومر، أو الألفاديون Alevadæ لسيموندس Simonides، أو [يُظهِره] ديونيسيوس Dionysius طاغية سيسلى Sicily لأفلاطون رفيق سقراتيس، أو فيليب المقدونى لثيوبومبوس Theopompus المؤرخ. أو الامبراطور ساويرس لأوبيانوس Oppianus الذى روى عن أنواع وطبيعة وصيد السمك. لأنه بعد أن كافأ الكريتيون هومر بألف نومى([49]) نقشوا كمية الهبة على عمود عام كما لو كانوا يفتخرون بهبتهم المفرطة. ولم يكن الألفادوديون وديونيسيوس وفيليب بأفضل منهم، حيث افتخروا بقدرتهم الفلسفية المتواضعة، وسرعان ما قلدوا عمودهم لكى لا يكونوا أدنى فى هباتهم. ولكن ساويرس عندما وهب أوبيانوس هبة ذهبية عن كل سطر من إصداره المتواضع أدهش كل أحدٍ بسخائه لدرجة أن قصائد أوبيانوس أُشتُهِرَت بالكلمات الذهبية إلى هذا اليوم([50]). هكذا كانت هبات المُحبين السابقين للعِلم والخطابة.
ولكنك أيها الامبراطور قد فقت كل أحدِ من القدماء فى سخائك للرسائل، وإنك لتبدو لى أنك تفعل ذلك ليس بلا فطنة. لأنك بينما تجاهد فى التغلب على الجميع بفضائلك، فإنك تدير أيضا شئونك بنجاح وفقا لمعرفتك العميقة بقصة تلك الأمور القديمة التى حدثت من اليونان والرومان. وتقول الاشاعات أنه خلال النهار تقوم بتدريبات بدنية وحربية وتنظيم شئون الدولة بإصدار قرارات وبأخذ ملاحظات بما هو ضرورى، وبالمتابعة جهرا وسرا للأمور التى ينبغى عملها، وفى الليل تشغل نفسك بالكتب. ويقال أن مصباحا يتدفق منه الزيت تلقائيا فى الفتيل بمكانيكية ما يخدمك فى دراسة هذه الأعمال حتى أن أحدا ما من خدم القصر لا يكون مضطرا إلى ازعاجك فى عملك أو يقتحم طبيعة جهادك ضد النوم. وهكذا أنت انسان ولطيف للقريبين وللجميع إذ أنك تحاكى الملك السمائى الذى هو نموذجك الذى يحب أن يُرسِل المطر وأن تشرق الشمس على البار والأثيم، مثلما يهب أيضا البركات بلا حد.
ومن الطبيعى أيضا، أن أسمع أنه بعلمك المتنوع لست أقل دراية بطبيعة الأحجار وفوائد الجذور لأن سليمان صار عبدا لمسراته ولم يحترس إلى المنتهى، تلك التقوى التى كانت له سبب الحكمة والرخاء. ولكنك أنت أيها الامبراطور القوى بالأكثر لأنك جعلت عقلك محصُورا ضد الهزل فلم تستطع فقط حُكم الناس، ولكن أيضا [ضبط] أوجاع النفس والجسد، كما يُفترَض فى المرء طبيعيا. وهذا أيضا ينبغى ملاحظته، فأنا أفهم أنك هزمت كل رغبة فى الأكل والشرب. فإذا تحدثنا شعريا، لا تين شهى ولا أى نوع آخر من الفاكهة فى موسمها، يمكن أن يأسرك فيما عدا ما تلمسه وما تتذوقه بعد أن تُقدِّم الشكر لصانع كل الأشياء. لقد أردتَ أن تهزم العطش والحرارة، والبرد بتدريباتك اليومية لدرجة أن ضبط النفس بدت طبيعة ثانية لك. وأخيرا، كما هو معروف جيدا، كنتَ مهتما بزيارة مدينة هيراكليا([51]) Heracleaفى بونطس وأن تستردها ثانية، واجتزت فى موسم الصيف خلال بيثنية([52]). وعندما كانت الشمس فى منتصف النهار تقريبا وشديدة القيظ، رآك أحد حراسك الشخصيين تتصببُ عرقا بغزارة وسُحب الغبار. وكما لو كان يريد أن يصنع معروفا قدَّم لك صحنا يعكس اشعة الشمس وسكب من الشراب الحلو فيه ، وأضاف إليه ماءً باردا. ولكنك أيها الإمبراطور الأقوى أخذته ومدحت الرجل على نيته الصالحة وأعلنتَ حالا أنك ستكافأه على صنيعه الجيّد بهبة ملكية. ولكن عندما اندهش سائر الجنود وفغروا أفواههم من الطبق واعتبروه مُباركا ذاك الذى سيشربه أعدت أيها الامبراطور النبيل ذلك الطبق إليه، وأمرته أن يستخدمه فى أى شىء يسره. لدرجة أنه يبدو لى أنك قد فُقتَ بفضيلتك الكسندروس بن فيليب ذاك الذى أشُتهِر بين معجبيه بأنه عندما كان يمر مع المقدونيّن خلال مكان بلا ماء وجد جنديا قلقا، ماءً فإستقى منه وأحضره إلى الكسندروس، فلم يشأ أن يشرب ولكنه سكبه([53]).
لذلك بإختصار، من المناسب أن ندعوك وفقا لهومر أكثر فخرا من الملوك الذين سبقوك لأننا نسمع عن البعض أنهم لم يحظوا بإعجاب ذى قيمة. وآخرون زينوا بالكاد عهدهم بعمل أو اثنين أما أنتَ أيها الامبراطور الأكثر قوة فقد جمعتَ سائر الفضائل معا وفُقتَ كل أحدِ فى التقوى ومحبة الخير للبشر والشجاعة والفطنة والعظمة والكرامة الملكية. وكل عصر سيفتخر بحكمك بأنه وحده كان غير ملوث ونقى من القتل عن سائر الحكومات التى وُجِدَت طرا. لقد عَلَّمتَ تابعيك أن يسعوا وراء الأمور المهمة بسرور لدرجة أنهم أظهروا غيرة لك وللشؤون العامة بكل احترام وإرادة جيدة.
لذلك، ولكل هذه الأسباب كان علىَّ ككاتب لتاريخ كنسى أن أقدِّم نفسى لك، لأنه مَن يكون أكثر ملائمة لأقدِّم له نفسى، حيث أننى عتيد أن أروى فضائل رجال أتقياء كثيرين، وأحداث الكنيسة الجامعة، ولما كان صراعها مع أعداء كثيرين قد قادنى [للإلتجاء] إلى حمايتك وحماية آبائك؟. فاقبل منى يا مَن تعرف كل هذه الأمور وتمتلك كل فضيلة وبصفة خاصة تلك الشفقة التى قال عنها الكلمة الإلهى أنها بداية الحكمة، هذا المكتوب ورتِّب حقائقه ونقيه بعملك الناجم عن معرفتك الدقيقة إما بالإضافة أو الحذف لأنه متى بدا الخطاب سارا لك، وكان ذا مزايا براقة وتامة للقراء، فلن تمتد إليه يد بعد استحسانك.
ان تاريخى يبدأ من القنصلية الثالثة للقياصرة: كريسبوس([54]) Crispus وقنسطنطين Constantine، ويمتد إلى قنصليتك السابعة عشر. وقد وجدتُ من المناسب تقسيم العمل كله إلى تسعة أجزاء:
الكتابان الأول والثانى يتضمنان الشؤون الكنسية فى عهد قنسطنطين.
الثالث والرابع تلك التى فى عهد ابنائه.
الخامس والسادس: تلك التى فى عهد يوليانوس Julian، ابن عم أبناء قنسطنطين الكبير وجوفيانوس Jovian، وفالنتنيانوس Valentinian، وفالنس Valens.
السابع والثامن: أيها الامبراطور الأقوى يتناول الشؤون فى عهد الاخوين جراتيان Gratian وفالنتنيانوس([55]) Valentinian إلى إعلان ثيودوسيوس Theodosius جدك التقى.
وبقدر ما تحتفل بأبيك اركاديوس Arcadiusمع عمك التقى هونوريوس Honorius بقدر ما شاركتَ واشتركت فى تنظيم العالم الرومانى.
أما الكتاب التاسع، فخصصته لجلالتك([56]) يا محب المسيح لعل الله يحفظك دائما بإرادة جيدة لا تنقطع وينصرك على الأعداء ويضع كل شىء تحت قدميك وينقل الامبراطورية المقدسة إلى أبناء ابناءك بمشيئة المسيح الذى [يليق] به ومعه المجد لله الآب مع الروح القدس إلى الابد. آمين.
الـكتـاب الأول
الكتاب الأول : الفصل الأول
( وفيه يمهد سوزمينوس بفحص تاريخ الأمة اليهودية، ويذكر أولئك الذين بدأوا هذا العمل. وكيف ومن أية مصادر جمع تاريخه، وكيف كان مُصِّرا على الحقيقة، وأية تفاصيل أخرى سيشملها التاريخ).
(1/1/1) لقد انشغل ذهنى مرارا بإستفسار: كيف أنَّ الناس الآخرين مستعدون جدا للإيمان بالله الكلمة، بينما اليهود يرتابون بشدة [فى ذلك]، على الرغم من أن هذا التعليم بشأن الأمور الخاصة بالله قد غرسه الأنبياء لهم منذ البداية، والذين بالمثل جعلوهم أيضا مُلمين بالأحداث المتعلقة بمجىء المسيح قبل أن تحدث. وبالإضافة إلى ذلك حُسِب ابراهيم مؤسس أمتهم و[مؤسس شريعة] الختان، مستحقا لأن يكون شاهدَ عيان ومضيفا لإبن الله([57]). وكُرِّم اسحق ابنه بأن يكون مثالا للذبيحة التى على الصليب حيث أُقتِيد إلى المذبح بواسطة أبيه، وكما يؤكد الدارسون المدققون للأسفار المقدسة، حدثت آلام المسيح وفقا لهذا المثال([58]). وسبق يعقوب وتنبأ بأنَّ رجاء([59]) الأمم سيكون للمسيح كما هو [حادث] الآن، وبالمثل سبق فتكلم عن الزمن الذى سيأتى فيه([60]) عندما قال أن حُكم سبط يهوذا، السبط القائد للعبرانيِّن، سيبطل([61]). وهذه اشارة واضحة إلى عهد هيرودوس الذى كان آدوميا من جهة أبيه وعربيا من جهة أمه، وسُلِّمت له الأمة اليهودية بواسطة السينات([62]) الرومانى واوغسطوس قيصر.
(1/1/2) وبالنسبة لباقى الأنبياء، أعلن البعض مسبقا عن ميلاد المسيح وحبله الذى لا يُنطَق به، والأم الباقية عذراء بعد ميلاده، وشعبه وبلده. والبعض سبق وأنبأ بأعماله الاعجازية والإلهية، بينما أخبر الآخرون مسبقا بآلامه وقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات والأحداث المصاحبة لكل منها. فإذا كان أحدٌ ما يجهل هذه الحقائق فليس من العسير أن يعرفها بقراءة الأسفار المقدسة.
(1/1/3) فيوسيفوس([63]) Josephus بن متياس الذى كان أيضا كاهنا وأكثر تميزا بين اليهود والرومان يمكن أن يُعتَبر شاهدُ جديرُ بالإعتبار بالنسبة للحقائق الخاصة بالمسيح. هذا قد تردد فى أن يدعوه إنسانا إذ قد أجرى أعمالا عجيبة وكان معلِّما للعقائد الحقيقية، فدعاه صراحة المسيح، وأنه قد أُدِين بالموت موت الصليب فظهر حيا ثانية فى اليوم الثالث. ولم يكن يوسيفوس جاهلا بالنبوات العجيبة الأخرى التى بلا عدد التى نُطِق بها قبلا بواسطة الأنبياء القديسين بشأن المسيح. وأكثر من ذلك يشهد بأن المسيح اكتسب لنفسه الكثيرين من اليونان واليهود الذين استمروا يحبونه وأن الذين دُعِيوا بإسمه ولم يعودوا مغمورين([64]). ويبدو لى من رواية هذه الأمور أنه يُصرّح بأن المسيح بالمقارنة بأعماله هو الله. وإذ صُدِم بهذه المعجزة، ركض نوعا ما إلى منحى وسط فهاجم أصلا أولئك الذين آمنوا بيسوع، ولكنه بالأحرى اتفق معهم.
(1/1/4) وعندما اتمعن فى هذا الأمر تبدو لى ملاحظة معقولة، [وهى] أن العبرانيين لم يتوقعوا أن يتحولوا ([65]) حالا، قبل سائر البشر، إلى المسيحية، لأنه على الرغم من بعض التكهنات والعرافة التى تعلن مسبقا مستقبل الاحداث الخاصة بالمسيح، فلا يجوز لنا أن نعزو فى هذا الصدد عدم الايمان إلى جميع اليونانيين. لأن أولئك الذين كانوا ذوى تعليم أفضل وقدرة على فهم مثل هذه النبوات التى كانت بالنسبة للجزء الأكبر وحى، كانوا قلة. وكانت هذه النبوات مُعلَنة للناس بكلمات عويصة.
(1/1/5) ولذلك، فى تقديرى الخاص، أن ذلك كان نتيجة المعرفة السمائية السابقة من أجل اتفاق الأحداث فى المستقبل، أن تُعلَن الحقائق الآتية ليس فقط بواسطة أنبيائه، ولكن أيضا جزئيا بواسطة الغرباء. فكمثل موسيقِى يقع تحت ضغط لحن غريب، فيُعالج الأصوات المتباينة للخورس برقة بواسطة ريشته، أو أن يضيف أخرى إلى تلك الموجودة بالفعل.
(1/1/6) وإذ رأينا الآن كيف أن العبرانيين على الرغم من أنهم يمتلكون نبوات محددة وبلا حصر بشأن مجىء المسيح كانوا أقل إرادة للايمان به عن اليونانيين، فإن ما قيل فى هذا الموضوع لكافٍ.
(1/1/7) ولكن يجب بأى حالٍ من الأحوال أن نعتبر الكنيسة على النقيض من ذلك، قد شُيِّدت بإهتداء الأمم الأخرى. لأنه من الثابت أن الله يُسَّر فى المقام الأول بالأمور الإلهية والعظيمة، أن يتم التغير بأسلوب اعجازى. ثم علينا أن نتذكر أنه بممارسة الفضائل غير الشائعة، حافظ الذين كانوا منذ البداية رؤساء الشؤون الدينية على تأثيرهم. فإذا كانوا حقا لا يمتلكون اللغة المُحدَّدة التعبيرات، أو جمال الأسلوب، ولا قوة اقناع السامعين بواسطة عبارات أو تراكيب رياضية إلا أنهم لم يقصّروا فى القيام بالعمل المعهود إليهم. لقد تخلوا عن ممتلكاتهم، وأهملوا أقاربهم، وتمددوا على الصليب. وكما لبسوا جسدا ليس لهم، قاسوا عذابات كثيرة لا تُحتمَل، ولم يخدعهم تملق أى شعب أو حُكام أية مدينة، ولا ارتعدوا من خطر، بل برهنوا بوضوح بسلوكهم أنهم مدَّعمين فى جهادهم بالرجاء فى الجائزة الأعلى حتى أنهم لم يحتاجوا فى الحقيقة إلى تبنى الجدل الشفاهى لأنهم بدون أى جهد من جانبهم ألزمَت أعمالهم سكان كل بيت وكل مدينة على أن يصادقوا على شهادتهم حتى قبل أن يعرفوا ما تحتويها.
(1/1/8) ولما كان مثل هذا التغير الإلهى والاعجازى قد حدث فى شؤون البشر، فقد هوت العبادات القديمة والقوانين المحلية إلى الازدراء. أذ أن كثيرين من الكتَّاب اليونان المتميزين قد سخَّروا قوى بلاغتهم فى وصف الخنزير الكاليدونى وعِجل ماراثون والأعمال المماثلة الأخرى التى حدثت بالفعل فى بلاد أو مدن أو لها أصل خرافى. فلِما لا أنهض أنا أيضا لكتابة تاريخ الكنيسة، إنه موضوع ليس فى متناول البشر ولكنه يستهوينى ويبدو من غير المصدَّق أن تاريخا كهذا يُكتَب بواسطتى، ولكن عند الله ليس شيء مستحيلا.
(1/1/9) فأولا شعرتُ بميل قوى إلى تعقب مجرى الأحداث منذ البداية، ولكن عند التمعن فى سجلات الماضى المماثلة إلى زمان كاتبيها، والمؤلفة بواسطة أولئك الرجال الحكماء [أمثال] كليمندس([66]) Clemens وهيجسبوس Hegesippus خلفاء الرسل، وافريكانوس Africanus المؤرخ ويوسيبيوس Eusebius الملقب بامفيلوس([67]) Pamphilus، وهو رجل مُلم للغاية بالأسفار المقدسة وكتابات الشعراء والمؤرخين اليونان، استخلصتُ على نحو ما مختصر لكتابيَن([68]) من كل ما قد سُجِّل يهتمان بما حدث للكنائس من صعود المسيح إلى وقت خلع ليسينيوس Licinius. والآن بمعونة الله، سأروى الأحداث التالية أيضا.
(1/1/10) سأسجل تلك الأمور التى انشغلتُ بها بنفسى، وأيضا تلك التى سمعتها من أناس عرفوها أو رأوها فى أيامنا هذه أو قبل جيلنا. ولكننى بحثتُ عن سجلات أحداث التاريخ القديم بين القوانين الراسخة المتعلقة بالديانة، وبين مضابط مجامع الفترة، وبين البدع التى ثارت، وفى رسائل الملوك والكهنة. وكانت بعض هذه الوثائق محفوظة فى القصُور والكنائس. وأخرى كانت متناثرة بين ممتلكات بعض المتعلمين. وقد فكرتُ مرارا فى نسخ الكل ولكن بعد تفكير عميق وجدتُ من الأفضل بسبب الكم الهائل من الوثائق أن أقدّم توليفة مختصرة لمحتوياتها. ولكن عندما يثور الجدل بالنسبة للموضوعات المُقدَّمة، فإننى سأكون مستعدا لنسخها طبق الأصل بتصرف من أى عمل يمكن أن يوضح الحقيقة.
(1/1/11) فإذا خلص أى شخص يجهل الاحداث الماضية إلى أن تاريخى مزيف لأنه صادف عبارات تتعارض مع كتابات أخرى، فعليه أن يعرف أنه منذ ثارت عقيدة اريوس والفرضيات الأخرى الأكثر حداثة، بدأ رؤساء الكنائس وهم مختلفون فى وجهات النظر فيما بين أنفسهم، فى كتابة وجهات نظرهم الخاصة لمنفعة تابعيهم. وأكثر من ذلك عليه أن يتذكر أن هؤلاء الرؤساء عقدوا مجامع، وأصدروا المراسيم التى تسرهم والتى غالبا ما تدين مَن لم يسمع بها، وأولئك الذين ايمانهم لا يماثل ايمانهم. وجاهدوا بكل ما فى وسعهم فى إغواء أمراء ونبلاء زمانهم لكى ينحازوا إليهم. وبزعم الحفاظ على الارثوذكسية التى لعقيدتهم الخاصة، ألَّف اتباع كل طائفة على التوالى مجموعة من الرسائل التى تؤيد هرطقتهم الخاصة حاذفين سائر الوثائق التى تخص الطرف المضاد. هذه هى العقبة التى صادفتنا فى سعينا للوصول إلى خلاصة فى هذا الموضوع.
(1/1/12) ولهذا تطلب الأمر منى، من أجل الحفاظ على الدقة التاريخية، أن أبذل أقصى عناية فى سبيل تحرى الحقيقة، فألزمتُ نفسى بفحص جميع كتابات هذه الفئة حسب قدرتى. فلا ينسب إلىَّ أحدٌ أى روح خبث لأننى تمعنتُ فى المنازعات بين الكنسيِّن أنفسهم الخاصة بأولوية وتميز هرطقاتهم.
(1/1/13) ففى المقام الأول كما قلتُ ينبغى للمؤرخ أن يعتبر كل شىء ثانوى بالنسبة لأهمية الحقيقة. وأكثر من ذلك فإن عقيدة الكنيسة الجامعة هى بصفة خاصة الأكثر أصالة، إذ أنها أُختُبِرت([69]) مرار بمكائد المفكرين المعارضين، ولكن التدبير مع ذلك كان من الرب، فحافظت الكنيسة الجامعة على سموها واستردت قوتها وقادت سائر الكنائس والشعوب إلى قبول حقها الذاتى. وعلىَّ أن أتروى فى امعان الفكر فيما إذا كان ينبغى أن احصر نفسى فى تلاوة الأحداث المتصلة بالكنيسة فى ظل الحكم الرومانى أم لا. ولكن يبدو من الملائم بالأكثر أن تشمل على قدر ما يمكن، على المعاملات الخاصة بالديانة بين الفارسيين والبربر. وليس بغريب على التاريخ الكنسى أن نُدخِل فى هذا العمل وصفا لهؤلاء الذين كانوا آباء ورواد ظاهرة الرهبنة، وخلفائهم الحاليين الذين شهرتهم معروفة جيدا لنا سواء بالمعاينة أو التقرير. لأننى لا أرغب فى أن أُعتَبر غير لطيف نحوهم ولا أن أُهمِل فضائلهم، ولا أن أكون جاهلا بتاريخهم. ولكننى أرغب لأن أُخلِف ورائى سجلا بسلوك حياتهم هذه حتى ما يحض الآخرين على الإقتداء بنموذجهم إلى نهاية سعيدة ومباركة. ومع تقدم العمل سيتم ملاحظة هذه الموضوعات كلما أمكن.
(1/1/14) واستمدادا لمعونة الله وتفضله أتقدم الآن لرواية الأحداث. وسيكون بداية التاريخ الحالى من هذه النقطة.
الكتاب الأول: الفصل الثانى
(عن اساقفة المدن الكبيرة فى عهد قنسطنطين، وكيف امتدت المسيحية خوفا من ليسينيوس بحذر إلى الشرق، حتى إلى ليبيا، بينما امتدت بحرية غربا بتشجيع قنسطنطين)
(1/2/1) فى عهد قنصلية قنسطنطين القيصر وكريسبوس القيصر، حكم سيلفستر([70]) Silvester كنيسة روما، والكسندروس([71]) Alexanderكنيسة الاسكندرية([72]). ومكاريوس كنيسة اورشليم. ولم يُعيَّن أحدٌ على كنيسة انطاكية فى أورانتس Orontes منذ رومانوس لأن الاضطهاد كما يظهر قد حال دون اتمام مراسِم السيامة. غير أن الاساقفة الذين اجتمعوا فى نيقية ليس بعد ذلك بوقت طويل، كانوا واعين جدا بنقاوة وحياة وعقائد يوستاثيوس Eustathius إلى حد أنهم حكموا بأنه مستحقٌ لشغل الكرسى الرسولى على الرغم من أنه كان آنذاك أسقف بيرية([73]) Berœa المجاورة فنقلوه إلى انطاكية.
(1/2/2) وبينما لم يجرؤ مسيحيو الشرق إلى ليبيا على حدود مصر، فى الاجتماع جهرا ككنيسة، إذ كان ليسينيوس Licinius قد سحب منهم رضاءه، كان مسيحيو الغرب من اليونانين والمقدونيين والإيلاريين يجتمعون جهرا للعبادة فى ظل حماية قنسطنطين([74]) الذى كان على رأس الامبراطورية الرومانية([75]).
الكتاب الأول: الفصل الثالث
(اعتناق قنسطنطين للمسيحية، عقب ظهور المسيح له، ورؤيا الصليب. وتلقيه للتعليم الدينى من اخوتنا).
(1/3/1) لقد علِمنا أن قنسطنطين قد أُقتِيد إلى شرف الديانة المسيحية بتوالى أحداث عديدة مختلفة، وعلى وجه الخصوص ظهور علامة من السماء. فعندما عَقد الأول العزم على شن الحرب ضد ماكسنتيوس Maxentius، ساورته الشكوك بالنسبة لوسائل تنفيذ عملياته الحربية ومن أين يمكنه طلب المعونة.
(1/3/2) وفى وسط حِيرته رأى فى رؤيا علامة الصليب تلمع فى السماء، فإندهش من المشهد ولكن بعض الملائكة الذين كانوا يقفون إلى جوار هذه العلامة صاحوا يا قنسطنطين بهذه العلامة تغلب([76]). وقد قيل أن السيد المسيح نفسه قد ظهر له وأراه علامة الصليب وأمره أن يصنع واحدة مثلها، ويجعلها عونا له فى المعركة فيضمن النصرة بصفة مؤكدة. ويؤكد يوسيبيوس المُلقب بامفيلوس أنه قد سمع الامبراطور وهو يُصرّح بقسَم أنه عندما كانت الشمس على شفا الانحدار فى حوالى منتصف النهار، رأى هو والجنود الذين كانوا معه علامة النصر التى للصليب مكونة من نور ومحاطة بهذه الكلمات: بهذه العلامة تغلب. وهذه الرؤيا صادفته بمناسبة حيرته فيما إذا كان يتعين عليه قيادة جيشه أم لا. وبينما كان يفكر فيما يمكن أن تعنيه هذه الرؤيا حل الليل. وعندما نام ظهر له المسيح بالعلامة التى رآها فى السماء وأمره أن يُشيِّد مثالا للشعار ويستخدمه كعون له فى المواجهات الضارية ولم يكن هناك توضيح أكثر من ذلك، إذ أدرك الإمبراطور بوضوح ضرورة خدمة الله.
(1/3/3) وعند طلوع النهار أَحضر سائر كهنة المسيح واستعلم منهم عن تعاليمهم. ففتحوا الاسفار المقدسة وشرحوا الحقائق الخاصة بالمسيح، وأظهروا له من الانبياء كيف أن العلامات التى تنبأوا بها قد تحققت فيه. وقالوا أن العلامة التى ظهرت له كانت علامة الانتصار على الجحيم لأن المسيح أتى بين البشر، وعُلِّق على الصليب ومات، وعاد إلى الحياة فى ثالث يوم. وقالوا فى هذا الصدد هناك رجاءٌ أنه فى نهاية التدبير الحالى ستكون هناك إقامة عامة من الأموات ودخول إلى الأبدية حيث يُكافأ أولئك الذين قادوا حياة صالحة، ويُعاقَب أولئك الذين عاشوا حياة طالحة. ولكنهم استطردوا قائلين غير أن وسائط الخلاص والنقاوة من الخطية مشروطة. أى العماد للشخص غير المُعمَّد وفقا لقوانين الكنيسة، وامتناع الشخص المُعمَّد عن خطايا جديدة. ولكن لما كان قلة، حتى بين الرجال القديسين، هم القادرين على حفظ هذا التقليد فإن هناك طريقة أخرى للتطهير تُدعَى التوبة، لأن الله فى محبته للإنسان يهب الغفران للذين سقطوا فى الخطية، عند توبتهم وتأكيد توبتهم بالأعمال الصالحة.
الكتاب الأول: الفصل الرابع
(قنسطنطين يأمر بحمل علامة الصليب أمامه فى المعركة، ورواية غير عادية عن حَمَلَة الصليب).
(1/4/1) واستدعى الإمبراطور- المندهش من النبوات المتعلقة بالمسيح التى شُرِحت له من الكهنة- بعض الفنيين المهرة وأمرهم فى إعادة رسم الشعار المعروف من الرومان بإسم لاباروم Labarum([77])، ويحولوه إلى مثال الصليب ويزينوه بالذهب والأحجار الكريمة. وفاقت علامة الانتصار الحربية هذه كل شىء آخر إذ كانت تُحمَل دائما أمام الإمبراطور، وتُعبَد من الجنود.
(1/4/2) وأظن أن قنسطنطين قد غيَّر أقوى شعار للقوة الرومانية إلى علامة الصليب حتى ما يميل الجنود بصفة رئيسية عن طريق التعود على رؤيتها دائما أمامهم إلى هجر خرافاتهم القديمة والاعتراف بالإله الحقيقى الذى يعبده الإمبراطور، كقائد لهم، ومُعينهم فى المعركة، إذ أن هذا الشعار كان يُحمَل دائما أمام كتائبه، وكان يُحمَل بأمر الإمبراطور بين الكتائب العسكرية فى وسط المعارك الضارية بواسطة فرقة ممتازة من رماة الرماح الذين كان كل واحد منهم يحمل فى دوره، الشعار على كتفيه ويتقدم به بين الصفوف.
(1/4/3) وقد قيل أنه فى إحدى المناسبات عند حركة غير متوقعة من القوات المعادية، وضعه حامل هذا الشعار من رعبه فى يد آخر وهرب سرا من المعركة. وعندما صار بعيدا عن متناول أسلحة العدو تلقى فجأة جرحا وسقط، بينما الرجل الذى ظل حاملا للعلامة الإلهية، ظل بلا ضرر على الرغم من أن أسلحة كثيرة قد صُوِّبت ضده لأن قذائف العدو المصوبة ضد حامل الراية قد وُجِهت بالعناية الإلهية على نحو عجيب بعيدا عنه، على الرغم من أنه كان فى وسط الخطر.
(1/4/4) وأيضا من المؤكد أنه لم يسقط قط أى جندى حمل هذه العلامة فى المعركة خلال أية مصيبة حالكة، أو أُخِذ أسيرا، أو جُرِح.
الكتاب الأول: الفصل الخامس
(دحض تأكيد أن قنسطنطين قد صار مسيحيا نتيجة لقتل ابنه كريسبوس)
(1/5/1) إننى أعى جيدا أنه قد قيل من قِبل الوثنيين أن قنسطنطين بعد قتله لبعض أقاربه المقربين، وبصفة خاصة بعد قتل إبنه كريسبوس Crispus، ندم على أعماله الشريرة فاستعلم من سوباتير Sopater الفيلسوف الذى كان آنذاك معلم مدرسة بلوتينُس Plotinus بشأن وسائل التطهر([78]) من هذا الذنب. ولكن الفيلسوف، حسبما تقول القصة، أجاب أن مثل هذه الرذائل الأخلاقية لا تسمح بأية وسيلة للتطهُر. فحزن الإمبراطور من هذه الاجابة وتصادف أن قابل بعض الاساقفة الذين قالوا له أنه يمكنه التطهُر من الخطية بالتوبة والمعمودية. فسُرَّ بإنعاشهم وتبنى تعاليمهم وصار مسيحيا وقاد تابعيه لنفس الايمان.
(1/5/2) ويظهر لى أن هذه القصة هى من اختراع أشخاص يرغبون فى الافتراء على الديانة المسيحية. فكريسبوس الذى بسببه قيل أن قنسطنطين قد طلب التطهُر لم يمت حتى السنة العشرين من حكم والده، وحاز الموضع الثانى فى الإمبراطورية، وحمل لقب قيصر، وصِيغت قوانين كثيرة برضائه فى صالح المسيحية وما زالت قائمة. وهذه الحالة يمكن البرهنة عليها بالإشارة إلى التواريخ المحددة لهذه القوانين، والى قوائم المشرعين. ولا يبدو من المقبول أن سوباتير كان له أية علاقة بقنسطنطين الذى كان حكمه آنذاك يتركز فى الأقاليم المجاورة للمحيط والراين Rhine لأن منازعته مع ماكسنتيوس حاكم ايطاليا خلقت انشقاقا فى السيادة الرومانية حتى أنه لم يكن بالأمر الهين الاقامة فى الغال وبريطانيا أو البلاد المجاورة التى كان مسلَّما فيها على نطاق واسع بأن قنسطنطين قد اعتنق الديانة المسيحية قبل حربه مع ماكسنتيوس، وقبل عودته إلى روما وايطاليا. وهذا ثابت من تواريخ القوانين التى فى صالح الديانة.
(1/5/3) ولكن حتى مع التسليم جدلا بأن سوباتير قد التقى بالإمبراطور أو كانت له مراسلات معه فإنه لا يمكن تصُور أن الفيلسوف كان يجهل أن هيراكلس ابن الكمينا قد حصل على التطهير فى أثينا بالاحتفال بسرائر سيرس Ceres بعد قتله لإبنه وايفيتس ضيفه وصديقه. وكون أن اليونانيين قد نالوا التطهير من ذنب من هذا النوع، فهذا واضح من المِثال الذى أشرتُ إليه توا، ومن ثمة فهو مفترِى وزائف مَن يظن أن سوباتير قد علَّم بعكس ذلك. وإننى لا يمكن أن أقبل إمكانية أن يكون هذا الفيلسوف جاهلا لهذه الحقائق لأنه كان فى ذلك الوقت يُعتبَر الأكثر علما بين رجال اليونان.
الكتاب الأول: الفصل السادس
(أبو قنسطنطين يسمح بامتداد اسم المسيح. قنسطنطين العظيم يجعله يتغلغل فى كل مكان).
(1/6/1) وفى عهد حكم قنسطنطين كانت الكنائس تزدهر وتتزايد فى العدد يوميا، إذ كرَّمها الإمبراطور الخيِّر المستعد دوما بأعمال صالحة. وحفظها الله بالأحرى من الاضطهادات والمضايقات التى كانت تواجهها. وعندما كانت الكنائس تعانى من اضطهاد فى مناطق أخرى من العالم كان قنسطانتيوس وحده أبو قنسطنطين يهب المسيحين حق عبادة الله بلا خوف. وأعرف أمرا غير عادى حدث بواسطته، جديرٌ بالتسجيل.
(1/6/2) لقد أراد أن يختبر أمانة بعض المسيحيين وكانوا رجالا صالحين وممتازين قد أُلحِقوا بقصره. فدعاهم جميعا وأخبرهم أنهم إذا ضحوا للأصنام مثلما يعبدون الله، فإنهم سيظلون فى خدمته ويضمنون تعيينهم، ولكنهم إن رفضوا قبول رغبته فإنهم سيُطرَدون من القصر، وبالكاد يفلتون من انتقامه. وعندما انقسموا إلى طرفين فيما بينهم فى حكمهم، فرز أولئك الذين قبلوا هجر ديانتهم عن أولئك الذين فضلوا اكرام الله عن الرفاهية الحاضرة، وصمم الإمبراطور على ابقاء أولئك الذين تمسكوا بإيمانهم كأصدقاء ومُشيرين له، وصرف الآخرين الذين اعتبرهم ليسوا رجالا، ودجالين، وطردهم من حضرته مُقرا بأن مَن يكون مستعدا لخيانة إلهه لن يكون أبدا صادقا لملِكه.
(1/6/3) لذلك من المحتمل أنه خلال حياة قنسطانتيوس لم يكن [أمرا] ضد القوانين أن يُقر بالمسيحية، السكان فى الأقطار التى ما وراء ايطاليا، أى فى الغال وبريطانيا، وفى اقليم جبال بيرنين Pyrenean والمحيط الغربى.
(1/6/4) وعندما خلفه قنسطنطين فى الحكم صارت شؤون الكنائس أكثر توهجا لأنه عندما قُتِل ماكسنتيوس بن هيراكليوس، آل نصيبه أيضا إلى قنسطنطين. وقيل أن سكان شواطىء البحر التيرانى، والأمم التى كانت تعيش على نهر تايبر واردانوس، التى يدعوها الأهالى بادوس Padus، أولئك الاكويليِّين، قد سُمِح لهم بممارسة ديانتهم بدون تحرش. فقد قيل أنه عندما فر أرجوناتسArgonauts من ايتس Æetes، عادوا إلى وطنهم من طريق مختلف وعبروا بحر سكيثيا Scythia، وأبحروا خلال بعض الأنهار هناك، وبذا وصلوا إلى شواطىء ايطاليا حيث قضوا الشتاء وبنوا مدينة دعوها ايمونا Emona. وفى الصيف التالى حرروا آرجو بوسائل ميكانيكية، وبمساعدة شعب البلدة. وهى على مسافة أربعمائة استاديا. ولذلك وصلوا أكويلسAquilis وهو نهر يصب فى إردانوس Eridanus. ولكن إردانوس نفسها هوت فى البحر الايطالى. وبعد معركة سيباليس Cibalis صار الدردانيون Dardanians والمقدونيون وسكان ضفتى استر Ister وهلاس وكل اقليم ايليريا خاضعين لقنسطنطين.
الكتاب الأول: الفصل السابع
(بشأن النزاع بين قنسطنطين وبين ليسينيوس نسيبه بشأن المسيحيين، وكيف هُزِم بالقوة، وقُتِل).
(1/7/1) وبعد ذلك، تغيرت نظرة ليسينيوس الذى كان المسيحيون يحترمون رأيه سابقا، وأساء معاملة الكهنة الذين يعيشون تحت حكمه، كما اضطهد أيضا عددا غفيرا من أشخاص آخرين، وبصفة خاصة الجنود. فقد كان مغتاظا بشدة من المسيحيين بسبب عدم اتفاقه مع قنسطنطين. وفكر فى إيذائه عن طريق معاناتهم بسبب الدين، إلى جانب أنه اعتقد أن الكنائس تصلى بحرارة لكى يتمتع قنسطنطين بالسيادة وحده.
(1/7/2) وبالإضافة إلى كل هذا، فى عشية معركة أخرى مع قنسطنطين، وكان ليسينيوس معتادا على الاستعانة بالعرافين، قدَّم الذبائح ليستطلع مصير الحرب المتوقعة. وإذ خدعوه بالنُصرة، ارتد إلى ديانة الوثنيين. ويروى الوثنيون انفسهم أنه فى حوالى هذه الفترة، إستشار تكهنات ابوللو ديديموس فى ميلتيس Miletus، وتلقى ردا بشأن نتيحة الحرب من الشيطان، أُدرِجت فى الأبيات التالية لهومر: ما أكثر ما يضايقك الشبان ايها الرجل العجوز. فلتحذر، كم صارت قوتك ضعيفة. بيد أن شيخوختك ستكون شاقة.
(1/7/3) ومن حقائق كثيرة يظهر لى أن تعليم المسيحيّن قد تأيد، وأن تقدمه كان مضمونا بعناية الله. ولم يكن أقل مما حدث آنذاك، لأنه فى نفس اللحظة التى كان ليسينيوس عتيدا أن يضطهد سائر الكنائس التى تحت حكمه، اندلعت الحرب فى بيثينية والتى انتهت بحرب بينه وبين قنسطنطين والتى تقوى فيها قنسطنطين بشدة بمعونة إلهية حتى أنه انتصر على سائر أعدائه برا وبحرا.
(1/7/4) وعندما دُمِّر اسطول ليسينيوس وجيشه، ألقى نفسه فى نيقوميديا([79]) وأقام لبعض الوقت فى تسالونيكى كفرد عام ثم قُتِل بالفعل هناك. هكذا كانت نهاية شخص كان منذ بداية حكمه متميزا فى الحرب والسلم والذى تشرف بزواج أخت قنسطنطين.
الكتاب الأول: الفصل الثامن
(قائمة المنافع التى اسبغها قنسطنطين لحرية بناء الكنائس، والأعمال الأخرى للرفاهية العامة).
(1/8/1) وبمجرد أن صار حكم الإمبراطورية الرومانية فى يد قنسطنطين وحده، أصدر مرسوما عاما يأمر فيه سائر تابعيه فى الشرق بتكريم الدين المسيحى، وعبادة الله بعناية والاعتراف به وحده كإله، وأنه وحده القادر على كل شىء إلى أبد الآبدين. إذ أنه سُّر بأن يعطى كل ما هو صالح بوفرة لأولئك الذين يعتنقون الحق بغيرة، وقابل تعهداتهم بأفضل رجاء بينما سوء الاقدار سواء أكانت فى السلم أو فى الحرب، فى الحياة العامة أو الخاصة تؤدى إلى المعاصى. وأضاف قنسطنطين، ولكن بدون مجد باطل، أن الله إذ قد حسبه خادما مناسبا جديرا بالحُكم قاده من بحر بريطانيا إلى المقاطعات الشرقية لكى ينشر الديانة المسيحية، وأن أولئك الذين ثبتوا راسخين فى اعترافهم أو استشهادهم بسبب عبادة الله يجب أن ينالوا تكريما عاما.
(1/8/2) وبعد هذه العبارات أورد حشدا من التفاصيل الأخرى التى علَّم بها تابعيه كيف يهتموا بالدين، فسَّن أن كل الأحكام والأعمال التى تمت من قِبل المضطهدين ضد الكنيسة يتعين أن تُرذل. وأمر بأن يسترد جميع الذين قد عوقبوا بسبب اعترافهم بالمسيح حريتهم. سواء أكان بالنفى إلى الجُزر أو إلى أى مكان آخر ضد ارادتهم الخاصة. أو حُكِم عليهم بالعمل فى المناجم أو الأشغال العامة([80]) أو كسرارى، أو فى مصانع الكتان([81]) أو أُحصُوا ضمن الموظفين العموميين. كما ينبغى نزع وصمة العار عن أولئك الذين وُصِموا بها. وأمر بأن يُسمَح لأولئك الذين حُرِموا من التعيينات فى الرتب العليا بالجيش إما أن يستردوا مكانتهم السابقة، وإما أن يُخلَى سبيلهم بإكرام ليتمتعوا براحة حرة، وذلك وفقا لإختيارهم الخاص. وبالمثل عندما دعا الجميع إلى التمتع بحرياتهم السابقة والكرم المعتاد، أمر بأن يستردوا كافة ممتلكاتهم التى صُودِرَت. وفى حالة أولئك الذين قُتِلوا يرثها أقرباؤهم، أو الكنيسة التى تقع فى مقاطعتهم فى حالة عدم وجود ورثة قريبين. وفى حالة انتقال الميراث إلى يد آخر، أو صار مِلكية عامة أو خاصة أمر يإسترداده. كما وعد بالمثل بإتخاذ أنسب الوسائل وأفضلها فى حالة ما إذا كانت المِلكية قد تم شرائها بواسطة خزانة الدولة، أو تم الحصول عليها كهبة منهم.
(1/8/3) وهذه المعايير، كما قيل، ما أن وقَّع عليها الامبراطور ودُعِمت بقانون([82])، حتى وُضِعَت سريعا موضع التنفيذ فى الحال. وهكذا شغل المسيحيون جميع الوظائف الرئيسية تقريبا فى الحكومة الرومانية. وتم حظر عبادة الآلهة الكذبة على نحو عام، وأنواع التأليه([83])، وتكريس الأصنام، والاحتفال بالمواسم الوثنية. وتوارى الكثيرُ من العادات القديمة التى كانت تُراعَى فى المدن. ولم يعد يُحمَل، لدى المصريين، المقياس الذى يشير إلى زيادة مياه النيل إلى المعابد الوثنية ولكن إلى الكنائس. وُمنِعت لدى الرومان مشاهدة المصارعة. ولدى الفينيقيين مضاجعة العذارى قبل الزواج فى هليوبوليس([84]) بلبنان، والتى كانت معتادة كشرط للزواج الشرعى([85]) بعد التجربة الأولى للمعاشرة المحرَّمة. وبالنسبة لبيوت الصلاة رمم الامبراطور بعضها الذى كان ذا حجم كافٍ، وأضاف إلى البعض الآخر طولا وعرضا، وأنشأ مبانٍ جديدة فى المواضع التى لم يكن بها مبان موجودة سابقا، وزودها بالمتطلبات اللازمة من الخزانة الامبراطورية، وكتب إلى اساقفة المدن وحكام المقاطعات يُرغّبهم فى المساهمة حسبما يرغب كل منهم وأن يُظهِروا خضوعا وطاعة حارة للكهنة.
(1/8/4) وصاحب رخاء الديانة، رخاءً متزايدا للإمبراطورية. فبعد حربه مع ليسينيوس نجح قنسطنطين فى سائر معاركه ضد الأمم الأجنبية، فهزم السامريين والشعب الذى يُدعَى القوط([86]). وعقد معاهدة متميزة معهم، وهذا الشعب يقطن [على ضفاف] إستر([87]) Ister وكانوا رجال حرب أشداء ومستعدين دوما للتعبئة بكلٍ من ضخامة أجسامهم وعددهم الغفير، وأبقى القبائل البربرية الأخرى فى خوف، وكانوا فقط خصوم الرومان. وقيل أنه فى هذه الحرب، تلقى قنسطنطين بوضوح بواسطة الأحلام والعلامات تلك الحماية الخاصة من العناية الإلهية.
(1/8/5) ومن ثم عندما انتصر على كل الذين أثاروا المعارك ضده قدَّم الشكر للمسيح بإهتمام بالغ بشؤون الدين وحث الحُكام على الاعتراف بالإيمان الحقيقى الوحيد وطريق الخلاص وخصص جزءً من أموال الجزية المفروضة على البلاد للأساقفة والإكليروس أينما حلَّوا وأمر أن يكون القانون الذى ينص على ذلك فريضة إلى الأبد.
(1/8/6) ولكى يعتاد الجنود على عبادة الله مثله، أمر أن تُعلَّم اسلحتهم بشعار الصليب وأقام بيت صلاة فى القصر. وعندما كان ينشغل فى حرب ما أمر أن تُحمَل خيمة على شكل كنيسة حتى يمكن له أو لجيشه فى حالة توغلهم فى الصحراء أن يكون لهم مبنى مقدس يمكنهم أن يعبدوا الله فيه وبسبحوه ويمارسوا فيه السرائر. وكان الكهنة والشمامسة يتبعون الخيمة([88]) ليتمموا ترتيبات هذا الأمر حسب قانون الكنيسة. ومنذ ذلك الوقت صارت الفيالق الرومانية التى صارت تُدعى بأرقامها، صار لكل منها خيمة خاصة بها بشمامستها وكهنتها.
(1/8/7) كذلك عَهَد بمراعاة اليوم الملقب بيوم الرب([89])، والذى يدعونه اليهود اليوم الأول من الأسبوع والذى يُخصصه الوثنيون للشمس. وبالمثل اليوم قبل السابع، وأمر بعدم ممارسة أية أعمال رسمية أو أخرى فى هذه الأيام([90]) لأن الرب قد صُلِب فيه. وكرَّم الصليب إكراما خاصا بسبب القوة التى وهبها له فى المعارك ضد أعدائه، وأيضا للأسلوب الإلهى التى ظهرت له به العلامة. وألغى من المحاكم عقوبة الصلب المعتادة بين الرومان، وأمر بأن تُنقَش هذه العلامة الإلهية، وتُطبَع دائما عند سك النقود فى أى وقت مع صُورته التى توجد فى هذا الشكل الذى ما زال حتى الآن([91]) شاهدا على أمره.
(1/8/7) وفى الحقيقة جاهد فى كل شىءٍ وبصفة خاصة فى سن التشريعات لخدمة الله. ويبدو أيضا أنه قد حظر كثيرا من الأعمال الشائنة والفاجرة التى كانت إلى تلك الفترة غير ممنوعة. ويمكن للمرء المهتم بها أن يَلمح قدرا من بضعة حالات، وكيف كانت القوانين التى أصدرها بخصوص هذه النقاط. ويبدو لى الآن أنه من غير المعقول أن نتناولها باستفاضة. ومع ذلك، اعتبر أنه من الضرورى أن نذكر القوانين التى سنها لتكريم وترسيخ الديانة حيث تشكل قدرا معتبرا من التاريخ الكنسى، لذلك سأستطرد فى روايتها.
الكتاب الأول: الفصل التاسع
(قنسطنطين يسن قانونا فى صالح المتبتلين والاكليروس)
(1/9/1) لقد كان هناك قانون رومانى قديم يجعل غير المتزوجين الذين بلغوا الخامسة والعشرين، لا يتمتعون بذات الإمتيازات التى يتمتع بها المتزوجون. ومن بين المواد الأخرى لهذا القانون، أن الذين ليسوا ذوى قرابة وثيقة لا يستطيعون الحصول على شىء من الوصية. وكذلك الذين كانوا بلا أولاد كانوا يُحرمَون من نصف أية ممتلكات يمكن أن تؤول اليهم. فقد كان موضوع اهتمام هذا القانون هو زيادة سكان روما والأفراد التابعين الذين تناقص عددهم بشدة قبل هذا القانون ليس بوقت طويل بسبب الحروب الأهلية.
(1/9/2) وإذ أدرك الإمبرطور أن هذا التشريع قد سُنَّ ضد مصالح أولئك الذين استمروا فى حالة التبتل وظلوا بلا أولاد من أجل الله، وحسب أنه من السخف مضاعفة الجنس البشرى بغيرة واهتمام الإنسان (حيث أن الطبيعة تحظى دائما بالزيادة أو النقصان وفقا للقضاء الأعلى)، فقد وضع قانونا يسمح بتمتع غير المتزوج والذى بلا أولاد بنفس المزايا كالمتزوج. بل وهب مزايا خاصة حتى لأولئك الذين اعتنقوا حياة التبتل والزهد، وصرَّح لهم، ضدا للعادة التى كانت سائدة فى سائر أرجاء الامبراطورية الرومانية أن يضعوا وصية قبل أن يبلغوا سن البلوغ، لأنه اعتقد أن أولئك الذين كرسوا أنفسهم لخدمة الرب وغرس الفلسفة([92]) سيحكمون فى جميع الأحوال بالصواب. فلنفس السبب، صرَّح الرومانيون القدماء للعذارى الطاهرات بوضع وصية بمجرد أن يبلغوا من العمر ست سنوات. وقد كان ذلك أعظم دليل على توقيره الاسمى للدين.
(1/9/3) وقد أعفى قنسطنطين الاكليروس فى كل مكان من الضرائب، وسمح للمتقاضين بحق الاستئناف على قرارات الاساقفة، إذا فضلوا أحكام الدولة. وأمر أن تسرى هذه التشريعات وأن تسمو على سائر الأحكام الأخرى كما لو كانت منطوقة من الامبراطور نفسه. وأنه على الحكام والضباط الحربيين التابعين، متابعة تنفيذ هذه المراسيم، وأن تكون التعاريف الصادرة من المجامع غير قابلة للنقض.
(1/9/4) وإذ قد وصلتُ إلى هذه النقطة من تاريخى، فليس من الصواب أن احذف كل ذكر لتلك القوانين التى صدرت لصالح أولئك الأفراد فى الكنائس الذين نالوا [بواسطتها] حريتهم. فنظرا لصرامة القوانين وعدم رغبة السادة [فى تنفيذها] كانت هناك صعوبات كثيرة فى طريق اقتناءهم لهذه الحرية على نحو أفضل. أى يمكن القول فى طريق حرية مدينة روما.
(1/9/5) لذلك سن قنسطنطين ثلاثة قوانين تنص على أن أولئك الأفراد المصدَّق عليهم ([93]) فى الكنائس، ينبغى أن يحصلوا على حرية روما. وما زالت هذه التشريعات التقوية موجودة إلى الآن([94])، فقد كانت العادة أن تنقش جميع القوانين المتعلقة بالعتق على ألواح.
(1/9/6) هكذا كانت تشريعات قنسطنطين فقد فكر فى كل شىءٍ يعلى من كرامة الدين. وقد كُرِّم الدين ليس فقط لذاته ولكن أيضا بسبب فضائل أولئك الذين شاركوا فيه آنذاك.
الكتاب الأول: الفصل العاشر
(قنسطنطين الكبير المعترف الخالد)
(1/10/1) ونظرا لأن الاضطهاد قد كف حاليا، فإن كثيرين من المسيحيين الممتازين وكثيرين من المعترفين([95]) الذين ظلوا على قيد الحياة قد زينوا الكنائس. ومن بين هؤلاء هوسيوس اسقف كوردوفا، وأمفيون اسقف ابيفانيا فى صقلية، ومكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كنيسة أورشليم، وبافنوتيوس المصرى. وقد قيل أن الله قد أجرى معجزات كثيرة بواسطة هذا الأخير، حيث ضبط شياطين، وأعطاه نعمة إشفاء أمراض عديدة.
(1/10/2) بافنوتيوس هذا ومكسيموس الذى قد ذكرناه توا كانا من بين عدد من المعترفين الذين حكم مكسيميانوس عليهم بالعمل فى المناجم بعدما قلع عيناهما اليمنى، وأرجلهما اليسرى([96]).
الكتاب الأول: الفصل الحادى عشر
(وصف اسبيريدون. اتضاعه وثباته)
(1/11/1) لقد ازدهر فى هذه الفترة اسبيريدون Spyridonاسقف ترميثون([97]) Trimythun فى قبرص. وأظن أن شهرته التى مازالت سارية تكفى لإظهار فضيلته. فمن الواضح أن الاعمال العجيبة التى أجراها بالمعونة الالهية، معروفة لجميع القاطنين فى نفس الاقليم. ولن اخفى الحقائق التى وصلتنى.
(1/11/2) لقد كان فلاحا ومتزوجا وله أولاد، ولكنه لم يكن فى هذا الصدد عاجزا عن بلوغ القامة الروحية. فقد رُوِى أنه فى ذات ليلة، دخل بعض الأشرار مربض غنمه، وكانوا عازمين على سرقة غنمه فرُبِطوا فجأة دون أن يربطهم أحد. وفى اليوم التالى عندما ذهب إلى الحظيرة وجدهم مُقيَّدين، فحلهم من قيودهم غير المرئية، ووبخهم على أنهم فضلوا أن يسرقوا ما هو شرعى عن أن يكتسبوه ويأخذوه، وأيضا لأنهم يقومون بهذا العمل فى الليل. ولكنه اشفق عليهم ورغب فى أن يزودهم بتعليم يقودهم إلى حياة أفضل، فقال لهم اذهبوا وخذوا هذا الكبش معكم لأنكم تعبتم من السهر، وليس من العدل أن يُلاَم عملكم هذا وتعودون فارغى اليد من حظيرتى. إن هذا العمل جدير بالإعجاب جدا ولكن ليس أقل مما سأرويه الآن.
(1/11/3) لقد عَهَد شخص ما بوديعة فى رعاية ابنته التى كانت عذراء([98]) وتدعى ارينى. ومن فرط حرصها دفنتها. وتصادف أن توفيت عقب ذلك سريعا، دون أن تذكر ذلك لأى أحد. وعندما جاء الشخص الذى أودع لديها هذه الوديعة ليطلبها من اسبيريدون لم يعرف أية إجابة يقولها له. لذا بحث عنها فى كل المنزل، ولكنه لم يكن قادرا على أن يجدها، فبكى الرجل ومزق شعره، وبدا أنه مستعد للإنتحار. فأشفق اسبيريدون عليه وذهب إلى القبر ودعى الفتاة بإسمها. وعندما ردت استعلم منها عن الوديعة. وبعد أن حصل على المعلومات المطلوبة عاد فوجد الوديعة فى المكان الذى حددته له، فأخذها وأعطاها لصاحبها.
(1/11/4) وإذ ولجتُ هذا الموضوع لن يفوتنى أن اذكر هذه الواقعة أيضا. كان من عادة اسبيريدون هذا أن يهب قدرا من ثماره للفقراء، ويُقرِض قدرا آخر لأولئك الذين يرغبون فى الاقتراض. ولكنه لم يكن يقُم بنفسه سواء فى المنح أو الاسترداد، بل كان فقط يشير إلى المخزن ويقول لأولئك الذين يأتون إليه أن يأخذوا ما يحتاجون، أو أن يردوا ما قد اقترضوه.
(1/11/5) فجاء شخص كان قد اقترض بهذه الطريقة، كأنه ينوى رد ما قد اقترض، وعندما وُجِّه كالعادة إلى المكان ليرد قرضه فى المخزن، انتهز فرصة الظلام وظن أن الأمر سيكون خفيا، ولم يفرّغ الدِين وتظاهر بأنه قد فرَّغ حمولته وانصرف كأنه عائد.
(1/11/6) ولكن ذلك لم يدم طويلا، فبعد قليل، أتى الرجل ثانية ليقترض وأُرسِل إلى المخزن بتصريح أن يأخذ ما يحتاح إليه، فلما ذهب وجد المخزن فارغا فذهب ليستفسر من اسبيريدون فقال له هذا الأخير إننى متعجب أيها الرجل لماذا أنتَ وحدك وجدتَ المخزن فارغا، وليس به ما تطلبه؟!. فكر هل أنتَ قد رددت قرضك الأول أم لا، حيث أنك تحتاج إلى آخر، وإلاَّ لما أعوزك ما تطلبه. اذهب بثقة، وستجد. فشعر الرجل بالندم واعترف بخطأه.
(1/11/7) إن حزم وتدقيق ادارة الشؤن الكنسية من جانب هذا الرجل التقى جديرة بالاعجاب. وقد قيل أنه فى مناسبة ما اجتمع اساقفة قبرص ليتشاوروا فى بعض الأمور الطارئة، وكان اسبيريدون حاضرا وتريفيليوس Triphyllius اسقف ليدرى Ledri وكان رجلا بليغا، الذى بسبب ممارسته للقانون، عاش بعض الوقت فى بيريتس([99]). وعندما إلتأم الجمع وطُلِب من تريفيليوس مخاطبة الشعب، اقتبس تريفيليوس فى خطابه النص القائل "خذ سريرك وامشى"([100])، فأحل كلمة فراشك بكلمة سريرك. فغضب اسبيريدون وتعجب وقال هل أنتَ أعظم من الذى نطق سريرك حتى تخجل من استخدام هذه الكلمة. وعندما قال ذلك التفت من عرش الكهنة وتطلع إلى الشعب، وبهذا المسلك علَّمهم أن يبقى الانسان المفتخر ببلاغته داخل قيوده وأن يستحق هذا التوبيخ. فقد كان مُكرَّما وأكثر تميزا بأعماله. وفى نفس الوقت كان يفوق ذلك الكاهن فى العمر والكهنوت.
(1/11/8) أما عن استقبال اسبيريدون للغرباء فيظهر من الرواية التالية: حدث أن أتى لزيارته مسافرٌ فى أحد أيام الصوم الأربعينى([101]) التى كان معتادا على المحافظة على استمرار الصوم فيها هو وأهل بيته، وكان يظل بلا انعاش حتى منتصف النهار. وإذ أدرك أن الغريب كان متعبا للغاية، قال اسبيريدون لإبنته تعالى اغسلى قدميه وضعى لحما أمامه. فأجابت العذراء أنه لا يوجد خبز ولا إدام فى البيت. لأنه من نافلة القول أن توجد مثل هذه الأشياء فى وقت الصوم. فصلى اسبيريدون أولا وطلب المغفرة، وأمرها أن تطهو بعضا من لحم الخنزير المملح الذى تصادف وجوده فى البيت. وعندما أُعِّد، جلس مع الغريب وتناول من اللحم، وأخبره أن يتبع مثاله. ولكن الغريب امتنع بحجة أنه مسيحى. فقال له ولهذا السبب ذاته ينبغى عليك ألا تمتنع عن تناول اللحم لأن الكلمة الإلهى بيَّن لنا أن كل شىءٍ طاهرٌ للطاهرين([102]).
هذه هى التفاصيل التى كان علىَّ أن أرويها بخصوص اسبيريدون.
الكتاب الأول: الفصل الثانى عشر
(بشأن نظام الرهبنة: أصلها ومؤسسوها)
(1/12/1) وأولئك الذين اعتنقوا الرهبنة فى هذه الفترة لم يكونوا الأدنى فى اظهار الكنيسة بأكثر ضياء والبرهنة على حقيقة عقائدهم بسلوكهم التقوى. وفى الحقيقة، أكثر الأمور فائدة التى يتلقاها الانسان من الله هى فلسفتهم([103]). فقد اهملوا فروعا كثيرة من الرياضيات والأساليب التكنيكية للجدل لأنهم اعتبروا أن مثل هذه الدراسات سخافات ومضيعة للوقت لا فائدة منها مدركين أنها لا تساهم بشىء نحو الحياة الصحيحة. لقد اخضعوا ذواتهم لغرس العِلم الطبيعى المفيد على وجه الحصر لكى ما يخففوا من الشر إن لم يقضوا عليه. لقد احجموا بثبات عن اعتبار أىَّ عمل ما أو مبدأ ما أنه جيد، إذا كان يشغل مكانا وسطا بين الفضيلة والرذيلة، لأنهم يبتهجون فقط بالصالح. إنهم يعتبرون أى انسان شريرا ذاك الذى بالرغم من امتناعه عن الشر لا يصنع خيرا. لأنهم لا يَظهرون بالجدل بل بالممارسة، ويعتبرون مجد الناس كلا شىء. وقهروا ببسالة أوجاع([104]) النفس، ولم يرضخوا لا لضروريات الطبيعة ولا لضعفات الجسد. وإذ اقتنوا قوة الذهن الإلهى، نظروا دوما إلى خالق الكل، ساجدين له ليلا ونهارا ومتوسلين بالصلوات والتضرعات، وأنجزوا، بواسطة ممارسة الأعمال الصالحة بنقاوة نفس، الفروض الدينية دون أدنى شعور بذنب. وازدروا بالتطهير([105]) والأوانى الشهوانية وما شابه ذلك من احتفالات. لأنهم رأوا أن الآثام وحدها هى [الأشياء] المُلامة. إنهم أكبر من المسببات الخارجية الخاضعين لها والمُمسَكين بها كما لو كانت كل الأشياء تحت سيطرتهم. ولذلك لا يحيدون عن الطريق الذى اختاروه، بسبب كوارث أو ضرورة تؤثّر فى الحياة. إنهم لا يحزنون عندما يُهَانون ولا يُدافعون عن أنفسهم عندما يتعرضون لمكيدة، ولا تخور عزائمهم عندما يُصابون بمرض، أو عوز فى الضروريات بل بالأحرى يبتهجون بمثل هذه التجارب ويحتملونها بصبر ودعة. إنهم يدربون أنفسهم طوال حياتهم على القناعة بالقليل، والاقتراب من الله كلما أمكن للطبيعة البشرية. إنهم يعتبرون الحياة الحاضرة كرحلة فقط، ولذلك ليسوا متهافتين على اقتفاء الثروة ولا على امدادات الحاضر بما يفوق الضروريات. إنهم يُعجَبون ببساطة وجمال الطبيعة ولكن رجاءهم فى السمائيات والبركات المستقبلية لإنهم غارقون بالكامل فى عبادة الله ويُحجِمون عن اللغة الفاحشة، ويُرذلون الممارسات الشريرة، لذلك لا يسمحون بمثل هذه الأشياء حتى أن تُذكَر. لقد حدوا كلما أمكن طلبات الطبيعة وأقمعوا الجسد ليقنع بالمدد المتواضع. لقد تغلبوا على الإفراط بالاعتدال، وعلى الظلم بالعدل، وعلى الباطل بالحق، وحازوا على الوسطية السعيدة فى كل شىء. وعاشوا فى اتساق وشركة مع جيرانهم. لقد زوَّدوا الأصدقاء والغرباء الذين فى حاجة ما، كلا بحسب حاجته وعزّوا الحزانى. وإذ كانوا مجتهدين فى كل شىء وغيورين فى السعى نحو الخير الأسمى، كان تعليمهم بالرغم من أنه ملتحف بالاتضاع والفطنة وخالٍ من البلاغة الباطلة، كان يحوز على قوة كدواء ناجع فى شفاء الأمراض الأخلاقية لسامعيهم. لقد تكلموا أيضا بخوف ورعدة مُحذرين من كل نزاع وغضب وتهكم. وفى الحقيقة، ساد المعقول على سائر الانفعالات غير المعقولة، وخمدت الأهواء الطبيعية والجسمانية.
(1/12/2) لقد كان يوحنا المعمدان وايلياس النبى مؤسسا هذه الفلسفة السامية، كما يقول البعض، ويروى فيلو الفيثاغورى([106]) أنه فى زمانه كان العبرانيون يلتقون معا، من سائر أرجاء الدنيا، فى مكان من البلد يقع على تل بالقرب من بحيرة ماريوتيس بقصد الحياة كفلاسفة([107]). ويصف مساكنهم، ونظامهم اليومى، وعاداتهم، والتى كانت تماثل نلك التى نقابلها اليوم فى رهبان مصر. ويقول أنه من اللحظة التى يُخضِعون فيها أنفسهم لدراسة الفلسفة يتخلون فيها عن مقتناياتهم لأقربائهم، ويهجرون الأعمال والمجتمع ويسكنون خارج الأسوار منفردين فى الحقول والبساتين. ويخبرنا أيضا أنه كان لهم مبانى مقدسة، كانوا يدعونها أديرة، كانوا يسكنون فيها منفردين([108]) وينشغلون بالإحتفال بالسرائر المقدسة وعبادة الله بالمثابرة على التسابيح والمزامير. ولا يذوقون طعاما قط قبل غروب الشمس، وبعضهم يتناولون طعاما كل ثلاثة أيام فقط، أو حتى مدة أكثر. وأخيرا، يقول أنه فى أيام معينة ينطرحون أرضا ويمتنعون عن النبيذ ولحم الحيونات، وطعامهم الخبز فقط ممزوجا بالملح والزوفا([109])، وشرابهم الماء. وأنه كانت هناك نساء بينهم عاشوا كعذارى إلى الشيخوخة محبة فى الفلسفة، واختاروا بإرادتهم الطواعية التبتل.
(1/12/3) وفى هذه الرواية يبدو أن فيلو يصف يهودا معينين اعتنقوا المسيحية، ولكنهم ظلوا يُبقون على عادات أمتهم. إذ لم توجد أيٌ من ملامح هذا النمط من الحياة فى أى مكان آخر. ومن ثمة فإننى أخلص إلى أن هذه الفلسفة([110]) قد ازدهرت فى مصر فى هذه الفترة. ومع ذلك، يؤكد آخرون أن هذا النمط من الحياة قد نتج عن الاضطهادات التى كانت تثور من وقتٍ إلى آخر والتى بسببها اضطر الكثيرون إلى الفرار إلى الجبال والصحارى والغابات ثم صاروا يعتادون هذا النوع من الحياة([111]).
الكتاب الأول: الفصل الثالث عشر
(عن انطونيوس الكبير وبولس البسيط)
(1/13/1) وسواء أكان المصريون أم غيرهم هم الذين أسسوا هذه الفلسفة، فإن المعتقد به على نحو عام أن انطونيوس([112]) الراهب العظيم قد نما بمنهج الحياة هذه بممارسات أخلاقية ولائقة حتى بلغت ذروة الكمال والدقة.
(1/13/2) لقد انتشرت شهرته فى سائر أرجاء صحارى مصر إلى درجة أن الإمبراطور قنسطنطين بسبب شهرة فضائل هذا الرجل، التمس صداقته وكرَّمه بالمراسلات وحثه على أن يكتب [له] بما يحتاجه.
(1/13/3) لقد كان مصريا بالجنس، وينتمى إلى أسرة عريقة فى "كوما" التى كانت تقع بالقرب من هيراكليا التى على الحدود المصرية. لقد كان شابا بعد عندما فقد والديه، فوهب ميراثه الأبوى لرفقائه القرويين، وباع باقى ممتلكاته ووزع الباقى على المحتاحين لأنه كان يعى أن الفلسفة لا تعنى مجرد ترك الممتلكات بل توزيعها المضبوط. وحصل على اعتراف الرجال المكرسين فى أيامه واحتذى بفضائل الجميع. واعتقادا منه أن ممارسة الصلاح ستكون مبهحة بالتعود، على الرغم من الحماس الخارجى، فإنه تأمل فى أكثر أساليب النسك كثافة، وتراكمت يوما فيوم عن طريق ضبط النفس مثلما كان يُوصِى دائما الذين تحت اشرافه. لقد أخضع ثورات الجسد بالعمل، وألجم أوجاع النفس بمعونة الحكمة الإلهية. كان طعامه الخبز والملح، وشرابه الماء، ولم يكسر صومه قط قبل غروب الشمس. وغالبا ما كان يظل يومان أو ثلاثة بدون أكل. لقد سهر طوال الليل، هكذا يُقال، واستمر فى الصلاة إلى مطلع النهار. وإذا ما غلبه النوم فى أى وقت كان ذلك لفترة قصيرة على حصيرة قصيرة، فلقد كانت الأرض الغبراء فراشه بصفة عامة. لقد رفض عادة التدهن بالزيت، وبالمثل استخدام الحمامات([113])، ووسائل الترف المماثلة لراحة تعب الجسد بالترطب، وقيل أنه لم ير نفسه قط عاريا. لم يكن متعلما ولكنه حاز على فهم جيد إذ كان متقدما فى الحروف ومكتشفا لها. كان وديعا للغاية ومحبا لخير البشر، فطنا وشهما حارا فى المحاورات، ودودا فى المجادلات حتى عندما يستخدم الآخرون الموضوعات الجدلية كمناسبة للنزاع، كان بسلوكه الخاص وبنوع من الذكاء يستمر فى الهدوء عندما يحتدمون، ويردهم إلى الاعتدال وأيضا كان يُلطَف من حمية المجادلين له ويضبط سلوكهم. وعلى الرغم من أنه قد صار بسبب فضائله غير العادية مملوءً من نعمة سبق المعرفة، فإنه لم يعتبر سبق المعرفة بالمستقبل فضيلة، ونصح الآخرين بشدة ألاَّ يمتلكوا هذه الفضيلة، لأنه اعتبر أن أحدا ما لن يُعاقَب أو يُجازَى بحسب جهله أو معرفته للآتيات، لأن البركات الحقيقية تكمن فى عبادة الله وحفظ نواميسه. ولكنه قال إن عرف أى إنسان المستقبل فعليه أن يتطهَّر بإستمرار فى النفس لأنه سيستطيع أن يسير حينئذ فى النور وسيفهم الأمور العتيدة أن تحدث لأن الله سيكشف له المستقبل. إنه لم يسمح لنفسه أبدا أن يكون خاملا، بل حث جميع أولئك الذين بدوا أنهم يرغبون فى حياة صالحة على الاجتهاد فى العمل، وعلى فحص الذات والاعتراف بالخطية أمام ذاك الذى خلق النهار والليل. وكان يحثهم على تسجيل زلاتهم كتابة عندما يضلون كى ما يخجلون من خطاياهم، ويخافون من أن يجدوا خطايا كثيرة مسجلة لأنه سيخاف أن يصل المكتوب إليه فينكشف للناس الآخرين كشخصية فاجرة.
(1/13/4) إنه خلاف الآخرين، جميعا، انبرى للدفاع عن المتألمين بأقصى غيرة ونشاط، وفى حالتهم كان يلجأ حتى إلى المدن، إذ أن كثيرين قد أتوا إليه وألزموه أن يتشفع من أجلهم لدى الحكام ورجال السلطة. ولقد شعر الجميع بالشرف عند رؤيته، وأصغوا بشدة لخطابه واستسلموا لحججه، لكنه فضَّل أن يظل مجهولا ومخفيا فى الصحراء. وعندما كان يُلزَم بالنزول إلى المدينة، لم يتوان قط فى الرجوع سريعا إلى الصحراء بمجرد إنجاز العمل الذى نزل من أجله. لأنه، كما قال، كما أن السمك لا يستطيع أن يعيش خارج المياه، هكذا الصحراء هى العالم الذى أُعِّد للرهبان. وكما أن السمك يموت متى أُلقِّى على اليابس هكذا تفقد الأديرة جاذبيتها متى نزلت إلى العالم. لقد ألزم نفسه بالطاعة والكرم لكل مَن كان يراه، وكان حريصا ألا يدع أو يبدو عليه طبيعة رياء.
(1/13/5) لقد أوردتُ هذا الوصف الموجز عن انطونيوس حتى يمكن تكوين فكرة عن فلسفته عن طريق الاستنتاج من وصف سلوكه فى الصحراء.
(1/13/6) وكان له تلاميذ مشهورين كثيرين، ازدهر بعضهم فى مصر وليبيا، وآخرون فى فلسطين([114]) وسوريا والعربية. ولم يكونوا أقل من معلِّمهم. إذ عاش كل منهم مع مَن سكنوا معه، ونظَّم سلوكهم، وعلَّم الكثيرين، وتوَّجهم بفضائل كثيرة وفلسفة.
(1/13/7) لكن من الصعب على أىّ أحدٍ أن يتتبع رفقاء انطونيوس أو خلفائهم من خلال الاهتمام بالذهاب إلى المدن أو القرى لإكتشافهم. لأنهم رأوا أن الاختفاء يكون أكثر حرارة عن الرجال الباحثين عن الشهرة والصيت والمظهر.
(1/13/8) ولابد أن نروى بترتيب زمنى تاريخ أكثر تلاميذ انطونيوس([115]) شهرة وبصفة خاصة بولس الملَّقب بالبسيط. لقد قيل أنه كان يسكن فى الريف، وكان متزوجا من امرأة جميلة. وحدث أن ضبطها ذات يوم فى فعل زنى، فإندهش وضحك وأكَّد بقسم أنه لن يحيا معها بعد الآن بتاتا. فتركها مع الزانى وذهب للتو للإنضمام إلى انطونيوس فى الصحراء. وأكثر من ذلك يُروَى عنه أنه كان وديعا وصبورا للغاية، وإذ كان مسنا وغير معتاد على الشفاء النسكى قام انطونيوس بإختبار قدراته بطرق عديدة كوافد جديد ولم يتوصل إلى أمر سلبى. وإذ قدَّم دليلا على كمال الفلسفة([116])، أُرسِل ليحيا بمفرده إذ لم يعد فى حاجة إلى معلِّم. وقد صدَّق الله نفسه على شهادة انطونيوس، وأظهَر الرجل كأكثر إنارة بأعماله العظيمة، حتى عن معلّمه فى طرد وإخراج الشياطين([117]).
الكتاب الأول: الفصل الرابع عشر
(عن القديس آمون، ويوتيخيوس فى أوليمبوس)
(1/14/1) وفى نحو هذه الفترة تبنى آمون المصرى [هذه] الفلسفة. لقد قيل أنه قد أُجبِر على الزواج من قِبل أسرته. ولكنه لم يعرف أبدا زوجته جسديا، لأنه فى يوم زواجه عندما كانا منفردين، وبينما يقود كعريس عروسه إلى فراش الزوجية، قال لها آه يا أمراة إن زواجنا قد حدث ولكنه لم يكمل. وعندئذ أظهر لها من الأسفار المقدسة أن خيرها الرئيسى أن تبقى عذراء وحثها على الحياة منفردين. وقد اقتنعت بحُججه بشأن البتولية، ولكنها كانت محصُورة بفكرة الحياة المنفصلة عنه. ولذلك على الرغم من أنه كان يعيش فى فراش منفصل، فإنه ظل لمدة ثمانى عشرة سنة لا يهمل تدريباته الرهبانية.
(1/14/2) وفى النهاية تشددت المرأة بقوة بفضيلة زوجها واقتنعت أنه ليس من العدل لرجل كهذا أن يعيش بسببها فى المجال البيتى. ورأت أنه من الضرورى لكل منهما من أجل الفلسفة أن يعيش بمفرده منفصلا عن الآخر فإلتمست من زوجها هذا.
(1/14/3) لذلك رحل بعد أن شكر الله على مشورة زوجته وقال لها ابقِ أنتِ فى هذا البيت وأنا سأصنع آخر لنفسى، واعتزل فى مكان صحراوى جنوب بحيرة مريوط بين الاسقيط وجبل يُدعى نيتريا.
(1/14/4) وهكذا كرَّس نفسه خلال إثنين وعشرين سنة للفلسفة، وكان يزور زوجته مرتين فى السنة. وكان هذا الرجل التقى مؤسس الأديرة هناك [أى فى نيتريا] وجمع حوله الكثيرين من التلاميذ، كما تُظهِر السجلات.
(1/14/5) وحدثت له كثير من الأحداث غير العادية التى سُجِلَّت بدقة من قِبل الرهبان المصريين، الذين بذلوا كلَّ ما فى وسعهم لإحياء ذكرى فضائل أقدم النساك، وحفظوها فى تقليد شفاهى غير مكتوب متعاقب([118]). واننى سأروى بعضها على قدر معرفتنا.
(1/14/6) حدث أن خرج آمون وتلميذه ثيودور ذات يومٍ فى سفر إلى مكان ما، واضطر إلى عبور قناة تُدعَى ليكوس. فأمر آمون ثيودور أن يرجع إلى الخلف لئلا يرى كل منهما عرى الآخر. وإذ كان هو بالمثل يخجل أن يرى نفسه عاريا، شعر بقوة إلهية تمسكه وتحمله إلى الضفة الأخرى. وعندما عبر ثيودور المياه أدرك أن ثياب وأقدام الكبير ليست مبتلة، وعندما استعلم عن السبب لم يتلق جوابا. فألح بشدة فى هذا الموضوع، وأخيرا اعترف آمون بعد أن اشترط عليه ألا يذكر ذلك خلال حياته بالحقيقة.
(1/14/7) وفيما يلى معجزة أخرى من نفس النوع. أحضَر إليه بعض الأشرار ابنا عقره كلب مسعور وكان على شفا الموت، وتوسلوا إليه بدموع أن يشفيه. فقال لهم: ابنكم ليس فى حاجة الىَّ ليُشفى، ولكن إن رغبتما فى شفائه، فردوا الثور الذى سرقتموه إلى أصحابه، فيُشفَى فى الحال. وكانت النتيجة كما توقع. رُدَّ الثور، وشُفِىَّ الابن فى الحال.
(1/14/8) وقيل أنه عندما توفى آمون رأى انطونيوس روحه صاعدة إلى السماء، وتقوده القوات السمائية مرتلة المزامير. وعندما سأله مرافقوه عن علة اندهاشه، لم يُخفِ الأمرَ عنهم، لأنه كان ينظر إلى السماء بشدة وكانت دهشته واضحة من المنظر العجيب. وبعد ذلك بوقت قصير حضر أناس من الاسقيط، وأبلغوا ساعة وفاة آمون. وتأكدت حقيقة ما قد قاله انطونيوس.
(1/14/9) وهكذا كما شهد جميع الصالحين كان كلٌ من هؤلاء الرجال القديسين مباركا فى سلوك معين. الواحد براحته من هذه الحياة، والآخر بإعتباره مستحقا لمعاينة المشهد العجيب الذى أراه اياه الرب. لأن انطونيوس وآمون كانا يعيشان على مسافة سفر عدة أيام بين بعضهما البعض. وهذه الرواية تُلِيَت من قِبل الذين كانوا مُلمين شخصيا بكل منهما.
(1/14/10) واننى مقتنع أنه فى خلال هذه الفترة كان تبنى يوتيخيانوس Eutychianus للفلسفة([119])، وقد اختار موضع اقامته فى بيثينيا بالقرب من اوليمبس وكان ينتمى إلى شيعة النوفاتيين([120]). وكشريك فى النعمة الإلهية شفى أمراض وأجرى معجزات، وبسبب شهرة حياته الفاضلة حرص قنسطنطين على صداقته به وعلاقته الحميمة.
(1/14/11) وفى حوالى ذلك الوقت حدث أن أُتهِم أحد الحرس الخصوصيين بأنه يدبر مكيدة ضد السلطة، فهرب. وبعد بحث عُثِر عليه بالقرب من اوليمبس. فإلتمس اقرباؤه من يوتيخيانوس أن يتشفع عنه لدى الإمبراطور وفى نفس الوقت يطلب رفع القيود عن الأسير لئلا يموت تحت ثقلها.
(1/14/12) ويُروَى أنَّ يوتيخيانوس ارسل إلى الضباط الذين يضعون الرجل فى الحبس طالبا منهم أن يحلوا القيود عنه. وعندما رفضوا ذهب بنفسه إلى السجن وكانت أبوابه موصدة وفتحها فسقطت القيود عن الأسير. وارسل يوتيخيانوس تقريرا بعد ذلك إلى الإمبراطور الذى كان يقيم آنذاك فى بيزنطة وحصل بسهولة على عفو. لأن قنسطنطين لم يكن يبغى رفض طلبه، لأنه كان يكرم الرجل بشدة.
(1/14/13) لقد أوردتُ الآن بإيجاز تاريخ معلمى الفلسفة الرهبانية الأكثر شهرة. فإذا أراد أى شخص الحصول على معلومات أكثر دقة عن هؤلاء الرجال فسيجدها فى السير التى كُتِبَت عن الكثيرين منهم.
الكتاب الأول: الفصل الخامس عشر
(الهرطقة الاريوسية. منشأها، وتطورها، والنزاع الذى سببته بين الأساقفة).
(1/15/1) على الرغم من أن الديانة كانت، كما رأينا، فى حالة مزدهرة إلا أن الكنائس كانت فى نزاع مرير. لأنه تحت زعم التقوى والبحث عن الاكتشاف الأكثر كمالا لله، ثارت مسألة معينة لم تكن قد نوقشت حتى الآن بعد.
(1/15/2) وكان اريوس مُنشِىء هذه المنازعات. لقد كان كاهنا بكنيسة الاسكندرية فى مصر، وكان فى البداية مفكرا غيورا فى العقيدة ومشايعا لابتداعات مليتيوس Melitius. وفى الحقيقة، مع أنه قد هجر رأى هذا الأخير وسيم شماسا بيد بطرس اسقف الاسكندرية([121]) الذى طرده فيما بعد من الكنيسة. لأنه عندما حرم مشايعو مليتيوس ورفض معموديتهم، هاجمه اريوس بسبب ذلك، ولم يستطع الصبر.
(1/15/3) وبعد استشهاد بطرس، طلب اريوس المغفرة من اخيلاس([122]) Achillas الذى رده إلى رتبته كشماس ثم رقاه فيما بعد إلى كاهن. وفيما بعد رفع الكسندروس([123]) من شأنه كثيرا إذ كان منطقيا لامعا، فقد قيل عنه أنه لم تكن تعوزه هذه المعرفة، فسقط فى مناقشات سخيفة لدرجة أنه كان يعظ فى الكنيسة بأى شىء لم يثيره أحدٌ من قبله. أى أن ابن الله لم يكن له وجود سابق، وأنه كان هناك وقت لم يكن موجودا فيه، وأنه لمَّا كان يملك إرادة حرة فقد كان قادرا على فعل الرذيلة والفضيلة. وأنه مخلوق ومصنوع. والى جانب ذلك أضاف مزاعم أخرى كثيرة مع ازدياد مجادلاته وتفاصيل خطابه.
(1/15/4) وقد لام أولئك الذين سمعوا هذه الأفكار، الكسندروس لعدم اعتراضه على الابتداعات التى لا تتفق مع العقيدة. ولكن هذا الاسقف رأى أنه من الحكمة أن يدع كل طرف حرا فى مناقشة الموضوعات محل الشك، حتى يمكن بالاقناع وليس بالقوة توَّصل كلا الطرفين إلى أن يكفَّا عن النزاع. ومن ثم جلس كقاضى مع بعض كهنته وقاد الطرفين فى مناقشة.
(1/15/5) ولكن حدث فى هذه المناسبة كما هو الحال فى حالة أى منازعة كلامية، أن إدعى كل طرفٍ الانتصار[لرأيه]. فقد أكد اريوس مزاعمه، أما الآخرون فقد أقروا بوحدانية الابن مع الاب وأزليته. والتأم المجمع لثانى مرة، ونوقشت فيه نفس المسألة. ولكنهم لم يتوصلوا فيما بينهم إلى أية نتيجة. وخلال الجدل بدا أن الكسندروس يميل إلى أحد الجانبين تارة وإلى الجانب الآخر تارة أخرى. وأخيرا أعلن أنه مناصر لأولئك الذين يؤكدون أن الابن مساوٍ للآب وأزلى معه. وأمر اريوس بقبول هذه العقيدة ورذل آرائه السابقة.
(1/15/6) ولكن اريوس لم يُبدِ مع ذلك أيَّ قبولٍ، واعتبر كثيرون من الاكليروس والاساقفة عبارته العقيدية صواب. ولذلك حرمه الكسندروس هو والكهنة الذين شايعوه فى بدعته من الكنيسة.
(1/15/7) وكان ممن شايعوه من كهنة ايبارشية الاسكندرية، اشيلاوس واخيلاوس وكاربونس وسارناتس واريوس والشمامسة يوزويوس ومكاريوس ويوليوس وميناس وهيلاديوس. وكثيرون من الناس أيضا شايعوهم. البعض لأنهم ظنوا أن تعليمهم من الله، وآخرون، كما يحدث مرارا فى مثل هذه الحالات. لأنهم اعتقدوا أنهم عوملوا معاملة سيئة وحُوكِموا بغير عدلٍ. وهكذا كانت أحوال كنيسة الاسكندرية.
(1/15/8) لذلك رأى حزب اريوس أنه من الفطنة البحث عن مساندة اساقفة المدن الأخرى، فأرسلوا التماسات إليهم ورسالة مكتوبة بعقائدهم سائلين اياهم، إذا رأوا أنها من الله فعليهم أن يُخطروا الكسندروس ألا يزدرى بهم. ولكن إذا لم يوافقوا على هذا التعليم فعليهم أن يُعلِموهم بما هى الاراء السليمة التى يتعيَّن الأخذ بها.
(1/15/9) ولم يكن هذا الاحتياط بالفائدة القليلة لهم إذ صارت مفاهيمهم هكذا منتشرة على نطاق واسع وصارت المسائل التى أثاروها محل جدل بين سائر الاساقفة. فالبعض كتب إلى الكسندروس يلتمس منه عدم قبول حزب اريوس فى التناول ما لم يرذلوا آرائهم. بينما كتب إليه آخرون يحثونه على منحى آخر مضاد.
(1/15/10) وعندما أدرك الكسندروس أن كثيرين من المعتبرين بسلوكهم التقوى المظهرى، ولهم وزنهم فى البلاغة والاقناع قد انحازوا إلى اريوس، وبصفة خاصة يوسبيوس رئيس كنيسة نيقوميديا، وهو رجل متعلم وله شهرة عاليه فى القصر. كتَب إلى اساقفة سائر الكنائس طالبا اياهم عدم قبول شركتهم فى التناول الأمر الذى أضرم الغيرة أكثر لدى كل طرف.
(1/15/11) وكما كان الامر متوقعا تزايد النزاع، ورجا يوسيبيوس [النيقوميدى] وحزبه الكسندروس مرار، ولكنه لم يقتنع لدرجة أنهم اعتبروا ذلك اهانة لهم فصاروا عنيدين وأيدوا بالأكثر تعليم اريوس. فعقدوا مجمعا فى بثينية وكتبوا إلى جميع الاساقفة يُرِّغبوهم فى التناول مع الاريوسيين بإعتبارهم أنهم يأخذون بتعليم الحق، وأن يطلبوا من الكسندروس التناول معهم بالمثل.
(1/15/12) وإذ لم يوافق الكسندروس على هذه الشكوى أرسل اريوس رسلا إلى بولينوس اسقف صُور وإلى يوسيبيوس بامفيلوس رئيس كنيسة قيصرية فى فلسطين([124])، والى باتروفيلوس اسقف سكيثوبوليس([125]) يلتمس التصريح له ولمشايعيه بإعتبار أنهم نالوا سابقا رتبة الكهنوت أن يشكلوا هم والشعب الذين معهم كنيسة.
(1/15/13) لأن العادة فى الاسكندرية كانت وما زالت فى أيامنا الحالية([126]) أن تكون سائر الكنائس تحت اشراف اسقف واحد. ولكن كل كاهن له كنيسته التى يجتمع فيها مع شعبه. فمنح هؤلاء الاساقفة الثلاثة بالاتفاق مع آخرين من الذين اجتمعوا فى فلسطين اريوس ما قد طلبه وسمحوا له بالاجتماع مع الشعب كما كان قبلا على أن يخضع لالكسندروس. وأمروا اريوس أن يجاهد بشدة من أجل إعادة السلام والشركة معه([127]).
الكتاب الأول: الفصل السادس عشر
(قنسطنطين يسمع بنزاع الاساقفة واختلاف وجهات النظر بشأن الفصح. يُرسل هوسيوس اسقف كوردوفا إلى الأسكندرية ليزيل الشقاق بين الاساقفة)
(1/16/1) وبعد ان انعقدت مجامع كثيرة فى مصر، وكان النزاع مازال مستمرا ويتزايد عنفا، وصلت تقارير الشقاق إلى القصر، وانزعج قنسطنطين لذلك بشدة، لأنه فى الوقت الذى بدأت فى المسيحية تنتشر بصفة عامة، احجم كثيرون عن اعتناقها بسبب اختلاف العقيدة. واتهم الإمبراطور علانية اريوس والكسندروس بخلق هذا الاضطراب، وكتب مؤنبا لهما على جعل هذا الجدل علانية والذى كان بإمكانهما اخفاؤه، وعلى استمرارهما فى إثارة مسألة كان ينبغى عدم إثارتها بتاتا، أو كان على الأقل عرض وجهة نظرهما بهدوء. وقال لهما أنه يجب ألا ينفصلا عن بعضهما بسبب اختلاف المفاهيم بشأن نقاط عقيدية معينة. لأنه بالنسبة للعناية الإلهية ينبغى للجميع أن يتمسكوا بنفس الإيمان الواحد، ولكن الأبحاث الدقيقة فى هذا المجال وخاصة إذا لم تؤدِ بهم إلى رأى واحد، فيجب أن تتم سرا فى جميع الأحوال. وحثهم على الانصراف عن كل كلام لغو بشأن مثل هذه النقاط وأن يكونوا بفكر واحد، إذ أنه قد حزن كثيرا. ولذا عدل عن عزمه على زيارة مدن الشرق.
(1/16/2) هكذا كتب إلى الكسندروس واريوس مؤنبا وواعظا لهما معا. كذلك كان قنسطنطين حزينا بشدة بشأن تباين الآراء بخصوص الاحتفال بالفصح. لأن بعض مدن الشرق، اختلفت فى هذه النقطة على الرغم من أنها لم تمتنع عن الاشتراك فى التناول معا. لقد احتفظوا بالاحتفال حسب اسلوب اليهود، وكما هو طبيعى، ألغوا نتيجة لهذه الحالة ذبيحة الاحتفال الفاخرة.
(1/16/3) فحث الإمبراطور الطرفين بحماس على ازالة عِلل الشقاق هذه من الكنيسة، والتفكير فى ازالة الشر قبل أن يستفحل. فأرسل شخصا مُكرَّما لإيمانه وبحياته الفاضلة، ومحل تقدير فى تلك الأيام السابقة بسبب اعترافه بشأن هذه العقيدة، ليصالح المنشقين معا فى مصر بسبب العقيدة، وأولئك المختلفين حول الفصح فى الشرق. هذا الرجل كان هوسيوس Hosius اسقف كوردوفا([128]) Cordova.
الكتاب الأول: الفصل السابع عشر
(مجمع نيقية بسبب اريوس)
(1/17/1) ولما وجد الإمبراطور أن الحدث لم يتجاوب مع توقعاته بل على النقيض استعصى النزاع بشدة على نحو لا يمكن التصالح فيه، لدرجة أن الذى أرسله ليصنع سلاما عاد دون أن يتمم مهمته، دعا إلى عقد مجمع فى نيقية([129]) ببيثينيا. وكتب إلى سائر الرجال البارزين فى كل الكنائس فى كل اقليم ليجتمعوا هناك فى يوم معين.
(1/17/2) فحضر من بين الذين شغلوا الكراسى الرسولية: مقاريوس من أورشليم، يوستاثيوس رأس كنيسة انطاكية على اورنتس([130])، والكسندروس([131]) من الأسكندرية بالقرب من ماريوط. ولكن يوليوس اسقف روما لم يستطع الحضور بسبب شيخوخته الطاعنة فأرسل فيتو وفيسنتيوس كهنة كنيسته. وكذلك رجال اخرون متميزين من بلاد متعددة، اجتمعوا معا. بعضهم كانوا مكرمين لعلمهم وبلاغتهم ومعرفتهم بالأسفار المقدسة وآخرون لتهذبهم. البعض لفضائل حياتهم، وآخرون لأنهم يجمعون كل هذه الصفات. وقد حضر حوالى ثلاثمائة وعشرون اسقفا([132]) بصحبة حشد من الكهنة والشمامسة. وبالمثل حضر رجال مهرة فى البلاغة وجاهزون للمساعدة فى المناقشات.
(1/17/3) وكما هى العادة المعتادة فى هذه المناسبات حضر كهنة كثيرون إلى هذا المجمع بغرض تحقيق مصالح خاصة بشؤونهم الخاصة، إذ اعتبروها فرصة مواتية للتعبير عن احزانهم، وعن أى أمر وجدوه خطأ فى الباقين. وقدَّموا دعاوى للإمبراطور يذكرون فيها التعديات التى ارتكبت ضدهم. فعيَّن الإمبراطور يوما معينا ليتم احضار سائر هذه الدعاوى له.
(1/17/4) وعندما حلَّ الوقت المعيَّن، استلم الدعاوى التى قُدِّمت له وقال: كل هذه الاتهامات ستنُاقش فى حينها فى يوم الدينونة العظيم، وسيتم الحُكم فيها من قِبل الديان الأعظم لسائر البشر. وبالنسبة لى ما أنا سوى بشر، وسيكون شرا لى أن احتاط عِلما بمثل هذه الأمور، إذ أن الشاكى والمشكو منه كهنة، وينبغى ألاَّ يسلكوا هكذا بتاتا، وأن يكونوا تحت حُكم آخرين ([133])، لذلك حاكوا المحبة الإلهية ورحمة الله وتصالحوا مع بعضكم بعضا. وليسحب كل واحد اتهاماته ضد الاخر، ودعونا نكرس اهتمامانا لتلك الموضوعات المتعلقة بالإيمان الذى اجتمعنا بسببه.
(1/17/5) وبعد هذا الخطاب([134]) أمر الإمبراطور بحرق سائر الدعاوى التى قُدِّمت له لكى يجعل دعوى كل واحد كأن لم تكن. ثم حدد يوما لحل النقاط المشكوك فيها.
(1/17/6) ولكن قبل أن يحل الوقت، اجتمع الاساقفة معا، ودعوا اريوس للحضور، وبدأوا يتباحثون معا فى الموضوعات محل النزاع. وبدأ كل واحد منهم يعرض وجهة نظره. وكما هو متوقع برزت مسائل مختلفة كثيرة فى المناقشة. فقد تحدث بعض الاساقفة ضد ادخال ابتداعات ضد الايمان المُسلَّم لهم منذ البداية، وأكَّد المشايعون لبساطة العقيدة بأن الايمان بالله ينبغى أن يُقبَل بدون استعلام فضولى. ومع ذلك جادل آخرون قائلين أن الآراء القديمة لا يجب أن تُتَّبع بدون فحص. وقد صار كثيرون من الاساقفة الذين اجتمعوا ومن الكهنة الذين معهم، بسبب مهارتهم فى الحوار وخبرتهم بمثل هذه الأساليب البلاغية، على دراية كاملة وأدركوا اشارة الإمبراطور والبلاط.
ومن هذا العدد أثناسيوس الذى كان آنذاك شماسا، وصحب الكسندروس. فقد بدا له النصيب الأكبر بشأن هذه الموضوعات.
الكتاب الأول: الفصل الثامن عشر
(فيلسوفان يهتديان إلى الإيمان، بواسطة بساطة إثنين من كبار السن)
(1/18/1) وبينما كانت هذه المجادلات جارية، شغف بعض الفلاسفة الوثنيين فى الاشتراك فيها. بعضهم لأنهم أرادوا معرفة العقيدة المتنازع عليها، وبعضهم لشعورهم بالضيق من جهة المسيحيين بسبب الضغط على الديانة الوثنية، فأرادوا تحويل الاستعلام عن العقيدة إلى معركة شفاهية حول الكلمات، فيُدخِلون الشقاق بينهم، ولكى ما يُظهِروهم بأنهم يتمسكون بمفاهيم متناقضة.
(1/18/2) ويُروَى أن أحد هؤلاء الفلاسفة بدأ يسخر بالكهنة وهو مفتخر بتميزه فى عِلم البلاغة فأثار بذلك مشاعر رجل مسن كان محل تقدير كبير كمعترِف، الذى على الرغم من عدم مهارته فى الحجج المنطقية وعِلم الكلام، تصدى لمعارضته. فالأقل جدية مِمن يعرفون هذا المعترِف انفجروا ضاحكين من انشغاله بهذه الأمور، أما المفكرون منهم فشعروا بالقلق لئلا وهو يتصدى لرجل بليغ هكذا يُظهِر نفسه سخيفا. بيد أن تأثيره كان عظيما وسمعته كانت عالية بينهم جدا لدرجة أنهم لم يستطيعوا منعه من المجادلة.
(1/18/3) ومِن ثم قدَّم نفسه بالكلمات التالية: بإسم يسوع المسيح اصغِ الىَّ، هناك إله واحد، صانع السماء والأرض، وجميع الأشياء المنظورة وغير المنظورة. صنع جميع الأشياء بقوة الكلمة وأسسها بقداسة روحه. الكلمة الذى ندعوه ابن الله، عندما رأى أن الانسان كان غارقا فى الخطأ ويعيش مثل الحيوانات اشفق عليه وتنازل أن يولد من امرأة ليتعامل مع البشر، ولكى يموت من أجلهم. وهو سيأتى ثانية ليدين كل واحد منا حسب أعماله فى هذه الحياة الحاضرة. ونحن نؤمن بكل بساطة أن هذه الأمور حقيقية. لذلك لا تُضيّع تعبك باطلا بالمجادلة لإثبات عدم حقيقية أمور لن تُفهَم إلا بالإيمان، أو بالبحث فى حقيقة ما إذا كانت هذه الأمور قد حدثت أم لم تحدث. أجبنى هل تؤمن؟. وإذ اندهش الفيلسوف مما حدث أجابه أومن. وبعد أن شكر الرجل المسن لأنه غلبه فى المحاججة، بدأ يُعلِّم نفس العقائد للآخرين. وحث أولئك المتمسكين بتعاليمه السابقة على تبنى وجهات النظر التى اعتنقها مؤكدا لهم بقسم أنه قد أُجبِر على اعتناق المسيحية بدافع لا يمكن شرحه.
(1/18/4) وقد قيل أن أعجوبة مماثلة قد حدثت بواسطة الكسندروس الذى ترأس كنيسة القنسطنطينية. فعندما عاد قنسطنطين إلى بيزنطة، جاء إليه بعض الفلاسفة ليشكون له من البدع فى الدين، وبصفة خاصة من إدخال شكل جديد للعبادة فى الدولة مضادٌ لما اتبعه آبائهم وجميع السلاطين السابقين، سواء بين اليونانيين أو الرومان. وأرادوا بالمثل منازلة الكسندروس الاسقف بخصوص العقيدة. فقبل، نزولا على أمر الإمبراطور، بمحاججتهم على الرغم من عدم مهارته بمثل هذه المجادلات المنطقية، وربما عن اقتناع بحياته([135]) إذ رأى أنه رجل صالح وطيب.
(1/18/5) وعندما اجتمع الفلاسفة طلب منهم أن يختاروا شخصا واحدا يمثلهم يُقدّروه هم، بينما يبقى الباقون صامتين، إذ كان كل واحد منهم يريد المناقشة. وعندما بدأ واحد من الفلاسفة يقود المجادلة، قال له الكسندروس اننى آمرك بإسم يسوع المسيح ألا تتكلم، فصمت الرجل فى الحال. لذلك كان من الصواب اعتبار صمت الرجل فى الحال وهو فيلسوف معجزة أعظم إذ يصمت فى الحال بمجرد كلمة أو أن تنحدر صخرة بكلمة، وهى المعجزة التى سمعتُ البعض ينسبها إلى يوليانوس الملقب بالكلدانى([136]). وقد فهمتُ أن هذه الأمور قد حدثت على النحو المذكور عاليه.
الكتاب الأول: الفصل التاسع عشر
(خطاب الامبراطور فى المجمع)
(1/19/1) وأجرى الاساقفة مشاورات طويلة. وبعد أن استدعوا اريوس أمامهم اجروا اختبارا دقيقا لمقترحاته وكانوا معتنين بشدة من جانبهم ألا يُصوتوا لأىٍ من الطرفين.
(1/19/2) وعندما حل اليوم المعيَّن الذى تحدد لتسوية المسائل المتنازع عليها، اجتمعوا معا فى القصر، لأن الإمبراطور عقد عزمه على القيام بدور فى المداولات. وعندما كان، فى نفس المكان مع الكهنة اجتاز إلى رأس المؤتمر وجلس على العرش الذى أُعِد له، وأُمِر المجمع عندئذ بالجلوس حيث رُتِّبت المقاعد على الجانبين على طول جدران الغرفة الملكية، حيث كانت الأكبر وتفوق الأخرى.
(1/19/3) وبعد أن جلسوا، نهض يوسيبيوس بامفيلوس([137]) وألقى كلمة فى شرف الإمبراطور بعد أن رد الشكر إلى الله.
وعندما كفَّ عن الكلام وعاد الصمت، قدَّم الإمبراطور نفسه بالكلمات التالية:
إننى اشكر الله على كل شىء ولكن بالأخص يا اصدقائى على أنه سمح لى ان أرى مؤتمركم، الأمر الذى يفوق صلاتى أن يجتمع كهنة المسيح فى نفس المكان. والآن ارغب فى أن تكونوا جميعا بفكر واحد وشركاء فى حُكم مُرضى، لأننى احسب أن انشقاق كنيسة الله أخطر من أى شر آخر. لذلك عندما أُعلِن أمرٌ غير مرغوب فى سماعه، وفهمتُ أنكم كنتم مختلفين فى الرأى حزنتُ فى نفسى بشدة، إذ أنكم مرشدو العبادة الإلهية وصانعى السلام. ولهذا السبب دعوتكم([138]) إلى مجمع مقدس. وإذ أننى امبراطوركم وشريككم فإننى التمس منكم معروفا مقبولا عند ربنا كلنا، ويكون مُكرَّما لى ولكم. آلا وهو أن تفحصوا أسباب النزاع وتضعوا نهاية مُرضية وسَلامية له لكى ما انتصر معكم على الشيطان الحسود الذى أثار هذه الثورة الداخلية، لأنه اغتاظ من رؤية أعداءنا الخارجيين والطغاة تحت اقدامنا وحسد حالتنا الجيدة.
وقد ألقى الإمبراطور هذا الخطاب باللاتينية، وكانت الترجمه بواسطة واحد من جانبه.
الكتاب الأول: الفصل العشرون
(بعد الاستماع إلى الطرفين، أدان الامبراطور اريوس واتباعه ونفاهم)
(1/20/1) وكانت المداولة التالية من جانب الكهنة خاصة بالعقيدة. واصغى الإمبراطور باهتمام إلى خطاب كل من الطرفين. ومدح أولئك الذين تكلموا حسنا، ووبخ الذين عرضوا ميلا للمشاجرة حسب ادراكه لِما سمع إذ لم يكن غير ملم باليونانية تماما، فعبَّر عن نفسه بلطف لكل أحدٍ. وأخيرا اتفق الكهنة جميعا على أن الابن مساوى للآب فى الجوهر([139]).
(1/20/2) وعند بداية المؤتمر كان عدد مَن امتدحوا آراء اريوس سبعة عشر، ولكن فى النهاية انحاز أغلبهم إلى الرأى العام. وبالمثل اذعن الإمبراطور لهذا الحُكم إذ اعتبر إجماع المؤتمر قبولا الهيا، ورسم بعقاب كل مَن يعصى هذا الحُكم فى الحال كمذنب بالسعى إلى قلب التعاريف الإلهية.
(1/20/3) ولقد رأيتُ أنه من الضرورى أن أُعيد انتاج الوثيقة الخاصة بهذا الموضوع، كمثال للحقيقة لكى ما يتأسس بشكل واضح شعار الايمان الذى يُبرهن على صنع السلام حاليا. ولكن لما كان بعض الأصدقاء الاتقياء الذين فهموا هذه الامور قد أوصوا أن هذه الحقائق ينبغى تعليمها لطالبى المعمودية([140]) بواسطة مُعلِّميهم فقط، فقد وافقتهم على مشورتهم لأنه ليس من المستحسن لغير طالبى الايمان أن يقرأوا هذا الكتاب. وإذ قد أخفيتُ هذه المواد المحظورة التى ينبغى أن اصمت عنها، إلاَّ أننى لم أدع القارىء يجهل الآراء التى تناولها هذا المجمع.
الكتاب الأول: الفصل الواحد والعشرون
( قرارات المجمع بشأن اريوس. تسوية مسألة عيد الفصح)
(1/21/1) ينبغى معرفة أنهم قد أكدوا أن الابن مساوى للآب فى الجوهر، وأن أولئك الذين يرون أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجودا، وأنه لم يكن موجودا قبل أن يُولد، وأنه قد صُنِع من العدم، وأنه من جوهر hypostasis آخر أو من طبيعة substanceأخرى غير التى للآب، وأنه خاضع للتغيّر والتبدّل، هم محرومون من الكنيسة الجامعة وغرباء عنها.
(1/21/2) وقد تم التوقيع على هذا القرار من يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينس اسقف نيقية، وماريس اسقف خلقيدون، وباتروفيلس اسقف اسكيثوبوليس، وسكوندس اسقف بتولمايس بليبيا. أما يوسبيوس بامفيلوس([141]) فقد تردد لبعض الوقت فى الموافقة، لكنه وافق فى المباحثة الأخيرة.
(1/21/3) وحرَم المجمع اريوس ومشايعيه ومنَع دخوله الاسكندرية. وقد أُدِينت بالمثل العبارات التى قدَّمها عن وجهة نظره وكذلك عمله المسمى "ثاليا" الذى كَتَبه عن هذا الموضوع. اننى لم اقرأ هذا الكتاب ولكننى افهم انه من النوع الفضفاض الذى يماثل نمط Sotadus.
(1/21/4) وينبغى معرفة أن يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينس اسقف نيقية رغم موافقتهما على وثيقة ايمان المجمع إلا أنهما لم يوافقا ولا اشتركا فى خلع اريوس.
(1/21/5) وقد عاقب الإمبراطور اريوس بالنفى وأرسل مراسيم للاساقفة والشعب فى كل الاقاليم مصرِّحا أنه هو([142]) وكل تابعيه غير اتقياء، ويأمر بتدمير كُتُبهم حتى لا تبقى ذكرى له أو لتعليمه الذى بثه. وأنَّ كل مَن يُخفِى كتاباته ولم يحرقها فى الحال سيتعرض لعقوبة الموت، وينال عقابا كبيرا. وكتب الامبراطور رسالة إلى كل مدينة ضد اريوس واولئك الذين قبلوا تعاليمه. وأمر يوسيبيوس [النيقوميدى] وثيوجينس أن يهجرا المدن التى كانا اساقفة لها. وخاطب كنيسة نيقوميديا حاثا لها على مشايعة الايمان الذى اقره المجمع وأن ينتخبوا اسقفا ارثوذكسيا ليطيعوه ويدعوا الماضى يمضى. وهدَّد كل مَن يتكلم حسنا عن الاساقفة المنفيين أو يتبنى مفاهيمهم بالعقاب. وأظهَر فى هذه الرسائل وغيرها مشاعر ضد يوسيبيوس [هذا] لأنه تبنى سابقا آراء الطاغية واشترك فى مكائده.
(1/21/6) وطبقا للمراسيم الإمبراطورية خُلِع يوسيبيوس ويوجينس من كنائسهما التى كانوا فيها، وصار امفيون Amphion على كنيسة نيقوميديا وخرستوس([143])Chrestus على كنيسة نيقية. وختاما لهذا الجدل العقيدى، قرر المجمع أن يتم الاحتفال بعيد الفصح فى نفس الوقت فى كل مكان.
الكتاب الأول: الفصل الثانى والعشرين
(دعوة الامبراطور لاكسيوس اسقف النوفاتيين لحضور المجمع)
(1/22/1) ويُروَى أن الامبراطور، من منطلق الرغبة الحارة فى أن يرى التناسق قد أُعيد للمسيحيين ، دعا اكسيوس اسقف كنيسة النوفاتيين إلى المجلس، ووضع أمامه تعريف الايمان، والعيد الذى تصدق عليه بتوقيعات الاساقفة، وسأله عما إذا كان يوافق عليه أم لا.
(1/22/2) فأجاب اكسيوس بأن تفسيرهم لم يُقدِّم تعريفا لتعليم جديد، وأنه يتفق فى الرأى مع المجمع، وأنه يتمسك منذ البداية بهذه المفاهيم الخاصة بالايمان والعيد. فقال له الإمبراطور عندئذ اذن لماذا تمتنع عن الاشتراك معهم فى التناول إذا كنت متفقا فى الرأى معهم؟. فأجاب أن هذا الشِقاق قد بدأ أولا فى عهد داكيوس بين نوفاتوس وكرنيليوس وأنه يعتبر أولئك الأشخاص الذين يُخطئون بعد المعمودية فى تلك الخطايا التى يُعلِن الكتاب المقدس أنها للموت([144]) أشخاصٌ غير جديرين بالتناول، لأن مغفرة تلك الخطايا، كما يُظن، تعتمد على سلطة الله فقط وليس على سلطة الكهنة([145]) فأجاب الامبراطور قائلا: إذن يا اكسيوس خذ سُلّما واصعد وحدك إلى السماء.
(1/22/3) وبعد هذا القول لا اتصُور([146]) أن يُمدَح اكسيوس، ولكن بالأحرى أن يُلام لأنه وهو بشر تخيل أنه معصوم من الخطية.
الكتاب الأول: الفصل الثالث والعشرون
(بافنتيوس المعترف وقوانين المجمع)
(1/23/1) ومن منطلق الغيرة على تقويم حياة أولئك المنشغلين بشؤن الكنائس سن المجمع تشريعات دُعِيَت قوانين.
(1/23/2) وبينما هم يتداولون بشأنها، فكَّر البعض فى اصدار قانون يُلزِم الاساقفة والكهنة والشمامسة بأن ينفصلوا عن الزوجات اللواتى اقترنوا بهن قبل دخولهم الكهنوت.
(1/23/3) ولكن بافنوتيوس المعترف وقف وشهد ضد هذا الاقتراح، وقال أن الزواج مُكَّرم وطاهر، وأن معاشرة زوجاتهم عفة، ونصح المجمع ألاَّ يُصدِر مثل هذا القانون، لأنه سيكون صعب الاحتمال، ويمكن أن يُستخدَم كفرصة للتحرق لهم ولزوجاتهم، وذكَّرهم أنه طبقا للتقليد القديم للكنيسة أولئك الذين كانوا غير متزوجين قبل الانضمام إلى الرتب المقدسة كان يُطلَب منهم البقاء هكذا، أما أولئك الذين كانوا متزوجين فلا يهجروا زوجاتهم. هكذا كانت نصيحة بافنوتيوس على الرغم من أنه كان هو نفسه غير متزوج.
(1/23/4) وطبقا لذلك نزل المجلس على مشورته ولم يسن قانونا بذلك ولكنه ترك الأمر للحُكم الفردى. وليس للإلزام وقد أصدر المجمع مع ذلك قوانينا تنظم سياسة الكنيسة، وهذه القوانين يمكن العثور عليها بسهولة، حيث أنها فى مِلكية افراد كثيرين.
الكتاب الأول: الفصل الرابع والعشرون
(مسألة ميليتوس)
(1/24/1) وبعد فحص مسألة سلوك مليتيوس الذى حَكم المجمع فى مصر عليه، بأن يبقى فى ليكوس Lycus([147])، ومنع عنه فقط لقب اسقف، وحظر عليه سيامة أىَّ أحدٍ سواء فى المدينة أو القرية. أما أولئك الذين قد رسمهم سابقا، فقد سُمِح لهم بهذا القانون أن يظلوا فى الشركة وفى الخدمة ولكن يٌعتبرون تاليين فى الكرامة لكهنة الكنيسة والايبارشية. ولما كان بالموت يُصبح المُعيَّن لا وارث له فقد سُمِح لهم بالخلافة متى حُسبوا أهلا لذلك بتصويت الجمهور. ولكن فى هذه الحالة يتعين سيامتهم بواسطة اسقف كنيسة الاسكندرية لأنهم ممنوعين من ممارسة أى سلطة أو تأثير فى الانتخاب.
(1/24/2) وقد بدت هذه اللوائح عادلة بالنسبة للمجمع لأن مليتيوس وتابعيه قد اظهروا اندفاعا شديدا وتهورا فى السيامات، لدرجة انها حرمت أيضا السيامات التى من بطرس من كل الاعتبارات. وهكذا بعدما أدار كنيسة الاسكندرية، هرب بسبب الاضطهاد الذى ثار عندئذ ثم استشهد فيما بعد([148]).
الكتاب الأول: الفصل الخامس والعشرون
( مأدبة الامبراطور لأعضاء المجمع ومناشدته لهم أن يكونوا بفكر واحد)
وفى نفس الوقت الذى كانت تُسَن فيه هذه القوانين فى المجلس حلَّ الاحتفال بالذكرى العشرين لحُكم قنسطنطين. لأن العادة الرومانية كانت أن يُقَام الاحتفال فى كل سنة عاشرة من الحُكم لذلك فكر الامبراطور أن تكون فرصة لأن يدعو المجمع إلى الاحتفال، وقدَّم لهم هدايا مناسبة، وعندما استعدوا للعودة إلى اوطانهم، دعاهم جميعا معا وحثهم على أن يبقوا جميعا بفكر واحد بشأن الايمان وأن يكونوا فى سلام فيما بينهم حتى لا يكون هناك شِقاق من الان فصاعدا فيما بينهم. وبعد حث كثير آخر من هذا النوع، ختم طلبه بأن يكونوا مجتهدين فى الصلاة وأن يتضرعوا إلى الله دائما من أجله، ومن أجل أبنائه ومن أجل الإمبراطورية. وبعد أن خاطب هكذا أولئك الذين أتوا إلى نيقية شيعهم. وكتب إلى الكنائس فى كل مدينة لكى يوضح لأولئك الذين لم يحضروا ما قد تقرر بواسطة المجمع، وبالنسبة لكنيسة الاسكندرية بصفة خاصة، كتب أكثر من ذلك حاثا لهم أن يضعوا جانبا الانشقاق وأن يكونوا متحدين فى الايمان الصادر من المجمع لأن ذلك لن يكون شيئا آخر سوى حكم الله إذ قد تقرر بواسطة الروح القدس ومن اتفاق هذا العدد الكبير من الكهنة المنيرين وتأيدهم بعد فحص دقيق ومناقشة لسائر النقاط محل الشك.
الكـتـاب الثـانى
الكتاب الثانى: الفصل الأول
(اكتشاف الصليب المُحيِى والمسامير المقدسة)
(2/1/1) عندما انتهت أعمال نيقية كما ذُكِر عاليه، عاد الكهنة إلى أوطانهم. وابتهج الامبراطور للغاية بعودة الاتحاد فى الرأى إلى الكنيسة الجامعة، فرغب فى التعبير عن امتنانه، بالنيابة عن نفسه وعن أبنائه، وعن الامبراطورية، إلى الله الذى ألهم الأساقفة وحدانية الرأى وذلك بإقامة بيت للصلاة فى أورشليم بالقرب من المكان الذى يُدعَى الجلجثة. فرحلت هيلانه Helena الأم، فى نفس هذا الوقت، إلى المدينة لرفع صلاة هناك وزيارة المواضع المقدسة. وقد جعلتها غيرتها للمسيحية تهتم بالكشف عن الخشبة التى شكلت الصليب الممجد.
(2/1/2) ولكن لم يكن الكشف عن هذا الأثر أو عن قبر الرب، بالأمر الهيّن. لأن الوثنيين الذين اضطهدوا الكنيسة فى الأزمنة السابقة، والذين لجأوا فى بداية انتشار المسيحية إلى كل حيلة لمحوها، قد اخفوا تلك البقعة تحت كوم ضخم من التراب ورفعوا ما كان قبلا منخفضا، كما يظهر الآن. ولكى يخفوها على نحو أكثر، زينوا الموقع كله ورصفوه بالحجارة. وشيَّدوا أيضا معبدا لأفروديت وأقاموا تمثالا صغيرا لكى يبدو مَن يريد السجود للمسيح أنه يركع لأفروديت. وبذلك تُنسَى مع مرور الزمن، العلة الحقيقية لتقديم العبادة فى ذلك المكان، وأنهم كمسيحيين لن يجرأوا على التردد على هذا الموقع بدون خوف أو أن يشيروا به للآخرين. وصار المعبد والتمثال محل توقير شديد من قِبل الوثنيين.
(2/1/3) وبإختصار، أُكتُشِف المكان مع ذلك وأمكن صيانته بحماس. وقد ذكر البعض أن الحقائق الخاصة به قد أُعلِنت أولا من عبرانى سكن فى الشرق، وقد استقى معلوماته من مستندات وصلته من ميراث عائلى. ولكن ما هو أكثر اتساقا كما يبدو مع الحقيقة هو افتراض أن الله قد كشف الحقيقة بواسطة علامات واحلام، لأنه لا اظن أن المعلومات البشرية تكون مطلوبة عندما يفكر الله فى إعلانه الأمر.
(2/1/4) وبأمر من الامبراطور تم التنقيب فى المكان بعمق، وأُكتُشِفت المغارة التى قام منها الرب من بين الأموات. وعلى مسافة ليست بعيدة عنها عُثِر على ثلاثة صلبان، وعلى قطعة من خشب أخرى منفصلة منقوش عليها بحروف بيضاء عبرية ويونانية ولاتينية الكلمات التالية: يسوع الناصرى ملك اليهود. وهذه الكلمات كما تسجل الأناجيل المقدسة قد عُلِقَت بأمر من بيلاطس حاكم اليهودية فوق رأس يسوع. ومن ثمة ثارت صعوبة فرز الصليب المقدس عن الآخرين لأن القطعة المنقوشة نُزِعت منه وأُلقِيت بعيدا. والصليب ذاته طرح جانبا مع الآخرين بدون تمييز عندما أُنزِلت أجساد المصلوبين. لأنه طبقا للتاريخ وجد الجنود يسوع قد مات على الصليب فأنزلوه وسلموه للدفن، بينما لكى يعجّلوا بموت اللصيَن اللذين صُلِبا على جانبى يسوع، كسروا ساقيهما ثم قلعوا الصلبان وطرحوها بعيدا عن الطريق، ولم يكن يعنيهم أن يدَعوا الصلبان فى مكانها الأول لأن الوقت كان متأخرا، وبما أن الرجال كانوا قد ماتوا، لم يفكروا أن يبقوا لحظة لمعاينة الصلبان. وكان لابد من معلومات إلهية أكثر يتزود بها الانسان لمعرفة كيفية تمييز الصليب المقدس عن الآخرين.
(2/1/5) وهذا الإعلان تم كما يلى:
كانت هناك سيدة شريفة فى أورشليم تعانى من مرض خطير جدا لا شفاء له، فاصطحبها مكاريوس اسقف اورشليم على محفة، مع أم الإمبراطور ومرافقيها. وبعد الصلاة اشار مكاريوس إلى المشاهدين، أن الصليب المقدس سيكون ذاك الذى عندما يوضع عليها يزول منها المرض. فقدَّمها بدوره إلى كل مِن الصلبان. ولكن عندما وُضِع الاثنان عليها كان الأمر يبدو سخيفا لأنها كانت على أبواب الموت. ووُضِع الثالث بدوره عليها، ففتحت عينيها فجأة واستردت قوتها وقفزت فى الحال من فراشها. وقد قيل أن ميتا قد استرد الحياة بنفس الطريقة. وبهذا أمكن تمييز الصليب المُكرَّم.
(2/1/6) ووُضِع الجزء الأكبر منه داخل صندوق من الفضة مازال محفوظا فى أورشليم. وأرسلت الإمبراطورة جزءً منه إلى ابنها قنسطنطين مع المسامير التى سُمِّر بها جسد المسيح. ويُروَى عن ذلك أن الإمبراطور كان لديه غطاء رأس وأجراس لحصانه طبقا لنبوة زكريا الذى أشار إلى هذه الفترة عندما قال: أنه سيكون اجراس للخيول قُدسٌ للرب ضابط الكل([149]). هذه الأمور فى الحقيقة قد عرفها سابقا الأنبياء المقدسين وتنبأوا بها. وبإختصار عندما بدا لله أنه يجب اظهارها تأيدت بالعجائب.
(2/1/7) ولا يبدو ذلك مدهشا عندما نتذكر أنه حتى من بين الوثنيين اعترفت سيبل Sibyl وتنبأت أن ذلك سيكون.[ حيث جاء بها ما يلى]: آه، ايتها الشجرة المُكرَّمة بالأكثر التى عُلِّق عليها ربنا، إن مقاومنا الغيور لن يقدر أن يُنكِر صدق هذه الحقيقة.
ومن ثمة من الثابت أن اعلانا سابقا قد حدث عن خشبة الصليب والإكرام التى تلاقيه.
(2/1/8) لقد روينا الأحداث عاليه بإختصار كما تسلمناها من أناس دقيقين للغاية، قد تلقوا المعلومات بالتسليم ابنا عن أبٍ، وأخرى مسجلة كتابة لمنفعة الأجيال([150]).
الكتاب الثانى: الفصل الثانى
(بشأن هيلانه أم الإمبراطور وزيارتها لأورشليم، وبنائها لهيكل هناك، وأعمالها التقوية الأخرى، ووفاتها)
(2/2/1) وفى نفس الفترة عزم الإمبراطور على إقامة هيكل تكريما للرب، فأمر الحُكام أن يتم العمل بأقصى ما يمكن من العظمة والتكلفة. فأقامت أمه هيلانه([151])، هيكلين: واحد فى بيت لحم بالقرب من المغارة التى وُلِد فيها المسيح، والثانى على منحدرات جبل الزيتون حيث أُخِذ من هناك إلى السماء.
(2/2/2) وتُظهِر أعمال كثيرة تقواها وتدينها من بينها ما يلى، والتى لا تقل اعتبارا، أنه اثناء اقامتها فى اورشليم، يُروَى أنها جمعت العذارى القديسات([152]) فى وليمة وقامت بخدمة العشاء وتقديم الطعام لهن، وسكبت المياه على أياديهن، وانجاز خدمات أخرى مماثلة معتادة لأولئك الذين ينتظرون ضيوفا. وعندما زارت مدن الشرق، مَنحَت هبات مناسبة للكنائس فى كل مدينة، وأغنت أولئك الذين جُرِّدوا من ممتلكاتهم، وزودت الفقراء بالضروريات بوفرة، وردت الحرية لأولئك الذين سُجِنوا طويلا، أو حُكِم عليهم بالنفى أو العمل فى المناجم. ويبدو لى أن هناك أعمالا مقدسة كثيرة تستحق المجازاة.
(2/2/3) وفى الحقيقة حتى فى هذه الحياة، قد ارتفعت إلى ذروة العظمة والفخامة، فقد دُعِيَت أوجاسطا([153]) Augusta. وطُبِعت صُورتها على العملات الذهبية، ووَهَب لها ابنها سلطة على الخزانة الإمبراطورية لتُعطِى حسبما تراه.
(2/2/4) وكانت وفاتها أيضا مجيدة إذ أنها عندما غادرت هذه الحياة عن عمر الثمانين، وتركت ابنها واحفادها (قياصرة مثلها) سادة العالم الرومانى. واذا كانت هناك أية ميزة لهذه الشهرة فإن النسيان لم يخفِها بوفاتها، وكانت الحياة الاتية عربون ذكراها الدائمة إذ دُعِيَت مدينتان بإسمها واحدة فى بثينيا، والأخرى فى فلسطين. هكذا كان تاريخ هيلانه.
الكتاب الثانى: الفصل الثالث
(هياكل تُبنَى بواسطة قنسطنطين الكبير. تأسيس مدينة بإسمه، وكنيسة رئيس الجنود ميخائيل فى سوثينيوم، والمعجزات التى جرت هناك).
(2/3/1) وكان الإمبراطور مصمما دائما على تقدم الديانة، فشيَّد لله أفخم المعابد فى كل مكان وبصفة خاصة فى المتروبوليات([154]) مثل نيقوميديا([155]) Nicomedia فى بثينية Bithynia، وأنطاكية على نهر أورنتس([156]) Orontes، وبيزنطة. وقد حسَّن الأخيرة بشدة وجعلها معادلة لروما فى القوة وفى السلطة لأنه بعدما سوَّى شؤون الإمبراطورية حسبْ ذهنه، وعالج الشؤن الخارجية بالحروب والمعاهدات، عزم على تأسيس مدينة تُدعَى بإسمه وتكون معادلة فى الكرامة لروما. وبهذا العزم لجأ إلى هضبة عند سفح تروى([157]) Troy بالقرب من هليسبونت([158]) Hellespont فوق مقبرة أجاكسAjax حيث قيل أنها كانت المحطة البحرية للآخائيين Achaians، ومحلة لخيامهم عند محاصرتهم لطروادة. وهنا وضع خطة مدينة كبيرة وجميلة وبنى بوابات على بقعة مرتفعة من الأرض ما زالت تُشاهَد([159]) من البحر لأولئك البحارة [المارين] بها.
(2/3/2) ولكنه بينما هو يتقدم هكذا، ظهر له الله ليلا وأمره أن يختار موضعا آخر، فوصل مُقادا بيد الله إلى بيزنطة فى تراقيا([160]) Thrace وراء خلقيدون([161]) فى بيثنية([162]) bithynia، وهنا رغب فى بناء مدينته وأن يجعلها جديرة بإسم قنسطنطين. وطاعة لكلام الله، وسَّع لذلك المدينة التى كانت تُدعَى سابقا بيزنطة([163]) وأحاطها بأسوار عالية، وأقام بها أيضا منازل فخمة فى الأقاليم جنوبا. وإذ كان يعى أن السكان السابقين غير كافين لمدينة عظيمة كهذه، فقد أسكن فيها أناسا ذوى رتب بعائلاتهم من روما القديمة ومن الأقطار الأخرى. وفرض ضرائب لتغطية نفقات البناء وتزيين المدينة، وتزويد سكانها بالطعام، وإمداد المدينة بكافة المستلزمات الأخرى. وقد زينها بملاعب فسيحة لسباق الخيل hippodrome، وبالينابيع والأروقة، والمبانى الأخرى. ودعاها القنسطنطينية، روما الجديدة، وجعلها العاصمة الإمبراطورية لكل سكان الشمال والجنوب والشرق وشواطىء البحر المتوسط من مدن استر([164])Ister وابيدامنوس Epidamnus وخليج ايجة Ionian إلى القيراون([165]) Cyreneوذلك الجزء من ليبيا المدعو بوريوم Borium([166]). وشيَّد مجلسا آخر، دعوه سينات senate، ورسم أياما مكرَّمة وأيام احتفال مثل تلك المعتادة للرومان الآخرين، ولم يخفق فى أن يجعل المدينة التى تحمل اسمه، معادلة فى كل شىء لروما فى ايطاليا، ولا خابت رغباته، لأنه بمعونة الله قد صارت عظيمة فى السكان والثروة.
(2/3/3) واننى لا أعرف سببا لهذا التضخم غير العادى خلاف تقوى الذين شيدوها والذين سكنوها وشفقتهم وكرمهم للفقراء. إن الغيرة التى اظهروها للإيمان المسيحى كانت عظيمة جدا لدرجة أن كثيرين من السكان اليهود ومعظم اليونانيين قد اهتدوا. ولما كانت هذه المدينة قد صارت عاصمة الإمبراطورية خلال فترة الإزدهار الدينى، لذا لم تتدنس بمذابح ومعابد يونانية ولا بالذبائح. وعلى الرغم من أن يوليانوس([167])Julian قد سمح بدخول الوثنية لفسحة قصيرة من الزمن، إلا أنها سرعان ما انقرضت بعد ذلك.
(2/3/4) ثم شرَّف قنسطنطين هذه المدينة الوليدة للمسيح التى دعاها بإسمه أكثر من ذلك بتشييد بيوت صلاة فخمة وعديدة. وقد آزرتْ أيضا الألوهية روح الإمبراطور بإعلانات إلهية اقنعت الناس أن بيوت الصلاة فى هذه المدينة مُقدَّسة ومُخلِّصة. فحسب الرأى العام للمواطنين والأجانب كانت أكثر الكنائس جديرة بالاعتبار تلك التى بُنيت فى الموضع الذى كان يُدعَى سابقا هستيا Hestiæ. فهذا المكان الذى يُدعَى الآن ميخائليوم Michaelium، يقع إلى اليمين لأولئك الذين يُبحِرون من بونطس Pontus إلى القنسطنطينية وعلى مسافة خمسة وثلاثين استاديا([168]) stadia من المدينة الأخيرة بحرا. ولكنك إذا اتخذت دائرة الميناء فإن الرحلة عندئذ تستغرق سبعين استاديا فصاعدا.
(2/3/5) وقد حصل هذا المكان على الاسم الذى يحمله الآن لأنه يُعتقَد أن ميخائيل رئيس الملائكة قد ظهر ذات مرة هناك. وأنا أيضا أوكد أن هذا حقيقىٌ لأننى أنا نفسى تلقيتُ منافعا عظيمة وخبرة أعمال معاونة حقيقية، إلى جانب أدلة أخرى كثيرة تثبت أن البعض الذين سقطوا فى أخطار لا يمكن تجنبها أو انتكاسات مخيفة، وآخرون فى أمراض وآلام غير معروفة، وصَلَّوا هناك إلى الله، وجدوا تغيرا فى قدَرِهم.
(2/3/6) وإننى لفى حيرة إن كنتُ أعطى تفصيلا للظروف والأشخاص أم لا. ولكننى لا استطيع أن احذف حالة اكويلينوس Aquilinus الذى يُقيم فى الوقت الحالى معنا، وهو محام فى نفس بلاط العدالة الذى ننتمى إليه. اننى سأروى ما سمعته منه بخصوص هذا الحدث وما رأيته.
(2/3/7) فعندما هوجم بحمى شديدة انبعثت من المرارة الصفراء، اعطاه الأطباء شرابا غريبا كدواء فتقيأه وبفعل القىء انتشرت الصفراء على نحو غيَّرت محياه إلى اللون الأصفر. واضطر إلى أن يتقيأ كل طعامه وشرابه. وظل على هذه الحالة مدة طويلة. ولما كان غذاءه لا يبقى فيه فقد فشلت مهارة الأطباء فى [تخفيف] المعاناة. وإذ صار بين الحياة والموت أمر خادمه بأن يحمله إلى بيت الصلاة، إذ تأكد بشدة أنه هناك إما أن يموت وإما أن يتحرر من هذا المرض. وبينما كان هناك، ظهرت له قوة إلهية ليلا وأمرته أن يغمس قدمه فى مربى من العسل والنبيذ والفلفل. ففعل الرجل كذلك، فتحرر من شكواه، على الرغم من أن الوصفة كانت ضد القواعد المهنية للأطباء حيث أن مخلوطا من أشياء شديدة الحرارة كهذه هو ضد مرض الصفراء([169]).
(2/3/8) وقد سمعتُ أيضا أن بروبيانوس Probianusأحد أطباء القصر كان يشكو بشدة من مرض فى القَدم قد نال بالمثل الخلاص من مرضه فى هذا الموضع، وحُسِب مستحقا أن يعاين رؤية إلهية عجيبة. فقد كان يلتصق فيما سبق بخرافات وثنية، ولكنه صار فيما بعد مسيحيا. وبينما كان يُسلِّم على نحو أو آخر ببقية عقائدنا، إلاَّ أنه لم يستطع أن يفهم كيف أنه بالصليب المقدس تم خلاص الجميع. وبينما كان ذهنه فى شك من جهة هذا الموضوع، إذا بعلامة الصليب الموضوع فوق المذبح بهذه الكنيسة تكشف له فى رؤية إلهية، وسمع صوتا بوضوح يعلن أنه عندما صُلِب المسيح على الصليب فإن إحتياجات الجنس البشرى أو الأفراد أيا كانت لا يمكن أن تفى بها خدمة ملائكة أو رجال أبرار وصالحين، لأنه ليست هناك قوة يمكنها أن تقوِّم بعيدا عن الصليب المكرَّم([170]).
(2/3/9) لقد سجلتُ فقط بضعة أحداث أعرف أنها قد حدثت فى هذا المعبد لأنه ليس هناك وقت لأرويها كلها.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع
(قنسطنطين وبلوطة ممرا)
(2/4/1) إننى اعتبر أنه من الضرورى أن أروى بالتفصيل اجراءات قنسطنطين بالنسبة لما يُدعَى بلوطة ممرا Mamre. فهذا المكان يُدعَى الآن تربنثوس Terebinthus وهو على مسافة حوالى خمسة عشر استاديا من حبرون([171]) Hebron التى تقع إلى الجنوب من أورشليم على مسافة 250 استاديا. فلقد قيل أنه هنا قد ظهر ابن الله لإبراهيم، مع ملاكين قد أرسلهما ضد سدوم وأعلن له ولادة ابنه.
(2/4/2) وهنا يجتمع سنويا، كل سكان البلد والأقاليم التى حول فلسطين، والفينيقيون والعرب، خلال موسم الصيف لإحتفال شهير. وكذلك يقيم هناك كثيرون آخرون، مشترون وبائعون لحساب شؤونهم.
(2/4/3) وفى الحقيقة هذا الاحتفال يتكرر بإجتهاد من قِبل جميع الأمم: اليهود لأنهم يفتخرون بأنهم من نسل أب الآباء ابراهيم. والوثنيون لأن الملائكة ظهروا هنا للبشر. والمسيحيون لأن مخلّص جنس البشر الذى وُلِد من عذراء فيما بعد قد أظهر ذاته لرجل تقى. وهذا المكان قد كُرَّم أكثر من ذلك لأنه مناسب للتداريب الدينية. فهنا يُصلى البعض الى رب الكل، ويدعو آخرون الملائكة ويسكبون نبيذا ويحرقون بخورا أو يقدمون ثورا، أو ذكر ماعز، أو خروفا، أو ديكا. وكل واحد يُقدِّم بعض منتجات عمله الجيدة، وبعد حصاد بعناية خلال كل العام، يُقدّمها حسب وعده كمادة للعيد، عن نفسه وعن تابعيه.
(2/4/4) وسواء أكان بسبب كرامة المكان أو خوفا من السخط الإلهى، فإن جميعهم يُحجِمون عن معاشرة زوجاتهم على الرغم من أنهن خلال هذا العيد يكونون أكثر جمالا وتزينا عن المعتاد. غير أنهن إذا حدث وظهرن واشتركن فى الموكب العام لا يسلكن على الاطلاق بخلاعة ولا يتصرفن بنجاسة فى أى شىء آخر، على الرغم من أن الخيام تكون متلاصقة لبعضها البعض، ويرقدون جميعا معا.
(2/4/5) والمكان بلد مفتوح وبلا منازل وصالح للزراعة، فيما عدا المبانى حول بلوطة ابراهيم القديمة والبئر الذى أعده. ولا يستقى أحد من البئر خلال العيد، لأنه حسب العادة الوثنية يضع البعض مصابيح موقدة بالقرب منه، والبعض يسكب نبيذا أو يطرح كعكا أو عملات معدنية، أو مرا أو بخورا. ومن ثمة فإننى أفترض أن المياه تكون بلا نفعٍ نتيجة للخليط الملقى فيها. ولما كانت هذه العادات تتم بواسطة الوثنيين بالمنوال السابق ذكره، وكانت حماة قنسطنطين حاضرة للصلاة هناك، فقد أعلَمت الإمبراطور بما يحدث.
(2/4/6) وعندما تَلَّقى هذه المعلومات وبخ أساقفة فلسطين بشدة لأنهم أهملوا واجباتهم وسمحوا لمكان مقدس أن يتدنس بذبائح وتقدمات نجسة، وعبَّر عن احساسه التقوى فى رسالة كتبها إلى مكاريوس اسقف اورشليم ويوسبيوس بامفيلوس([172]) وإلى اساقفة فلسطين. وأمر هؤلاء الاساقفة بعقد مؤتمر من اساقفة الفينيقيين بشأن هذا الموضوع، واصدار التوجيهات لإزالة المعبد من أساساته الذى كان قد شُيِّد سابقا، وتدمير التماثيل المنحوتة بالنار وإقامة كنيسة جديرة بمكان قديم ومقدس كهذا. وأخيرا أمر الإمبراطور بألا تُقدَّم ذبائح وتقدمات([173]) فى هذا المكان، ولكن يُكرَّس بالتمام لعبادة الله حصريا بحسب شريعة الكنيسة، وأن أية محاولة لاسترداد الطقوس القديمة([174]) فإن الاساقفة سيكونون مجرمين وسيخضعون لأشد العقوبات. واضطر الحُكام والكهنة إلى تنفيذ رسالة الإمبراطور.
الكتاب الثانى: الفصل الخامس
(قنسطنطين يُدمر الاماكن المخصصة للأوثان، ويحُث الشعب على المسيحية)
(2/5/1) ولما كانت أمم كثيرة ومدن كثيرة فى سائر العالم الخاضع له قد احتفظت بمشاعر خوف وتكريم نحو اصنامهم الباطلة، والتى قادتهم إلى الازدراء بعقائد المسيحية، والاهتمام بعاداتهم القديمة وسلوكيات وأعياد آبائهم، فقد تبين للامبراطور ضرورة أن يُعلِم الحُكام بقمع طقوس عباداتهم الخرافية. وظن أن ذلك سيكون سهلا إن هو ازدرى بمعابدهم والأصنام التى فيها.
(2/5/2) ولكى ما يُنفذ هذا المشروع لم يلجأ إلى الوسائل الحربية، وإنما جال رجال القصر المسيحيين من مدينة إلى مدينة حاملين رسائل من الإمبراطور، وحثوا الشعب على أن يُقلِعوا عن ذلك الخوف، وأنه إذا رفضوا هذه المراسيم فإنهم هم وأولادهم وزوجاتهم سيتعرضون للشر. فأَحضَر المنحرفون والكهنة [الوثنيون]، إذ [صاروا] غير مدعومين من الجمهور، كنوزهم الثمينة وأصنامهم التى تُدعى "ديوبيت" diobet. وبواسطة هؤلاء السَدنة، سُحِبت الهبات من المزارات ومن المخابىء الخفية فى المعابد. وصارت المواقع التى كانت سابقا لا يمكن الوصول إليها والمعروفة فقط للكهنة، سهلة الوصول إليها ومعروفة لكل مَن يرغب دخولها. وتطهرت بالنار التماثيل التى شُيِّدت من المعادن النفيسة أو أية مادة أخرى قيّمة وصارت مِلكية عامة. و حُمِلَت التماثيل النحاسية التى نُقِشَت بمهارة، إلى المدينة([175]) بإسم الإمبراطور، ووُضِعت هنا كمواد زينة، حيث ما زالت تُشَاهَد فى الأماكن العامة، كما فى الشوارع، والملاعب والقصُور. ومن بينها تمثال أبوللو الذى كان فى معبد بيثونس Pythoness للفينيقيين، وبالمِثل تمثال موسى من هليكون Helicon، والحوامل الثلاثية tripods من دلفوس Delphos، والحوض Panالمكرَّم جدا الذى كانت المدن البوسونية Pausanias والليكوميدية Lacedæmonian واليونانية تُوقره بعد الحرب ضد الميديين Medes.
(2/5/3) أما بالنسبة للمعابد فالبعض قُلِعت أبوابه، والآخر نُزِعت أسقفه والآخر أٌهمِل وتُرِك للسقوط فى الخراب والدمار أما معبد اسكلبيوس Æsculapius فى مدينة ايجة Ægis بكيليكيا Cilicia ومعبد فينوس Venusفى آفاسا Aphaca بالقرب من لبنان ونهر آدونيسAdonis فقد دُمِرا بالكامل. وكِلا المعبدين كانا مُكرَّمين بشدة من قِبل القدماء، فقد كان أهل ايجة يقولون أن المرضى منهم كانوا يُشفوَن من أمراضهم، لأن الشيطان كان يظهر ليلا ويشفيهم. وفى آفاسا كان يُعتقَد أنه بصلاة معينة فى يوم معين تنزل نار مثل نجم من قمة لبنان وتغرق فى النهر المجاور، ويؤكدون أن هذه هى اورانيا Urania، لأنهم يدعون افروديت بهذا الاسم.
(2/5/4) وقد نجحت مجهودات الإمبراطور لأقصى توقعاته، لأنه بالاستيلاء على مواد تبجيلهم طُرِح خوفهم الجسدى، وذُرَّ كالرفش وانقاد الشعب إلى الازدراء بما كانوا يبجلوه سابقا وإلى لوم وجهات نظر أسلافهم الخاطئة.
(2/5/5) وآخرون من باب الحسد للشرف الذى كان يحظى به المسيحيون من الإمبراطور، رأى البعض أنه من الضرورى أن يُقلدوا أعمال الحاكم، وآخرون كرَّسوا أنفسهم لفحص المسيحيين فرأوا بواسطة العلامات والأحلام أو بالمحاورات مع الاساقفة والرهبان، أنه من الأفضل أن يصيروا مسيحيين.
(2/5/6) ومن هذه الفترة هجرت الأمم والمواطنون تلقائيا معتقداتهم السابقة. وتحول فى ذلك الوقت ميناء غزة الذى يُدعى مايوما Majuma والذى كانت تُجرَى فيه احتفالات خرافية قديمة، بكل سكانه إلى المسيحية. ولكى يكافأهم الإمبراطور على تقواهم حسَبَهم أهلا لأقصى تكريم فجعل المكان مدينة، وهى حالة لم يتمتع بها أحد من قبلهم، ودعاها قنسطنطيا Constantia. وبهذا كرَّم الموقع بسبب تقواهم إذ وهبه اسم أعز ابنائه. وبنفس الطريقة القسطنطينة أيضا فى فينيقية من المعروف أنها نالت اسمها من الإمبراطور. لكن ليس من المناسب أن نسجل كل حالة من هذا النوع لأن مدنا كثيرة أخرى قد تحولت فى ذلك الوقت إلى الدين تلقائيا وبدون أى أمر من الإمبراطور، ودُمِرَّت المعابد والتماثيل وشُيِدَّت بيوت صلاة.
الكتاب الثانى: الفصل السادس
(سبب انتشار اسم المسيح فى سائر أرجاء العالم فى عهد قنسطنطين)
(2/6/1) وانتشرت الكنيسة بهذا النحو فى سائر أرجاء العالم الرومانى ودخل الدين حتى بين البرابرة أنفسهم. واعتنقت القبائل التى على ضفتى نهر الراين المسيحية، وبالمثل الكلت والغاليون([176]) الذين كانوا يقطنون النواحى القاصية على شاطىء المحيط. وأيضا القوط وتلك القبائل المجاورة لهم والتى كانت تقطن سابقا على شاطىء الدانوب([177]) قد اشتركت فى الايمان المسيحى وتحولت إلى ألطف واكثر عقلانية.
(2/6/2) وتقريبا معظم البرابرة اعتنقوا العقيدة المسيحية فى زمن الحرب بين الرومان والقبائل الأجنبية فى حكم جالينوس والأباطرة الذين تلوه. لأنه عندما انتقل خليط من الأمم لا يُعبَّر عنه من تراقيا إلى أسيا وما حولها، وفعل البرابرة نفس الشىء وأتوا إلى جوار الرومان، فإن كثيرين من كهنة المسيح الذين كانوا قد أُسِروا عاشوا بين هذه القبائل. وأثناء اقامتهم معهم، شفوا المرضى، وأخرجوا شياطين ممن كانت عليهم، بإسم المسيح فقط ودعائهم بإبن الله، وأكثر من ذلك عاشوا حياة بلا لوم، فأثاروا بفضائلهم غيرتهم. واندهش البرابرة من السلوك والأعمال العجيبة لهؤلاء الرجال، وفكَّروا أنه من الفطنة لهم ومدعاة لسرور الآلهة أن يُحاكوا هؤلاء الرجال الذين رأوا أنهم أفضل منهم، وأن يُقدِّموا مثلهم الإكرام لله. وعندما أخبرهم المُعلِمون بما يجب أن يفعلوه قبِلوا ما عرضوه عليهم وتعلموا وتعمدوا وانضموا بعد ذلك إلى الكنائس.
الكتاب الثانى: الفصل السابع
(كيف قبل الايبريون الايمان بالمسيح)
(2/7/1) وقد قيل أنه فى هذا العهد اعترف الايبريون([178]) Iberians بالمسيح وكانوا أمة بربرية كبيرة وميالة للحرب. وكانوا يسكنون فيما وراء ارمينيا. وذلك أن امرأة مسيحية كانت قد سُبيَت، قد حثتهم على رذل ديانة آبائهم. وكانت تقية وأمينة جدا ولم تتخل قط عن واجبات نظامها الدينى المعتاد وهى بين الأجانب من صوم وصلاة ليلا ونهارا وتسبيح لله يبهجها. واستعلم البرابرة عن دوافع مثابرتها فأجابتهم ببساطة أن ذلك ضرورى لعبادة ابن الله بهذه الطريقة. ولكن اسمه واسلوب عبادته بدا غريبا لهم.
(2/7/2) وحدث أن مرض ولدٌ ما من هذا البلد وكانت أمه تحمله من بيت إلى بيت بحسب عادة الايبريين، لعلها تجد مَن يقدر أن يشفيه من المرض وأن يعافيه من المعاناة. ولمَّا لم يقدر أى أحدٍ على شفائه، أحضرت الصبى إلى الأسيرة، فقالت لها بالنسبة للعلاج فليس لدىَّ معرفة ولا خبرة، ولا أُلّم بطريقة الدهن بالمراهم واللصقات، ولكننى كإمرأة فأنا أومن أن المسيح الذى أنا أعبده، الإله الحق والعظيم، قادرٌ أن يُخلِّص ابنك. وصلَّت فى الحال من أجله وحررَّته من المرض على الرغم من أنه كان من المعتقد أنه على شفا الموت.
(2/7/3) وبعد ذلك بقليل أُصيبت زوجة الحاكم بمرض غير قابل للشفاء وأوشكت على الموت، ولكنها أُنقِذت هى أيضا بنفس الطريقة. وهكذا علَّمت الأسيرة معرفة المسيح عن طريق تقديمه كشافى للأمراض، وكرب لحياة الامبراطورية ولجميع الأشياء.
(2/7/4) واقتنعت زوجة الحاكم بخبرتها الذاتية وصدَّقت كلام الأسيرة واعتنقت الديانة المسيحية وكرَّمت المرأة. واندهش الملك من سرعة الشفاء، فاستعلم من زوجته عن السبب وأمر أن تكافىء الأسيرة بالهبات. فقالت الزوجة الهبات بالنسبة لها ضئيلة جدا مهما كانت قيمتها، فهى تُقدِّم اقصى خدماتها لإلهها فقط. لذلك إن أردنا أن نكافأها أو رغبنا فى عمل ما هو صواب وآمِن، فلنعبد نحن أيضا الله الذى هو ضابط الكل ومُخلِّص، والذى بإرادته يُعطى الدوام للملوك، ويطرح الأعزاء ويجعل الأجلاء أدنياء، ويُنقذ الذين فى شدة. واستمرت الملكة تحاججه بهذا الأسلوب وأيضا تحترم دين آبائه.
(2/7/5) وبعد ذلك بقليل ذهب هو وحاشيته إلى الغابة فى رحلة صيد، وفجأة ثارت سحب كثيفة وهواء ثقيل شتتهم على نحو أخفى الناس والسماء وحل ظلام دامس وليل بهيم على الغابة. ولمَّا كان كل واحدٍ من الصيادين قد اهتم بنجاة نفسه فقد تناثروا فى اتجاهات مختلفة. وبينما كان الملك يجول منفردا على هذا النحو فكَّر فى المسيح كما يفعل الناس فى أوقات الخطر. فعزم على أنه إذا أنقذه من هذا الطارىء الحالى فإنه سيسير فى طريق الله ويعبده. وفى نفس الوقت الذى ثار فى ذهنه هذا الفكر انقشع الظلام وصار الهواء ساكنا وتغلغلت أشعة الشمس الغابة وخرج الملك بآمان.
(2/7/6) وأعلَم زوجته بما حدث له، واستدعى الأسيرة وأمرها أن تُعلِّمه بأى طريقة يعبد المسيح. وعندما أعطته كل ما يمكن لإمرأة أن تقوله وتفعله، استدعى كل تابعيه وأعلن لهم جهارا المراحم الإلهية التى تعطف بها عليه وعلى زوجته. وعلى الرغم من أنه لم يكن قد اعتمد بعد، أعلن لشعبه عقائد المسيح، وحثهم على اعتناق المسيحية. وإذ اقتنع الرجال بما قدَّمه الملك، والنساء بالملكة والأسيرة، شيدوا بأقصى حماس كنيسة بسرعة وبرضاء عام من كل الأمة.
وعندما كملت الجدران الخارجية أُحضِرَت الآلات لنصب الأعمدة وتثبيتها فى قواعدها. ويُروَى أنه بعد تنصيب العموديَن الأول والثانى جيدا بهذه الوسائل، وُجِدت صعوبة شديدة فى تنصيب الثالث وتثبيته فى قاعدته وذهبت القوة البدنية والفنية أدراج الرياح على الرغم من أن كثيرين كانوا حاضرين للمساعدة فى الشد.
(2/7/7) وعندما حلَّ الليل، كانت المرأة الأسيرة ما زالت موجودة بالموقع وظلت هناك طوال الليل تتشفع إلى الله كى يتم تنصيب الأعمدة بسهولة، خاصة وأن الجميع قد رحلوا يائسين من فشلهم لأن العمود كان مرفوعا إلى نصفه فقط وظل واقفا، وكان أحد طرفيه داخل الأساسات حيث من المستحيل تحريكه إلى اسفل. لقد كانت ارادة الله أنه بهذا، كما بالمعجزات السابقة، يتثبت ايمان الايبرييين أكثر بالألوهية.
(2/7/8) ففى الصباح الباكر عندما كانوا حاضرين فى الكنيسة عاينوا مشهدا عجيبا بدا لهم كحلم. فالعمود الذى كان بالأمس غير قابل للتحرك، منصوب اليوم ومرتفع قليلا فوق قاعدته. ونظر جميع الحاضرين إليه وهو ينزلق بهدوء وتلقائية وكان يتكيف كما بآلة فى قاعدته. وتم نصب باقى الأعمدة بسهولة، وأكمل الأيبريون البناء بأقصى حماس.
(2/7/9) وإذ بُنِيَت هكذا الكنيسة بسرعة أرسل الايبريون، بُناء على توصية الأسيرة، سفراء إلى الإمبراطور قنسطنطين يحملون عرضا بالتحالف معه والمعاهدة، ويطلبون إرسال كهنة إلى أمتهم. وعند وصولهم روى السفراء الأحداث التى حدثت وكيف عبدت الأمة كلها المسيح بأقصى عناية. وابتهج امبراطور الرومان بالسفارة، وبعد اجابة كل المطالب، صرف السفراء. وهكذا تلقى الايبريون معرفة المسيح، وهم يعبدونه إلى هذا اليوم بالتدقيق.
الكتاب الثانى: الفصل الثامن
(كيف اعتنق الأرمن والفرس المسيحية)
(2/8/1) وصارت الديانة المسيحية بالتالى معروفة للقبائل المجاورة وانتشرت بدرجة كبيرة. وكما فهمتُ كان الأرمن أول من اعتنقوا المسيحية، فقد قيل أن تيريداتس Tiridates حاكم الأمة آنذاك قد صار مسيحيا بواسطة آية إلهية عجيبة قد أُجرِيَت فى بيته، فأصدر أوامرا لتابعيه عن طريق منادى بتبنى نفس الدين.
(2/8/2) وأظن أن بداية اهتداء الفرس Persians كان بسبب علاقاتهم المتداخلة مع الأرمن والأوسرونيين Osroenians لأنه من المحتمل أن تداخلهم مع رجال أتقياء كهؤلاء جعلهم يختبرون فضائلهم.
الكتاب الثانى: الفصل التاسع
(سابور ملك فارس يضطهد المسيحين. استشهاد سيمون اسقف فارس وأوسانينوس الخصى).
(2/9/1) وعندما ازداد عدد المسيحيين بمرور الزمن وبدأوا فى تشييد الكنائس وتعيين كهنة وشمامسة، حنق المجوس عليهم بشدة، وقد كانوا قبيلة يهودية منذ البداية وعبر الأجيال، وكانوا يسلكون كحرس للديانة الفارسية. وقام ضدهم أيضا اليهود الذين كانوا بالطبيعة مقاومين للديانة المسيحية. ولذلك رفعوا إلى سابور([179])Sapor حاكم البلد، شكاوى ضد سيمون Symeon الذى كان آنذاك رئيس اساقفة سلوقية Seleucia واستسيفون Ctesiphon، وهى المدن الملكية لفارس، واتهموه أنه صديق لقيصر الرومان، وأنه يخبره بأمور الفارسيين.
(2/9/2) وصدَّق سابور هذه الاتهامات فأثقل المسيحيين فى البداية بضرائب مُفرطة([180]) على الرغم من أنه كان يُعرَف أنهم فى غالبيتهم كانوا قد تبنوا الفقر الاختيارى، وعهد بالتنفيذ إلى رجال قساة على أمل أنهم تحت ضغط الحاجة وقسوة المُحصلين يضطرون إلى رذل ديانتهم لأن هذا كان هدفه([181]). ومع ذلك، أمر فيما بعد بقتل الكهنة، وقادة عبادة الله بالسيف. فخُرِّبت الكنائس وحُمِلت أوانيها إلى الخزانة وقُبِض على سيمون كخائن للمَلَكية ولديانة الفرس.
(2/9/3) هكذا دمَّر المجوس بالتعاون مع اليهود بيوت الصلاة. وقُيِّد سيمون بالسلاسل وأُحضِر إلى الملك. وهناك أظهر الرجل شجاعته وتميزه لأنه عندما أمر سابور أن يُقاد إلى التعذيب لم يخف ولا طرح نفسه. فنقم سابور بشدة وسأل لماذا لم يطرح نفسه كما فعل سابقا. فأجاب سيمون: فى السابق لم أُقيَّد من أجل أن أرذِل حق الله، ولذلك لم اعترض على تقديم التحية المعتاد للمَلَكية، ولكن الآن ليس من الملائم لى عمل ذلك لأننى أقف هنا للدفاع عن الألوهية وعن ايماننا.
(2/9/4) وعندما كفّ عن الكلام أمره الملك أن يعبد الشمس ووعده كحافز له أن يُغدِق عليه بالهبات ويُنعِم عليه بالشرف. ولكنه من ناحية أخرى هدده فى حالة عدم الخضوع بدماره هو والمسيحين.
(2/9/5) وعندما وجد المَلك أنه لم يخيفه بالخسة ولم يربحه بالوعود وأنَّ سيمون قد ظل ثابتا، ورفض عبادة الشمس أو أن يخون ديانته، أمر بأن يوضَع فى الأغلال لبعض الوقت متخيلا أنه من المحتمل أن يغيّر رأيه.
(2/9/6) وعندما أُقتِيد سيمون إلى السجن تصادف أن كان اوثازانس Usthazanes وهو خصى عجوز كان مربيا لسابور ومشرِفا على القصر، كان جالسا عند بوابة القصر، فنهض لتقديم واجب الاحترام له. فأنبَّه سيمون بصوت عال ومنعه، وحوَّل نظره عنه وتركه ومضى. لأن الخصى كان قبلا مسيحيا ولكنه استسلم حاليا للسلطة وعبد الشمس.
(2/9/7) وقد أثر هذا السلوك على الخصى حتى أنه بكى بصوت عالٍ وطرح عنه الرداء الأبيض وارتدى رداءً اسود للحداد([182])، وجلس قبالة القصر يصرخ ويولول قائلا: الويل لى لماذا وجب علىَّ أن أعيش منذ أنكرتُ الله، حتى أن سيمون صديقى الأليف سابقا لا يفكر فى الكلام إلىَّ بل ينصرف مُسرِعا مبتعدا عنى.
(2/9/8) وعندما سمع سابور بما قد حدث استدعى الخصى، واستعلم منه عن سبب حزنه، وسأله عما إذا كانت أية مصيبة قد حلَّت بأسرته. فأجاب اوثازانس وقال: أيها الملك ليس هناك شىء حدث لعائلتى ولكننى كنتُ أود أن أقاسى أية بلوى أيا كانت عما حلَّ بى، فلقد كان من الأسهل لى أن أتحملها. فأنا حزين الآن لأننى ما زالتُ حيا وكان ينبغى أن أموت منذ زمن طويل مضى. ولكننى ما زالتُ أرى الشمس التى أعبدها ليس باختيارى ولكن لأرضيك. ولذلك من العدل من جميع النواحى أن أموت لأننى كنتُ خائنا للمسيح ومخادعا لك. وأقسَم عندئذ بخالق السماء والأرض أنه لن يحيد قط عن ايمانه.
(2/9/9) واندهش سابور من هذا التحول العجيب للخصى، وازداد حنقا على المسيحيين، كما لو كانوا قد أجروا هذه الأمور. وظل مبقيا على العجوز مجاهدا بكل قواه، بلطف وبشدة لكى يعيده إلى مشاعره القديمة. ولكنه وجد أن جهوده عديمة الجدوى، وأن اوثازانس مُصرّا على إعلان أنه من الغباء الشديد أن يعبد المخلوق دون الخالق، فإلتهب غيظا وأمر بقطع رأس الخصى بالسيف.
(2/9/10) وعندما تقدَّم المنفذون للقيام بمهمتهم طلب اوثازانس منهم أن ينتظروا قليلا ريثما يوّصل شيئا ما للملك. واستدعى أحد أخصائه من الخصيان وأمره أن يقول لسابور: منذ شبابى وحتى الآن وأنا أخدم بيتك أيها الملك بكل اجتهاد لأبيك ولكَ، ولستُ محتاجا إلى أى شهود لإثبات كلامى فهذه الحقائق راسخة جيدا. فقد خدمتك بسرور فى سائر الأمور وإختلاف الأوقات فهبنى هذه المكافأة حتى لا يتخيل أحد ممن يجهلون هذه الظروف أننى قد أُعدِمتُ بسبب عدم أمانتى للمملكة أو لارتكابى أية جريمة. ولكن ليُعلَن بواسطة منادى ويُنشَر أن اوثازانس قد فقد رأسه ليس بسبب جريمة اقترفها ولكن لكونه مسيحيا ورفض أن يطيع المَلك ويُنكر إلهه.
(2/9/11) وسلَّم الخصى هذه الرسالة لسابور الذى بناء على طلب اوثازانس أمر مناديا أن يُذيع هذه الرغبة متخيلا أن الآخرين سيُحجِمون عن اعتناق المسيحية عندما يتفكرون فى أن الذى قتل مربيه المسن وخادم أهل بيته الموقر سوف لا يرحم بكل تأكيد أى مسيحى آخر.
(2/9/12) ومع ذلك، آمن اوثازانس أنه بقبوله عبادة الشمس برضائه قد سبب الخوف لمسيحيين كثيرين، والآن أيضا بهذا الاعلان الجاد عن سبب معاناته سيتهذب كثيرون عندما يعلمون أنه قد مات من أجل الدين وبذلك يحاكون قدره.
الكتاب الثانى: الفصل العاشر
(قتل سابور للمسيحيين فى بلاد فارس)
(2/10/1) وبهذا النحو انتهت حياة اوثازانس المكرَّمة. وعندما وصل الخبر إلى سيمون فى السجن قدَّم الشكر لله من أجله. وفى اليوم التالى الذى تصادف أن كان اليوم السادس من الاسبوع، والذى كان بالمثل اليوم السابق مباشرة للإحتفال بعيد القيامة، وهو الذكرى السنوية للإٌحتفال بآلام مُخلِّصنا، أصدر الملك أمرا بقطع رأس سيمون، إذ قد أُحضِر من السجن إلى القصر وناقشه سابور بأكثر نبل فى مسألة العقيدة. فأعلن بثبات أنه لن يعبد لا الملك ولا الشمس.
(2/10/2) فأصدر أمرا بقتل مائة سجين آخرين معه فى نفس الوقت. وقد عاين سيمون إعدامهم، ثم قٌتِل هو آخر الكل. وكان من بين هؤلاء الضحايا اساقفة وكهنة واكليريكين من رتب مختلفة. وبينما كانوا مقادين إلى الموت كان رئيس المجوس يوبخهم ويطلب منهم ما إذا كانوا يحافظون على حياتهم بالتأكيد على ديانة المَلك وعبادة الشمس. وإذ لم يخضع أى منهم لهذا الشرط اقتيدوا إلى موضع الإعدام وقام المنفذون بمهمة ذبح هؤلاء الشهداء.
(2/10/3) ووقف سيمون بين هؤلاء العتيدين أن يُذبَحوا، يشجعهم على الثبات محدثا إياهم عن الموت والقيامة والتقوى، مُظهِرا لهم من الأسفار المقدسة أن موتا مثل موتهم إنما هو الحياة الحقيقية؛ بينما الحياة مع إنكار لله من الخوف هو الموت الحقيقى. وقال لهم أيضا أنه حتى إذا لم يذبحهم أىُ أحدٍ فإن الموت سيدركهم لا محالة لأن موتنا عاقبة طبيعية لميلادنا. أما الأمور التى تلى هذه الحياة فهى دائمة ولا تحدث لسائر البشر، ولكنها بمقياس ما يجب أن يُعطَى [عنها] حساب دقيق هنا فى هذه الحياة. فمن صنع احسانا سينال مكافأة أبدية، وسيهرب من العقاب الذى سيحل على مَن فعل العكس. وقال لهم بالمثل أن أعظم وأسعد الأعمال هو الموت من أجل الله.
(2/10/4) وبينما كان سيمون يشجع مثل هؤلاء الرجال، كان يعرض لهم، كمدبر لأهل بيت، الأسلوب الذى سيصادفوه فى هذا النزال. واستمع إليه كل واحد ومضى بحمية إلى الذبح. وبعد أن نفذ الجلادون الحكم فى المائة، ذُبِح سيمون نفسه([183]) وأبديكالاس وآنانياس كاهنين مسنين من كنيسته واللذين كانا رفقاء سجنه ويعانيان معه.
الكتاب الثانى: الفصل الحادى عشر
(استشهاد بوسيكس مشرف فنانى المَلك)
(2/11/1) وكان بوسيكس Pusices مشرف فنانى المَلك حاضرا هذا الاعدام وإذ لاحظ ارتعاد انانياس Ananniasمن الاعدادات الضرورية لموته، قال له: أيها الشيخ اغلق عينيك للحظة قصيرة وتشجع لأنك سرعان ما سترى نور المسيح.
(2/11/2) وما أن نطق بهذه الكلمات حتى قُبِض عليه واُقتِيد إلى المَلك، وهناك أعلن جهارا أنه مسيحى وتحدث بكل حرية أمام المَلك عن معتقده وعن الشهيد. فأُدِين بموت غير عادى وأكثر قسوة لأنه لم يكن مسموحا بالحديث إلى المَلك بمثل هذه الجرأة، إذ طعن الجلادون عضلات رقبته على نحو يقلعون به لسانه.
(2/11/3) وبناء على دعوة البعض، قُبِض على ابنته التى كانت قد كرست نفسها لحياة البتولية المقدسة وذُبِحت فى نفس الوقت.
(2/11/4) وفى السنة التالية فى نفس الاحتفال بذكرى آلام المسيح، وبينما كانت الترتيبات تُعَّد للاحتفال بذكرى قيامته من بين الأموات، أصدر سابور مرسوما أكثر قسوة يأمر بقتل جميع مَن يعترف أنه مسيحى فى سائر أرجاء فارس. ويُقال أن عددا أكبر من المسيحيين قد قُتِلوا بالسيف إذ سعى المجوس بإجتهاد فى المدن والقرى بحثا عن أولئك الذين أخفوا انفسهم. وسلَّم كثيرون أنفسهم طواعية لئلا يظهروا بصمتهم أنهم أنكروا المسيح.
(2/11/5) ومن بين المسيحيين الذين قُتِلوا هكذا، كثيرون ممن كانوا بالقصر ومنهم ازادس Azades الخصى الذى كان محبوبا على وجه خاص من الملك. وعند سماع موته غلب الحزن على سابور ووضع حدا لقتل عامة المسيحيين وأمر بقتل مُعلِّمى الدين وحدهم.
الكتاب الثانى: الفصل الثانى عشر
(استشهاد طاربولا أخت سيمون)
(2/12/1) وفى نفس الفترة اعترى المَلكة مرض وكانت طاربولا Tarbula أخت سيمون الاسقف عذراء مقدسة، قد قُبِض عليها هى وخادمتها التى كانت تشاركها نفس نمط الحياة، وأيضا على أخت طاربولا التى رفضت الزواج بعد موت زوجها وتبنت نفس الطريق.
(2/12/2) وكان سبب القبض عليهن، دعوى من اليهود الذين زعموا أنهن قد أضروا الملكة بسحرهما انتقاما لموت سيمون، وصدَّقت الملكة كشخص عليل بسهولة هذه التهمة الكريهة وخاصة أنها كانت مثارة من اليهود إذ كانت تعتنق مفاهيمهم، وتحافظ على الطقوس اليهودية، وكانت لها ثقة كبيرة فى صدقهم وإلتصاقهم بها.
(2/12/3) وقبض المجوس على طاربولا ورفيقاتها وأمروا بإعدامهن وبعد أن رأوا قتلهن، ربطوهن فى قوائم وجعلوا الملكة تجتاز بين هذه القوائم كوسيلة لدرء المرض. وقيل أن طاربولا هذه كانت جميلة ورشيقة القوام، وأن أحد المجوس قد هام بها بشدة فأرسل اليها سرا يعرض عليها المعاشرة ويعدها بالحفاظ عليها وعلى رفيقاتها إن وافقت([184]). ولكنها لم تُصغِ إليه وعاملت المجوسى بإحتقار، وأنبته على شهوته، مفضلة الموت بشجاعة عن خيانة عذراويتها.
(2/12/4) ولما كان مرسوم سابور هذا الذى قد ذكرناه يقضى بعدم قتل المسيحيين بدون تمييز وإنما الكهنة ومُعلِّمى العقيدة، فإن المجوس ورؤساء المجوس اجتازوا بهمة سائر بلاد فارس يسيئون معاملة الاساقفة والكهنة ويبحثون عنهم، وبصفة خاصة فى بلاد اديابين Adiabene وهى جزء من سيادة فارس لأنها كانت مسيحية بالكامل.
الكتاب الثانى: الفصل الثالث عشر
(استشهاد القديس آسبسيماس ورفقائه)
(2/13/1) وفى حوالى هذه الفترة قُبِض على آسبسيماس Acepsimasالاسقف واكليروس كثيرين. وبعد أن تشاوروا معا، اقنعوا أنفسهم([185]) بإصطياد قائدهم فقط، فأطلقوا الباقين بعد أن جرّدوهم من ممتلكاتهم.
(2/13/2) ومع ذلك تبع جيمس الذى كان أحد الكهنة اسبسيماس طواعية وحصل من المجوس على تصريح بمشاركته فى سجنه. وخدم الشيخ بغيرة، وأنار له قدَره السىء بأقصى ما يمكن وضمد جروحه. وبعد احتجازه ليس بوقت طويل عذبه المجوس بقسوة بسياط خام ليجبروه على عبادة الشمس. ولما أصر على رفضه أعادوه إلى الأغلال, وأودِع اثنان من الكهنة يدعوان أثالاس Aithalasوجيمس وشماسان يُدعَوان آبدى إيسوس([186]) Abdiesus,وآزادانس Azadanes السجن بعد جلدهم بأقسى قسوة من قِبل المجوس بسبب معتقداتهم.
(2/13/3) وبعد أن انقضى زمن طويل أبلغ رئيس المجوس المَلك بالحقائق الخاصة بهم ليعاقبوا وإذ حصل من الملك على تصريح بأن يفعل بهم كما يُحِب ما لم يقبلوا عبادة الشمس طواعية، فقد أعلن هذا القرار للسجناء.
(2/13/4) فأجابوا بوضوح تام أنهم لن يخونوا قط المسيح ولن يعبدوا الشمس، فعذبهم بشدة. وثابر اسبسيماس برجولة على اعترافه بإيمانه، إلى أن وضع الموت نهاية لعذاباته. فحمل بعض الأرمن الذين كان الفرس يحتجزونهم كرهائن جسده سرا ودفنوه. أما السجناء الآخرين، فعلى الرغم من أنهم قد جُلِدوا أقل فقد ظلوا أحياء بمعجزة ولم يغيّروا موقفهم فأعيدوا إلى الأغلال.
(2/13/5) ومن بين هؤلاء أثيلاس الذى مُدِّد أثناء ضربه وقُطِعت ذراعيه من الأكتاف بسخط شديد فحمل ذراعيه كميت وزحف ببطء لدرجة أن الآخرين كانوا يضعون الطعام فى فمه. وفى ظل هذا الحكم أنهت جمهرة لا تحصى من الكهنة والشمامسة والرهبان والعذارى القديسات وآخرون من خدم الكنيسة والذين تخصصوا فى عقيدتها حياتهم بالاستشهاد.
(2/13/6) وفيما يلى أسماء الاساقفة على قدر ما أمكننى من التأكد: بارباسيمس، بولس، جاديابس، سابينوس، ماريس Mareas، موسيوس، جون، هورميسيداس، باباس، جيمس، روماس، ماريس Maares ([187])، آجاس، بوشرس، ابداس، ابدايسوس، ابرامنس، جون، اجديلاس، سابورس، اسحق، دوساس، وقد سُجن الأخير بواسطة الفرس وأُحضِر من مكان يُدعى زبديوس، ومات فى حوالى هذا الوقت دفاعا عن العقيدة، وماريابيدس الخورى ابسكوبس، وحوالى مائتين وخمسين من كهنته كانوا قد أُسِروا أيضا بواسطة الفرس، وقد استشهدوا معه.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع عشر
(استشهاد الأسقف ميلس ومشيره وستة عشر ألفا من الرجال المتميزين فى عهد سابور)
(2/14/1) وفى حوالى هذه الفترة أُستشهد ميلس Milles. وهذا كان يخدم الفرس أساسا فى القوات المسلحة لكنه فيما بعد هجر هذه المهنة لكى ما يعتنق هذا النمط من الحياة. وقد رُوِى أنه سيم اسقفا على مدينة فارسية وقاسى شدائد كثيرة واحتمل جراحا وسحلا، وأنه إذ فشلت مجهوداته فى تحويل السكان إلى المسيحية لعن المدينة ورحل.
(2/14/2) وبعد ذلك ليس بوقت طويل قاوم بعض رؤساء المدينة المَلك، فأرسل جيشا بثلاثمائة فيلا ضدهم وخُرِّبت المدينة تماما وحُرِثت أرضها وزُرِعت. وأخذ ميلس معه حافظته فقط التى بها الكتاب المقدس للأناجيل ورحل إلى أورشليم للصلاة، ومن هناك توجه إلى مصر ليعاين الرهبان. أما الأعمال العجيبة وغير العادية التى سمعنا أنه قد تممها هناك فهى مسجلة من السريان الذين كتبوا وصفا لحياته وأعماله.
(2/14/3) ومن جانبى أظن أننى قد قلتُ ما يكفى عنه وعن الشهداء الأخرين الذين عانوا فى بلاد فارس فى عهد المَلك سابور، أذ أنه من العسير أن نروى بالتفصيل كل الظروف الخاصة بهم مثل أسماءهم وبلادهم واسلوب استشهادهم بالكامل، وطرق تعذيبهم التى خضعوا لها لأنها عديدة، لأن مثل هذه الطرق قد أجراها الفرس بقسوة مفرطة.
(2/14/4) وسأذكر بإختصار عدد الرجال والنساء الذين استشهدوا وتأكدت أسماءهم فى هذه الفترة إذ بلغوا ستة عشر ألفا، بينما الجمهرة الأخرى خلاف هذه الأسماء لا تُحصَى. وفى هذا الصدد إحصاء اسماءهم يكون من العسير بالنسبة للفرس والسوريين ولسكان إديسا الذين بذلوا أقصى إهتمام بهذا الأمر([188]).
الكتاب الثانى: الفصل الخامس عشر
(قنسطنطين يكتب إلى سابور ليكف عن اضطهاد المسيحيين)
(2/15/1) وكان قنسطنطين الإمبراطور الرومانى غاضبا وأساءه سماع المعاناة التى يتعرض لها المسيحيون فى فارس. ورغب بشدة فى مد يد العون لهم، ولكنه لم يعرف بأية وسيلة يتمم ذلك.
(2/15/2) وفى حوالى هذا الوقت أتى سفراء من المَلك الفارسى إلى بلاطه، وبعدما منحهم ما طلبوه رأى أنها فرصة مواتية ليخاطب سابور بشأن المسيحين فى فارس.
(2/15/3) فكتب إليه مقرا أنه سيكون أمرا مرغوبا فيه للغاية وعظيما إن هو تعامل بإنسانية مع أولئك المعجبين بتعاليم المسيحيين الذين تحت سيادته. وقال ليس شىء فى ديانتهم يستوجب التعنيف فهم يرفعون التضرعات بصلوات غير دموية فقط إلى الله الذى يسر لا بسفك الدماء ولكن فقط بنفس نقية مكرَّسة للفضيلة والتقوى لدرجة أن هؤلاء المؤمنين بهذه الأمور يستحقون عليها المديح. وأكد الامبراطور عندئذ لسابور أن الله سيكون كريما معه إن هو عامل المسيحيين بلطف. وقدَّم له مثال فالريان Valerian، وشخصه هو كبرهان على ذلك.
(2/15/4) فهو شخصيا، بالإيمان بالمسيح وبمعونة الوحى الإلهى، جاء من شواطىء المحيط الغربى وأخضع العالم بأسره، وأنهى حروبا كثيرة ضد الأجانب والطغاة ولكنه لم يلجأ قط إلى ذبائح([189]) أو كهانة([190]) بل بعلامة الصليب على مقدمة جيوشه الخاصة والصلاة الخالية من الدم والنجاسة. وكان عهد فالريان عهدَ رخاء طالما أحجم عن اضطهاد الكنيسة، ولكنه فيما بعد عندما اضطهد الكنيسة، أُسلِم للإنتقام الإلهى على يد الفرس، فأماتوه موتا قاسيا.
(2/15/5) على هذا النحو كتب قنسطنيطن الى سابور حاثا له على حسن التصرف مع هذا الدين إذ أن الامبراطور كان يعتنى بشدة بشؤون المسيحين فى كل اقليم سواء أكان رومانيا أو أجنبيا.
الكتاب الثانى: الفصل السادس عشر
(عودة يوسيبيوس وثيوجينس اللذين امتنعا عن التصويت فى مجمع نيقية، الي كراسيهما)
(2/16/1) وعقب مجمع نيقية ليس بوقت طويل أُعيد أريوس من منفاه. ولكن بدون الغاء حظر دخوله الاسكندرية. وسنروى فى المكان المناسب كيف جاهد للحصول على تصريح بالعودة الى مصر. واسترد، بعد ذلك ليس بوقت طويل، يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجنيس Theognis اسقف نيقية ممتلكات كنائسهما بعد خلع امفيون Amphionوكريستوس Chrestosاللذين سيما محلهما. وهما مدينان بعودتهما للوثيقة التى قدَّماها للأساقفة والتى تحتوى على نكوصهما كما يلى:
(2/16/2) [نوكوص يوسيبيوس النيقوميدى، وثيوجنيس]
"على الرغم من أننا قد أُدِنا بدون محاكمة من تقواكم إذ اعتبرنا أنه من المناسب أن نلوذ بالصمت بشأن الحُكم الذى أصدرتموه. فإنه لمَّا كان من السخف أن نظل صامتين مدة أطول، إذ سيُعتبَر صمتنا دليلا على صحة الافتراءات، فإننا نُعلن الآن لكم أننا نحن أيضا نوافق على هذا الايمان. فبعد تمحيص جاد للفكر [الخاص] بكلمة "مساوى فى الجوهر" consubstantial [نُعلِن] أننا مصممون تماما على حفظ السلام، وأننا لم نشايع قط أية هرطقة. ومن أجل إقامة السلام للكنائس مثلما حدث لنا، وعن اقتناع تام منا، واقتناع تام من قِبل أولئك الذين سيقتنعون بواسطتنا فأننا نوّقع على قانون الايمان. ولكننا لم نوّقع على الحرومات لا لأننا نطعن فى قانون الايمان، ولكن لأننا لم نقتنع بالتهم الموَّجهة للمتهم المقدَّمة لنا. فالرسائل التى استلمناها منه والحجج التى قدَّمها فى حضورنا تقنعنا تماما بأنه لم يكن ذلك الشخص. واننا لنرجو أن يقتنع المجمع المقدس بأننا لا نميل الى الاعتراض، ولكننا نتفق معا فى النقاط التى تم تعريفها بدقة من قِبلكم. وبهذه الوثيقة نؤكد موافقتنا. وهذا ليس لأننا نخشى النفى، ولكن لأننا نبغى تحاشى شبهة الهرطقة، لأنكم اذا تنازلتم بقبولنا الآن فى حضرتكم فإنكم ستجدوننا متفقين فى جميع النقاط مثلكم وطائعين لقرارتكم وعندئذ سيكون الأمر جيدا لتقواكم بأن ترحموا ذاك الذى أُتُهِم بهذه النقاط وتعيدوه. وإذ قد أُعيد ذلك الطرف حبا فى العدالة ودافع عن نفسه من التهمة المثارة فإنه من السخف أن نعزز بصمتنا أخبار الافتراء الذى نُشِر ضدنا.
لذا نرجوكم اذن، كما يليق لتقواكم يا أحباء المسيح أن تذكروا الامبراطور المحب لله وتسلموه التماسنا. وتتشاوروا سريعا فيما هو موافق لكم بشأننا".
وبهذه الوسيلة عاد يوسيبيوس وثيوجنيس، بعد أن غيَّرا من أقوالهما، الى كنائسهما.
الكتاب الثانى : الفصل السابع عشر
(موت الكسندروس اسقف الاسكندرية، واعتلاء اثناسيوس بناء على توصيته لكرسى الاسكندرية)
(2/17/1) وفى نحو هذا الوقت عندما كان الكسندروس اسقف الاسكندرية على وشك الرحيل عن هذه الحياة، ترك اثناسيوس كخليفة له بالاتفاق مع الإرادة الإلهية التى صوتت له. وأنا مقتنع بذلك([191]).
(2/17/2) ويقال أن اثناسيوس قد فكر فى البداية فى تجنب هذه الكرامة بالهروب، ولكنه فيما بعد أذعن بدون ارادته لالكسندروس وقبل الأسقفية. وهذا شهد به ابوليناريوس Apolinarius السوريانى([192]) بالعبارة التالية: وفى كل هذه الأمور ثارت القلاقل من الأنجاس، ولكن آثارها الأولى شعر بها المُعلِّم المُبارَك لهذا الانسان الذى كان مساعدا له كيَدِه وسلك كإبن لأبيه.
(2/17/3) وفيما بعد حاز هذا الرجل القديس على نفس الخبرة لأنه عندما تعين للخلافة الأسقفية أسرع للهرب من الكرامة، ولكنه كُشِف فى مخبأه بمعونة الله الذى سبق وأعلن بإعلان إلهى لسلفه المبارك بأن الخلافة ستحل عليه. لأنه عندما كان الكسندروس على شفا الموت نادى على اثناسيوس الذى كان غائبا آنذاك.
(2/17/4) وكان هناك شخص له نفس الاسم حاضرا، فعندما سمع هذا النداء أجابه. ولكن الكسندروس صمت، لأنه لم يكن الشخص الذى يناديه. فنادى ثانية، ومرة أخرى حضر ذاك الشخص الذى ظل حاضرا. وهكذا كشف عن الشخص الغائب. وعلاوة على ذلك، أعلن المبارَك الكسندروس نبويا "يا اثناسيوس لقد فكرتَ فى الهرب، ولكنك لن تهرب". ويقصد أن اثناسيوس سيُستَدعى للجهاد. هكذا كانت الرواية التى أوردها ابوليناريوس بخصوص اثناسيوس.
(2/17/5) ويزعم الأريوسيون أنه عقب وفاة الكسندروس اشترك اتباع الاسقف الموقرين واتباع مليتيس فى التناول معا. واتفقوا بقسَم على اختيار مَن يدير شؤون الكنيسة بإمتياز بالانتخاب العام. ولكن الاساقفة السبعة أولئك حنثوا بقسَمهم ورسموا سرا، ضدا لرأى الجميع اثناسيوس وأنه لهذا السبب امتنع كثيرون من الشعب ومن الكهنة المصريين عن الاشتراك فى التناول معه.
(2/17/6) أما أنا، فمن ناحيتى، مقتنعٌ بأن سيامته كانت بتعيين إلهى وأن الزمن كان فى أقصى احتياج لمثل هذا الرجل ليخلُف رئاسة الكهنوت العليا، فقد كان بليغا وذكيا وقادرا على مواجهة المكائد. لقد أظهر أهلية عظيمة لممارسة المهام الكنسية وملائمة للكهنوت، ويمكن القول أنه كان متعلما ذاتيا منذ سنواته المبكرة.
(2/17/7) فقد قيل([193]) أن هذه الحادثة قد وقعت فى شبابه. لقد كانت من عادة الاسكندريين أن يحتفلون بأبهة عظيمة بالذكرى السنوية لأحد اساقفتهم المدعو بطرس الذى استشهد([194]). وكان الكسندروس الذى كان يدير الكنيسة آنذاك مشغولا بإحتفال هذه الذكرى، وبعد أن أنهى العبادة بقى فى الموقع منتظرا بعض الضيوف الذين دعاهم لتناول طعام الافطار معه. وفى هذه الاثناء ألقى ببصره صوب البحر فشاهد بعض الصبية يلعبون على الشاطىء ويسّلون أنفسهم بتقليد الاسقف والاحتفالات الكنسية. وفى البداية اعتبر الهزل براءة وسُّر بمشاهدته، ولكنه عندما لمسوا ما لا يُنطق به، ارتعد واستعلم عن الامر من رئيس الاكليروس، وأَحضر الاولاد معا، وسألهم عن اللعبة التى كانوا يلعبونها وماذا فعلوا وماذا قالوا فى هذه التسلية. وفى البداية أنكروا من الخوف، ولكن عندما هددهم الكسندروس بالتعذيب اعترفوا بأن اثناسيوس كان اسقفهم وقائدهم، وأن أولادا كثيرين لم يكونوا قد عُمِّدوا عمَّدهم. فاستعلم الكسندروس بتدقيق عن الكاهن فى لعبتهم الذى قال أو فعل ذلك وبماذا ردوا أو تعلموا. وعندما وجد أن طقس الكنيسة قد راعوه بالضبط تشاور مع الكهنة الذين كانوا حوله فى هذا الموضوع وقرر أنه ليس من الضرورى إعادة المعمودية لأولئك الذين فى بساطتهم اُعتُبِروا أهلا للنعمة الإلهية. ولذلك قام فقط ببعض المهام القانونية لأولئك المكرَّسين لنوال السرائر. وأخذ اثناسيوس والأولاد الآخرين الذين لعبوا دور الكهنة والشمامسة الى أقربائهم ليربوهم للكنيسة، والله شاهد عليهم وللقيادة التى حاكوها.
(2/17/8) وليس بعد ذلك بوقت طويل، أخذ اثناسيوس كرفيق مائدة وسكرتيرا له. وقد تعلَّم جيدا وأجاد النحو والبلاغة. وعندما بلغ سن الرجولة وقبل أن ينال الاسقفية برهن لأولئك الذين تحاوروا معه على أنه رجل حكمة وفطنة. ولكنه عندما انتقلت إليه الخلافة عقب وفاة الكسندروس تزايد صيته بشدة وسندته فضائله الخاصة، وشهادة الراهب انطونيوس الكبير.
(2/17/9) فقد نزل هذا الراهب عندما طلب حضوره، وزار المدن واصطحبه الى الكنائس واتفق معه فى الرأى الخاص بالألوهية وأظهر صداقة بلا حدود له وتجنب مجتمعات اعدائه ومقاوميه.
الكتاب الثانى: الفصل الثامن عشر
(الأريوسيون والميليتيون واثناسيوس)
(2/18/1) ومع ذلك تزايدت شهرة اثناسيوس، بصفة خاصة من الاريوسيين والميليتيين، فعلى الرغم من أنهم كانوا يكيدون له إلا أنهم فشلوا فى جعله سجينا.
(2/18/2) ففى البداية كتَب له يوسيبيوس ليقبل اريوس فى شركة التناول، وهدَّد بدون كتابة أن يُسىء معاملته إذا رفض ذلك. ولكن أثناسيوس لم يستسلم لعرضه بل صرَّح بأن مَن ينصح بهرطقة فى الابتداع ضد الحق، وقد أدين من مجمع نيقية يتعين عدم قبوله فى الكنيسة.
(2/18/3) فقدَّم يوسيبيوس التماسا إلى الامبراطور ليتدخل لصالح اريوس ويوصى بعودته. وسأسجل هنا قليلا كيف حدثت كل هذه الأمور.
(2/18/4) فى ذلك الوقت كان هناك نزاع وجلبة بين الاساقفة انفسهم بشأن المعنى الدقيق لمصطلح "مساوٍى فى الجوهر". فالبعض رأى أن هذا المصطلح لا يمكن قبوله بدون تجديف لأنه يتضمن عدم وجود ابن الله، وأنه يشتمل على خطأ مونتانوس Montanus وسابليوس Sabellius. وفريق، من ناحية أخرى، يدافع عن المصطلح معتبرين مقاوميهم كيونانيين(أو وثنيين)، ويعتبرون تصُورهم يقود إلى تعدد الآلهة. وقاد هذا النزاع يوسيبيوس الملقب بامفيلوس، ويوستاثيوس Eustathius اسقف انطاكية.
(2/18/5) فلقد اعترف كلاهما بأن ابن الله موجود اقنوميا، ولكنهما اختلفا معا كما لو كان قد أساء كل منهما فهم الآخر. فقد اتهم يوستاثيوس يوسيبيوس بتحوير العقائد التى صدَّق عليها مجمع نيقية. بينما أعلن الثانى أنه يصدّق على عقائد نيقية وأنب الثانى على التصاقه ببدعة سابيليوس.
الكتاب الثانى: الفصل التاسع عشر
(مجمع انطاكية)
(2/19/1) وانعقد مجمع فى انطاكية وخلع يوستاثيوس([195]) من كنيسة هذه المدينة، ومن المعتقد على نحو عام أنه قد خٌلِع لمجرد أنه كان مشايعا لإيمان مجمع نيقية، وبسبب أنه قد أتهم يوسبيوس وبولينيس اسقف صُور وباتروفيلس اسقف اسكيثوبوليس Scythopolis (الذى تبنى كهنة الشرق مفاهيمه) بأنهم مشايعون لبدعة اريوس.
(2/19/2) ومع ذلك كانت الحجج التى اوردوها للخلع أنه قد دنس الكهنوت بأعمال غير مقدسة. وقد أثار خلعه انقساما كبيرا فى انطاكية لدرجة أن الشعب كان على وشك امتشاق السلاح، وكانت المدينة كلها فى حالة هياج. وهذا أساء إليه بشدة فى نظر الامبراطور لأنه عندما فهم ما قد حدث وأن شعب الكنيسة قد انقسم الى حزبين، ثار غضبه بشدة ونظر إليه بريبة كفاعل لهذا الهياج.
(2/19/3) ومع ذلك أرسل الامبراطور ضابطا مستنيرا من قصره مخولا بسلطة تامة لتهدئة الجمهور وانهاء القلاقل بدون اللجوء الى العنف أو الاساءة.
(2/19/4) أما أولئك الذين خلعوا يوستاثيوس والذين اجتمعوا فى انطاكية لهذا السبب وهم ظانين أن تصُورهم سيلقى قبولا على نطاق واسع، إذا وضعوا على كنيسة انطاكية شخصا من اصحاب رأيهم يكون معروفا للإمبرطور ويحظى بسمعة فى العِلم والبلاغة وأنهم بذلك يحصلون على طاعة الباقى، فقد ثبتوا نظرهم على يوسيبيوس بامفيلوس لهذا الكرسى. وكتبوا إلى الامبراطور بخصوص هذا الموضوع وسجلوا أن هذه الخطوة ستكون مقبولة بشدة من الشعب. وفى الحقيقة فكَّر فيه كل الكهنة والعلمانيون المعادون ليوستاثيوس.
(2/19/5) ومع ذلك كتب يوسييوس الى الامبراطور رافضا الرتبة، وصدَّق الامبراطور على رفضه وأثنى عليه. لأن هناك قانون كنسى يحظر نقل اسقف من ايبارشية لأخرى. وكتب إلى الشعب ويوسيبيوس لقبول حكمه ودعاه بالسعيد لأنه كان أهلا للأسقفية ليس فقط لمدينة واحدة ولكن للعالم. كذلك كتب الى شعب كنيسة انطاكية بشأن تشتت الفكر وقال لهم أنه لا ينبغى أن يرغبوا فى اساقفة المناطق الأخرى كما لو كانوا يطمعون فى مقتنيات الآخرين، وبالاضافة الى ذلك أرسل رسالة أخرى خاصة الى المجمع يمدح فيها يوسيبيوس كما فى الرسالة إليه لرفضه الاسقفية.
(2/19/6) ولما كان يوفرونيس Euphronius كاهن كبادوكيا وجورج من ارثوسا Arethusa رجال مشهود لهم بالايمان، فقد أوصى الأساقفة أن يقرروا سيامة واحد منهما أو أى شخص جدير بهذه الكرامة كرئيس لكنيسة انطاكية. وعند استلام هذه الرسالة من الامبراطور سيم يوفرونيوس.
(2/19/7) وقد سمعتُ أن يوستاثيوس قد تحمَّل هذه الاهانة غير العادلة بهدوء مقررا أنه الأفضل وأنه، الى جانب فضائله وصفاته الممتازة، رجل بليغ كما هو ثابت من اعماله الزائعة الصيت بسبب كلماتها المختارة ومذاق التعبير، ورقة العواطف وبلاغة ونعمة الرواية.
الكتاب الثانى : الفصل العشرون
(بشأن مكسيموس الذى خلف مكاريوس فى كرسى اورشليم)
وفى نحو هذا الوقت توفى مرقس الذى خلف سيلفسترس Silvester وشغل الاسقفية لفترة قصيرة وارتقى يوليوس كرسى روما. وخلف مكسيموس مكاريوس فى ايبارشية اورشليم. وقد قيل أن مكاريوس قد سامه اسقفا على كنيسة ديوسبوليس Diospolis. ولكن اعضاء كنيسة اورشليم اصروا على بقائه معهم. ولما كان معترفا ومتميزا فقد أختير مقدما من الشعب للأسقفية عقب وفاة مكاريوس. وقد أدى الخوف من مخالفة الشعب واثارة الشقاق الى انتخاب اسقف آخر لديوسبوليس، وبقى مكسيموس فى أورشليم يمارس المهام الكهنوتية مع مقاريوس. وبعد وفاة الثانى، ترأس تلك الكنيسة. ومع ذلك من المعروف لأولئك الملمين بدقة بهذه الظروف أن مكاريوس اتفق مع الشعب فى رغبتهم بإبقاء مكسيموس، إذ قيل أنه ندم على رسامته وفكر أنه كان من الضرورى الاحتفاظ به ليخلفه لأنه يحتفظ بإيمان صحيح بشأن الله واعترافه الذى كان جليا للشعب. كما أنه خشى أن ينتهز اتباع يوسيبيوس وباتروفيلس الذين تبنوا الاريوسية الفرصة عند وفاته ليفرضوا تعليمهم الخاص فى كرسيه لأنه حتى بينما كان مقاريوس مازال حيا حاولوا إدخال بعض ابتداعاتهم، ولكن إذ انشقوا عنه فقد صمتوا لذلك.
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والعشرون
(اتفاق الميليتيين والأريوسيين فى المفاهيم)
(2/21/1) وفى نفس الوقت كان النزاع الذى ثار فى البداية لدى المصريين لم ينقض. فالهرطقة الأريوسية قد أُدينت من مجمع نيقية، ولكن اتباع مليتيوس Melitius قد قُبِلوا فى شركة التناول فى ظل الشروط السابق ذكرها عاليه.
(2/21/2) وعندما عاد الكسندروس الى مصر سلَّم له مليتيوس الكنائس التى كان قد اغتصبها وعاد إلى ليكوس Lycus. وليس بعد ذلك بوقت طويل، عندما شعر بقرب نهايته رشَّح يوحنا، أحد اصدقائه الحميمين، خليفة له وهو ما يخالف مرسوم مجمع نيقية وبذلك انعش الشقاق فى الكنائس.
(2/21/3) وعندما أدرك الأريوسيون أن الميليتيين يُدخِلون بدعا، ضغطوا هم أيضا على الكنائس لأنه كما يحدث غالبا فى هذه القلاقل استحسن البعض لرأى اريوس بينما عارض آخرون سيادة أولئك الذين رسمهم مليتيوس على الكنائس. وقاوم كل مِن الفريقين بعضهما بعضا، ولكن لعلمهم أن جمهور الشعب يتبع كهنة الكنيسة الجامعة، فقد صاروا غيورين وشكلوا تحالفا معا وأظهروا عداوة مشتركة لإكليروس الاسكندرية. لقد كانت معايير هجومهم ودفاعهم كثيرا ما تتم اتفاقا.
(2/21/4) ومع مرور الوقت دُعى الميليتيون اريوسيين فى مصر، على الرغم من أنهم كانوا يثيرون فقط مسألة الرئاسة، بينما كان الأريوسيون يتبنون رأى أريوس فى مسألة الله. وعلى الرغم من أنهم قد رفضوا، فرادى، مفاهيم بعضهما البعض. إلا أنهم راءوا فى وجهات نظرهم لكى يحصلوا على اتفاق مشترك فى عداوتهم. وفى نفس الوقت توقع كل طرف أن يسود بسهولة فيما يرغب.
(2/21/5) ومنذ هذا الوقت قبل المليتيون بعد مناقشة تلك المواضيع المفاهيم الأريوسية وأخذوا بمفاهيم أريوس بشأن الله. وهذا أحيا الجدل الأساسى بشأن أريوس، وأحجم بعض العلمانيين والاكليروس عن التناول مع الآخرين. واضطرم النزاع بشأن عقائد أريوس مرة أخرى فى المدن الأخرى وخاصة بيثينية وهيلسبونت ومدينة القنسطنطينية. وبإختصار، قيل أن يوسيبيوس اسقف نيقوميدية وثيوجنيس اسقف نيقية قد رشيا مسجل العقود الذى عهد الامبراطور إليه بحفظ مستندات مجمع نيقية، لمحو توقيعهما. وبدءَا يُعلّمان جهارا أن الإبن ليس مساويا للآب فى الجوهر.
(2/21/6) واُتهِم يوسيبيوس أمام الامبراطور بهذه الاضطرابات، فأجاب بوقاحة شديدة وهو يمسك طرف ثوبه، وقال إذا مُزِّق هذا الرداء فى حضورى فإننى لا أقدر أن أثبت أن أجزاءه هى من نفس المادة. وحزن الامبراطور بشدة من هذا الجدل إذ كان يعتقد أن مسائل الطبيعة قد سُويت نهائيا فى مجمع نيقية، ولكن على العكس من رجائه رأى أنه قد لوحتهم ثانية. وأسف بالأكثر أن يوسيبيوس وثيوجنيس قد قَبِلا فى شركة التناول بعض الاسكندريين على الرغم من أن المجمع كان قد أوصى بتوبتهم بسبب آرائهم الهرطوقية. وعلى الرغم من أنه هو نفسه([196]) قد وَّقع عليهم عقوبة النفى من أوطانهم بإعتبارهم مثيرين للقلاقل. وقد أكد البعض أنه لهذه الاسباب عاليه، أنْ نفى الامبراطور فى غضبه يوسيبيوس وثيوجينس. ولكن كما سجلت، قد استقيت معلوماتى من اولئك الذين كانوا ملمين بدقة الأحداث.
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والعشرون
(حيل الاريوسيين والمليتيين ضد أثناسيوس)
(2/22/1) وحلت الافتراءات المتعددة على اثناسيوس والتى سببتها حرية الكلام ليوسبيوس وثيوجنيس وتأثير الامبراطور، وسعيهما الى إعادة آريوس الذى كانت تربطهما به علاقة صداقة، إلى الاسكندرية، وفى نفس الوقت طرد مَن يعترض عليه من الكنيسة. فقد اتهماه([197]) امام الامبراطور بأنه سبب الشقاق والمتاعب التى طوحت بالكنيسة واستبعاد أولئك الذين يرغبون فى الانضمام الى الكنيسة، وزعموا أن الكراهية ستعود ما لم يُستَبعد هو وحده.
(2/22/2) وقد تأيدت الاتهامات ضده بتعضديد من اساقفة واكليروس كثيرين كانوا مع يوحنا([198])، وكانت لهم صلة بالامبراطور، وتظاهروا بالأرثوذكسية، ونعتوا اثناسيوس والاساقفة الذين من حزبه بأنهم سفاكى دماء، وحانثين بالعهود وأنهم يجرحون ويحرقون الكنائس.
(2/22/3) ولكن عندما أظهر اثناسيوس للإمبراطور عدم شرعية سيامة مشايعى يوحنا وابتداعاتهم ضد مراسيم مجمع نيقية وعدم صحة إيمانهم، والاهانات المُوجهة ضد أولئك الذين يتمسكون بالعقائد الصحيحة، كان قنسطنطين فى حيرة فيمن يُصدق، حيث كانت هناك مزاعم متبادلة، واثيرت اتهامات عدة من كل من الطرفين.
(2/22/4) ولمَّا كان مهتما بشدة بإسترداد وحدة الفكر للشعب فقد كتب إلى اثناسيوس أنه لا يجب أن يُطرَّد أحدٌ خارجا. وأنه اذا رفض ذلك أخيرا فإنه سيُرسِل مَن يطرده من الاسكندرية بغض النظر عن العواقب. وإذا أراد أى أحدٍ أن يرى خطاب الامبراطور، فإنه سيجد هنا الجزء الخاص بهذه الرواية:
(2/22/5) "أنت الآن مُلِّم برغبتى وهى أن كل مَن يُريد دخول([199]) الكنيسة، عليك أن تُزيل من أمامه كل عقبة، لأننى إن سمعتُ أن أيًا مِمَن يريد أن ينضم الى الكنيسة قد مُنِع وتعوّق من قِبلك، فإننى سأُرسِل ضابطا فى الحال لطردك بناء على أمرى لينقلك إلى مكان آخر".
(2/22/6) ومع ذلك كتب أثناسيوس إلى الامبراطور ليقنعه أن الأريوسيين لا ينبغى قبولهم فى شركة التناول فى الكنيسة الجامعة.
(2/22/7) وإذ أدرك يوسيبيوس أن خطته لن تفلح بينما اثناسيوس يجاهد ضدها، صمم على اتخاذ أية وسيلة للتخلص منه. وإذ لم يَجِد أية ذريعة لتحقيق قصده هذا، وعد الميليتيين بالتأثير على الامبراطور ومَن فى السلطة إن هم أحضروا له تهمة ضد أثناسيوس.
(2/22/8) وبناء علي ذلك، زعموا أنه فرض على المصريين ضريبة على الجلاليب الكتان، وأن هذه الضريبة قد حُصِّلت من المُتَّهِمِين. وفى الحال، أثبت آبيس ومقاريوس الكاهنان بكنيسة أثناسيوس اللذان تصادف وجودهما بالبلاط آنذاك أنها تهمة باطلة.
(2/22/9) وعندما اُستُدعى أثناسيوس للدفاع عن هذه التهمة، أُتُهم بالأكثر بأنه تآمر ضد الامبراطور إذ قد أرسل صندوقا من الذهب إلى شخص يُدعى فليمون. وإذ استنتج الامبراطور افتراء الشاكين، أعاد أثناسيوس إلى وطنه وكَتَب إلى شعب الأسكندرية أن اسقفهم يمتلك ايمانا سليما عظيما واتضاعا كبيرا لدرجة أنه مسرور جدا أن إلتقى به وتعرَّف عليه كرجل لله. وإذ كان الحسد هو العلة الوحيدة للمدعين عليه، فقد أظهر هو أفضلية عن المشتكين منه.
(2/22/10) وعندما سمع أن الأريوسيين والمليتيين المنشقين يثيرون الشقاقات فى مصر حث الامبراطور فى نفس الرسالة الجمهور أن ينظروا إلى الله وأن يحترزوا لوصاياه، وأن يسلكوا حسنا بعضهم نحو بعض ليقاوموا بكل قوتهم كل المكائد ضد وحدانية الفكر.
هكذا كَتَب الامبراطور إلى الشعب مشجعا لهم على وحدانية الفكر، ومجاهدا لمنع انقسام الكنيسة.
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والعشرون
(الافتراء على أثناسيوس ويد ارسينيوس)
(2/23/1) وإذ فشل المليتيون فى محاولتهم الأولى اتفقوا سرا على اتهام آخر. فمن ناحية اتهموه بكسر كأس مقدسة، ومن ناحية أخرى اتهموه بأنه قتل شخصا يُدعى ارسينيوس وقَطَع ذراعه واحتفظ بها لأغراض سحرية. وقيل أن ارسينيوس هذا كان احد الاكليروس، وإذ كان قد ارتكب بعض الجرائم هرب إلى مكان يختبىء فيه خوفا من القبض عليه ومعاقبته من الاسقف.
(2/23/2) وكرَّس أعداء أثناسيوس أقصى هجوم عليه لهذا الغرض. فبحثوا عن ارسينيوس بأقصى اجتهاد حتى وجدوه وأظهروا له رقة متناهية ووعدوه بضمان الأمن وحُسن المعاملة له وأرسلوه سرا إلى باترينس Patrines، كاهن بدير، وكان أحد المُخلِصين لهم وله نفس مقاصدهم. وبعد أن اخفوه هكذا بكل عناية، نشروا خبرا عنه فى الاسواق العامة، وفى كل مكان أنه قد قُتِل من أثناسيوس. كما رشوا راهبا يُدعى يوحنا ليُعضّد التُهمة.
(2/23/3) وعندما انتشر هذا الخبر الشرير على نطاق واسع ووصل إلى آذان الامبراطور، أدرك أثناسيوس أنه من الصعب الدفاع عن اتهامه هذا أمام قضاة قد سبق لأذهانهم الأخذ بهذه الاشاعة الزائفة فاعتزل فى مكان لدى مشايعيه القريبين له وبذل كل ما فى وسعه لمنع انطماس الحقيقة بهجومهم هذا. ولكن الجمهور لم يستطع أن يقتنع بسبب عدم ظهور ارسينيوس.
(2/23/4) وإذ فكر أثناسيوس فى أن الشك فيه لن يزول ما لم يظهر أن ارسينيوس المزعوم موته مازال حيا، فقد أرسل شماسا موثوقا فيه للغاية للبحث عنه. فذهب الشماس إلى طيبة، وعلِم من تصريح بعض الرهبان أين يقيم. وعندما جاء إلى باترينس Patrines مع مَن كان يُخفيه، وجد أن ارسينيوس ليس هناك لأنه عندما عُرِف وصول الشماس، نُقِل إلى مصر السفلى. فقبض الشماس على باترينس وأرسله إلى الأسكندرية، وأيضا على الياس أحد مساعديه الذى قيل أنه كان الشخص الذى نقل ارسينيوس إلى مكان آخر، وأسلمهما معا إلى قائد القوات المصرية.
(2/23/5) واعترفا بأن ارسينيوس ما زال حيا وأنه كان مخفيا فى منزلهما، وأنه يعيش الآن فى مصر. واهتم أثناسيوس بأن تُنقَل هذه الأخبار إلى قنسطنطين.
(2/23/6) فكتب الإمبراطور إليه ثانية يطلب منه أن يهتم بواجباته الكهنوتية وحفظ الديانة بين الشعب وألاَّ ينزعج من دسائس المليتيين. فمن الثابت أن الحسد وحده هو علة المكائد التى يجرونها ضده واضطرابات الكنائس. وأضاف الامبراطور أنه لن يسمح فى المستقبل بمثل هذه الأخبار وأنه ما لم يحفظ المفترون السلام، فإنه سيُخضِعهم لأقسى قوانين الدولة، وأن تأخذ العدالة مجراها. إذ أنهم لم يفتروا فقط ضد برىء بل انتهكوا أيضا قداسة وتقوى الكنيسة. هكذا كان فحوى رسالة الامبراطور إلى أثناسيوس([200]). وأمر، علاوة على ذلك، بقرائتها جهارا أمام العامة لكى ما يُلِّم الجميع بمقاصده.([201])
(2/23/7) وإذ علِم المليتيون بهذه الأمور هدأوا لبعض الوقت لأنهم أخذوا تهديد الحاكم بقلق. وتمتعت الكنائس بسلام عميق فى سائر أرجاء مصر، وأُدِيرت برئاسة هذا الكاهن العظيم، وتزايدت من يوم إلى يوم فى العدد بإهتداء جماهير الوثنيين والهراطقة الآخرين.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والعشرون
(قبول بعض الأمم الهندية للمسيحية)
(2/24/1) وقد سمعنا أنه فى ذلك الوقت اعتنقت بعض الأمم القاصية، والتى تُدعَى الهندية([202]) ممن لم يكن معروفا لديهم كرازة برثلماوس Bartholomew، عقيدتنا بواسطة فرومنتيوس Frumentius الذى صار قسا ومُعلِّما للعلوم المقدسة لهم.
(2/24/2) ولكن لكى ما تعرف حتى من باب الإعجاب أن عقيدة المسيحيين ينبغى أن تُقبَل كنظام ليس من انسان كما تبدو، بل أنها نسيج من المعجزات لدى البعض، فإنه من الضرورى أن نروى سبب سيامة فرومنتيوس Frumentius. لقد كانت كما يلى:
(2/24/3) كان كثيرون من الفلاسفة المشهورين بين اليونان يرتادون المدن والأقاليم المجهولة. فأفلاطون، صديق سقراط([203])، قد أقام لبعض الوقت فى مصر ليُلِّم بنفسه بعاداتهم وسلوكياتهم. وأبحر أيضا إلى صقلية Sicily لمشاهدة منظر فوهة البركان، حيث يندلع تلقائيا مجرى من النار، كما من ينبوع، ويندفع غالبا كنهر ملتهما المناطق المجاورة لدرجة أن حقولا كثيرة تبدو محروقة، ولا يمكن حرثها أو زراعتها بأشجار تماما مثلما يروُون عن سدوم. وبالمثل، اهتم امبيدوكليس Empedocles، وهو رجل مشهور جدا لدى اليونان لفلسفته والذى كان يُعبّر عن معرفته بأبيات بطولية، بفحص هذا الانفجار النارى من فوهة البركان. لذا قفز فى هذه النار وهلك، إما لأنه [رأى] أن موتا مثل هذا سيكون، حسبما ظن، أفضل؛ وإما بأكثر وضوح لأنه رغب فى إنهاء حياته بهذا النحو. وارتاد ديموقريتس Democritus الذى من سوس Coös مدنَا كثيرة وأمما، وقال عن نفسه أنه قضى ثمانين سنة من عمره فى الأسفار خلال البلاد الأجنبية. والى جانب هؤلاء الفلاسفة، كرَّس الآلاف من حكماء اليونان انفسهم، قديما وحديثا، للسفر.
(2/24/4) ومحاكاة لهم سافر ميروبيوس Meropius، فيلسوف من صُور([204]) بفينيقية، إلى الهند. ويقولون أنه اصطحب معه شابان يُدعَوَان فرومنتيوس واديسيوس Edesiusوكانا من أقربائه، ويعلَّمهما البلاغة والعلوم بطلاقة.
(2/24/5) وعندما ارتاد الهند([205]) حسبما أمكن شرع فى العودة إلى الوطن، وركب مركبا كانت متجهة إلى مصر([206]). وحدث أن المركب بسبب الحاجة إلى ماء، أو بسبب ضرورة ما أخرى، أن اضطرت إلى التوقف عند ميناء([207]) ما، فإندفع الهنود([208]) إليها وقتلوا كل مَن فيها ومن ضمنهم ميروبيوس.
(2/24/6) ولكنهم ابقوا على الشابين إذ اشفقوا على شبابهما. وكسروا تحالفهم مع الرومان وسلَّموا الشابين للملك([209]). فعين الأصغر ساقيا له، أما الأكبر وهو فرومنتيوس فقد أقامه على البيت وجعله مديرا لخزانته لأنه أدرك أنه ذكى وقادرٌ على ادارة الأعمال.
(2/24/7) وخدم هذان الشابان المَلك بأمانة واهتمام لسنوات طويلة، وعندما شعر بقرب نهايته وكانت زوجته وابنه احياء، كافأ حُسن خدمتهما بعتقهما وسمح لهما بالذهاب إلى أى مكان يرغبان فيه.
(2/24/8) وكانا مهتمان بالعودة إلى صُور حيث كان اقرباؤهما يقيمون، ولكن إذ كان إبن الملك صغيرا، لذا رجتهما أمه فى أن يبقيا بعض الوقت للقيام بالشؤن العامة إلى أن يبلغ ابنها سن الرجولة. فقبلا رجاءها وباشرا شؤن المملكة وحُكم الهند.
(2/24/9) واستعلم فرومنتيوس بإلهام إلهى، وبالطبع لأن الله حركه تلقائيا، عما إذا كان هناك مسيحيون فى الهند أو رومانيون بين التجار الذين ابحروا إلى هناك([210]). وعندما نجح فى العثور على موضوع طلبه، جمعهم فى حضرته وعاملهم بحب ومودة، ودعاهم للصلاة وكان الاجتماع يتم حسب العادة الرومانية. ثم شيَّد لهم بيت صلاة وشجعهم على تكريم الله بإستمرار.
(2/24/10) وعندما بلغ ابن الملك سن الرجولة التمس فرومنتيوس واديسيوس منه ومن الملكة الإذن بالعودة. واستطاعا اقناعهما، ليس بدون صعوبة.
(2/24/11) وعندما افترقا كأصدقاء عادا كرعايا رومان. فذهب اديسيوس إلى أقربائه بصُور، وسرعان ما نال بعد تقدمه رتبة الكهنوت.
(2/24/12) وأما فرومنتيوس فقد توجه، بدلا من العودة إلى فينيقية، إلى الأسكندرية حيث كانت الغيرة الدينية والتقوى الحارة تتأججان فيه، فتشاور مع أثناسيوس رأس كنيسة الأسكندرية، واصفا له حالة شؤون الهند([211]) وضرورة تعيين اسقف للمسيحيين المقيمين فى ذلك البلد، فجمع أثناسيوس الكهنة الوطنيون وتشاور([212]) معهم فى الأمر. ورسم فرومنتيوس اسقفا على الهند اذ كان مؤهلا على نحو متميز ومناسب لمهمة كهذه لخدمة مَن كانوا أول مَن يُعلِن لهم اسم المسيح وأن يكون شريكا فى حصاد العقيدة التى بذر بذورها.
(2/24/13) ولذلك عاد فرومنتيوس إلى الهند ثانية وقيل أنه قد قام بالمهام الكهنوتية على نحو مثير لدرجة أنه صار موضع اعجاب على نحو عام وكُرِّم ليس أقل من رسول. وكرَّمه الله بشدة ومَكَّنه من انجاز شفاء عجيب واجراء آيات وعجائب. وهكذا كان أصل الكهنوت الهندى([213]).
الكتاب الثانى: الفصل الخامس والعشرون
(مجمع صُور والخلع غير الشرعى لأثناسيوس)
(2/25/1) إن مكائد اعداء أثناسيوس قد اوقعته فى متاعب جديدة وأثارت كراهية الامبراطور ضده، وضمت مفترين عديدين.
(2/25/2) وإذ تعب الامبراطور من إلحاحهم، دعا إلى مجمع فى قيصرية فلسطين، ودعا أثناسيوس للحضور إلى هناك. ولكنه رفض الحضور خشية منه من حِيل يوسيبيوس اسقف تلك المدينة، ويوسيبيوس اسقف نيقوميديا وحزبهما. وأصر رغم الضغط عليه لمدة ثلاثين شهرا على رفضه. ومع ذلك أُجبِر فى نهاية هذه الفترة على الذهاب إلى صُور حيث كان عدد كبير من اساقفة الشرق مجتمعين والذين أمروه بالدفاع ضد التهم الموجهة إليه.
(2/25/3) وكان من حزب يوحنا([214]) كالينيكوس Callinicusالاسقف وشخص ما يُدعى اسخورياس Ischurias قد اتهمه بكسر كأس السرائر وقلب الكرسى الاسقفى، وأنه السبب فى وضعه([215]) فى القيود على الرغم من أنه كان كاهنا وذلك بتهمة زائفة لدى هيجنوس Hyginus حاكم مصر، بأنه ألقى حجارة على تمثال الامبراطور مما تسبب فى إلقائه فى السجن. وعن خلع كالينكوس اسقف الكنيسة الجامعة فى بليزيوم وادعائه أنه سيستبعده من الشركة ما لم يلغ شكوكه بشأن الكأس المكسورة، وعن اسناد كنيسة بليزيوم إلى مرقس وهو كاهن مخلوع ووضع كالينكوس تحت الحراسة العسكرية وتعريضه للتعذيب. وكان من حزب يوحنا اوبلس وباخوميوس واسحق واخيلاس وهرمان الاساقفة. وهؤلاء اتهموه بالضرب وجميعهم اتفقوا على أنه قد حصل على كرامة الاسقفية برشوة أفراد معينين، بينما المنصوص عليه أنه لا يحصل أحد على السيامة، ما لم يستطع أن يثبت براءته من أية تهمة أو جريمة. وأكثر من ذلك، زعموا أنهم وقد انخدعوا فيه، لذلك انفصلوا عن التناول معه ومن ثمة عاملهم بوحشية، وألقاهم فى السجن.
(2/25/4) وأُثيرت مرة أخرى مسألة ارسينيوس. ومثلما يحدث بصفة عامة فى مثل هذه الأحوال اشترك فى المكائد كثيرون ممن كانوا يُعتبَرون أصدقاء له وتحولوا إلى مدعين ضده. وقُرِأ عندئذ مستند يحتوى على شكوى من جمهور الاسكندرية يعلنون فيه أنهم سيمتنعون عن حضور الكنيسة بسببه.
(2/25/5) وإذ أُجبِر أثناسيوس على تبرئة نفسه، حضر أمام كرسى القضاء عدة مرات ودحض بنجاح بعض المزاعم، وطلب تأجيل البعض الآخر لاستكمال الفحص([216])، ولكنه كان متحيرا للغاية عندما فكر فى الاسلوب الذى تأثر به قضاته وبعدد الشهود المنتمين إلى حزب اريوس ومليتيوس، الذين ظهروا ضده وتغاضيهم ازاء المدعين عليه، رغم أنه دحض مزاعمهم ([217])، وخاصة بالنسبة لفرية ارسينيوس الذى زعموا أنه قد قَطع ذراعه لاستخدامها فى اعمال سحرية. وأيضا بالنسبة للفرية الخاصة بالمرأة التى قيل أنه قد دنس طهارتها مقابل هبات معينة، وافسدها ليلا على الرغم من عدم ارادتها. فكلتا الفريتين، قد دحضتا، وثبت سخافتهما وبطلانها التام.
(2/25/6) فعندما أُحضِرت هذه الانثى أمام الاساقفة اقترب تيموثاوس أحد كهنة الأسكندرية من فريق أثناسيوس، منها طبقا لخطة فكَّر فيها سرا، وقال لها: يا إمرأة هل حقا اغتصبتك عنوة ؟. فأجابته، أجل، ألم تفعل ذلك؟. ثم ذكرت المكان والظروف التى أُجبِرت فيها على ذلك. وبالمثل قاد ارسينيوس إلى وسطهم وأراهم يديه الاثنتين وقال للقضاة أن يستعلموا مِن المدعين عن الذراع التى عرضوها لمن تكون. فقد حدث أن ارسينيوس إما أنه قد تحرك بدافع إلهى أو كما قيل قد أخفاه حزب أثناسيوس عندما ظهر الخطر على هذا الاسقف وتم تهريبه ليلا ووصل إلى صُور قبل المحاكمة بيوم واحد.
(2/25/7) وبإختصار، سقطت هذه الدعاوى ولم تعد هناك ضرورة لدفاع، ولم تذكر الاولى فى المداولة. واننى أظن بأكثر احتمال أن كل الأمور كانت تعتبر سخيفة للإدراج. وبالنسبة للثانية جاهد المفترون فى تبرئة أنفسهم بالقول أن أسقفا تحت اشراف أثناسيوس يدعى بلسيان Plusian قد أحرق منزل ارسينيوس بناء على أمر رئيسه وربطه بعمود وشوهه بالسياط ثم قيَّده فى زنزانة. وقرروا علاوة على ذلك أن ارسينيوس قد هرب من الزنزانة من خلال نافذة، وبينما هو يفكر فى البقاء قليلا فى مخبأه حتى لا يظهر افترضوا أنه قد مات كمعترف، ولذا وصل خبره هكذا إلى اساقفة حزب يوحنا. ومن ثمة سعوا بالنيابة عنه إلى رفع الدعوى لدى الماجستريت.
(2/25/8) وعندما تمعن اثناسيوس فى هذه الأمور، أدرك تماما أن أعداءه يخططون لإهلاكه سرا. وبعد عدة جلسات، عندما غُصّ المجلس بالفوضى والهرج وكان المشتكون وجمهور من الاشخاص يصرخون بصوت عال أن أثناسيوس يلزم خلعه كساحر وسافل ولأنه غير مستحق بتاتا للكهنوت، فإن الضباط الذين كان الامبراطور قد عينهم لحفظ النظام أجبروا المُدعَّى عليه على مغادرة قاعة المحكمة سرا لأنهم قد خشيوا أن يقتلوه مثلما يحدث ذلك عادة فى أوقات اندلاع الفوضى. وإذ وجد أنه لا يستطيع البقاء فى صُور بدون هلاك حياته وأنه ليس هناك مجال للحصول على العدالة مقابل المشتكين الغفيرين ضده من قضاة هم أنفسهم متحاملين عليه، هرب إلى القنسطنطينية.
(2/25/9) وأدانه المجمع غيابيا وخلعه من الاسقفية وحظر اقامته فى الأسكندرية لئلا، كما قالوا، يكون مثيرا للقلاقل والانشقاقات. وتم رد يوحنا وأنصاره إلى الشركة بإعتبارهم عانوا من الخطأ بلا عدل، وعاد كل منهم إلى رتبته الإكليريكية.
(2/25/10) ورفع الاساقفة بيانا بإجراءاتهم إلى الامبراطور، وكتبوا إلى اساقفة سائر الأماكن مخبرين اياهم بعدم قبول أثناسيوس فى شركتهم وعدم الكتابة إليه أو تلقى رسائل منه بإعتباره شخص ارتكب الجرائم التى ناقشوها. أما بخصوص هروبه فهذا يدل على أنه مذنبٌ بالدعاوى التى لم يبحثوها. كذلك أعلنوا فى هذا المرسوم أنهم قد اضطروا إلى توقيع هذا الحُكم عليه لأنه عندما أمر الامبراطور فى السنة الماضية بعقد مجمع فى قيصرية لم يذعن لأمر الامبراطور وترك اساقفة الشرق ينتظرونه وضرب بتعليمات الحاكم عرض الحائط. وزعموا أيضا أنه عندما انعقد مجمع صُور، توجه إلى المدينة بحشد كبير بقصد اثارة القلاقل والفوضى فى المجمع، وأنه رفض أحيانا الرد على التهم المثارة ضده وأحيانا أهان الأساقفة كلٌ على حدة، عندما اجتمع بهم. ولم يكن مطيعا فى أحيان أخرى، واعتبر آخرين غير جديرين بالحُكم. كما أعلنوا فى نفس الرسالة بأنه مذنب بكسر كأس سرائرية، وأن هذه الواقعة شهد عليها ثيوجينس اسقف نيقية، وماريس اسقف خلقيدونية، وثيودور اسقف هيراكليا، وفالنتينوس واورساكيوس، ومقدونيوس الذى أُرسِل إلى قرية فى مصر حيث قيل أن الكأس قد كُسِر فيها للتأكد من الحقيقة.
(2/25/11) وهكذا فصَّل الأساقفة كل من المزاعم ضد أثناسيوس على التوالى بنفس الأسلوب الذى يفعله السوفسطائيون عندما يرغبون فى تعليل افتراءاتهم.([218])
(2/25/12) ومع ذلك أدرك كثيرون من الكهنة الذين كانوا حاضرين المجمع عدم عدالة الاتهامات. فقد رُوِى أن آبا بافنوتيوس المعترف والذى كان حاضرا فى هذا المجمع نهض وأمسك يد مكسيموس اسقف اورشليم ليخرجه، كما لو كان المعترفون الذين نُزِعت أعينهم بسبب ايمانهم، ينبغى ألا يشاركوا فى مجمع الأشرار.
الكتاب الثانى: الفصل السادس والعشرون
(تشييد هيكل قنسطنطين الكبير فى الجلجثة وتكريسه)
(2/26/1) وقد كمل بناء الهيكل المدعو "المارتيريوم" الكبير الذى شُيَّد فى موقع الجمجمة بأورشليم فى حوالى السنة الثالثة عشر([219]) من حكم قنسطنطين، فجاء ماريانوس الموظف الرسمى الذى كان كاتب الامبراطور إلى صُور وسلَّم رسالة من الامبراطور إلى المجمع يأمرهم فيها بالتوجه بسرعة إلى اورشليم ليكرسوا الهيكل.
(2/26/2) وعلى الرغم من أن ذلك كان مُحدَّدا سلفا إلا أن الامبراطور رأى أنه من الضرورى أن يتطهر الأساقفة المجتمعون فى صُور من الشقاق والحزن قبل أن يتوجهوا إلى اورشليم لتكريس الهيكل بعد تسوية الأمور بينهم. لانه من اللائق للكهنة أن يكونوا بوحدانية الفكر فى احتفال كهذا، ولذلك عندما وصل الاساقفة إلى اورشليم كُرِّس الهيكل.
وأرسل الامبراطور هبات وزخارف عديدة ما زالت محفوظة فى المبنى المقدس. وكانت قيمتها وعظمتها إلى الحد الذى تثير دهشة كل مَن يراها. ومنذ ذلك الوقت يتم الاحتفال سنويا بتذكار يوم التكريس بإبتهاج عظيم من قِبل كنيسة اورشليم ويستمر الاحتفال ثمانية أيام ويستهل بالعماد، ويتجمع الشعب من سائر الأماكن تحت الشمس، خلال هذا الاحتفال ويزورون الأماكن المقدسة.
الكتاب الثانى: الفصل السابع والعشرون
(الكاهن الذى أغوى قنسطنطين بإعادة أريوس ويوزيوس)
(2/27/1) وانتهز الاساقفة الذين تبنوا مفاهيم أريوس هذه الفرصة لإعادته هو ويوزيوس([220]) Euzoïus إلى شركة التناول، وذلك بالسعى الحثيث إلى عقد مجمع فى مدينة اورشليم. ونفذوا رغبتهم على النحو التالى:
(2/27/2) كان هناك كاهن ما معجَبا بدرجة كبيرة بالمفاهيم الأريوسية وعلى صلة وثيقة بأخت الامبراطور. وفى البداية أخفى مشاعره، ولكن مع تكرار زيارته صار أكثر ألفة مع قنسطنطيا، فهذا هو اسم أخت الامبراطور قنسطنطين، فتشجع وصرَّح لها بأن اريوس قد نُفِىَّ من بلده ظلما، وطُرِح من الكنيسة بسبب غيرة وعداوة شخصية من الكسندروس اسقف كنيسة الاسكندرية. وقال أن هذه الغيرة كانت بسبب التكريم الذى أظهره الشعب له.
(2/27/3) وصدَّقت قنسطنطيا هذا العرض واعتبرته حقيقيا، ولكنها لم تتخذ أية خطوات فى حياتها لنقض مرسوم نيقية. وإذ تعرضت لمرض هددها بنهاية حياتها، توسلت لأخيها الذى جاء لزيارتها أن يهبها هذا المطلب كآخر معروف يسديه لها وهو أن يقبل هذا الكاهن المذكر عاليه الوثيق الصلة ويرتكن اليه كرجل ملِّم بالعقائد الصحيحة عن الألوهية. واضافت: من جانبى أنا على وشك الموت ولم أعد أهتم بهذه الحياة بيد أن الشعور الوحيد الذى اشعر به الان يثور من خوفى ان تتعرض لغضب الله وتعانى من أية ضرر أو تفقد امبراطوريتك لأنك حكمت على اشخاص بريئين وصالحين بعقوبة دائمة خطأً.
(2/27/4) ومنذ ذلك الوقت استقبل الامبراطور الكاهن، وبعد أن سمح له بالكلام معه بحرية فى ذات الموضوعات التى أوصته أخته عليها، رأى من المناسب عرض موضوع اريوس للبحث من جديد. ومن الممكن أن يكون الامبراطور قد تأثر فى اتخاذه لهذا القرار إما بالاعتقاد فى معقولية الهجوم، وإما مرضاة لرغبة أخته.
(2/27/5) ولم يمض وقت طويل حتى استدعى أريوس من منفاه وطلب منه أن يعرض كتابة ايمانه بشأن الألوهية. فتجنب اريوس استخدام مصطلحات جديدة كان قد ابتدعها سابقا، وعرض تفسيرا آخر بمصطلحات بسيطة معترف بها من الاسفار المقدسة، وأعلن بقسَم أنه يتمسك بالمعتقدات التى يسجلها فى هذه العريضة وأنه يتمسك بكل هذه العبارات ex animo وليس لديه أى فكر آخر سوى هذه. وكانت كما يلى:
من أريوس ويوزيوس الكاهنيَن إلى امبراطورنا الأتقى والمحبوب جدا لدى الله، قنسطنطين. بناء على أمركم ياسيادة الامبراطور حبيب الله، والتقى، نقدِّم هنا كتابة اقرار ايماننا ونحن نُظهِر أمام الله أننا وكل الموقعين معنا أننا نؤمن بما هو مسجل هنا. نحن نؤمن بإله واحد، الآب ضابط الكل. وبإبنه الرب يسوع المسيح المولود منه قبل كل الدهور، الله الكلمة، به كان كل شىء مما فى السماء أو على الأرض. أتى وتجسد وتألم وقام ثانية، وصعد إلى السموات، ومن هناك سيأتى ثانية ليدين الأحياء والأموات. ونؤمن بالروح القدس. وبقيامة الأجساد والحياة الآتية، وبملكوت السموات. وبكنيسة الله الواحدة الجامعة المؤسسة على الأرض.
وقد تلقينا هذا الايمان من الأناجيل المقدسة التى قال الرب فيها لتلاميذه "اذهبوا وعلّموا جميع الأمم. وعمدوهم بإسم الآب والإبن والروح القدس"([221]). فإذا لم نؤمن بهذا ولم نتلق العقائد الخاصة بالآب والإبن والروح القدس كما تعلمناها من الكنيسة الجامعة والأسفار المقدسة كما نؤمن فى كل نقطة، فليكن الله ديان لنا الآن وفى اليوم الذى سيأتى فيه.
لذلك نناشد تقواكم ايها الامبراطور المحبوب بالأكثر من الله بما أننا معدودين ضمن اعضاء الاكليروس ولنا ايمان وفكر الكنيسة والاسفار المقدسة أن نصطلح جهارا مع أمنا الكنيسة بواسطة تقواكم السلامية حتى ما تكف المسائل والمنازعات عديمة الجدوى ونعيش نحن والكنيسة معا فى سلام، ونشترك كلنا فى الصلوات المعتادة لامبراطوريتكم التقية السلامية ولكل عائلتك.
(2/27/6) ولقد اعتبر كثيرون هذا الإعلان للإيمان تأليف محنك، إذ يحمل مظهر اختلاف التعبير([222])، بينما هو فى الحقيقة يدعم مذهب اريوس. فالمصطلحات التى صيغت بها هذه الرسالة غامضة وتحتمل تفسيرات متباينة.
(2/27/7) وظن الامبراطور أن اريوس ويوزيوس لهما نفس ايمان اساقفة نيقية وابتهج بهذا الأمر. ومع ذلك، لم يحاول ارجاعهما إلى شركة التناول بدون موافقة ورضاء أولئك الذين حسب قانون الكنيسة هم معلموا هذه الأمور.
(2/27/8) لذلك أرسلهما إلى الاساقفة الذين كانوا مجتمعين عندئذ فى اورشليم وكتب إليهم يرغِّبهم فى فحص اعلان الايمان هذا الذى قدَّمه اريوس ويوزيوس. وهكذا حثَّ المجمع على تبين ما إذا كانت عقيدتهما ارثوذكسية أم لا، وهل غيرة أعدائهما هى السبب الوحيد لإدانتهما أم لا، أم أن الذين لاموهما قد أدانوهما بلا سبب، أم أنهما قد غيَّرا رأيهما وهل القرار البشرى يدعمهما فى أىٍ من الحالات.
(2/27/9) وانتهز أولئك الذين كانوا منشغلين بهذا المطلب منذ زمن طويل هذه الفرصة تحت ستار رسالة الامبراطور هذه، وقبلوه فى شركتهم. وكتبوا فى الحال إلى الامبراطور نفسه وإلى كنيسة الأسكندرية، وإلى أساقفة وكهنة مصر وطيبة([223])وليبيا يحضونهم على قبول اريوس ويوزيوس فى شركة التناول حيث أن الامبراطور يشهد بصحة ايمانهما([224]) فى رسالة من رسائله، وتأيد حكم الامبراطور بصوت المجمع.
تلك كانت الموضوعات التى ناقشوها بحماس فى مجمع أورشليم([225]).
الكتاب الثانى: الفصل الثامن والعشرون
(خطاب الامبراطور إلى مجمع صُور، ونفى أثناسيوس بواسطة دسائس الحزب الأريوسى)
(2/28/1) وتوجه أثناسيوس عقب فراره من صُور، إلى القنسطنطينية. وعندما جاء إلى الامبراطور قنسطنطين، شكا له ما قد قاساه فى حضرة الاساقفة الذين أدانوه ورجاه أن يُخضع مرسوم صُور للفحص أمام الامبراطور.
(2/28/2) فرأى أن هذا المطلب معقول، فكتب إلى الاساقفة المجتمعين فى صُور ما يلى:
"اننى لا أعرف سبب الفوضى والاضطراب فى مجمعكم، ولكنه يبدو من عدم النظام المزعج أن القوانين التى سُنَّت لم تكن متسقة مع الحقيقة، وأن هياجكم الدائم بين بعضكم بعضا من الثابت أنه قد منعكم من التفكير فيما يسر الله. ولكنه سيكون من العناية الالهية أن تنبذوا الشر الناجم عن هذه المنازعات وأن تُعلنوا لنا بوضوح ما إذا كنتم لم تنقادوا فى احكامكم بدوافع حسد أو صداقة شخصية، لذلك آمركم بأن تحضروا جميعا إلىَّ بدون تأخير حتى يمكننا تلقى بيانا دقيقا بمعاملاتكم.
وسأشرح لكم سبب كتابتى هذه بهذا الاسلوب، وستعرفون مما يلى لماذا جمعتكم أمامى بواسطة هذا المستند. بينما كنتُ عائدا إلى المدينة التى تحمل اسمى، والتى اعتبرها بلدى الخاص، صادفنى وأنا امتطى ظهر حصانى اثناسيوس الاسقف مع لفيف من الأفراد فى عرض الطريق على نحو غير متوقع لدرجة اننى اندهشتُ للغاية عندما شاهدته. إن الله الذى يرى كل شىء شاهدٌ على أننى لم أعرف فى البداية مَن يكون، ولكنَّ بعضا من مرافقىّ أكدوا لى هذه النقطة واعطونى معلومات ضرورية عن الظلم الذى عانى منه. ومع ذلك لم امنحه فرصة المقابلة. غير أنه ثابر على طلب جلسة استماع على الرغم من رفضى لطلبه وكنتُ على وشك اصدار الأمر بطرده من حضرتى.
إلا أنه قال لى بشجاعة أنه لا يسأل معروفا آخر سوى أن استدعيكم إلى هنا لكى ما يشكو فى حضرتكم من الظلم الذى قاساه. وهو مطلب رأيتُه، معقولا وآنيا. لذا وجدتُ أنه من المناسب أن اكتب اليكم على هذا النحو وأن أأمر كل المجتمعين فى مجمع صُور بالإسراع إلى بلاطنا، حتى تعرضون بأعمالكم صفاء وصلابة قراراتكم أمامى أنا الذى تعترفون بأنى خادم حقيقى لله. فبغيرتى فى خدمته تثبَّت السلام فى كل مكان فى العالم وتم التسبيح بإسم الله بين البرابرة الذين كانوا إلى هذه الساعة يجهلون الحق، ومن الثابت أن كل مَن يجهل الحق لا يعرف الله ناهيكم عن أن البرابرة كما هو مسجل عاليه من خلال خدمتى قد تعلَّموا كيف يعرفون الحق وعبادة الله إذ ادركوا أن حمايته حالة علىَّ فى كل مكان وفى كل زمان وهم يبجلون الله بأكثر عمق خوفا من سطوتى. ولكننا نحن الذين يتعين علينا أن نُعلن سرائر الاحتمال (ولن أقول المحافظة عليها) ينبغى ألا نفعل أى شىء يؤدى إلى الكراهية أو الشقاق أو لنقل صراحة، إلى هلاك الجنس البشرى.
فتعالوا اذن إلى حضرتى كما قد قلتُ لكم، وتأكدوا أننى سأفعل كل شىء فى سلطتى للحفاظ على كل ما يخص شريعة الله المعصومة على نحو لا يمكن أن يسمح بأى خطأ أو عدم ارثوذكسية بينما يتخفى أولئك الأعداء للشريعة فى الاسم المقدس ويسعون إلى ادراج تجاديف متنوعة ومختلفة قد تم رذلها جهارا وسحقها تماما وتجاوزها بالتمام".
(2/28/3) وقد أثارت هذه الرسالة خوفا لدى بعض الاساقفة لدرجة أنهم رحلوا قافلين إلى أوطانهم. ولكن يوسيبيوس اسقف نيقوميديا وحزبه ذهبوا إلى الامبراطور، وأعلموه أن القوانين التى سنها مجمع صُور ضد أثناسيوس مبنية على العدالة. واصطحبوا معهم كشهود ثيوجينس وماريس وفالنس واورساكيوس الذين اقروا أنه كسر كأسا سرائريا. وبعد تلاوة افتراءات أخرى كثيرة تغلبوا بإتهاماتهم.
(2/28/4) فما كان من الامبراطور، إما اقتناعا منه بصحة ادعائاتهم([226])، وإما تخيلا منه أنه بإستبعاد أثناسيوس سيُعيد السلام بين الاساقفة([227])، أن نفاه إلى تريف فى غرب الغال([228])، ولذا أُرسِل إلى هناك.([229])
الكتاب الثانى: الفصل التاسع والعشرون
(الكسندروس اسقف القنسطنطينية، يرفض قبول اريوس فى الشركة)
(2/29/1) وبعد مجمع أورشليم، توجه اريوس إلى مصر، وإذ لم يستطع أن يحصل على تصريح بالاشتراك فى التناول مع كنيسة الاسكندرية، عاد إلى القنسطنطينية حيث كان يجتمع فى هذه المدينة بمكر مع كل الذين تبنوا مفاهيمه وأولئك المناصرين ليوسيبيوس اسقف نيقوميديا بغرض عقد مجمع.
(2/29/2) ولذا بذل الكسندروس الذى كان يرأس كرسى القنسطنطينية كل جهده لفض هذا الاجتماع. وإذ ضاعت كل جهوده هباء رفض علانية كل عهود مع اريوس مؤكدا أنه ليس من العدل ولا من قوانين الكنيسة ابطال تصويت أولئك الاساقفة الذين اجتمعوا من كل مكان تحت الشمس تقريبا فى نيقية.
(2/29/3) وعندما ادرك حزب يوسيبيوس أن حُججهم لم تؤثر على الكسندروس لجأوا إلى التهديد بعزله من الكنيسة وتعيين آخر محله يكون مستعدا للشركة مع آريوس، وحددوا يوما معينا لذلك. وانتظر حزب يوسيبيوس ذلك اليوم الذى حددوه لتنفيذ خبثهم. وصلى الكسندروس من أجل منع تحقق كلام يوسيبيوس عمليا. وقد نجم خوفه بصفة رئيسية من حقيقة أن الامبراطور كان مستسلما [لهم].
(2/29/4) وفى اليوم السابق لليوم الذى حددوه طرح نفسه أمام المذبح واستمر طوال الليل فى الصلاة إلى الله لكى يمنع أعداءه من تنفيذ خطتهم ضده. وأخيرا، أصاب اريوس فى وقت العصر فجأة ألما فى معدته اضطره إلى الذهاب إلى مرحاض عام لقضاء الطبيعة. ومر وقت طويل ولم يخرج. فدخل بعض الرجال الذين كانوا ينتظرونه فى الخارج، فوجدوه ميتا وهو ما زال جالسا على المقعد.
(2/29/5) وعندما صار هذا الموت معلوما، لم ينظر كل الناس إلى هذه الواقعة من ذات الجانب. فقد اعتقد البعض أنه مات فى نفس الساعة التى ألمَّ به مرض القلب فجأة، بينما رأى آخرون أنه كان يعانى من سِقم بسبب فرحته بحقيقة أن الأمر يجرى حسب ما فى ذهنه. بينما تصُور فريق ثالث أن هذا الموت على هذا النحو هو كأس القضاء عليه بسبب بدعته. أما الذين تبنوا مفاهيمه فيرون أن موته كان بفنون سحرية.
(2/29/6) ولن يكون خارجا عن الموضوع أن نقتبس هنا ما قد سجله اثناسيوس اسقف الأسكندرية عن هذا الموضوع. فها هى روايته:
الكتاب الثانى: الفصل الثلاثون
(رواية اثناسيوس الكبير عن موت اريوس)
(2/30/1) "واذ قد اجتمع اريوس صاحب الهرطقة وشريكه يوسيبيوس أمام الطوباوى قنسطنطين اوجستوس([230]) بُناء على التماس حزب يوسيبيوس راغبين فى تقديم توضيح مكتوب بإيمانهما، فقد حررَّا ([231]) هذا المستند بحيلة كبيرة، وكمثل الشيطان اخفيا مزاعمهما الكافرة فى عبارات الكتاب المقدس البسيطة. وقال له الطوباوى قنسطنطين "اذا لم يكن هناك أمر ما آخر فى ذهنك غير ذلك، فاشهد للحق لأنك اذا حلفت زورا فإن الله سيعاقبك". فأقسم الرجل البائس بأنه لا يتمسك ولا يؤمن بمفاهيم خلاف ما هو مسجل الآن فى هذه الوثيقة حتى لو كان قد أكد عكس ذلك. وبمجرد أن خرج من لدنه، افتقدته الدينونة إذ انفجر فى الوسط. فالموت بالنسبة لجميع الناس بصفة عامة هو نهاية الحياة، ولا يجب أن نلوم إنسانا حتى لو كان عدوا لأنه مات، لأنه ليس من المؤكد لنا ما إذا كنا سنعيش حتى المساء أم لا، بيد أن موت اريوس كان فريدا على نحو يسترعى الملاحظة. فقد هدَّد حزب يوسيبيوس بإعادة أريوس إلى الكنيسة، وعارض الكسندروس أسقف القنسطنطينية عزمهم. لقد وضع أريوس ثقته فى قوة وخبث يوسيبيوس، لأنه كان يوم سبت، وكان يتوقع أنه فى اليوم التالى سيُعاد قبوله. واشتد الجدل، وكان حزب يوسيبيوس هم الأعلى صوتا فى مكرهم، بينما لجأ الكسندروس إلى الصلاة. فكان أن أظهر الله الديان نفسه ضد الأثيم. فقبل غروب الشمس بوقت قليل، أجبرت ضرورة الطبيعة اريوس على اللجوء إلى مكان مخصص لهذا الطارىء وهناك فقد كلٌ من عودته إلى شركة التناول وحياته. واندهش قنسطنطين المبارك عندما سمع بهذه الواقعة واعتبرها برهانا على الحنث بالقسم. وصار من الثابت لكل أحدٍ أن مكر يوسيبيوس كان عقيما تماما، وأن توقعات اريوس كانت هباءً. وصار من الواضح أيضا أن جنون اريوس لا يمكن أن يكون فى معية المخلِّص لا هنا ولا فى كنيسة الابكار. أليس من المدهش اذن أن يوجد بعض الناس الذين مازالوا يحاولون تبرير ذاك الذى أدانه الله ويدافعون عن هرطقة برهن الله أنها غير مستحقة بإتبَّاعِها وذلك بعدم السماح لمبتدعها بدخول الكنيسة؟!!.".
(2/30/2) ها قد اخبرنا بوضوح طريقة موت اريوس. وقد قيل أن الناس قد ظلوا لأمد طويل يتحاشون استخدام هذا المرحاض الذى مات فيه اريوس، وكان أولئك الذين يضطرون بفعل الطبيعة إلى أن يلجأوا إلى هذا المكان العام، كانوا مثلما هو الحال مع أى جبان، يتحدثون مع بعضهم البعض عندما يدخلونه ليتجنبوا ذلك المقعد.
(2/30/3) وسرعان ما هُجِر هذا المكان، فيما بعد لأن اريوس نال هناك جزاء كفره. وفى وقت لاحق، اشترى ثرىٌ مقتدر كان يتبنى عقيدة اريوس هذا المكان وشيَّد عليه منزلا حتى ما تتوارى الواقعة من الأذهان ولا يكون هناك تذكار خالد لموت اريوس.
الكتاب الثانى: الفصل الواحد والثلاثون
(استمرار النزاع الاريوسى)
(2/31/1) ولم يُنه موت اريوس النزاع العقائدى الذى تسبب فيه. فأولئك الذين تبنوا مفاهيمه ظلوا يدبرون المكائد ضد الذين عارضوه.
(2/31/2) واحتج شعب الأسكندرية على نفى أثناسيوس وقدموا التماسات بعودته، وكتب انطونيوس الراهب المشهور الى الامبراطور مرارا يرجوه ألا يُصغى إلى مزاعم المليتيين بل يرذل اتهاماتهم بإعتبارها افتراءات.
(2/31/3) غير أن الامبراطور لم يكن مقتنعا بهذه الحُجج، وكتب إلى الأسكندريين يتهمهم بالغباء والسلوك بشغب. وأمر الكهنة والعذارى([232])، أن يلزموا الهدوء واعلن انه لن يغير رأيه ولن يُعيد أثناسيوس الذى قال عنه أنه مثير للشقاق وأنه قد أدين بعدل بحُكم من الكنيسة. ورد على انطونيوس بأنه يجب عليه ألاَّ ينقض مرسوم المجمع([233])لانه كما يقول حتى إذا كانت هناك قلة من الاساقفة كانوا يعانون من سوء النية أو الرغبة فى ظلم الآخرين، فإنه من العسير تصديق أن اساقفة ممتازين وفطناء كثيرين قد خضعوا لدوافع مثل هذه([234]). وأضاف أن أثناسيوس كان عنيدا ومستهزءً وعلة الشقاق والخصام. واتهمه اعداء أثناسيوس بالأكثر بهذه التهم لعِلمهم أن الامبراطور يمقتها على وجه الخصوص.
(2/31/4) وعندما وجد الامبراطور أن الكنيسة قد انشقت إلى فريقين واحد يؤيد أثناسيوس والآخر يؤيد يوحنا انتقل بالسخط ونفى يوحنا نفسه. ويوحنا هذا هو الذى تلى ميليتيوس وتم رده هو ومَن تبنوا نفس المفاهيم إلى شركة التناول والقيام بالوظائف الاكليريكية من قِبل مجمع صُور. وكان نفيه ضد رغبات اعداء أثناسيوس ولكن هذا ما حدث. ولم تفِد مراسيم مجمع صُور يوحنا إذ كان الامبراطور يُجيب على كل توسل أو التماس من أى نوع يخص شخص يشك فيه بأنه يدفع الشعب المسيحى إلى الخصام والشقاق.
الكتاب الثانى: الفصل الثانى والثلاثون
(قنسطنطين يسن قانونا ضد كل الهراطقة ويحظر على الشعب الحصول على كنائس فى أى مكان خلاف الكنيسة الجامعة)
(2/32/1) وعلى الرغم من أن عقيدة اريوس قد لاقت تأييدا من قِبل كثيرين فى الجدال، فإنهم لم يُشكلوا حزبا لهم يمكن أن ينطبق عليه نعت اريوسيين كنعت مميز، ويجتمعون معا ككنيسة ويتناولون معا، فيما عدا النوفاتيين وأولئك المدعوين فريجيين والفالنتنيين والماركونيين والبولونيين وقلة أخرى من المشايعين للهرطقات المعروفة([235]).
(2/32/2) ومع ذلك سن الامبراطور قانونا يقضى بإزالة بيوت الصلاة الخاصة بهم وأن عليهم الاجتماع فى الكنائس وعدم اقامة كنائس فى بيوتهم الخاصة أو فى الاماكن العامة. واعتبر أن من الافضل الشركة فى الكنيسة الجامعة، ونصحهم بأن يجتمعوا داخل جدرانها.
(2/32/3) وبواسطة هذا القانون اختفت حسبما اعتقد كل الهرطقات تقريبا. ففى خلال العهود السابقة للإمبراطور كان جميع مَن يعبدون المسيح على اختلاف وجهات نظرهم فيما بينهم، يلقون نفس المعاملة من الوثنيين، وكانوا يُضطهَدون بقسوة بالتساوى. وقد جعلتهم هذه البلايا المشتركة التى يتعرضون لها لا ينشغلوا بفحص الاختلافات في وجهات النظر الموجودة بينهم، لذلك كان من السهل لأعضاء كل حزب أن يشكلوا كنيسة لأنفسهم دون ازعاج.
(2/32/4) ولكن بعد هذا القانون لم يعد من الممكن أن يجتمعوا فى الأماكن العامة لأن ذلك كان محظورا، ولا كانوا يقدرون أن يجتمعوا سرِّا لأنهم كانوا مراقبين من الاساقفة والاكليروس فى مدنهم. ومن ثمة أُقتِيد عدد كبير من هذه الطوائف خوفا من العواقب إلى الانضمام للكنيسة الجامعة. ولم يستطع أولئك الذين تشبثوا بمفاهيمهم الخاصة أن يخلفوا لهم تلاميذ عند موتهم ليحملوا هرطقتهم لأنهم لم يقدروا أن يجتمعوا معا فى نفس المكان، ولا كانوا قادرين أن يُعلِّموا سرا مَن كان لهم ذات مفاهيمهم.
(2/32/5) وبسبب سخافة التعاليم الهرطوقية أو الجهل التام لأولئك الذين يعلّمونها وينصحون بها، كان عدد الأتباع فى كل من هذه الرطقات قليلين جدا منذ البداية.
(2/32/6) بيد أن النوفاتيين وحدهم كان لهم قادة جيدون، وحافظوا على نفس التعليم الخاص بالألوهية والكنيسة الجامعة ولذا كان عددهم كبيرا منذ البداية وظلوا كذلك غير متأثرين كثيرا بهذا القانون. وأظن أن الامبراطور قد تساهل بإرادته معهم، لأنه أراد فقط أن يُرعِب اتباعه دون أن يقصد اضطهادهم([236]). وكان اكسيوس Acesius الذى كان اسقف هذه الهرطقة فى القنسطنطينية يحظى بتقدير كبير بسبب حياته التقية. ومن المحتمل أنه لهذا السبب تمتعت الكنيسة التى يرأسها بالحماية.
(2/32/7) وعانى الفريجيون والهراطقة الآخرون من نفس المعاملة فى سائر المقاطعات الرومانية، ما عدا فريجية والأقاليم المجاورة لأنهم كانوا يوجدون فيها منذ ايام مونتانوس بأعداد كبيرة وحتى الآن.
(2/32/8) وفى حوالى نفس الفترة، بدأت احزاب يوسيبيوس اسقف نيقوميديا، وثيوجينس اسقف نيقية فى تسجيل ابتداعاتهم بشأن الاعتراف الوارد فى مجمع نيقية كتابة. انهم لم يجرؤوا على [اعلان] معارضتهم بوضوح للتأكيد([237]) بأن "الابن مساوىٍ للآب فى الجوهر" لأن هذا التأكيد كان معتمدا من الامبراطور، ولكنهم اصدروا وثيقة اخرى، ونسبوها إلى الاسقافة الشرقيين [يقولون فيها] انهم قد قبلوا الاصطلاح النيقاوى بتفسيرات شفاهية. وبهذا الاعلان والتفكير فيه، انتعش من جديد الجدل الذى كان يُعتقَد أنه قد وُضِع جانبا.!!
الكتاب الثانى: الفصل الثالث والثلاثون
(هرطقة مارسيللوس اسقف انقيرا، وخلعه)
(2/33/1) وفى نفس هذه الفترة، عُزِل مارسيللوس Marcellusاسقف أنقيرا Ancyra بغلاطية، ونُبِذ من الكنيسة بواسطة الاساقفة المجتمعين بالقنسطنطينية لأنه ادخل بعض التعاليم الجديدة والتى علَّم بها أن وجود ابن الله قد بدأ بولادته من مريم، وأن لمُلكه انقضاء. وأكثر من ذلك حرَّر كتابا يعرض فيه آراءه.
(2/33/2) فإنزعج باسيليوس([238]) وهو رجل بليغ جدا ومتعلم، مع اساقفة ايبارشية غلاطية، فكتبوا إلى اساقفة الاقاليم المجاورة لكى يجمعوا نسخ كتاب مارسيللوس ويحرقوها وأن يردوا كل مَن يكون قد تبنى مفاهيمه([239])، وسجلوا أن العمل كان ضخما إلى الحد الذى لا يسمح بمعالجته كله فى رسالتهم، ولكنهم أدرجوا بعض الاقتباسات من فقراته لكى يبرهنوا على أن التعاليم التى أدانوها كانت واردة بهذا العمل.
(2/33/3) ومع ذلك زعم بعض الأشخاص أن مارسيللوس قد عرض فقط بعض الأسئلة التى اساء انصار يوسيبيوس تفسيرها، وقدَّموها للامبراطور على أنها اعترافات. وكان يوسييوس وحزبه حانقا بشدة على مارسيللوس لأنه لم يكن راضيا بالتعاريف الموضوعة فى مجمع فينيقية، ولا بالترتيبات التى أتُخِذَت فى صالح اريوس فى اورشليم، ورفض أيضا حضور تكريس المارتيريوم الكبير لكى يتجنب التناول معهم. وقد ركزوا بشدة على هذا الظرف الأخير فى رسالتهم إلى الامبراطور وابرزوه كتهمة زاعمين أنها إهانة لشخصه ألا يحضر تكريس الهيكل الذى شيده فى اورشليم.
(2/33/4) وكان الدافع لمارسيللوس Marcellusعلى كتابة عمله هذا هو أن آستيريوس Asterius الذى كان حكيما ومواطنا كبادوكيا كان قد كتب مقالة دفاعا عن التعاليم الاريوسية وقرأها فى عدة مدن، وللاساقفة بالمثل، وفى المجامع العديدة التى حضرها. فأراد مارسيللوس أن يدحض حججه. وبينما هو منشغل بهذا، سقط بقصد أو بدون قصد فى تعاليم بولس الذى من ساموسطا Samosata. ومع ذلك، عاد فتراجع فى رسالة رعوية فى مجمع ساردس مبرهنا أنه لم يقصد هذه المفاهيم.
الكتاب الثانى: الفصل الرابع والثلاثون
(وفاة قنسطنطين بعد عماده، ودفنه بهيكل الرسل القديسين)
(2/34/1) وكان الامبراطور قد قسَّم بالفعل الامبراطورية بين ابنائه والذين كانوا يُنعَتون بالقياصرة. فأعطى الأقاليم الغربية لقنسطنطين([240]) وقنسطانس، والأقاليم الشرقية لقونسطانتيوس. وإذ شعر بتوعك المزاج، التمس أن ينال نعمة الحميم فتوجه لهذا الغرض إلى مدينة هيللينوبولس ببثينية. ومع ذلك، ازداد المرض عليه فذهب إلى نيقوميديا وهناك نال المعمودية المقدسة فى إحدى ضواحى المدينة. وبعد الاحتفال شعر بإبتهاج وشكر الله.
(2/34/2) وعندئذ أكد تقسيم الامبراطورية بين ابنائه طبقا لتقسيمه السابق، واسبغ مزايا معينة على روما القديمة وعلى المدينة التى دُعِيت بإسمه. ووضع وصيته بين يدى ذلك الكاهن الذى كان مشايعا دائما لاريوس، والذى اوصته عليه أخته قنسطانتيا فى أواخر حياتها بأنه رجل ذو حياة فاضلة، وأمره بقسَمٍ أن يسلمها لقنسطانتيوس عند عودته، لأنه لم يكن معه عند وفاته لا قنسطانتيوس ولا غيره من القياصرة.
(2/34/3) وبعد الانتهاء من هذه الترتيبات لم يعش قنسطنطين سوى أيامٍ قليلة، وتوفى عن عمر خمسة وستين سنة، فى السنة الواحدة والثلاثين من حكمه.
(2/34/4) لقد كان حاميا قويا للديانة المسيحية، وأول الاباطرة الغيورين على الكنيسة واسبغ عليها المزايا العديدة. وكان الأكثر نجاحا بين سائر الاباطرة فى كل انجازاته لأنه كما اعتقدُ لم يقم بأى إجراء بدون [مشورة] الله. لقد انتصر فى حروبه ضد القوط والساراميين، وفى الحقيقة فى سائر عملياته الحربية. وغيَّر شكل الحُكم طبقا لرأيه بكل سهولة حتى أنه أنشأ سينات senateآخر، ومدينة امبراطورية أخرى اسبغ عليها اسمه، وقضى على الديانة الوثنية فى زمن قصير([241]) على الرغم من أنها سادت لعصُور طويلة بين الامراء والشعب.
(2/34/5) وبعد وفاته وُضِع جثمانه فى تابوت من الذهب ونُقِل إلى القنسطنطينية ووُضع فى ساحة معينة من القصر الذى راعى أولئك الذين فيه نفس المراسيم والتكريم الذى كانوا يقدمونه له فى حياته.
(2/34/6) وعندما سمع قنسطانتيوس بوفاة ابيه، وكان آنذاك فى الشرق اسرع إلى القنسطنطينية ونقل الرفات المَلكية بأقصى تعظيم وأودعها فى المقبرة التى كانت قد شُيِّدت بأمر المتوفى فى كنيسة الرسل.
ومنذ تلك الفترة، جرت العادة على دفن الاباطرة فى نفس مكان الدفن.
وهنا كان الاساقفة بالمثل يدفنون لأن الكرامة الكهنوتية ليست فقط تعادل كرامة السلطة الامبراطورية، ولكن فى المواضع المقدسة تأخذ الأولوية.
الكـتـاب الثـالـث
الكتاب الثالث: الفصل الأول
(بعد وفاة قنسطنطين هاجم اتباع يوسيبيوس وثيوجينس الايمان النيقاوى جهرا)
(3/1/1) لقد رأينا الآن الاحداث التى شاعت فى الكنائس خلال حُكم قنسطنطين. وبعد وفاته خضعت العقيدة التى نصَّ عليها مجمع نيقية للفحص من جديد. فعلى الرغم من أن هذه العقيدة لم تكن مقبولة على نطاق واسع، فإن أحدا ما لم يجرؤ خلال حياة قنسطنطين على رفضها جهارا. ومع ذلك عقب وفاته رفض كثيرون هذا الرأى، وبصفة خاصة أولئك الذين كانوا سابقا محل شك كمخادعين. ومن بين كل هؤلاء بذل يوسيبيوس ويوجينس اساقفة مقاطعة بيثينية كل ما فى وسعهم لكى ما تسود مفاهيم اريوس. ورأوا أن ذلك يمكن أن يتحقق بسهولة اذا ما أمكن منع عودة اثناسيوس من النفى، وبإسناد ادارة كنائس مصر إلى اسقف من رأيهم.
(3/1/2) وقد وجدوا نصيرا لهم فى ذلك، ذاك الكاهن الذى حصل من قنسطنطين على تصريح بعودة اريوس. وكان يحظى بتقدير كبير من الامبراطور قونسطانتيوس([242]) بسبب الخدمة التى قدَّمها له بتسليمه وصية أبيه. ولما كان موثوقا فيه، انتهز بشجاعة هذه الفرصة إلى أن صار قريبا من زوجة الامبراطور ومن خصيان جناح مخدع النساء.
(3/1/3) وفى هذا الوقت عُيّن يوسيبيوس مشرفا على شؤون الدار المَلكية. وإذ كان ملتصقا بحماس بالاريوسيين حث الامبراطور وكثيرين من الاشخاص المنتمين إلى البلاط على تبنى نفس المفاهيم.
(3/1/4) ومن ثم ثار من جديد الجدل الخاص بالعقائد على المستوى الخاص والمستوى العام، وتجددت المنازعات والشقاقات. وكانت هذه الحالة تتفق مع وجهة نظر ثيوجينس وحزبه.
الكتاب الثالث: الفصل الثانى
(عودة أثناسيوس)
(3/2/1) وفى هذه الفترة عاد أثناسيوس من الغال إلى الأسكندرية. وقد قيل أن قنسطنطين([243]) كان ينوى إعادته وأنه أمر بذلك فى وصيته، ولكن الوفاة حالت بينه وبين انجاز نيته. فأعاد ابنه الذى حمل اسمه وكان حاكما آنذاك للغال الغربية، أثناسيوس. وكتب خطابا إلى شعب الأسكندرية بخصوص هذا الموضوع.
(3/2/2) وإذ حصلتُ على نسخة من هذا الخطاب مترجمة من اللاتينية إلى اليونانية فإننى سأدرجها باختصار كما وجدتها وهى كما يلى:
"قنسطنطين القيصر إلى شعب الكنيسة الجامعة فى مدينة الاسكندرية. لا اظن أنكم لا تقدِرون أن تكونوا غير مُلمين بحقيقة أن اثناسيوس مفسر الشريعة المكرمة كان معرضا لمخاطر على شخصه المقدس من قِبل اعدائه المحبين للدماء والكراهية. لذلك أُرسِل لبعض الوقت إلى الغال، لكى لا يتعرض لأضرار خلال احداث التطرف من قِبل معارضيه الادنياء. ولكى ما تبطل هذه المخاطر، أُنتُزِع من فك أولئك الذين ظلموه، وأُمِر أن يعيش إلى جوارى لدرجة أن المدينة التى أقام فيها كانت تزوده بكل الضروريات، ولكن فضائله كانت مشهورة على نحو غير عادى لأنه موضع ثقة الله، ولكنه وضع جانبا كل ثقل الثروة.
إن سيدنا([244]) وابى قنسطنطين اوغسطس المطوَّب الذكر كان قد عزم على إعادة هذا الاسقف إلى وطنه، وأن يعيده بصفة خاصة إلى محبتكم. ولكن لمَّا كان القدر البشرى قد وافاه وتوفى قبل أن يتمم ما قد عزم عليه، فإننى كخليفة له انفّذ عزم الامبراطور ذى الذكرى العطرة.
وسوف يُعلِمكم أثناسيوس عندما يرى وجوهكم أى توقير كان يناله منى وليس مدهشا أن أسلك كما سلكتُ معه لأن صُورة رغبتكم ومظهر رجل نبيل كهذا قد دفعنى وأجبرنى على اتخاذ هذه الخطوة. فلتظللكم العناية الالهية يا اخوتى الاحباء".
(3/2/3) ونتيجة لهذا الخطاب من الامبراطور عاد أثناسيوس إلى وطنه واستعاد ادارة الكنائس المصرية. أما أولئك الذين التصقوا بالمفاهيم الاريوسية فقد طُرِحوا فى حبس ولم يجدوا سلاما، فأثاروا شقاقا مستمرا وعادوا إلى الدسائس ضده. واتهمه حزب يوسيبيوس امام الامبراطور بأنه شخص مثير للشقاق وأنه ألغى مرسوم النفى ضدا لشرائع الكنيسة[!!] وبدون موافقة الاساقفة، وسأروى فى المكان المناسب كيف نُفِى أثناسيوس ثانية من الأسكندرية بناء على افتراءاتهم.
(3/2/4) وفى هذه الفترة مات يوسيبيوس الملقب بامفيلس([245]) وخلفه اكاكيوس فى ايبارشية قيصرية فلسطين. وكان متعصبا ومقلدا ليوسيبيوس لأنه تعلَّم منه الكلام المقدس، وكان يمتلك ذهنا مقتدرا فى التعبير حتى أنه خلَّف كتابات كثيرة تستحق الإلمام بها.
(3/2/5) وبعد ذلك بوقت ليس بطويل أعلن الامبراطور قنسطنطين([246]) الحرب ضد أخيه فقُتِل من جنرالاته، وانقسمت الامبراطورية الرومانية بين الاخوين الأحياء فصار الغرب من نصيب قنسطانس والشرق من نصيب قونسطانتيوس.
الكتاب الثالث: الفصل الثالث
(بولس اسقف القنسطنطينية، والمقدونيون)
(3/3/1) وفى نحو هذا الوقت توفى الكسندروس وخلفه بولس فى رئاسة كهنوت القنسطنطينية. وزعم الاريوسيون والمقدونيون أنه حصل على الرتبة بدافعه الخاص وضدا لمشورة يوسيبيوس اسقف نيقوميديا أو ثيودور أسقف هيراكليا فى تيراقيا([247]) بكونهما الاساقفة الأقرب والذين لهم حق الإنعام بالسيامة.
(3/3/2) ولكن كثيرين مع ذلك يؤكدون شهادة الكسندروس الذى خلفه أنه سيم بواسطة الاساقفة الذين كانوا مجتمعين آنذاك فى القنسطنطينية، لأنه عندما كان الكسندروس يبلغ من العمر ثمانية وتسعين سنة وقد مارس المهام الكهنوتية بنشاط لمدة ثلاثة وعشرين سنة، وكان على شفا الموت سأله كهنته عمن يود أن يعهد إليه بإدارة الكنيسة فقال: إن أردتم رجلا صالحا فى الامور الالهية وجدير بتعليمكم فعليكم ببولس، ولكن إن أردتم شخصا بليغا فى الامور العامة وفى مجالس الحكام، فمقدونيوس أفضل.
(3/3/3) ويسلّم المقدونيون أنفسهم بأن هذه الشهادة قد أدلى بها فعلا الكسندروس، ولكنهم يقولون أن بولس كان أكثر مهارة فى المعاملات وفن البلاغة. غير أنهم يؤكدون على حياة مقدونيوس ويتهمون بولس بأنه كان مدمنا ومخنثا وشاذ السلوك. ومع ذلك يبدو من اعترافهم أن بولس كان رجل خطابة ومتميزا فى التعليم الكنسى.
(3/3/4) وقد برهنت الاحداث على أنه لم يكن مكترثا بكوارث الحياة أو بالتعامل مع ذوى السلطة لأنه لم يكن ناجحا أبدا فى دحض دسائس أعدائه كمثل أولئك المتمرسين على إدارة هذه الامور. وعلى الرغم من أنه كان محبوبا بشدة من الجماهير إلا أنه عانى بشدة من أولئك الذين رفضوا عقيدة نيقية.
(3/3/5) ففى المقام الأول، نُفِى من كنيسة القنسطنطينية حيث أُثيرت ضده تهمة اساءة السلوك. ثم حُكِم عليه بعد ذلك بالنفى. وأخيرا، يُقال أنه سقط ضحية مكائد أعدائه وقُتِل. ولكن هذه الاحداث الأخيرة حدثت فى فترة تالية.
الكتاب الثالث: الفصل الرابع
(عزل قنستانتيوس لبولس اسقف كنيسة القنسطنطينية)
(3/4/1) لقد أثارت سيامة بولس اضطرابا شديدا فى كنيسة القنسطنطينية. ففى خلال حياة الكسندروس لم يتصرف الاريوسيون علانية لأن الناس كانوا منجذبين بشدة له ويكرمون الأمور الدينية، وبصفة خاصة لأنهم كانوا يعتقدون أن الحدث غير المتوقع الذى حدث لاريوس الذى لقى حتفه كان من جراء السخط الإلهى ومن لعنة الكسندروس.
(3/4/2) ومع ذلك، بعد وفاة هذا الاسقف انقسم الشعب إلى فريقين، وبرزت على السطح المنازعات والمجادلات جهارا بشأن العقائد. فأنصار آريوس رغبوا فى سيامة مقدونيوس بينما أولئك المتمسكون بأن الابن مساوى للآب فى الجوهر رغبوا فى سيامة بولس كأسقف. وقد ساد هذا الفريق الثانى.
(3/4/3) وبعد سيامة بولس، عاد الامبراطور([248])الذى تصادف أن كان آنذاك بعيدا عن الوطن، إلى القنسطنطينية وأظهر عدم سرور كبير لِما حدث كما لو كانت الاسقفية قد مُنِحت لشخص غير مستحق. ومن خلال دسائس أعداء بولس إلتأم مجمع، وعُزِل من الكنيسة، وسُلِّمت الكنيسة ليوسيبيوس اسقف نيقوميديا.
الكتاب الثالث: الفصل الخامس
(مجمع انطاكية وخلع أثناسيوس)
(3/5/1) وسرعان ما توجه الامبراطور عقب هذه الأحداث إلى مدينة انطاكية بسوريا. وكانت الكنيسة هنا قد كملت وفاقت فى الحجم والروعة. وكان قنسطنطين([249])قد بدأ فى بنائها أثناء حياته، وكملت عمارتها بواسطة ابنه قنسطانتيوس.
(3/5/2) وانتهز حزب يوسيبيوس هذه الفرصة والتى كانوا يتوقون إليها منذ أمد بعيد ليعقدوا مجمعا([250]). لذلك اجتمعوا هم ومَن يتبنى مفاهيمهم مِن سائر الاقاليم فى انطاكية وكان عدد اساقفتهم سبعة وتسعون اسقفا. وكان غرضهم الظاهر الاحتفال بتكريس الكنيسة المنتهية حديثا، ولكنهم كانوا عازمين على شىء آخر ليس سوى إلغاء مرسوم نيقية. وهذا ما أكدته العواقب التالية.
(3/5/3) لقد كانت كنيسة انطاكية يحكمها بلاستوس Placetusالذى خلف يوفرنيويس Euphronius. وكان قد مضى على وفاة قنسطنطين خمس سنوات قبل هذا الوقت. وعندما اجتمع كل الاساقفة فى حضرة قنسطانتيوس، أظهر غالبيتهم حنقا شديدا على أثناسيوس، واتهموه بشدة بإزدرائه للوائح المقدسة التى سنّوها، وبإستيلائه على ايبارشية الأسكندرية بدون الحصول على تصديق مجمع. كما قرروا أنه كان سبب موت الكثيرين فى الشغب الذى نجم عن عودته، كما قُبِض على الكثيرين فى ذات المناسبة وأُقتيدوا إلى ساحات المحاكم.
(3/5/4) وبهذه الاتهامات سعوا بشدة إلى إلحاق الخزى بأثناسيوس وشهدوا أنه قد صدر مرسوم بأن يتولى غريغورى Gregory([251]) إدارة كنيسة الأسكندرية. ثم التفتوا إلى مناقشة المسائل العقائدية، [وتظاهروا] بأنه ليس هناك خطأ فى مراسيم مجمع نيقية.
(3/5/5) وأرسلوا رسائل إلى اسقف كل مدينة يعلنون فيها أنه بما أنهم اساقفة فإنهم لم يتبعوا اريوس إذ كيف، كما قالوا، يكونون تابعين لآريوس وهو ليس سوى كاهن، ونحن موضوعين فوقه؟. ولكنهم إذ فحصوا ايمانه، فقد قبلوه. وأنهم يعتقدون بالإيمان المسلَّم بالتقليد منذ البداية([252]). وقد شرحوا ذلك بالتفصيل فى آخر الرسالة، ولكن دون ذكر جوهر الآب أو الإبن أو مصطلح مساوى فى الجوهر.
(3/5/6) وفى الحقيقة لجأوا إلى تعبيرات مبهمة من العسير أن تكون محل تساؤل لا من الاريوسيين ولا من اتباع قوانين مجمع نيقية كما لو كانوا جاهلين بالأسفار المقدس. وتجنبوا عن عمد كل أشكال التعبير التى رفضها كل فريق، واستعملوا فقط تلك التى كانت محل قبول عام. واعترفوا بأن الإبن مع الآب، وأنه الإبن الوحيد، وأنه إله، وموجود قبل كل الأشياء، وأنه تجسد وتمم إرادة أبيه.
(3/5/7) لقد اعترفوا بذلك، وبالحقائق المماثلة لكنهم لم يَصِفوا عقيدة الإبن كمساوٍ فى الجوهر وأزلى مع الآب أو العكس. وغيَّروا بالتالى وجهة نظرهم على ما يظهر فى هذه الصيغة وأصدروا أخرى كانت على ما أظن تماثل تقريبا تلك التى لمجمع نيقية ما لم يكن هناك معانى خفية فى الحقيقة للكلمات الواردة ليست ظاهرة لى.
(3/5/8) وعلى الرغم من أنهم قد احجموا – ولا ادرى ما الدافع لهذا – عن القول أن الإبن مساوى فى الجوهر [للآب]، إلاَّ أنهم قد اعترفوا أنه غير متغير، وأنه قوة ومجد الآب، وبكر كل الخليقة. وقرروا أنهم وجدوا هذه الصيغة للإيمان مكتوبة بالكامل بواسطة لوكيانوس Lucianus الذى كان شهيدا فى نيقوميديا، وكان رجلا مختبرا جدا ودقيقا للغاية فى الاسفار المقدسة. ولا أعرف ما إذا كانت هذه الصيغة حقيقية أم لا، أو أنهم قد قدَّموها هكذا لكى ما يُعطوا لوثيقتهم وزنا عندما ينسبونها إلى شهيد له كرامته([253]).
(3/5/9) ولم يكن يوسيبيوس(الذى نُقِل من نيقوميديا إلى كرسى القنسطنطينية عندما طُرِد بولس) فقط مشاركا فى هذا المجمع، بل بالمثل اكاكيوس خليفة يوسيبيوس وباتروفيلس اسقف سكيثوبوليس، وثيودور اسقف هيراكليا والتى تُدعى سابقا بيرنثوس ويودوكسيوس اسقف جرمانيكا الذى أدار لاحقا كنيسة القنسطنطينية بعد مقدونيوس، وغريغوريوس الذى أُختير لرئاسة كنيسة الأسكندرية. ومن المسلَّم به على نطاق واسع أن كل هؤلاء كان لهم نفس المفاهيم مثل ديانيوس Dianius اسقف قيصرية الكبادوك، وجورج اسقف لاودكية Laodicea فى سورية وكثيرون آخرون سلكوا كأساقفة لمتروبوليات وكنائس متميزة أخرى.
الكتاب الثالث: الفصل السادس
(يوسيبيوس من اميسا. غريغوريوس الدخيل للأسكندرية, فرار أثناسيوس إلى روما)
(3/6/1) وكان يوسيبيوس الملَّقب امسينوس([254]) Emesenusحاضرا بالمثل هذا المجمع. وهو قد نبع من عائلة شريفة من اديسا([255]) مدينة فى اوسرونيا Osroënæ. وبحسب عادة بلده تعلم منذ صباه وما بعد ذلك، الكلمة المقدسة. وألمَّ بعد ذلك بعِلم اليونان على يد مُعلمين كانوا يترددون على بلدته. وبالتالى كانت له معرفة وثيقة بالأدب المقدس تحت اشراف يوسيبيوس بامفيلوس، وباتروفيلس رئيس سكيثوبوليس([256]). وتوجه إلى انطاكية فى وقت خلع يوستاثيوس بناء على اتهام كيروس، وعاش مع يوفرونيوس خلفه من باب الصداقة. وهرب من هناك عندما رُشِّح لكرامة الكهنوت إلى الأسكندرية، وتردد على مدارس الفلاسفة. وبعد أن ألمَّ بنمط التلمذة عاد إلى انطاكية وسكن مع بلانتوس خليفة يوفرنيوس.
(3/6/2) وفى خلال فترة انعقاد هذا المجمع فى تلك المدينة رجاه يوسيبيوس اسقف القنسطنطينية أن يقبل كرسى الأسكندرية، لأنه كان من المعتقد أنه يستطيع ببلاغته الفائقة وشهرة قداسته العظيمة أن يُلاشى تقدير المصريين لأثناسيوس. ومع ذلك، رفض السيامة بحجة أنه سيحظى على العكس بكراهية الأسكندريين الذين لن يقبلوا اسقفا آخر سوى أثناسيوس.
(3/6/3) لذلك سيم غريغوريوس على كرسى الأسكندرية، ويوسيبيوس هذا على اميسا([257]) Emesa. وهناك عانى من الشقاق إذ اتهمه الشعب بممارسة التنجيم. وإذ كان مضطرا إلى الفرار بحثا عن الآمان، توجه إلى لاودكية وأقام مع جورج اسقف تلك المدينة الذى كان صديقه الشخصى. ثم اصطحبه فيما بعد الى انطاكية وحصل هناك على تصريح من الاساقفة بلاستوس ونارسيسوس Narcissusبالعودة إلى اميسا. وكان محل تقدير كبير من الامبراطور قنستانتيوس فآزره بتجريدة حربية ضد الفارسيين.
(3/6/4) وقد قيل أن الله قد أجرى معجزات بواسطته، كما شهد جورج اسقف لاودكية الذى روى هذه الأحداث وغيرها عنه. ولكنه على الرغم من أنه قد تمتع بصفات سامية كثيرة، لم يستطع أن يفلت من غيرة أولئك الذين يتضايقون من مشاهدة فضائل الآخرين. فأُتُهِم بأنه يعتنق عقائد سابيليوس Sabellius. ومع ذلك صوَّت فى الوقت الحاضر مع الاساقفة المجتمعين فى انطاكية.
(3/6/5) وقد قيل أن مكسيموس اسقف اورشليم قد انسحب عن قصد من هذا المجمع لأنه ندم على رضائه بدون وعى بخلع أثناسيوس. ولم يحضر مجمع انطاكية هذا مدبر كرسى روما ولا أى ممثل من كنائس شرق ايطاليا، ولا من المناطق التى وراء روما.
(3/6/6) وفى نفس الفترة غزا الفرنك غرب الغال، وتعرضت اقاليم الشرق وبصفة خاصة انطاكية بعد هذا المجمع لزلازل مهول. وتوجه غريغوريوس بعد المجمع إلى الأسكندرية فى صحبة عدد كبير من الجنود الذين رافقوه لحفظ الأمن ومنع الاضطرابات عند دخوله المدينة. وقد سانده الاريوسيون الذين كانوا تواقين هم أيضا إلى خلع أثناسيوس.
(3/6/7) أما أثناسيوس فخوفا من أن يتعرض الشعب للأذى بسببه، اجتمع بهم ليلا فى الكنيسة عندما أتى الجنود للإستيلاء على الكنيسة، وكانت الصلوات قد انتهت، فأمر بإنشاد أحد المزامير. وخلال إنشاد هذا المزمور بقى الجنود فى الخارج منتظرين فى هدوء ختامه. فهرب أثناسيوس فى نفس الوقت خفية، وفرَّ إلى روما.
(3/6/8) واستولى غريغوريوس بهذه الطريقة على كرسى الاسكندرية. وثار حنق الشعب فأحرقوا الكنيسة التى تحمل اسم ديونيسيوس أحد اساقفتهم السالفين.
الكتاب الثالث: الفصل السابع
(رؤساء كهنة روما والقنسطنطينية. خلع بولس وطرده. مذبحة هرموجنس)
(2/7/1) وهكذا نجحت خطة أولئك الذين أثاروا الهرطقات المتعددة ضد الحق فى التنفيذ. وهكذا خلعوا الاساقفة الذين حافظوا على سيادة عقائد مجمع نيقية فى سائر أرجاء الشرق واستولى هؤلاء الهراطقة على معظم الكراسى الهامة مثل كرسى الأسكندرية فى مصر، وكرسى انطاكية فى سوريا، والمدينة الامبراطورية فى هلليسبونت، وأقاموا عليها اساقفة خاضعين لهم.
(3/7/2) وقد اعتبر حاكم كنيسة روما وكل كهنة الغرب هذه الاعمال بأنها اهانة شخصية لأنهم كانوا موافقين منذ البداية على كل القرارات التى صُوِّت عليها من قِبل المجتمعين فى نيقية، ولم يكفوا الآن عن ذات الفكر. ولذا عند وصول أثناسيوس استقبلوه بلطف وتشاوروا فيما بينهم فى موضوعه.
(3/7/3) وإذ انزعج يوسيبيوس من تدخلهم، كتب إلى يوليوس يحضه على أن يجعل نفسه حَكما على القوانين التى أُتُخِذت ضد أثناسيوس من قِبل مجمع صُور([258]). ولكن قبل أن يتأكد من مشاعر يوليوس Julius، وفى الحقيقة ليس بعد مجمع انطاكية بوقت طويل، مات يوسيبيوس. وفى الحال قاد مواطنو القنسطنطينية الذين حافظوا على عقائد مجمع نيقية بولس إلى الكنيسة. وفى نفس الوقت انتهز جمهور المعارضين الفرصة واجتمعوا معا فى كنيسة أخرى وكان من بينهم مشايعو ثيوجينس اسقف نيقية، وثيودور اسقف هيراكليا، وآخرون من نفس الحزب الذى تصادف وجودهم ورسموا مقدونيوس اسقفا للقسطنطينية. فأثار ذلك اضطرابا شديدا فى المدينة حمل كل مظاهر الحرب حيث قام الشعب على بعضه البعض وهلك الكثيرون.
(3/7/4) وعمت الفوضى المدينة لدرجة أن الامبراطور، وكان وقتها فى انطاكية، عند سماعه لِما حدث، استشاط غضبا وأصدر مرسوما بخلع بولس وعهد إلى هرموجينس Theognis قائد الحملة بتنفيذ هذا المرسوم الامبراطورى. ولمَّا كان سيمر على القنسطنطينية فى طريقه إلى تيراقيا therace، فقد فكر فى طرد بولس بالقوة من الكنيسة بمساعدة جيشه، ولكن الشعب بدلا من الخضوع قابلوه بمقاومة علنية. وعندما حاول الجنود تنفيذ الاوامر التى تلقوها، ازداد العنف بشدة واقتحم الثائرون منزل هرموجينس واشعلوا النيران فيه وقتلوه، وربطوا جثته بحبل وسحلوها فى المدينة. وما أن تلقى الامبراطور هذا الخبر حتى أسرع بإمتطاء جواده، واتجه صوب القنسطنطينية لكى ما يعاقب الشعب. ولكنه أبقى عليهم عندما خرجوا لمقابلته بالدموع متوسلين. غير أنه حرم المدينة من نصف حصة الحبوب التى كان والده قنسطنطين قد وهبها لهم سنويا من الخزانة العامة من جزية مصر. ربما انطلاقا من فكر أن الرفاهية والراحة جعلت العامة كسالى وميالين للمنازعات.
(3/7/5) ثم صبَّ غضبه على بولس وأمر بطرده من المدينة كما أظهر عدم رضائه بشدة على مقدونيوس أيضا لأنه كان سببا فى مقتل جنراله وأفراد آخرين ولأنه كان قد سيم أيضا بدون الحصول على موافقته. وعاد مع ذلك إلى انطاكية بدون أن يؤكد أو يلغى سيامته.
وفى نفس الوقت، خلع المشايعون للمفاهيم الاريوسية غريغوريوس لأنه كان مخالفا فى تأييد عقائدهم، وكان أكثر من ذلك محل عدم رضاء من الأسكندريين بسبب المصائب التى حلت على المدينة منذ قدومه وخاصة احتراق الكنيسة. وانتخبوا مواطنا من كبادوكيا يدعى جورج بدلا منه. وكان هذا الاسقف الجديد محل قبول بسبب نشاطه وغيرته فى تأييد المذهب الاريوسى.
الكتاب الثالث: الفصل الثامن
(وصول رؤساء كهنة الشرق إلى روما. رسالة يوليوس اسقف روما بخصوصهم. استلام بولس واثناسيوس لكراسيهم. محتوى رسالة رؤساء كهنة الشرق إلى يوليوس)
(3/8/1) وعندما ترك أثناسيوس الأسكندرية وفرَّ إلى روما، توجه فى نفس الوقت إلى هناك بولس اسقف القنسطنطينية، ومارسيللوس اسقف انقيرا، واسكيلاباس Asclepasاسقف غزة. وكان اسكيلاباس مقاوما للأريوسية، ولذلك خُلِع بعد أن اُتُهِم من قبل الهراطقة بإلقائه لمذبح ما أرضا، وعُيِّن محله كونتيانوس اسقفا على كنيسة غزة. كذلك خُلِع لوكيوس اسقف ادريانوبل([259]) Adrianople من الكنيسة بسبب عنايته بشىء آخر، وكان يقيم فى هذه الفترة فى روما. وعندما سمع الاسقف الرومانى بالاتهامات ضد كل واحد، وأن لهم نفس المفاهيم إزاء العقائد النيقاوية سمح لهم بالشركة فى التناول مثل الارثوذكسيين وبنفس الاهتمام اللائق بكرامة كرسيه وردهم إلى كنائسهم، وكتب إلى اساقفة الشرق موبخا لهم على محاكمتهم لهؤلاء الاساقفة بغير عدل وعلى استيلائهم على الكنائس، وهجرهم للعقائد النيقاوية.
(3/8/2) ودعا بعضا منهم للحضور أمامه فى يوم معيَّن لكى يوضحوا له الأحكام التى اصدروها. وهدَّد أنه لن يحتملهم أكثر من ذلك ما لم يكفوا عن ابتداعاتهم، وكانت هذه هى لهجة خطاباته. وأُعيد أثناسيوس وبولس إلى كراسيهما. وأرسِلت رسائل يوليوس([260])إلى اساقفة الشرق.
(3/8/3) ولما كان الاساقفة يستطيعون بالكاد أن ينقضوا هذه الوثيقة، اجتمعوا معا فى انطاكية وحرروا ردَّا إلى يوليوس عبّروا فيه بلطف وكتبوه بمهارة قانونية كبيرة، غير أنه مملوء أيضا بقدرٍ من التهديد الشديد والتهكم.
(3/8/4) وفى هذه الرسالة اعترفوا بأن كنيسة روما لها كرامة لأنها مدرسة الرسل([261])، وصارت متروبولية الدين([262]) منذ البداية([263]) على الرغم من أن تعريف العقائد قد تم فى الشرق. ثم اضافوا أن المرتبة الثانية فى الكرامة ينبغى ان تُعزَى إليهم ليس لأن لهم ميزة الحجم أو العدد لكنائسهم، ولكن لأنهم يفوقون الرومان فى الفضيلة والعزم. ودعوا يوليوس إلى مراجعة نفسه إذ سمح لأتباع أثناسيوس بالشركة فى التناول، وعبَّروا عن حنقهم ضده لكونهم ازدرى بمجمعهم ونسخ([264]) قراراتهم. ووصموا معاملته بأنها غير عادلة ولا تتسق مع الحق الكنسى. وبعد هذه المشاعر والاحتجاجات ضد مظالم كهذه، انتقلوا إلى هذه الوضعية وهى أنه اذا اعترف يوليوس بخلع الاساقفة الذين خلعوهم وبحلول مَن عينوهم محلهم بدلا منهم، فإنه يعدونه بالسلام والشركة، ولكن إذا لم يقبل هذه الشروط فإنهم سيعلنون جهارا معارضتهم. وأضافوا أن الكهنة الذين سبقوهم فى ادارة كنائس الشرق لم يقدِّموا أية معارضة على خلع نوفاتيان من قِبل كنيسة روما([265]) ولم يشيروا فى رسالتهم إلى انحرافاتهم التى اعلنوها عن عقائد مجمع نيقية، ولكنهم سجلوا ببساطة أن لديهم أسباب متعددة تبرر المسلك الذى اتخذوه، وأنهم يرون أنه من غير الضرورى عرضها فى الوقت الحالى للدفاع عن مسلكهم إذ أنهم يشكون فى نقض العدالة من جميع النواحى.
الكتاب الثالث: الفصل التاسع
(خلع أثناسيوس وبولس)
(3/9/1) وبعد كتابتهم إلى يوليوس بهذه اللهجة الشديدة، قدَّم اساقفة الشرق اتهامات ضد أولئك الذين خلعوهم إلى الامبراطور قنسطانتيوس. وبناء عليه كتب الامبراطور، الذى كان آنذاك فى انطاكية، إلى فيليب حاكم القنسطنطينية يأمره بتسليم الكنيسة إلى مقدونيوس ونفى بولس من المدينة.
(3/9/2) وإذ خاف الحاكِم من شغب الشعب توجه إلى حمَّام عام يُدعَى زيوكسبوس Zeuxippus وكان بِناءً كبيرا. وقبل أن يتسرب أمر الامبراطور، استدعى بولس كما لو كان يرغب فى مناقشته فى بعض الأمور العامة.
(3/9/3) وعند وصوله أطلعه على مرسوم الامبراطور، ونُقِل بولس طبقا للأوامر إلى شاطىء البحر سرا من خلال القصر الملاصق للحمَّام، حيث وُضِع على ظهر سفينة متجهة إلى تسالونيكى التى أتى منها أسلافه، كما قيل. ومُنِع بشدة من الاقتراب من الأقاليم الشرقية، ولكن لم يُمنَع من زيارة ايلليريا([266]) Illyria والمقاطعات القاصية.
(3/9/4) وعندما غادر فيليب الساحة، اصطحب معه مقدونيوس واتجه الى الكنيسة. فملأ الحاضرون آنذاك وكانوا عددا لا يُحصَى، الكنيسة بسرعة. وجاهد كل من الفريقين المنقسمين، أى اتباع الهرطقة الاريوسية واتباع بولس على التوالى، للإستيلاء على المبنى. وعندما وصل الحاكِم ومقدونيوس إلى بوابات الكنيسة، حاول الجنود أن يدفعوا الجمهور بالقوة إلى الخلف لكيما يفسحوا طريقا لهذيَن المسؤوليَن، ولكن إذ كان الجمهور مزدحما للغاية، كان من المستحيل عليهم التقهقر إذ كانوا مكدسين إلى أبعد نقطة على نحو لا يسمح بشق طريق. فقتل الجنود بسيوفهم عددا كبيرا من غير الراغبين فى التقهقر تحت ضغط الزحام، كما وطأوا بالأقدام فوقهم. وهكذا نُفِّذ مرسوم الامبراطور، واستلم مقدونيوس الكنائس([267]) بينما نُفِىَّ بولس على غير المتوقع من كنيسة القنسطنطينية.
(3/9/5) وكان أثناسيوس فى نفس الوقت قد فرَّ وأخفى نفسه خوفا من وعيد الامبراطور الذى هدد بعقابه بالموت. إذ جعل الهراطقة الامبراطور يعتقد أنه هو سبب الفتن، وأنه اذا ما عاد إلى ايبارشيته سيتسبب فى موت اشخاص عديدين. ولكن غضب الامبراطور قد اشتعل بصفة رئيسية من الادعاء بأن أثناسيوس قد باع مؤونة كان الامبراطور قنسطنطين قد وهبها فيما سبق لفقراء الأسكندرية، وأنه استولى على الثمن.
الكتاب الثالث: الفصل العاشر
(اسقف روما يكتب إلى اساقفة الشرق لصالح أثناسيوس. اساقفة الشرق يرسلون وفدا لأسقف روما. قنسطانس يرفض مقابلتهم)
(3/10/1) وإذ ارسل اساقفة مصر بيانا مكتوبا بأن هذه الافتراءات باطلة، وإذ اقتنع يوليوس أن أثناسيوس لن يكون بتاتا فى آمان فى مصر، أرسله إلى مدينته الخاصة. وردَّ فى نفس الوقت على رسالة الاساقفة الذين كانوا مجتمعين فى انطاكية، إذ تصادف أن استلم رسالتهم وقتئذ، واتهمهم بإدخال ابتداعات خفية ضد عقائد مجمع نيقية، وأنهم نقضوا قوانين الكنيسة بإهمالهم دعوته للإنضمام إلى مجمعهم إذ زعم أن هناك قانون مقدس ينص على أن أى مرسوم يصدر مناقضا لحكم اسقف روما يُعتبَر باطلا([268]) كذلك وبخهم على انحرافهم عن العدالة فى كل اجرائاتهم ضد أثناسيوس فى صُور وماريوتيس([269]) Mareotis وسجل أن المراسيم الصادرة من المدينة الأولى قد أُبطِلَت بسبب الافتراء المتعلق بيد ارسينيوس وفى المدينة الثانية بسبب غياب أثناسيوس. وأخيرا وبخهم على لهجة العناد فى رسالتهم.
(3/10/2) واتخذ يوليوس مدفوعا بكل هذه الاسباب موقف الدفاع عن أثناسيوس وبولس وكان الثانى قد وصل إلى ايطاليا ليس قبل ذلك بوقت طويل وناح بمرارة من هذه الافتراءات. وعندما ادرك يوليوس أن ما كتبه إلى أولئك الذين يشغلون رتبا مقدسة فى الشرق صار عبثا، رفع الامر إلى قنسطانس.
(3/10/3) وبناءً عليه، كتب قنسطانس إلى أخيه قنسطانتيوس يسأله إرسال بعض أساقفة الشرق ليسَّووا مسألة مراسيم الخلع التى أصدروها. فإنتخب ثلاثة اساقفة لهذا الغرض هم: نارسيسوس اسقف ايرينوبوليس Irenopolis فى كيليكية([270])، وثيودور اسقف هيراكليا فى تيراكيا ([271])، ومارك اسقف آريثوسا Arethusaفى سوريا. وعند وصولهم إلى ايطاليا، جاهدوا فى تبرير اعمالهم ومحاولة اقناع الامبراطور بأن الأحكام الصادرة عن المجمع الشرقى كانت عادلة.
(3/10/4) وعندما طُلِب منهم تقديم بيان بمعتقدهم اخفوا الصيغة التى اصدروها سابقا فى انطاكية، وقدَّموا كتابة اعترافا آخر كان معادلا فى لهجته لعقائد مجمع نيقية. وأدرك قنسطانس أنهم قد أوقعوا بغير عدلٍ بكل من أثناسيوس وبولس ومنعوهما من شركة التناول لا لسبب ضدهما، ولكن ببساطة بسبب اختلاف العقيدة، ومن ثمة صرف المندوبين دون إعطائهم أى ضمان لِما أتوا من أجله.
الكتاب الثالث: الفصل الحادى عشر
(مجمع سارديكا. اساقفة الشرق يخلعون اسقف روما وهوسيوس)
(3/11/1) وبعد ذلك بثلاث سنوات ارسل اساقفة الشرق إلى اساقفة الغرب صيغة الايمان التى دُعِيَت "ماكورستيكوس"([272]) μακρόστιχος ἔκθεσις بسبب الفاظها وأفكارها المسهبة التى تتجاوز أى صيغة اعتراف سابقة. فى هذه الصيغة لم يذكروا أى شىء عن جوهر الله، ولكن حرموا أولئك الذين يقولون أن الابن برز من العدم، أو أنه أقنوم آخر، وليس من الله أو أنه كان هناك وقت لم يوجد فيه.
(3/11/2) وحمل هذه الوثيقة يودوكيوس الذى كان مازال اسقفا لجرمانيكيا، ومارتيريوس ومقدونيوس، ولكن كهنة الغرب لم يُسلِّموا بها، إذ قد أعلنوا أنهم مقتنعون تماما بالعقائد المؤسسة فى نيقية ويرون أنه من غير الضرورى بتاتا الانشغال بهذه المسائل.
(3/11/3) وبعد أن طلب قنسطانس الامبراطور من أخيه إعادة تثبيت اتباع أثناسيوس فى كراسيهم، ووجد أن طلباته صارت عبثا بسبب تأثير أولئك الذين تبنوا الهرطقات الكريهة. وعندما توسل فريق أثناسيوس وبولس بالأكثر للامبراطور قنسطانس فى عقد مجمع لبحث المكائد المدبرة ضد العقائد الارثوذكسية، اتفق رأى الامبراطوريَن على عقد مجمع يضم اساقفة الشرق والغرب فى سارديكا([273])Sardica فى يوم معيَّن، وهى مدينة فى ايلليريا.
فكتب أساقفة الشرق الذين اجتمعوا سابقا فى مدينة فيلبوبوليس Philippopolis بتيراقيا إلى اساقفة الغرب الذين كانوا مجتمعين الآن فى سارديكا أنهم لن ينضموا إليهم ما لم يطردوا اتباع أثناسيوس من الاجتماع ومن شركة التناول معهم لأنهم مخلوعين. وفيما بعد، ذهبوا إلى سارديكا ولكنهم أعلنوا عدم دخولهم الكنيسة ما دام هؤلاء المخلوعين مسموحا لهم بالتواجد هناك.
فرد عليهم أساقفة الغرب أنهم لم يعزلوهم قط وأنهم لن يُذعنوا لذلك الان، وبصفة خاصة لأن يوليوس اسقف روما بعد أن فحص الحالة لم يُدِنهم، وإلى جانب ذلك هم حاضرون ومستعدون للدفاع عن أنفسهم ودحض الافتراءات الموجهة ضدهم.
(3/11/4) ومع ذلك، لم تُجدِ هذه التصريحات. وإذ كان الوقت المحدد لمناقشة الاختلافات التى من أجلها قد اجتمعوا قد انقضى، كتبوا فى النهاية رسائل إلى بعضهم بعضا بشأن هذه المسائل، وأدوا بذلك إلى زيادة عدم الاتفاق عما كان عليه سابقا.
(3/11/5) وبعد أن إجتمعوا على انفراد، اتخذوا قرارات متضادة إذ أكد اساقفة الشرق الاحكام التى سبق أن اتخذوها ضد أثناسيوس وبولس ومارسيللوس واسكاليباس، كما عزلوا يوليوس اسقف روما لأنه كان أول مَن يقبل مَن قد ادانوهم فى شركة التناول. كما عزلوا هوسيوس المعترف أيضا جزئيا لنفس السبب وجزئيا لأنه كان من ضمن أولئك الذين قبلوا بولس فى شركة التناول، وكان سببا فى عودته إلى القنسطنطينية ولأنه استبعد من التناول اساقفة الشرق الذين توجهوا إلى الغال. وإلى جانب هؤلاء عزلوا بروتوجينس اسقف سارديكا وجودانتيوس. الأول لأنه اهتم بمارسيللوس رغم ادانته سابقا والثانى لأنه تبنى منحى مخالف لمنحى كرياكوس سلفه وعضَّد افراد مخلوعين كثيرين.
(3/11/6) وبعد أن اصدروا هذه الاحكام، اعلنوها لجميع اساقفة الاقاليم لكى لا يشتركوا فى التناول معهم، ولا يكتبوا رسائل إليهم، أو يتلقوا منهم رسائل. كما أمروهم أيضا أن يؤمنوا بما قيل عن الله فى الصيغة التى أرفقوها برسالتهم، والتى لا يذكرون فيها اصطلاح واحد فى الجوهر، ولكن فقط حرم أولئك الذين يقولون ثلاثة آلهة، أو أن المسيح ليس الله، أو أن الآب والإبن والروح القدس نفس الشىء، أو أن الإبن غير مولود، أو أن هناك وقت لم يكن موجودا فيه.
الكتاب الثالث: الفصل الثانى عشر
(اساقفة الغرب فى مواجهة الحزب الاريوسى الشرقى)
(3/12/1) وفى نفس الوقت اجتمع انصار هوسيوس معا وأعلنوا براءة كلا من أثناسيوس لأن الدسائس التى حيكت من قِبل أولئك الذين اجتمعوا فى صُور كانت ظالمة؛ ومارسيللوس لأنه لم يعتنق الآراء التى أُتُهِم بها؛ واسكيلباس لأنه أُعيد تثبيته فى ايبارشيته بتصويت من يوسيبيوس بامفيلوس وقضاة آخرين كثيرين كما هو ثابت من سجلات المحاكمة؛ وأخيرا لوكيوس لأن متهموه قد فرَّوا.
(3/12/2) وكتبوا إلى ايبارشيات كلٍ منهم يأمروهم بقبول اساقفتهم وبالاعتراف بهم. وقد سجلوا أن غريغوريوس لم يُرَّشح من قِبلهم اسقفا على الأسكندرية، ولا باسيليوس اسقفا على انقيرا، ولا كونتيانس Quintianusاسقفا على غزة. وأنهم لم يقبلوا هؤلاء الرجال فى شركة التناول ولم يعتبروهم حتى مسيحيين.
(3/12/3) وقد عزلوا عن كراسيهم: ثيودور اسقف تيراقيا، ونارسيسوس اسقف ارينوبوليس، واكاكيوس اسقف قيصرية فلسطين، ومينوفانتوس اسقف افسس، واورساكيوس اسقف سيجدونس Sigidunus فى موسيا Mœsia، وفالنس اسقف مورسيا Mursia فى بانونيا([274]) Pannonia، وغريغوريوس اسقف لاودوكية على الرغم من أن هذا الأخير لم يحضر مجمع الاساقفة الشرقيين. وقد مُنِع هؤلاء المذكورين عاليه من الكهنوت، ومن شركة التناول لأنهم فصلوا الإبن عن جوهر الآب، ولأنهم قبلوا الذين سبق عزلهم بسبب اعتناقهم للهرطقة الاريوسية، وأكثر من ذلك رقوهم إلى رتب كهنوتية أعلى فى خدمة الله.
(3/12/4) وبعد أن استبعدوا هؤلاء لهذه الأسباب وحكموا عليهم بأنهم غرباء عن الكنيسة الجامعة، كتبوا إلى الاساقفة فى كل الأمم بعد ذلك يأمروهم بتأكيد هذه المراسيم وأن يكونوا فكرا واحدا فى الموضوعات العقائدية. كما ألفوا أيضا وثيقة ايمان كانت أكثر غزارة من وثيقة نيقية على الرغم من أنها حافظت بشدة على نفس الفكر مع تغيير بسيط جدا فى بعض الكلمات المستخدمة.
(3/12/5) واذ خشى هوسيوس وبروتوجينس اللذين حازا المرتبة الاولى بين الاساقفة الغربيين المجتمعين فى سارديكا من أن يُتَهما بإحداث ابتداعات فى عقائد مجامع نيقية، كتبا إلى يوليوس يشهدون أنهم متمسكون بشدة بهذه العقائد، ولكنهما مضطران تحت ضغط الحاجة إلى الوضوح، إلى التوسع فى العبارات الاصطلاحية لكى لا يستغلها الاريوسيون اعتمادا على الايجاز فى الوثيقة لكى يخدعوا بها غير المتمرسين على الديالوج.
(3/12/6) ثم انفض المجمع، وعاد الاعضاء إلى أوطانهم. وقد انعقد هذا المجمع فى زمن قنصلية روفينوس ويوسيبيوس، وبعد وفاة قنسطنطين بحوالى أحد عشر سنة. وكان هناك حوالى ثلاثمائة اسقف لمدنٍ فى الغرب، وأكثر من ستة وسبعين اسقفا من الشرق، كان من بينهم اسخريون الذى عُيِّن اسقفا لماريوتيس من قِبل أعداء أثناسيوس.
وقد رويتُ ما قد حدث من كلٍ من الفريقين.
الكتاب الثالث: الفصل الثالث عشر
(الغرب يتمسك بالعقائد النيقية، والشرق يغرق فى نزاعات بين بدعة وأخرى)
(3/13/1) وبعد هذا المجمع بطلت المحافظة على الاتصالات بين الكنائس الغربية والكنائس الشرقية، التى توجد عادة بين افراد لهم نفس الايمان، وأحجموا عن الاشتراك فى التناول مع بعضهما البعض. وانفصل مسيحيو الغرب عن الشرق، حتى إلى تيراقيا وايلليريا.
وقد اختلطت هذه الحالة المنقسمة للكنيسة كما هو مفترض بوجهات النظر المنشقة والافتراءات. وعلى الرغم من أنهم قد اختلفوا سابقا فى الموضوعات العقائدية، إلا أن الشيطان لم يحظ بمجال واسع إذ كانوا مازالوا يشتركون فى التناول معا ولم يكونوا راغبين فى اضرام المشاعر.
(3/13/2) والتصقت الكنيسة فى سائر ارجاء الغرب بالكامل بعقائد الآباء وابتعدت عن العقائد المثيرة للشقاق. وعلى الرغم من أن اوكسنتيوس الذى صار اسقفا لميلان، وفالنس واورساكيوس اساقفة بانونيا قد حاولوا أن يقودوا ذلك الجزء من الامبراطورية إلى المذهب الاريوسى، فإن مجهوداتهم قد خضعت لمراقبة دقيقة من قِبل رئاسة كرسى روما والكهنة الآخرين الذين قضوا على بذور الهراطقة.
(3/13/3) وبالنسبة للكنيسة الشرقية على الرغم من أنها قد انشقت منذ مجمع انطاكية، وعلى الرغم من أنها قد اختلفت جهارا مع صيغة الايمان النيقاوى إلا أن الغالبية فى الحقيقة، على ما أظن، كانوا متحدين فى نفس الفكر ويعترفون أن الإبن من جوهر الآب.
(3/13/4) ومع ذلك كان هناك بعضُ مغرمين بإثارة المعارك ضد مصطلح "مساوى فى الجوهر"، لأن هؤلاء المعارضين للكلمة منذ البداية، ظنوا كما استنتج، وكما حدث لمعظم الناس أن ذلك سيُحِط من قدرهم أن يظهروا مهزومين. وقد اقتنع آخرون بحقيقة العقائد الخاصة بالله، بعادة المنازعات المتكررة فى هذه الموضوعات وظلوا بعد ذلك متشبثين بها. ورأى آخرون أن مثل هذه المشاحنات ينبغى ألاَّ تثور، فمالوا إلى ما يُرضى كل من الطرفين بسبب تأثير الصداقة أو مدفوعين بأسباب متعددة غالبا ما تدفع الناس إلى الأخذ بما ينبغى رفضه وإلى أن يسلكوا بلا جسارة فى الظروف التى تتطلب اقتناعا عميقا.
(3/13/5) بينما اعتبر آخرون أنه من السخف قضاء وقتهم فى سفسطة الكلام، فتبنوا تماما مشاعر مجمع نيقية. وقد حافظ بولس اسقف القنسطنطينية واثناسيوس اسقف الأسكندرية وكل جمهرة الرهبان وانطونيوس الكبير الذى كان مازال حيا وتلاميذه وعدد كبير من المصريين ومن المناطق الأخرى فى المقاطعات الرومانية بثبات وجهارا بعقائد مجمع نيقية، وفى سائر الاقاليم الاخرى فى الشرق، خلال عهد قنستانتيوس.
(3/13/6) ولما كنتُ قد أشرتُ إلى الرهبان، فإننى سأذكر بإيجاز أولئك الذين ازدهروا فى عهد قنسطانتيوس.
الكتاب الثالث: الفصل الرابع عشر
(عن الرهبان)
(3/14/1) سأبدأ روايتى بمصر، وبالمقاريَن اللذيَن كانا أشهر الرؤساء المشهورين للاسقيط والجبل المجاور. كان واحدُ من أهل مصر، والآخر دُعِى بوليتيكوس([275]) Politicus لأنه كان مواطنا ومن أصل اسكندرى. وكلاهما وُهبِا على نحو عجيب فلسفة ومعرفة إلهية([276]) لدرجة أن الشياطين كانت ترتعد منهم، وأجريا أعمالا كثيرة فوق عادية، واشفية اعجازية. وتقول القصص أن المصرى أقام ميتا إلى الحياة لكى يُقنِع هرطوقيا بحقيقة القيامة من الاموات. وقد عاش حوالى تسعين سنة، قضى ستين منها فى الصحارى. وعندما بدأ فى شبابه دراسة الفلسفة([277]) تقدم بسرعة لدرجة أن الرهبان لقبوه بالشاب الشيخ، وسيم كاهنا فى سن الاربعين.
(3/14/2) أما مقاريوس الآخر فقد صار كاهنا فى فترة متأخرة فى حياته، وكان متمرسا فى كل فنون النسك. بعضها اختاره لنفسه بنفسه، وبعضها سمع به عن آخرين فتبارى فى تنفيذه بنجاح لدرجة أن جفاف جلده حال دون نمو شعر لحيته.
(3/14/3) وازدهر فى نفس الفترة والمكان أيضا بامبو وهيراكليس وكرونيوس وبافنوتيوس وبوتوباستس وآرسيسيوس وسيرابيون الكبير، وبيتوريون الذى سكن بالقرب من طيبة، وباخوميوس مؤسس [جماعة] الرهبان المعروفين بالطبانسيين. وكانت ثياب وإدارة هذه الفلسفة([278]) تختلف نوعا ما عن تلك التى للرهبان الآخرين. ومع ذلك كان اعضاؤها مُكرَّسين للفضيلة، ويزدرون بأمور الدنيا، ويُثِيرون النفس للتأمل السمائى ويُعدّون أنفسهم لترك الجسد بإبتهاج. كانوا يرتدون الجلود تذكارا لايليا، ويبدو لى أن ذلك لكى تظل فضيلة النبى دائما فى ذاكرتهم ويكونون قادرين مثله على مقاومة اغراءات المسرات الارضية برجولة، وأن يسلكوا بغيرة مماثلة وأن يستحثوا على ممارسة الاعتدال على رجاء المكافأة بالمثل. وقد قيل أن الملابس الخاصة بهؤلاء الرهبان المصريين كانت تشير إلى بعض الاسرار المرتبطة بفلسفتهم([279]) ولذا لا تختلف عن تلك التى للآخرين بدون سبب. فهم يرتدون جلاليب tunics بدون أكمام لكى ما يُعلِّموا أن الأيادى ينبغى ألاَّ تكون مستعدة لعمل الشر. وهم يرتدون غطاءً لرؤوسهم يُدعى "قلنسوة" لكى يُظهِروا أنه ينبغى أن يعيشوا فى براءة وطهارة الأطفال الذين يتغذون باللبن، فيرتدون نفس الشكل. والمِنطقة التى يرتدونها حول وسطهم والشرائط التى حول أكتافهم وأذرعتهم تعلّمهم أن يكونوا مستعدين دائما لعمل وخدمة الله. وإننى أعى بالأسباب التى تُعزَى لملبسهم الخاص، ولكن ما قلته يبدو لى كافيا.
(3/14/4) وقد قيل أن باخوميوس عند بداية ممارسته لهذه الفلسفة عاش فى مغارة. ولكن ملاكا مقدسا قد ظهر له وأمره أن يجمع الرهبان الشباب ويعيش معهم، لأنه قد نجح جيدا فى ممارسة هذه الفلسفة، لكى يدربهم على الشرائع العتيدة أن تُسلَّم له، وهو يمتلك الآن منافع كثيرة تفيد كثيرين كقائد لجماعات، وأُعطِى له عندئذ لوح مازال محفوظا بعناية. وقد نُقِش عليه تعليمات بمقتضاها يسمح لكل واحدٍ أن يأكل ويشرب ويعمل ويصوم تبعا لمقدرته على العمل. فهؤلاء الذين يأكلون جيدا يمارسون اعمالا شاقة، أما النساك فتُسنَد إليهم اعمالا أخف. وأمر أن يَبنِى قلالى كثيرة يقيم فى كلٍ منها ثلاثة رهبان يتناولون معا وجباتهم فى صمت فى قاعة طعام عامة، ويجلسون حول المائدة وهم يُسدِلون ساترا على وجوههم لكى لا يقدرون على رؤية أى شىء آخر سوى ما هو موضوع أمامهم على المائدة. ولم يكن مسموحا للغرباء بالأكل معهم فيما عدا المسافرين الذين يُظهرون لهم كرم الضيافة. وأولئك الذين يرغبون فى العيش معهم كان عليهم أن يخضعوا لمدة تلمذة ثلاث سنوات، وتُسنَد لهم خلال هذه السنوات واجبات للعمل بها. وبهذه الطريقة يمكنهم المشاركة فى جماعتهم. وهم يرتدون جلودا، ويلبسون قلنسوة([280]) من الصوف المزخرف بنقوش من الارجوان، وجلباب من الكتان ومناطق. وكانوا ينامون بجلاليبهم وأرديتهم الجلد. وهم ممددين على كراسى طويلة مصممة على نحو خاص لكى تكون قريبة من طرفيها ليكون لها مادة كل مرقد.
(3/14/5) وفى أول وآخر يوم من الأسبوع يتناولون من السرائر المقدسة. ويحلون عندئذ مناطقهم ويطرحون عنهم أرديتهم الجلد. وعليهم أن يصلّوا اثناعشر صلوة كل يوم. وغالبا اثناء المساء، ويًقدِّمون نفس عدد الصلوات اثناء الليل. وفى الساعة التاسعة([281]) يصلون الثالثة([282]) وعندما يتقدمون لتناول الطعام ينشدون مزمورا قبل كل صلوة. وكانت الجماعة كلها تنقسم إلى أربعة وعشرين فئة، كل منها يسَّمى بأحد الحروف اليونانية. وكل واحد ينتمى إلى هذه الفئة أو تلك حسب سلوكه وعاداته. وهكذا الحرف يوتا يُعطَى للأكثر بساطة، وزيتا أو خاى لغير البسطاء. والحروف الأخرى تُختَار تبعا للغرض المناسب لشكل الحرف.
(3/14/6) هذه كانت سنن باخوميوس التى حَكمت تلاميذه. لقد كان رجلا أحب الناس، وكان محبوبا من الله. لدرجة أنه تكهن بالآتيات، وسُمِح مرارا بالتواصل مع الملائكة القديسين. كان يقيم فى طابينا Tabenna بطيبة، ومن ثمة الاسم طابينيسيين الذى مازال مستمرا. وبتبنيهم لهذه القواعد فى ادارتهم صاروا مشهورين جدا، وتزايدوا بشدة بمرور الوقت لدرجة أن وصل عددهم إلى سبعة آلاف. ولكن الجماعة فى جزيرة([283]) طابينا التى عاش فيها باخوميوس كانت تشمل ألف وثلاثمائة. وأقام الآخرون فى طبايس Thebaïs والمواضع الأخرى من مصر. وجميعهم راعوا قاعدة واحدة، وكان كل شىء مشتركا بينهم. وكانوا يعتبرون الجماعة الموجودة بطابينا أمهم، ومدبروها آباءهم وأمراءهم([284]).
(3/14/7) وفى حوالى نفس الفترة تبنى ابولونيوس الفلسفة الرهبانية. وقيل أنه كرَّس نفسه لهذه الفلسفة فى الصحراء من عمر خمسة عشر سنة، وأنه عندما بلغ الاربعين من العمر توجه بناء لأمر إلهى للسكن فى المناطق المعمورة بالناس. وكانت له بالمثل جماعة فى طيبايس Thebaïs وكان محبوبا جدا من الله فأسبغ عليه قوة اجراء اعمال شفاء اعجازية. كان كاملا فى المحافظة على الواجب، وعلَّم الآخرين فى هذه الفلسفة بطيبة وصلاح عظيمين. وكان مقبولا فى صلاته لدرجة أنه ما من شىء طلبه من الله ولم يحصل عليه، لكنه كان حكيما حتى أنه كان يعرض على الله الطلبات الفطنة التى يكون مستعدا لإجابتها دوما.
(3/14/8) وأعتقد أن آنوف Anuph المكرَّم قد عاش فى حوالى هذه الفترة. لقد علمتُ أنه منذ وقت الاضطهاد عندما قدَّم نذره الأول للمسيحية، لم ينطق قط بالزيف ولا رغب فى شىء من الأرضيات. وكانت كل طلباته وتضرعاته إلى الله مستجابة بالكامل وقد تعلّم كل فضيلة من ملاك مقدس.
ومع ذلك فليكفى ما قد قلناه عن الرهبان المصريين.
(3/14/9) وفى حوالى نفس الفترة، غُرِست ذات الفلسفة فى فلسطين، بعدما تعلم هيلاريون([285]) المكرَّم فى مصر ونال صيتا عظيما. لقد كان مواطنا من ثاباثا([286]) Thabatha وهى قرية تقع بالقرب من مدينة غزة نحو الجنوب ويهددها سيل جارف يصب فى البحر، وقد حصلت على اسمها هذا من شعب ذلك المكان. فعندما كان يدرس النحو فى الاسكندرية، توجه إلى الصحراء لرؤية الراهب انطونيوس الكبير وتعلّم فى صحبته تبنى فلسفة مماثلة. وبعد أن قضى فترة قصيرة هناك عاد إلى بلده إذ لم يكن مسموحا له بالبقاء هناك كما رغب، بسبب الحشود الملتفة حول انطونيوس. وإذ وجد أن والداه قد تُوفيا، وزع نصيبه بين اخوته والفقراء ودون أن يُبقِى أى شىء لنفسه، وخرج إلى الصحراء الواقعة بالقرب من البحر على مسافة حوالى عشرين استاديا من قريته المحلية، وسكن هناك. وكانت قلايته دار ضيقة جدا مشيدة من الطوب والشقف، وكان طولها وعرضها وارتفاعها لا يقدر أن يقيم فيها أحد بدون احناء الرأس، والرقاد فيها بدون مد الأرجل. لقد جاهد فى كل شىء ليتعود على المشقة وقهر الترف. ولم يصِل أحدٌ ممن عرفناهم إلى مثل تلك المكانة العالية لإتضاعه وهدوءه. لقد جاهد ضد الجوع والعطش، ضد البرد والحر، والأتعاب الأخرى للجسد والنفس. كان حارا فى السلوك، شجاعا فى الحديث، متمتعا بذاكرة جيدة ودقيقة للأسفار المقدسة. لقد كان محبوبا جدا من الله حتى أن الكثيرين الآن من المتعبين والمسوسين([287]) يُشفوَن عند قبره.
(3/14/10) ومما هو جدير بالملاحظة أنه قد دفن أولا فى قبرص لكن رفاته توجد الآن فى فلسطين. فقد تصادف أنه قد توفى فى خلال إقامته فى قبرص فدفنه السكان بإحترام وتكريم عظيم. ولكن هيزيكاس Hesychasواحد من أكثر تلاميذه شهرة سرق الجسد ونقله إلى فلسطين ودفنه فى ديره الخاص. ومنذ تلك الفترة والسكان يقيمون احتفالا سنويا عاما ومشهورا. لأن العادة فى فلسطين إقامة هذا التكريم لمن يتمتع بشهرة لطيبته مثل اوريليوس وانسيدونيوس والكسيون مواطن من بيت اجاثون، والافيون من آثاليا Asaleaالذى عاش فى عهد قنستانتيوس بتقوى وشجاعة فى ممارسة الفلسفة. وبواسطة فضائلهم الشخصية ربحوا عددا زائدا من بين المواطنين والقرويين الذين كانوا مازالوا وثنيين إلى الايمان.
(3/14/11) وفى نحو ذات الفترة تبنى يوليانوس ذات الفلسفة بالقرب من اديسا وجرب طريقة قاسية جدا وغير بدنية للحياة لدرجة أنه بدا جلدا وعظم بلا لحم. إن سرد حياته تعود إلى تاريخ افرايم السريانى الذى كتب قصة حياة يوليانوس. إن الله نفسه أكدَّ الاكرام العظيم الذى اسبغه الناس عليه، إذ وهبه قدرة اخراج الشياطين وشفاء كل انواع الامراض بدون تناول ادوية ولكن ببساطة بالصلاة.
(3/14/12) وبالإضافة إلى هؤلاء ازدهر آخرون كثيرون من الفلاسفة الكنسيين فى مقاطعات اديسا وآميدا وحول جبل يُدعَى جوجاليوس Gaugalius. ومن بين هؤلاء دانيال وسيمون. ولكننى لن اتكلم الآن بشىء عن الرهبان السوريين إذ سأصفهم على نحو وافٍ انشاء الله فيما بعد.
(3/14/13) ولقد قيل أن يوستاثيوس الذى حَكم كنيسة سباستا Sebaste فى ارمينيا، قد أسس جماعة من الرهبان فى ارمينيا وبافلاجونيا وبونطس، وصار مدبرا لتلمذة نشطة سواء من جهة الوجبات التى يتم تناولها أو تجنبها، والملابس التى تُرتدَى والعادات والسلوكيات التى يجب تبنيها. ويؤكد البعض أنه كان مؤلِف المقالات المنسوبة بصفة عامة إلى باسيليوس الكبادوكى. وقيل أن لحيته الطويلة أدت إلى تجاوزات تُعتبَر ضدا لقوانين الكنيسة. ومع ذلك فإن اشخاصا كثيرين يبررون له هذه العلل ويُلقون باللوم على بعض تلاميذه الذين أدانوا الزواج ورفضوا الصلاة إلى الله فى بيوت المتزوجين، واحتقروا الكهنة المتزوجين([288]) وصاموا فى أيام الرب([289]) وعقدوا اجتماعاتهم فى منازل خاصة، واعلنوا أن الأغنياء ليس لهم نصيب فى ملكوت الله، وأدانوا مَن يأكلون طعاما حيوانيا. ولم يُبقوا على الجلباب العادى والمناطق كملبسٍ لهم لكنهم اتخذوا رداءً غريبا وغير مرغوب فيه وعملوا بدعا أخرى كثيرة. وانخدعت نساء كثيرات بهم وتركن ازواجهن، ولكن إذ لم يستطعن ممارسة التقشف سقطوا فى الدعارة. وقصَّت نساء أخريات، تحت ستار التدين، شعرهن([290]) وسلكن على نحو لا يليق بالمرأة بظهورهن بملابس رجال.
(3/14/14) فإجتمع معا اساقفة جانجر Gangr واوليج oelig المجاورة ومطران بافلاجونيا Paphlagonia واعلنوا أن كل مَن يتبنى هذه التعاليم يكون غريبا عن الكنيسة الجامعة، ما لم يجحد، طبقا لتعريفات المجمع، كل هذه العادات السابق ذكرها. وقيل أنه منذ ذلك الوقت، استبدل يوستاثيوس ملابسه بالفرو، وجعل سفرياته مثل الكهنة الآخرين مُثبِتا بذلك أنه لم يدخل ولم يمارس مثل هذه الابتداعات بإرادته الخاصة ولكن من أجل النسك والتقوى. لقد أُشتُهر بنقاوة سيرته بقدر ما أُشتُهِر بأحاديثه. لم يكن بليغا ولم يدرس قط فن البلاغة ومع ذلك كان يحظى بحاسة قابلة للإعجاب وقدرة عالية على الاقناع لدرجة أنه حث رجالا ونساءً كثيرين كانوا يعيشون فى زنى أن يسلكوا حياة معتدلة ونشطة. لقد رُوِى أن رجلا وإمرأة كانا قد كرَّسا نفسيهما لحياة البتولية حسب عادة الكنيسة، قد أُتهما بزيجة غير شرعية معا. فجاهد لأن يَكُفا عن المعاشرة، وإذ وجد أن هذا الحث لم يؤثر عليهما تنهد بعمق وقال أن المرأة المتزوجة شرعا عندما سمعت حديثه ذات مرة عن مزايا ضبط النفس قد تأثرت بشدة لدرجة أنها أحجمت طواعية عن المعاشرة الشرعية مع زوجها. لكن ضعف قواه للاقناع كان مرتبط من ناحية أخرى بحقيقة أن الطرفين المذكورين عاليه كانا يُصران على المعاشرة غير الشرعية. هكذا كان الرجال الذين تأصلوا فى ممارسة التلمذة الرهبانية فى المناطق المذكورة عاليه.
(3/14/15) وعلى الرغم من أن التيراقيين والإيلليريين والأمم الأوربية الأخرى كانت مازالت غير مختبرة فى الجماعات الرهبانية إلا أنه لم يكن يعوزها مع ذلك رجالا كرسوا انفسهم [لهذه] الفلسفة. من هؤلاء مارتن سليل عائلة نبيلة فى سابوريا Saboria ببانونيا Pannonia والذى كان الأكثر شهرة. كان أصلا محاربا متميزا وقائد جيوش، لكنه حسب خدمة الله أكثر شرفا، فإعتنق حياة الفلسفة وعاش أولا فى ايلليريا.
(3/14/16) وهنا دافع بشدة عن العقائد الأرثوذكسية ضد هجمات الاساقفة الاريوسيين. وبعد أن تعرض لمكائد ضده وللضرب مرارا من الناس طُرِد من البلد. فذهب إلى ميلان، وسكن بمفرده. ومع ذلك سرعان ما أٌجبِر على مغادرة مكان عزلته بسبب دسائس اوكسنتيوس اسقف تلك المنطقة الذى لم يكن يؤمن ايمانا سليما بالايمان النيقاوى فتوجه إلى جزيرة تدعى جاليناريا Gallenaria حيث بقى هناك لبعض الوقت مشبعا نفسه ببعض جذور النباتات إذ كانت جاليناريا جزيرة صغيرة غير مأهولة، تقع فى بحر تيرانيا Tyrrhenia. وقد عُيّن مارتن بعد ذلك اسقفا على كنيسة تارسينية Tarracinæ([291]). وقد وُهِب بغزارة بهبات اعجازية لدرجة أنه اقام ميتا إلى الحياة وأجرى آيات أخرى كعجائب مثل تلك التى اجراها الرسل.
(3/14/17) وقد سمعنا أن هيلارى الرجل التقى فى حياته وفى حديثه، قد عاش فى حوالى نفس الفترة، وفى نفس البلد. وقد أُجبِر كمثل مارتن على الهرب من مكان مسكنه بسبب غيرته فى الدفاع عن الايمان.
(3/14/18) لقد رويتُ الآن ما أقدر على تأكيده بشأن الرجال الذين مارسوا الفلسفة([292]) بتقوى وبطقوس كنسية. وهناك كثيرون آخرون كانوا بارزين فى الكنائس فى نفس الفترة بسبب بلاغتهم. ومن بين هؤلاء الأكثر تميزا كان يوسيبيوس الذى مارس خدمة الكهنوت فى اميسا، وتيطس اسقف بوسطرا Bostra ، وسيرابيون اسقف تموى، وباسيليوس اسقف انقيرا، ويودوكسيوس اسقف جرمانيكا، وأكاكيوس اسقف قيصرية، وكيرلس الذى حكم كرسى أورشليم، ودليل تعليمهم ظاهر فى الكتب التى كتبوها وخلفوها وراءهم والأشياء الكثيرة الجديرة بالتسجيل.
الكتاب الثالث: الفصل الخامس عشر
(ديديموس الكفيف، واتيوس الهرطوقى)
(3/15/1) ديديموس، كاتب كنسى ورئيس مدرسة التعليم المقدس بالأسكندرية، اينع فى حوالى نفس الفترة. كان مُلِّما بكل فروع العلم وماهرا فى الشعر والبلاغة والفَلك وعِلم الهندسة ونظريات الفلسفة العديدة. وكان مُلِّما بكل هذه المعارف بجهوده الذهنية المدعومة بحاسة سمعه، لأنه صار كفيفا خلال فترة تعلمه الأولى.
(3/15/2) وعندما تَقدَّم فى شبابه أبدى رغبة حارة فى اقتناء الخطابة والتدريب، ولهذا الغرض تردد على اساتذة هذه الفروع مُتعلِّما بالسمع فقط، وأظهر تقدما سريعا لدرجة أنه أدرك بسرعة المسائل الصعبة فى الرياضيات. لقد قيل أنه تعلّم حروف الابجدية بواسطة ألواح منقوشة عليها، وكان يلمسها بأصابعه([293])، وبذا جعل نفسه مُلِّما بمقاطع الكلمات بقوة الانتباه والذاكرة والاصغاء بعناية للأصوات. إن حالته غير العادية جعلت الكثيرين يتقاطرون إلى الاسكندرية لسماعه أو على الاقل لرؤيته. إن ثباته فى الدفاع عن عقائد مجمع نيقية لم تكن بالطبع محل رضا الاريوسيين. لقد اقنع عقول المستمعين بيُسر أكثر من قوة المنطق، وجعل كل واحد هو الذى يَحكم على النقاط المثارة. لقد سعى إليه بشدة اعضاء الكنيسة الجامعة ومدحه رهبان مصر وانطونيوس الكبير.
(3/15/3) لقد رُوِى أنه عندما ترك انطونيوس الصحراء وتوجه إلى الأسكندرية ليشهد لصالح عقائد أثناسيوس، أن قال لديديموس ليس أمرا عسيرا ولا يستحق أن تحزن لأجله يا ديديموس أنك حُرِمت من قوة البصر التى تمتلكها الفئران والجرذان والحيوانات الدنيا، لكنها بركة عظيمة أن تمتلك عيونا مثل الملائكة بها يمكنك أن تتأمل الكائن الإلهى عن قرب وترى المعرفة الحقيقية.
(3/15/4) وكان هيلارى ويوسيبيوس اللذان ذكرتهما عاليه فى ايطاليا ومقاطعاتها، واللذان كتبا بلسان مواطنيهم([294]) مقالات بشأن الايمان ضد البدع، قد قالا أن لوسيفر، كما تقول القصة، كان مؤسس الهرطقة التى تحمل اسمه والتى ظهرت فى هذه الفترة. وبالمثل حاز اتيوس Aëtius مكانة عالية بين المبتدعين وكان مجادلا وماهرا فى النزاع، وطالبا مٌجِّدا فى مثل هذه الاشكال ولكن بدون فن. لقد جادل بجسارة بشأن طبيعة الله حتى أن الكثيرين قد اعطوه اسم ملحد Atheist. وقد قيل أنه كان أصلا طبيبا من انطاكية بسوريا، وأنه كان يتردد كثيرا على الكنائس، ودرس الكتب المقدسة، وصار مُلِّما بجالوس Gallusالذى كان آنذاك قيصرا، والذى كرَّم الديانة كثيرا واعتنى بأساتذتها ومن المحتمل أنه عندما نال اتيوس إعجاب قيصر بواسطة هذه المجادلات أن خصص نفسه بالأكثر لهذه المنازعات لكى ينال رضا الإمبراطور أكثر. وقيل أنه تبنى فلسفة ارسطو وتردد على مدارسها بالاسكندرية.
(3/15/5) وبالاضافة إلى الاشخاص المذكورين عاليه كان هناك كثيرون آخرون قادرين على تعليم الناس واقناعهم بشأن عقائد الكتاب المقدس. وإنها لمهمة عظيمة أن نذكر اسماءهم جميعا.
(3/15/6) ولا يبدو غريبا إن قدمتُ توصيات بشأن قادة البدع السابق ذكرهم، أو المتحمسين لها، فاننى معجب ببلاغتهم ومثابرتهم فى الخطابة. وإننى أدعْ الحُكم على عقائدهم لمَن لهم الحق. لأننى لستُ بالشخص المناسب للولوج فى مثل هذه الأمور، ولا هى ملائمة فى التاريخ، فأنا فقط أسرد الأحداث كما حدثتْ دون اضافات من عندى.
(3/15/7) لقد أحصيتُ فى الرواية عاليه الكثيرين ممن صاروا متميزين فى ذلك الوقت، فى العِلم وفى الخطابة، والذين استخدموا اللغات الرومانية واليونانية، حسبما تلقيتُ روايات عنهم.
الكتاب الثالث: الفصل السادس عشر
(القديس افرايم)
(3/16/1) ونال افرايم السريانى اقصى تكريم، وكان أعظم حِلية فى الكنيسة الجامعة. كان مواطنا من نصيبين Nisibis، أو كانت عائلته من المناطق المجاورة. لقد كرَّس حياته للفلسفة الرهبانية وعلى الرغم من أنه لم ينل أى تعليم فقد صار على عكس التوقعات متميزا فى عِلم ولغة السريان لدرجة أنه أدرك بسهولة نظريات الفلسفة العسرة.
(3/16/2) إن نمط كتاباته كان مُفعَما بفن الخطابة الرائعة، وغِنى واعتدال الفكر لدرجة أنه فاق أكثر كُتَّاب اليونان المشهورين. فلو تُرجِمت كتابات هؤلاء الكُتّاب إلى اللغة السريانية أو أية لغة أخرى وحادت كما لو كانت عن لغة اليونان، فإنها ستُبِقى على القليل مِن قيمتها أو بلاغتها الأصلية. ولكن إنتاج افرايم ليس به هذه السيئة، فقد تُرجِم إلى اليونانية فى حياته، وما زالت الترجمات حتى الآن تتم، ومع ذلك تحتفظ بالكثير من قوتها الأصلية، لدرجة أن أعماله تحظى بإعجاب مَن يقرأها من اليونانية ليس بأقل ممن يقرأها بالسريانية.
(3/16/3) وكان باسيليوس([295]) الذى صار اسقفا على متروبولية كبادوكيا فيما بعد، مُعجبَا بشدة بافرايم، ومندهشا من سعة اطلاعه. إن وجهة نظر باسيليوس المُعترَف به على نطاق عام بأنه أكثر رجال عصره بلاغة، لهى شهادة قوية على ما أظن لاستحقاق افرايم، أكثر من أى شىء آخر لمدحه. لقد قيل أنه كَتَب ثلاثة آلاف بيت، وأنه كان له تلاميذ كثيرون يلتصقون بشدة بتعاليمه. وكان اشهرهم آباس، زينوبيوس، ابراهام، ماراس، سيمون، والذين كان السريان وأيا كان بينهم يسعى بشغف للتعلم منهم بفخر عظيم. وقد مُدِح بولانس واراناد على خطابتهما على الرغم من أنه قيل أنهما قد حادا عن العقيدة الصحيحة.
(3/16/4) ولستُ جاهلا أن هناك بعض الرجال المتعلمين قد برزوا فى أوسرينيا([296])Osroëne ، منهم على سبيل المثال بارداسانس Bardasanes الذى أوجد بدعة نُعتِت بإسمه، وهارمونيوس Harmonius ابنه. لقد قيل أن الأخير كان شاعرا عظيما فى البلاغة اليونانية وكان أول من يُخضِع لغة أهله للقوانين الموسيقية والقياسية([297])، وقد سلَّم هذه الأبيات لخورس، وإلى الآن يغنى السريان مرارا ليس النُسخ المختصرة لهارمونيوس ولكن نفس الألحان. وإذ لم يكن هارمونيوس حرا من أخطاء أبيه، اعتنق آراء متعددة بشأن النفس وتوالد وهلاك الجسد والتناسخ الذى نادى به الفلاسفة اليونانيون. وقد أدخل بعض هذه الأفكار فى أناشيده الغنائية التى ألفها.
(3/16/5) وعندما أدرك افرايم أن السريان مفتونين ببلاغة التأليف ورِتم الألحان، خشى أن يمتصوا ذات الآراء، لذلك، وعلى الرغم من جهله بالعِلم اليونانى، كرَس نفسه لفهم قياس التناغم وألَّف قصائد طبقا لعقائد الكنيسة، ووضع تسابيح مقدَّسة فى مدح الانسان الذى بلا أهواء([298]). ومنذ ذلك الوقت والسريان ينشدون قصائد افرايم طبقا لوزن هارمونيوس.
إن انجاز هذا العمل وحده لكافٍ للبرهنة على الموهبة الطبيعية لأفرايم.
(3/16/6) إنه اُشتُهِر بأعماله الجيدة التى انجزها، كمثل التهذب الراسخ الذى اتبعه. لقد كان مُغرَما بصفة خاصة بالهدوء. وكان جادا للغاية ومهتما بعدم اعطاء أية فرصة للافتراء لدرجة أنه امتنع حتى عن رؤية النساء. لقد قيل أن إمرأة ذات حياة مستهترة وكانت إما عن رغبة فى تجربته، أو لأنها قد أُرتُشِيَت لهذا الغرض، تجاهد فى مناسبة ما لمشاهدته وجها لوجه، وتُثبِّت عينيها عن قصد عليه. فانتهرها وأمرها أن تنظر إلى الأرض. فأجابت المرأة ليس لى أن اطيع أمرك، فأنا لم أولد من الأرض ولكن أنتَ. فمن العدل أن تنظر أنتَ إلى الأرض التى نبعت منها، بينما أنظر أنا إليك إذ قد وُلِدتُ منك. فإندهش افرايم من المرأة الصغيرة وسجل الموقف كله فى كتاب اعتبره معظم السريان واحدا من أعظم منتجاته.
(3/16/7) وقد قيل أيضا عنه أنه على الرغم من أنه كان عُرضة للوجع([299]) طبيعيا، لكنه لم يتعرض قط لمشاعر الغضب نحو أىَّ أحدٍ منذ فترة اعتناقه للحياة الرهبانية. فقد حدث أنه بعد صومه لأيام عديدة حسب العادة أن سقط من خادمه، اثناء تقديم بعض الطعام له، الطبق الذى كان يضعه فيه. وإذ أدرك افرايم أنه غُلِب بالخجل والرعب قال له: تشجع فإننا سنذهب نحن إلى الطعام بما أن الطعام لم يأتِ لنا، وفى الحال جلس بجوار قطع الطبق وتناول عشاءه.
(3/16/8) وماذا يمكننى أن اروي ما يُظهِر عصمته بالكامل من المجد الباطل. لقد عُيِّن اسقفا على مدينة ما، وجرت محاولات لإبعاده عن الغرض الذى سيم من أجله. وبمجرد أن وعى بالمقصود، ركض إلى السوق وأظهر نفسه كمجنون بالسير على نحو غير سليم، وهو يجر ملابسه ويأكل جهارا. أما أولئك الذين أتوا ليجعلوه اسقفا لهم فعندما رأوه فى هذه الحالة اعتقدوا أنه فقد عقله ورحلوا، فإنتهز هو هذه الفرصة وهرب، وظل مختبئا حتى تم سيامة آخر فى مكانه.
(3/16/9) إن ما قلتُ الآن بشأن افرايم، لا بد وأنه كافٍ، على الرغم من أن رفقاء وطنه يروون الروايات الأخرى الكثيرة عنه. غير أن سلوكه فى مناسبة ما قبل نياحته بوقت قصير تَظهَر لى أنها جديرة بالتذكر حتى أننى سأسجلها هنا.
(3/16/10) إذ تعرضت مدينة اديسا لمجاعة شديدة، ترك موضع اعتزاله الذى يمارس فيه الفلسفة، ووبخ الأغنياء لسماحهم بموت الفقراء حولهم، بدلا من تزويدهم من فوائضهم. وعرَض عليهم فلسفته وهى أن الثروة التى كدسوها بعناية سوف تؤول إلى دينونتهم وهلاك نفوسهم والتى هى أكثر قيمة من كل غِنى، وإلى هلاك الجسد نفسه، وكل القيم الأخرى، وأثبت لهم أنهم لا يُقدِّرون بتاتا نفوسهم بسبب اعمالهم. فأجاب الأثرياء، من توقيرهم للرجل ولكلامه، نحن لا نعتزم اكتناز ثرواتنا ولكننا لا نعرف أحدا يمكننا أن نثق فيه ليوزع منقولاتنا لأن الجميع معرضون للسعى وراء الكسب ولخيانة الثقة الموضوعة فيهم. فسألهم افرايم، ماذ تظنون فىَّ؟. فسلّموا أنه كفؤ وممتاز ورجل صالح، ومحل تقدير وهذا ما تؤكده بالضبط شهرته. فعرَض عليهم القيام بتوزيع صدقاتهم. وبمجرد أن تلقَّى نقودهم، أوجد نحو ثلاثمائة مرقدا فى رواقات عامة، وقام بنفسه بتمريض المرضى ومَن يُعانون من ألم المجاعة سواء أكانوا من أهالى المناطق المجاورة أم أجانب. وعندما انقضت المجاعة عاد إلى قلايته التى كان يقطنها سابقا. وبعد مرور بضعة أيام توفى.
(3/16/11) إنه لم ينل درجة اكليريكية سوى شماس، على الرغم من أنه لم يكن أقل شهرة ممن سيموا لدرجات كهنوتية، وكان محل اعجاب بحياته الصالحة وعِلمه.
(3/16/12) والآن، لقد قدمتُ وصفا ضافيا لشخصيته وللرجال المنيرين الآخرين الذين ازدهروا فى حوالى نفس الفترة وكرسوا انفسهم لحياة ومهنة الفلسفة. وبالنسبة لبعض الأمور سيتطلب الأمر كاتبا ما مثلما كان هو. وهى محاولة تفوق قدرتى بسبب ضعف اللغة وجهل الناس انفسهم واستغلالهم.
لقد أخفى البعض انفسهم فى الصحارى، وجاهد البعض الذى عاش بالقرب من المدن، للحفاظ على مظهر الدعة، ولكى ما يظهروا على نحو ما غير مختلفين عن الجمهور، كانوا يمارسون فضائلهم وهم يُخفون حقيقة انفسهم لكى ما يتجنبوا مديح الناس. لأنهم إذ كانوا عازمين على ربح المنافع الآتية، فإنهم جعلوا الله وحده شاهدا على افكارهم غير مكترثين بالمجد الخارجى.
الكتاب الثالث: الفصل السابع عشر
(انتشار المسيحية فى هذه الفترة)
(3/17/1) وأولئك الذين ترأسوا الكنائس فى هذه الفترة، قد تميزوا بسلوكهم الشخصى. وكما هو متوقع، كان الشعب الذين ترأسوا عليهم متمسكين بعبادة المسيح. وتقدمت الديانة يوميا بالغيرة والفضيلة والاعمال العجيبة من الكهنة، ومن الفلاسفة الكنسيين الذين لفتوا أنظار الوثنيين، وقادوهم إلى جحد خرافاتهم.
(3/17/2) وكان الأباطرة الذين اعتلوا العرش آنذاك غيورين مثل آبائهم على حماية الكنائس، فأسبغوا على الكهنة الإكرام والإعفاء من الضرائب هم وأولادهم([300]) وعبيدهم. وعززوا القوانين التى سنها آباهم. وأصدروا قوانين جديدة. تحظر تقديم ضحايا، أو عبادة الصُوَر([301]) أو أية فروض وثنية أخرى فأمروا بغلق المعابد[الوثنية] فى المدن أو الريف. وسُلِّمت بعض هذه المعابد للكنائس، حيثما كانت الأرض أو المواد اللازمة للبناء مطلوبة. وأُسبِغت اقصى عناية على بيوت الصلاة، ورُمّمت تلك التى تداعت بفعل الزمن، وشُيِّدت أخرى من قواعدها بنمط غير عادى للفخامة. إن كنيسة اميسا هى احدى الكنائس الشهيرة بجمالها والجديرة بالمشاهدة. ومُنِع اليهود من شراء أي عبيد ينتمون إلى أى هرطقة أخرى خلاف هرطقتهم([302]) وإذا خالفوا ذلك يصادر عبيدهم للعامة، وإذا طبقوا عليهم طقس الختان اليهودى فإن الموت ومصادرة ممتلكاتهم تكون العقوبة.
(3/17/3) إذ لما كان الأباطرة تواقين لنشر المسيحية بكافة السبل فقد حسبوه ضروريا منع اليهود من تهويد أولئك الذين كان اسلافهم من ديانة أخرى، وحافظوا على اٍولئك الذين كان يُرجَى ايمانهم بالمسيحية بعناية للكنائس، لأن المسيحية ازدادت من الجمهرة الوثنية.
الكتاب الثالث: الفصل الثامن عشر
(بشأن عقيدة كل من إبنىّ قنسطنطين. الفرق بين هومووسيوس وهوموأوسيوس. متى هجر قنستانتيوس الإيمان القويم)
(3/18/1) وحافظ الإمبرطوران منذ البداية على وجهة نظر أبيهما بشأن العقيدة، فقد شايع كل منهما شكل الايمان النيقاوى. فقنسطانس حافظ على هذا الرأى إلى وفاته. أما قنستانتيوس فقد تمسك بوجهة نظر مماثلة لبعض الوقت، ثم هجر مع ذلك مفاهيمه السابقة عندما ثار النزاع حول مصطلح مساوى فى الجوهر([303]).
(3/18/2) ومع ذلك لم يحِد بالكلية عن الاعتراف بأن الابن هو مثل الآب فى الجوهر. إن اتباع يوسيبيوس واساقفة الشرق الآخرون الذين كانوا محل اعجاب لخطابتهم وسيرتهم، قد ميزوا كما نعرف بين مصطلح "مساوى" فى الجوهر (هومووسيوس homoousios) وبين تعبير "مثل جوهر"([304]) الذى نعتوه فيما بعد بمصطلح homoiousios([305]). إنهم يقولون أن مصطلح "هومووسيوس" مساو فى الجوهر يخص الكائنات الفانية مثل البشر والحيوانات والاشجار والنباتات التى يشترك أصلها فى اشياء متماثلة. ولكن المصطلح homoiousios يخص حصريا الكائنات غير الجسدانية مثل الله والملائكة، والذين كل منهما يتشكل المفهوم طبقا لجوهره الخاص المميز.([306])
(3/18/3) وقد انخدع الامبراطور قنستانتيوس بهذا التمييز([307])، وعلى الرغم من اننى لستُ متأكدا من أنه تمسك بذات عقائد أبيه وأخيه، إلا أنه تبنى التغيُر فى التعبير واستخدم مصطلح "هوموأوسيوس" homoiousiosبدلا من هوموسيوس homoousios.
إن المعلِّمين الذين أشرنا اليهم قد ألمحوا إلى ضرورة هذا الاستخدام الموجز فى المصطلحات وإلاَّ سنكون بدلا من ذلك فى خطر ادراك أن الجسد غير فانى. غير أن الكثيرين مع ذلك اعتبروا هذه التفرقة سخفا لأن الأمور المُدرَكة بالعقل، كما يقولون، يمكن فقط أن تُنعَت بأسماء مشتقة من أمور تُرَى. ومن ثمة ليس هناك خطر ما على الاطلاق فى استخدتم الكلمات شريطة ألاَّ يكون هناك خطأ فى الفكر.
الكتاب الثالث: الفصل التاسع عشر
(منازعات أكثر بشأن المصطلح. مجمع ارمينيم)
(3/19/1) وليس مستغربا أن يُغوَى قنستانتيوس بتبنى مصطلح "هومو أوسيوس" إذ كان يُسلِّم به كثيرون من الكهنة المعارضين لعقائد مجمع نيقية. وقد استخدم كثيرون المصطلحين على السواء لينقلوا نفس المعنى.
(3/19/2) ومن ثمة يبدو لى أن الاريوسيين قد حادوا بشدة عن الحق عندما أكدوا أن كثيرين من الكهنة من بينهم يوسيبيوس وثيوجينيس قد رفضوا، بعد مجمع نيقية، التسليم بأن الابن مساوِ للآب فى الجوهر وأن قنسطنطين لم يكن عادلا بالتالى فى معاقبتهم. ويقولون أنه قد أُعلِن لأخته فيما بعد فى حُلم أو رؤيا من الله أن هذيَن الاسقفيَن كانا يتمسكان بعقائد ارثوذكسية وأنهما قاسا ظلما، وأن الإمبراطور قد دعاهما لذلك وأمرهما بالتسليم بعقائد نيقية، ولا سيما أنهما كانا مشاركين فى الوثيقة الخاصة بالايمان التى سُنَّت هناك، ومن ثمة أسرعا فى الرد بأنهما لا يوافقان على هذه العقائد، ولكنهما خشيا، إذا ما طال النزاع أن يرجع الإمبراطور الذى كان على وشك اعتناق المسيحية، ولم يكن قد نال المعمودية بعد، إلى الوثنية كما يبدو محتملا ويضطهد الكنيسة([308]).
(3/19/3) ويؤكدون أن قنسطنطين كان مسرورا بهذا الدفاع وعزم على عقد مجمع آخر غير أن الموت حال بينه وبين تنفيذ عزمه، ومن ثمة آلت المهمة إلى ابنه الأكبر قنستانتيوس الذى حدد([309]) له أنه لن يملك القوة الإمبراطورية ما لم يرسخ بثبات العبادة فى سائر ارجاء امبراطوريته. ويقولون أن قنستانتيوس بناء على وصية ابيه عقد مجمعا فى ارمينيم Ariminum.
(3/19/4) ومن السهل أن نرى أن هذه القصة هى فبركة كبيرة، لأن المجمع عُقِد خلال قنصلية هيباتيوس ويوسيبيوس، وبعد أن اعتلى قنستانتيوس عرش الإمبراطورية بعد وفاة والده باثنتين وعشرين سنة. وخلال مدة الاثنين والعشرين سنة هذه عُقِدت مجامع كثيرة نوقش فيها إستخدام المصطلحين، هوموسيوس وهوموأوسيوس. ولم يجرؤ أحدٌ على إنكار أن الإبن مثل الآب فى الجوهر، إلى أن بدأ اتيوس Aëtius الرأى المضاد، وصُدِم الإمبراطور لدرجة أنه لكى يوقف مجرى الهرطقة أمر الكهنة بالاجتماع معا فى ارمينيم وسيلوقية.
(3/19/5) وهكذا كان السبب الحقيقى لعقد هذا المجمع ليس أمر قنسطنطين، ولكن المسألة التى أثارها اتيوس. وهذه ستظهر بأكثر وضوح فيما سنرويه بعد ذلك.
الكتاب الثالث: الفصل العشرون
(إعادة تثبيت أثناسيوس ثانية على كرسيه بخطاب من قنستانتيوس)
(3/20/1) وعندما أُبلِغ قنسطانس بما تم سنّه فى مجمع سارديكا، كَتب إلى أخيه يطلب منه إرجاع اتباع أثناسيوس وبولس إلى كنائسهما الخاصة بهما. وإذ بدا قنستانتيوس مترددا، كَتب إليه ثانية مُهددا بالحرب ما لم يوافق على استقبال الاساقفة.
(3/20/2) فوجد قنستانتيوس بعد التفكير فى الأمر مع اساقفة الشرق، أنه من الحماقة التعرض لرعب حرب أهلية فى هذا الصدد. لذلك استدعى أثناسيوس من ايطاليا وأرسل مركبات عامة لنقله عند عودته إلى الوطن، وكَتب رسائل عديدة يطلب عودته السريعة.
(3/20/3) وعندما استلم أثناسيوس الذى كان يقيم عندئذ فى اكويليا([310]) Aquilea رسائل قنستانتيوس، توجه إلى روما يستأذن يوليوس واصدقائه. فشيعه بحفاوة عظيمة واعطاه رسالة موجهة إلى اكليروس وشعب الاسكندرية، تحدث فيها عنه كرجل عجيب يستحق الشهرة للمعاناة العديدة التى تحملها، وهنأ كنيسة الاسكندرية بعودة هذا الكاهن الصالح جدا، وحثهم على اتباع عقائده.
(3/20/4) ثم توجه عندئذ إلى أنطاكية بسوريا حيث كان الإمبراطور يقيم عندئذ. وكان ليونتيوس يرأس كنائس ذلك الاقليم، لأنه بعد هروب يوستاثيوس استولى اولئك الذين يتمسكون بالمفاهيم الهرطوقية على كنيسة انطاكية. وكان أول اسقف يعينوه هو يوفرونيوس، وقد خلفه بلاستيوس وفيما بعد استيفان. وقد خُلِع هذا الأخير كغير مستحق للرتبة، وحصل ليونتيوس على الايبارشية. وقد تجنبه أثناسيوس كهرطوقى، واشترك مع أولئك المدعوين يوستاثيين([311]) والذين كانوا يجتمعون فى بيت خاص.
(3/20/5) ووجد أن قنستانتيوس كان ميالا إلى الموافقة، وبدا أنه يرغب فى رد الكنائس الخاصة به إليه. [وعندما] قال قنستانتيوس بتحريض من قادة الهرطقة المضادة ما يلى: إننى مستعد لانجاز كل ما وعدتك به عند استدعائى لك، ولكن من العدل أن أطلب منك معروفا فى المقابل، وهو أن تُسلِّم إحدى الكنائس العديدة التى تحت تدبيرك لأولئك الذين يُحجِمون عن التناول معك. أجاب أثناسيوس: أيها الإمبراطور إنه من العدل جدا وأمرٌ لازم أن تُطاع أوامرك، ولن انقضها. ولكن بما أنه فى مدينة انطاكية هناك كثيرون يرفضون التناول مع غير الارثوذكس، فإننى ألتمس منك بالمثل معروفا وهو أن تُوهَب لنا إحدى الكنائس لنجتمع فيها بآمان.
(3/20/6) وإذ بدا للامبراطور أن طلب أثناسيوس معقول، وجد المبتدعون أنه من الكياسة بالأكثر الصمت، لأنهم فكروا أن آرائهم الخاصة لن تجد اطلاقا أرضا لها فى الأسكندرية بسبب أثناسيوس الذى كان قادرا على الحفاظ على مَن يتمسك بالتعاليم التى يتمسك هو بها، وأيضا على جذب أصحاب التعاليم المضادة. وأكثر من ذلك أنهم إن سلَّموا إحدى كنائس انطاكية فإن اليوستاثيين الذين كانوا عديدين جدا سيجتمعون معا، ومن المحتمل إذن أن يُثيروا المتاعب إذ أنهم سيكونون قادرين على المحافظة على مَن يتمسك بتعاليمهم بدون مخاطر. وبالاضافة إلى ذلك ادرك المبتدعون أنه على الرغم من أن ادارة الكنائس كانت فى يدهم، فإن كل الشعب والاكليروس لم يتبنوا تعاليمهم. فعندما رنموا تسبيحا للرب، انقسموا كالعادة إلى خورسين، وفى نهاية المدائح اعلن كل منهما مفاهيمه الخاصة به. فالبعض رفع التسابيح للآب والابن معتبرين أنهما متساويان فى المجد. وآخرون مجدوا الآب بالابن ليشيروا بواسطة إدراج حرف الجر إلى اعتبار الابن أدنى من الاب.
(3/20/7) وبينما كانت هذه الاحداث تجرى لم يجرؤ لينوتيوس اسقف الفريق المعارض الذى كان يرأس عندئذ كرسى انطاكية أن يمنع انشاد التسابيح لله، التى كانت تتفق مع تقليد مجمع نيقية لأنه خاف من ثورة الشعب.
(3/20/8) ويُروَى أنه قد رفع يده مع ذلك إلى رأسه التى كان شعرها ابيضا تماما وقال عندما يذوب هذا الثلج سيكون هناك وفرة من الطين. وقد قصد من هذه الاشارة إلى أنه عقب وفاته ستؤدِى أنماط مختلفة من انشاد التسابيح إلى شقاق عظيم، وأن خلفائِه سوف لا يُظهرون نفس الاعتبار للشعب مثل الذى أظهره هو.
الكتاب الثالث: الفصل الواحد والعشرون
(خطاب قنستانتيوس إلى شعب الأسكندرية. مجمع أورشليم )
(2/21/1) وعندما اعاد الإمبراطور أثناسيوس إلى مصر، كتب لصالحه إلى الاساقفة وكهنة القطر، وإلى شعب كنيسة الأسكندرية وشهد بكرامة مسلكه وتقوى سلوكه وحثهم على أن يكونوا بفكر واحد، وأن يتحدوا فى الصلاة وخدمة الله تحت ارشاده. وأضاف أنه إذا حاول أى اناس اشرار اثارة القلاقل فإنهم سيلقون العقاب القانونى المناسب لمثل هذه الجرائم. وقد أمر أيضا بمحو كافة المراسيم التى اصدرها سابقا ضد أثناسيوس والذين يشتركون معه من السجلات العامة، وأن يُسمَح للاكليروس الخاص به بنفس الاعفاءات التى كانوا يتمتعون بها سابقا، وأن تُبعَث المراسيم الخاصة بتنفيذ ذلك إلى حكام مصر وليبيا.
(3/21/2) وعند وصوله إلى مصر عزل أثناسيوس فى الحال كل مَن عَرِف أنه مشايعٌ للأريوسية، وأسند إدارة الكنيسة والاعتراف بمجمع نيقية ليد مَن وثق فيهم، وحثهم على التمسك به بشدة. وقيل أنه كان يباشر فى ذلك الوقت ذات التغيير فى كل البلاد التى كان يسافر إليها، إذا تصادف أن زار كنائس تحت يد اريوسيين.
(3/21/3) وبكل تأكيد، أُتُهِم أنه مارس طقوس السيامة فى مدن ليس له الحق فى عمل ذلك فيها. ولكن لأنه قد عاد رغما عن عدم رضاء أعدائه، وبدا أنه ليس من السهل أن يكون محلا لأى شك إذ قد كُرِّم بصداقة الإمبراطور قنسطانس، فإنه قد نُظِر إليه بتقدير أعظم مما كان سابقا. وقد قبله فى شركة التناول اساقفة كثيرون ممن كانوا فى عداوة معه سابقا، وخاصة أولئك الذين كانوا فى فلسطين. فعندما زارها فى ذلك الوقت، استقبلوه بترحاب، وعقدوا مجمعا فى اورشليم، وكَتَب مكسيموس وآخرون الرسالة التالية لصالحه.
الكتاب الثالث: الفصل الثانى والعشرون
(رسالة مجمع اورشليم لصالح أثناسيوس)
"من المجمع المقدس الملتئم فى اورشليم إلى الكهنة والشمامسة وكل شعب مصر وليبيا والاسكندرية، اخوتنا الاحباء والمكرمين جدا تحية من الرب. إننا لا نستطيع أبدا يا احبائنا أن نَفِى الله الشكر، خالق كل الأشياء على اعماله العجيبة التى انجزها الآن وخاصة البركات التى اسبغها على كنائسكم بعودة أثناسيوس راعيكم وسيدكم، وشريكنا فى الخدمة. مَن كان يقدر أن يأمل قط فى أن يرى ذلك بعينيه، الأمر الذى صار الآن فعلا. ولكن بالتأكيد قد سُمِعت صلواتكم من الله إله الجميع المعتنى بكنيسته، والذى اهتم بدموعكم وشكواكم واصغى فى هذا الصدد لمطالبكم لأنكم كنتم مشتتين ومُبعثَرين كقطيع بلا راعٍ. لذلك، قد أُعِيد لكم الراعى الحقيقى الذى عُيِّن من السماء، والمعتنى بقطيعه([312]) ليرعاكم كما ترغبون. هوذا نحن نعمل كل شىء من أجل سلام الكنيسة ومملوئين بالمحبة مثلكم. لذلك استقبلنا وعانقنا راعيكم وتناولنا معكم بواسطته، ونحن نبعث بخطابنا هذا وصلواتنا الافخارستية إليكم لكى ما تعرفوا كم نحن مُوثَقين برباط الحب له ولكم. إنه من الصواب أن تُصَلّوا من أجل تقوى الاباطرة المحبين لله الذين اعترفوا برغبتكم نحوه، وبطهارته، وعزموا على إعادته لكم بكل اكرام. اقبلوه اذن بأيادى مرفوعة، وكونوا غيورين على رفع صلوات افخارستية نيابة عنه إلى الله الذى اسبغ عليكم بهذه المنافع وأن تبتهجوا دوما بالله، وتمجدوا الرب بالمسيح يسوع ربنا الذى به المجد للآب إلى سائر الدهور آمين.
الكتاب الثالث: الفصل الثالث والعشرون
(إعتراف فالنس واورساكيوس بالإفتراء على أثناسيوس)
(3/23/1) هكذا كانت الرسالة التى كتبها المجمع المنعقد فى فلسطين. وفى وقت ما بعد ما نال أثناسيوس ترضية عن الظلم الذى شاهده من الحُكم الذى صدر ضده من مجمع صُور المُعترَف به من العامة، كتب فالنس واورساكيوس اللذان قد ارسلهما ثيوجينس واتباعه للحصول على معلومات فى ماريوتيس كما ذكرنا من قبل بشأن الكأس المقدس الذى اتهم اسخاريون أثناسيوس بكسرها، الاستدراك التالى إلى يوليوس اسقف روما:
"اورساكيوس وفالنس. إلى السيد يوليوس بابا روما المطوب. لمَّا كنا قد إتهمنا سابقا، كما هو معلوم جيدا، أثناسيوس الاسقف بتُهم كثيرة متعددة، بواسطة رسائلنا، وعلى الرغم من أن سعادتك قد حثثتنا برسائلك بشدة بالنسبة لهذا الموضوع الذى زعمناه جهرا، إلا أننا لم نكن قادرين على تقدير اسباب اتهامنا، ولذلك فإننا نعترف لسعادتكم فى حضور سائر الكهنة اخوتنا أن كل ما قد سمعته بشأن أثناسيوس السابق الذكر هو باطل تماما ومختلق، وهو غريب من سائر النواحى عن طبيعته، ولذلك فنحن نشترك فى التناول معه بكل ابتهاج مثل تقواكم بصفة خاصة طبقا لحب الصلاح الذى غفرت لنا به خطأنا. وأكثر من ذلك نعلن لك أنه إذا أراد اساقفة الشرق أو حتى أثناسيوس نفسه استدعاءنا للمحاكمة، فلن نتمتنع عن المحاكمة أو الخلع حسبما تقتضيه الحالة كما ترون. اننا الآن ودائما نحرم كما فعلنا سابقا فى المذكرة التى قدمناها فى ميلان، اريوس الهرطوقى واتباعه، الذى يقول أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الإبن، وأن المسيح وُجِد من العدم. وكل مَن ينكر أن المسيح هو الله وابن الله قبل كل الدهور. ونحن نحتج ثانية بخط يدنا أننا ندين دوما وابدا هرطقة اريوس السابق الذكر ومبتدعوها. انا اورساكيوس اوقع على هذا الاعتراف بتوقيعى الخاص، وبالمثل فالنس.
(3/23/2) هذا هو الاعتراف الذى ارسلاه إلى يوليوس. ومن الضرورى أيضا أن يُلحَق به رسالتهما إلى أثناسيوس وهى كما يلى:
"الاسقفان اورساكيوس وفالنس إلى أثناسيوس اخينا فى الرب. اننا ننتهز فرصة رحيل أخينا موسيوس والكاهن الشريك إلى سعادتكم ايها الأخ الحبيب ونرسل لكم معه تحياتنا من اكويليا ونرجو ان تصلك رسالتنا وانت فى صحة جيدة. اننا سنكون ممتنين للغاية إن كتبت لنا ردا على هذه الرسالة، عالما أننا فى سلام وشركة كنسية معك.
الكتاب الثالث: الفصل الرابع وعشرون
(عودة الاساقفة الشرقيين لكراسيهم)
(3/24/1) وهكذا عاد أثناسيوس فى ظل هذه الظروف من الغرب إلى مصر وعاد معه بولس ومارسيللوس واسكيليباس ولوكيوس الذين شملهم مرسوم الإمبراطور بإعادة المنفيين واستلموا كراسيهم.
(3/24/2) وعند عودة بولس إلى القنسطنطينية اعتزل فى الحال مقدونيوس فى كنيسة خاصة. وفى انقيرا كانت هناك جلبة كبيرة عند خلع باسيليوس([313]) من الكنيسة هناك، واعادة تنصيب مارسيللوس. أما الاساقفة الاخرون فقد أعيد تنصيبهم فى كنائسهم بدون صعوبة.
الكتاب الرابـع
الكتاب الرابع: الفصل الأول
(وفاة قنسطانس قيصر. الأحداث التى حدثت فى روما)
(4/1/1) وعقب مجمع سارديكا بأربع سنوات، قُتِل قنسطانس فى الغال الغربية، واستولى ماجننتيوس Magnentiusالذى دبَّر هذه المكيدة على حكومة قنسطانس. وفى نفس الوقت أُعلِن فيترانيو Vetranio امبراطورا فى سيرميوم([314]) Sirmium من قِبل القوات الايلليرية. وحشد نبوتيان Nepotian ابن اخت الامبراطور الأخير قوة من المحاربين وجاهد للاستيلاء على السلطة الامبراطورية. ونالت روما القديمة النصيب الأوفر من هذه الشرور. ومع ذلك قُتِل نبوتيان بواسطة جنود ماجننتيوس.
(4/1/2) وإذ وجد قنستانتيوس نفسه سيدا منفردا للامبراطورية، أعلن نفسه الحاكم الوحيد وأسرع إلى خلع الطغاة.
(4/1/3) وفى نفس الوقت إذ كان أثناسيوس قد وصل إلى الأسكندرية استعد لعقد مجمع من الاساقفة المصريين، ومعه المرسوم المُصدَق عليه فى سارديكا وفى فلسطين لصالحه.
الكتاب الرابع: الفصل الثانى
(قنستانتيوس ينفى أثناسيوس ثانية، وأولئك المتمسكين بعقيدة هومسيوس. وفاة بولس اسقف القنسطنطينية. اغتصاب مقدونيوس للكرسى البطريركى، واعماله الشريرة)
(4/2/1) وإذ انخدع الإمبراطور بإفتراءات المبتدعين، عدَل عن رأيه ونفى الاساقفة الذين قد أعادهم وذلك على العكس من مراسيم مجمع سارديكا. ومن ثم خُلِع مارسيللوس ثانية واستولى باسيليوس من جديد على اسقفية انقيرا. وأُلقِى لوكيوس فى السجن وتُوفى هناك. وحُكِم على بولس بالسجن المؤبد، ونُقِل إلى كوكوزم Cucusum بأرمينيا([315]) حيث توفى. ولم استطع مع ذلك، التأكد مما إذا كان قد توفى طبيعيا أم لا([316])، إذ مازال يُقال من أتباع مقدونيوس أنه قد خُنِق.
(4/2/2) وبمجرد أن أُرسِل إلى المنفى، استولى مقدونيوس على ادارة الكنيسة، إذ سانده بعض الرتب من الرهبان الذين انضموا إليه فى القنسطنطينية، وبواسطة التحالف مع اساقفة المناطق المجاورة شن كما قيل اضطهادا ضد أولئك المتمسكين بمفاهيم بولس. فطردهم أولا من الكنيسة ثم أجبرهم على الاشتراك معه فى التناول. وقد هلك كثيرون بسبب الجروح التى تلقوها فى المقاومة. وجُرِّد البعض من ممتلكاته، والبعض من المواطنة، ووُسِم البعض على جباههم بأداة حديدية لكى ما يوصموا كشائنين.
(4/2/3) ولم يُسَّر الإمبراطور بذلك عندما سمع بهذه المعاملات، وألقى باللوم على مقدونيوس وأتباعه.
الكتاب الرابع: الفصل الثالث
(اسشهاد موثقى العقود المُقدَّسين)
وازداد الاضطهاد عنفا وأدى إلى سفك الدماء. وكان مارتيريوس ومرقيان من بين الذين قُتِلوا. لقد كان يعيشان فى منزل بولس، وسُلِّما من قِبل مقدونيوس إلى الحاكم كمذنبين بتهمة قتل هرموجينس وبتنفيذ الشقاق السابق ضده. وكان مارتيريوس مساعد شماس([317])، ومرقيان مُنشِدا وقارئا للأسفار المقدسة. ومقبرتهما مشهورة، وتقع أمام أسوار القنسطنطينية كتذكار للشهيدين، ووُضِعت فى بيت للصلاة أقامه يوحنا([318]) وأكمله سيسينيوس اللذان ترأسا فيما بعد كنيسة القنسطنطينية، لأن هذيَن اللذيَن لم يكونا مستحقين لنوال كرامة الاستشهاد، قد كُرِّما من الله، لأن ذات المكان الذى قُطِعت فيه رأسيهما وماتا، والذى لم يكن أحد يقترب منه بسبب الاشباح قد تطهر الآن. وأولئك الذين كانوا تحت وطأة الشياطين قد تحرروا من الأمراض ومعجزات أخرى كثيرة قد أُجريَت من المقبرة، وهذه على وجه الخصوص يجب أن تُسجَّل عن مارتيريوس ومرقيان. واذا ما بدا أن ما قلته صعب التصديق، فمن السهل أن نلجأ إلى أولئك المُلِّمين جيدا بهذه الظروف وبالطبع سنجد معلومات أكثر عجبا بكثير من الأمور التى رويتها عنهما.
الكتاب الرابع: الفصل الرابع
(قنستانتيوس فى سيرميوم. جالوس يحمل لقب قيصر، ويُرسَل إلى الشرق)
(4/4/1) وعند نفْى أثناسيوس الذى حدث فى خلال هذه الفترة، اضطهد جورج كل مَن رفض الخضوع لمعتقداته فى سائر انحاء مصر. وزحف الإمبراطور إلى ايلليريا، ودخل سيرميوم التى توجه إليها فترانيو الذى عدَل الجنود فجأة عن إعلانهم له كإمبراطور، وحيّوا قنستانتيوس كحاكم أوحد وكأوغسطس، لأن كلا من الامبراطور ومؤيدوه قد جاهدوا لذات الفعل. وإذ أدرك فترانيو أنه قد تعرَّض لخيانة، طرح نفسه تحت أقدام قنستانتيوس فأشفق عليه حقا، ولكن جرَّده من الزينة الامبراطورية ومن الارجوان وألزمه بالعودة إلى الحياة الخاصة وأمده بحاجاته الخاصة من الخزانة العامة، وأخبره أنه من الجيد لرجل مسن أن يبتعد عن هموم الإمبراطورية ويعيش فى هدوء.
(4/4/2) وبعد الانتهاء من هذه الترتيبات بشأن فترانيو، أرسل قنستانتيوس جيشا كبيرا إلى ايطاليا ضد ماجننتيوس، وأسبغ عندئذ لقب قيصر على ابن عمه جالوس وأرسله إلى سوريا للدفاع عن المناطق الشرقية.
الكتاب الرابع: الفصل الخامس
(كيرلس يقوم بالخدمات المقدسة بعد مكسيموس. ظهور علامة الصليب الضخمة، والتى تفوق الشمس فى فخامتها، وتدوم لعدة أيام)
(4/5/1) فى ذلك الوقت تولى كيرلس ادارة كنيسة أورشليم بعد مكسيموس، وظهرت علامة الصليب فى السماء. كانت تظهر بلمعان ليست بأشعة متشعبة كمثل مذنب ولكن كنور عظيم مركز وكثيف بوضوح ولكن ليس شفافا. كان طوله خمسة عشر استاديا من جبانة جبل الزيتون، وكان عرضه متناسبا مع طوله.
(4/5/2) وقد أثارت هذه الظاهرة غير العادية رعبا عاما. فترك الرجال والنساء والأطفال بيوتهم وأسواقهم ووظائفهم وهرعوا إلى الكنيسة حيث أنشدوا التسابيح للمسيح معا واعترفوا اختياريا بإيمانهم بالله. ولم يكن المتعلمون فى مناطقنا بأقل اضطرابا، وقد حدث ذلك بسرعة. لأنه كما كانت العادة كان هناك مسافرون من كل مكان فى العالم يقيمون فى أورشليم للصلاة، أو لزيارة معالمها وشاهدوا هذه العلامة ونقلوا الحقيقة إلى اصدقائهم فى الوطن.
(4/5/3) وألمَّ الإمبراطور بالموضوع من التقارير العديدة الخاصة بها من ناحية، ومن رسالة للأسقف كيرلس من ناحية أخرى.
(4/5/4) وقد قيل أن هذه الاعجوبة كانت تحقيقا لنبوة قديمة فى الكتاب المقدس، وكانت واسطة لإعتناق الكثيرين من الوثنيين واليهود للمسيحية.
الكتاب الرابع: الفصل السادس
(فوتينوس اسقف سيرميوم وهرطقته. مجمع سيرميوم لمعارضته. صيغ ايمانية ثلاثة لهذا المجمع).
(4/6/1) وفى حوالى هذا الوقت أثار فوتينوس Photinusالذى كان يدير كنيسة سيرميوم هرطقة أمام الإمبراطور كان قد ابتدعها قبل ذلك بوقت ما. وقد أدت قدرته على الإقناع وطبيعة خطابه السهل إلى اتخاذ الكثيرين لطريقة تفكيره. فهو يعترف أن هناك إله واحد ضابط الكل، بكلمته وحدها خُلِقت سائر الأشياء. ولكنه كان لا يُسلِّم بأن وجود وولادة الابن كان قبل كل الدهور. فهو يزعم، على العكس، بأن المسيح استمد وجوده من مريم.
(4/6/2) وبمجرد أن أذاع هذا الرأى حتى أثار حنق الاساقفة الغربيين والشرقيين، واعتبروه ابتداعا فى الايمان الخاص بكل أحدٍ بصفة عامة. إذ أنه قوبل بإعتراض من كلٍ من أولئك الذين يعتنقون عقائد مجمع نيقية، وأولئك المشايعين لمفاهيم أريوس. وأيضا نظر الإمبراطور إلى الهرطقة بإشمئزاز وعقد مجمعا فى سيرميوم حيث ترأسه.
(4/6/3) ومن بين الاساقفة الشرقيين الذين حضروا هذا المجمع كان جورج الذى ترأس كنيسة الأسكندرية([319]) وباسيليوس([320]) اسقف انقيرا ومارك اسقف آرثوسا Arethusa. ومن بين الاساقفة الغربيين، حضر فالنس اسقف مورسا Mursa، وهوسيوس المُعترف.
(4/6/4) وهذا الأخير كان قد حضر مجمع نيقية ولذا لم يكن مشاركا فى هذا المجمع بإختياره إذ كان قد سبق وأن عوقب سابقا من خلال دسائس الاريوسيين، ولكنه أُستُدعِى إلى المجمع بأمر من الإمبراطور بتحريض من الاريوسيين، إذ رأوا أن حزبهم سيَقوى بحضوره إذا ما كسبوا، سواء بالإقناع أو بالقوة، رجلا محل إعجاب وتقدير عام مثل هوسيوس.
(4/6/5) وكان زمن انعقاد المجمع هو سنة بعد انتهاء قنصلية سرجيوس ونيجرنيان .Nigrinian وخلال هذه السنة لم يكن هناك قناصل سواء فى الشرق أو فى الغرب بسبب المنازعات المثارة من الطغاة.
(4/6/6) وخُلِع فوتينوس من المجمع إذ أُتُهِم بجمع أخطاء سابيللوس وبولس السموساطى. وسنَّ المجمع عندئذ ثلاث صيغ بالإضافة إلى الاعترافات السابقة، كانت إحداها مكتوبة باليونانية والأخريتان باللاتينية. ولكنها لم تتفق مع بعضها البعض ولا مع أى صيغة عقائدية سابقة سواء فى اللفظ أو المضمون. ففى الصيغة اليونانية الابن مساوى للآب ومن ذات الجوهر. وأُعلِن هناك أن أولئك الذين يزعمون أن الإبن ليست له بداية أو أنه انبثق من جوهر الآب، أو أنه متحد بالآب دون خضوع له محرومين([321]). وفى إحدى الصيغتين اللاتينيتين حُظِر القول من جوهر (الذى يدعونه الرومان substance) الله أو أن الإبن مساوى للآب، أو من ذات جوهر الآب، إذ أن هذه العبارات لم ترِد فى الكتاب المقدس وتفوق فهم ومعرفة البشر([322]). لقد قيل أنه يجب الاعتراف بأن الآب أسمى من الإبن([323]) فى الكرامة والعزة والألوهية وفى العلاقات الخاصة بإسم الآب، وأنه يجب الاعتراف بأن الابن، مثل كل الكائنات المخلوقة، خاضعا للآب([324])، وأن الآب لا بداية له، وأن ولادة الابن غير معروفة للجميع ما عدا الآب.
(4/6/7) وقد رُوِى أن هذه الصيغة عندما كمُلت أدرك الاساقفة الأخطاء التى بها، ورأوا ضرورة حجبها عن العامة وتصحيحها، وأن الإمبراطور قد هدد كل مَن يخفى أو يحجب أيا من النسخ التى حُرِّرت لها. ولكن ما أن نُشِرت لم تستطع أية جهود منعها.
(4/6/8) أما الصيغة الثالثة، فهى بذات المعنى مثل الأخريات فهى تحظر استخدام مصطلح جوهر substance بسبب المصطلحات المستخدمة فى اللاتينية، فبينما المصطلح اليونانى مستخدم بأكثر سهولة من قِبل الآباء، ولكن سبَّب عثرة لكثيرين من الجمهور غير المتعلم لأنه لم يوجد فى الكتاب المقدس، لذا وجدنا من المناسب منع استخدامه ونوصى بحذف كل ذِكر للمصطلح عند الاشارة إلى الألوهية، إذ أنه لم يرِد فى أى مكان فى الكتاب المقدس أن الآب والابن والروح القدس من ذات الجوهر same substance وإنما كلمة اقنوم person هى المكتوبة. ولكننا نقول اتساقا مع الأسفار المقدسة أن الابن مثل الآب.
(4/6/9) هذا هو القرار الذى تم التوصل إليه فى حضور الإمبراطور بشأن الايمان. وقد رفض هوسيوس أولا التصديق عليه، ولكن إذ كان هرما فقد رضخ تحت الضغط واللكمات التى أضرته بشدة، ووقَّع.
(4/6/10) وعقب خلع فوتينوس فكر المجمع فيما إذا كان من الممكن أم لا اقناع فوتينوس بالرجوع عن رأيه والتوقيع على صيغة الايمان التى أعدوها، ووعدوه بإسترداد اسقفيته، ولكن تحداهم لمناقشة عامة. وفى الوقت المُعيَّن لهذا الغرض اجتمع الاساقفة لذلك ومعهم القضاة المعينين من قِبل الإمبراطور لرئاسة هذه الجلسات والذين بسبب الكرامة والبلاغة حازوا الرتبة الأولى فى القصر. واُختِير باسيليوس اسقف انقيرا لإبتداء المناقشة مع فوتينوس.
(4/6/11) ودام الجدل مدة طويلة بسبب الاسئلة العديدة والأجوبة من قِبل الطرفين والتى كانت تدوَّن فى الحال بالإختزال، ولكن فى النهاية أُعلِنَت الغلبة لباسيليوس ونُفِى فوتينوس. ولكنه لم يكف عن نشر رأيه. وكَتَب أعمالا كثيرة باليونانية واللاتينية سعى فيها إلى اظهار سائر الآراء، ما عدا رأيه، على أنها غير صحيحة.
واختتم الآن، ما قد سجلته عن فوتينوس والهرطقة المسماة بإسمه.
الكتاب الرابع: الفصل السابع
(موت الطاغية ماجننتيوس وسيلفانوس المرتد. عصيان يهود فلسطين. مقتل جالوس قيصر)
(4/7/1) وفى نفس الوقت جعل ماجننتيوس نفسه سيدا على روما القديمة، وقتل عددا من السيناتورات ومن الشعب. وإذ سمع بتقدم جحافل قنستانتيوس انسحب إلى الغال، وهناك إلتقى الطرفان حيث كان النصر حليفا لكل منهما تارة وأخرى. ومع ذلك هُزِم ماجننتيوس أخيرا وهرب إلى مورسا Mursa التى هى حصن الغال هذه. وعندما رأى أن جنوده قد قنطوا لأنهم قد هُزِموا، وقف فوق ربوة عالية وسعى إلى إعادة شجاعتهم. ولكن على الرغم من أنهم خاطبوا ماجننتيوس بصيحات الاعجاب المعتادة للآباطرة، وكانوا مستعدين للهتاف عند ظهوره العلنى، إلاَّ أنهم هتفوا سرا وبدون تفكير مسبق لقنستانتيوس كإمبراطور بدلا من ماجننتيوس.
(4/7/2) وخلُص ماجننتيوس من هذه الظروف أنه ليس مُعيَّنا من الله للقيام بمهمة الإمبراطورية، فسعى إلى الانسحاب من الحصن إلى مكان ما أبعد. ولكن جحافل قنستانتيوس طاردته وهزمته عند بقعة تُدعَى جبل سلوقية Seleucus، فهرب وحده من الحصار إلى لوجدونا Lugduna. وعند وصوله إلى هناك ذبح أمه وأخيه الذى كان قد دعاه قيصرا، وأخيرا قتل نفسه. وليس بعد ذلك بوقت طويل، أنهى أخوه داكنتيوس أيضا حياته. وظل العامة فى شغب إذ قام سيلفانوس Silvanusليس بعد ذلك بوقت طويل، وادعى سيادته على الغال ولكنه قُتِل فى الحال على يد جنرالات قنستانتيوس.
(4/7/3) أيضا اجتاح يهود ديوقيصرية، فلسطين والمناطق المجاورة وحملوا السلاح عازمين على خلع النير الرومانى. وعندما سمع جالوس قيصر الذى كان آنذاك فى انطاكية بتمردهم أرسل كتائب ضدهم وهزمهم ودمر ديوقيصرية.
(4/7/4) وإذ افتتن بالنصر لم يستطع جالوس أن يقتنع بنشوته فتطلع إلى السلطة الاعلى فقتل ماجنوس القوِسطر([325]) quæstor، ودومتيان والى الشرق، لأنهما فتنا للإمبراطور بتطلعاته. فثار غضب قنستانتيوس واستدعاه إلى حضرته. ولم يجرؤ جالوس على عدم الطاعة وانطلق فى رحلته.
(4/7/5) وعندما وصل مع ذلك إلى جزيرة إيلافونا Elavona قُتِل بأمر الإمبراطور. وقد حدثت هذه الواقعة فى السنة الثالثة من قنصليته، والسابعة لقستنانتيوس.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن
(وصول قنستانتيوس إلى روما. عقد مجمع فى ايطاليا. رواية ما حدث لأثناسيوس الكبير بواسطة دسائس الاريوسيين)
(4/8/1) وبموت الطغاة توقع قنستانتيوس استعادة السلام، وإنتهاء الشغب. وغادر سيرميوم ليعود إلى روما القديمة لكى يتمتع بشرف النصر بعد انتصاره على الطغاة. وعزم بالمثل على دعوة الاساقفة الشرقيين والغربيين إذا أمكن، إلى الاتفاق بشأن العقيدة بعقد مجمع فى ايطاليا.
(4/8/2) وفى حوالى هذه الفترة توفى يوليوس([326]) بعد ادارته لكنيسة روما لمدة خمسة وعشرين سنة، وخلفه ليبريوس. وظن أولئك الذين عارضوا مجمع نيقية أنها فرصة مواتية للإفتراء على الاساقفة الذين قد خلعوهم، وأن يعملوا على طردهم من الكنائس بوصفهم يتمسكون بعقائد زائفة، ومخلين بالسلام العام، واتهموهم بإثارة سوء الفهم بين الأباطرة خلال حياة قنسطانس.
(4/8/3) وكان ذلك حقيقة كما روينا عاليه، إذ هدد قنسطانس أخيه بشن حرب ما لم يقبل بعودة الاساقفة الارثوذكسيين. وكانت جهودهم مركزة بصفة أساسية ضد أثناسيوس الذى كانوا يحنقون عليه بشدة، وحتى عندما كان محميا بقنسطانس ومتمتعا بود قنستانتيوس لم يستطيعوا اخفاء عداوتهم له.
(4/8/4) فإجتمع فى نيقية نارسيسوس اسقف كيليكية، وتيودور اسقف تراقيا، ويوجينوس اسقف نيقية، وباتروفيلوس اسقف سكيثوبوليس، ومينوفانتوس اسقف افسس، واساقفة آخرون ثلاثون بالعدد، وكتبوا رسالة إلى جميع الاساقفة فى سائر الأقاليم يسجلون فيها، أن أثناسيوس قد عاد إلى اسقفيته ضد أحكام الكنيسة، وأنه لم يُبرىء نفسه أمام أى مجمع وأنه كان مؤيدا فقط من قِبل بعض شيعته. وحثوهم على عدم الاشتراك معه فى التناول أو مراسلته، ولكن الاشتراك فقط مع جورج الذى كان قد سيم خلفا له.
(4/8/5) وازدرى أثناسيوس بهذه الاجراءات، ولكنه كان عتيدا أن يقاسى تجاربا أعظم من أىٍ مما عاناه من قبل. فعقب موت ماجننتيوس فى الحال، وجد قنستانتيوس نفسه، الإمبراطور المنفرد للإمبراطورية الرومانية، فوجه كل جهده إلى حض اساقفة الغرب على التسليم بأن الإبن هو مثل الآب فى الجوهر.
(4/8/6) ولكى ما ينفذ هذه الخطة لم يلجأ إلى الإجبار بل سعى إلى اغراء الاساقفة الآخرين إلى الموافقة على مراسيم اساقفة الشرق ضد أثناسيوس. لأنه ظن أنه إذا ما جعلهم يتفقون فى الرأى على هذه النقطة، فسيكون من السهل عليه بعد ذلك ادارة الشؤون المتعلقة بالديانة.
الكتاب الرابع: الفصل التاسع
(مجمع ميلان، وهروب أثناسيوس)
(4/9/1) وكان الإمبراطور متعجلا للغاية لعقد مجمع فى ميلان، ولكن عددا قليلا من اساقفة الشرق هم الذين توجهوا إلى هناك. فالبعض اعتذر عن الحضور بحجة المرض، وآخرون بدعوى مشقات الرحلة وطولها. ومع ذلك كان أكثر من ثلاثمائة من اساقفة الغرب فى المجمع.
(4/9/2) وأصر اساقفة الشرق على أن أثناسيوس يلزم أن يُعاقَب بالنفى ويُطرَد من الاسكندرية، وصمت الآخرون إما عن خوف وإما عن جهل.
(4/9/3) وكان ديونيسيوس اسقف آلبا Alba متربولية ايطاليا، ويوسيبيوس اسقف فيرسيلا Vercella فى ليجوريا Liguriaوبولينوس اسقف تريف، ورودانوس ولوسيفر هم الاساقفة الوحيدون الذين اعترضوا على هذا القرار، وصرحوا أن أثناسيوس لا ينبغى أن يُدَان على هذه المزاعم التافهة، وأن الشر لن يكف بإدانته، ولكن أولئك الذين أيدَّوا العقائد الارثوذكسية بشأن الألوهية سوف يخضعون فى الحال للمكائد. لقد أدركوا أن المسألة برمتها إنما هى خطة مدبَّرة من الإمبراطور والأريوسيين بقصد القضاء على الإيمان النيقاوى.
(4/9/4)وعوقبوا على جسارتهم بالنفى فى الحال. ونُفِى هيلارى معهم. وأظهرت النتيجة بوضوح القصد من عقد مجمع ميلان. لأن المجامع التى عُقِدت بعد ذلك بوقت قصير فى ارمينيّم وسيلوقيا كان القصد منها بوضوح هو تغيير العقائد المؤسسة فى مجمع نيقية كما سأوضح حالا.
(4/9/5) وإذ ادرك أثناسيوس المكائد المُدبَّرة لمحاكمته، وجد أنه من الفطنة عدم التوجه إلى الإمبراطور بشخصه إذ أن حياته ستكون فى خطر هناك، ولم يفكر فى أن ذلك سيكون له أية جدوى، ومع ذلك اختار خمسة من الاساقفة المصريين كان من بينهم سيرابيون اسقف تمى ([327]) وهو مدبر يتميز بقداسة حياته العجيبة وقوة بلاغته، وأرسلهم مع ثلاثة كهنة من الكنيسة إلى الإمبراطور الذى كان عندئذ فى الغرب. وكان عليهم أن يحاولوا الالتقاء بالامبراطور إن أمكن والرد على افتراءات الطرف المعادى عند الطلب، وأن يتخذوا كافة التدابير اللازمة للحفاظ على سلام الكنيسة وعلى نفسه.
(4/9/6) وبعد أن اقلعوا فى رحلتهم بوقت قصير تلقى أثناسيوس بعض الرسائل من الإمبراطور يستدعيه فيها إلى القصر، فاضطرب أثناسيوس وكل الشعب بشدة من هذا الأمر إذ أدركوا أنه ليس هناك أمان على الاطلاق سواء فى طاعة الأمر أو فى رفضه من قبل إمبراطور له مفاهيم غير ارثوذكسية.
(4/9/7) ومع ذلك أصر على البقاء فى الأسكندرية وغادر حاملو الرسائل المدينة دون تحقيق أى شىء. وفى الصيف التالى، وصل رسول آخر من قِبل الإمبراطور مع حكام الاقاليم، وهو مكلف بتعجيل رحيل أثناسيوس من المدينة والسلوك بعداء ضد الاكليروس. وعندما ادرك أن شعب الكنيسة رغم ذلك مملوء من الشجاعة ومستعد لحمل السلاح، رحل هو أيضا من المدينة دون انجاز مهمته. وليس بعد ذلك بوقت طويل، أن زحفت الكتائب المسماة بالفيلق الرومانى والتى كانت تقيم فى مصر وليبيا نحو الأسكندرية.
(4/9/8) وكما رُوى، أُخفِىّ أثناسيوس فى الكنيسة التى تُدعى ثيوناس، فأمر قائد الكتائب وهيلارى الذى عهد إليه الإمبراطور بمعالجة هذه المسألة، بكسر ابواب الكنيسة، وبذلك دخلوها. لكنهم لم يجدوا أثناسيوس داخل أسوارها على الرغم من أنهم بحثوا عنه فى كل مكان. وقد قيل أنه قد هرب هو وآخرون كثيرون بتدبير إلهى وأن الله قد كشف عن ذلك مسبقا، وعند خروجه فى الحال اقتحم الجنود ابواب الكنيسة وكانوا على وشك القبض عليه.
الكتاب الرابع: الفصل العاشر
(الدسائس المتنوعة ضد أثناسيوس، وفراره من الأخطار العديدة بالإلهام الإلهى. اعمال جورج الشريرة فى مصر بعد طرد أثناسيوس)
(4/10/1) ما من شك فى أن أثناسيوس كان حبيب الله، وكان موهوبا بعطية توَّقع الآتيات. فمن الحقائق الأكثر عجبا من التى قد رويناها، والتى يجب أن نوردها لنبرهن على إلمامه الوثيق بالآتيات، أنه قد حدث خلال حياة قنسطانس أن عزم قنستانتيوس على اساءة معاملة هذا الرجل القديس، ولكن أثناسيوس فر واختفى لدى شخص ما من معارفه، وعاش لوقت طويل فى خندق ومسكن بلا شمس كان يُستخدَم كمستودع للمياه. ولم يكن أحدٌ يعرف أنه يختبأ فيه ما عدا سيدة خادمة كانت تبدو مؤمنة كانت تقوم بخدمته.
(4/10/2) ولما كان الهراطقة شغوفين مع ذلك بالقبض على أثناسيوس حيا، لذلك يبدو أنهم فلحوا أخيرا فى إفساد المرأة سواء بالعطايا أو بالوعود. ولكن الله سبق أن حذر أثناسيوس من خيانتها وأمره بالهرب من المكان. وعوقبت الخادمة على البلاغ الكاذب ضد سادتها، بينما فروا هم أنفسهم من البلد لأنه كانت تُعَّد جريمة ليست بزهيدة لدى الهراطقة استقبال أو إخفاء أثناسيوس، بل وعلى النقيض من ذلك كانت تُعتبَر عصيانا ضد أوامر الإمبراطور الصريحة وجريمة ضد الإمبراطور يُعاقَب عليها أمام المحاكم المدنية.
(4/10/3) وقد بلغ إلى مسامعى أن أثناسيوس قد حُفِظ فى مناسبة أخرى بأسلوب مماثل. فقد اضطر مرة ثانية لنفس السبب أن يفر لحياته، فأبحر فى النيل بقصد الاعتزال فى مناطق مصر الأبعد، ولكن أعداءه علموا بنوايه فتعقبوه. وإذ قد حُذِّر سلفا من الله أنه سيُطارَد، أعلن ذلك لرفقائه المسافرين وأمرهم بالعودة إلى الأسكندرية. وفيما هو نازل فى النهر، مرَّ به الكائدون([328]). ووصل إلى الأسكندرية بآمان، واختفى فى الحال فى وسط منازلها العديدة والمتماثلة. إن نجاحه فى تجنب هذه الفخاخ العديدة هو الذى أدى إلى إتهام الوثنيين والهراطقة له بالسحر([329]).
(4/10/4) وقد سُجِّل أنه بينما كان يمر ذات يوم فى وسط المدينة، أن سُمِع نعيق غراب فسأله عدد من الوثنيين، الذين تصادف وجودهم فى تلك البقعة، ساخرين عما يقوله الغراب فأجابهم مبتسما أنه يتمتم بكلمة كَرَاس cras (التى معناها فى اللغة اللاتينية) "غدا"، وهذا إعلان لكم أن الغد لن يكون فى خيركم لأنه يُشير إلى أنكم ستُمنَعون من الإمبراطور الرومانى من الاحتفال بعيدكم غدا.
وعلى الرغم من أن ذلك كان توقعا من أثناسيوس يبدو سخيفا، إلا أنه قد تحقق فعلا. لأنه فى اليوم التالى صدرت مراسيم من الإمبراطور إلى الحُكام أُمِر فيها الوثنيون بعدم الاجتماع فى الهياكل لممارسة احتفالاتهم المعتادة، ولا الاحتفال بعيدهم. وهكذا تم القضاء على أعظم وأفخم عيد كان الوثنيون يحافظون عليه.
إن ما قلته يكفى لإظهار أن هذا الرجل القديس كان موهوبا بعطية النبوة.
(4/10/5) وبعد أن هرب أثناسيوس على النحو الذى وصفناه من أولئك الذين سعوا للقبض عليه. ظل شعبه والاكليروس يستولون على الكنائس لبعض الوقت، ولكن حاكم مصر وقائد الجيش انتزعها بالقوة من اتباع أثناسيوس لكى يسلِّم ادارتها إلى اتباع جورج الذى كان وصوله وشيكا.
(4/10/6) وبعد وصوله إلى المدينة ليس بوقت طويل، وُضِعت الكنائس تحت سلطته، فحكم بالقوة اكثر من الاعتدال الكهنوتى، وجاهد فى نشر الرعب فى أذهان الشعب، وأثار اضطهادا قاسيا ضد اتباع أثناسيوس، وأكثر من ذلك سجن وشوه رجالا ونساءً كثيرين. فحُسِب كطاغية، وصار مكروها على نطاق عام.
(4/10/7) وكان الشعب هائجا بشدة من هذا المسلك، لدرجة أنهم اندفعوا إلى الكنيسة وكانوا على وشك تمزيقه إربا، فهرب بصعوبة من هذا الخطر الداهم، وفرَّ إلى الإمبراطور. واستولى اتباع أثناسيوس على الكنائس، ولكنهم لم يحتفظوا بالسيادة عليها طويلا لأن قائد كتائب مصر جاء وردها إلى اتباع جورج. وأُرسِل بعد ذلك قائدٌ من الطبقة النبيلة لمعاقبة قادة الشعب، فعذَّب وشوَّه كثيرين من المواطنين. وعندما عاد جورج بعد ذلك بقليل كان أكثر رعبا على ما يبدو، وعومل بإشمئزاز أشد من قبل لأنه حرَّض الإمبراطور على القيام بأعمال شريرة كثيرة، وبالإضافة إلى ذلك اعتبره رهبان مصر بوضوح مختالا ومنتفخا بالعجرفة.
(4/10/8) وكان الشعب يعتنق دائما آراء هؤلاء الرهبان، وكانت شهادتهم تُقبَل على نطاق واسع لأنهم كانوا معتبرين بسبب فضائلهم، والمنحى الفلسفى لحياتهم.
الكتاب الرابع: الفصل الحادى عشر
(ليبريوس اسقف روما، وعلة نفى قنستانتيوس له. فيلكس خليفته)
(4/11/1) على الرغم من أن ما قد سجلته، لم يحدث لأثناسيوس وكنيسة الأسكندرية فى نفس الفترة من الزمن عقب وفاة قنسطانس، بيد أنه من الصواب من أجل وضوح أكثر، أن أروى كل هذه الاحداث مجتمعة. فقد انفض مجمع ميلان بدون أية أعمال، ونفى الإمبراطور جميع الذين عارضوا مقاصد أعداء اثناسيوس.
(4/11/2) ولما كان قنستانتيوس راغبا فى ارساء عقيدة متماثلة فى سائر ارجاء الكنيسة، وأن يُوحِد الكهنة فى الحفاظ على نفس المفاهيم فإنه خطط لجمع اساقفة كل عقيدة فى مجمع يُعقَد فى الغرب. لقد كان واعيا بصعوبة تنفيذ هذه الخطة الناجمة عن الاتساع الشاسع للأراضى والبحار التى كان يتعين على بعض الاساقفة أن يجتازوها، ولكنه لم ييأس بالكلية من النجاح.
(4/11/3) فبينما كان هذا المشروع يُشغِل ذهنه وقبل أن يُعِّد [العدة] لدخول روما دخولا انتصاريا، أرسل إلى ليباريوس اسقف روما وجاهد فى اقناعه أن يتفق فى المفاهيم مع الكهنة الذين كانوا معه([330]) ومن بينهم أودوكسيوس([331]). وعندما رفض ليباريوس مع ذلك الامتثال، واحتج بأنه لن يقبل قط بهذه المسألة، نفاه الامبراطور إلى بيرية([332]) Berœa فى تيراقيا. وقد زُعِم سبب آخر لنفى ليباريوس، وهو أنه لم يمتنع عن التناول مع اثناسيوس، وعارض جهرا الإمبراطور الذى أصر على أن أثناسيوس قد أضر بالكنيسة، وتسبب فى موت أخيه الكبير، وبذر بذور الكراهية بينه وبين قنسطانس.
(4/11/4) وعندما أحيا الإمبراطور كل المراسيم الصادرة من المجامع المتعددة ضد اثناسيوس، وبصفة خاصة من مجمع صُور قال له ليباريوس ليس هناك أى أعتبار لمراسيم تصدر عن دوافع الكراهية أو المحاباة أو الخوف. ورغب([333]) أن يوقع اساقفة سائر الاقاليم على صيغة الايمان الصادرة فى نيقية وأن يعود الاساقفة الذين نُفِيُوا بسبب تمسكهم بها. واقترح أنه بعد تسوية كل هذه الأمور يتوجه كل الاساقفة على نفقتهم الخاصة وبدون إمدادهم بوسائل نقل عامة أو نقود حتى لا يظهرون بأنهم عبء ومُكلِّفين إلى الأسكندرية. ويؤدون اختبارا دقيقا فى الحق الذى سيكون من السهل تأسيسه فى هذه المدينة عن أى مكان آخر، حيث يقيم هناك الذين أضرَّوا والذين تتضرروا، وأيضا اصحاب الدعاوى. ثم عرض عندئذ الرسالة التى كتبها فالنس واورساكيوس إلى يوليوس سلفه فى الكرسى الرومانى، والتى يلتمسان فيها المغفرة لهما، ويعترفان بأن خلع أثناسيوس الصادر ضده فى مريوتيس كان باطلا. وإلتمس من الإمبراطور عدم إدانة أثناسيوس غيابيا أو أن يثق فى السنن التى من الثابت أنها صادرة عن دسائس أعدائه. وبالنسبة للأضرار المزعومة التى حدثت لأخويه الكبيرين، إلتمس من الإمبراطور ألاَّ ينتقم لنفسه بيدى الكهنة الذين أفرزهم الله لا لتنفيذ الانتقام ولكن للتقديس ولإنجاز الأعمال الخيرة والعادلة.
(4/11/5) وإذ أدرك الإمبراطور أن ليباريوس لن يخضع لمطلبه أمر بنقله إلى تيراقيا ما لم يعدل عن رأيه خلال يومين. فأجاب ليباريوس بالنسبة لى ليست هناك حاجة للإنتظار أيها الإمبراطور، فإن عزمى قد تشكل وتحدد منذ أمد طويل وأنا جاهز للنفى. وقد قيل أنه بينما كان مُقادا إلى المنفى ارسل الإمبراطور إليه خمسمائة قطعة ذهب، فرفض مع ذلك استلامها وقال للرسول الذى أحضرها اذهب وقل للذى أرسل هذا الذهب أن يعطيه للمنافقين والمرائين الذين حوله لأن جشعهم الذى لا يُشبَع يجعلهم فى عوز دائم لا يمكن أبدا أن يزول. إن المسيح الذى مثل أبيه فى كل النواحى هو الذى يمدنا بالطعام وبكل الخيرات.
(4/11/6) وعندما خُلِع ليباريوس للأسباب عاليه من كنيسة روما انتقلت سيادتها إلى فيلكس الشماس من الاكليروس هناك. وقد قيل أن فيلكس استمر دائما مشايعا للإيمان النيقاوى وأنه كان بلا لوم فى الأمور الدينية. أما الامر الوحيد الذى زُعِم ضده فهو أنه قد اشترك فى التناول مع الهراطقة قبل سيامته.
(4/11/7) وعندما دخل الإمبراطور روما، طالبه الشعب جهارا بإعادة ليباريوس، فأجابهم بعد استشارة الاساقفة الذين كانوا حوله أنه سيُرد ليباريوس إلى شعبه إن هو قبل اعتناق ذات المفاهيم التى يأخذ بها كهنة البلاط.([334])
الكتاب الرابع: الفصل الثانى عشر
(اتيوس السورى، واودكسيوس خليفة ليونتيوس فى انطاكية. مصطلح "مساوى فى الجوهر" ( Consubstantial
(4/12/1) وفى حوالى هذا الوقت نشر اتيوس آراءه الخاصة بشأن الألوهية. وكان آنذاك شماسا بكنيسة انطاكية وقد سيم بيد ليونتيوس. وقد زعم مثل اريوس أن الابن كائن مخلوق، وأنه خُلِق من لا شىء وأنه ليس مثل الآب. ولما كان ميالا بشدة إلى النزاع وجسورا جدا فى المسائل اللاهوتية، ويميل إلى اللجوء لنمط الجدل العقيم جدا فقد حُسِب هرطوقيا حتى من قِبل مَن لهم نفس التصُورات مثله. وعندما حُرِم لنفس السبب من الهراطقة، تظاهر برفض الاشتراك معهم فى التناول لأنهم قبلوا بغير عدل اريوس فى الاشتراك معهم فى التناول بعدما أقسم يمينا كاذبا بتصريحه أمام الإمبراطور قنسطنطين أن يحافظ على عقائد مجمع نيقية. هذه هى الرواية المذكورة عن اتيوس.
(4/12/2) وبينما كان الإمبراطور فى الغرب وصلت أخبار وفاة ليونتيوس اسقف انطاكية، فإلتمس اودكسيوس([335]) من الإمبراطور تصريحا بالعودة إلى سوريا للإشراف على شؤون الكنيسة.
(4/12/3) وإذ منحه التصريح، توجه بأقصى سرعة إلى أنطاكية وهناك نصَّب نفسه اسقفا على المدينة بدون تصديق جورج اسقف لاودكية، ومرقس اسقف أرثوسا، والاساقفة السوريين الآخرين، أو أىٍ من الاساقفة الآخرين المحفوظ لهم حق السيامة.
(4/12/4) وقد سُجِّل أنه تصرف هكذا بالاتفاق مع الإمبراطور والخصيان المنتمين للقصر الذين شايعوا، مثل اودكسيوس مفاهيم اتيوس، واعتقدوا أن الابن غير مماثل للآب.
(4/12/5) وعندما وجد اودكسيوس نفسه يستولى على كنيسة انطاكية تجرأ على نشر هذه الهرطقة جهارا. وجمع فى انطاكية كل أولئك الذين لهم نفس الآراء مثله ومن بينهم، آكاكيوس اسقف صُور، ورفض مصطلحات "مثله فى الجوهر" و"مساوى فى الجوهر"، بزعم أن الاساقفة الغربيين قد رفضوها. لأن هوسيوس مع بعض الكهنة لكى يُنهِى الجدل الذى أثاره فالنس واورساكيوس وجرمانوس بالضغط عليهم فى سيرميم، قد سُجِّل عنهم أنهم قد احجموا عن استعمال هذه المصطلحات لأنها لم ترِد فى الأسفار المقدسة وتفوق فهم البشر. وأرسلوا رسائل إلى الاساقفة كما لو كانت كتابات هوسيوس فى هذه النقطة تدعمها، وعبَّروا عن شكرهم لفالنس واورساكيوس وجرمانيوس لأنهم عبَّروا عن وجهة النظر السليمة للاساقفة الغربيين.
الكتاب الرابع: الفصل الثالث عشر
(ابتداعات اودكسيوس محل الانتقاد، فى رسالة كتبها جورج اسقف لاودكية. وفد مجمع انقيرا إلى قنستانتيوس)
(4/13/1) وبعد أن أدخل اودكسيوس هذه التعاليم الجديدة، حرَم كثيرين من أعضاء كنيسة انطاكية الذين كانوا يعارضونها. فأعطاهم جورج اسقف لاودكية خطابا ليسلِّموه للأساقفة الذين دُعِيوا من المدن المجاورة لأنقيرا بغلاطية، بواسطة باسيليوس بغرض تكريس الكنيسة التى شيدها, هذا الخطاب كما يلى:
"من جورج إلى أسياده المُكرَّمين جدا: مقدونيوس وباسيليوس، وسيكوربيوس، ويوجينيوس. التحيات فى الرب. إن كل المدينة تقريبا قد تألمت لغرق مركب اتيوس. إن تلاميذ ذلك الرجل الشرير الذين أدانتموهم، كان اودكسيوس يشجعهم ويحثهم بتعينات اكليريكية، بل أن اتيوس نفسه كان قد رُقِّى إلى منصب أعلى.
"اذهبوا إذن لمساعدة تلك المدينة لئلا بغرقها يغرق العالم كله. فلتجتمعوا معا، ولتلتمسوا توقيع الاساقفة الآخرين لكى ما يُطرَد اتيوس من كنيسة انطاكية، ويُقطَع تلاميذه الذين سبق وأحصاهم اودكسيوس ضمن قائمة الاكليروس. واذا أصرَّ اودكسيوس على التحالف مع اتيوس على أن الإبن ليس مثل الآب، وعلى تفضيله لأولئك الذين يؤيدون هذا المعتقد عن أولئك الذين يرفضونه، فإنكم ستفقدون مدينة انطاكية."
(4/13/2) هكذا كان مجرى خطاب جورج. وعندما ادرك بوضوح الاساقفة المجتمعون فى انقيرا، من الشرائع التى سنها اودكسيوس فى انطاكية أنه يُدخِل ابتداعات فى العقيدة، أطلَعوا الإمبراطور على هذا الأمر، وإلتمسوا منه ترسيخ العقيدة المقررة فى مجمع سارديكا، وسيرميوم، والمجامع الأخرى، وخاصة التأكيد على أن عقيدة أن الإبن هو من جوهر الآب. ولكى ما يعرضوا هذا المطلب على الإمبراطور، ارسلوا وفدا مكونا من الاساقفة التاليِين: باسيليوس اسقف انقيرا، ويوستاثيوس اسقف سيباستا، وايلوسيوس اسقف اتشيزيكوس، وليونتيوس كاهن مخدع الإمبراطور.
(4/13/3) وعند وصولهم إلى القصر، وجدوا اسفاليوس الكاهن الأنطاكى والغيور لهرطقة اتيوس على وشك المغادرة بعد أن أنهى مهمته التى سافر من أجلها، وحصل على خطاب من الإمبراطور.
(4/13/4) ومع ذلك عندما تلقى الإمبراطور من الوفد القادم من انقيرا، المفهوم الخاص بالهرطقة، أدان قنستانتيوس اودكسيوس وأتباعه وسحب الخطاب الذى أعطاه لاسفاليوس وكتب ما يلى:
الكتاب الرابع: الفصل الرابع عشر
(خطاب قنستانتيوس الإمبراطور ضد اودكسيوس وأنصاره)
" من قنستانتيوس الظافر إلى الكنيسة المقدسة فى انطاكية. لقد أتى اودكسيوس بدون سلطتنا. ولا يظن أحدٌ ذلك، لأننا بعيدين تماما عن إعتبار اشخاص مثل هؤلاء إذا ما لجأوا إلى خداع الآخرين بمعاملات كهذه، لأنهم يُثبِتون أنهم سيحيدون عن الحق فى الأمور الأسمى. لأنهم من هذه الرغبة عن أى شىء سيمتنعون طواعية إذا كانوا، من أجل السلطة، يطوفون المدن ويقفزون من مكان إلى آخر كنوع ما من الطوافين، متفرسين فى كل ركن، منقادين بالرغبة فى المزيد؟. لقد نُشِر أن هناك دجالون وسفاسطة بين هؤلاء الرجال الذين اسماءهم يمكن بالكاد الصبر عليها، وأعمالهم شريرة وكافرة. وأنتم تعلمون عمَن أُلمِّح، لأنكم مُلمّون جيدا بتعاليم اتيوس والهرطقة التى بذرها. لقد كرَّس هو وأتباعه أنفسهم بصفة أساسية لإفساد الناس. وهؤلاء الناس الماهرون تجاسروا على نشر أننا قد وافقنا على سيامتهم. مثل هذا الخبر الذى تداولوه على غرار الثرثاريين هو بعيد تماما عن الحقيقة، بل فى الحقيقة أبعد ما يكون عن الحقيقة. تذكروا الكلام الذى قلناه عندما أعلنا أولا ايماننا، فلقد اعترفنا أن مُخلصنا هو ابن الله، وأنه مثل الآب فى الجوهر substance. ولكن هؤلاء الناس الذين يتجاسرون ويذيعون أى شىء يرد على مخيلتهم بشأن الألوهية ليسوا بعيدين عن الإلحاد، وهم يجاهدون بالأكثر لنشر آرائهم بين الآخرين. ونحن مقتنعون تماما أن عواقب آثامهم ستُرَّد على رؤوسهم. وفى نفس الوقت، إنه يكفى طردهم من المجامع ومن المؤتمرات المعتادة، لأننى لن أشير الآن إلى العقوبات التى لابد وأن تحل عليهم فيما بعد ما لم يتخلوا عن جنونهم. فما أعظم هذا الشر الذى يقترفونه عندما يجتمعون مع الأشرار كما لو كان بمرسوم، ويختارون قادة الهرطقة للكهنوت ويُحطون بذلك من الرتبة المُكرَّمة كما لو كان مسموحا لهم أن يفعلوا ما يسرهم. من ذا الذى يتساهل مع مَن يملأون المدن بالكفر، الذين دنسهم الخفى فى الأقاليم الأكثر بعدا، والذين لا يسرون بشىء إلاّ بضرر الأبرياء؟. يا لها من وحدة فى عمل الشر أن يسعوا إلى شغل المقاعد المقدسة. والآن، إنه الوقت لأولئك الذين تشربوا الحق لأن يأتوا إلى النور؛ وكل من أحجم سابقا بسبب الخوف ويهرب الآن من الاجتماعات، فليأتِ إلى الوسط لأن حيّل هؤلاء الأشرار قد فُنِّدَت بعمق. ولن يكون لأى نوع من الابتداع أن يمنعهم من السلوك بتقوى. إن واجب الصالحين هو الحفاظ على إيمان الآباء، ويمكن القول وزيادته دون الانشغال بأمور أخرى. إننى أحض بشدة أولئك الذين هربوا ولو حديثا من تعاليم هذه الهرطقة أن يُصدِّقوا على المراسيم التى اصدرها بصواب للأفضل، الأساقفة الحكماء فى التعليم الإلهى".
وهكذا نحن نرى أن الهرطقة التى ظهرت عادة انومية([336]) ما لبثت أن سادت فى هذه الفترة.
الكتاب الرابع: الفصل الخامس عشر
(الإمبراطور قنستانتيوس يتوجه إلى سيرميوم ويستدعى ليبريوس، ويعيده إلى كنيسة روما، ويأمر فيلكس بمساعدة ليبريوس فى الخدمة الكهنوتية)
(4/15/1) وبعد هذه الأحداث ليس بوقت طويل، توجه الإمبراطور إلى سيرميوم. وعند استقباله لوفد من الاساقفة الغربين استدعى ليبريوس من بيرية، وحثه فى حضور مندوبى الاساقفة الشرقيين والكهنة الآخرين الذين كانوا فى المعسكر، على الاعتراف بأن الإبن ليس مساويا للآب فى الجوهر([337]). وقد حرضه على ذلك باسيليوس([338]) ويوستاثيوس، ويوسيبيوس الذى كان له تأثير قوى عليه.
(4/15/2) ووضعوا توليفة فى مستند واحد من مراسيم ضد بولس الساموسطى، وفوتينوس اسقف سيرميوم، وألحقوا بها صيغة ايمان دُوِّنت فى انطاكية عند تكريس الكنيسة، كما لو كان بعض الأشخاص تحت زعم مصطلح "مساوى فى الجوهر"consubstantial قد حاولوا وضع هرطقتهم. وتم حث ليبريوس Liberiusواثناسيوس والكسندروس وسفريانوس Severianus، وكرسنس Crescens كاهن من افريقيا، على الموافقة على هذا المستند. وبالمثل اورساكيوس Ursacius، وجرمانيوس اسقف سيرميوم Sirmium، وفالنس Valensاسقف مورسا Mursa، وكثيرين بالمثل من اساقفة الشرق الذين كانوا حاضرين.
(4/15/3) ولكنهم صدَّقوا جزئيا على اعتراف الإيمان الذى دونه ليبريوس والذى يُعلِن فيه أن أولئك الذين يؤكدون على أن الإبن ليس مثل الآب فى الجوهر substance وفى كل النواحى الأخرى، هم محرومون. لأنه عندما تلقى اودكسيوس Eudoxius وانصاره فى انطاكية المشايعين لهرطقة اتيوس، خطاب هوسيوس، قد اشاعوا أن ليبريوس قد جحد مصطلح "مساوى فى الجوهر"، وسلَّم بأن الإبن ليس مثل الآب.
(4/15/4) وبعد هذه الفروض التى وضعها الاساقفة الغربيون سمح الامبراطور بعودة ليبريوس إلى روما. وكتب الاساقفة المجتمعون آنذاك فى سيرميوم إلى فيلكس الذى ترأس كنيسة روما وإلى الأساقفة الآخرين يُرغِّبونه فى قبول ليبريوس. وأمروا أن يُشارك كلاهما فى الكرسى وفى ممارسة المهام الكهنوتية على وجه العموم بإتفاق ذهن، وأنه يجب دفن أى أمر غير شرعى قد حدث فى سيامة فيلكس أو بالنسبة لنفى ليبريوس.
(4/15/5) ولقد اعتبر شعب روما ليبريوس رجلا ممتازا جدا ويستحق أقصى تكريم لشجاعته فى معارضة الامبراطور إلى حد أنهم أثاروا شغبا بسببه لدرجة سفك الدماء. وعاش فيلكس لمدة قصيرة، ووجد ليبريوس نفسه المسؤول الأوحد عن الكنيسة. وكانت هذه الحادثة بلا شك من الله حتى لا ينحط كرسى بطرس([339]) بإعتلاء اسقفين له، لأن مثل هذا الاجراء علامة على عدم الاتفاق وغريب على القانون الكنسى.
الكتاب الرابع: الفصل السادس عشر
(الامبراطور يقترح عقد مجمع فى نيقوميديا بسبب هرطقة اتيوس وبدع انطاكية ولكن بسبب زلزال حدث، انعقد المجمع أولا فى نيقية ثم فيما بعد فى ارمينيّم وسلوقية)
(4/16/1) هكذا كانت الاحداث التى شاعت فى سيرميوم. فلقد بدا فى هذه الفترة كما لو كان خوفا من عدم مسرة الامبراطور أن اتحدت الكنائس الغربية والشرقية فى الاعتراف بنفس العقيدة. وعزم الامبراطور على عقد مجمع فى نيقية لفحص البدع التى دخلت انطاكية وهرطقة اتيوس. ولما كان باسيليوس وحزبه كارهين لأن يُعقَد المجمع فى هذه المدينة لأن المسائل العقيدية سبق أن سُوِّيَت هناك، لذلك تقرر عقده فى نيقوميدية فى بيثينية. وصدرت المراسيم بذلك وتم استدعاء معظم الاساقفة الفطناء والبلغاء من كل أمة ليتوجهوا إلى هناك فى اليوم المحدد لكى ما يكون جميع كهنة الدولة مشتركين فى المجمع وحاضرين مناقشاته.
(4/16/2) وما أن شرع عدد كبير من هؤلاء الاساقفة فى السفر حتى حلت كارثة على نيقوميديا، وهز الله المدينة كلها من أساساتها. وانتشر خبر دمار المدينة كلها فى كل مكان وذاع. فأحجم الاساقفة عن السفر، لأنه كالعادة فى مثل هذه الحالات تنتشر الاشاعات فى المناطق البعيدة بأكثر مما حدث بالفعل. فقد أُذِيع أن نيقية وبرينثوس Perinthus والمدن المجاورة وحتى القنسطنطينية قد شملتها نفس الكارثة للغاية. لأن أعداء الدين انتهزوا فرصة وقوع الكنيسة الكبرى ليصُوِّروا للإمبراطور أن حشدا من الاساقفة والرجال والنساء والأطفال كانوا قد لجأوا إلى الكنيسة على أمل أن يجدوا فيها أمانا فهلكوا جميعا.
(4/16/3) وهذا الخبر لم يكن صحيحا. فقد وقع الزلزال فى الساعة الثانية من النهار([340]) وفى هذه الساعة لا يوجد اجتماع فى الكنيسة([341]). أما الاساقفة الذين ماتوا فكانوا فقط سكروبيوسCecropius اسقف نيقوميديا، واسقف من البوسفور. وكانا خارج الكنيسة عندما وقعت الحادثة المُهلِكة. فقد ارتجت المدينة فى لحظة حتى أن الناس لم يكن فى استطاعتهم، حتى لو أرادوا، البحث عن مكان آمن يهربون إليه عند بداية الشعور بالخطر. فهُم إما هلكوا وإما حُفِظوا فى ذات الموقع الذى كانوا قائمين فيه.
(4/16/4) وقد قيل أن هذه المصيبة، كان قد تنبأ بها ارساكيوس Arsacius. وهذا كان جنديا فارسيا كان يهتم بتمريض احقاء الامبراطور. ولكن فى خلال عهد ليسينيوس Licinius صار معترفا مشهورا وترك الجيش. وذهب إلى قلعة نيقوميديا، وتبنى حياة فيلسوف رهبانى داخل جدرانها. وهنا ظهرت له رؤيا من السماء وأُمِر أن يترك المدينة فى الحال لكى ينجو من المصيبة العتيدة أن تقع. فركض بأقصى نشاط إلى الكنيسة، ورجا الاكليروس أن يرفعوا توسلات إلى الله لكيما يصرف غضبه. ولكنه وجدهم أبعد ما يكون عن تصديقه، وأنهم ينظرون إليه بسخف، وأنهم غير متوقعين للمتاعب. فعاد إلى برجه وانطرح على الأرض فى صلاة. وفى هذه اللحظة وقع الزلزال وهلك الكثيرون، والذين نجوا هربوا إلى الريف والصحراء.
وكما يحدث فى مدينة كبيرة ومزدهرة كانت هناك حرائق فى المواقد وفى أدوات الاطفاء فى كل بيت، وفى غلايات الحمامات، وفى مراجل كل مَن يستخدِم النار فى حرفته. وعندما سقطت المشغولات فى الخراب تأجج اللهب بموادها، وبالطبع كان هناك خشب جاف وعليه زيت، فساعد هذا على تأجج النيران، وإلتهمت كل المواد المتاحة، ويمكن القول، جعلت المدينة كلها كتلة واحدة من النيران، وكان من المستحيل الوصول إلى المنازل. والذين نجوا من الزلزال اندفعوا إلى القلعة، ووجدوا ارساكيوس ميتا فى البرج الذى لم يهتز، وهو منطرح على الأرض بنفس الوضع الذى بدأ به الصلاة. وقيل أنه تضرع إلى الله أن يسمح بموته لأنه فضَّل الموت عن معاينة خراب المدينة التى عرِف فيها المسيح أولا، ومارس فيها الفلسفة الرهبانية.
(4/16/5) وإذ تكلمتُ عن هذا الرجل الصالح من الجيد أن أذكر أن الله قد منحه سلطة إخراج الشياطين وتطهير الممسوسين منهم. فقد حدث أن رجلا كان عليه شيطان كان يجرى ذات يوم فى السوق عاريا وهو ممسك بسيف فى يده. وهرب الناس منه واضطربت المدينة كلها فخرج ارساكيوس لمقابلته ودعا بإسم المسيح، فخرج الشيطان بهذا الاسم واسترد الرجل صحته. وبالإضافة إلى عاليه أجرى أرساكيوس أعمالا أخرى كثيرة تجاوز قدرة ومهارة الانسان. فقد كان هناك وحش أو نوع آخر من الزحافات يختفى فى نُقرة على جانب الطريق وكان يُهلِك المارة بأنفاسه فذهب ارساكيوس إلى المكان وهو منهمك فى الصلاة. فخرج الثعبان من ذاته من الحفرة وسحق رأسه بالأرض وقتل ذاته.
كل هذه التفاصيل حصلتُ عليها من أشخاص قد سمعوها من أولئك الذين رأوا ارساكيوس.
(4/16/6) ولما تَعوَّق الاساقفة عن السفر بسبب المصيبة التى حلت بنقيوميدية، انتظر البعض تعليمات أكثر من الامبراطور، وصرَّح آخرون بآرائهم فى الإيمان فى خطابات كتبوها بشأن هذه الأمر. وتحيَّر الامبراطور فيما يختاره، فكتب إلى باسيليوس يستشيره فيما إذا كان يجب أن ينعقد المجمع أم لا.
(4/16/7) فحاول باسيليوس، على ما يظهر فى رده، أن يمدح تقواه وأن يعزّيه فى خراب نيقوميدية بأمثلة من الأسفار المقدسة، وحثه على الاسراع بعقد المجمع من أجل الدين، وألاَّ يُهمِل غيرته هذه على الدين، وألاَّ يصرف الكهنة الذين اجتمعوا معا لهذا الغرض، والذين انطلقوا بالفعل وهم الآن فى طريقهم، إلى أن تتم بعض العمليات. واقترح أيضا أن يُعقَد المجمع فى نيقية بدلا من نيقوميدية لكى ما يتم تسوية النقاط المتنازع عليها بصفة نهائية فى نفس الموقع الذى دُعِيوا إليه أولا.
(4/16/8) واعتقد باسيليوس فى كتابته هذه أن الامبراطور سيُسَّر بهذا الاقتراح إذ أنه هو نفسه كان قد اقترح عقد المجمع فى نيقية. وعندما استلم الامبراطور هذه الرسالة من باسيليوس أمر بإجتماع الاساقفة فى بداية الصيف فى نيقية، فيما عدا مَن يعانون من سقم جسدى. وشملت هذه الرسائل الكهنة والشمامسة ليقدِّموا آرائهم ويتشاوروا معا فى النقاط المتنازع عليها، ويَصِلوا إلى قرار فى كل المسائل المثارة. وحدد أن تختار الكنائس الغربية عشرة مندوبين وكثيرين من الشرق ليسنوا الشرائع التى يجب اصدارها ويقرروا ما إذا كانت متفقة مع الأسفار المقدسة أم لا، وأيضا لكي ما يمارسوا الإشرف على أعمال المجمع.
(4/16/9) وبعد مشاورات أكثر أمر الامبراطور أن يبقى الاساقفة حيث هم أو فى كنائسهم إلى أن يتقرر أين سيُعقَد المجمع، وإلى أن يتلقوا اخطارا ليتوجهوا إلى أين. ثم كتب إلى باسيليوس ليحرر رسائل إلى الاساقفة الشرقيين ليستفسر منهم أين ينصحون بعقد المجمع، لكى ما يُعلِن عنه فى بداية الربيع، لأن الامبراطور كان يرى عدم عقد المجمع فى نيقية بسبب الزلزال الذى حدث فى المنطقة.
فكتب باسيليوس إلى الاساقفة فى كل منطقة حاثا إياهم على المداولة معا، وأن يقرروا بسرعة المكان الذى يرونه لعقد المجمع. وأرفق برسالته نسخة من خطاب الامبراطور.
(4/16/10) وكما هى العادة فى الحالات المماثلة، اختلف الاساقفة فى الرأى، وتوجه باسيليوس إلى الامبراطور الذى كان آنذاك فى سيرميوم، ووجد اساقفة عديدين فى هذه المدينة كانوا قد توجهوا إليها فى شؤون خاصة بهم، وكان من بينهم مارك اسقف أرثوسا Arethusa، وجورج الذى كان قد عُيِّن لرئاسة كنيسة الأسكندرية([342]).
وعندما تقرر أخيرا أن يُعقَد المجمع فى سلوقية Seleucia، مدينة فى ايسوريا Isauria، مِن قِبل فالنس وأنصاره، لأن فالنس كان متغربا آنذاك فى سيرميوم، وكانوا مشايعين لهرطقة آنوم Anom، حثوا الاساقفة الذين كانوا فى البلاط العسكرى على الاشتراك فى صيغة إيمان كانوا قد أعدّوها وليس فيها أى ذكر لمصطلح "جوهر" substance.
(4/16/11) ولكن بينما كانت الترتيبات تتم بحماس لإنعقاد المجمع، فكَّر اودكسيوس وأكاكيوس واورساكيوسUrsacius وفالنس مع أنصارهم، أنه بينما يلتصق اساقفة كثيرون بالإيمان النيقاوى، وآخرون يفضلون الصيغة التى وضعوها عند تدشين كنيسة انطاكية، إلاَّ أن الطرفيَن قد أبقيا على استخدام مصطلح جوهر substance، وحافظا على أن الإبن مثل الآب من جميع النواحى. وكانوا مُدركين أنه إن اجتمع الطرفان فى مكان واحد فإنهم سيدينون تعاليم اتيوس Aëtius بإعتبارها مضادة لمراسيم الايمان الموقرة. لذا اشاعوا أن اساقفة الغرب مجتمعين فى ارمينيمAriminum وأن اساقفة الشرق فى سلوقية، مدينة فى ايسوريا.
(4/16/12) ولما كان من السهل اقناع عدد قليل عن عدد كبير من الافراد، فقد رأوا أنه من الممكن أن يقنعوا الطرفين متى تداولوا معهما على انفراد، أو على أية حال كسب أحد الطرفين لرأيهم، وبالتالى لا تلقى هرطقتهم إدانة جماعية. وقد انجزوا ذلك بواسطة يوسيبيوس الخصى الذى كان مشرفا على المقر الامبراطورى، وكان على صداقة مع اودكسيوس، وكان مشايعا لنفس التعاليم، وكان كثيرون ممن كانوا فى سلطة ينشدون وساطة يوسيبيوس هذا.
الكتاب الرابع: الفصل السابع عشر
(اجراءات مجمع ارمينيّم)
(4/17/1) وأُقنِع الامبراطور بأنه من غير المرغوب فيه للعامة عقد المجمع فى نفس المكان للجميع بسبب النفقات وغياب المزايا للاساقفة، وطول مسافة السفر. لذلك كَتَب للأساقفة الذين فى ارمينيّم([343])، وكذلك بالمثل للذين فى سلوقية، ووجههم إلى البدء فى فحص النقاط المتنازع عليها بشأن الايمان، ثم يلتفتوا إلى شكاوى كيرلس اسقف اورشليم والاساقفة الآخرين الذين احتجوا على عدم عدالة مراسيم الخلع والنفى الصادرة ضدهم، وأن يفحصوا الاحكام العديدة الصادرة ضد الاساقفة الآخرين. وكان هناك فى الواقع اتهامات عديدة معلقة ضد اساقفة مختلفين. فقد أُتُهِم جورج من المصريين بالظلم والنهب. وأخيرا أمر الامبراطور بإرسال عشرة مندوبين من كل مجمع لإطلاعه على الاجراءات التى اتخذوها.
(4/17/2) وبناء على هذا المرسوم اجتمع الاساقفة فى المدن المعينة وبدأ مجمع ارمينيّم اجراءاته أولا، وكان يضم اربعمائة عضوا. فهؤلاء الذين كانوا يكِنون أقصى عداوة لأثناسيوس رأوا أنه ليس هناك شىء أكثر يُتخَذ ضده. وعندما بدأوا فى مناقشة المسائل العقيدية، وقف فالنس واورساكيوس وجرمانيوس واوكسنتيوس Auxentius وكايوس Caius ودموفيلوس Demophilus فى وسط المجمع، وطلبوا أن تُلغَى سائر الصيغ الخاصة بالإيمان التى صيغت سابقا، وأن تُقبَل فقط تلك التى وُضِعَت قبل وقت قصير باللغة اللاتينية فى مجمع سيريميم.
(4/17/3) وفى هذه الصيغة عُلِّم أن الإبن بحسب الكتاب المقدس مثل الآب، ولكنها لم تذكر أى شىء عن طبيعة substance الله. وصرَّحوا أن هذه الصيغة قد صدَّق عليها الامبراطور([344])، ومن ثم من المحتم على المجمع تبنيها([345]) بدلا من استشارة الآراء الفردية لأعضاء المجمع التى تثير بالتالى المنازعات والانقسامات([346])، وأنه يجب إقرار مصطلحات تتجنب النزاع ويكون لها برهان دقيق. وأضافوا أنه من الأفضل أن نزوّد أولئك الذين يجهلون فنون الخطابة بالمفهوم الصحيح عن الله بدلا من إدخال بدع فى المصطلحات تثير النزاع.
(4/17/4) وبهذه الأمثلة، قصدوا استبعاد مصطلح "مساوى فى الجوهر" consubstantial لأنه، كما قالوا، لم يرِد فى الكتاب المقدس وأنه غامض لدى الجمهور. وأرادوا بدلا من هذا المصطلح أن يحلوا محله تعبير الإبن "مثل" الآب فى كل شىء، وهو مستمد من الكتاب المقدس.
(4/17/5) وبعدما قرأوا صيغتهم المشتملة على الأمثلة عاليه، قال لهم اساقفة كثيرون أنه لا ينبغى وضع أية صيغة ايمان جديدة فما تم سنَّه سابقا كافيا لجميع الأغراض، وأنهم قد اجتمعوا معا للتعبير عن منع كل الابتداعات. وحث هؤلاء الاساقفة أولئك الذين قدَّموا هذه الصيغة وقرأوها أن يصرحوا جهرا بإدانتهم للتعليم الأريوسى كعِلة لكل المتاعب التى طوحت بالكنائس فى كل إقليم. فإحتج اورساكيوس وفالنس وجرمانيوس واوكسنتيوس وديموفيلس وكايوس ضد هذا المطلب.
(4/17/6) فأمر المجمع بقراءة آراء الهرطقات الأخرى، لكى ما تدان كل الصيغ التى تشايع الهرطقات المضادة لنيقية، ويتم التصديق على ما يتفق مع العقائد النيقاوية، حتى لا يكون هناك أى مجال للنزاع ولا تكون هناك ضرورة فى المستقبل لعقد أى مجمع، وأن يتم اتخاذ قرار قاطع. وأشاروا إلى أنه من السخف تأليف صيغ كثيرة كما لو كانوا مبتدئين فى الإلمام بالإيمان ويرغبون فى معرفة التقليد القديم للكنيسة الذى به تدير الكنائس ذاتها، والتى شهد اسلافها بالاعتراف الجيد ونالوا اكليل الشهادة.
(4/17/7) تلك كانت الحجج التى قدَّمها الاساقفة ليبرهنوا على وجوب عدم تقديم أية ابتداعات. ولما رفض فالنس واورساكيوس واحزابهما الاقتناع بهذه الحجج، وأصرَّوا على تبنى صيغتهم، خُلِعوا، وتقرر رفض صيغتهم.
(4/17/8) وقد لوحظ أن هذه الصيغة تصرِّح فى بدايتها أنها قد وُضِعت فى سيرميوم وفى حضور قنستانتيوس الأوغسطس الخالد، ولكن فى زمن قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس Hypatius اُستُخِف بها.
(4/17/9) وقد لاحظ اثناسيوس نفس الملاحظة فى رسالة وجهها إلى أحد اصدقائه وقال: "لقد كان سخيفا أن يُنعَت قنستانتيوس بالامبراطور الخالد، وأن يُنزَع من الابن الاعتراف بأنه ابن الله الخالد". وكذلك استسخف التاريخ المقترن بالصيغة، كما لو كانت الادانة تسرى على الايمان قبل الدهور. وأيضا على الذين قد آمنوا قبل هذه الفترة.
وبعد أن شاعت هذه الاحداث فى ارمينيّم تضايق فالنس واورساكيوس معا مع أنصارهم لخلعهم فتوجهوا بأقصى سرعة إلى الامبراطور.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن عشر
(رسالة مجمع ارمينيّم إلى الامبراطور قنستانتيوس)
واختار المجمع وفدا من عشرين اسقفا، وأرسلهم إلى الامبراطور بالخطاب الآتى، الذى ترجمته من اللاتينية إلى اليونانية، كما يلى:
"إننا نؤمن أنه بأمر الله وبترتيب تقواكم قد أتينا من كل مدن الغرب لنجتمع فى ارمينيّم بغرض اعلان ايمان الكنيسة الجامعة والكشف عن أولئك الذين ابتدعوا هرطقات مضادة له. وبعد تمحيص مسهب خلصنا إلى أنه من الأفضل الاحتفاظ [بصيغة] الايمان المسلَّم لنا من القِدم والتى كرز بها الأنبياء والانجيليون ورسل ربنا يسوع المسيح الذى هو حارس امبراطوريتك، وحامى قوتك، وذلك بالتمسك بها وحراستها الى المنتهى، وأنه من السخف بالإضافة إلى أنه غير شرعى إدخال أى تغيير فى العقائد السليمة والتى نطق بها بالصواب الاساقفة فى نيقية فى زمن والدك الامبراطور قنسطنطين الشهير، الذى انتشر تعليمه وفكره بين مسامع وتفكير الجميع بوصفه المقاوِم والقاضى على هرطقة آريوس. فبواسطته لم يتم القضاء على هذا الانحراف عن الايمان فقط، بل وعلى كل الانواع الأخرى.
هناك خطر كبير فى إضافة أو استبعاد أى شىء من هذه العقائد ولو كان زهيدا فى أىٍ منها بدون إعطاء الفرصة للمقاوِمين لأن يفعلوا ما يشاءون. وبعد التأكد من الشك فى مشايعة أورساكيوس وفالنس للتعليم الاريوسى، قُطِعا من الشركة معنا على رجاء أن يعودا إن هما اعترفا بزللهما وحصلا على المغفرة، كما تشهد بذلك كتاباتهما التى نالا بها العفو عن التهم. وكانت مناسبة صدور مرسوم العفو هو مجمع ميلان عندما كان كهنة الكنيسة الرومانية أيضا حاضرون.
ولمَّا كنا نعرف أن صيغة ايمان نيقية قد سُنَّت بأقصى دقة وعناية فى حضور قنسطنطين طيب الذكر، والتى حافظ عليها طوال حياته، وفى عماده، وعندما رحل الى التمتع بسلام السماء، رأينا أنه من السخف محاولة أى تبديل فيها، وأن نُغفل هذا الكم الغفير من المعترفين القديسين، والشهداء، والكتَّاب والمؤلفين لهذه العقيدة، الذين وهبوا أقصى فكر لها، وداوموا على مرسوم الكنيسة الجامعة القديم. وقد نقل الله معرفة ايمانهم الى الزمن الذى تعيش فيه، بالمسيح يسوع ربنا، الذى به تحكم وتملك العالم. وأيضا هؤلاء الرجال البؤساء الجديرين باللوم حسب اسلوب تفكيرنا قد أظهروا ذواتهم كأبطال فى الكفر بإندفاع غير شرعى، وحاولوا أن يقلبوا نظام الحق بأكمله. لأنه بحسب أوامركم انعقد المجمع وعرض هؤلاء الرجال خداعهم وحاولوا بمكر إدخال الابتداع والقلق، ووجدوا بعض الرفقاء الذين أسرعوا بمعاملات شائنة مثل جرمانيوس واوكسنتيوس وكايوس الذين سببوا نزاعا وشقاقا. إن تعليم هؤلاء الرجال، على الرغم من أنه متماثل، إلا أنه يجاوز كل رتب التجاديف. وعندما ادركوا بعد كل شىء أنهم ليسوا من نفس الهرطقة وأنهم ليسوا متماثلين فى عناصر آرائهم الشريرة عادوا الى شعارنا لكى ما يظهر كأنه مستند آخر. لقد كان الوقت فى الحقيقة مقصر لكنه كان كافيا لدحض آرائهم. ولكى لا تهتز شؤون الكنيسة ويتم تحجيم الانزعاج والشغب الناجم عنهم هنا وهناك، بدا [لنا] أنه من الآمان المحافظة على تعاريف الايمان القديمة والراسخة ورفض الدجالين السابق ذكرهم من الشركة معنا.
ولهذا السبب ارسلنا وفدنا إلى معاليكم وزودناهم بالخطابات التى تعلن احكام المجمع. وقد أمرنا هؤلاء المندوبين بالحفاظ على الحقائق التى تم تعريفها بصواب من قِبل المؤسسين وأن يُعلِموا معاليكم بزيف ادعاء فالنس واورساكيوس بأن بضعة تغييرات قليلة فى الحقائق القويمة ستؤدى إلى سلامة الكنيسة. لأنه كيف سيحدث السلام من أولئك الذين يهدمون السلام ؟. إنهم يريدون بالأحرى إدخال النزاع والاضطراب فى المدن الأخرى وفى كنيسة روما. لذلك نرجو من معاليكم أن تهتموا بمندوبينا، وأن تشملوهم برعايتكم ولا تسمحوا للموتى([347]) بأى حط لهم بواسطة تغيير مبتدع.
ونرجوك أن تسمح لنا بالإبقاء على التعاريف والمراسيم التى استلمناها من أسلافنا، والتى نتمسك بها بعقول حاضرة وبفطنة وبالروح القدس. لأن هذه الابتداعات لا تقود فقط المؤمنين إلى الكفر بل أيضا تضلل غير المؤمنين القليلى الخبرة. كذلك نرجو أن تأمر بتزويد الاساقفة الغائبين عن كنائسهم الآن، والذين يئن بعضهم بأسقام الشيخوخة وبعضهم الآخر بالفقر بوسائل العودة إلى أوطانهم حتى لا تُحرَم الكنائس من خدمتهم مدة أول.
ومرة أخرى، نلتمس منك ألا يُستبعَد أى شىء من القرارات السابقة أو يضاف عليها، وليبق كل شىء بلا تغيير كما حُفِظ من والدكم التقى إلى اليوم، حتى لا نتعب فى المستقبل ونصير غرباء فى ايبارشياتنا.
ولكن ليمكث الاساقفة والشعب فى سلام، ليكونوا قادرين على تكريس أنفسهم للصلاة والتضرع من أجل خلاصك الشخصى، ومن أجل الامبراطورية والسلام الذى ينعم به الله عليك بغزارة بلا انقطاع. وسيريك مندوبينا اسماء وتوقيعات الاساقفة، وسيقدِّم بعضهم لمعاليكم تعليما من الأسفار المقدسة".
الكتاب الرابع: الفصل التاسع عشر
(بشأن مندوبى المجمع، وخطاب الإمبراطور. موافقة فالنس واورساكيوس بعد ذلك على الخطاب. نفى رئيس الاساقفة. مجمع نيقية وسبب عقده فى ارمينيّم)
(4/19/1) لقد نسخنا خطاب مجمع ارمينيّم. ولقد توقع فالنس واورساكيوس وانصارهما وصول مبعوثى المجمع إلى الإمبراطور. فأروا الإمبراطور المستند الذى قد قرآه وافتريا على المجمع.
(4/19/2) وكان الإمبراطور غير مسرور برفض هذه الصيغة بإعتبارها قد حُررَّت فى سيرميوم فى حضوره، ولذلك عامل فالنس واورساكيوس بإكرام بينما أظهر من ناحية أخرى ازدراءً كبيرا نحو المبعوثين بل وأجَّل مقابلتهم.
(4/19/3) ومع ذلك، كتب أخيرا خطابا إلى المجمع وأخبرهم أن الحملة التى يُعّدها ضد البرابرة قد حالت دون الالتقاء بمبعوثيهم([348])، ولذلك أمرهم بالبقاء فى ادريانوبل إلى حين عودته، حتى متى انتهت الشؤون العامة يكون ذهنه متحررا لسماع واختبار أمثلة المندوبين. وقال أنه من الصواب لمناقشة الموضوعات الإلهية ألاَّ يكون الذهن منشغلا بأمور أخرى. وهكذا كانت فحوى خطابه.
(4/19/4) فرد الاساقفة بأنهم لن يقدروا أن يحيدوا عن القرار الذى اتخذوه حسبما اعلنوا ذلك كتابة سابقا، وأنهم قد أمروا مبعوثيهم بأن يوضحوا ذلك، ورجوه أن يشملهم بإهتمامه وأن يلتقى بهم ويقرأ خطابهم. وقالوا له أنه سيكون محزنا له أن تُحرَم كنائس عديدة من اساقفتها، وأنه إذا كان مقبولا لديه يلزم أن يرجعوا إلى كنائسهم قبل الشتاء.
(4/19/5) وبعد كتابة هذا الخطاب المملوء بالتضرعات والتوسلات، انتظر الاساقفة الرد لبعض الوقت. وإذ لم يحظوا بإجابة عادوا بعد ذلك إلى مدنهم.
(4/19/6) إن ما سجلته عاليه يبرهن على أن الاساقفة الذين اجتمعوا فى ارمينيّم قد صدَّقوا على المراسيم التى صدرت قديما فى نيقية.
ولنر الآن كيف وافقوا فى آخر مرة على الصيغة المؤلَّفة من فالنس واورساكيوس وانصارهم.
(4/19/7) لقد وردت لى روايات عديدة عن هذه الاعمال. فالبعض قال أن الإمبراطور قد استاء جدا من رحيل الاساقفة من ارمينيّم بدون إذنه، فسمح لفالنس وحزبه أن يرأسوا كنائس الغرب حسب إرادتهم وأن يفرضوا صيغتهم، وأن يطردوا مَن يرفض التوقيع عليها من الكنائس، وأن يرسموا آخرين بدلا منهم. وقالوا أن فالنس انتهز هذه السلطة وفرض على بعض الاساقفة التوقيع على الصيغة، وأنه طرد كثيرين رفضوا التوقيع من كنائسهم وأولهم ليبريوس اسقف روما.
(4/19/8) وأكثر من ذلك، بعدما تصرف فالنس على هذا النحو فى ايطاليا سلك نفس المسلك فى الكنائس الشرقية. فكان المُضطِّهدون التابعون له يطوفون فى ارجاء تيراقيا، وتوقفوا كما قيل فى نيقية، مدينة بتلك المقاطعة، وعقدوا هناك مجمعا وقرأوا صيغة ارمينيّم التى ترجموها إلى اللغة اليونانية. وصَورُوها على أنها قد تم التصديق عليها من قِبل مجمع عام. وحصلوا على تبنيهم [لها] فى نيقية، وأظهروها بمكر على أنها صيغة ايمان نيقية لكى يخدعون بواسطة تماثل الاسم البسطاء، ويتسببون فى إلحاق الخطأ بالصيغة القديمة لمجمع نيقية.
هذه هى الرواية التى قُدِّمت من بعض الأطراف.
(4/19/9) ويقول آخرون: أن الأساقفة الذين اجتمعوا فى ارمينيّم كانوا قد تعبوا من طول مكوثهم فى هذه المدينة حيث لم يُكرِّمهم الإمبراطور بأى ردِ على خطابهم، ولا هو أَذِن لهم بالعودة إلى كراسيهم، وفى هذه الظروف صَوَّر لهم الذين يشايعون الرأى الهرطوقى أنه ليس من الصواب أن يكون هناك انقسام بين كهنة العالم كله من أجل كلمة واحدة [!!]، وأن المطلب الوحيد هو التسليم بأن الإبن هو "مثل" الآب لكى ما ينتهى كل نزاع لأن أساقفة الشرق لن يرتاحوا إلاَّ متى رُفضت كلمة "جوهر"substance . وبهذه التصُورات، قيل أن، أعضاء المجمع اقتنعوا أخيرا بالموافقة على صيغة اورساكيوس بعد أن ضُغِط عليهم بإحتيال.
(4/19/10) وإذ أدرك اورساكيوس وانصاره أن المبعوثين المُرسلين من المجمع إلى الإمبراطور قد يعلنون للإمبراطور ما استقر عليه الاساقفة الغربيون أولا، ويُظهرون السبب الحقيقى لرفض مصطلح "مساوى فى الجوهر"، أبقوا على هؤلاء المبعوثين فى نيقية بتراقيا خلال الشتاء، تحت زعم أنه لا يمكن الحصول على نقل عام، وأن الطرق فى حالة رديئة جدا للسفر، وحثوهم عندئذ، كما قيل، على ترجمة الصيغة التى قبلوها من اللاتينية إلى اليونانية، وأن يرسلوها إلى اساقفة الشرق. وبهذه الوسيلة، توقعوا أن تُعطِى الصيغة المنتجة انطباعا بما يُريدون بدون حدوث شك، لأنه ليس هناك مَن سيشهد بأن أعضاء مجمع ارمينيّم لم يرفضوا طواعية مصطلح (جوهر) خلافا للاساقفة الشرقيين الذين كانوا يرفضون هذا المصطلح.
(4/19/11) ولكن هذه رواية باطلة لأن سائر اعضاء المجمع فيما عدا قلة قد حافظوا بشدة على أن الإبن مثل الآب فى الجوهر، وأن الخلاف الوحيد الذى وُجِد لديهم هو أن البعض يقول أن الإبن هو من "نفس" الجوهر substance مع الآب، بينما أكدَّ آخرون أنه هو "مثل" الآب فى الجوهر. والبعض يقرر ذلك بشكل ما، وآخرون بشكل آخر.
الكتاب الرابع: الفصل العشرون
(الأحداث التى جرت فى الكنائس الشرقية. طرد ماراثونيوس وايليوسيوس من سيزيكوس. وطرد مقدونيوس لأولئك الذين حافظوا على مصطلح "مساوى فى الجوهر". اشتراك النوفاتيين مع الارثوذكس).
(4/20/1) بينما كانت الاحداث التى رويتها عاليه تحدث فى ايطاليا، كان الشرق حتى قبل أن ينعقد مجمع سلوقية مسرحا لإضطربات كبيرة. إذ قد خلع انصار اكاكيوس وباتروفيلوس Patrophilus مكسيموس، وسلَّموا كنيسة اورشليم لكيرلس. وانتهك مقدونيوس القنسطنطينية والمدن المجاورة وكان يحرضه ايلوسيوس Eleusius وماراثونيوس marathonius. وكان هذا الأخير اساسا شماسا فى كنيسته وكان مشرفا على فقراء المساكن الرهبانية من الرجال والنساء، ورقاه مقدونيوس إلى اسقفية نيقوميديا، وكان ايلوسيوس مُلحقا سابقا بالخدمة العسكرية بالقصر ليس بدون تميز، وسيم اسقفا على سيزيكوس Cyzicus. وقيل أن ايلوسيوس وماراثونيوس كانا صالحين فى سلوكهما، ولكنهما كانا غيورين فى اضطهاد أولئك الذين يتمسكون بأن الإبن من نفس جوهر الآب، على الرغم من أنهما لم يكونا قساة مثل مقدونيوس الذى لم يَطرد فقط أولئك الذين رفضوا التناول معه، بل سجن البعض وقاد آخرين إلى المحاكم. وفى مرات كثيرة أجبر الرافضين على الاشتراك معه، وقبض على النساء والأطفال الذين لم يُعمَّدوا بعد وعمَّدهم، ودمَّر كنائس عديدة فى أماكن مختلفة تحت زعم أن الإمبراطور أمر بإزالة كل بيوت الصلاة التى يُعتَرف فيها بأن الإبن هو من "نفس" جوهر الآب. وتحت هذا الزعم دُمِّرت كنيسة النوفاتيين التى كانت تقع فى حى يُدعى بيلارجوس Pelargus بالقنسطنطينية.
(4/20/2) وقد قيل أن هؤلاء الهراطقة قد قاموا بعمل شجاع بمساعدة أعضاء من الكنيسة الجامعة كان لهم مفهوم مشترك معهم. فعندما كان هؤلاء الموظفون المُكلَّفون بتدمير الكنيسة على وشك البدء فى الإزالة، اجتمع النوفاتيون معا، وقام البعض بنقض المواد، ونقلها آخرون إلى ضاحية من المدينة تدعى سايس Sycæ. وأنهُوا بسرعة هذه المهمة حيث اشترك الرجال والنساء والاولاد فيها، وبتقديمهم للعمل لله مُنِحوا إلهاما غير عادى. وبممارسة هذه الغيرة تجددت الكنيسة بسرعة. ومن هذه الظروف نالت اسم انسطاسيا([349]) Anastasia.
وبعد موت قنستانتيوس منح يوليانوس([350]) خلفه النوفاتيين الارض التى كانوا يمتلكونها سابقا وسمح لهم بإعادة بناء كنيستهم. وانتهز الناس هذه الفرصة الروحية، ونقلوا المواد الخاصة بالمبنى الأول من سايس. ولكن ذلك حدث فى وقت متأخر عن تلك التى نستعرضها الآن.
(4/20/3) وفى هذه الفترة حدث اتحاد بين النوفاتيين والكنائس الجامعة، إذ تمسك كلاهما بنفس المفاهيم عن الألوهية، وخضعوا معا لإضطهاد مشترك، واجتمع اعضاء كل منهما للصلاة معا. وإذ لم يكن لأعضاء الكنيسة الجامعة بيوت للصلاة لأن الاريوسيين كانوا قد استولوا عليها منهم، فقد كانوا يجتمعون معهم. ومن تكرار اجتماعاتهم معهم بدت الفوارق بينهم تافهة وعزموا على الاشتراك مع بعضهم بعضا. وكانت المصالحة، على ما أظن، ستكون فعالة، لولا اغتياب بعض الافراد للجمهور، زاعمين أن هناك قانونا قديما ينص على عدم اتحاد الكنيستين.
الكتاب الرابع: الفصل الواحد والعشرون
(اجراءات مقدونيوس فى مانتينيوم، ونقله من كرسيه عندما حاول نقل كفن قنسطنطين الكبير. اعلان يوليانوس قيصرا)
(4/21/1) وفى مثل هذا الوقت تقريبا قضى ايلوسيوس Eleusius بالكلية على كنيسة النوفاتيين فى سيزيكوس. وتعرَّض سكان المناطق الأخرى فى بافلاجونيا Paphlagonia وبصفة خاصة مانتينيوم Mantiniumلإضطهادات مماثلة.
(4/21/2) فقد أشاع مقدونيوس أن غالبية هؤلاء الناس اتباع لنوفاتيوس، وأن السلطة الكنسية لم تكن كافية وحدها لطردهم، لذلك أقنع الإمبراطور بإرسال اربعة كتائب ضدهم. لأنه تخيل أن هؤلاء الرجال غير المعتادين على السلاح سيرتعدون عند أول ظهور للجنود، فيوافقون على مفاهيمه.
(4/21/3) ولكن ما حدث كان العكس، إذ سلَّح شعب مانتينيوم انفسهم بالفؤوس والمناجل وبكل سلاح أيا كان فى متناول يدهم وزحفوا ضد القوات. ودارت معركة حادة وسقط كثيرون من أهل بافلاجونيا، ولكن الجنود قد قُتِلوا جميعا تقريبا. وكثيرون من اصدقاء مقدونيوس قد لاموه لأنه تسبب فى فاجعة عظيمة كهذه. وكان الإمبراطور غير مسرور بذلك ونظر إليه بأقل مما كان.
(4/21/4) وتولدت مشاعر معادية [ضده] من حادثة أخرى. فقد فكَّر مقدنيوس فى نقل جثمان الإمبراطور قنسطنطين لتداعى البناء المدفون فيه. وانقسم الشعب بخصوص هذه المسألة إلى فريقين. فالبعض وافق على المشروع بينما عارضه آخرون معتبرين إياه عملا غير تقوِى ويماثل نبش القبور. وكان أولئك المتمسكين بالإيمان النيقاوى من أصحاب الرأى الثانى، وأصروّا على ألاَّ يتعرض جثمان قنسطنطين لأية إهانة لأن الإمبراطور كان يتمسك بنفس العقائد مثلهم. ويمكننى أن أتصُور أنهم بالإضافة إلى ذلك كانوا شغوفين بمعارضة مشروعات مقدونيوس. ومع ذلك، وبدون ابطاء نقل مقدونيوس الجثمان إلى نفس الكنيسة التى كان فيها مقبرة الشهيد اكاكيوس. وانقسم الناس إلى فريقين واحد يستحسن العمل، والآخر يدينه. واندفع الفريقان ضد بعضهما إلى الكنيسة وحدثت مذبحة داخل بيت الصلاة، وامتلأ المكان المجاور له بالدماء وأجساد القتلى. وثار الإمبراطور الذى كان وقتها فى الغرب بشدة لهذا الحدث، ولام مقدونيوس بإعتباره سبب هذه الإهانة التى لحقت بأبيه، ومذبحة الشعب.
(4/21/5) وصمم الإمبراطور على زيارة الشرق، وفى طريقه أسبغ على ابن عمه([351]) يوليانوس لقب قيصر، وأرسله إلى الغال الغربية.
الكتاب الرابع: الفصل الثانى والعشرون
(مجمع سلوقية)
(4/22/1) وفى حوالى نفس الفترة اجتمع الاساقفة الشرقيون، حوالى مائة وستون بالعدد، فى سلوقية Seleucia مدينة بإيسوريا. وكان ذلك خلال قنصلية يوسيبيوس وهيباتيوس. وتوجه ليوناس Leonas الذى كان يشغل وظيفة عسكرية براقة فى القصر إلى هذا المجمع بأمر من قنستانتيوس لكى ما يتم الاعتراف العقيدى فى حضوره. وكان لوريكيوس([352]) Lauriciusالحاكم العسكرى للمنطقة حاضرا ليهىء كل ما هو ضرورى، إذ كلفه خطاب الإمبراطور بهذه الخدمة.
(4/22/2) وفى الجلسة الأولى لهذا المجمع كان اساقفة عديدون غائبين ومن بينهم باتروفيلوس اسقف اسكيثوبوليس، ومقدونيوس اسقف القنسطنطينية، وباسيليوس اسقف انقيرا، وقد لجأوا إلى اعذار متنوعة تبريرا لعدم حضورهم. فقد زعم باتروفيلس بشكوى من عينيه، وتحجج مقدونيوس بتوعك، ولكن كان يُشَك فى أنهم تعللوا بذلك خوفا من الاتهامات العديدة التى كانت ستُثار ضدهم.
(4/22/3) ولما رفض الاساقفة الآخرون فحص النقاط المتنازع عليها فى غيابهم، أمرهم ليوناس بإتخاذ الإجراءات فى الحال لفحص المسائل المثارة.
وهكذا كان البعض يرى أنه من الضرورى البدء بمناقشة الموضوعات العقيدية بينما رأى الآخرون أن الاستعلام يجب أن يؤسس أولا على سلوك أولئك الذين وُجِّهت إليهم الاتهامات، كما كان الحال مع كيرلس اسقف اورشليم ويوستاثيوس اسقف سيباسطا وآخرين.
(4/22/4) ولكن غموض خطابات الإمبراطور الذى أدى إلى وصفها أحيانا على نحو معين، وفى أحيان على نحو آخر قد أدى إلى هذا النزاع. وصار النزاع الناشىء من هذا المصدر قويا، لدرجة أنه دمَّر كل اتفاق بينهم، وانقسموا إلى قسمين.
(4/22/5) ومع ذلك سادت مشورة أولئك الذين يرون البدء بفحص العقائد. وعندما بدأوا بفحص المصطلحات رغب البعض فى رفض استعمال مصطلح "جوهر" وناشدوا الرجوع إلى صيغة الايمان التى وضعها منذ وقت قصير مارك من سيرميوم، وقبِلها الاساقفة الذين كانوا فى البلاط ومنهم باسيليوس اسقف انقيرا، ولكن آخرين كثيرين كانوا مهتمين بتبنى صيغة الايمان التى وُضِعَت عند تكريس كنيسة انطاكية.
(4/22/6) وكان المنتمون إلى الفريق الأول اودكسيوس وأكاكيوس وباتروفيلوس، وجورج اسقف الأسكندرية، وأورانيوس اسقف سيزيكوس، وصفرونيوس اسقف بومبيوبوليس Pompeiopolis فى بافلاجونيا، واتفق معهم الغالبية. ولذلك كان يظن بدرجة معقولة، أن اكاكيوس وحزبه قد تغيبوا بسبب الإختلاف بين مفاهيمهم وتلك الخاصة بالاساقفة سالفى الذكر، وأيضا لأنهم رغبوا فى تجنب مناقشة الاتهامات المُوجهة ضدهم على الرغم من أنهم قد اعترفوا سابقا كتابة لمقدونيوس اسقف القنسطنطينية أن الإبن هو "مثل" الآب فى كل شىء، وأنه من نفس الجوهر، ولكنهم يكافحون الآن بخجل تام ضد اعترافهم السابق.
(4/22/7) وبعد منازعة مطولة أعلن سلفانوس اسقف طرسوس بصوت عالى ولهجة قاطعة أنه لا ينبغى إدخال أية صيغة ايمان جديدة، وأن صيغة انطاكية هى وحدها التى تسود.
(4/22/8) وفى اليوم التالى اجتمع هؤلاء الاساقفة فى الكنيسة، واغلقوا الأبواب، وصدَّقوا على هذه الصيغة سرا. وأدان اكاكيوس هذا الاجراء، ووضع سرا الصيغة التى يتبناها أمام ليوناس ولورسيوس. وبعد ذلك بثلاثة أيام عاد هؤلاء الاساقفة إلى الاجتماع وانضم إليهم مقدونيوس وباسيليوس اللذين كانا غائبين سابقا. وصرح اكاكيوس وحزبه أنه لن يشترك فى اجراءات المجمع إلى أن يغادر الاجتماع أولئك المتهمين والمخلوعين. فأُذعِن لطلبه، لأن الفريق المعارض كان قد عزم على ألاَّ يدع له أية ذريعة ضد المجمع والذى كان من الثابت أن هذا هو هدفه لكى ما يمنع فحص هرطقة اتيوس، والاتهامات الموجهة ضده هو وحزبه.
(4/22/9) وعندما اجتمع جميع الاعضاء سجَّل ليوناس أن معه مستند مُسلَّم له من حزب أكاكيوس، وهو عبارة عن صيغة ايمانهم مع ملاحظات تمهيدية. ولم يكن أحد من الاساقفة الآخرين يعرفون أى شىء عنه لأن ليوناس الذى كان له نفس مفاهيم اكاكيوس قد احتفظ بالموضوع كله سرا.
(4/22/10) وعندما قُرِأ هذا المستند امتلأ جميع المجتمعون بالشغب لأن بعض العبارات، على الرغم من أن الإمبراطور قد حظر إدخال أى مصطلح جديد على صيغ الإيمان لا يوجد فى الأسفار المقدسة، إلاَّ أن أولئك الاساقفة الذين كانوا قد خُلِعوا، إذ كانوا قد أُحضِروا من مناطق عديدة إلى الاجتماع مع آخرين ممن قد سيموا على نحو غير شرعى قد طرحوا المجمع فى فوضى.
(4/22/11) وأُهين بعض الاعضاء ومُنِع آخرون من الكلام. وقيل أن اكاكيوس وحزبه لم يرفضوا الصيغة التى وضُعِت فى انطاكية على الرغم من أولئك الذين اجتمعوا فى تلك المدينة قد دونوها بغرض معالجة الصعوبة التى أُثيرَت آنذاك وهى أن مصطلحات مساوى فى الجوهر([353])، و"المماثلة"([354]) فى الجوهر، قد أحزنت بعض الأفراد، وأنها كما لو كانت، مثل التى أُثِيرت حديثا، تنص على أن الإبن غير مشابه للآب([355]). لذلك كان من الضروى فى هذا الصدد رفض مصطلح "مساوى فى الجوهر" و"مشابه" فى الجوهر اللذيَن لم يرِدا فى الأسفار المقدسة، لإدانة مصطلح "ليس مشابه"، وللإعتراف صراحة بأن الإبن هو مثل الآب، لأنه كما يقول بولس الرسول فى مكان ما "صُورة الله غير المنظور".
وهذه الملاحظات التمهيدية، تلتها صيغة لا هى مطابقة لصيغة نيقية، ولا لصيغة انطاكية، ومكتوبة بحِرفية تجعل اتباع اريوس واتيوس غير ضالين متى تقرر ايمانهم بذلك. فقد حُذِفت فى هذه الصيغة الكلمات التى تدين التعليم الأريوسى والتى استخدمها المجتمعون فى نيقية، وتم العبور فى صمت على الكلمات المُعلنَة فى مجمع انطاكية بشأن عدم تغير الله الابن وبخصوص صُورة الجوهر غير المتغير، والسلطة والمجد والمشورة([356]) للآب. وتم التعبير ببساطة عن الايمان بالآب والابن والروح القدس.
(4/22/12) وبعد سرد بعض الألقاب الغامضة لحالات فردية لا تدخل فى أى مفهوم عقائدى من ناحية أو أخرى، تقول أن كل مَن يشايع أى آراء أخرى خلاف تلك المذكورة فى هذه الصيغة يكون غريبا على الكنيسة الجامعة.
(4/22/13) تلك كانت محتويات الرسالة المُقدَّمة من ليوناس، والموَّقع عليها من اكاكيوس ومن الذين تبنوا مفاهيمه.
(4/22/14) وبعد أن قُرِأت صاح صفرونيوس اسقف بافلاجونيا إن قبلنا نحن يوميا آراء الأفراد كإقرار إيمان فإننا سنخفق فى إحراز دقة الحق.
فرد اكاكيوس بحسم أنه ليس هناك ما يمنع من تأليف صيغ جديدة بديلة لتلك التى لنيقية. فأجاب ايلوسيوس كالآتى: ولكن المجمع لم يجتمع الآن بغرض تعلّم ما هو معروف بالفعل، أو لقبول صيغة أخرى خلاف تلك المُصدَّق عليها بالفعل من قِبل الذين اجتمعوا فى انطاكية. وأكثر من ذلك، سواء أكنا أحياء أو أموات فإننا نتمسك بهذه الصيغة.
(4/22/15) وبعد أن أخذ النقاش مداه، انتقلوا إلى استعلام آخر، وسألوا حزب أكاكيوس على أى نحو يعتبرون الإبن "مثل" الآب. فأجابوا أن الإبن مثل الآب فى الإرادة فقط وليس فى الجوهر. وأصرَّ الآخرون على أنه مثله فى الجوهر، واقنعوا اكاكيوس من العمل الذى كان قد كتبه سابقا، وأنه كان ذات مرة من رأيهم. فرد أكاكيوس بأنه لا ينبغى أن يُحاكَم بما قد كتبه. واستمرت المنازعة بحرارة لبعض الوقت، ثم تكلم ايليوسيوس اسقف سيزيكوس كالآتى:
إن المجمع لا يهتم كثيرا بما إذا كان باسيليوس أو مارك قد أخطأ على نحو ما، ولا يقلق بفحص الصيغ وما إذا كانت مقبولة أم لا، إنما يكفى الحفاظ على الصيغة التى تم التصديق عليها فى انطاكية من قِبل السبعة والتسعين كاهنا، وإذا رغب أى شخص فى إدخال أى تعليم لا تحتويه تلك الصيغة فيجب أن يٌعتبر غريبا عن الدين وعن الكنيسة. فإستحسن أولئك الذين كانوا حسب مفاهيمه، كلامه. ونهض المجتمعون عندئذ وانصرفوا.
(4/22/16) وفى اليوم التالى رفض حزب أكاكيوس وجورج حضور المجمع، وكذلك رفض ليوناس الذى أظهر نفسه الآن صراحة أنه مع مفاهيمهم، الحضور على الرغم من كل التوسلات ليتوجه إلى هناك. ووجد أولئك الذين أُرسلَوا إليه ليستدعوه للحضور، حزب اكاكيوس فى بيته. ورذل دعوتهم بحجة أن عدم الوفاق قد ازداد فى المجمع بسبب عدم التآلف بين الاعضاء. وضاع وقت طويل على هذا النحو.
(4/22/17) ودُعِى حزب اكاكيوس مرارا من قِبل الاساقفة الآخرين لحضور الاجتماعات، ولكنهم طلبوا حوارا خاصا فى بيت ليوناس مرة، وزعموا أنهم موفدون من الإمبراطور لمحاكمة أولئك المتهمون مرة أخرى، لأنهم لم يقبلوا قانون الإيمان الذى تبناه الاساقفة الآخرون ولا تتطهروا من الجرائم التى أُتُهِموا بها، ولا فحصوا قضية كيرلس الذى قد خلعوه. وأنه ليس هناك مَن يُجبِرهم على عمل ذلك.
(4/22/18) ومع ذلك، خلع المجمع أخيرا جورج اسقف الأسكندرية، واكاكيوس اسقف قيصرية واورانيوس اسقف صُور، وباتروفيلس اسقف سكيثوبولس واودكسيوس اسقف انطاكية ومقدّمين آخرين عديدين. ومنع أشخاصا كثيرين من الشركة إلى أن يتطهروا من الجرائم المنسوبة لهم. وأُرسِلت المداولات كتابة إلى ايبارشية كل من الاكليروس وسيم ادريان كاهن انطاكي اسقفا على هذه الكنيسة بدلا من اودكسيوس، ولكن حزب اكاكيوس قبضوا عليه وسلَّموه لليوناس ولورسيوس فأودعوه السجن العسكرى، ثم ارسلوه فيما بعد إلى المنفى.
(4/22/19) لقد اعطينا الآن رواية مختصرة عن اعمال مجمع سلوقية. ومَن يرغب فى معلومات تفصيلية أكثر يمكنه أن يجدها فى اعمال المجمع المسجلة كتابة بالإختزال.
الكتاب الرابع: الفصل الثالث والعشرون
(اكاكيوس واتيوس. وكيف قاد الإمبراطور مندوبى المجمعيَن ارمينيّم وسلوقية إلى قبول نفس التعاليم)
(4/23/1) وعقب الاجراءات عاليه توجه مشايعو اكاكيوس فى الحال إلى الإمبراطور، وعاد الاساقفة الآخرون إلى أوطانهم الخاصة بهم.
وتقابل فى الطريق المندوبين العشرة الذين ارسلهم مجمع ارمينيّم مع المندوبين العشرة المُرسَلين من مجمع سلوقية، وأيضا مع حزب اكاكيوس. وهؤلاء الآخيرون كانوا قد اكتسبوا لدعواهم الرجال الرئيسين بالقصر، وبواسطة تأثيرهم ضمنوا عطف الإمبراطور. وقيل أن بعض هؤلاء قد ناصروا مفاهيم اكاكيوس فى فترة ما سابقة، والبعض أُرتُشِى بثروة الكنيسة، وآخرون خُدِعوا بالحجج الماكرة التى قُدِّمت لهم، وبرتبة مَن أقنوعهم.
(4/23/2) ولم يكن اكاكيوس، فى الحقيقة، شخصية عامة، ولكنه وُهِب بالطبيعة قوة ذكاء كبيرة وبلاغة، ولم يُظهِر أى حاجة إلى مهارة أو خطابة فى انجاز مخططاته فقد كان رئيسا لكنيسة شهيرة ويمكنه أن يتباهى بأن استاذه كان يوسيبيوس بامفيلوس الذى خلفه فى الاسقفية، وكان مُكرَّما أكثر من أى شخص آخر بسمعته وكُتُبِه. وإذ قد وُهِب كل هذه المزايا، فقد نجح بكل سهولة فى كل ما تعهد به.
(4/23/3) ولما كان فى ذلك الوقت هناك عشرون مبعوثا بالقنسطنطينية، عشرة من كل مجمع، إلى جانب اساقفة آخرين كثيرين كانوا قد توجهوا إلى المدينة لأغراض شتى فقد تلقى هونوراتس Honoratus حاكم القنسطنطينية الرئيسى، الذى عيَّنه الإمبراطور قبل رحيله إلى الغرب، توجيهات بفحص التقارير الخاصة بإتيوس وهرطقته فى حضور مقدّمى المجمع الكبير.
(4/23/4) وقد اهتم قنستانتيوس مع بعض الحكام بفحص هذه القضية، ولما ثبت أن اتيوس قد ادخل بعض العقائد التى تتعارض بصفة جوهرية مع الايمان، غضب الإمبراطور والقضاة الآخرون من عباراته التجديفية. وقد قيل أن أنصار اكاكيوس تظاهروا بجهلهم بهذا الأمر بغرض أن يحثوا الإمبراطور ومَن حوله إلى الإلمام بها، لأنهم تخيلوا أن بلاغة اتيوس لا تُقاوَم وأنه سينجح بدون أدنى زلل فى اقناع سامعيه، وأن هرطقته قادرة على التغلب على الرافضين لها.
(4/23/5) ومع ذلك عندما أثبتت النتيجة عُقم توقعاتهم، طلبوا اعتماد وفد المبعوثين من مجمع سلوقية لصيغة الايمان التى قبلها مجمع ارمينيّم. فلما رفض مبعوثى مجمع سلوقية التخلى عن مصطلح جوهر، صرح حزب اكاكيوس لهم بقَسم أنهم لم يتمسكوا بأن الإبن "غير مماثل" للآب فى الجوهر، بل أنهم على العكس مستعدين لرفض هذا الرأى كهرطقة. وأضافوا أنهم يُقدِّرون الصيغة المحررة من الاساقفة الغربيين فى ارمينيّم بدرجة كبيرة لأن كلمة جوهر قد شُطِبت منها يشكل غير متوقع لأنهم قالوا إن قُبِلت هذه الصيغة فلن يكون هناك داعى لذكر كلمة جوهر أو مصطلح "مساوى فى الجوهر" التى كان الكثيرون من الكهنة الغربيون يتمسكون بها من توقيرهم لمجمع نيقية.
(4/23/6) وكان لهذا السبب أن اعتمد الإمبراطور الصيغة لأنه عندما تذكر عدد الاساقفة الكبير الذين اجتمعوا فى ارمينيّم وفكر أنه ليس هناك خطأ فى القول سواء أن الإبن مثل الآب، أو أنه من نفس الجوهر كالآب؛ وعندما تمعن بالأكثر فى أنه ليس هناك اختلاف فى الدلالة سينتُج عن ذلك إذا ما حلَّت تعبيرات لا جدال فيها محل مصطلحات لم ترِد فى الأسفار المقدسة (مثل "مماثل" على سبيل المثال) فقد صمم على التصديق على الصيغة.
وإذ كانت هذه هى وجهة نظره فقد أمر الاساقفة بقبول الصيغة.
(4/23/7) وفى اليوم التالى كانت الترتيبات تتخذ للإحتفال الفخم لإعلانه قنصلا الذى يحدث حسب العادة الرومانية فى بداية شهر يناير، ويقضى فيه الإمبراطور طوال النهار وجزء من الليل مع الاساقفة. ونجح فى النهاية فى اقناع مبعوثى مجمع سلوقية على قبول الصيغة المحالة من ارمينيّم.
الكتاب الرابع: الفصل الرابع والعشرون
(اعتماد أنصار اكاكيوس لصيغة مجمع ارمينيّم. قائمة برؤوساء الكهنة المخلوعين واسباب ادانتهم)
(4/24/1) وبقى أنصار اكاكيوس لبعض الوقت فى القنسطنطينية، ودعا اساقفة عديدين من بيثينية من بينهم ماريس Marisاسقف خلقيدون، واولفيلاس Ulfilasاسقف القوط. واجتمع هؤلاء المدبرون معا، حوالى خمسون بالعدد، واعتمدوا الصيغة التى قُرِأت فى مجمع ارمينيّم وأضافوا مادة تنص على عدم استخدام مصطلحات جوهرsubstance وهيبوستاسيس hypostasis مرة ثانية أبدا فى الاشارة إلى الله. وأن جميع الصيغ التى سبق سنها وتلك التى ستُسَّن فى المستقبل يجب إدانتها.
(4/24/2) ثم خلعوا اتيوس من خدمة الشموسية لأنه كتب أعمالا مملوءة بالخلافات، وبألوان من المعرفة الباطلة المضادة للدعوة الكنسية، ولأنه استخدم فى الكتابة وفى الجدال تعبيرات كافرة عديدة، ولأنه كان سبب المتاعب والشقاق فى الكنيسة. وقد زُعِم أنهم لم يخلعوه بإرادتهم ولكن لمجرد أنهم أرادوا أن يزيلوا كل شكٍ من ذهن الإمبراطور نحوهم، إذ أنهم أُتُهِمُوا بأنهم يشايعون آراء اتيوس.
(4/24/3) وانتهز أولئك الذين يتبنون نفس المفاهيم فرصة استياء الإمبراطور من مقدونيوس للأسباب المذكوره عاليه وعزلوه بالتالى. وبالمثل ايلوسيوس([357]) اسقف سيزيكوس، وباسيليوس اسقف انقيرا، وهيورتاسيوس اسقف ساردس، ودراكونتيوس اسقف برجاموس. وعلى الرغم من أنهم كانوا يختلفون فى العقيدة عن أولئك الاساقفة، إلاَّ أنهم فى خلعهم لم يُوَّجه لهم أى لوم على إيمانهم، بل كانت التهم المزعومة ضدهم هى [التهم] المشتركة للجميع وهى ازعاج السلام وكسر قوانين الكنيسة.
(4/24/4) وحددوا بصفة خاصة أنه عندما كان ديوجينس الكاهن مسافرا من الأسكندرية إلى انقيرا، استولى باسيليوس على اوراقه وضربه. وخلعوا أيضا باسيليوس بدون محاكمة. وسلَّموا الكثيرين من اكليروس انطاكية وشواطىء الفرات وكيليكية وغلاطية وآسيا لحُكام المقاطعات لنفيهم وإخضاعهم لعقوبات قاسية.
(4/24/5) وهكذا قُيِّد الكثيرون بالقيود وأُجبَروا على رشوة الجنود الذين كانوا يقتادونهم حتى لا يُسيئوا معاملتهم. وأضافوا أنه فى إحدى المناسبات عندما أمر الإمبراطور أن يتم إحضار اتيوس وبعض تابعيه للمثول أمام سكربيوس ليستجوبهم فى اتهامات متعددة موجهة لهم، أوصى باسيليوس ذاك الذى كان مُكلَّفا بتنفيذ هذا المرسوم أن يسلك حسب مقتضيات حُكمه الخاص. ويقولون أنه كتب توجيهات لهرموجينس البريفكت وحاكم سوريا مُحدِدا له مَن يُنفى، وما إذا كانوا يُرسَلون أم لا. وعندما كان المنفيون يُستَدعون من الإمبراطور كان هو يعترض ولا يوافق على عودتهم ويُقاوِم رغبات الحُكام والكهنة. وقالوا أيضا أنه هيّج كهنة سيرميوم ضد جرمانيوس وأنه على الرغم من أنه دوَّن كتابة أنه قبِل جرمانيوس وفالنس واورساكيوس فى الشركة، فإنه اعتبرهم كمجرمين أمام محكمة الاساقفة الافريقيين. وأنه عندما وُوجِه بهذا العمل انكره وحلف كاذبا. وعندما حُكِم عليه بعد ذلك برر حنثه بالقَسم بأعذار سوفسطائية. وأضافوا أنه كان السبب فى النزاع والتحريض فى ايلليريا وافريقيا وفى الكنيسة الرومانية. حتى أنه ألقى بخادمة فى السجن ليُجبرها على الشهادة بالزور ضد سيدها بأنه قد عمَّد رجلا ذا حياة ماجنة إذ كان يعيش فى جماع غير شرعى مع إمرأة، ورقاه إلى رتبة الشموسية. وأنه قد أهمل فى حرم طبيب دجال تسبب فى موت اشخاص عديدين. وأنه هو وبعض الاكليروس قد ربطوا انفسهم بقَسم امام المائدة المقدسة ألا يثيروا الاتهامات ضد بعضهم بعضا، ويقولون أن هذه حيلة من رئيس الاكليروس ليحصن نفسه ضد اتهامات المُدعِين عليه. وبإختصار كانت اسباب مثل هذه هى التى خصصوها لباسيليوس.
(4/24/6) ويقولون أن يوستاثيوس قد خُلِع لأنه عندما كان كاهنا قد أُدين من أبيه يولاليوس اسقف كنيسة قيصرية كبادوكية، وحُرِم من الشركة فى الصلاة. وأيضا لأنه حُرِم من مجمع مدينة نيوقصرية ببونطس، وخُلِع من يوسيبيوس اسقف القنسطنطينية لعدم أمانته فى القيام بواجبات معينة منوط بها. وحُرِم أيضا من اسقفيته بواسطة المجتمعين فى غنغرا بسبب تعليمه وعمله وفكره المضاد للعقيدة السليمة، وحُكِم عليه بحنث القَسم من مجمع انطاكية وقد سعى أيضا إلى إلغاء المراسيم الخاصة بالحُكم فى ميليتينا Melitina. وعلى الرغم من أنه مذنب فى قضايا كثيرة فقد تطلع إلى أن يكون قاضيا على الآخرين وأن يصمهم كهراطقة.
(4/24/7) وعزلوا ايلوسيوس لأنه رفع بلا اكتراث هيراكليوس مواطن من صُور ليكون شماسا. وهذا الرجل كان قسا فى هركلوس Hercules بصُور، وكان قد أتُهِم وحوكم بالسحر. ولذلك اعتزل فى سيزيكوس وتظاهر بالإهتداء إلى المسيحية. وأكثر من ذلك بعد أن علِم ايلوسيوس بهذه الظروف لم يطرده من الكنيسة. وأيضا رسم اشخاصا مُعيّنِين بدون استعلام كانوا قد أتوا إلى سيزيكوس بعدما أُدِينوا من قِبل ماريس اسقف خلقيدون الذى شارك فى هذا المجمع.
(4/24/8) وعُزِل هيروتاسيوس لأنه رسم اسقفا لأروس بدون موافقة اساقفة ليديا. وعزلوا دراكنتيوس اسقف برغامس لأنه كان يشغل سابقا اسقفية أخرى فى غلاطية، وقرروا أنها كانت فى جميع الأحوال سيامة غير شرعية.
وبعد هذه الاجراءات عُقِد اجتماع ثانى للمجمع عُزِل فيه سيلفانوس اسقف طرسوس وصفرونيوس اسقف بومبيوبولس، والبيديوس اسقف ساتلا، ونيوناس اسقف سلوقية بإيسوريا. والسبب الذى عزوه لعزل سلفانوس هو أنه نصَّب نفسه قائدا لحزب غبى فى سلوقية والقنسطنطينية، وجعل إلى جانب ذلك ثيوفيلس رئيسا لكنيسة كاستابلا، وهذا كان قد سيم قبلا اسقفا على اليوتيروبوليس بواسطة اساقفة فلسطين، وكان قد وعد بقَسم أنه لن يقبل اسقفية أخرى بدون إذنهم. وعُزِل صفرونيوس بسبب جشعه، ولأنه قد باع بعض التقدمات المُقدَّمة للكنيسة لربحه الخاص. وإلى جانب ذلك، بعد أن أُستُدعِىَّ مرة واثنين للمثول أمام المجمع، ظهر بالكاد أخيرا وبدلا من الرد على الاتهامات المثارة ضده طلب قضاة آخرين. وعُزِل نيوناس لأنه لجأ إلى العنف فى سعيه لسيامة انيانوس فى كنيسته الخاصة الذى عُيِّن اسقفا لأنطاكية ولأنه رسم كأساقفة اشخاصا قد انشغلوا سابقا بالسياسة وكانوا يجهلون تماما الأسفار المقدسة والقوانين الكنسية والذين فضَّلوا بعد سيامتهم التمتع بممتلكاتهم عن رتبة الكهنوت وأعلنوا كتابة أنهم يُفضلون تحمل مسؤولية ممتلكاتهم عن التفرغ للمهام الاسقفية بدونها. وعُزِل البيدوس لأنه شارك فى الممارسات الخاطئة لباسيليوس وسبَّب اضطرابا عظيما، ولأنه ضدا لمراسيم مجمع ميليتينا، أعاد إلى رتبته السابقة رجلا يُدعى يوسيبيوس كان قد عُزِل لأنه جعل نكتاريا شماسة بعد أن حُرِمت بسبب نقضها لإتفاقات وأقسام، وأن منحها لهذه الكرامة كان بكل وضوح ضدا لقوانين الكنيسة.
الكتاب الرابع: الفصل الخامس والعشرون
(أسباب عزل كيرلس اسقف اورشليم، والشقاق المتبادل بين الاساقفة. وسيامة مليتيوس بواسطة الاريوسيين. وتعضيد يوستاثيوس فى اسقفية سيباستا)
(4/25/1) وبالإضافة إلى الاساقفة السابق ذكرهم عُزل كيرلس اسقف اورشليم لأنه قبل يوستاثيوس والبيدوس فى الشركة بعد أن عارضا المراسيم الصادرة من قِبل المُجتمعين فى ميليتينيا. وكان من ضمنهم كيرلس نفسه. ولأنه قبل أيضا باسيليوس وجورج اسقف لاودوكية فى الشركة بعد عزلهما فى فلسطين.
(4/25/2) وقد كانت هناك منازعة بين كيرلس واكاكيوس اسقف قيصرية عندما نُصِّب على اسقفية اورشليم بشأن حقوقه كمطران، والتى طالب بها على اساس أن اسقفيته هى كرسى رسولى. فأثارت هذه المنازعة مشاعر البُغضة بين الاسقفين، واتهم كل منهما الآخر بعدم سلامة اعتقاده الخاص بالألوهية. وفى الحقيقة كان لكل منهما [سببا] مسبقا للشك، فأكاكيوس كان متعاطفا مع هرطقة آريوس. وكان كيرلس فى جانب أولئك الذين يحافظون على أن الإبن مثل الآب فى الجوهر. فجاهد أكاكيوس وهو ممتلىء حنقا ضد كيرلس، ومدعوما من اساقفة المنطقة الذين كانوا من نفس مفاهيمه، فى عزل كيرلس بواسطة المزاعم التالية: لقد تعرضت اورشليم والريف المجاور لها ذات مرة لمجاعة. فلجأ الفقراء بأعداد غفيرة إلى اسقفهم كيرلس من أجل الطعام الضرورى. وإذ لم يكن لديه نقود لشراء المواد المطلوبة باع من أجل هذا الغرض الستائر والأوانى المقدسة للكنيسة. وقيل أن رجلا تعرف على تقدمة كان قد قدَّمها للمذبح، كجزء من ملابس ممثلة. فاستعلم متى حصلت عليها، وتأكد أن تاجرا قد باعها للممثلة وأن الاسقف قد باعها للتاجر. وتحت هذه الذريعة عُزِل اكاكيوس كيرلس([358]). وعند الفحص وجدت هذه الحقائق. ولقد قيل أن حزب اكاكيوس قد طرد من القنسطنطينية كل الاساقفة الذين عزلوا المذكورين عاليه.
(4/25/3) ورفض عشرة أساقفة من هذا الحزب التوقيع على مراسيم العزل وانفصلوا عن الآخرين، فمُنِعوا([359]) من ممارسة مهام الخدمة([360]) أو إدارة كنائسهم إلى أن يوافقوا على إعطاء توقيعاتهم. وتم النص على أنه ما لم يوافقوا خلال ستة أشهر ويُسَلِّموا بكل مراسيم المجمع يتم عزلهم([361])، ويجتمع اساقفة كل منطقة لإختيار اساقفة آخرين بدلا منهم. وبعد هذه الاعمال والقرارات أُرسِلت الخطابات إلى جميع الاساقفة والاكليروس لمراعاة واتمام نصوصها.
(4/25/4) وبناء عليه حلَّ البعض من حزب اودكسيوس، ليس بعد ذلك بوقت طويل، هنا وهناك. واستولى اودكسيوس نفسه على اسقفية مقدونيوس. وحل أثناسيوس محل باسيليوس، واستولى اونوميوس الذى كان سابقا زعيما لهرطقة تحمل اسمه على كرسى ايلوسيوس. وعُيِّن مليتيوسMeletius على كنيسة سبسطا بدلا من يوستاثيوس.
الكتاب الرابع: الفصل السادس والعشرون
(موت مقدونيوس اسقف القنسطنطينية. وماذا قال اودكسيوس فى تعليمه. سعى اكاكيوس واودكسيوس الشديد لإلغاء صيغ ايمان نقية وارمينيّم. المتاعب التى ثارت فى الكنائس)
(4/26/1) وعندما عُزِل مقدونيوس من كنيسة القنسطنطينية، اعتزل بإحدى ضواحى المدينة حيث مات. واستولى اودكسيوس على كنيسته فى السنة العاشرة من قنصلية قنستانتيوس، والثالثة من يوليانوس المُلَقب قيصر.
(4/26/2) ويُروَى أنه عند تدشين الكنيسة الكبرى التى تُدعَى صوفيا، عندما نهض([362]) ليُعلِّم الناس بدأ حديثه بهذه العبارة: الآب غير تقى أما الإبن فتقى. فلما أثارت هذه العبارة هياجا شديدا بين الناس، أردف [قائلا] اهدأوا. الآب غير تقى لأنه لا يَعبُد أحدا، أما الإبن فتقى لأنه يَعبُد الآب([363]). وبهذا التفسير انفجر السامعون فى الضحك.
(4/26/3) وهكذا سعى اودكسيوس واكاكيوس بأقصى جهد لجعل مراسيم نيقية تسقط بالنسيان. فأرسلا صيغة ارمينيّم بتفسيرات عديدة مضافة من عندهما إلى سائر المقاطعات الامبراطورية، وطلبا من الإمبراطور مرسوما بنفى كل مَن يرفض التوقيع عليها.
(4/26/4) ولكن هذا الاجراء الذى بدا لهما سهل التنفيذ كان بداية لمصائب أعظم لأنها أثارت هياجا فى سائر ارجاء الامبرطورية، وجلبت على الكنيسة فى كل اقليم اضطهادًا أكثر قسوة من ذلك الذى جرى فى عهد الأباطرة الوثنيين.
فإذا كان اضطهادا كهذا لا يُعذِّب الجسد مثل الاضطهادات السابقة، إلاَّ أنه ظهر أكثر بشاعة لكل مفكر بسبب طبيعته الشائنة لأن كلا من المُضطِّهِدين والمضطَّهَدين ينتمون إلى الكنيسة. وكان الأمر أكثر خزيا أن يُعامِل اتباع نفس الدين رفقائهم بدرجة من القسوة تحظر القوانين الكنسية تطبيقها على الاعداء والغرباء([364]).
الكتاب الرابع: الفصل السابع والعشرون
(بدعة مقدونيوس وتجديفه على الروح القدس. انتشار هرطقته بواسطة ماراثونيوس وآخرين)
(4/27/1) إن روح الابتداع، ذاتية المديح، ومن ثم فهى تتقدم أكثر وأكثر وتمتد إلى بدع أكثر بالاقتناع الذاتى. فهى تحتقر الآباء، وتسن قوانينا من عندياتها، ولا تُكرِّم عقائد القدماء بشأن الله؛ ولكنها تفكر بإستمرار فى عقائد جديدة وتضيف بلا راحة بدعة إلى أخرى كما تُظهِر الأحداث الآن.
(4/27/2) فبعد أن عُزِل مقدونيوس من كنيسة القنسطنطينية، تخلى عن مفاهيم اكاكيوس واودكسيوس. وبدأ يُعلِّم أن الإبن هو الله وأنه مثل الآب فى كل شىء وفى الجوهر substance، ولكنه زعم أن الروح القدس لا يشترك فى نفس الكرامة، ونعته بخادم ورسول، وطبَّق عليه ما شاء بدون خطأ مما يُقال عن الملائكة المقدسين. وتبنى هذا المفهوم ايلوسيوس ويوستاثيوس وسائر الاساقفة الآخرين الذين خُلِعوا من القنسطنطينية من قِبل انصار الهرطقة المضادة. وتبع بسرعة مثالهم، عدد ليس بقليل من سكان القنسطنطينية وتيراقية وهللسبونت والمقاطعات المجاورة لأن نمط حياتهم لم يكن قليل الأثر، وهذا ما جذب بصفة خاصة انتباه الناس.
(4/27/3) فلقد كان لهم جاذبية كبيرة فى السلوك. وكان تهذبهم مثل الرهبان، وحديثهم واضح وبأسلوب ملائم للإقناع. وقد قيل أن كل هذه الصفات كانت مجتمعة فى ماراثونيوس. فقد كان يشغل قبلا منصبا عاما فى الجيش تحت إمرة الحاكم. وبعد أن كدَّس بعض المال من هذه الوظيفة، ترك الخدمة العسكرية، وانشغل بالإشراف على مؤسسة لراحة المرضى والمُعدَمين. وبعد ذلك، وبناء على اقتراح يوستاثيوس اسقف سبسطا تبنى الحياة النسكية وأسس مستوطنة رهبانية فى القنسطنطينية، ما زالت موجودة إلى اليوم الحالى([365]). فأظهر حماسا كبيرا، وقدَّم جزءً من ثروته الخاصة لدعم هذه الهرطقة السابق ذكرها، إلى حد أن المقدونيين يمكن اعتبارهم بدرجة كبيرة مارثونيين.
(4/27/4) ويبدو لى، ليس بلا سبب إذ أنه يبدو أنه هو وحده مع مؤسسته كان سبب عدم تميزها فى القنسطنطينية. ففى الحقيقة، لم يكن للمقدونيين، بعد عزل مقدونيوس كنيسة أو اساقفة إلى عهد اركاديوس. وطردهم الأريوسيون من الكنائس واضطهدوا بشدة كل من تبنى مفاهيما مضادة لمفاهيمهم وجردوهم من كل اميازاتهم.
(4/27/5) وليس بالمهمة اليسيرة احصاء اسماء الكهنة الذين طُرِدوا فى هذه الفترة من مدنهم الخاصة لأننى اعتقد أنه ليس هناك مقاطعة فى الإمبراطورية كانت معفاة من مصيبة كهذه.
الكتاب الرابع: الفصل الثامن والعشرون
(الاريوسيون، إذ يتوهممون أن مليتيوس يتبنى مفاهيمهم، ينقلونه من سبسطا إلى انطاكيا. وعندما صُدِموا من إعترافه الجرىء بالعقائد الارثوذكسية يخلعونه. احلالهم ليوزيوس محله على كرسيه. مليتيوس يكون كنيسة له، ولكن المتمسكين بالمساوة فى الجوهر يبتعدون عنه لأنه سيم بواسطة الاريوسيين)
(4/28/1) وفى الفترة التى حصل فيها اودكسيوس على ادارة كنيسة القنسطنطينية كان هناك متطلعون كثيرون لكرسى انطاكية. وكما هو الحال فى مثل هذه الظروف قسَّمت الشقاقات والمنازعات الاكليروس والشعب فى انطاكية تلك. فكان كل فريق مهتم بتعيين اسقف حسب قناعته هو. فقد كانت المنازعات الخاصة بالعقيدة سائدة بينهم لدرجة أنهم لم يقدروا على الاتفاق على طريقة ترتيل المزامير. فقد كانت المزامير، كما كان مقررا سابقا، تُرتَّل بواسطة كل فرد بما يتناسب مع قانون الايمان الخاص به.
(4/28/2) هكذا كان الحال فى كنيسة انطاكية، فرأى حزب اودكسيوس أنه من الجيد اسناد اسقفية المدينة إلى مليتيوس Meletius الذى كان اسقفا لسباسطا آنذاك، وكان يتمتع ببلاغة اقناع عظيمة، وحياة ممتازة. وقد ظن جميعهم أنه حسب آرائهم. واعتقدوا أن صيته سيجذب سكان انطاكية، والمدن المجاورة للإنضمام إلى هرطقتهم، وخاصة هؤلاء الذين يُدعَون يوستاثيون، المشايعين بثبات للعقائد النيقاوية. ولكن توقعاتهم تبددت كلية.
(4/28/3) إذ يُقال أنه بمجرد وصوله إلى انطاكية إلتف حوله حشد كبير من الأريوسيين، وأولئك الذين كانوا فى شركة مع بولينس. البعض لأنه أراد أن يُشاهِد الرجل لأن صيته كان عظيما حتى قبل مجيئه، والبعض كان مهتما بما سيقوله للتعرف على طبيعة آرائه لأن الأخبار كانت قد انتشرت فى الخارج أنه يحافظ على عقائد أولئك الذين اجتمعوا فى نيقية.
(4/28/4) وفى حديثه الأول اهتم بتثقيف الناس بما ندعوه بالأخلاق، ومع ذلك أعلن جهارا أن الإبن من نفس جوهر الآب. ويُقال أنه عندما نطق بهذا الكلام بسط ارشيدياكون الكنيسة الذى كان أحد الاكليروس هناك يده وغطى فم المتكلم، ولكنه استمر فى شرح مفهومه بأكثر وضوح بواسطة اصابعه عما كان يمكنه باللغة. فقد مد ثلاثة أصابع فقط للشعب وأغلقهم ثم سمح لأصبع واحد أن يظل ممددا. وهكذا عبَّر بالإشارات عما مُنِع من النطق به. فلما أمسك الارشيدياكون بيده حرَّر الفم، فإنطلق اللسان. واستمر مليتيوس فى إعلان رأيه بأكثر وضوح وبأعلى صوت، وحث سامعيه على التمسك بقواعد مجمع نيقية، وشهد للسامعين بأن أولئك الذين يتبنون آراء أخرى قد حادوا عن الحق.
(4/28/5) فلما أصرَّ على هذا التعبير سواء بالفم أو بالإشارة عندما أغلق الارشيدياكون فمه، ثارت المنازعات بين الجانبين، ولكن ليست كتلك التى فى المصارعة الاوليمبية. فأتباع يوستاثيوس صاحوا بصوت عالى وابتهجوا وقفزوا، بينما انطرح الاريوسيون. وامتلأ اودكسيوس وحزبه بالغم من هذا الحديث، وسعوا بحيلتهم الخبيثة لطرد مليتيوس من انطاكية.
(4/28/6) وعندما استدعوه بعد ذلك، وهم يظنون أنه قد تخلى عن مفاهيمه القديمة واعتنق المفاهيم الجديدة، ووجدوا أنه متمسك بالعقائد النيقاوية بثبات وبلا اهتزاز طردوه من الكنيسة، ونفوه بأمر الإمبراطور، وعُهِد بكرسى انطاكية إلى يوذيوس Euzoïusالذى كان قد نُفِى سابقا مع اريوس.
(4/28/7) وانفصل اتباع مليتيوس عن الاريوسيين وعقدوا اجتماعاتهم على انفراد لأن أولئك الذين حافظوا منذ البداية على أن الإبن مساوى فى الجوهر مع الآب قد رفضوا قبولهم فى الشركة، لأن مليتيوس كان قد سيم بواسطة اساقفة اريوسيين، ولأن أتباعه قد عُمِّدوا بواسطة كهنة اريوسيين؛ لذلك انفصلوا عنهم على الرغم من أنه كان لهم نفس الآراء.
(4/28/8) وإذ عَلِم الإمبراطور أن عصيانا مسلحا كان على وشك أن يثور فى فارس، توجه إلى انطاكية.
الكتاب الرابع: الفصل التاسع والعشرون
(استمرار حزب اكاكيوس فى السعى لإبطال مصطلح مساوى فى الجوهر، وتأكيد هرطقة اريوس)
(4/29/1) لم يكن حزب اكاكيوس قادرا على البقاء فى هدوء، لذلك اجتمعوا معا مع آخرين قليلين فى انطاكية وأدانوا المراسيم التى كانوا قد اصدروها، وقرروا حذف "مماثل" من الصيغة التى قرأوها فى ارمينيّم وفى القنسطنطينية. وأكدوا أن الإبن لا يماثل الآب لا فى الجوهر ولا فى أى شىء. وأنه صدر من لا وجود سابق([366]) كما علَّم اريوس فى البداية. وانضم إليهم اتيوس الذى كان أول من تجرأ بعد اريوس على الاعتراف جهرا بهذه الاراء، ولهذا دُعِى اتيوس ملحدا، ودُعِى مؤيدوه آنوميين Anomians. واكسوكونتانيين Exucontians.
(4/29/2) وعندما سأل المحافظون على العقائد النيقاوية الآكاكيين كيف يقولون أن الإبن لا يماثل الآب وأنه صدر من العدم بينما هو ثابت فى صيغتهم الخاصة أنه إله من إله؟. أجابوا أن الرسول بولس يصرح أن كل الأشياء هى من الله([367])، وبذا فالإبن مضمن فى اصطلاح كل الأشياء، وأنه بهذا المعنى وطبقا للأسفار المقدسة يلزم فهم التعبيرات التى فى صيغتهم[!!].
(4/29/3) هكذا كانت سفسطتهم ومرواغاتهم التى كانوا يمارسونها([368]). وأخيرا، إذ وجدوا أنفسهم غير قادرين على إحراز أى تقدم فى المجادلة لتبرير آرائهم فى مواجهة هؤلاء الذين يضغطون عليهم فى هذه النقطة، انسحبوا من الاجتماع بعد أن قُرِأت صيغة القنسطنطينية مرة ثانية، وعادوا إلى مدنهم.
الكتاب الرابع: الفصل الثلاثون
(جورج اسقف انطاكية ورئيس كهنة اورشليم، والثلاثة اساقفة خلفاء كيرلس على التوالى. استرداد كيرلس لكرسى اورشليم)
(4/30/1) فى خلال هذه الفترة، أُجبِر اثناسيوس على البقاء فى مخبأه. وعاد جورج إلى الأسكندرية، وبدأ اضطهادا قاسيا ضد الوثنيين وضد المسيحيين المختلفين معه فى الرأى. وأُجبِر الطرفين على تقديم العبادة بالطريقة التى أملاها هو. وأينما أُثِير اعتراض كان يُجبِرهم على الطاعة بالإكراه.
(4/30/2) وكان مكروها من الحُكام لأنه كان يزدرى بهم ويُعطِى أوامره للضباط. وأبغضه الجمهور لأنه كان طاغية، وكانت قوته أكبر من الباقين. ومقته حتى الوثنيون بأكثر من مقت المسيحيين له لأنه منعهم من تقديم الذبائح، ومن الاحتفال بأعيادهم السلفية ولأنه أدخل فى إحدى المرات حاكم مصر والقوات العسكرية إلى المدينة ودمَّر تماثيلهم وزخارف معابدهم ونذورهم. وكان ذلك فى الواقع سبب موته الذى سأذكره.([369])
(4/30/3) وعند عزل كيرلس حصل ايرنيوس Erennius على كنيسة اورشليم، وخلفه هيراكليوس، وبعد هيراكليوس، هيلاريوس. لأننا جمعنا من التقليد أنه فى خلال تلك الفترة أدار هؤلاء الأشخاص الكنيسة هناك إلى عهد ثيودوسيوس عندما استرد كيرلس مرة أخرى كرسيه.
الكتــاب الخـامـس
الكتاب الخامس: الفصل الأول
(ارتداد يوليانوس الخائن. وموت الامبراطور قنستانتيوس)
(5/1/1) هكذا كانت المعاملات التى جرت فى الكنيسة الشرقية. ومع ذلك هاجم فى نفس الوقت يوليانوس القيصر البرابرة الذين يسكنون على ضفاف نهر الراين Rhine وهزمهم، وقتل الكثيرين وأسر آخرين.
(5/1/2) ولما صعَّد النصر صيته بشدة، وكان محبوبا من الكتائب لِلُطفه واعتداله، جعلوه أوغسطسا. ولكن لكى لا يُتِح لقنستانتيوس أى عذرٍ فى هذا العمل قام بتغيير الضباط الذين انتخبهم قنستانتيوس، ونشر بحماس خطابات دورية حث فيها قنستانتيوس البرابرة على دخول المقاطعات الرومانية ومساعدته ضد ماجننتيوس. ثم غيَّر فجأة ديانته على الرغم من أنه كان قد أعلن سابقا مسيحيته. وأعلن نفسه رئيسَ كهنة([370])، وتردد مرارا على المعابد الوثنية، وقدَّم الذبائح، ودعا تابعيه على تبنى شكل العبادة هذا.
(5/1/3) ولما كان الغزو الفارسى على المقاطعات الرومانية([371]) وشيكا، وكان قنستانتيوس قد توجه إلى سوريا لهذا السبب ؛ ففكر يوليانوس فى أن يقيم نفسه سيدا على ايلليريكوم Illyricum بدون معركة. لذلك انطلق مسافرا إلى هذه المقاطعة تحت ستار أنه ينوى تقديم اعتذار لقنستناتيوس على أنه قبل بدون موافقته شعار السلطة الرومانية.
(5/1/4) ويقال أنه عندما وصل إلى حدود ايلليريا، ظهرت الكروم ممتلئة بعناقيد عنب أخضر على الرغم من أن وقت المحصول كان قد مضى، وظهرت ثريا([372])، وسقطت على اتباعه قطرات بإندفاع من ندى الجو كانت كل قطرة منها تطبع علامة الصليب. وقد اعتبر هو وكثيرون ممن معه ظهور العنب فى غير موسمه فألا حسنا بينما عمل الندى لهذه العلامة على الثياب التى تقع عليها هى من قبيل المصادفة([373]).
(5/1/5) بينما ذهب آخرون بالنسبة للرمزين إلى أن الأول وهو العنب الأخضر يعنى أن الإمبراطور سيموت قبل أوانه، وأن عهده سيكون قصيرا جدا، وأما الرمز الثانى وهو الصلبان الناجمة عن قطرات الندى، فهو يشير إلى أن الديانة المسيحية هى من السماء، وأن على جميع الأشخاص أن ينالوا علامة الصليب.
(5/1/6) وأنا، من جانبى، مقتنعٌ أن أولئك الذين كانوا يعتبرون هاتين الظاهرتين كفأل غير مواتٍ ليوليانوس لم يكونوا مخطئين، فإن مرور الزمن برهن على دقة رأيهم.
(5/1/7) وعندما سمع قنستانتيوس أن يوليانوس زاحف ضده على رأس جيش، عدَل عن حملته المزمعة ضد الفارسيين، ورحل إلى القنسطنطينية، ولكنه مات أثناء السفر عندما كان قد وصل إلى موبسوكرانيا Mopsucrenæ التى تقع بالقرب من طورس Taurusبين كيليكية وكبادوكيا.
(5/1/8) وقد مات فى السنة الخامسة والأربعين من عمره بعد أن حكم ثلاثة عشر سنة بالاشتراك مع أبيه قنسطنطين، وخمسة وعشرين سنة عقب موت ذلك الإمبراطور.
(5/1/9) وبعد موت قنستانتيوس بقليل، دخل يوليانوس الذى كان قد جعل نفسه بالفعل سيد تيراقية، القنسطنطينية وأُعلِن امبراطورا. ويؤكد الوثنيون أن الشياطين والآلهة قد تنبأوا بموت قنستانتيوس وبالتغير فى الأمور قبل سفره إلى غلاطية، فنصحوه([374])بالقيام بحملته.
(5/1/10) وكان ذلك يمكن أن يكون نبوة صحيحة لو لم تكن حياة يوليانوس قد انتهت بعد ذلك بوقت قصير جدا، وعندما ذاق فقط السلطة الإمبراطورية كما فى حلم. ولكنه يبدو لى أنه من السخف أن نصدّق أنها قد تنبأت بعد أن سمعت بموت قنستانتيوس، وأنه قد حُذِّر من أن مصيره سيكون السقوط فى المعركة على يد الفارسيين، وأن عليه أن يركض إلى موت ظاهر لا يقدِّم له أية شهرة فى العالم أكثر من نقص المشورة، وبؤس القيادة. ومَن ذا الذى كان سيسمح، لو كان قد عاش، بسقوط الجزء الأكبر من المقاطعات الرومانية تحت النير الفارسى. ومع ذلك أدرجتُ هذه الملاحظة لئلا أُلاَم على حذفها، تاركا كلَّ أحدٍ يكوّن رأيه الخاص.
الكتاب الخامس: الفصل الثانى
(حياة وتعلّم وتدّرب يوليانوس، وإعتلائه للإمبراطورية)
(5/2/1) وفى الحال عقب موت قنستانتيوس، ثار رعب الاضطهاد فى الكنيسة، وكان فزع المسيحيين من توقع هذه المصيبة أكثر مما لو كانت قد حدثت بالفعل. وقد نبعت هذه الحالة من حقيقة أن طول الزمن المنقضى جعلتهم غير معتادين على مخاطر كهذه، ومن تذكر العذابات التى حلت على أبائهم، ومن معرفتهم بكراهية الإمبراطور([375])لعقائدهم. فيقال أنه قد جحد الايمان بالمسيح بالكلية، وأنه طهَّر نفسه من معموديتنا بالذبائح والأضاحى التى يسميها الوثنيون الجحد، وبدماء الحيوانات.
(5/2/2) ومنذ ذلك الوقت انغمس فى احتفالات الطقوس الوثنية جهرا وسرا. ويُروَى أنه بينما كان يفحص فى ذات يوم أحشاء ذبيحة، وجد فيها صليبا مزخرفا بتاج، فأرعب هذا المظهر أولئك الذين كانوا يساعدون فى الاحتفال لأنهم أدركوا أن ذلك إشارة إلى قوة الدين وإلى ديمومة العقائد المسيحية الخالدة، بقدر ما أن التاج الذى تُوِّج به هو رمز الغلبة، وبسبب استمراريته([376]) لأن الدائرة تبدأ من نقطة وتنتهى فى ذاتها وليس لها أى حد فى أى اتجاه([377]). ولذا أمر رئيس العرافين يوليانوس أن يطمئن لأن الأضاحى فى تقديره كانت مواتية لأن شعار العقيدة المسيحية مغروس فى الحقيقة فيها على نحو لا ينتشر كما يريد بل محصُور بمحيط الدائرة([378]).
(5/2/3) وقد سمعتُ أيضا أن يوليانوس قد نزل ذات يوم إلى آديتومadytum ([379]) مشهور وأكثر رعبا، إما بقصد المشاركة فى شعائر الاستهلال([380])، وإما لإستشارة الوحى، وأنه بواسطة الحيل الخداعية التى تدبَّر لهذه الغاية، أو عن طريق السحر، ظهرت أمامه بغتة اشباح مرعبة ومن ثمة نتيجة للخوف والاضطراب من أولئك الذين ظهروا أمامه سقط بلا وعى فى عادته الأقدم ورسم نفسه بعلامة الصليب( إذ أنه دخل الدين الجديد وهو رجل) مثلما يفعل المسيحيون عندما يواجهون خطرا ما، فاختفت الأشباح فى الحال وتبدد قصدهم.([381])
(5/2/4) وإندهش المعلِّم([382])initiator من ذلك فى البداية، ولكنه عندما تقصى عن سبب هروب الشياطين، أعلن أن هذا الاجراء([383]) كان دنسا([384]). وبعد أن وعظ الإمبراطور بأن يتشجع ولا يتردد فى العمل أو الفكر من أى شىء يخص الديانة المسيحية، وجههه ثانية إلى شعائر الإنضمام.
(5/2/5) وأحزن حماس الملك لمثل هذه الأمور، المسيحيين ليس قليلا وجعلهم قلقين بشدة، وبالأخص لأنه هو نفسه كان مسيحيا فيما سبق، ووُلِد من أبوين تقيين واعتمد فى طفولته حسب عادة الكنيسة([385]) وترعرع فى معرفة الأسفار المقدسة، ورضع من الاساقفة ورجال الكنيسة.
(5/2/6) وكان هو وجالوس ابناء قنستانتيوس أخو أبى قنسطنطين الإمبراطور، وأخو دالماتيوس. وكان لدالماتيوس ابنا بذات الاسم الذى أُعلِن قيصرا، وقُتِل على يد الجنود بعد موت قنسطنطين. وكان سيشاركه فى مصيره جالوس ويوليانوس اللذين كانا آنذاك يتيمان، لولا أن جالوس كان يُعانى وقتها من مرض وأُفتُرِض أنه سيموت سريعا بسببه موتا طبيعيا، فنجا. أما يوليانوس فبسبب صباه، إذ كان يبلغ وقتها من العمر ثمانى سنوات، فقد نجا هو أيضا. وبعد هذا الحفظ العجيب أقام الأخوان معا فى قصر يُدعَى ماكلوم Macellum يقع فى كبادوكيا، وكان هذا الموقع الامبراطورى بالقرب من جبل أرجوس Argeus وليس بعيدا عن قيصرية وكان يشتمل على قصر فخم مزودا بحمامات وبساتين وينابيع عامرة. وهنا تثقفا وتعلّما على نحو يليق بكرامة مولدهما، وتعلَّما العلوم والممارسات البدنية التى تناسب عمرهما بواسطة مدرسين لغة ومفسرين للأسفار المقدسة لدرجة أنهما أحصيا بين الاكليروس وقرأ الأسفار المقدسة للشعب، ولم يكن سلوكهما ولا أعمالهما تشير إلى أى تقصير أو إهمال فى التقوى. لقد احترما الاكليروس والصالحين الآخرين والأشخاص الغيورين على العقيدة. وكانوا يتوجهون بإنتظام إلى الكنيسة ويُقدِّمون الإكرام لمقابر الشهداء.
(5/2/7) ويُقال أنهما تعهدا بإيداع قبر الشهيد ماماس فى مبنى ضخم، وأن يقسِّما العمل بينهما، وأنه بينما كانا يتنافسان فى الشرف، حدثت واقعة مدهشة جدا لدرجة أنها لا تصدَّق بتاتا لولا شهادة كثيرين مازالوا بيننا قد سمعوها ممن كانوا شهود عيان لهذا العمل. كان الجزء من البناء الذى يعمل فيه جالوس يتقدم بسرعة وحسب المطلوب، لكن الجزء الذى كان يعمل فيه يوليانوس تخرب بعضه، وقُلِع آخر من الأرض، وجزء ثالث لم يثبت عند مجرد لمسه إذ كان يرجع إلى الوراء كما لو كانت قوة قوية ومقاومة تدفع الجدار من أسفل.
(5/2/8) وأُعتبر ذلك معجزة على نطاق واسع، ومع ذلك لم يستخلص الناس أية نتيحة من هذه الواقعة، إلى أن أظهرت الأحداث التالية مغزاها. وكان هناك قلة بدأوا يتشككون فى حقيقة ايمان يوليانوس، وتشككوا فى أنه يتظاهر بمظهر التقوى خوفا من عدم رضا الإمبراطور الذى كان آنذاك مسيحيا، ولذلك أخفى مفاهيمه الخاصة إذ لم يكن من الآمان أن يبوح بها. وتأكد أنه كان مُقادا إلى التنكر لأبائه بإتصاله بالعرافين، لأنه عندما خفتت ضغينة قنستانتيوس ضد الأخوين ذهب جالوس إلى أسيا وأقام فى افسس بينما ظل الجزء الأكبر من ممتلكاته قائما.
(5/2/9) وتوجه يوليانوس إلى القنسطنطينية وتردد على المدارس حيث لم تعد قدراته الطبيعية واستعداده للتحصيل بخفية. وقد ظهر للعامة بثياب الشخص العادى وكانت له صحبة كبيرة، ولكن لمَّا كان قريبا للإمبراطور، وقادرا على تسيير الأمور إذ كان من المتوقع أن يصير امبرطورا، فقد كان الكلام السائد عنه، كما هو الحال فى المدينة الامبراطورية الكثيفة السكان، أنه شخص جدير بالإعتبار. لذلك أُمِر بالإعتزال فى نيقوميديا.
(5/2/10) وهنا تعرَّف على مكسيموس الفيلسوف الأفسسى الذى علَّمه الفلسفة([386]) وشحنه بالكراهية إزاء الديانة المسيحية([387])، وأكثر من ذلك أكد له أن النبوات التى قيلت عنه صحيحة. ومن ثمة تلطف([388]) يوليانوس، مثلما يحدث فى حالات كثيرة، وهو يتوقع ظروف قاسية بهذه الأمنيات الرقيقة واتخذ مكسيموس صديقا له. وعندما بلغت هذه الوقائع إلى آذان قنستانتيوس، جبن يوليانوس، وبناء عليه حلق وتبنى خارجيا نمط الحياة الرهبانية([389])، بينما كان يتمسك سراً بالديانة الأخرى.
(5/2/11) وعندما بلغ سن الرجولة، صار مفتونا بالأكثر ومعجبا بفن(إن كان ذلك فنا) قراءة الطالع ومنشغلا بهذه الميول، وظن أن معرفته([390]) أمرا ضروريا، ومن ثمة ازداد فى مثل هذه الأمور كما لو كان ليس أمينا للمسيحيين. ومنذ هذه اللحظة اتحذ له اصدقاء ممن يتبعون هذه الحرفة. وبهذا الفكر جاء إلى اسيا من نيقوميديا، وهناك تآلف مع أناس من اصحاب هذه الممارسات وصار اكثر حماسا فى تتبع العرافين.
(5/2/12) وعندما قُتِل جالوس أخيه الذى قد أُعلِن قيصرا عقب إتهامه بثورة، شك قنستانتيوس أيضا فى تطلع يوليانوس إلى الإمبراطورية لذلك وضعه تحت الحراسة. وحصلت يوسيبيا Eusebiaزوجة قنستانتيوس([391]) على إذن من أجله بالإعتزال فى اثينا، ومن ثمة أقام هناك تحت زعم حضور المدارس والممارسات الوثنية، ولكن كما تقول الإشاعات كان يتصل بالعرافين بشأن مشروعاته المستقبلية.
(5/2/13) فإستدعاه قنستانتيوس وجعله قيصرا، ووعده بتزويجه من أخته، وأرسله إلى الغال لأن البرابرة الذين استأجرهم سابقا ضد ماجننتيوس إذ وجدوا أن خدماتهم غير مطلوبة، استولوا على ذلك البلد. ولما كان يوليانوس شابا فقد أُرسِل معه جنرالات على دراية بالأمور التحوطية. ولكن لما كان هؤلاء الجنرالات قد سلَّموا ذواتهم للملذات، وكان هو مهيأ للحرب كقيصر لذا هيأ جنوده معنويا للمعركة وحثهم على مواجهة الخطر وأمر بأن تُوهَب مكافأة معينة لكل مَن يقتل بربريا. وبعد أن ألهب هكذا عواطف الجنود، كتب إلى قنستانتيوس ليُطلعه على خفة الجنرالات. فلما أرسل إليه جنرالا آخر هاجم البربر وحقق نصرا، فأرسلوا سفارة يلتمسون السلام وأظهروا الرسالة التى يطلب فيها قنستانتيوس منهم دخول المقاطعات الرومانية.
(5/2/14) فأجَّل عن عمد عودة السفارة، وهاجم عددا من الأعداء وغلبهم. وقد قيل أن قنستانتيوس من باب العداوة له قد دبَّر هذه الحيلة، ولكن هذا لا يبدو محتملا لى لأنه لما كان قنستانتيوس قد استقر من نفسه على جعله قيصرا، فلماذا يُسبِغ عليه هذا اللقب ويعطيه أخته زوجة، ويستجيب لشكواه من عدم كفاءة الجنرالات ويرسل له جنرالا مناسبا بدلا منهم ليُكمِل الحرب إن لم يكن صديقا ليوليانوس؟.
ولكن، حسب تخمينى، أنعم عليه بلقب قيصر لأنه كان حسن النية نحو يوليانوس، ولكن لما أُعلِن امبراطورا بدون موافقته، تآمر ضده بواسطة برابرة الراين. وأظن أن هذه النتيجة ناتجة عن الخوف من أن يسعى يوليانوس إلى الانتقام من سوء المعاملة له هو وأخوه جالوس الذى عانا منها فى شبابهما، أو كما هو طبيعى من الغيرة لحصوله على شرف مماثل. ولكن آراء متعددة كثيرة ترِد بشأن هذا الموضوع.
الكتاب الخامس: الفصل الثالث
( عندما استقر يوليانوس فى الحكم بدأ يُدخِل بمكر الوثنية، ويهيج المعارضين للمسيحية)
(5/3/1) وعندما وجد يوليانوس نفسه الحائز المفرد للإمبراطورية، أمر بإعادة فتح سائر المعابد الوثنية فى سائر أرجاء الشرق، وإصلاح تلك التى أُهمِلت وإعادة بناء ما قد تخرب، واسترداد المذابح. وخصص مبلغا معقولا لهذا الغرض. وأعاد عادة الاحتفال بالسلف، وبالعاديات فى المدن وممارسة تقديم الأضاحى. وقدَّم هو نفسه سكيبا جهرا، وذبائح صراحة. وأنعم بالكرامة على المتحمسين بإنجاز مثل هذه الاحتفالات؛ وأعاد للكهنة والمعلميِّن والهيروفانتس([392]) hierophants ، وخدم الاصنام امتيازاتهم القديمة؛ وأكد شرعية الأباطرة السابقين فى سلوكهم، ومنحهم اعفاء من الواجبات والأعباء الأخرى كما كانت حقوقهم السابقة. وردَّ لحرس المعابد المؤن التى كانت قد أُلغيت، وأمرهم أن يتنقوا من اللحوم وأن يمتنعوا عن كل ما هو حسب الأقوال الوثنية ملائما لذاك الذى جعل غرضه السلوك فى حياة نقية [!!]. كما أمر بأن يُعهَد بمقياس النيل والرموز والألواح السلفية السابقة لمعبد سيرابيس بدلا من وضعها حسب التشريع الذى وضعه قنسطنطين فى الكنيسة. وكتب مرار إلى سكان تلك المدن التى عرف أن الوثنية قد تلاشت فيها، وسألهم أية هبات يريدون.
(5/3/2) أما بالنسبة للمسيحيين، فقد أظهر لهم صراحة مقته، رافضا تشريفهم بحضرته، أو السماح بإستقبال مبعوثيهم الذين كانوا مكلفين بإخطاره بأحزانهم. وعندما التمس سكان نصيبين معونته ضد الفارسيين الذين كانوا على وشك غزو المقاطعات الرومانية، رفض أن يساعدهم لأنهم كانوا جميعا مسيحيين ورفضوا إعادة فتح المعابد[الوثنية] أو العودة إلى المواضع المقدسة[الوثتية].
(5/3/3) وبالمثل اتهم سكان قنسطانطيا بفلسطين بإلتصاقهم بالمسيحية وأعطى جزية مدينتهم لمدينة غزة. وكانت قنسطانطيا تُدعى سابقا مايوما، وكانت تُستخدَم كمرفأ لبواخر غزة، ولكن عند سماع أن غالبية سكانها من المسيحيين رفعها قنسطنطين إلى مرتبة مدينة وأسبغ عليها اسم ابنه ووهبها شكلا معينا للحكم، لأنه اعتبر أنه لا ينبغى أن تعتمد على غزة المدينة المدمنة للطقوس الوثنية.
(5/3/4) وعند اعتلاء يوليانوس[للعرش] ذهب مواطنو غزة لمقاضاة مواطنى قنسطانطيا، وجلس الإمبراطور بنفسه كقاضى، وحكم لصالح غزة وأمر أن تكون قنسطانطيا ملحقة لغزة على الرغم من أنها تقع على مسافة عشرين استدايا منها، وألغى اسمها القديم، وظهرت منذ ذلك الحين كمنطقة بحرية لغزة، ولها الآن نفس ماجستريت المدينة والضباط الحربيين والتشريعات العامة.
(5/3/5) أما بخصوص الأمور الكنسية فما زالا مع ذلك تُعتبران مدينتان. فلكل منهما اسقفها الخاص بها واكليروس خاص بها وهما يحتفلان بأعياد قديسيهما الخاصين بكل منهما، وبتذكار الكهنة([393]) الذين قادوهما على التوالى. ومازالت حدود الحقول المتاخمة التى بها مذابح تخص كل من الاسقفيتيَن، محفوظة.
(5/3/6) وقد حدث على ما أذكر أن محاولة قد جرت من اسقف غزة عند وفاة رئيس كهنة مايوما، لضم اكليروس تلك المدينة إلى أولئك الذين تحت اشرافه، وكانت الحجة التى أوردها أنه ليس شرعيا أن يكون هناك اسقفان على مدينة واحدة. فإعترض سكان مايوما على هذا المخطط، ولما علِم مجمع الإقليم بهذه المنازعة رسم اسقفا آخر. وقرر المجمع أنهم جميعا على صواب لأن اولئك المستحقين لكرامة مدينة بسبب تقواهم يجب ألا يُحرَموا من الامتياز الممنوح لهم بالكهنوت ورتبة كنائسهم بسبب قرار اتخذه امبراطور وثنى على اساس مختلف.
الكتاب الخامس: الفصل الرابع
(يوليانوس يجلب الشرور على قيصرية. شجاعة ماريس اسقف خلقيدون)
(5/4/1) وفى نفس ذلك الوقت محا الإمبراطور قيصرية، متروبولية كبادوكية الكبيرة والثرية، والتى كانت تقع بالقرب من جبل أرجوس، من كتالوج المدن؛ بل وحرمها من اسم قيصرية ذلك الإسم الذى أُنعِم به عليها فى عهد كلوديوس قيصر، فقد كان اسمها مازقا Mazaca.
(5/4/2) فلقد نظر إلى سكان هذه المدينة بمقت شديد للغاية لأمد طويل لأنهم كانوا متعلقين بالمسيحية بشدة، وكانوا قد أزالوا سابقا معبدى ابوللو وجوبيتر حارسى المدينة. وكان المعبد المخصص [لإلهة] الحظ([394]) هو الوحيد الباقى فى تلك المدينة. وهذا كان قد هدمه المسيحيون عقب اعتلائه.
(5/4/3) وعندما سمع الإمبراطور بذلك كره كل المدينة بشدة وبالكاد صبر عليها. ولكنه لام الوثنيين أيضا، الذين كانوا عددا قليلا، لأنه كان عليهم أن يسرعوا إلى المعبد وإذا اقتضت الضرورة أن يتألموا بإبتهاج من أجل "فورتانا". وأمر بالاستيلاء على الممتلكات والأموال التى تخص كنائس المدينة وضواحى قيصرية. وحصل من هذا المصدر على نحو ثلاثمائة جنيه ذهب ونقلها إلى الخزانة العامة.
(5/4/4) وأمر أيضا بضم سائر الاكليروس إلى الكتائب التى تحت اشراف حاكم المقاطعة([395])، وكانت تعتبر اكثر الخدمات انحطاطا، وأكثرها شقاءَ بين الرومان. وأمر بإحصاء المسيحيين وخاصة النساء والأطفال على وجه الحصر، وفرض عليهم ضريبة شاقة كتلك التى تخضع لها القرى([396]). وهدد أيضا أنه ما لم يُعَاد بناء المعابد بسرعة فلن يكبح سخطه بل سيصبه على المدينة إلى أن لا يبقى أحدٌ من الجليليين فى الوجود، لأن هذا كان الإسم الذى يُطلقه على المسيحيين([397]).
وما من شك فى أن دنائته كانت ستتم بالتمام لو لم يحل موته سريعا.
(5/4/5) ولم يكن من قبيل أية مشاعر شفقة نحو المسيحيين أن عاملهم أولا بإنسانية كبيرة عما ظهر من مضطهديهم السابقين، ولكن لأنه اكتشف أن الوثنية لم تكسب أى شىء من تعذيبهم بينما تزايدت المسيحية بصفة خاصة، وصارت أكثر تكريما بموت أولئك الذين ماتوا دفاعا عن الايمان. لقد كان، ببساطة، الحسد من مجدهم([398])، فبدلا من استخدام النار ضدهم وتشويه أبدانهم مثل المضطهدين السابقين، وبدلا من رميهم فى البحار أو دفنهم أحياء لإجبارهم على تغيير مفاهيمهم لجأ إلى الحجة والاقناع، وظن أنه بهذ الوسيلة يردهم إلى الوثنية، وتوقع تحقيق مبتغاه بأكثر سهولة بهجر كل وسائل العنف وبإظهار الأريحية غير المتوقعة.
(5/4/6) ويُقال أنه فى إحدى المرات التى كان يُقدِّم فيها الذبائح فى معبد "فورتانا" يالقنسطنطينية، ظهر ماريس اسقف خلقيدون بنفسه أمامه ووبخه كرجل لا دينى وملحد وجاحد. ولم يجد يوليانوس ردا على توبيخه سوى [نعته] بالعمى لأن بصره كان قد كلَّ بالشيخوخة، وأنه يُقَاد كطفل ثم أضاف بعد ذلك، كعادته فى التكلم بالتجاديف، ساخرا أن الجليلى إلهك لن يشفيك. فأجاب ماريس "اشكر الله على عماى الذى يمنعنى من مشاهدة ذاك الذى سقط من ديانتنا". ولم يرد يوليانوس على هذا لأنه اعتبر الوثنية ستنمو بإظهار الصبر والرقة نحو المسيحيين.
الكتاب الخامس: الفصل الخامس
(يوليانوس يرد الحرية للمسيحيين ليُحدِث متاعبا أكثر داخل الكنائس. والمعاملة الشريرة المبتكرة للمسيحيين)
(5/5/1) وانطلاقا من هذه الدوافع([399])، استدعى يوليانوس جميع المسيحيين الذين نفيوا خلال عهد قنستانتيوس بسبب مفاهيمهم الدينية ورد لهم ممتلكاتهم التى صودرت حسب القانون. وأمر الشعب بعدم القيام بأى ظلم للمسيحيين أو أى إهانة وعدم اجبارهم على تقديم الذبائح بالإكراه. وأمر أنه إذا اقتربوا من المذابح([400]) بكامل إرادتهم فعليهم أولا أن يسترضوا الشياطين الذين يعتبرهم الوثنيون قادرين على منع الشر، وأن يتنقوا([401]) بواسطة اسلوب الفدية المعتادة.
(5/5/2) ومع ذلك حرم الكهنة من الحصانة والشرف والمؤونة التى كان قنستانتيوس قد أنعم بها عليهم. وألغى القوانين التى سنها لصالحهم وعزز التزاماتهم، بل ألزم حتى العذارى([402]) والأرامل اللواتى حُسِبن بسبب فقرهن ضمن الاكليروس على رد المؤونة التى خُصِصت لهن من المصادر العامة([403]). لأن قنسطنطين عندما نظم الشؤون الزمنية للكنيسة خصص قدرا معقولا من الضرائب المفروضة على كل مدينة لخدمة الاكليروس فى كل مكان. ولكى يضمن استقرار هذه الترتيبات سن قانونا ظل سارى المفعول منذ وفاة يوليانوس([404])Julian وإلى يومنا هذا.
(5/5/3) وقالوا أن هذه المعاملة كانت قاسية جدا وصارمة كما هو ظاهر من الايصالات التى كانت يعطيها المتلقون للأموال لأولئك المغتصبون والتى يُنَص فيها على أن الممتلكات المستلمة طبقا لقانون قنسطنطين قد تم ردها.
(5/5/4) ومع ذلك لم يستطع شىء أن يُنقِص من كراهية هذا الحاكم ضد الديانة [المسيحية]. ففى كراهيته الشديدة للإيمان، انتهز كل فرصة لتدمير الكنيسة. فقد جردها من كل مِلكية ونذور وأوانى مقدسة. وحكم على أولئك الذين دمروا المعابد خلال عهود قنسطنطين وقنستانتيوس بإعادة بناؤها أو بتزويد نفقات إعادة تشييدها. وعلى هذا الأساس إذ كانوا غير قادرين على دفع المبالغ أيضا بسبب مصادرة الأموال المقدسة، عُذِّب الكثيرون من الاكليروس والكهنة والمسيحيين الآخرين بقسوة، وطُرِحوا فى السجن.
(5/5/5) ويمكننا أن نخلص مما قيل أنه إذا كان يوليانوس قد سفك دماءً أقل من المضطِّهدين السابقين للكنيسة، وأنه إن كان قد أوقع عقوبات تعذيب أقل للبدن إلاَّ أنه كان اقساهم من جميع النواحى، إذ ألحق بهم الشر بكافة الطرق. [وحتى] إعادته للكهنة الذين حُكِم عليهم بالنفى من قِبل الإمبراطور قنستانتيوس، يُقال([405]) أنه قد أصدر هذا الأمر لصالحهم ليس من باب الرحمة ولكن لإثارة النزاع فيما بينهم([406])، ولكى ما تنغمس الكنائس فى الكراهية المتبادلة أيضا([407]) وتخفق فى حقوقها الخاصة. أو لأنه أراد أن يذم قنستانتيوس، فقد افترض أنه يقدر أن يجلب البغضة للمَلكية المائته من جميع النواحى، وذلك بإظهار العطف على الوثنيين الذين كانت لهم نفس مفاهيمه، وبإظهار الشفقة نحو أولئك الذين تألموا من أجل المسيح وعوملوا بغبن.
(5/5/6) وطرد الخصيان من القصر لأن الإمبراطور السابق كان ودودا معهم. وحكم على يوسيبيوس حاكم البلاط الامبراطورى بالموت عندما شك فى أنه بمشورته قد قُتِل جالوس أخيه. واستدعى اتيوس قائد الهرطقة الأنومية من الاقليم الذى نفاه إليه قنستانتيوس والذى كان محل شك بسبب صداقته لجالوس، وأرسل إليه يوليانوس خطابات مفعمة بالعطف وزوده بوسيلة نقل عامة. ولسبب مماثل حكم على ايليوسيوس اسقف سيزيكوس بغرامة ثقيلة لإعادة بناء كنيسة تخص النوفاتيين، كان قد دمرها فى عهد قنستانتيوس وذلك خلال شهرين وعلى نفقته الخاصة. وهناك أشياء ثقيلة فعلها من كراهيته لسلفه، سواء نفذها بنفسه أو سمح لآخرين بإنجازها.
الكتاب الخامس: الفصل السادس
(أثناسيوس بعد اختبائه لسبع([408]) سنوات فى دار عذراء حكيمة وجميلة، يعود للظهور جهرا فى ذلك الوقت، ويدخل كنيسة الأسكندرية )
(5/6/1) وفى هذه الفترة إذ سمع أثناسيوس الذى ظل مدة طويلة فى مخبأه عن موت قنستانتيوس، ظهر ليلا فى كنيسة الأسكندرية. وأثار ظهوره غير المتوقع أقصى اندهاش. فقد كان قد هرب من الوقوع فى يد حاكم مصر الذى، بناء على أمر الإمبراطور وطلب اصدقاء جورج، كان قد خطط للقبض عليه كما سبق أن دونا. فإختبأ فى منزل عذراء قديسة فى الأسكندرية. ويُقال أنها كانت موهوبة بجمال غير عادى لدرجة أن مَن كان يُشاهدها كان كمن شاهد ظاهرة طبيعية. وكان الفطنون والكابحين لأنفسهم يبتعدون عنها حتى لا يُوجَّه ضدهم أى لومٍ بسبب أى شكٍ. وكانت فى عز زهرة شبابها، وكانت فطنة للغاية ووديعة، وهى صفات كفيلة وحدها لأن تزين الجسد حتى لو لم تكن الطبيعة مُعِينة [له] بهباتها. لأنه ليس صحيحا كما يدَّعِى البعض أنه حسبما يكون الجسد هكذا تكون النفس؛ بل على العكس يتشكل سلوك الجسد تبعا لنشاط النفس. وأى شخص نشيط على نحو ما سيظهر بتلك الطبيعة طالما هو منشغل بهذا النشاط. وهذه الحقيقة كما نظن مقبولة من جميع الذين فحصوا الأمر بدقة.
(5/6/2) فيُروَى([409]) أن أثناسيوس قد لجأ إلى منزل هذه العذراء القديسة برؤيا من الله الذى قصد أن ينقذه بهذا الأسلوب.
(5/6/3) وعندما أفكر فى النتيجة التى تلت ذلك، لا أقدر أن أشك فى أن جميع الأحداث قد وُجِّهت من الله، لدرجة أن اقارب أثناسيوس ما كانوا ليحزنوا لو أن شخصا ما حاول أن يُزعجهم بسببه وأجبرهم على أن يُقسِموا. ولم يكن لدى الكهنة ما يوحى بشبهة اختفائه لدى هذه العذراء المحبوبة. ومع ذلك كان لديها الشجاعة فى أن تستقبله؛ وتحفظ بفطنتها حياته. لقد كانت حارسه الأمين، وخادمه المجتهد إذ كانت تغسل قدميه وتُحضِر له الطعام؛ وكانت تخدمه وحدها فى سائر الضرورات الأخرى التى تتطلبها الطبيعة، وكانت تُحضِر له ما يحتاج إليه من كتب بواسطة آخرين. وخلال الزمن الطويل الذى كانت تتم فيه هذه الخدمات لم يعرف أحدُ من سكان الأسكندرية أى شىء عنه.
الكتاب الخامس: الفصل السابع
(موت جورج اسقف الاسكندرية المفجع. نتائج أحداث معبد ميثرا. خطاب يوليانوس فى هذه الظروف العصيبة)
(5/7/1) وبعد أن حُفِظ أثناسيوس بهذه الطريقة الحكيمة، وظهر فجأة فى الكنيسة دون أن يعرف أحدٌ متى جاء، ابتهج مع ذلك شعب الأسكندرية بعودته واستردوا له كنائسه.
(5/7/2) وإذ طُرِد الاريوسيون هكذا من الكنائس، اضطروا إلى عقد اجتماعاتهم فى المنازل الخاصة، واقاموا لوكيوس Lucius محل جورج اسقفا لهرطقتهم. وكان جورج قد قُتِل بالفعل لأنه عندما أعلن الماجستريت للعامة موت قنستانتيوس، وأن يوليانوس هو الحاكم المفرد أثار الوثنيون الاسكندريون شغبا وهاجموا جورج وهم يصيحون ويوبخون وكأنهم سيقتلونه فى الحال. وأخذه قادة هذا الهياج وسجنوه. وبعد ذلك بقليل، اندفعوا باكرا فى الصباح إلى السجن وقتلوه ووضعوا جثته فوق جمل. وبعد أن عرَّضوها طوال النهار لكل إهانة أحرقوها عند قدوم الليل.
(5/7/3) ولست أجهل أن الهراطقة الأريوسيين قد أشاعوا أن جورج قد لقى هذه المعاملة القاسية من اتباع أثناسيوس([410]).
(5/7/4) ولكن، يبدو لى أن الأكثر إحتمالا هو أن الجناة لهذه الأعمال هم الوثنيون لأن لهم أكثر من سبب، أكثر من أى جماعة أخرى من الناس، لكراهيته وبصفة خاصة بسبب الإهانات التى ألحقها بأصنامهم ومعابدهم؛ وأكثر من ذلك حظره لهم من إقامة الذبائح أو ممارسة طقوس السلف بالإضافة إلى النفوذ الذى حازه فى القصُور والذى عمَّق الكراهية له، فاعتبروه، كمثل شعور الناس نحو مَن هم فى سلطة، [شخصا] لا يُطَاق.
(5/7/5) وأيضا وقعت مصيبة فى بقعة تُدعَى ميثريم Mithrium. وكانت أصلا صحراء وهبها قنستانتيوس لكنيسة الأسكندرية. وبينما كان جورج([411]) ينظف الارض لكى يقيم بيتا للصلاة، اكتشف آديتوم([412])، واكتشف فيه تماثيل وبعض أدوات الانضمام أو التطهر التى بدت غريبة ومضحكة للمشاهدين([413]). فطلب المسيحيون([414]) أن تُعرَض جهارا، وعملوا موكبا لأجل إغاظة الوثنيين.
(5/7/6) ولكن الوثنيين احتشدوا معا واندفعوا وهاجموا المسيحيين، بعدما سلَّحوا أنفسهم بالسيوف والحجارة وبأى سلاح تصل إليه أياديهم، وقتلوا الكثيرين من المسيحيين. وللسخرية بديانتهم صلبوا آخرين، وتركوا كثيرين جرحى. وأدى ذلك إلى هجر العمل الذى بدأه المسيحيون، بينما قتل الوثنيون جورج بمجرد أن سمعوا عن اعتلاء يوليانوس لعرش الامبراطورية.
(5/7/7) وهذ الواقعة، قد سلَّم بها الإمبراطور نفسه والذى ما كان ليعترف بها لولا أن الحقيقة قد أجبرته على ذلك. فأننى أظن أنه كان يود أن يكون المسيحيين أيا كانوا، وليس الوثنيون، هم قتلة جورج، ولكن ذلك لم يستطع أن يخفيه. وهذا ظاهر فى الخطاب([415]) الذى كتبه فى هذا الصدد إلى سكان الاسكندرية، والذى يعرض فيه آراء قاسية. ففى هذا الخطاب يوبخ فقط، ويعبر على العقاب، لأنه يقول أنه يخشى سيرابيس معبودهم الحارس[للمدينة] والاسكندر مؤسسها، ويوليانوس عمه الذى كان سابقا حاكما لمصر والاسكندرية. وهذا الأخير كان محبوبا جدا من الوثنيين، ويكره المسيحيين للغاية حتى أنه وضدا لرغبة الإمبراطور اضطهدهم إلى الموت.
الكتاب الخامس: الفصل الثامن
(بشأن ثيودور حارس الأوانى المقدسة فى انطاكية، وكيف سقط يوليانوس عم هذا الطاغية بسبب هذه الأوانى فريسة للدود)
(5/8/1) ويُقال أنه عندما عزم يوليانوس عم الإمبراطور على نقل هبات نذور كنيسة انطاكية التى كانت كثيرة وباهظة القيمة إلى الخزانة الإمبراطوية، وعلى غلق أماكن الصلاة أيضا، فر جميع الإكليروس.
(5/8/2) ولكن كاهنا اسمه ثيودوريتس Theodoritus وحده، لم يغادر المدينة. فقبض عليه يوليانوس بوصفه حارس الكنوز وقادر على إعطائه معلومات عنها وشوهه بدرجة مرعبة، وأخيرا أمر بقتله بالسيف بعد أن أجاب بشجاعة تحت كل عذاب وشهد جيدا لإعترافه العقيدى.
(5/8/3) وعندما حصل يوليانوس على غنيمة الأوانى المقدسة طرحها على الأرض وبدأ يسخر ويُجدِّف على المسيح بقدر ما شاء، ثم جلس عليها وتمادى بأعمال مشينة. وفى الحال تلفَت أعضاءه التناسلية والمستقيم، وتعفن لحمها وتحول إلى دود. وكان المرض يجاوز مهارة الأطباء، ومع ذلك من باب الاحترام للإمبراطور والخوف منه، لجأوا إلى تجربة كل أنواع الأدوية وذُبِِحت أغلى الطيور ليدهن بشحمها الأجزاء التالفة على أمل أن يخرج الدود إلى السطح، ولكن جميعها كان بلا أثر إذ كان [الدود] غائرا بعمق ويزحف إلى الأعضاء الحية، ولم يكف عن إلتهامها إلى أن وضع نهاية لحياته.
(5/8/4) ويبدو أن هذه المصيبة كانت بلاء من الغضب الإلهى لأن حارس الخزانة الإمبراطورية ورئيس ضباط البلاط اللذان سطيا على الكنيسة قد ماتا بأسلوب غير عادى ومرعب كحُكم من السخط الإلهى.
الكتاب الخامس: الفصل التاسع
(استشهاد القديسين يوسيبيوس ونستابوس وزينو فى مدينة غزة)
(5/9/1) وإذ تقدمتُ هكذا فى تاريخى إلى هذا الحد ورويتُ موت جورج وثيودريتوس، فإننى احسب من الصواب أن أروى بعض الأمور الخاصة بشأن وفاة الإخوة الثلاث يوسيبيوس ونستابوس وزينو سكان غزة الذين اندفعوا إليهم وهم ملتهبون بالغضب عليهم وجرّوهم من منزلهم الذى اختفوا فيه وطرحوهم فى السجن، وضربوهم. ثم اجتمعوا فى المسرح وصاحوا ضدهم بصوتٍ عالى معلنين أنهم قد دنسوا مقدسات معابدهم وأنهم انتهزوا الفرصة الماضية لإلحاق الضرر وإهانة الوثنية. وبهذا الصياح وتحريض بعضهم بعضا على قتل الإخوة امتلأوا حنقا وتحريضا متبادلا، وكما يفعل الجمهور عادة فى ثورة اندفعوا إلى السجن وعاملوا الرجال بقسوة شديدة [وطرحوهم] أرضا على ظهورهم تارة وعلى وجوههم تارة أخرى وجروا الضحايا وسحقوهم إربا على حجارة الطريق.
(5/9/2) وقد قيل لى أنه حتى النساء قد تركن فلكات مغازلهن، وثقبوهم بمثاقب الغزل، وأن الطهاة فى الأسواق قد انتشلوا من قدورهم الرغاوى مع ماء ساخن وسكبوه على الضحايا، وأشبعوهم بصاقا. وعندما مزقوا لحومهم وسحقوا جماجمهم حتى سالت مخاخهم على الأرض جرَّوا أجسادهم خارج المدينة، وألقوها فى موضع يُستخدَم بصفة عامة كبِركة لجثث الحيوانات وأشعلوا فيها نارا كبيرة وأحرقوها، وخلطوا العظام الباقية بدون إحتراق بعظام الجمال والحمير حتى لا توجد بسهولة.
(5/9/3) ولكنها لم تختف طويلا ذلك أن إمرأة مسيحية كانت ساكنة هناك رغم أنها لم تكن من مواطنى غزة قد جمعت العظام ليلا بتوجيه من الله، ووضعتها فى إناء من الفخار وأعطتها لزينو ابن عمهم ليحفظها، لأن الله أعلمها بذلك فى حلم وارشدها إلى أين يعيش الرجل، وأظهره لها قبل أن تراه لأنها لم تكن تعرف قبلا زينو، لأنه لما ثار الاضطهاد حديثا ظل مختفيا، فقد كان على وشك القبض عليه من شعب غزة وإماتته، ولكنه استطاع الهرب فى وسط انشغال الناس بقتل أبناء عمه وهرب إلى أنثيدون Anthedonالمدينة البحرية على مسافة عشرين استناديا من غزة، وكانت بالمثل مشايعة للوثنية ومخصصة لعبادة الاصنام. وعندما اكتشف سكان هذه المدينة أنه مسيحى ضربوه بشدة بالعصى على ظهره وطردوه من المدينة. فهرب عندئذ إلى ميناء غزة وأخفى نفسه. وهنا وجدته المرأة وأعطته البقايا، فإحتفظ بها بعناية إلى زمن ثيودوسيوس عندما رُسِم اسقفا وأقام بيتا للصلاة فى خارج أسوار المدينة ووضع مذبحا هناك، وأودع العظام بالقرب من تلك التى لنستور المعترف.
(5/9/4) وكان نستور هذا على علاقة وثيقة بأبناء عمه وقُبِض عليه معهم من شعب غزة وسُجِن وأُهِين. ولكن هؤلاء الذين جرّوه فى المدينة تأثروا بجماله الشخصى فأشفقوا عليه، وألقوه قبل أن يموت بالفعل خارج المدينة. فوجده بعض الأشخاص وحملوه إلى منزل زينو حيث لفظ أنفاسه أثناء تضميد جروحه وقطوعه. وعندما بدأ سكان غزة يفكرون فى عدد الجرائم التى ارتكبوها ارتعدوا لئلا ينتقم منهم الإمبراطور.
(5/9/5) وقد أُفِيد أن الإمبراطور قد استشاط غضبا وصمَّم على معاقبة الديكوريا decuria([416])، ولكن هذا الخبر زائف وليس له أى أساس خلاف الخوف والإتهام الذاتى بالجرائم. فلقد كان يوليانوس أبعد ما يكون عن الغضب ضدهم، فكما ظهر ضد الاسكندريين عند مقتل جورج، لم يكتب حتى خطاب تأنيب ضد شعب غزة. بل على العكس، عزل حاكم المقاطعة واعتبره محل شبهات، وتظاهر بأن الرأفة وحدها تمنعه من إماتته. وكانت الجريمة المنسوبة إليه هى أنه قبض على بعض سكان غزة الذين أفادت التقارير أنهم قد بدأوا الشغب والقتل، وسجنهم إلى أن تتم محاكمتهم طبقا للقانون.
(5/9/6) فقد تساءل الإمبراطور بأى حق قد فعل ذلك أن يقبض على المواطنين لمجرد الثأر لحفنة من الجليليين تعرضوا للأذى هم وآلهتهم؟. هذه هى حقيقة الأمر كما يُقال.
الكتاب الخامس: الفصل العاشر
(بشأن القديس هيلاريون، وعذارى هليوبوليس اللواتى هلكن بالخنازير، والاستشهاد الغريب لأسقف أرثوسا)
(5/10/1) وفى نفس الوقت بحث سكان غزة عن الراهب هيلاريون، ولكنه كان قد فر إلى صقلية. وهناك اشتغل بجمع الخشب من الصحارى ومن على الجبال، وكان يحملها على كتفيه ليبيعها فى المدن. وبهذه الوسيلة يحصل على الطعام الكافى للجسد. وأخيرا، تعرف عليه رجل ذو جودة كان قد طرد منه شيطانا، فإعتزل فى دلماطيا Dalmatiaوهناك بقوة الله انجز العديد من المعجزات، وبواسطة الصلاة حجز فيضان البحر، وحجز الأمواج فى حدودها ثم رحل ثانية، إذ لم تكن مسرته أن يعيش بين مَن يمدحوه، ولذا كان يُغيِّر محل اقامته لأنه كان يرغب فى أن يعيش بلا ملاحظة، وبإنتقاله المتكرر كان يتخلص من الشهرة التى تسود عليه. وأخيرا أبحر إلى جزيرة قبرص، وأقام فى بافوس Paphos. وبمناشدة اسقف قبرص، أحب الحياة هناك ومارس الفلسفة([417]) فى مكان يُدعى كاربوريس Charburis.
(5/10/2) لقد هرب من الاستشهاد بالفرار عملا بالوصية الإلهية ألاَّ نعرِّض أنفسنا للإضطهاد ولكن إن وقعنا فى يد مضطهدينا نتغلب على ظلم المقاومين بجلَدنا([418]).
(5/10/3) ولم يكن سكان غزة والأسكندرية هم فقط الذين يمارسون هذه الأعمال الوحشية ضد المسيحيين كما وصفتها. فإن سكان هليوبوليس([419]) بالقرب من جبل ليبانوس Libanus وجبل ارثوسا Arethusa([420]) بسوريا، يبدو أنهم قد فاقوهم فى القسوة، إذ كانوا مذنبين بعمل بربرى يمكن بالكاد أن يُصدَّق لولا أنه قد ثبت بشهادات أولئك الذين عاينوه.
(5/10/4) فقد جرَّدوا العذارى من ثيابهن، أولئك اللواتى لم يُشاهِدهُن أحدُ من الجمهور، وعرضوهن عراة كمشهد عام، وموضوع إهانة. وبعد إهانات أخرى عديدة حلقوهن أخيرا، ومزقوهن وحشوا أمعائهن بطعام الخنازير المعتاد. ولما كانت الخنازير لا تقدر أن تميز([421])، وإنما تندفع بحاجتها إلى الطعام المعتاد فقد مزقت بالتالى اللحم البشرى.
(5/10/5) وأنا مقتنع أن مواطنى هليوبوليس قد ارتكبوا هذه البربرية ضد العذارى القديسات بسبب حظر العادة القديمة لتسليم العذارى للدعارة مع أى وافدٍ يتصادف [مروره] قبل أن تتزوج من عريسها. فقد حُظِرَت هذه العادة بقانون سنه قنسطنطين بعد أن دمَّر معبد فينوس بهليوبوليس وشيَّد كنيسة على خرائبه([422]).
(5/10/6) وقد خضع مرقس اسقف أرثوسا، وهو رجل مسن ومكرَّم لشيبته وحياته، لموت شنيع جدا على يد سكان تلك المدينة الذين كانوا يحملون ضغينة ضده لأمد طويل، لأنه فى خلال عهد قنسطنطين كان يشجع الوثنيين بروحانياته أكثر من الاقناع، على الارتفاع إلى المسيحية([423]). وأبطل العديد من عجائب ومقدسات المعبد.
(5/10/7) وعند اعتلاء يوليانوس[للعرش] رأى الشعب([424]) هائجا ضد الاسقف، فأصدر مرسوما يأمر فيه الاسقف إما أن يدفع نفقات إعادة بناء المعبد، أو أن يعيد بناؤه. وإذ فكرَّ [الاسقف] أن الأول مستحيل، والثانى غير شرعى للمسيحى وبالأكثر للكاهن، فقد فرَّ أولا من المدينة.
(5/10/8) ولكن لمَّا سمع أن كثيرين قد تضرروا بسببه، وأن البعض قد أُقتيد إلى المحاكم، وعُذِّب آخرون، عاد وتقدَّم للآلام التى اختار الجمهور أن يفرضوها عليه أيا كانت. وبدلا من أن يُعجَب الشعب كله بأعماله الحسنة التى اظهرها لهم كفيلسوف، تصُوروا أنه كان مدفوعا بدافع الاحتقار لهم، فإندفعوا نحوه وجرّوه خلال الشوارع وهم يركلونه ويضربونه فى أى موضع كان. وانضم إليهم الناس من كل جنس ومن كل عمر بكل خفة وحنق فى هذه الاعمال الوحشية، ورُبِطت آذانه بحبال رفيعة، وتبارى أطفال المدارس عليه ودحرجوه أمامهم أكثر وأكثر، وأمسكوه ومزقوه بأدواتهم. وعندما تغطى جسده. بالجروح ولم يعد يتنفس، دهنوه بعسل ومخلوط معين ووضعوه فى سلة سمك مصنوعة من البوص ورفعوه على ربوة.
(5/10/9) ويُقال أنه بينما كان فى هذا الوضع وكانت الهوام والنحل، تلتهم لحمه قال لسكان ارثوسا أنه قد رُفِع أمامهم وأنه يقدر أن ينظر إليهم وهم أسفل، وهذا يذّكِره بالفارق الذى سيكون بينهم فى الحياة الآتية.
(5/10/10) ويُروى أيضا أن البريفكت([425]) الذى كان، رغم أنه وثنى، ذا أسلوب نبيل حتى أن ذكراه ما زالت مكرَّمة فى ذلك البلد، قد أُعجِب بضبط نفس مرقس، فنطق بشجاعة بتوبيخ ضد الإمبراطور لقبوله أن يُهزَم من رجل مسن عرَّضه لعذابات بلا حصر. وأضاف أن مثل هذه الاجراءات ستجلب للإمبراطور السخرية، بينما فى نفس الوقت ستُشتَهر أسماء المضطَّهدين.
(5/10/11) وهكذا تحمَّل المبارك كل العذابات التى لحقت به بجَلَدٍ لا يهتز حتى أن الوثنيين قد مدحوه.
الكتاب الخامس: الفصل الحادى عشر
(بخصوص استشهاد مقدونيوس وثيودولوس وجراتيان وبوسيريس وباسيليوس ويوبسكوس)
(5/11/1) وفى حوالى نفس الفترة، نال مقدونيوس وثيودلوس Theodulus وتاتيان الذين كانوا فريجيين بالمولد، الشهادة بشجاعة. فقد أعيد فتح معبد ميسوس Misos بمدينة فريجيا بواسطة حاكم المقاطعة بعد أن أُغلِق لسنوات كثيرة. فدخل هؤلاء الشهداء ليلا وحطَّموا التماثيل. ولما قُبِض على أفراد آخرين وكانوا على وشك المعاقبة على هذا العمل. قدَّموا أنفسهم كفاعلين للأمر. فعُرِض عليهم الهرب من القصاص بتقديم الذبائح للأصنام([426])، ولكن الحاكم لم يستطع إغوائهم بقبول الإعفاء بهذه الشروط. ولمَّا باءت إغراءاته بالإخفاق أساء معاملتهم بطرق شتى. وأخيرا مدّدهم على مشواة أسفلها نار مشتعلة.
(5/11/2) وبينما كانوا يهلكون، قالوا للحاكم آماخوس(فهذا كان اسمه) إذا أردت أن تطهى لحما، فإصدر أوامرك لكى ما يقلبوا أجسادنا من جنب إلى جنب على النار حتى لا نبدو غير ناضجين لمذاقك. وهكذا تحمل هؤلاء الرجال بنبل ووضعوا حياتهم للعقوبات.
(5/11/3) ويقال أن بوصيرس Busiris أيضا قد نال شهرة فى انقيرا، مدينة بغلاطية، بإعترافه الباهر والأكثر قوة بالدين. لقد كان ينتمى إلى هرطقة يوقراتيس Eucratites، فعزم حاكم المقاطعة على اساءة معاملته لسخريته بالوثنيين. فقاده جهرا لغرفة التعذيب وأمر برفعه، فرفع بوصيرس يديه إلى رأسه لكى يعرض جنبيه، وقال للحاكم لا لزوم لرفع المنفذين له ثم إنزاله بعد ذلك فهو جاهز لأداة التعذيب حسبما يُريد. فإندهش الحاكم من هذا العرض. ولكن دهشته إزدادت بالآتى: إذ ظلَّ بوصيرس رافعا يديه بثبات، وهو يتلقى الضربات ويُمزَّق جنبيه بالخطافات حسب توجيهات الحاكم. وفى الحال أُودِع بوصيرس السجن بعد ذلك، ولكنه أُطلِق سراحه بعد ذلك ليس بوقت طويل.
(5/11/4) ويقال أنه فى ذات الفترة استشهد باسيليوس كاهن كنيسة انقيرا ويوبسكيوس([427]) Eupsychius أحد نبلاء قيصرية كبادوكية الذى كان مازال عريسا. وأعتقدُ أن يوبسكيوس قد أُدِين بناء على تدمير معبد [إلهة] الحظ الذى قد سجلته، والذى أثار غضب الإمبراطور ضد كل سكان قيصرية. وفى الواقع أُدِين بعض الفاعلين بالموت وآخرين بالنفى. وقد أظهر باسيليوس غيرة شديدة فى الدفاع عن الايمان وعارض الاريوسيين خلال عهد قنستانتيوس، ومن ثم منعه حزب يودكسيوس من إقامة الإجتماعات العامة. ومع ذلك عند اعتلاء يوليانوس للعرش سافر هنا وهناك جهارا وعلنا يحض المسيحيين على الالتصاق بعقائدهم، وتجنب تدنيس أنفسهم بذبائح الوثنيين وسكائبهم. وحثهم على الازدراء بالشرف الذى يُنعِم به الإمبراطور عليهم، فمثل هذا الشرف يدوم لوقت قصير لكنه يقود إلى خزى أبدى. فعرَّضته غيرته لشك وكراهية الوثنيين. وعندما مرَّ ذات يوم ورآهم يقدمون ذبيحة، تنهد بعمق وصلى لأجل ألاَّ يسقط أى مسيحى فى خداع مماثل. فقُبِض عليه فى فى الموقع، وأُرسِل إلى حاكم المقاطعة. ووُقِّعت عليه عذابات كثيرة، فتحمل برجولة هذا الكرب ونال إكليل الشهادة.
(5/11/5) وحتى إن كانت هذه الاعمال الوحشية قد أُرتُكِبت ضد إرادة الإمبراطور، إلاَّ أنها تُقدِّم دليلا على أن عهده قد اتسم بشهداء ليسوا مجهولين، ولا هم قليلون. ولقد رويتُ هذه الوقائع على وجه الإجمال، من أجل التوضيح على الرغم من أن الاستشهاد كان، فى الحقيقة، فى فترات مختلفة.
الكتاب الخامس: الفصل الثانى عشر
(بشأن لوسيفر ويوسيبيوس الأسقفيَن الغربييَن. وعقد يوسيبيوس مع اثناسيوس واساقفة آخرون لمجمع فى الأسكندرية لتأكيد ايمان نيقية وتعريف المساواة للروح مع الآب والإبن. ومرسومهم بشأن الجوهر والأقنوم).
(5/12/1) وبعد عودة أثناسيوس، عاد لوسيفر([428]) Luciferاسقف كاجليارى([429]) Cagliari بساردينيا، ويوسيبيوس اسقف فيرسللى Vercelli مدينة بليجوريا Liguriaبإيطاليا، من طيبة العليا([430]). فقد كان قنستانتيوس قد حكم عليهما بالنفى المؤبد فى ذلك البلد.
(5/12/1) وكان يوسيبيوس قد جاء إلى الأسكندرية من أجل تنظيم وتصنيف الأمور الكنسية العامة. وهناك بالإتفاق مع أثناسيوس عُقِد مجمع من أجل تثبيت العقائد النقياوية. وأرسل لوسيفر شماسا مع يوسيبيوس ليحل محله فى المجمع، وذهب هو بنفسه إلى انطاكية ليفتقد الكنيسة هناك فى متاعبها. وكان قد حدث شقاق بين الاريوسيين بقيادة يوزويوس Euzoïus وأتباع مليتيوس الذين كما سجلتُ عاليه كانوا مختلفين مع مَن يتبنى ذات آرائهم. وإذ كان مليتيوس لم يعد آنذاك من المنفى فقد سام لوسيفر بولينوس Paulinus اسقفا.
(5/12/2) وفى نفس الوقت اجتمع([431]) اساقفة مدن كثيرة فى الأسكندرية مع أثناسيوس ويوسيبيوس وأكدوا عقائد نيقية، واعترفوا بأن الروح القدس هو من نفس جوهر substance الآب والإبن واستخدموا مصطلح الثالوث Trinity. وأعلنوا أن الطبيعة nature البشرية التى اتخذها "الله الكلمة" يجب أن تُعتَبر على أنها ليست جسدا كاملا فقط، ولكن أيضا نفسا كاملة. كما علَّم فلاسفة الكنيسة القدماء.
(5/12/3) ولما كانت الكنيسة قد تطوحت بالمسائل الخاصة بمصطلحات جوهر substance وهيبوستاسيس hypostasis([432]) وتكررت المنازعات والمجادلات بشأن هاتين الكلمتين، فقد نصا بحكمة، على ما أظن، على عدم استعمالهما من الآن فصاعدا، للإشارة إلى الله فيما عدا دحض مفهوم السابليين، لئلا ينتج عن ندرة استعمالهما أن يُسمّى نفس الشىء الواحد بثلاثة أسماء، ولكن يجب أن يُفهَم ذاك الواحد بإصطلاحه الخاص بطريقة ثلاثية.
(5/12/4) هذه كانت المراسيم التى أصدرها الاساقفة المجتمعون فى الأسكندرية. وقرأ أثناسيوس فى المجمع المستند الخاص بهروبه والذى دافع فيه عن نفسه([433]).
الكتاب الخامس: الفصل الثالث عشر
( بشأن بولينوس ومليتيوس رؤساء كهنة انطاكية؛ وكيف عادى كل من لوسيفر ويوسيبيوس بعضهما بعضا. ودفاع يوسيبيوس وهيلاريوس عن الإيمان النيقاوى)
(5/13/1) وعقب انتهاء المجمع توجه يوسيبيوس إلى انطاكية([434])، فوجد اختلافا فى الرأى يسود على الشعب. فأولئك المرتبطون بمليتيوس لم يرغبوا فى الانضمام إلى بولينوس، وعقدوا اجتماعهم منفردين. فحزن يوسيبيوس كثيرا من حالة الأمور هذه لأن السيامة ما كان يجب أن تتم بدون الموافقة الجماعية للشعب. ولكن من باب احترامه للوسيفر لم يشأ أن يعبّر عن عدم رضائه جهرا. ورفض الاشتراك مع أىٍ من الطرفين، ولكنه وعد بتدارك أحزانهم الخاصة بواسطة مجمع.
(5/13/2) وبينما كان يجاهد هكذا فى استرداد الوفاق والإجماع عاد مليتيوس من المنفى ووجد أن أولئك الذين يشايعون مفاهيمه قد انشقوا عن الحزب الآخر، فعقد اجتماعا معهم خارج أسوار المدينة. وجمع بولينوس حزبه فى نفس الوقت داخل المدينة، وبسبب لطفه وحياته الفاضلة وشيخوخته كسب احترام يوزيوس Euzoïusالرئيس الأريوسى الذى بدلا من أن يطرده من المدينة أعطاه كنيسة لإستعماله الخاص.
(5/13/3) وعندما اخفقت كل مساعى يوسيبيوس فى إعادة الوفاق غادر انطاكية. وتخيّل لوسيفر أنه قد جرحه لأنه لم يصدّق على سيامة بولينوس، فامتنع فى غضبه عن الشركة معه. وكما لو كان من باب حب النزاع، بدأ لوسيفر فى الطعن على مراسيم مجمع الأسكندرية. وبهذه الطريقة بدا أنه مؤسس الهرطقة" اللوسيفرية" التى نُسِبت إليه، وانفصل مَن تبنَّى علته عن الكنيسة. ولكن على الرغم من أنه قد اغتم بشدة من الأمورالتى حدثت، لكن لأنه كان قد أرسل شماسا بصحبة ثيودوسيوس ليحل محله، فقد خضع لمراسيم مجمع الأسكندرية، وصدَّق على عقائد الكنيسة الجامعة. وفى هذه الفترة توجه إلى ساردينيا.
وفى نفس الوقت توجه يوسيبيوس إلى المقاطعات الشرقية وردَّ أولئك الذين حادوا عن الإيمان وعلَّمهم ما يجب أن يؤمنوا به. وبعد أن مرَّ بإيلليريا ذهب إلى ايطاليا، وهناك قابل هيلاريوس([435]) Hilarius، اسقف بواتيه Poictiersفى أكويتانيا Aquitania. وكان هيلاريوس قد عاد من المنفى قبل يوسيبيوس، وعلَّم الايطاليين والغاليين العقائد التى يتعين عليهم قبولها وتلك التى يتعين عليهم رذلها، وعبَّر عن نفسه ببلاغة عظيمة باللسان اللاتينى وكتب أعمالا باهرة كثيرة، ويُقال أنه دحض المفاهيم الاريوسية.
وهكذا حافظ هيلاريوس ويوسيبيوس على عقائد المجمع النيقاوى فى أقاليم الغرب.
الكتاب الخامس: الفصل الرابع عشر
( نزاع حزب مقدونيوس مع الأريوسيين بشأن اكاكيوس)
(5/14/1) فى هذه الفترة اتخذ انصار مقدونيوس ومن بينهم اليسيوس ويوستاثيوس وصفرونيوس الذين بدأوا الآن يُدعَون صراحة بالمقدونيين حيث شكلوا شيعة متميزة، اجراءات جريئة عقب موت قنستانتيوس، فجمعوا مَن يتفقون مع آرائهم فى اجتماع بسلوقية وعقدوا عدة مجامع. وأدانوا حزب اكاكيوس والايمان الذى أسسه فى ارمينيّم وصدقوا على عقائد انطاكية والذى صودق عليها بعد ذلك فى سلوقية.
(5/14/2) وعندما سُئِلوا عن علة نزاعهم مع حزب اكاكيوس الذى كان له نفس المفاهيم وكانوا يشتركون معه سابقا، أجابوا، على لسان صفرونيوس اسقف بافلاجونيا، أنه بينما كان المسيحيون فى الغرب يحافظون على مصطلح مساوى فى الجوهر consubstantial فإن اتباع اتيوس فى الشرق تمسكوا بعقيدة "عدم المماثلة" dissimilarity فى الجوهر. وأن الحزب الأول ضم فى الوحدة الأقانيم المميزة للآب والإبن بإستعمالهم مصطلح (مساوى فى الجوهر)، وأن الفريق الثانى شكل اختلافا كبيرا فى العلاقة القائمة بين طبيعة الآب وطبيعة الإبن. أما هم أنفسهم فقد حافظوا على الوسطية بين الطرفين، وتجنبوا أخطاء كل منهما بالمحافظة بتقوى على أن الإبن مثل الآب فى الهيبوستاسيسhypostasis. وهكذا بهذه الأمثلة أظهر المقدونيون أنفسهم بلا لوم([436]).
الكتاب الخامس: الفصل الخامس عشر
( نفى أثناسيوس ثانية. ما يخص ايلسيوس اسقف سيزيكوس وتيطس اسقف بوسطرا. ذكرى اسلاف المؤلف.)
(5/15/1) وعندما علم الإمبراطور أن أثناسيوس يعقد الاجتماعات بكنيسة الأسكندرية ويُعلِّم الشعب بشجاعة ويحوِّل وثنيين كثيرين إلى المسيحية، أمره بالرحيل فورا من الأسكندرية مهددا إياه بأقسى العقوبات. وكانت الذريعة التى استخدمت لهذا المرسوم هو أن أثناسيوس بعد أن نُفِى من قِبل قنستانتيوس قد استرد كرسى اسقفيته بدون موافقة الإمبراطور الحاكم، إذ أن يوليانوس، قد صرَّح أنه لم يفكر قط فى إعادة الاساقفة الذين نفاهم قنستانتيوس إلى مهامهم الكنسية، ولكن فقط إلى أوطانهم.
(5/15/2) وعندما أذيع هذا الأمر بالرحيل الفورى، قال لجمهور المسيحيين الذين وقفوا حوله باكين، تشجعوا إنها ليست سوى غمامة سرعان ما ستنقضى. وبعد هذا الكلام ودعَّهم، وعهد بالكنيسة إلى أكثر أصدقائه غيرة، وغادر الاسكندرية.
(5/15/3) وفى حوالى نفس الفترة، أرسل سكان سيزيكوس سفارة إلى الإمبراطور ليعرضوا عليه بعض الأمور الخاصة بهم، وبصفة خاصة استرداد المعابد الوثنية. فإستحسن تفكيرهم ووعد بتلبية كل مطالبهم.
(5/15/4) فطرد ايليسيوس اسقف مدينتهم لأنه دمر بعض المعابد ودنس المناطق المقدسة([437]) بإزدراء، وأنشأ منازل للأرامل ومبانى للعذارى القديسات([438])، وحث الوثنيين على هجر طقوس اسلافهم.
(5/15/5) وحظر الإمبراطور دخول بعض المسيحيين الاجانب من الذين رافقوه، مدينة سيزيكوس خشية أن يثيروا شغبا بسبب الدين. ويظهر من هذا الحظر أنهم كانوا مرتبطين بالمسيحيين الذين كانوا داخل المدينة.
(5/15/6) وكان هناك اشخاص عديدون اجتمعوا معهم، كان لهم أيضا نفس المفاهيم الدينية التى للمسيحيين داخل المدينة، وكانوا يعملون فى مصانع النسيج لأجل الدولة، وفى سك النقود. وكانوا عديدين وينقسمون إلى فئتين، وكانوا قد نالوا تصريحا من الآباطرة السابقين بالسكن مع زوجاتهم وممتلكاتهم فى سيزيكوس شريطة أن يوردوا سنويا للخزانة العامة قدرا من القماش للجنود وعملات مسكوكة جديدة.
(5/15/7) وعلى الرغم من أن يوليانوس كان مهتما بنمو الوثنية بكل الطرق إلا أنه اعتبر أنه من عدم الفطنة استخدام القوة أو الانتقام ضد الذين يرفضون تقريب الأضاحى. إلى جانب أنه كان هناك عدد كبير من المسيحين فى كل مدينة ليس من السهل للحكام حتى احصائهم. ولم يمنعهم من الاجتماع معا للعبادة إذ كان يعى أنه متى تعلق الأمر بحرية الإرادة فإن الإكراه عندئذ يكون بلا فائدة على الإطلاق.
(5/15/8) فطرد الإكليروس ورؤساء الكنائس من كل المدن ليضع نهاية لهذه الاجتماعات، قائلا بحق أنه فى غيابهم ستبطل الاجتماعات بالفعل، إذ لا يكون هناك مَن يقود الاجتماع فى الكنائس، ولا مَن يقيم السرائر، وتتوارى الديانة ذاتها بمرور الزمن. وكانت الذريعة التى استخدمها لهذه الاجراءات هى أن الاكليروس كانوا قادة الشغب([439]) بين الشعب. وفى ظل هذه الذريعة طرد ايليسيوس واصدقائه من سيزيكوس، على الرغم من أنه لم يكن هناك أى مظهر أو توقع للشغب بالمدينة. ودعا أيضا سكان بوسطرا Bostraعلنا إلى طرد اسقفهم تيطس.
(5/15/9) ويبدو أن الإمبراطور قد هدد تيطس والاكليروس الآخرين كمثيرين للفتن التى قد تثور بين الشعب، وأن تيطس كتب لذلك مؤكدا له أنه على الرغم من أن المسيحيين كانوا تقريبا فى العدد مثل الوثنيين، إلا أنهم مع ذلك وبناء على توصياته قد لزموا الهدوء وليس فى نيتهم إحداث أى شغب.
(5/15/10) ولأن وجهة نظر يوليانوس عدم إثارة عداوة سكان بوسطرا([440]) ضد تيطس، فقد قدَّم فى رسالته التى أرسلها لهم([441])، أن اسقفهم قد افترى عليهم عندما سجل أنه بناء على توصياته وليس بناء على ميولكم الخاصة أنكم قد أحجمتم عن الشقاق، ولذلك حثهم على طرده من مدينتهم كعدو مشترك([442]).
(5/15/11) ويبدو أن المسيحيين قد خضعوا لظلم مماثل فى مناطق أخرى، أحيانا بأمر الإمبراطور وأحيانا بسخط وعدم تقوى العامة. واللوم فى هذه المعاملات يُوجَّه بعدل إلى الحاكم لأنه لم يُخضِع لقوة القانون الخارجين على القانون([443]). ولكن من كراهيته للمسيحيين كان يفتقد المرتكبون لمثل هذه الأعمال بتوبيخ شفاهى بينما بأفعاله يحثهم على نفس المنهج.
(5/15/12) ومن ثم، إزاء شدة الاضطهاد من الإمبراطور فرَّ المسيحيون من مدينة إلى اخرى ومن قرية إلى اخرى. واضطر جدى وكثيرون من اسلافى إلى الفرار على هذا النحو. وكان جدى من أبويين وثنيين، وكان هو وأسرته وأيضا أسرة الفيون أول من اعتنقوا المسيحية فى بيثليا وهى مدينة عامرة بالقرب من غزة وكان بها معابد مكرَّمة من سكان الاقليم لسبب قِدمها وفخامة بنيانها. وكان أكثر هذه المبانى شهرة هو البانثيون وقد شُيِّد على ربوة شاهقة تطل على المدينة كلها. وإننى أخمن أن المكان قد أخذ اسمه من المعبد حيث كان الاسم الاصلى الذى أُعطِى للمعبد باللغة السريانية، ثم تحول بعد ذلك إلى اليونانية بكلمة تعنى أن المعبد محل اقامة جميع الآلهة.
(5/15/13) ويقال أن هذه العائلات المذكورة عاليه، قد اهتدت بواسطة الراهب هيلاريون ([444]). فقد كان الفيون، على ما يبدو، ممسوسا بشيطان ولم يستطع لا اليهود ولا الوثنيون أن ينقذوه من هذا الداء بأية طريقة، سواء بالتعزيم([445])، أو بالسحر. ولكن هيلاريون بمجرد أن دعا بإسم المسيح طُرِد الشيطان، فآمن الفيون وكل عائلته فى الحال بالمسيحية. وكان جدى يتمتع بقدرة طبيعية كبيرة مكنته من شرح الاسفار المقدسة بنجاح، وحصل على بعض المعارف العامة ولم يكن يجهل الحساب، وكان محبوبا جدا من المسيحيين بعسقلان بغزة والريف المجاور، وكان يُعتبََر ضروريا للديانة بسبب موهبته فى شرح النقاط الغامضة فى الكتاب المقدس. ولا يقدر أحد أن يتكلم عن الجوانب الفاضلة فى العائلة الأخرى. فإن الكنائس والأديرة الأولى التى شُيِّدت فى هذا البلد قد تأسست بواسطة أعضاء هذه العائلة، ودُعِّمت بقوتهم وأريحيتهم نحو الغرباء والمحتاجين. وبعض الأعضاء الجيدين من هذه العائلة قد ازهروا حتى فى أيامنا هذه. وفى شبابى رأيتُ بعضهم لكنهم كانوا آنذاك متقدمين فى العمر جدا. وستكون لى فرصة للحديث عنهم خلال تاريخى هذا.
الكتاب الخامس: الفصل السادس عشر
(جهود يوليانوس فى ترسيخ الوثنية والقضاء على أعرافنا. الرسالة التى ارسلها إلى كبير سدنة الوثنيين)
(5/16/1) وكان الإمبراطور حزيتا للغاية، لأن كل جهوده لسيادة الوثنية كانت بلا فعالية بتاتا، ووجد أن المسيحية تتفوق فى الشهرة. فعلى الرغم من أن أبواب المعابد قد ظلت مفتوحة، والذبائح تُقدَّم، والاحتفالات القديمة تُراعَى فى كل المدن، إلاَّ أنه كان بعيدا عن الرضاء. فلقد استطاع أن يرى مقدَّما بوضوح، أنه بزوال تأثيره سرعان ما ستتغير كل الأمور. وكان مغموما بالأخص لإكتشافه أن زوجات وأطفال وخدم العديدين من الكهنة الوثنيين قد تحولوا إلى المسيحية.
(5/16/2) وعندما فكر فى أن إحدى دعائم الديانة المسيحية الاساسية هى حياة وسلوك معلميها، صمم على إدخال نظام التلمذة المسيحية وتأسيس النظم المتعددة ورتب الخدمة([446])، وفى تعيين معلمين، وقرّاء لتعليم العقائد والعظات الوثنية. وأمر أن تُقدَّم الصلوات فى أيام معينة وساعات معينة. وأكثر من ذلك، عزم على إقامة أديرة تضم الرجال والنساء الذين يودون أن يعيشوا فى اعتزال فلسفى. وبالمثل إقامة دار ضيافة لراحة الغرباء والفقراء وللأغراض الانسانية الأخرى. وأراد أن يُدخِل بين الوثنيين النظام المسيحى للتوبة عن الخطايا الإرادية واللاإرادية. ولكن بالنسبة لنقطة التهذب الكنسى التى أُعجِب بها بصفة رئيسية ورغب فى تطبيقها على الوثنيين كانت تلك العادة التى كانت سارية بين الاساقفة وهى إعطاء خطابات توصية لأولئك المسافرين إلى أراضى أجنبية يوصون فيها بتعطف وكرم ضيافة الاساقفة الآخرين فى كل الأماكن وفى كل الأحوال. إلى هذا الحد جاهد يوليانوس لنقش عادات المسيحية فى الوثنية.
(5/16/3) فإذا بدا ما قد سجلته لا يُصدَّق، فلستُ محتاجا للتفتيش عن براهين تدعم تسجيلاتى، لأننى أستطيع أن أقدِّم رسالة مكتوبة من الإمبراطور نفسه عن هذا الموضوع، فهو يكتب ما يلى:
"إلى ارساكيوس كبير كهنة غلاطية. إن الوثنية لم تصل بعد إلى درجة الازدهار المرغوبة بسبب سلوك أتباعها، رغم أن عبادة الآلهة سارية على نطاق كبير ورائع، على نحو يفوق ما نترجاه ونأمله. فلتَسعَد ([447])Adrastea بكلامنا هذا، لأنه ما كان لأحدٍ أن يجرأ ويتطلع لمثل هذا التغيّر المدهش والشديد كالذى شاهدناه فى فترة قصيرة من الزمن، ولكن هل نكتفى بما تحقق بالفعل؟. آلا ينبغى بالأحرى أن نفكر فى أن تقدم الإلحاد([448]) راجع بصفة أساسية إلى الانسانية التى تتجلى فى المسيحيين نحو الغرباء، وإلى التكريم الذى يقدمونه للموتى([449]) وإلى الجاذبية الخدَّاعة التى يتدثرون بها فى حياتهم؟. ألاَ يتطلب ذلك من كل فردٍ منا أن يجتهد فى أداء الواجب. إننى لا أشير إليك وحدك. فهذا لا يكفى، ولكن إلى كل كهنة غلاطية. يجب عليك أن تُخجِلهم أو أن تقنعهم أو حتى تحرمهم من ممارسة خدماتهم المقدسة إذا لم ينضموا هم وزوجاتهم وأبناؤهم وخدمهم إلى خدمة الآلهة. أو أيدوا عبيدهم، وأبناءهم، أو زوجات الغلاطيين فى معاملة الآلهة بلا تقوى بتفضيل الإلحاد([450]) عن التقوى. وعليك أن تحض الكهنة إذن على عدم ارتياد المسارح، وألا يشربوا فى الحانات ([451]) أو ينهمكوا فى أى تجارة، أو يمارسوا أية حرفة مشينة. أكرم أولئك الذين يخضعون لتنبيهاتك، واطرد أولئك الذين لا يكترثون بها. وأنشأ دار ضيافة فى كل مدينة حتى ما يجنى الغرباء من البلاد الاجنبية والمجاورة منافع احساناتنا حسب احتياجاتهم. لقد وفرتُ الوسائل اللازمة لتغطية النفقات الضرورية، وأصدرت التوجيهات فى سائر أنحاء غلاطية لكى ما تُزوَّد سنويا بثلاثين ألف باشل([452]) من الحنطة، وستين ألف معيار من النبيذ، يُخصَّص خمسها لدعم الفقراء الذين يُصغُون للكهنة. والباقى يوزع على الغرباء وعلى فقرائنا. لأنه أمر مشين أنه بينما ليس هناك محتاجين بين اليهود؛ وبينما هؤلاء الجليليون الكفرة ليس فقط يعولون المحتاجين من حزبهم بل أيضا الذين منّا، فإنه سيكون حقا أمراً مخزياً إن سمحنا لشعبنا بالمعاناة من الفقر.
علِّم الوثنيين التعاون فى عمل الخير هذا، ودع باكورات المدن الوثنية تُقدَّم للآلهة. وعوِّد الوثنيين على ممارسة هذا الجود، وذلك بأن تُظهِر لهم كيف ينبغى أن يسلكوا بقداسة بممارسة العادات القديمة، لأن هومر يقدِّم ايمويس Eumæus قائلا "يا ضيفى، أخشى أن أعامل الغريب بإحتقار، على الرغم من أن الأفقر يجب أن يصل حتى قبلك، لأن جميع الفقراء والغرباء هم فى عناية جوفا Jove". فلا ندع الآخرين يتفوقون علينا فى الأعمال الصالحة، ودعنا لا نُحِط أنفسنا بالظلم، بل بالأحرى دعنا نكون فى المقام الأول اتقياء للآلهة. إن سمعتُ أنك تسلك تبعا لتوجيهاتى، سأكون فى ملء الفرح. لا تزرالحكّام فى منازلهم غالبا، بل أكتب لهم مرارا. وعندما يدخلون المدينة لا تدع أى كاهن يذهب لإستقبالهم ولا تدع كاهنا يرافقهم أكثر من الردهة عندما يتوجهون إلى معبد الآلهة. ولا تدع أى جندى يسير أمامهم فى مثل هذه المناسبات، ولكن دع مَن يريد، يسير خلفهم، لأنه بمجرد أن يدخلون داخل الحدود المقدسة هم أفراد عاديون. وهناك واجبك كما تعرف جيدا أن ترأس بحسب المرسوم المقدس. أولئك الذين يوافقون بإتضاع على هذه السُّنة يُظهِرون أنهم اصحاب الدين الحق، بينما أولئك الذين يزدرون بها هم متكبرون ومختالون.
إننى مستعد لتقديم المساعدة لسكان بيسينوس Pessinusشريطة أن يسترضوا أم الآلهة ([453]) ولكن إن اهملوا هذا الواجب، فيسجلبون لأنفسهم أقصى استتيائى. فأنا نفسى سأتعدى هنا على مثل أولئك الممقوتين من الآلهة، ومعطيا التوجبهات هناك. لذلك اقنعهم إن كانوا يرغبون فى مساعدتى، أنه يجب عليهم أن يرفعوا توسلات إلى أم الآلهة".
الكتاب الخامس: الفصل السابع عشر
(لكى لا يُُظَن أنه طاغية، سلك يوليانوس بحيلة ضد المسيحيين، فألغى شارة الصليب ، وأمر الجنود بالذبائح، بدون إرادتهم)
(5/17/1) وعندما سلك يوليانوس وكتب بالاسلوب المذكور عاليه، ظن أنه بهذه الوسيلة سيُخضِع رعاياه بسهولة لأن يغيّروا مفاهيمهم الدينية. وعلى الرغم من أنه رغب بشدة فى محو الديانة المسيحية، إلاَّ أنه كان يستحى من استعمال وسائل العنف بوضوح لئلا يُعتبَر طاغية. فإستخدم، مع ذلك، كل وسيلة يكون من الممكن أن تؤدى إلى عودة رعاياه إلى الوثنية. وكان لحوحا على الأخص مع جنوده الذين خاطبهم أحيانا على انفراد وأحيانا من خلال الضباط.
(5/17/2) ولكى يعوِّدهم على عبادة الآلهة فى كل شىء، استرجع الشكل القديم للجنود الرومان، الذى كما قلنا، كان قنسطنطين قد غيَّره، بأمر من الله، إلى شارة الصليب. فأمر يوليانوس برسم إما صُورة جوبيتر، على الصُور العامة، خارجا من السماء ومقدِّما له شعار السلطة الرومانية وهو التاج أو الثوب الأرجوانى. وإما صُورة مارس Marsأو ميركورى Mercury بعيونها المثبتة عليه كما لو كانت تعبّر عن إعجابها ببلاغته ومهارته الحربية، وذلك جنبا إلى جنب مع صُورته. ووضع صُورة الآلهة جنبا إلى جنب مع صُورته حتى ينقاد الشعب سرا إلى عبادتهم بذريعة أنهم يقدمون الاكرام له.
(5/17/3) وانتهك الاعراف القديمة وسعى إلى اخفاء قصده عن رعاياه واعتبر أنه إذا كسب طاعتهم فى هذه النقطة سيكونون أكثر استعداد لطاعته فى أى مناسبة أخرى، ولكن إن تجرأوا ورفضوا الطاعة فسيكون لديه سبب لمعاقبتهم بوصفهم متعدين على العادات الرومانية، ومذنبين ضد الإمبراطور والدولة. وكان هناك قليلون جدا( وقد أخذ القانون مجراه ضدهم) الذين عندما رأوا مقاصده، رفضوا تقديم الإكرام المعتاد لصُوره، ولكن الجماهير عن جهل أو بساطة مارسوا كالعادة النظم القديمة، وقدَّموا بلا تفكير الإكرام لصُوره. ولكن الإمبراطور لم يجنِ من هذه الحيلة إلاَّ منفعة قليلة. ومع ذلك لم يكف عن بذل الجهد لتغيير الدين.
(5/17/4) وكانت المكيدة التالية التى لجأ إليها أقل رقة وأكثر عنفا من السابقة، فبها كان يتحدد مصير جنود كثيرين يعملون فى البلاط. فعندما حل اليوم المحدد لصرف النقود للكتائب وكان هذا اليوم يحل عادة فى يوم التذكار السنوى لإحتفال ما بين الرومان مثل يوم ميلاد الإمبراطور، أو تأسيس المدينة الملكية، فكَّر يوليانوس فى أن الجنود من الطبيعى بسطاء ويطمعون، بلا تفكير، فى النقود. ولذلك خلص إلى أنه سيكون من المناسب أن يخدعهم بعبادة الآلهة. وبناء عليه، أمر كل جندى يتقدم لإستلام النقود، أن يُقدِّم ذبيحة [وهى] حرق بخور كان قد أُعدِّ سلفا لهذا الغرض بالقرب من الإمبراطور، تبعا لعادة رومانية قديمة. بعض الجنود كانت لديهم الشجاعة لرفض تقديم الذبائح وتلقى الذهب؛ وآخرون كانوا معتادين على مراعاة هذه السُنّة والعادة فأدوها بدون أن يتصُوروا أنهم يرتكبون خطية. وامتثل آخرون إما تحت إغراء الذهب، وإما تحت ضغط الخوف واعتبار اللحظة الراهنة وعرَّضوا أنفسهم للسقوط فى التجربة التى كان عليهم أن يهربوا منها.
(5/17/5) ويُروَى أن بعضا ممن سقطوا بجهل فى هذه الخطية، كانوا جالسين حول مائدة ويشربون معا. فتصادف أن ذكر أحدهم اسم المسيح على الكأس. فتعجب فى الحال أحد الضيوف الآخرين و[قال] أنه غير عادى أن تدعو اسم المسيح بينما من وقت قصير مضى قد أنكرته من أجل هبة الإمبراطور عندما ألقيتَ بخورا فى النار. وعند سماع هذه الملاحظة ادركوا جميعا الخطية التى قد ارتكبوها، فنهضوا من على المائدة واندفعوا فى الشوارع العامة وهم يصيحون ويبكون ويدعون الناس ليشهدوا أنهم كانوا وسيظلون مسيحيين، وأنهم قدَّموا البخور بدون وعى وباليد فقط وليس بالموافقة على الأمر. ثم قدَّموا أنفسهم، للإمبراطور وردوا له الذهب بشجاعة، وطلبوا منه أن يسترد هبته والتمسوا منه إعدامهم، محتجين أنهم لن ينكروا قط مفاهيمهم مهما لاقوا من عذاب نتيجة للخطية التى ارتكبوها بأياديهم من أجل المسيح. وأيا كان الاستياء الذى شعر به الإمبراطور ضدهم، فقد أحجم عن قتلهم حتى لا يتمتعوا بكرامة الشهداء. ولذلك جرَّدهم فقط من مهمة الجندية وطردهم من القصر.
الكتاب الخامس: الفصل الثامن عشر
( حظر المسيحيين من الاسواق ومن المقاعد القضائية، ومن الاشتراك فى التعليم اليونانى. مقاومة باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتى وابوليناريوس لهذا المرسوم. وترجمتهم بسرعة للكتاب المقدس بحسب الانماط اليونانية)
(5/18/1) واستمتع يوليانوس بهذه المشاعر نحو المسيحية وأظهرها فى كل فرصة تتاح له. وهؤلاء الذين رفضوا تقديم الذبائح للآلهة على الرغم من أنهم كانوا بلا لوم فى النواحى الأخرى، قد جُرِّدوا من حقوق المواطنة وامتيازات المشاركة فى الاجتماعات، وفى المنتديات العامة ولم يكن مسموحا لهم أن يكونوا قضاة أو ماجستريت، أو يشتركوا فى الخدمات. ومنع الأطفال المسيحيين من ارتياد المدارس العامة، ومن تعلّم كتابات الشعراء والمؤلفين اليونان.
(5/18/2) وشعر بضغينة كبيرة نحو ابوليناريوس Apolinariusالسريانى. وهو رجل متعدد الجوانب فى المعرفة. وفى التحصيل الفيلولوجى([454]) وضد باسيليوس([455]) وغريغوريوس ([456])، المواطنيَن الكبادوكيّين، خطباء ذلك الزمان الأكثر شهرة وضد الرجال البلغاء والمتعلمين الآخرين الذين التصق بعضهم بالعقائد النيقاوية وآخرون بمفاهيم اريوس.
(5/18/3) وكان هدفه الوحيد من إبعاد الاولاد عن آبائهم المسيحيين، ومن التعلم من اليونانيين، هو أنه اعتبر أن مثل هذه الدراسات تؤدى إلى الإلمام بقوة المجادلة والإقناع. ولذلك وظف ابوليناريوس علمه الكبير وبراعته فى إنتاج ملاحم بطولية عن العاديات العبرية لعهد شاول([457])، لتحل محل قصائد هومر. وقسَّم عمله هذا إلى أربعة وعشرين جزءً، وأعطى لكل جزء منه أحد حروف الابجدية اليونانية. وكتب أيضا كوميديات تحاكى التى لميناندر، وتراجيديات على غرار تلك التى ليوربيدس، وأناشيد على غرار التى لبندار([458]). وبإختصار انطلاقا من مواضيع فى كل مجالات المعرفة للأسفار المقدسة، أنتج فى مدى قصير جدا من الزمن مجموعة من الاعمال تماثل بالضبط، فى الأسلوب والشخصيات والتعبير والترتيب تلك التى فى الآداب اليونانية وتعادلها فى القوة والعدد. ولولا أن ذلك سيُعتبَر تحيزا شديدا للعاديات القديمة لما ترددتُ فى القول أن كتابات ابوليناريوس لها ذات القيمة التى لأولئك القدماء. إن شمولية فطنته بصفة خاصة محل إعجاب، لأنها شملت كل فروع الأدب، بينما كان الكتَّاب القدامى يتخصصون فى واحد فقط. وقد كتب عملا رائعا جدا، بعنوان "الحقيقة ضد الإمبراطور والفلاسفة الوثنيين"، برهن فيه بجلاء، وبدون الاستناد إلى سلطة الأسفار المقدسة، أنهم بعيدين عن اقتناء الآراء السديدة عن الله.
(5/18/4) ولكى ما يسخر الإمبراطور بعمل من هذا النوع، كتب إلى الاساقفة الكلام التالى "لقد قرأتُ وفهمتُ وأدنتُ". فأجابوه على هذا الكلام "لقد قرأتَ ولكنك لم تفهم، لأنك لو فهمتَ لما كنتَ قد أدنتَ". وقد عزا البعض هذه الرسالة إلى باسيليوس رئيس كهنة كنيسة كبادوكيا. وبالطبع ليس بلا سبب. ولكن سواء أكانت قد أُملِيََت منه أو من غيره، فإنها تُظهِر تماما عظَمة وعِلم الكاتب.
الكتاب الخامس: الفصل التاسع عشر
(العمل الذى كتبه يوليانوس بعنوان "النفور من اللحية". الوصف التام لها. نقل بقايا بابيلاس الشهيد)
(5/19/1) وإذ عزم يوليانوس على شن الحرب ضد فارس، فقد توجه إلى انطاكية بسوريا. فاشتكى الناس بصوت عالى من غلاء الاسعار الشديد على الرغم من الوفرة الكبيرة للمؤون، ومن ثمة خفَّض الإمبراطور، من باب خيريته على ما أظن، من الاسعار إلى الدرجة التى جعلت التجار يهربون من المدينة، فترتب على ذلك ظهور ندرة لام عليها الشعبُ الإمبراطور([459]). ولكى ينفثوا عن استيائهم سخروا من طول لحيته([460])، ومن الثور الذى سكه على عملته، ولاحظوا بشكل هجائى أنه قد قلب العالم، بنفس الطريقة التى يطرح بها كهنته الأضاحى عندما يقدمون الذبائح.
(5/19/2) وفى البداية استشاط غضبا وهدد بمعاقبتهم، وأعدَّ للرحيل إلى طرسوس. ومع ذلك كبت مشاعره بعد ذلك ورد على سخريتهم بالكلام فقط وألَّف عملا بليغا جدا([461]) بعنوان "النفور من اللحية" وأرسله إليهم. وعامل المسيحيين بوجه خاص بنفس الطريقة التى فى الأماكن الأخرى، وسعى بأقصى ما يمكن إلى امتداد الوثنية.
(5/19/3) وسأروى بعض التفاصيل الخاصة بمقبرة الشهيد بابيلاس Babylasوالأحداث الخاصة التى حدثت فى حوالى نفس الفترة، فى معبد أبوللو بدفنة.
دفنة Daphne هى أحد أحياء انطاكية وهى مزروعة بأشجار السرو والأشجار الأخرى، وتزدهر تحتها كل أنواع الزهور فى مواسمها. وفروع هذه الاشجار سميكة جدا ومتشابكة. حتى أنه يمكن القول أنها تشكل سقفا أكثر من مجرد توفير ظل، ولا يمكن أن تتخللها أشعة الشمس لتصل إلى التربة. ومما يجعلها رائعة للغاية، ثراؤها وصفاء مياهها وإعتدال جوها وأنفاس ريحها اللطيفة.
(5/19/4) وقد ابتكر اليونان اسطورة أن دافنة ابنة نهر لادون قد تحولت إلى شجرة تحمل اسمها عندما كانت تهرب من اركاديا لتتجنب حب ابوللو، ويقولون أن هوى ابوللو لم يقّل بهذا التحول بل صنع تاجا من أوراق الشجر وتوج به الشجرة. وجعل إقامته فى هذا المكان بإعتباره أعز عنده عن أى مكان آخر.
(5/19/5) ومع ذلك اعتبر الرجال ذوى المزاج الخطر، الاقتراب من هذه الضاحية أمرا مشينا إذ أن موقع وطبيعة المكان يثير المشاعر الشهوانية، ومادة للخرافة التى هى فى ذاتها مثيرة، وتمنح دافعا بقدر ما وتضاعف من الأهواء بين الشباب الفاسد. وهؤلاء الذين قدَّموا هذه الاسطورة كذريعة، كانوا متلهبين بدرجة كبيرة، وغير قادرين على ضبط نفوسهم أو على احتمال حضور أولئك المنضبطين، فأفسحوا الطريق بلا ضابط لأعمال الفسق ([462]). وكان أى شخص يقيم فى دافنة بدون سيدة، يعتبر قاسيا وجافا، وكان يُبتَعَد عنه كشىء ممقوت وبغيض.
(5/19/6) وقد أظهر الوثنيون بالمثل توقيرا كبيرا لهذا المكان، بسبب تمثال ابوللو الجميل الذى يوجد هنا، وكذلك المعبد الضخم والنفيس. وهم يفترضون أنه قد شُيِّد بواسطة سلوقس ابو انتيوكس الذى أعطى، اسمه لمدينة انطاكية. وأولئك الذين يصدقون خرافات من هذا النوع، يعتقدون أن مجرى ينبع من عين كاستاليا تهِب قوة التكهن بالمستقبل، وهى تماثل فى اسمها وقوتها تلك التى لينبوع دلفى.
(5/19/7) ويُروَى أن هادريان قد تلقى هنا التوقع بمستقبله العظيم عندما كان مجرد فرد عادى، وأنه غرس ورقة شجر فى المياه فوجد مكتوبا عليها مصيره. وعندما صار امبراطورا يُقال أنه أغلق الينبوع لكى لا يتطلع أحدٌ إلى معرفة المستقبل. ولكننى أترك هذا الموضوع لمن يُلّم بدقة أكثر منى بعلم الأساطير.
(5/19/8) وعندما أُعلِن جالوس أخو يوليانوس قيصرا بواسطة قنستانتيوس وجعل إقامته فى انطاكية، جعلته غيرته للديانة المسيحية، وتكريم ذكرى الشهداء أن يصمم على تطهير المكان من الخرافات الوثنية، ومن أعمال الفجور. ورأى أن أسرع وسيلة لتحقيق هذا الغرض هو إقامة بيت للصلاة فى المعبد، ونقل مقبرة بابيلاس الشهيد الذى كان له شهرة عظيمة، وكان رئيسا لكنيسة انطاكية ونال الشهادة.
(5/19/9) ويُقال أنه منذ وقت نقله كف الشيطان عن النطق بالوحى. وقد عُزِىَّ هذا الصمت أولا إلى إهمال سدنته وترك العبادة القديمة تزوى. ولكن النتائج أثبتت أن ذلك قد حدث فقط بسبب حضور الشهيد. واستمر الصمت بلا انقطاع حتى عندما صار يوليانوس الحاكم الوحيد للامبراطورية الرومانية، على الرغم من السكائب والبخور والأضاحى التى كانت تقدَّم بوفرة للشياطين. ففى الواقع، نطق الوحى ذاته وأشار إلى علة صمته السابق، عندما دخل الإمبراطور نفسه إلى المعبد ليستشير الوحى ويُقدّم الهبات والذبائح على أمل أن يتلقى إجابة.
(5/19/10) إن الشيطان لم يُسلّم جهرا بأن العقبة كانت ناجمة عن قبر بابيلاس الشهيد، ولكنه قرر أن المكان ملىء بأجساد الموتى وهذا يمنع الوحى من الكلام. وعلى الرغم من أن عمليات دفن كثيرة قد حدثت فى دافنة، إلا أن الإمبراطور قد أدرك أن حضور بابيلاس الشهيد وحده هو الذى أسكت الوحى، فأمر بإزالة مقبرته.
(5/19/11) ولذلك اجتمع المسيحيون معا ونقلوا النعش إلى المدينة، مسافة حوالى أربعين استاديا, وأودعوه فى المكان الذى مازال محفوظا فيه والذى أُعطِى له إسم الشهيد. ويقال أن الرجال والنساء والشباب والبتولات وكبار السن من الرجال، والأطفال كانوا يجرّون النعش وهم يشجعون بعضهم بعضا بترنيم المزامير وهم سائرون عبر الطريق من أجل تخفيف كدهم ظاهريا، ولكن فى الحقيقة لأنهم كانوا ينقلون بالروح وبالحماس الايمان الدينى، الذى كان يعارضه الإمبراطور، إلى أقربائهم.
(5/19/12) وأنشد أولا أفضل المنشدين، وردد الجمهور [ القرار] فى خورس([463]). وكان ما يلى هو قرار أنشودتهم "فليخزى جميع عبدة المنحوتات المفتخرين بأصنامهم"([464]).
الكتاب الخامس: الفصل العشرون
(عواقب النقل. اساءة معاملة الكثيرين من المسيحيين. تيودور المعترف. سقوط نار من السماء تدمر معبد ابوللو بدافنة)
(5/20/1) وأثار الإجراء المروى عاليه حنق الإمبراطور بشدة كما لو كانت قد لحقت به هو إهانة، فصمم على معاقبة المسيحيين. وحاول سالوست Sallustالبريتوريان برفكت([465]) أن يثنيه عن عزمه، على الرغم من أنه كان وثنيا. ومع ذلك لم يستطع الإمبراطور أن يتسامح، واضطر سالوست إلى تنفيذ أوامره الرسمية وقبض على مسيحيين كثيرين وسجنهم.
(5/20/2) وكان أول مَن قبض عليهم شاب يدعى ثيودور، الذى مُدِّد فى الحال على المخلعة([466])، ولكنه على الرغم من تهرأ لحمه من جراء وخز المسامير، لم يقدِّم أى توسل لسالوست ولا تضرع من أجل تخفيض عذاباته، بل على النقيض بدا كأنه بلا حس بالألم، وكما لو كان يشاهد فقط آلام آخر، واحتمل بشجاعة الجروح، ورنم المزمور الذى كان يشارك فى ترنيمه بالأمس ليُظهِر أنه لم يندم على العمل الذى أُدِين لأجله.
(5/20/3) وإذ ذُهِل البريفكت من جلَد الشاب، ذهب إلى الإمبراطور وقال له أنه إن لم يتخل بسرعة عن هذه المعاملة التى اتبعها فإنه سيتعرض هو وحزبه للسخرية، بينما سيكتسب المسيحون مجدا أعظم. وقد أحدث هذا التصوير أثره، فأُطلِق سراح المسيحيين الذين قُبِض عليهم.
(5/20/4) ويقال أن ثيودور قد سُئِل فيما بعد([467])، ما إذا كان قد شعر بأى ألم خلال المخلعة، فأجاب: أنه لم يكن معصوما من الألم بالكلية، ولكن آلامه قد خففها اهتمام شاب [به] كان واقفا إلى جواره، ويجفف العرق بقطعة من الكتان، ويزوده بماء بارد كان يليّن من اللهيب ويُجدد جهده. وأنا مقتنع بأن أى انسان مهما كانت شهامته لا يمكن أن يمتلك القدرة على إظهار مثل هذه اللامبالاة بشأن الجسد، بدون مساعدة القدرة الإلهية.
(5/20/5) ولهذه الاسباب السابق ذكرها، نُقِل جسد بابيلاس الشهيد من دافنى إلى مكان آخر. وسرعان ما سقطت فجأة، بعد نقله، نار من السماء على معبد ابوللو بدافنى واحترق السقف وتمثال الإله ذاته، وتُرِكت الجدران عارية من الأعمدة التى عليها الرواق، وبقى فقط من الحريق الجزء الخلفى من المبنى.
(5/20/6) واعتقد المسيحيون أن صلوات الشهيد قد جلبت النار من السماء على الشيطان. أما الوثنيون فقد أذاعوا أن المسيحيين هم الذين أضرموا النار. ووجدت هذه الشبهة أرضية لها. وأُحضِر كاهن أبوللو أمام المحكمة ليُدلى بأسماء أولئك الذين تجرأوا على هذا الفعل المتعمد. ولكنه على الرغم من خضوعه لأقسى انواع التعذيب، فإنه لم يذكر إسم أحدٍ. ومن ثمة اقتنع المسيحيون تماما أكثر من ذى قبل أنه ليس بعمل انسان، ولكن بغضب من الله أن انسكبت النار من السماء على المعبد.
(5/20/7) هكذا كانت الأحداث التى وقعت آنذاك. وحسب تخمينى فإن الإمبراطور عندما سمع بالكارثة التى حلت بدافنى بسبب الشهيد بابيلاس وأُعلِم أكثر من ذلك بأن بقايا الشهيد المكرَّمة قد حُفِظت فى بيوت صلاة عديدة بالقرب من معبد ابوللو بديديموس التى تقع بالقرب من مدينة ميليتوس Miletus، كتب إلى حاكم كاريا([468]) Cariaآمرا إياه بإحراق كل هذه المبانى المزودة بسقف ومذبح، وتدمير بيوت الصلاة من اساساتها الغير كاملة من هذه النواحى.
الكتاب الخامس: الفصل الواحد والعشرون
(تمثال المسيح الذى دمره يوليانوس، وتمثاله الذى أقامه فدمرته صاعقة وجعلته بلا فائدة. نبع عمواس الذى غسل فيه المسيح أقدامه. شجرة برسيس التى سجدت للمسيح فى مصر. العجائب التى جرت بواسطتها).
(5/21/1) ومن بين الأحداث المشهورة التى جرت فى عهد يوليانوس يجب ألا أغفل ذكر إحداها التى تزودنا بآية على قوة المسيح، وتبرهن على السخط الإلهى ضد الإمبراطور.
فإذ سمع يوليانوس أن هناك تمثال مشهور، فى مدينة قيصرية فيليبى التى تُدعَى أيضا بانياس بفينيقية([469])، للمسيح قد نُصِب بواسطة المرأة التى شفاها الرب من نزيف الدم، حتى أمر بنزع التمثال وتنصيب تمثاله محله.
(5/21/2) ولكن نارا شديدة سقطت من السماء عليه فهشمته إلى أجزاء متجاورة إلى الصدر وألقت بالرأس والرقبة على الأرض مُثبَّتاً على وجهه عند الموضع المكسور من التمثال. وظل على هذا النحو منذ ذلك اليوم إلى الآن ممتلئا من صدأ البرق.
(5/21/3) وجرّ الوثنيون تمثال المسيح خلال المدينة وشوهوه ولكن المسيحيين جمعوا الشظايا وأقاموا التمثال فى الكنيسة التى مازالت محفوظة.
(5/21/4) ويروى يوسيبيوس([470]) أنه عند قاعدة هذا التمثال نما عشب غير معروف للأطباء والمُجبِّرين، كان فعالا فى علاج سائر الاضطرابات. ولا يبدو ذلك لى مدعاة للإستغراب، أن يتنازل الله بعدما تعطف بالسكن بين البشر ويهب المنافع لهم.
(5/21/5) ويظهر أن معجزات لا حصر لها قد جرت فى مدن وقرى مختلفة وقد حُفِظت الروايات بدقة بواسطة سكان تلك الأماكن فقط، لأنهم عرفوها من أسلافهم بالتقليد. أما عن مدى صدقها فسأظهره توا.
(5/21/6) هناك مدينة بفلسطين تدعى الآن نيكوبوليس Nicopolis كانت قبلا قرية، وقد ذُكِرت فى الكتاب الالهى للإنجيل([471]) باسم عمواس. وقد أُعطِى اسم نيكوبوليس لهذا المكان بواسطة الرومان الذين غزوا اورشليم، وانتصروا على اليهود([472]). وفى خارج هذه المدينة حيث تلتقى ثلاثة طرق، توجد البقعة التى شيَّع فيها المسيح، عقب قيامته، كليوباس ورفيقه، كأنه منطلق إلى قرية أخرى. وهنا يوجد نبع يغتسل فيه الرجال، والمخلوقات الأخرى ممن يعانون من أمراض مختلفة، فيُشفَون. لأنه يُقال أن المسيح مع تلاميذه عندما جاء من سفر إلى هذا الينبوع، غسلوا أقدامهم فيه. ومنذ ذلك الوقت صارت المياه شافية للإضطرابات.
(5/21/7) وفى هرموبوليس([473]) Hermopolis بطيبة هناك شجرة تُدعى برسيس Persis يقال أن أغصانها وأوراقها وأقل جزء من لحائها يشفى الأمراض عندما تلمس المرضى. لأنه يُروَى من المصريين أنه عندما فر يوسف مع المسيح ومريم والدة الإله من غضب هيرودوس ، مالت إلى الأرض وسجدت له.
(5/21/8) إننى رويتُ بدقة ما قد سمعته من مصادر كثيرة عن هذه الشجرة، وأظن أن هذه الظاهرة كانت علامة على حضور الله إلى المدينة، أو كما يبدو لى أكثر احتمالا أن الشجرة التى عبدها السكان حسب العادة الوثنية قد اهتزت لأن الشيطان الذى فيها الذى كان موضع العبادة قد وثب عند رؤيته لذاك الذى جاء للتطهير من هذه القوات. لقد تحرك من ذاته ، لأنه فى حضور المسيح ارتجت أوثان مصر، كما تنبأ اشعياء النبى. وعند خروج الشيطان تُرِكَت الشجرة كأثر لما حدث، ووُهِبَت خاصية الشفاء لمن يؤمن.
إن سكان مصر وفلسطين يشهدون بصدق هذه الاحداث التى حدثت بينهم.
الكتاب الخامس: الفصل الثانى والعشرون
(يوليانوس يسمح لليهود بإعادة بناء هيكل أورشليم، نكاية بالمسيحيين. إندلاع نار تقتل الكثيرين من العاملين فيه. وظهور علامة الصليب على ثيابهم)
(5/22/1) وعلى الرغم من أن الإمبراطور قد مقت المسيحيين وظلَمهم، بيد أنه أظهر أريحية وإنسانية نحو اليهود([474]) فكتب لبطاركة وقادة اليهود وأيضا للشعب([475]) طالبا منهم الصلاة لأجله ومن أجل رخاء الامبراطورية. وإننى لمقتنع بأنه قد اتخذ هذه الخطوة ليس لأى احترام لديانتهم لأنه يعلم جيدا أنها، يمكن القول، أم الديانة المسيحية، ويعرف أن كلتا الديانتان ترتكزان على سلطة البطاركة والأنبياء. ولكنه ظن أنه سيُحزِن المسيحيين بتفضيله لليهود، الذين هم أكثر أعدائهم المزمنين. ولكن ربما حسب أيضا أن ذلك سيغريهم([476]) على اتباع الوثنية، وتقديم الذبائح لأنهم يُلّمُون فقط بحرفية الكتاب المقدس، ولا يقدرون مثل المسيحيين وبعض الحكماء من العبرانيين على تمييز المعانى المستترة. بيد أن الأحداث قد أثبتت أن ذلك كان هو الدافع الحقيقى له، لأنه أرسل إلى بعض رؤساء [هذا] الجنس، ودعاهم للعودة إلى شرائع موسى وعادات آبائهم. وعندما أجابوا أنه ليس شرعا ولا هو من السلف إقامة ذلك فى مكان آخر خلاف المتروبوليت التى طُرِدوا منها، ولأن هيكل أورشليم قد هُدِم، أمر بإعطائهم مالا من [الخزانة] العامة لإعادة بناء الهيكل وممارسة العبادة المماثلة لأسلافهم وتقديم الذبائح حسب العادة القديمة.
(5/22/2) فشرع اليهود فى العمل دون أن يُفكِّروا فى أنه طبقا لنبوة الأنبياء القديسين لا يمكن أن يتم. وفتشوا عن أمهر الحرفيين، ونظفوا الأرض. وبدأوا بكل همة فى المهمة لدرجة أن النساء كانت تجمع أكوام التراب، وتُحضِر عقود أعناقهن وأدوات زينتهن للمساهمة فى النفقات. واعتبر الإمبراطور والوثنيون وكل اليهود كل عملٍ آخر يلى فى الأهمية هذا العمل.
(5/22/3) وعلى الرغم من أن الوثنيين لم يكونوا ودودين مع اليهود، إلاَّ أنهم ساعدوهم فى هذا المشروع، لأنهم رأوا فى نجاحه النهائى، تكذيبا لنبوات المسيح. وإلى جانب هذه الدافع كان اليهود أنفسهم مدفوعين بإعتبار أن وقت إعادة بناء الهيكل قد حل.
(5/22/4) وعندما أزالوا بقايا المبنى القديم، وحفروا الأرض وقلعوا الاساسات، يُقال أنه فى اليوم التالى، عندما كانوا على وشك وضع الأساس الأول حدثت زلزلة كبيرة وبواسطة الارتجاج الشديد للأرض، أُقتُلِعت الأحجار من أساساتها حتى أن اليهود الذين كانوا يعملون قد جُرِحوا. وبالمثل أولئك الذين كانوا فقط يشاهدون. وإنهارت فجأة المنازل والأروقة القريبة من الموقع والتى كانوا قد انتقلوا إليها، وهلك كثيرون فيها فى الحال. ووُجِد بعضهم بين حى وميت، ومبتورين الأيادى أو الأقدام. وآخرين جُُرِحوا فى أجزاء أخرى من أبدانهم. وعندما أمر الله الزلزال أن يكف، عاد العمال الأحياء ثانية إلى مهمتهم لأن ذلك كان مرسوم الإمبراطور من ناحية، ومن ناحية أخرى لأنهم كانوا متشوقين لهذا العمل([477]). فالناس غالبا ما يبحثون، فى سعيهم لمعالجة أوجاعهم الخاصة، عما يضرهم ويرفضون ما يهبهم المزايا الحقيقية، وينخدعون بفكرة أن لا شىء نافع فى الحقيقة سوى ما هو مقبول لهم. وعندما يضلون بهذا [الفكر] الخاطىء لا يكونون قادرين بعد على السلوك على النحو المفيد لهم، أو على الإحتراس من المصائب التى ستفتقدهم.
(5/22/5) واعتقد أن اليهود كانوا فى هذه الحالة، لأنهم بدلا من التمعن فى هذا الزلزال غير المتوقع كمؤشر جلى على أن الله معترض على تشييد هيكلهم شرعوا فى استئناف العمل. ولكن جميع الأطراف تروى أنهم ما أن عادوا إلى العمل حتى اندلعت نار فجأة من اساسات الهيكل والتهمت العديد من الفعلة.
(5/22/6) وقد سُجِلَّت هذه الحقيقة على نحو مرعب، وصدَّقها الجميع. وكان الخلاف الوحيد هو أن البعض قال أن اللهب قد اندلع من داخل الهيكل عندما كان العمال يحاولون شق مدخل؛ بينما قال آخرون أن النار اندلعت مباشرة من الأرض. وفى أىٍ من الحالتين، الظاهرة قد حدثت وهى جديرة بالإعجاب.
(5/22/7) غير أن هناك معجزة ملموسة وغير عادية بالأكثر، قد حدثت أيضا. فقد ظهرت تلقائيا علامة الصليب فجأة على ثياب الأشخاص المنهمكين فى المهمة. وكانت هذه الصلبان تظهر مثل نجوم وتعكس عملا فنيا. ومن ثمة اعترف كثيرون أن المسيح هو الله وأن إعادة بناء الهيكل لا يرضيه. وتقدم آخرون إلى الكنيسة ونالوا المعمدية والتمسوا من المسيح المغفرة لخطاياهم، بالتوسلات والتسابيح.
(5/22/8) وإذا لم يرض أحدٌ أن يُصدّق روايتى، فليذهب ويستمع إلى مَن سمعوا الحقائق التى أرويها من شهود عيان لأنهم مازالوا أحياء، ليقتنع. وليستعلم أيضا من اليهود والوثنيين الذين تركوا العمل فى حالة غير كاملة، أو الذين، فلنقل بكل دقة، كانوا قادرين على الشروع فيه.
الكتـــاب السادس
الكتاب السادس: الفصل الأول
( حملة يوليانوس على فارس. إنكساره وفقدانه للحياة على نحو بائس. خطاب ليبانيوس عن موته)
(6/1/1) لقد رويتُ فى خطابى السابق الأحداث التى وقعت فى الكنيسة خلال عهد يوليانوس. وعندما صمم هذا الإمبراطور على شن الحرب ضد فارس، عبر بسرعة الفرات فى بداية الربيع، ومرَّ بإديسا التى التى كان يمقت سكانها لأنهم يؤمنون بالمسيحية منذ أمد طويل، وتوجه إلى كاريا Carræ حيث معبد جوبيتر، فقدَّم فيه الذبائح والصلوات. ثم اختار عندئذ عشرين ألف رجلا مسلحا من كتائبه، وأرسلهم صوب تيجرى Tigris لكى ما يحرسوا تلك المناطق، ولكى ما يكونوا أيضا جاهزين للإنضمام اليه فى حالة ما إذا طلب مساعدتهم.
(6/1/2) ثم كتب إلى ارساكيوس Arsaciusملك ارمينيا، أحد المتحالفين مع الرومان ليوصيه بالمساعدة فى الحرب. وفى هذا الخطاب يُظهِر يوليانوس أقصى رعونة، فيفتخر بالصفات العالية التى يمتلكها والتى جعلته يحوز على الإمبراطورية ويكون محل قبول من الآلهة التى اهتم بها، ويلعن قنستانتيوس سلفه كإمبراطور كافر مخنث([478]). وهدد ارساكيوس بإهانات مكثقة فادحة. وإذ يعرف أنه مسيحى، جدف بشدة وإفراط ضد المسيح لأنه كان متعودا على التجاسر بذلك فى كل مناسبة. وقال لأرساكيوس أنه ما لم يسلك حسب توجيهاته فإن الله الذى يؤمن به لن يقدر أن يحميه من نقمته.
(6/1/3) وعندما ظن أن كل الترتيبات قد تمت على نحو وافٍ قاد جيشه خلال أشور([479])، فإستولى على عدد كبير من المدن والحصون إما بمعركة وإما بخيانة. ونهب كل مكان إقترب منه، وقلب الشون والمخازن أو حرقها، دون ادنى تفكير فى أنه سيتعين عليه العودة من ذات الطريق. وبينما كان مسافرا عبر الفرات وصل إلى ستيسيفون Ctesiphon، مدينة كبيرة جدا كانت المَلكية الفارسية قد نقلت إقامتها من بابيلون إليها أنذاك, وكان [نهر] تيجرى يتدفق بالقرب من هذه البقعة. وعندما لم يتمكن من الوصول إلى هذه المدينة بسفنه بسبب الارض التى تفصلها عن النهر، فكر فى إما أن يتابع سفره بالمياه، وإما أن يترك سفنه ويتوجه إلى ستيسيفون برا. وفاوض الأسرى فى الأمر، وإذ تأكد منهم أن هناك قناة قد رُدِمَت خلال الزمن، أمر بتطهيرها، ووصَّل بذلك الفرات بتيجرى، وواصل سيره صوب المدينة، وكانت سفنه تطفوا بجوار جيشه.
(6/1/3) ولكن الفارسيين ظهروا على ضفتى تيجرى بعرض هائل للجياد والكتائب المسلحة والأفيال([480]). وأدرك يوليانوس أن جيشه قد حوصر بين نهرين كبيرين، وكان فى خطر الهلاك سواء أبقى فى مكانه الحالى، أو تقهقر خلال المدن والقرى التى خرَّبها تماما ولم يعد فيها مؤون. ومن ثم دعا جنوده لمشاهدة سباق خيل، ووعد بمكافآت لأسرع المتسابقين. وفى نفس الوقت أعطى تعليمات لضباط السفن بإلقاء مؤون وأمتعة الجيش، حتى إذا ما رأى الجنود أنفسهم فى خطر الحاجة إلى الضروريات، يُقدِمُون ببسالة على قتال أعدائهم بلا يأس. وبعد العشاء أمر الجنرالات والتربيونات والقواد بإقلاع القوات، فأبحروا على طول تيجرى خلال الليل، وجاءوا فى الحال إلى الضفة الأخرى ونزلوا.
(6/1/4) ولكن بعض الفارسيين كانوا قد عرفوا بمغادرتهم، فحثوا بعضهم بعضا على مواجهتهم، ولكن الذين كانوا مازالوا نائمين تغلَّب عليهم الرومان. وعند طلوع النهار اشتبك الجيشان فى معركة. وبعد سفك دماء كثيرة من الطرفين عاد الرومان نهرا، وعسكروا بالقرب من ستيسيفون.
(6/1/5) وإذ لم يكن الإمبراطور راغبا فى التقدم إلى أبعد، أحرق سفنه إذ رأى أنها تحتاج إلى جنود كثيرين لحراستها، ثم تابع انسحابه عبر تيجرى الذى كان على يساره, وقاده الأسرى الذى عملوا كمرشدين له إلى ريف خصيب وجدوا فيه وفرة من المؤن. وبعد ذلك إذ عزم رجل مسن أن يموت من أجل حرية فارس سمح لنفسه لأن يؤخذ أسيرا، وأُحضِر إلى الإمبراطور. وعندما سُئِل عن الطريق أقنعهم وهو يبدو أنه يتكلم بالصدق على أن يتبعوه إذ أنه قادر على نقل الجنود بسرعة إلى الحدود الرومانية. وأشار إلى أن هذا الطريق سيكون شاقا للسفر ثلاثة أيام أو أربعة، وأنه سيكون من الضرورى عليهم حمل المؤون خلال هذه الفترة، إذ أن البلاد المحيطة غير خصبة. وخُدِع الإمبراطور بكلام هذا العجوز الحكيم، وصادق على السير فى هذا الطريق. وبعد أن تقدَّموا لمسافة ثلاثة أيام، وجدوا أنفسهم فى إقليم قفر. فعُذِّب السجين العجوز، واعترف أنه إختار الموت طواعية من أجل بلده، وأنه مستعد لذلك أن يتحمل أى آلامات توقع عليه.
(6/1/6) وكانت الكتائب الرومانية منهكة الآن بسبب طول السفر، وندرة المؤن واختار الفارسيون هذه اللحظة للهجوم عليهم. وفى وسط حرارة المعركة التى اندلعت هبت ريح عاصفة وغطت السحب الشمس والسماء تقريبا بالكامل، بينما كان الهواء فى نفس الوقت مخلوطا بالتراب. وفى خلال الظلام الذى نجم عن ذلك، وجَّه فارس وهو ممتطى لفرسه حربته نحو الامبرطور وجرحه جرحا مميتا. وبعد أن سقط يوليانوس عن فرسه اختفى المُغِير المجهول.
(6/1/7) وقد خمن البعض أن يكون فارسيا، وآخرون أنه كان ساراسينيا. وهناك مَن يُصِّر على أن مَن قتله كان أحد الجنود الرومان الذى كان ساخطا لحماقة وتهور الإمبراطور التى ظهرت فى تعريضه للجيش لمثل هذا الخطر.
(6/1/5) وقد عبَّر ليبانيوس Libaniusالسوفسطائى الشهير، والمواطن السورى، وألصق صديق ليوليانوس عن نفسه بخصوص الشخص الذى ارتكب هذا العمل بالكلام التالى:
أنت تريد أن تعرف مَن الذى قتل الإمبراطور. أنا لا أعرف اسمه، ومع ذلك لدى دليل على أن القاتل لم يكن أحد الأعداء، لأنه لم يأتِ أحدٌ ليطلب المكافأة على الرغم من أن ملك الفرس قد صرَّح بإسباغ شرف البطولة على مَن يقوم بهذا العمل، ونحن بكل تأكيد مدينين بالفضل للأعداء، بعدم نسبة الفخر لأنفسهم بصلف عن هذا العمل، ولكن تركوه لنا لنفتش عن القاتل بيننا. إن أولئك الذين سعوا إلى موته، هم أولئك الذين عاشوا فى ظل انتهاك معتاد للشرائع، والذين تآمروا سابقا ضده، والذين ارتكبوا من ثمة الفعل عندما واتتهم الفرصة. لقد كانوا محصُورين بالرغبة فى الحصول على درجة حرية أكبر من كل قدرِ يمكن أن يتمتعوا به فى ظل حكمه وبالطبع كانوا مثارين أساسا بالسخط من إلتصاق الإمبراطور بخدمة المعبودات التى يمقتونها([481]).
الكتاب السادس: الفصل الثانى
(هلاكه بالسخط الإلهى. رؤيا أفراد كثيرين بشأن موت الإمبراطور. رد إبن النجار. يوليانوس يقذف بدمه إلى المسيح. الافتراءات التى لصقها ليبانيوس بالرومان)
(6/2/1) إن ليبانيوس يقرر بوضوح فى الوثيقة المقتبسة عاليه أن يوليانوس سقط على يد مسيحى. وربما كان ذلك صحيحا، فليس من غير المحتمل أن يكون بعض الجنود الذين كانوا يخدمون آنذاك فى الجيش الرومانى، قد فكَّروا فى ذلك. إذ أن اليونانيين وكل الرجال إلى هذا اليوم قد مدحوا أولئك الذين عرَّضوا أنفسهم للموت من أجل الحرية، ووقفوا إلى جانب بلدهم وعائلاتهم وأصدقائهم بشجاعة، وقتلوا المستبد. ولاموا بدرجة أقل ذاك الذى أنجز هذا العمل الجرىء من أجل الله والدين. وخلاف هذا الذى أعرفه ليس لدى شىء دقيق خاص بأولئك الذين ارتكبوا هذا القتل سوى الذى رويته([482]).
(6/2/2) ومع ذلك خمن جميع الناس عندما تلقوا الخبر، الرواية التى سُلِّمت لنا، والتى تُرجِع موته إلى السخط الإلهى. والدليل على ذلك الرؤية التى رآها أحد أصدقائه والتى سأصفها الآن.
فيُروَى، أنه قد سافر إلى فارس بقصد اللحاق بالامبراطور. وبينما هو فى الطريق وجد نفسه بعيدا عن أى عمران لدرجة أنه اضطر فى إحدى الليالى إلى أن ينام فى كنيسة. وفى خلال الليل رأى، فى حلم أو فى رؤيا، كل الرسل والأنبياء مجتمعين معا ويشتكون من الاضرار التى لحقت بالكنيسة من الإمبراطور ويتشاورون فى أفضل السبل التى تُتخّذ. وبعد مداولات كثيرة واجتهادات، وقف شخصان فى وسط الاجتماع وطلبا من الآخرين أن يطمئنوا. وتركا الصحبة بسرعة، كما لو كانا سيُجرِّدان يوليانوس من السلطة الإمبراطورية. ولم يحاول ذاك الذى عاين هذه الاعجوبة أن يُتابع رحلته، ولكنه انتظر وهو فى شك مرعب نتيجة هذه الرؤية. وخلد إلى النوم ثانية فى نفس المكان فرأى ثانية نفس الاجتماع والشخصان اللذان ظهرا أنهما قد غادرا فى الليلة السابقة ليتمما قصدهما ضد يوليانوس، قد عادا فجأة وأعلنا خبر موته للآخرين.
(6/2/3) وفى نفس اليوم أُرسِلت رؤيا أخرى لديديموس الفيلسوف الكنسى المقيم بالاسكندرية والذى من حزنه الشديد على ضلال يوليانوس واضطهاده للكنائس صام وتضرع إلى الله بإستمرار لهذا الخصوص. ونتيجة لقلقه وحاجته إلى الطعام خلال الليلة السابقة، نام وهو جالس على كرسيه. فإذا به يعاين كما بدهش جيادا بيضاء تركض فى الهواء، وسمع صوتا يقول للراكبين عليها إذهبوا وقولوا لديديموس أن يوليانوس قد قُتِل فى هذه الساعة، واجعلوه يبلغ هذا لأثناسيوس الاسقف، وأن ينهض ويأكل([483]). وقد علمتُ بثقة أن صديق يوليانوس وهذا الفيلسوف قد عاينا هذه الأمور. وقد أثبتت النتائج أن أحدا منهم لم يكن بعيدا عن الشهادة للحق.
(6/2/4) ولكن إن كانت هذه الأمثلة ليست كافية للبرهنة على أن موت يوليانوس كان نتيجة للسخط الإلهى، بسبب اضطهاده للكنيسة فلنتذكر ما تنبأ به أحد القديسين. فعندما كان يوليانوس يستعد لشن الحرب ضد الفرس، هدد بأنه عند انتهاء الحرب سيُعامِل المسيحيين بقسوة وتباهى، وأن ابن النجار لن يكون قادرا على مساعدتهم. فرَّد عليه عندئذ الكنسى المذكور عاليه أن ابن النجار سيكون قد أعد له تابوتا خشبيا لموته([484]).
(6/2/5) وكان يوليانوس نفسه واعيا بالضربة المميته وعلتها. فيُقال أنه أخذ، وهو جريح، بعضا من الدم المتدفق من الجرح وقذف به لأعلى فى الهواء، كما ولو كان قد رأى يسوع المسيح ظاهرا، وأراد أن يقذفه عليه، ليوبخه على مقتله.
(6/2/6) ويقول آخرون أنه كان غاضبا من الشمس لأنها صنعت معروفا للفارسيين ولم تنقذه على الرغم من أنه حسب عادة المنجمين كانت قد تصدرت فى مولده, فأراد أن يعبّر عن سخطه ضد هذا الجرم السمائى فأخذ دما بيده وقذفه إلى أعلى فى الهواء.
(6/2/7) ولا أعرف ما إذا كان يوليانوس قد شاهد المسيح أم لا، عند اقتراب موته وانفصال النفس عن البدن، كما هى العادة فى هذه الحالة عندما تكون[ النفس] قادرة على معاينة المناظر الأسمى عن تلك المسموح بها للبشر. فإن تلميحات قليلة قد ذُكِرت فى هذا الصدد. ولكننى لا استطيع أن أرفض هذه الفرضية واعتبرها باطلة على الاطلاق، لأن الله يهتم غالبا بحدوث الأمور غير المحتملة والمذهلة لكى تبرهن على أن الديانة المسماة بإسم المسيح ليس قائمة بالقوة البشرية.
(6/2/8) وأنه من الجلى جدا، أن الله خلال عهد هذا الإمبراطور قد أظهر علامات واضحة على إستيائه منه، وسمح بكوارث كثيرة أن تحل على مقاطعات عديدة من الإمبراطورية الرومانية. فقد افتقد الأرض بالزلازل المرعبة هذه، حتى أن المبانى ارتجت، ولم يكن هناك أى آمان داخل المنازل، عن الهواء المطلق.
(6/2/9) ومما قد سمعته يمكننى أن أخمن أنه خلال حكم هذا الإمبراطور أو على الأقل عندما كان يشغل الموضع الثانى فى الحكومة أن كارثة كبرى قد حدثت بالقرب من الأسكندرية فى مصر، عندما فاض البحر وجاوز حدوده من الأمواج العاتية وأغرق العديد من البلاد لدرجة أنه عندما انحسرت المياه وُجِدَت محارات ملتصقة بأسطح المنازل. وما زال التذكار السنوى لهذا الغمر الذى يدعونه عيد ميلاد الزلزال([485])، يُحتفَل به فى الأسكندرية بإحتفال سنوى حيث تقاد الأنوار العامة فى سائر أرجاء المدينة ويقدمون صلاة شكر لله، ويحتفلون بهذا اليوم بكل توقير وتقوى. كذلك حدث جفاف مفرط خلال هذا العهد، فجفت النباتات، وفسد الهواء، ونظرا للعوز إلى الضروريات اضطر الناس إلى اقتيات الاطعمة الخاصة عادة بالحيوانات. وأحدثت المجاعة أمراضا خاصة، وهلك بسببها الكثيرون من الأحياء.
هذه كانت حال الإمبراطورية خلال إدارة يوليانوس
الكتاب السادس: الفصل الثالث
(عهد جوفيانوس. سنه لقوانين كثيرة)
(6/3/1) بعد موت يوليانوس انتقل حكم الإمبراطورية، بموافقة إجماعية للكتائب إلى جوفيانوس Jovian. وعندما كان الجيش على وشك إعلانه امبراطورا صرَّح أنه مسيحى، ويرفض السيادة ولا يقبل شعارات الإمبراطورية. ولكن عندما اكتشف الجنود سبب رفضه صاحوا أنهم هم أنفسهم مسيحيون.
(6/3/2) وأجبرت الحالة المضطربة والخطيرة للأمور التى خلفتها استراتيجية يوليانوس، ومعاناة الجيش من المجاعة فى بلاد العدو إلى عقد معاهدة سلام مع الفارسيين، وأن يتخلوا عن بعض المقاطعات التى كانت تخص سابقا الرومان. وإذ تعلَّم بالتجربة أن كفر سلفه قد جلب سخط الله، وسبَّب الكوارث العامة، كتب فى الحال إلى حكام المقاطعات، بإجتماع الناس معا بدون خوف فى الكنائس ليعبدوا الله بخشوع ويقتبلوا الإيمان المسيحى بإعتباره الدين الحق فقط. ورد للكنائس والإكليروس، وللأرامل والعذارى، نفس الحصانات والهبات من أجل مزايا وكرامة الدين، والتى كانت مقررة سابقا من قنسطنطين وأولاده، وأبطلها بعد ذلك يوليانوس. وأمر سكوندس Secundusالذى كان آنذاك حاكما بريتوريا([486])، أن يُعتبَر ذلك جريمة كبيرة، الزواج من أىٍ من العذارى القديسات أو أن يعتبر ذلك رغبة غير شريفة.
(6/3/3) وقد سن هذا القانون بسبب الشرور التى سادت عهد يوليانوس، إذ أخذ كثيرون زوجات لهم من بين العذارى القديسات، سواء بالإكراه أو بالإغواء وأفسدوهن بالكامل. وترتب على ذلك إنغماس فى الشهوات المشينة بلا عقاب، الأمر الذى يحدث دائما فى حالة انتهاك الدين.
الكتاب السادس: الفصل الرابع
(الاضطرابات تبرز مرة أخرى فى الكنائس. مجمع انطاكية الذى صًدِّق فيه على الايمان النيقاوى. النقاط التى كتبها هذا المجمع لجوفيانوس)
(6/4/1) وعاد رؤساء الكنائس الآن إلى مناقشة المسائل العقائدية المتنازع عليها. لقد ظلوا هادئين طوال عهد يوليانوس عندما كانت المسيحية ذاتها فى خطر، ورفعوا بالإجماع خلال حكم يوليانوس توسلاتهم من أجل رحمة الله.
(6/4/2) وهكذا عندما يكون البشر مهاجمين من عدو خارجى يحافظون على الوحدة فيما بينهم، ولكن عندما تزول المتاعب الخارجية، عندئذ تزحف الشقاقات الداخلية. ومع ذلك ليس هنا المكان المناسب لذكر الأمثلة العديدة للأمم والحكومات التى يزودنا بها التاريخ فى الواقع.
(6/4/3) فى هذه الفترة اجتمع باسيليوس اسقف انقيرا وسلفانوس Silvanus اسقف طرسوس وصفرونيوس Sophronius اسقف بومبيوبولس Pompeiopolis وآخرون من حزبهم الذين اعتبروا الهرطقة المدعوة الأنوميين Anomiansاقصى مقت. وتناولوا مصطلح "مماثل فى الجوهر" بدلا من "مساوى فى الجوهر"، وكتبوا مقالة إلى الإمبراطور. وبعد التعبير عن شكرهم لله على اعتلائه لعرش الامبراطورية، رجوه أن يصدِّق على المراسيم الصادرة فى ارمينيّم وسلوقية، وأن يلغى ما قد تأسس بالغيرة المجردة وسلطة بعض الأفراد. كذلك التمسوا منه أنه متى حدث انقسام بسبب المجامع، فإن ذلك يجب أن يظل بين الكنائس وعلى الاساقفة من كل اقليم أن يجتمعوا فى مكان ما يحدده الإمبراطور ولا يُسمَح لهم بالإجتماع فى أى مكان آخر، وأن يتدارسوا الأمر فيما بينهم ويُصدِروا المراسيم الخاصة، مثلما كان يحدث فى عهد قنستانتيوس. وأضافوا أنهم لم يذهبوا لزيارته فى معسكره لأنهم خشيوا أن يكونوا عبئا عليه، ولكن إذا أراد أن يراهم فإنهم بكل سرور يتوجهون إليه، ويتحملون كل النفقات الخاصة بالسفر بأنفسهم. هذه هى الوثيقة التى كُتِبَت للإمبراطور.
(6/4/4) وعُقِد مجمع فى هذه الفترة فى انطاكية بسوريا وتم التصديق على الصيغة التى وضعها مجمع نيقية، وتقرر أن الإبن هو بلا جدال من نفس جوهر substanceالآب. وشارك فى هذا المجمع مليتيوس الذى كان يدير كنيسة انطاكية آنذاك، ويوسيبيوس اسقف سامسطا، وبيلاجيوس اسقف لاودكية فى سوريا، واكاكيوس اسقف قيصرية فلسطين، وايرينئوس اسقف غزة، واثناسيوس اسقف انقيرا. وعقب انتهاء المجمع احاطوا الإمبراطور عِلما بالمداولات التى تمت بهذا الخطاب الذى ارسلوه له.
(6/4/4) "إلى الأوغسطس الأكثر تقوى، والمحب لله، سيدنا جوفيانوس الظافر. من الاساقفة المجتمعين بأنطاكيا من أقاليم عدة. نحن نعرف أيها الإمبراطور المحب لله أن تقواكم تهتمون بالكامل بإقرار السلام ووحدانية الكنائس ولا نجهل أنك قد نلت ختم النقطة الرئيسية لهذا الاتحاد، ونعنى به الايمان الارثوذكسى والحقيقى. لذلك، لئلا نُحسَب ضمن أولئك الذين يغِيرون على عقائد الحق هذه، فإننا نشهد لتقواكم بأننا نقبل ونحافظ على كل الايمان الذى أقره قديما مجمع نيقية المقدس. والآن على الرغم من أن مصطلح مساوى فى الجوهر يبدو غريبا بالنسبة لبعض الأشخاص، إلا أنه قد فُسِّر جيدا من الآباء، وهو يعنى أن الإبن مولود من جوهر الآب، وهذا المصطلح لا يحمل فكرة التوالد بلا انقطاع، ولا هو يتضمن الاستعمال الذى يستخدمه اليونانيون لكلمة جوهر، ولكنه يُحسَب فى أذهان الكافرين والمندفعين وراء مجاز آريوس أنه إثم [ القول] أن الإبن منبثق مما لم يكن له وجود سابق([487]). فالانوميون الذين ظهروا حديثا قد تجاسروا بلا خجل على القول أن هذه الكلمة تسبب عدم انسجام الكنائس. ولذا نلحق بهذا الخطاب نسخة من صيغة الإيمان التى تبناها الاساقفة المجتمعون فى نيقية والتى نحن أيضا نعتز بها.
تلك كانت القرارات التى اتخذها الكهنة المجتمعون فى انطاكية، وأرفقوا بخطابهم نسخة من صيغة ايمان نيقية.
[1] - يقول الاب متى المسكين أنها كانت ست سنوات. ولا يشير الى إقامته لدى عذراء.
[2] - ويرِد اسمه بأشكال مختلفة فى المخطوطات اليونانية مثل سالمينس سوزومينوس. وفى المطبوعات الغربية بالشكل سوزمين. كما يُعرَف أيضا فى المطبوعات العربية القديمة بنفس الشكل الغربى. ولكننى اخترتُ هنا النطق اليونانى بإعتباره كاتبٌ كَتب باليونانية أساسا.
[3] - أنظر، ك 15:5 هنا.
[4] - أى مدينة بيروت الحالية بلبنان. المعرب
[5] - "يوسيبيوس" القيصرى، هو اسقف قيصرية المشهور بأبى التاريخ الكنسى لأنه كان أول من يجمع تاريخ المسيحية منذ نشأتها إلى أيامه. ويُكتَب اسمه بأشكال عِدة فى الكتابات العربية منها: يوسابيوس، أوسابيوس، يوسيبيوس. أفسابيوس(فى الكتابات الشامية) المعرب
[6]- لقب "علماني" فى الكتابات المسيحية يختلف فى معناه جذريا عن المفهوم السياسى المتداول حزبيا فى هذه الأيام. فالمقصود به حصريا فى الكتابات المسيحية، الشخص الذى لا يشغل أى وظيفة كهنوتية رسمية فى الكنيسة بدءً من "قارىء"(أوغنسطس) إلى البابا. وواضح أن كلمة "علمانى" فى المفهوم المسيحى لا تعنى بتاتا شخصا ضد الدين أو "ملحد" أو غير تقى أو "لا دينى" إلى آخر هذه الاسقاطات التى يلجأ اليها البعض فى صراعهم الحزبى لخداع الفئات الشعبية البسيطة.
[7] - ولذا نشرهما الناشر الانجليزى معا. غير اننى رأيتُ أن ذلك سيكون مرهقا للقارىء العربى ففضلت نشرهما على جزئين.
[8] - مؤرخ يونانى من ق9م.
[9] - أنظر ك1: 6، 2: 3، 3: 15، 4: 17، 5: 18 هنا.
[10] - هم شيعة تُنسَب إلى نوفاتيان Novatian أو نوفاتوس حسب النطق الشرقى وكان قسا بكنيسة روما هذا ذهب – كما قال يوسيبيوس القيصرى – بكبرياء قلب إلى أن الذين سقطوا فى أثناء الاضطهادات " ليس لهم أى رجاء فى الخلاص، حتى ولو عملوا كل ما يتصل بالتحديد الحقيقى التقى". ثم تزعم شيعة ظلت تناوىء الكنيسة الجامعة ردحا من الزمان. أنظر "البدع والهرطقات فى القرون الأولى" للمعرب
[11] - أنظر: "التاريخ الكنسى لرفينوس"، للمعرب. نشر مطرانية جنوب سيناء.
[12] - راجع "التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى" لبالاديوس وروفينوس والسبعة رهبان الاورشليميين، للمعرب. نشر دار باناريون، ديسمبر 2013.
[13] - وهذا هو سبب تكرار كلمة "قيل" و"يُقال" فى عمله.
[14] - أنظر تعريب له للمعرب على مدونته الخاصة egychrart.weebly.com.
[15] - أنظر على سبيل المثال، مكوث البابا أثناسيوس الرسولى عند عذراء بالأسكندرية والتى كان أول من سجلها بالاديوس، نجد أنه رغم توافر هذا المصدر تحت يد سقراتيس أيضا، فإنه لم يذكر هذه الواقعة ولا علَّق عليها. وذلك على العكس من سوزمينوس الذى أوردها.
[16] - ك1، ف1 بعده.
[17] - كان كل كاتب من الكُتاب الأوائل ينعت "الرهبنة المسيحية" بنعت خاص به هو، ويُعبِّر عن مفهومه الخاص ونظرته الخاصة لهذا النمط من الحياة. فكان بالاديوس، كما رأينا (فى "التاريخ الرهبانى"، اصدار دار باناريون) ينعتها "بحلبة المصارعة"، وكان كاسيان ينعتها "بطريق الكمال"، وهنا ينعتها سوزمينوس "بالفلسفة الحقيقية".
[18] - راجع: 1/1/13.
[19] - قد نتفق معه فى هذا المنهج أو لا نتفق. ولكن تبقى وجهة نظره للتاريخ ولدور المؤرخ متميزة عن تلك التى لسقراتيس.
[20] - وكأنه يردد من وراء الدهور المقولة التى كان يحلو لنيافة الأنبا صموئيل اسقف الخدمات العامة فى بداية حبرية الأنبا شنودة الثالث بابا الاسكندرية الـ 117 فى عداد باباوات الأسكندرية، والذى أُستُشهِد فى حادثة المنصة عند اغتيال الرئيس السادات، أن يُرددها بإستمرار "نحن لا نعرف ماذا يُمسكه التاريخ، ولكننا نعرف مَن يُمسِك التاريخ". we do not know what the history holds, but we do know Who holds the history.
[21] - على عكس النعوت التى نجدها لدى ثيودوريت مثلا.
[22] - أنظر، ك15:3: 6.
[23] - انظر "التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى"، ف63، للمعرب، نشر دار باناريون،2013م.
[24] - كما يمكن الاستعانة أيضا بكتاب الأب متى المسكين "القديس أثناسيوس الرسولى، نشر دير أنبا مقار، مصر.
[25] - كتبه البعض ايضا سوزومين أو سوزمين.
[26] - بطريرك القنسطنطينية فى ق 9م، كَتَب تاريخا كنسيا.
[27] - من مقدِّم الترجمة إلى الانجليزية.
[28] - "استاديا" وحدة قياس أطوال وهى باليونانية stadion وباللاتينية القديمة stadium، ومنها الكلمة الإنجليزية stade. وكانت طبقا لهيرودوت تساوى 600 قدم. ولكن كانت هناك أطوال متعددة للقدم تختلف باختلاف البلدان. ولذلك اختلف بالطبع طول الاستاديا بحسب تفسير كل كاتب. وقد قدَّر موقع جوجل طول الاستاديا من 150-200 متر.
[29] - يجب أن نلاحظ من البداية أن سوزمينوس سيعبِّر طوال هذا العمل عن الرهبنة بكلمة "الفلسفة"، وعن الرهبان بكلمة "فلاسفة". وذلك مثلما كان بالاديوس يعبّر عن الرهبنة "بحلبة المصارعة" الروحية. ومثلما كان كاسيان يشير إلى الرهبنة بعبارة "طريق الكمال".
[30] - يقصد المترجم هنا أنها كانت "ضيقة الأفق" علميا، هذا بالطبع من وجهة نظره الخاص.
[31] - هو مؤرخ من القرن التاسع الميلادى.
[32] - أى ايران حاليا (فارس سابقا). وهذه الكلمة كانت ترد أيضا فى بعض الكتابات العربية بالأشكال: فِرسيا، فارثيا ثم فارس أو الفُرْس.
[33] - تعددت الترجمات لهذه الكلمة بتعدد المترجمين، وجيد أن أشير إليها هنا للتعرف على الآراء المختلفة لكلمة كهذه على سبيل المثال، ونتعلم منها احترام أراء الآخرين دون التسرع – فى غير الثوابت – بالحُكم بأيها أدق. فهذه الكلمة تعنى فى القواميس العادية "مدرسى" أى متعلم مثلما يقول الشخص العامى المصرى عن الشخص المثقف "هذا إبن مدارس". وتعنى أيضا، باحث، أو دارس. ورأى آخرون أنها كانت نعتا خاصا برجال القانون فى العصر البيزنطى، والمحامين وهو رأى تعززه فعلا مصادر عديدة كان كاتبوها يمارسون فعلا مهنة المحاماة مثل المؤرخ زكريا البليغ (أو النحوى) وسقراتيس وسوزمينوس على سبيل المثال لا الحصر. وأخيرا ترجمها أحدهم "بالتقليدى" وقال أنه الشخص الشديد التمسك بالتعاليم والأساليب التقليدية لمذهب ما. أما أنا فقد تبنيتُ هنا الترجمة عاليه بالمتن.
[34] - حرفيا منعدد الثقافات polyhistor.
[35] - مرة أخرى هذه وجهة نظر مقدِّم عمل سوزمينوس وليست وجهة نظر المعرِّب، عن كلمنضس الاسكندرى.
[36] - "مضادة للإنسانيات" هذه عبارة شستر المترجم الإنجليزى وصاحب المقدمة هذه، وهى إما أنه تُعبِّر عن وجهة نظره الخاصة للرهبنة، وإما أنها تُشير إلى انماط معينة من الرهبنة شاعت فى الشرق فى ذلك الوقت كانت غريبة على الفكر الرهبانى المصرى، وكان يُمارس فيها الرهبان تعذيبا جسديا لأنفسهم. ومن "محاورات" كاسيان نَعلم أن آباء الرهبنة المصرية قد شجبوا بشدة مثل هذه الأنماط. أُنظر: "المحاورات" لكاسيان، تعريب الدكتور/بولا ساويرس. المعرب
[37] - المترجم هنا يُشير إلى أنين جيروم فى إحدى رسائله(الرسالة 22، فق 30) من أثر قراءاته الفلسفية القديمة على ذهنه، إلى الحد الذى رُفِض فيه دخوله الملكوت – كما ظَهر له فى رؤيا - لأنه من أتباع سيسرون وسينكا. المعرب
[38] - أى لسوزمينوس.
[39] - أولا ربما هذه العبارة من باب الاتضاع مثلما هى عادة معظم إن لم يكن كل كتَّاب ذلك العصر. وثانيا الرجل مؤرخ للتاريخ الكنسى العام وليس لتاريخ العقائد، ومن ثمة انشغاله بالجانب التاريخى أساسا، ولذا كان عندما يتطرق إلى مسألة عقائدية يحيل القارىء إلى المراجع الخاصة بهذا الموضوع مثلما نفعل نحن فى أيامنا هذه. ولا يسمح لنفسه أن يكون كشكولا لكل المعلومات. ومن ثم عدم ضلوعه فى المجادلات العقائدية واللاهوتية لا يعيبه ولا يُؤخذ عليه، بل هو نوع من التخصص. وفى رأيى الخاص كان سوزمينوس محترما لكلمته هذه، ولم يفعل مثلما فعل باحث جامعى فى هذه الأيام، إذ بينما هو يترجم عملا تاريخيا لأحد كتَّاب القرن السادس الميلادى، وعلى الرغم من أنه قال فى مقدمته الخاصة به، فحوى هذه العبارة، إلاَّ أنه ما لبث أن تكلم فى الأمور العقائدية للطرف المضاد لرأيه كلاما غير لائق بباحث يَدَّعِى المنهج العلمى والموضوعية، عن غير وعى أو دراسة أو موضوعية، فجاء كلامه سمجا معيبا أكاديميا.
[40] - هذا رأى المترجم. أما المعرب فيرى أن السبب واضح وهو أن المهن الأكثر تميزا اجتماعيا فى ذلك العصر كانت المحاماة والخطابة(البلاغة). ومن ثم كانت هذه الدراسات هدف كل أب وامنيته لأولاده، ومن ثم يسعى إلى تزويدهم بها كلما استطاع إلى ذلك سبيلا. مثلما كانت كلية الحقوق خلال القرن العشرين الميلادى والى العقد السادس فيه. وهكذا، بدأ القديس ساويرس الأنطاكى وزكريا البليغ (أو النحوى) على سبيل المثال لا الحصر، حياتهما العلمية.
[41] - أى فم الذهب. المعرب
[42] - أو بولشاريا حسبما يلفُظها البعض.
[43] - وأنا أيضا مندهش لهذا الموقف الغريب، إذ أن الطقس الجارى والثابت فى الليتورجيا القبطية أنه قبل قراءة الانجيل يقول الشماس بصوت عالٍ "قفوا بخوف وأدب من الله لسماع الانجيل المقدس، فصل شريف من الانجيل...". وعندما يكون البابا حاضراَ، فإنه هو نفسه الذى يقرأ الانجيل، ومن ثم لن يكون جالسا. وبالمثل إذا كان الأسقف حاضرا هو الذى يقرأ الإنجيل إما بالقبطية وإما بالعربية وهو واقفٌ. فكيف حدث ذلك؟، هذا ما لم يوضحه لنا سوزمينوس، مثلما أشار إلى الأسقف المُسن الذى واظب على حضور الخدمات الكنسية دون أن يمنعه مانع سوى المرض. فلماذا لم يعرف علة جلوس هذا الأسقف ويخبرنا بها؟. على أية حال هذه الاشارة نجدها عنده هو فقط. فقد جاء فى سير القديسين للبولاند عن البابا أثناسيوس الرسولى أنه "لم يقرأ الانجيل فى حياته قط وهو جالس". أنظر Bollan Act. SS. Feb. 26.. والعجيب أن هذه الإشارة موجودة فى طقس تنصيب البطريرك السريانى للأرثوذكس اللاخلقيدونيين كما ظهر فى تنصيب البطريرك مار اغناطيوس يعقوب الثانى يوم الخميس الموافق 29/5/2014 (عيد الصعود بالتقويم الشرقى). حيث قرأ فصل "الراعى" من الإنجيل وهو جالسٌ على كرسى محمول على أكتاف عددٍ من الأساقفة. وبعد قراءة هذا الفصل، تم إنزاله وهو جالس على الكرسى. لذلك لزم التنويه إلى هذه الملاحظة من قِبل سوزمينوس التى ربما اختلط عليه الأمر، أو على مَن نقل إليه هذه المعلومة. كما رأيتها أيضا بنفسى فى قداس مارونى متلفز من إحدى المدن بلبنان عام 2015م كان القارىء للإنجيل شماسا بينما كان الاساقفة والكهنة وكثيرين من الشعب جلوسً.
[44] - وتُكتَب أيضا بالشكل مكدونيوس، أو ماكدونيوس.
[45] - ديوسقورس هذا هو أحد الإخوة الطوال الذين توجهوا إلى القنسطنطينية فى أيام حبرية الأنبا يوحنا فم الذهب، وتُوفِىَّ هناك. المعرب
[46]- يشرح لنا سوزمينوس سبب ذلك بأنه لم يكن من اللائق آنذاك، حسب مشورة المحبين من رجال الدين له، نشر تفاصيل قانون الايمان لغير طالبى العماد. حيث كان هذا القانون والعقائد اللاهوتية تُدرَّس لهم طوال مدة الإعداد قبل نوال المعمودية. وبالفعل وصلنا مثال لذلك فى عظات القديس كيرلس الأورشليمى، والتى صدرت للقمص تادرس يعقوب، بكنيسة مارجرجس باسبورتنج، الاسكندرية. المعرب
[47]- أو الضارية.
[48] - هو ثيودوسيوس الثاني، أو الأصغر، الابن الأكبر لآركاديوس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية إبن ثيودوسيوس الأول، أو الكبير. وأصبح إمبراطوراً للإمبراطورية الرومانية الشرقية عندما كان عمره سبع سنوات. تأثر بأخته بولكاريا (أو بولخاريا) الأكبر منه سناً، والتي دفعته إلى المسيحية الأرثوذكسية. حكم الامبراطورية الرومانية الشرقية(من402-408م) مع ابيه آركاديوس ثم حكم مع أخته (408-416م) ثم منفردا (416-450م).
[49] - عملة نحاسية نقدية قديمة.
[50] - أى يوم كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا، ويرى البعض أنه كتبه سنة 439م تقريبا. المعرب
[51] - حسنا قال سوزمينوس "هيراكليا فى بونطس" ذلك لأن هناك مدن عديدة بإسم هيراكليا بل وجزيرة بنفس الاسم. والمدينة المذكورة هنا كانت تقع على ساحل بيثنية بآسيا الصغرى عند مصب نهر ليكوس. وموقعها الآن مدينة بإسم كارادينيز ايريجلى، في مقاطعة زونجولداك التركية. المعرب
[52] - بيثينيا (ويمكن أن تكتب أيضا بالشكل بيثينية)، هي منطقة قديمة في شمال غرب آسيا الصغرى، بجوار بحر مرمرة والبُسفور والبحر الأسود. وهى الآن إحدى محافظات تركيا. المعرب
[53] - لا أعرف لماذا استشهد سوزمينوس هنا بقصة المقدونى هذه، وأمامه مثال داوود النبى وما فعله فى موقف مثل هذا الموقف ذاته. أنظر: 2صم17:23. المعرب
[54] - القنصلية الثالثة لكريسبوس كانت خلال (317-326م). وبذلك يبدأ تاريخ سوزمينوس من 326م أو 325م.
[55] - الصغير أو الثانى.
[56] - المفروض أن هذا العمل لسوزمينوس، حسب التقسيم عاليه ينتهى بسنة 450م على الأكثر وهو تاريخ وفاة ثيودسيوس الصغير، أو على الأقل بسنة 425م فى تقدير آخرين، ولكن ما وصلنا فعلا من تاريخه يقف عند أوائل عهد هذا الامبراطور، كما سنرى فى الكتاب التاسع. المعرب
[57] - تك 18.
[58] - اشارة تاريخية مفيدة لدارسى الطقوس إلى "قسمة اسحق" فى الليتورجية القبطية. انظر خولاجى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، باب القِسم.
[59] - أو إنتظار، أو إشتهاء، أو ترقب.
[60] - أى السيد المسيح.
[61] - أنظر تك10:49.
[62] - تترجم مواقع الفحص الالكترونى هذه الكلمة، "بمجلس الشيوخ"، قياسا على هذا المجلس فى النظام السياسى الامريكى. ولكن الواقع أن ذلك يحتاج إلى دراسة سياسية مقارنة لكل من المجلسين الحالى والرومانى، للتأكد من دقة التعريف، ولما كان ذلك خارج دائرة اهتمامى الحالى فقد فضلتُ الابقاء على كلمة سينات كما هى لفظا، مُرّحِبا بأية مساهمة ترد لى بشأن هذا الموضوع على أن تكون موثقة بمصادر معتمدة.
[63] - يُعرِّب البعض هذا الاسم حاليا، فى اللهجات العربية الأخرى، جوزيفوس. أنظر عن الأشكال المختلفة للأسماء تمهيد المعرب.
[64] - حرفيا بائدين أو منقرضين.
[65] - أى لم يتوقع اليهود أن يتحول الأمم حالا إلى الايمان المسيحى.
[66] - من نعته "خلفاء الرسل" نفهم أنه يقصد القديس كليمندس الرومانى، من رجال القرن الأول الميلادى، وكان اسقفا لروما بإيطاليا.
[67] - أى يوسيبيوس القيصرى، المشهور بكتابه "التاريخ الكنسى".
[68] - هذا العمل لم يصلنا.
[69] - أو فلنقل مُحِصَّت مرار.
[70] - هو سلفستر الأول بابا روما للفترة 314م- 335م.
[71] - هو البابا الكسندروس الأول، بابا الاسكندرية(312م – 328م).
[72] - لاحظ هنا أن سوزمينوس لا يذكر أسماء اساقفة روما ولا الاسكندرية بلقب بابا. ولكن المترجمين يضيفون فى بعض المواضع فى المتن(وخاصة فى الترجمات اللاتينية) كلمة "بابا" لأسقف روما فقط وحصريا عليه. ثم يجردون أسقف الاسكندرية بما فى ذلك القديس أثناسيوس الرسولى من أى لقب. عِلما بأنه على الصعيد التاريخى البحت كان أول من أُطلِق عليه لقب "بابا" هو "ياروكلاس" (أو هيركلاس) اسقف الاسكندرية، البابا الثالث عشر فى عداد باباوات الاسكندرية. وقد قال القديس غريغوريوس النزينزى عن اسقف الأسكندرية "إن رأس كنيسة الأسكندرية هو رأس العالم"، عندما لم يكن للوضع السياسى المدنى شأن بترتيب الكنائس الرسولية (أنظر، متى المسكين، القديس أثناسيوس، مرجع سابق، ص 49، هـ6).
[73] - هذه المدينة (وتكتب أيضا فى مواقع البحث بالشكل "بروا" ) هى مدينة حلب السورية حاليا. وجدير بالذكر أن هذه المدينة قد تعددت اسماؤها عبر التاريخ كما تنوعت تفاسير اسمها الحالى نفسه "حلب". ما يهمنا هنا هو أنها قد عُرِفت بإسم Bereoa بيروا (أو بيرية) طوال العصور اليونانية والرومانية والبيزنطية. ويرى البعض أنها المدينة التى ذُكِرت بإسم "آرام صوبا" في سِفر الملوك الثاني من كتاب العهد القديم.
[74] - هذا هو الشكل الاساسى لإسمه باللغات الاجنبية، ولكن الكتابات العربية تبنت شكل (قسطنطين) ربما لتخفيف النطق، مثل الشكل المتعارف عليه فى العربية (بطليموس)، بينما هو أساسا بتولمى، ولذا كتبه بعض الباحثين بطلميوس. ولا مانع من التعرف على هذه الاشكال المختلفة، وفى غياب اللسان الأصلى للغة، يختار كل ما يسهل له.
[75] - الرومانية الغربية. وهذه الفترة هى الفترة التى كان فيها قنسطنطين الكبير حاكما للقسم الغربى (313- 337م)، وليسنوس حاكما للقسم الشرقى.
[76] - انظر "ابصالية" يوم الجمعة بتسبحة نصف الليل اليومية بالكنيسة القبطية الأسكندرية، فى كتاب "الابصلمودية السنوية".
[77] - وهو "الراية" الحربية التى كانت تُحمَل فى طليعة القوات. وقد صارت منذ عهد قنسطنطين الأول أو الكبير، يُرسَم عليها الحرفان الأولان من اسم السيد المسيح، باليونانية كما فى الصورة المرفقة.
[78] - يقصد وسائل التكفير عن الذنب، وهو ما عبَّر عنه كاسيان فى محاوراته بوسائل "الترضية" أى إكتساب رضاء الله. أنظر المحاورة رقم 20 لكسيان، ترجمة المعرب.
[79] - هى مدينة إزميت الآن بتركيا، بالقرب من اسطامبول (اسلامبول).
[80] - أى السخرة.
[81] - أيضا أحد أنواع السخرة.
[82] - ألاحظ هنا الأثر القانونى لسوزمينوس عند تسجيله لهذا المرسوم ودقة الوصف القانونى "للإجراءات" كأنها تجرى اليوم فى زماننا، من ناحية. ومن ناحية أخرى، تعكس هذه "الاجراءات" نظام تشريع غير مستبد، رغم أن الحُكم فى ظاهره ملكى مطلق. إذ يقول سوزمينوس أن هذه الاجراءات وقَّع عليها الامبراطور[ أى صدَّق عليها بتعبيرنا الحالى]. أليس ذلك هو ما يجرى حاليا فى أيامنا فى الأنظمة الجمهورية عندما يصدر قانونا بمرسوم جمهورى.
[83] - مثل تأليه الأباطرة.
[84] - معبد وثنى.
[85] - للأسف هذه العادة مازالت قائمة فى البلاد الافريقية جنوب الصحارى كعادة اجتماعية عامة وعادية فى تلك المجتمعات. حيث تسعى الشابات بإختيارها الحر والعلنى، وبرضا الأب والأم، إلى المعاشرة الجنسية المبكرة قبل الزواج، للتأكد من قدرتها على الانجاب، ولإثبات صلاحيتها من ثمة للزواج. وتحاول الارساليات المسيحية معالجة هذا الأمر على قدر ما تستطيع.
[86] - القوط (باللاتينية: Gothi) قبائل جرمانية شرقية، قَدِمَت حسب أرجح الآراء من إسكندنافيا إلى وسط وجنوب شرق القارة الأوروبية.
[87] - "إستر"، هو النهر المعروف حاليا بالدانوب فى رومانيا الحالية، والاسم يعنى إله النهر لسكيثيا وشمال اوربا.
[88] - مثل خيمة الاجتماع واللاويين.
[89] - نلاحظ هنا اشارة طقسية شيقة لدارسى تاريخ الطقوس. فى عبارة "الذى يدعوه اليهود يوم أول الأسبوع والذى يخصصه الوثنيون للشمس". ومازال هذا السبب منعكس على اسم هذا اليوم فى اللغة الانجليزية Sunday.
[90] أى يومىَّ الأحد والجمعة كما سنرى حالا، بل يُعبَد الرب بالصلوات والتضرعات. لقد كرَّم يوم الرب لأن المسيح قام فيه من الموت، واليوم المذكور توا (فى عبارة "اليوم قبل السابع") وهو الجمعة، لأن يوم السبت هو اليوم السابع، تكريما ليوم الصلب كما سيذكر سوزمينوس حالا.
[91] - أى وقت كتابة سوزمينوس لعمله هذا فى حوالى 439م. أنظر المقدمة للمعرب.
[92] - أى تبنى الرهبنة.
[93] - أى المُعتمدين.
[94] - أى فى أيام كتابته لهذا العمل. أنظر مقدمة المعرب
[95] - أى الذين عُذِّبوا ولكن لم يستشهدوا بدنيا.
[96] - ومن ذلك نعرف أن شريعة قطع أطراف الانسان "خَلف خِلاف" التى أخذ بها عرب الجزيرة فيما بعد كانت واحدة من بين العديد من الأمور التى ورثها الحكم العربى من الامبراطوريات الغابرة.
[97] - اسم هذه المدينة ورد فى الترجمة الإنجليزية لعمل بالاديوس "حوار عن فم الذهب" بالشكل Trimithus.
[98] - لعل المقصود بذلك أنها كانت راهبة، حيث كان يُطلَق على الراهبات فى الزمن المبكر لقب "عذارى".
[99] - هى بيروت الحالية بلبنان.
[100] - مت6:9.
[101] - ويعرف فى الكتابات اليونانية القديمة quadragesima. وبالنسبة لمدته فى ذلك الزمن أنظر المحاورة الشيقة لكاسيان، رقم 21، فى "المحاورات" ترجمة المعرب.
[102] - تيط 15:1.
[103] - أى وجهة نظرهم إزاء مناحى الحياة. وتعبير سوزمينوس هنا ترديد لمفهوم "الغنوسية المسيحية" أى "المعرفة المسيحية" ولما كانت كلمة فلسفة تعنى لُغويا "محبة الحكمة" أى محبة المعرفة الجيدة. فمن هنا استخدمها سوزمينوس اصطلاحا للرهبنة بإعتبارها ، فى نظره، الطريق للمعرفة "الحقيقة" لله.
[104] - "أوجاع" هى الكلمة التى تُتَرجم أيضا إلى "أهواء" والتى كانت موضوع كُتُب القِسم الثانى من عمل كاسيان "الأنظمة"، أنظر ترجمته للمعرب.
[105] - اليهودى.
[106] - أى من أتباع فيثاغورس.
[107] - يُلاحظ هنا أن الجماعة التى تكلم عنها فيلو المؤرخ اليهودى الاسكندرى، والتى كانت تحيا بالقرب من بحيرة مريوط الحالية، دون أن يذكر جنسيتهم أو ديانتهم، يقول سوزمينوس هنا صراحة أنها كانت تتكون من العبرانيين. وهو بهذا أول من نعتها بوضوح هكذا. وفى نظرى لعلها كانت امتدادا لحركة الآسينيين القديمة فى وادى قمران.
[108] - واضح هنا من وصف سوزمينوس، أنه أخذ كلمة monastery بمعناها اللُغوى وهو مسكن الراهب أو الناسك، وليس بمعناها الاصطلاحى وهو الدير المسوَّر بشكله الحالى.
[109] - الزوفا أو بالإنكليزية (بالإنكليزية: Hyssop) هو عشب يُعرَف أيضاً بأشنان داود. موطنه الأصلي حوض البحر الأبيض المتوسط. يكثر في الأراضي الكلسية المشمسة. ويعتبر أحد أنواع النباتات التي تنمو في المستنقعات المالحة في أماكن كثيرة من العالم. له استعمالات طبية عديدة، ولكن يمكن استخدام بعضه كغذاء للإنسان، ويمكن تخليله. أنظر شكله وفوائده الطبية العديدة بإحدى مواقع البحث الإلكترونى.
[110] - يحلو لسوزمينوس، كما قلنا سابقا، نعت الرهبنة طوال هذا العمل بالفلسفة، إذ كان يراها "حُب الحكمة الحقيقية" التى هى معرفة الكلمة الإلهى. أنظر التمهيد للمعرب.
[111] - بينما يحاول البعض الاعتراض على هذا العامل، فإن الدراسة التاريخية المحضة، ترى أنه كان بالفعل أحد عوامل اللجوء الى الصحارى، ثم التنسك، ليس فقط فى مصر ولكن فى كل بلاد الشرق، وهى البلاد التى عانت من اضطهادات مريرة عديدة، دينية ومذهبية عبر القرون الوثنية والمسيحية والاسلامية، وما زالت تئن بأنواع شتى حتى الآن. أنظر عن ذلك، رسالة المعرب لنيل الماجستير. وتاريخ أديرة وادى النطرون، ايفيلين هوايت، ترجمة المعرب. و"الرهبنة القبطية ما لها وما عليها"، مذكرات للمعرب.
[112] - أى القديس انطونيوس الكبير، أول رهبان مصر.
[113] - أى الحمَّامات العامة، آنذاك المليئة بالموبقات.
[114] - مثل القديس هيلاريون، أو إيلاريون (الملقب بأنطونيس فلسطين) أنظر سيرته للمعرب.
[115] - القديس الأنبا انطونيوس الكبير مؤسس النظام الرهبانى فى مصر.
[116] - قلنا أن سوزمينوس كان يرى الرهبنة هى المعرفة الحقيقية لله، ومن هنا عبَّر عنها طوال عمله هذا بالفلسفة. أنظر مقدمة المعرب.
[117] - بالطبع اعتمد سوزمينوس هنا على بالاديوس. أنظر "التاريخ الرهبانى فى أواخر ق4م"، للمعرب.
[118] - هذا التقليد الشفاهى كان قد سجله بالاديوس وروفينوس وجيروم وكاسيان كتابة . وكانت هذه الأعمال بالطبع متاحة وفى متناول اليد فى تلك الفترة التى بدأ فيها كتابة تاريخه هذا. وقد شكَّلت بالطبع مصادرا اساسية لتاريخه هذا وإن لم يذكر اسماء مَن نقل عنهم.
[119] - أى للرهبنة.
[120] - يجب ملاحظة أن هذه الشيعة لم تكن بدعة فى العقيدة والإيمان، ولكنها كانت تمثل موقفا متشددا من جهة "الساقطين" بالضعف البشرى.
[121] - هو البابا بطرس الأول، السابع عشر فى عداد بابوات الاسكندرية، والذى كانت حبريته فى حوالى(302-312م).
[122] - البابا الثامن عشر فى عداد باباوات الاسكندرية. ويُلفَظ أيضا ارشيلاوس.
[123] - البابا الأسكندري التاسع عشر من باباوات الأسكندرية (312-328م).
[124] - هو الاسقف الاريوسى، المعروف فى الكتابات العربية بيوسابيوس القيصرى، أول من كتب تاريخ الكنيسة بصفة عامة. فرغم أننا نعتمد إلى حد ما على تاريخه، إلا أننا بالطبع نتحفظ بشدة على أى رأى عقيدى يبديه صراحة أو ضمنا. كما نتحفظ فى أرائه التاريخية ذاتها فى مناصرة طرف ما أو هجوم على طرف آخر، حيث أن الحيادية المطلقة أمر غير وارد للبشر.
[125] - "اسكيثوبوليس" باليونانية، هى مدينة "بيت شان" بالعبرية، وبيسان بالعربية. وهى حاليا فى شمال شرق القدس، بدولة اسرائيل السياسية الحالية.
[126] - أى فى أيام كتابة سوزمينوس لعمله هذا.
[127] - غريب حقا أن يطلبوا ذلك منه، وقد نقضوا هم ابسط القواعد الكنسية وهى عدم التدخل فى ايبارشية الآخرين، سواء على مستوى الكراسى، أو على مستوى الاساقفة الخاضعين لأسقف الكرسى الرئيسى فى كل قطر. لقد كانوا بذلك أول مَن خلق النزاع المسكونى فى نظرى.
[128] - هى مدينة قرطبة الحالية بجنوب اسبانيا، وقد تنوع هجاء اسمها اللاتينى فى الترجمة الانجليزية ذاتها بين مترجم عمل سوزمينوس وبين المصادر الانجليزية الأخرى، مما يدعم وجهة النظر التى أشرتُ إليها فى التمهيد عن كتابة الأسماء.
[129] - هى مدينة إزنيق الآن بتركيا.
[130] - هو نهر العاصى الآن.
[131] - هو البابا الكسندروس الأول، التاسع عشر فى عداد باباوات الاسكندرية (312- 328م).
[132] - يذكر سوزمينوس هنا أن عدد أساقفة الكراسى الذين حضروا هذا المجمع كان 320 أسقفا. أما الكنيسة القبطية فترى فى "صلاة تحليل الخدام" بالقداس الإلهى أنهم كانوا 318 أسقفا. هذا ويقول د/أسد رستم فى كتابه "كنيسة أنطاكية العظمى"، حـ1، ص 199 أن المراجع تختلف فيما بينها فى عدد الأساقفة الذين حضروا هذا المجمع. المعرب
[133] - ولهذا رتبت الكنيسة أن يُحاكِم الكهنة، مجلس كهنة الايبارشية مع الأسقف.
[134] - يذكرنى خطاب قنسطنطين هذا بكلام النوتية ليونان النبى.
[135] - أى بحياة الإمبراطور.
[136] - ما زال هذا الجنس يقطن أساسا شمال العراق، ولكن بعضهم يتواجد فى أماكن شتى من دول العالم.
[137] - أى يوسيبيوس القيصرى المؤرخ، أسقف قيصرية فلسطين.
[138]- لاحظ هنا، مَن هو الداعى إلى أول مجمع مسكونى.
[139] - Son is consubstantial with the Father . عن المدلولات اللاهوتية "للطبيعة" و"الجوهر" و"الاقنوم" و"الهيبوستاسيس"، و"الاموسيووس"، و"الأموأوسيوس"، والتى سترد على مدى عمل سوزمينوس هذا. رجاء الرجوع إلى القسم اللاهوتى من كتاب "القديس أثناسيوس الرسولى "، للأب متى المسكين، نشر دير انبا مقار.
[140] - حرفيا المبتدأون فى الايمان.
[141] - ولهذا عُرِف عنه أنه "نصف أريوسى"، وإن كان قد حاول فيما بعد أن يُبرر تردده هذا.
[142] - اى اريوس.
[143] - أو كرستوس.
[144] - 1يو16:5.
[145] - لاحظ هنا إغفال الأمر الإلهى "كل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا فى...".
[146] - هنا أقول للذين رأوا أن سوزمينوس قد "نسخ" من سقراتيس، أن الحدث التاريخى من حيث هو حدث ماضى هو مشاع للجميع، ولكن الموقف منه يختلف من شخص لآخر. وها نحن نرى هنا الموقف الشخصى لسوزمينوس من هذا الحدث الذى يختلف بوضوح عن سقراتيس.
[147] - اسيوط حاليا.
[148] - أى البابا بطرس الملقب بخاتم الشهداء.
[149] - زك20:14
[150] - يوضح سوزمينوس هنا أن من ضمن مصادره، "التقليد" الصحيح السند، والسجلات المدونة سلفا.
[151] - أو هيلينا، كما لفظها البعض.
[152] - من الواضح أنه فى القرون الأولى كان يُطلَّق على المتبتلات أو المكرسات أو الراهبات إسم "العذارى". فنسمع عن القديس انطونيوس أنه قد أودع أخته "بيت" [أى دير، بالمعنى الحالى] للعذارى. وأن القديس آمون أودع زوجته لدى "العذارى".. وهكذا.
[153] - ويلفظها البعض أيضا أوغسطا.
[154] - أى المدن الكبيرة.
[155] - مدينة إزميت الآن بتركيا.
[156] - العاصى الآن.
[157] - "تُرُوى" هى المعروفة بالعربية بمدينة طروادة. وقد اكتشفت بعثة المانية أطلالها حديثا، وكانت تقع فى جنوب غرب اناتوليا بتركيا حاليا وفى شمال غرب الدردنيل (الذى كان يُعرف بإسم هيلسبونت).
[158] - هيلسبونت مضيق بحرى يربط بحر إيجة ببحر مرمرة، ويفصل المضيق ما بين شاطئ آسيا الصغرى وشبه جزيرة جاليبولي في الجانب الأوروبى، وهما من الأراضي التركية. ويُعرف حاليا بالدردنيل. وكان هذا المضيق مسرحا لمعركتين حربيتين أولاهما بين قنسطنطين وابنه الأكبر سنة 324م.
[159] - أى فى زمن سوزمينوس.
[160] - ويكتبها البعض أيضا، "تيراس". وهي منطقة تاريخية وجغرافية في جنوب شرق البلقان تضم شمال شرق اليونان وجنوب بلغاريا وتركيا الأوروبية. وتطل تراقيا على ثلاث بحار: البحر الأسود، وبحر إيجة، وبحر مرمرة، وهناك تداخل في حدود تراقيا التاريخية وحدود مقدونيا التاريخية.
[161] - ترِد فى الكتابات العربية المصرية بالشكل "خلقيدونية"، و"خلقيدونيا". كما ترد فى مواقع البحث أيضا بالشكل خلقدون. كما تنوع لفظها أيضا فى اللغة الانجليزية (أنظر مواقع البحث تحت كلمة خلقدون) وهى الآن ضاحية من مدينة اسطامبول بإسم (قاضى كوي) Kadıköy
[162] - بيثينيا هي منطقة قديمة في شمال غرب آسيا الصغرى، تجاور بحر مرمرة والبسفور والبحر الأسود.
[163] - بيزنطة، أو بيزنطية، أو بيزنطا، بالانجليزية Byzantium. هي مدينة إغريقية قديمة كانت تقع علي مضيق البوسفور بتركيا. أُسسها بيزاس ابن نيسوس ملك ميغارا عام 658 ق.م.، فدُعِيَّت بإسمه. وفي عام 335م جعلها الإمبراطور قنسطنطين عاصمة للإمبراطورية الرومانية الشرقية، فأصبح يُطلَق عليها القنسطنطينية. وعندما غزا العثمانيون هذه البلاد أطلقوا عليها (إسلام بول). ثم دُعِيَت الآستانة. وحاليا تُعرف بإسم إسطنبول أو اسطمبول.
[164] - وتكتب أيضا فى الكتب العربية القديمة "اسطر". وهو نهر الداونب حاليا.
[165] - أو قورين، أو قوريني، أو قورينا. هى مدينة تاريخية قديمة يونانية ورومانية بالقرب من المدينة الحالية "الشحات" في الجبل الأخضر بأقصى شمال شرق ليبيا، وتبعد عن مدينة البيضاء بحوالي عشرة كيلومترات.
[166] - "بوريوم" هى المدينة المندثرة "البوريقة" بالقرب من "بنغازى" الحالية بليبيا.
[167] - أو جوليان أو يوليان.
[168] - استاديا، معربة لفظا للكلمة الانجليزية stadeعن اللاتينية stadiumعن اليونانيةstadion ، هى أساسا وحدة قياس اغريقية قديمة للمسافات، وعرَّفها هيرودوت بأنها تساوى 600 قَدم. ولما كانت هناك أطوال مختلفة للقَدم تبعا للدول، فإن طولها بالضبط قد اختلف أيضا على الصعيد المكانى تبعا للدول، وعلى الصعيد الزمنى من حقبة لأخرى للبلد الواحد . أنظر عن ذلك :
Gulbekian, Edward (1987). "The Origin and Value of the Stadion Unit used by Eratosthenes in the Third Century BC". Archive for History of Exact Sciences 37: 359–363
[169] - طبعا ذلك لحكمة إلهية حتى لا يُنسَب الشفاء إلى المادة المستخدمة لإظهار الفعل الإلهى.
[170] - انظر عن ذلك "صلاة الصلح" بالقداس الغريغورى، للكنيسة القبطية، "لا ملاك ولا رئيس ملائكة إتمنته على خلاص جنس البشر...".
[171] - هى مدينة الخليل الآن بالضفة الغربية.
[172] - اسقف قيصرية، وهو كما قلنا سابقا شبه اريوسى.
[173] - وثنية من الوثنيين.
[174] - التى للوثنيين.
[175] - "إلى المدينة" بالطبع من السهل تصور المقصود بهذه العبارة، وهو "إلى العاصمة". والطريف أن كلمة "اسطمبولى" الدارجة فى الخطاب الشعبى الشرقى، تعنى "نحو المدينة" أو "إلى المدينة".
[176] - أى الفرنسيون.
[177] - يمكننا أن نتصور هذه الشعوب عندما نعرف مسار نهر الدانوب. فهو أطول أنهار الإتحاد الأوروبي. ويعبر أو يحاذي عشرة دول أوروبية. وينبع من الغابة السوداء في ألمانيا ويصب في البحر الأسود مُكَوّناً دلتا تشترك فيها ثلاث دول هي رومانيا ومولدافيا وأوكرانيا.
[178] - نلاحظ هنا أن سوزمينوس يحدد هذا الجنس بأنه يعيش (فيما وراء أرمينيا). وهذا صحيح حيث هناك أجناس ايبيرية نزحت الى القسم الشرقى خلال القرون السابقة للميلاد وشكلت القبائل التى اطلق عليها المؤرخون اليونان والرومان القدامى الايبريين الشرقيين، أو القوقازيين. وهم خلاف سكان شبه جزيرة أَيْبِيرِيَا التى هى دول جنوب غرب أوربا حاليا.
[179] - ويُكتب فى الكتب العربية القديمة أيضا بالشكل "شابور" وهو بن هرمز بن نرسى، ويلقب بذى الأكتاف لدى المؤرخين العرب. وهو سابور الثانى الذى حكم بلاد فارس (ايران الحالية) فى الفترة 309- 379م.
[180] - من التاريخ المدنى نعلم أن هذا المرسوم بفرض ضرائب ثقيلة على المسيحيين صدر حوالى سنة 344م.
[181] - تكرر هذا الاسلوب فى ازمنة أخرى، مثلما فعل بعض الحكام العرب مع قبط مصر، أنظر تعليق عبد العزيز جمال الدين فى مقدمته على تاريخ البطاركة المنسوب لساويرس بن المقفع، نشر مكتبة مدبولى، ص19.
[182] - واضح اذن من اشارة سوزمينوس هذه أن اللون الأسود كان على الأقل منذ زمن سوزمينوس هو لون الحداد فى الشرق.
[183]- تعيد الكنيسة القبطية بتذكار استشهاده فى اليوم التاسع عشر من شهر برمودة القبطى وتسميه (سمعان الأرمنى اسقف بلاد فارس الذى استشهد ومعه 149 آخرون فى زمن سابور بن هرمز ملك فارس). وهو مذكور أيضا فى سجلات شهداء الكنيسة اليونانية والكنيسة الرومانية. ويحتفلون بتذكاره فى الغرب يوم 23 ابريل. ويرى البعض أن استشهاده كان حوالى سنة 344م.
[184] - هذا يردد أصداء قصة "سوسنة العفيفة" المذكورة فى العهد القديم.
[185] - أى المجوس.
[186] - نلاحظ هنا تأثير سريانى فى الاسم، أو ربما أن صاحبه سريانى بالفعل، فالإسم يعنى "عبد ايسوس" أى عبد المسيح بالعربية.
[187] - واضح أنه آخر، وليس مكررا.
[188] - ولكن بالطبع اسماءهم منقوشة فى سفر الحياة أمام العرش الالهى.
[189] - يقصد الذبائح الدموية.
[190] - وثنية.
[191] - أى أن سوزمينوس مُقتنعٌ بأن اعتلاء أثناسيوس الرسولى لكرسى الاسكندرية كان بإرادة إلهية. أنظر (2/17/6) بعده.
[192] - واضح هنا تميز سوزمينوس، بوصفه مُلم باللغة السريانية، بمصادره السريانية عن سقراتيس. مما يجعل كلاهما يُثريان معا التاريخ الكنسى.
[193] - نلاحظ أن كلمة " قيل"، هنا قد يُفهم منها أنه يسجل كلاما سماعيا، لكنها فى الواقع ليست كذلك كما أشرنا فى مقدمتنا فهذه الرواية وردت فى تاريخ روفينوس الذى سجله كملحق لكتاب يوسيبيوس القيصرى.
[194] - يقصد البابا الأسكندرى بطرس الـسابع عشر فى العدد.
[195] - يقول الاب متى المسكين، فى كتابه "القديس أثناسيوس ..." (ص57 ، 58) أن هذا المجمع قد دبَّر له اسقف نيقوميديا الاريوسى عن قصد ليُطيح بأحد أنصار مجمع نيقية الأوفياء، وذلك عن طريق تلفيق تهم معينة بعيدة عن العقيدة وإنما تمس الذات المَلكية. وحقق ما يريد سنة330م وظل فى منفاه حتى توفى سنة 358م. ولكن الشعب الانطاكى لم يقبل بديلا عنه طوال حياته، وظل كذلك لمدة طويلة بعد وفاته.
[196] - أى الامبراطور.
[197] - أى قد اتهم يوسيبيوس النيقوميدى وثيوجنيس، البابا أثناسيوس الرسولى.
[198] - الأسقف الميليتى الذى رسمه المليتيون بعد وفاة مليتيوس إمعانا فى ترسيخ الشقاق فى الكنيسة المصرية.
[199] - يقصد كل مَن يريد الإنضمام الى الكنيسة.
[200] - وهو الأمر الذى لم يف به كما سنرى.
[201] - السياسة هى السياسة فى كل زمان ومكان، فتبا لها. فبينما نقرأ هذا الكلام من قنسطنطين ونعجب به على إدراكه للإفتراءات وإنحيازه للحق وللعدالة دفاعا عن البرىء كما قال، وعن سلام الكنيسة، سنرى بعد قليل كأس المر الذى أذاقه لأثناسيوس هو وإبنه قنستانتيوس من بعده، ومع ذلك ينعته كاتب سيرته بالسنكسار القبطى "بالقديس"!!، وتُلّقبه الابصلمودية السنوية "بالبار"!!، ورغم أنه مُعمَّد من اسقف أريوسى، فى رأى أغلب الباحثين حتى الآن.
[202] - "الهندية" هكذا وردت فى النص الانجليزى لدى سوزمينوس وكذلك سقراتيس وثيودريت. وفى الواقع، اعتمد هؤلاء جميعا بصفة رئيسية على عمل روفينوس الاكويللى التاريخى، الذى قام بترجمة كتاب يوسيبيوس القيصرى "تاريخ الكنيسة" إلى اللاتينية بتصرف كبير كما ذكر، وأضاف إلى هذه الترجمة كتابيَن من عنده ليروى تاريخ الكنيسة من حيث انتهى يوسيبيوس إلى أيامه هو. وهذا الفصل لدى سوزمينوس وسقراتيس ومَن بعدهما من المؤرخين، يعتمد هنا على رواية روفينوس مع تغيير طفيف فى بعض التفاصيل. المهم بالرجوع الى روفينوس تبين لى أنه قد استخدم بالفعل كلمة "هند". ويُعلق Michael whitby فى ترجمته لعمل روفينوس أنه استخدم عبارتىَّ India citerior & India ulterior وترجمهما إلى( & further India hither India). ثم قال أن روفينوس كان يقصد بلاد ساحل البحر الاحمر حاليا، وأن المملكة التى يشير إليها هى مملكة أكسوم التى هى حاليا أثيوبيا. وبذلك اتفق النص هنا مع الترجمات القبطية القديمة التى تربط فرومنتيوس بالحبشة. ويمكننا بالتالى فهم السياق التاريخى الوارد فى هذا الفقرة، بيسر.
[203] - الفيلسوف اليونانى القديم، وليس المؤرخ القسطنطينى فى القرن الخامس الميلادى السابق الذكر والذى كتبناه بالشكل سقراتيس تمييزا له عنه.
[204] - هى صُور بدولة لبنان حاليا.
[205] - أى ( البلاد الداخلية للبحر الاحمر) كما قلنا فى هامش سابق.
[206] - يمكننا أن نتصور هنا خط الرحلة من صور الى "الهند" هذه بأنها كانت برا من صور الى ميناء ما على خليج السويس الحالى، ثم مركبا من هناك إلى الجهة التى ينوى الذهاب إليها. ومن هنا قال أنه ركب مركبا "إلى مصر".
[207] - لم يزودنا روفينوس بإسم هذا الميناء رغم أنه استقى القصة من اديسيوس كما قال، وكذلك لم يذكر سقراتيس ولا سوزمينوس أى شىء وهما أقرب زمنيا إلى هذه البلاد، ولا حاول أحدهما تحقيق الرواية جغرافيا، غير أننا يمكننا أن نخمن أنه كان فى مكان ما على الساحل الشرقى للقرن الأفريقى، فكل الدلائل تشير الى أن المملكة المشار إليها هى مملكة اكسوم القديمة (أى اثيوبيا اليوم).
[208] - فى الواقع ظل تسمية سكان المناطق الداخلية لإفريقيا فى الكتابات الغربية حتى العصور الوسطى هى الهنود. على غرار الهنود الشرقيين، والهنود الحمر فى قارة امريكا.
[209] - أى إلى ملك أكسوم. ومن التاريخ الإثيوبى نعلم أنه كان على الأرجح ابرهة الأول أو إيزانا. ويذكر لوريمر فى كتابه "تاريخ الكنيسة"، ص26، نشر دار الثقافة، أنه توجد بالفعل نقوش على أحجار يرجع تاريخها إلى عصر الملك ايزانا (325-350م) تشير إلى تحوله إلى المسيحية. كذلك وصلتنا عملات أثرية ترجع إلى ذات الفترة عليها بالفعل علامة الصليب. ويرى أن هذا الملك هو الطفل الذى ساعده فرومنتيوس فى الحكم.
[210] - بالفعل تحدثنا التواريخ المبكرة عن علاقات تجارية نشطة بين مملكة اكسوم والاقطار الرومانية عبر الموانىء المصرية وأنها ظلت كذلك الى القرن العاشر الميلادى. أنظر تاريخ المسيحية الشرقية لعزيز سوريال عطية، ترجمة اسحق عبيد، المجلس الأعلى للثقافة، 2005م، ف8. وكذلك، يوسيبيوس القيصرى، "حياة قنسطنطين"، 1:7:4.
[211] - أى واصفا له حالة شؤون الحبشة (التى هى مملكة أكسوم آنذاك، واثيوبيا حاليا).
[212] - لاحظ هذه الكلمة، التى تقدم لنا درسا من وراء الدهور.
[213] - أى "وهكذا كان أصل الكهنوت الاثيوبى". واضح أن سوزمينوس وسقراتيس لا ينقل من المصدر الذى يعتمد عليه نقلا مباشرا، ولكنه يصوغ ما قد قرأه بأسلوبه الخاص. فالقصة وردت لأول مرة لدى روفينوس الاكويللى (صاحب هستوريا مونوخورم باللاتينية، انظر التاريخ الرهبانى، للمعرب) الذى يقول أنه قد سمعها من فم اديسيوس مباشرة. وهى مذكورة لديه بحوار شيق، بين البابا اثناسيوس الرسولى وفرومنتيوس فى كتابه "ت.ك."،9:10. وقد نقل عنه هذا الحدث، كاتب تاريخ البطاركة فى حياة البابا اثناسيوس. أما عن كرازة فرمونتيوس فى الحبشة، فهى معترف بها فى سائر الكراسى الرسولية التى تعتبر فرومنتيوس مبشر الحبشة، وقديس تحتفل بتذكاره الكنيسة الكاثوليكية فى الغرب يوم 27 أكتوبر، والكنيسة القبطية يوم 28 ديسمبر، وبالطبع الحبشة فى أول أغسطس. وتدعوه الكنيسة الحبشية "أبونا" وهو لقب لا يعادل نفس الكلمة لدى الاقباط، وإنما يُطلَق فى الحبشة على الاسقف أو البطريرك، كما تدعوه "آبا سلامة " أى "أبو السلام" وأيضا بلغتهم "Kesate birhan " أى "مُعلِن النور" أو "كاشف النور". والواقع أن هذا اللقب الأخير قد أطلقت قبيلة اوكمبانى فى كينيا مثيلا له على الأب سيرابيون المقارى الذى كان أول مَن خدم هذه القبيلة فى سبعينات القرن العشرين، حيث سمَّته "فاذر موتيسـو" وكلمة "موتيسو" بلغتهم تعنى "فج النور" أى ما يقابل بلغتنا "الفجر". أى "أبو الفجر". وقد تشرَّف المعرب بالإشتراك معه فى وقت لاحق فى خدمة هذه القبيلة لبعض الوقت. وقد صار الآن فى العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين الميلادى، من أبنائها، كهنة مباركين يخدمون رفقائهم، وراهبة أيضا بأحد أديرة الراهبات بمصر.
[214] - الذى عينه مليتيوس خليفة له.
[215] - اى اسخاريوس.
[216] - لاحظ أثر مهنة المحاماة التى كان يمارسها سوزمينوس على أسلوبه التاريخى، من كلمات مثل "دحض"، و"طلب تأجيل" و"استكمال الفحص"..الخ.
[217] - يقصد أن القضاة لم يوّقعوا القصاص القانونى عليهم سواء لإدعائهم بتهم لا أساس لها، أو على الشهود لشهادتهم شهادة زور.
[218] - لاحظ هنا خبرة سوزمينوس كمحامى.
[219] - استخدم سوزمينوس هنا، مثل سقراتيس، تاريخا date بدا مفهوما فى أيامهما، ولكن يتفاوت تقديره الآن من كاتب لآخر، وذلك لإختلاف نظم التقويم الحالية( وهذه محل دراسة خاصة بها، خارج سياقنا الآن). على أية حال يذهب الأب متى المسكين فى كتابه "القديس أثناسيوس" أن مجمع التدشين هذا كان فى حوالى سنة 341م.
[220] - أو اوزيوس.
[221] - مت 19:28.
[222] - عما كان يقوله سلفا، وبسببه حُكِم عليه من مجمع نيقية.
[223] - "مصر وطيبة" تعبيرٌ فى الكتابات القديمة يقابل اليوم "وجه بحرى، ووجه قبلى" أو "مصر السفلى" و"مصر العليا"(الصعيد). أنظر "التاريخ الرهبانى فى القرن الرابع الميلادى" للمترجم، نشر دار باناريون.
[224] - لاحظ هنا أسلوب الترهيب، وأن الذى يستخدمه رجال الاكليروس الأعلى(حسب الظاهر). فهل السلطة الزمنية المدنية هى التى تملك تقرير "صحة العقيدة" من عدمها، أم أن ذلك من اختصاص "السلطة الدينية العليا". ولكن بالطبع بما أنهم اريوسيين كان لابد من أن يبحثوا عن "سيف الحاكم" لدعم هواهم عملا بالقول العربى "الحاكم يُذِع بالسيف ما لا يذاع بالوعظ".
[225] - حسب آميدون، انعقد فى حوالى سنة 335م.
[226]- فهو كبشرى كان بالتأكيد يردد، ما يقوله أى فرد الآن فى أى موقف لا يعرف حقيقته اذا كان سليم الطوية، أو يتبنى آراء الطرف المُدعِى "معقول كل هؤلاء الناس على خطأ وأنتَ وحدك فقط الذى على صواب". وكثيرا ما سمعتُ هذه المقولة بنفسى من كثيرين فى دفاعهم عن موقف ما شرير، فى تجاهل تام لحقيقة "شهود الزور" وسهولة شراء الضمائر بالمال.
[227]- وأيضا هذه إحدى وسائل الادارة، فى أى مجال، التى تعتمد على استبعاد شخص ما من موقع معين أو دائرة معينة مع اليقين التام ببرائته من أجل تجنب شرور الطرف الآخر الأكثر شرا. مُسلِّمين أمر البرىء لله، أو متكلين على أن الله سيعينه ويقويه فى محنته.
[228]- الغال هى فرنسا حاليا، اما "تريف" فهى حاليا مدينة فى جنوب غرب ألمانيا ضمن مقاطعة "راينلاند- بفالز".
[229]- وهذا هو النفى الأول لأثناسيوس. ويقدره المسكين بحوالى 335- 337م.
[230] - لاحظ نعت أثناسيوس لقنسطنطين "بالطوباوى" رغم انحيازه للأريوسيين ونفيه له.
[231] - أى اريوس.
[232] - كان لقب العذارى فى ذلك الوقت يعنى المُكرسَات للخدمة الكنسية (أى الشماسات) كما فى حالة العذراء التى اخفت البابا أثناسيوس، أو الراهبات كما فى حالة آبا آمون النتريتى عندما أودع زوجته فى بيت للعذارى (أى دير، بالمفهوم الحالى) على سبيل المثال لا الحصر. أنظر: "التاريخ الرهبانى..." سابق الذكر.
[233] - يقصد هنا مجمع صُور الاريوسى الميليتى الذى عُقِد اساسا لنفى أثناسيوس، وكما نقول بالتعبير القانونى اليوم اصدر الحُكم قبل المداولة.
[234] - أنظر هامشنا رقم 201.
[235]- عن هذه الهرطقات وغيرها أنظر ورقتنا البدع والهرطقات منذ القرن الميلادى الأول وحتى اليوم.
[236] - أرى أن المقصود هنا أن الامبراطور قد أراد أن يُرعِب فقط أتباع الرطقات وليس اضطهادهم. وهذه – فى نظرى – كانت سياسة حكيمة منه، عكس مَن خلفوه الذين اضطهدوا عن عمد وبوحشية واساليب دموية الكنيسة غير الخلقيدونية كما سنرى حالا.
[237] - الصادر من مجمع نيقية.
[238] - باسيليوس الكبير صاحب القداس الشهير بإسمه فى الكنيسة القبطية.
[239] - إلى عقيدة الكنيسة الجامعة.
[240] - الاصغر.
[241] - تاريخيا عادت وبأكثر شراسة فى عهد يوليانوس (ليس المرتد كما يُنعَت فى كتب التاريخ، إذ لم يكن مسيحيا قط كما سنرى من عرض سوزمينوس هنا لاحقا) وإنما الخدّاع، والذى دام حُكمه مدة حوالى أربع سنوات.
[242] - يُكتَب بأشكال عدة: قنسطاطنتيوس، كونسطانطيوس، كونستانتيوس.
[243] - الكبير.
[244] - نلاحظ هنا الأصل التاريخى للقب "سيدنا" للأساقفة. حيث انتقل هذا اللقب من الوسط الرئاسى المدنى إلى الوسط الرئاسى الدينى، مثل غيره من الأمور التى سنشير إليها فى حينه.
[245] - أى يوسيبيوس القيصرى.
[246] - قنسطنطين هذا هو قنسطنطين الصغير أو الثانى، الإبن الأكبر لقنسطنطين الكبير.
[247] - أو تيراس كما قلنا سابقا.
[248] - قونسطانتيوس.
[249] - الكبير.
[250] - هذا المجمع المنعقد فى انطاكية فى حوالى سنة 340 / 341م لتدشين الكنيسة المذكورة عاليه، ويُعرف فى التاريخ بإسم "مجمع التدشين" أى مجمع تكريس الكنيسة الجديدة.
[251] - أريوسى. ويكتبه البعض أيضا جريجورى، وغريغوريوس.
[252] - هذه عبارة مطاطة لأن الجميع يمكن أن يرددها حتى الشيطان!! فإذا ما سألته وما هو الايمان الذى استلمته بالتقليد؟، فلسوف تجد عبارات ظاهرها كتابى وباطنها "هل حقا قال لكما الله..؟. ومِن هنا كان الإلهام الإلهى لأثناسيوس فى أن يربط هؤلاء الخبثاء بإصطلاح "هومووسيوس" ـ صحيح أنه لم يرد لفظا فى الأسفار المقدسة، لكنه ورد بالمضمون، ولا يستطيعون الانفلات منه. ومن هنا أيضا كانت الحرب الشعواء بلا هوادة ضد هذا المصطلح، وبشتى الطرق المباشرة وغير المباشرة، وهذا ما أشار إليه سوزمينوس بالفعل توا بعده.
[253] - وهذا الفرض هو الأكثر صوابا، حيث كان يلجأ إليه دائما المبتدعون فى كل زمان وحتى الآن، من نسبة هرطقاتهم إلى شخصية مشهورة لدعم ابتداعهم فى عيون البسطاء. ويحضُرنى هنا مثلُ معاصر رواه لى أحد المرشدين السياحيين بقسم الآثار الفرعونية وكان بالطبع ملِّما جيدا باللغة المصرية القديمة فى خطها الهيروغليفى. هذا الشخص هاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك وجد ذات يوم شخصا ما يطرق بابه ليدعوه إلى الإنضمام لشيعة معينة سبق أن تنبأ بها موسى النبى!!، وأن زعيمهم قد اكتشف وثيقة هذه النبوة وفسرها!!. فطلب منه هذا المرشد الاطلاع على صورة هذه الوثيقة، فأراه هذا "المبشر" بالجنة المفقودة، إياها بكل زهو وافتخار بالكشف النبوى المذهِل. وما أن رآها المرشد حتى انفجر ضاحكا، وقبل أن يخبره عن السبب شيَّعه إلى الباب قائلا: لا عليك يا رجل، فقد أوقعك حظك السىء أمام شخص قبطى. فالورقة هذه التى فى يدك هى زخرفة فرعونية بإسم أحد الملوك الفراعنة!!! الذين قبل عهد موسى النبى بقرون، وبالطبع قبل زعيمكم. وهذا فى الحقيقة ينطبق على سائر المبتدعين.
[254] - تعريب هذا الاسم بلقبه هذا هو(يوسيبيوس الحُمصانى) فمدينة "إمسينوس" هى مدينة حمص الحالية بسوريا.
[255] - إديسا هو الإسم الإغريقي لمدينة الرها باللفظ السريانى، وهى مدينة سريانية تاريخية في شبه الجزيرة الفراتية، وكانت عاصمة مملكة الرها. وتعرف حالياً باسم أورفة وهى عاصمة محافظة سارلى اورفا بجنوب شرق تركيا.
[256] - "اسكيثوبوليس" هى مدينة بيسان اليوم. وهي مِن أقدم مدن فلسطين التاريخية، وتقع حاليا على بعد 83 كم شمال شرق القدس، في شمال دولة إسرائيل السياسية.
[257] - هى مدينة حمص السورية اليوم.
[258] - هو مجمع أريوسى انعقد بمدينة صور فى حوالى سنة 335م وأُجبِر اثناسيوس على حضوره، ثم هرب منه، وقابل قنسطنطين الكبير، كما رأينا فى الكتاب الثانى.
[259] - ادريانوبل هى حاليا مدينة أدرنة بإقليم تراقيا بتركيا.
[260] - بابا روما.
[261] - هكذا وردت فى نص الترجمة الانجليزية(school of the apostles) . وعلى فرض أمانة المترجم من ناحية، وأن سوزمينوس قد عرض فقط الفاظهم، فإننى كنتُ أنتظر منه تعليقا مفسرا وشارحا لما يقصدوه بهذه العبارة. فمن جانبى، لا أفهم كيف كانت "روما" سواء القديمة أم الجديدة "مدرسة للرسل" !!. هل علَّم أهلها الوثنيون الرسلَ العبرانيين الايمان المسيحى؟!. أم علَّم اساقفة روما عندما آمنوا بالمسيحية الرسلَ؟!!. واضح إذن من هذه العبارة وأمثالها أن رسالة اولئك الهراطقة كانت، كما قال سوزمينوس، مليئة بالتهكم.
[262] - هنا أيضا مغازلة سياسية نفاقية فجة. فمن الممكن قبول مثل هذا الوصف على كرسى اورشليم أو انطاكية بغض النظر عن الأسكندرية. ولكن بالطبع هذه الكراسى كانت كراسى "مقاطعات" أى مجرد "ولايات" تابعة للتاج الرومانى، أما "روما" فهى عاصمة هذا الحُكم. وبديهى أن يؤثر الوضع السياسى العام، على الوضع الكنسى.
[263] - أى منذ مطلع الديانة المسيحية.
[264] - أى أبطل.
[265] - لاحظ المغالطة فى هذا الاستشهاد، وكيف أن الشيطان يستطيع أن يستغل كل الأحداث لدعم وجهة النظر الخاصة به فقط.
[266] - وتُكتَب أيضا ايلليريكوم. هى منطقة تمتد الآن من نهر درين(في شمال ألبانيا الحديثة) ولاستريا(كرواتيا) في الغرب ونهر سافا (البوسنة والهرسك) في الشمال. وسالونا(قرب سبليت في كرواتيا الحديثة). وقد تم تقسيمها إلى بانونيا في الشمال ودالماتيا في الجنوب.
[267] - حقا كما قال أحد آباء البرية لآبا كاسيان، ما معناه أن اعمال المتكلم وحياته الشخصية مرآة لصحة تعاليمه. فأين سلوك "هذا الأسقف" الدموى!! من موقف القديس غريغوريوس النزينزى الذى رفض أن يشغل الكرسى بالنزاع. انظر عن ذلك، سيرته للمعرب.
[268] - لم يعلق سوزمينوس هنا على هذه العبارة، ولكنه كمحامى يعكس عدم تأكده من هذه العبارة بكلمة "زعم"(he alleged) أى إدعى بلغة القانون.
[269] - هى مريوط الحالية فى غرب شمال مصر.
[270] - يكتبها البعض أيضا سيليسيا، وقليقية تبعا لأسلوب لفظ كل منهم.
[271] - أو تيراس، او تيراقيا أو تيراقية.
[272] - عرَّب الأب متى المسكين هذه الكلمة (بالقرار المُطوَّل) ولفَظَها "ماكروستخ".
[273] - سارديكا أو سرديكا هى اليوم مدينة "صوفيا" عاصمة جمهورية بلغاريا.
[274] - بانونيا هي مقاطعة رومانية قديمة يحدها من الشمال والشرق نهر الدانوب ومن الغرب نوريكوم وشمال ايطاليا وجنوبًا دالماسيا أو دالماتيا ومويزيا العليا. وهى تشمل حاليا أراضي غرب المجر وشمال كرواتيا وشمال غربي صربيا وسلوفينيا وسلوفاكيا الغربية وشمال البوسنة والهرسك.
[275]- "بوليتيكوس" نسبة الى المدينة، أى "المدنى" وهى مرادفة للقب الاسكندرى.
[276] - كما نلاحظ هنا وطوال عمله هذا، يعتبر سوزمينوس أن الرهبنة هى الاهتمام بالمعرفة الإلهية والبحث عنها والحياة بها ومن ثم يحلو له أن يدعوها "بالفلسفة" على اساس أن هذا اللفظ يعنى لغويا "حب الحكمة".
[277] - أى تبنى الحياة الرهبانية.
[278] - أى رهبنة باخوميوس.
[279] - رغم أن سوزمينوس يستخدم هنا كلمة "قيل" إلاَّ أنه من الواضح أنه يعتمد على "الانظمة" لكاسيان كما سيتضح بعده توا. مما يكشف لنا من ناحية أخرى سرعة انتشار عمل كاسيان وترجمته إلى اليونانية. أنظر، ترجمة المعرب لأعمال كاسيان، تحت الطبع.
[280] - استخدم سوزمينوس هنا كلمة يونانية أُستخدمت لفظا فى اللاتينية ودخلت بشكلها اللاتينى إلى الانجليزية كما هى، وهى كلمة tiara. وهذه فى شرح المصادر لها تعنى غطاء الرأس الذى كان يرتديه باباوات روما قديما، وهو طويل ومخروطي الشكل، مصنوع من القماش أو الجلد وغنى بالزخرفة. وهو يُشبه تاج الفراعنة الذى نشاهده فى الآثار. وبالطبع هذا الشكل لم يكن هو غطاء الرهبان الطبانسيين على ما أعتقد حاليا. ومن شرح المصادر الاجنبية لغويا لهذه الكلمة يظهر لى أنها تماثل ما يُعرَف بالعامية المصرية "بالطرطور" والذى نرى مثالا له فى لباس الرهبان الفرنسيسكان اليوم، والذى أيضا نشاهده كجزء من معاطف المطر فى الدول الأوربية.
[281] - بالتوقيت الغربى.
[282] - بالتوقيت الشرقى.
[283] - هنا خطأ إما من سوزمينوس، أو من ناسخ مخطوطته فيما بعد، حيث أظهرت الدراسات اللاحقة أن طابينا أو طبانيس لم تكن جزيرة، وإنما هى فى مكان ما بالقرب من مدينة الاقصر الحالية.
[284] - بالطبع اعتمد سوزمينوس فى هذا الفصل الخاص برهبان مصر على بالاديوس والرحالة الفلسطينيين السبعة اساسا، ولكن جدير بالذكر هنا، أن العالِم دراجيه درس الفصل(32) من تاريخ بالاديوس وهو الخاص بالرهبان الطبانيسيين (انظر ترجمته للمعرب، نشر دار باناريون) فوجده ترجمة يونانية كانت موجودة فى أديرة نتريا لمخطوطة باللغة القبطية باللهجة الصعيدية. (عن كتاب "فردوس الآباء" إعداد رهبان ببرية شهيت، حـ 2، ص 4هـ1).
[285] - ويُكتَب أيضا ايلاريون.
[286] - كانت هذه المدينة تقع، حسب وصف جيروم، على مسافة خمسة أميال جنوب غزة، وهى حاليا قرية "أم التوت"، من قرى الضفة الغربية فى جنوب شرق مدينة جنين..
[287] - أى الذين عليهم أرواح نجسة.
[288] - لم تعرف الرهبنة المصرية منذ نشأتها على اختلاف مدارسها مثل هذا الفكر. ويكفى أن أول مَن دافع عن زواج الاكليروس انفسهم، كان الناسك المصرى المعترف بافنوتيوس فى مجمع نيقية. أنظر الرهبنة القبطية ما لها وما عليها، مذكرات للمعرب.
[289] - أى أيام الأحاد التى لا يجوز فيها الصيام الانقطاعى طقسيا.
[290] - لعل المقصود بذلك ما نقوله نحن فى أيامنا عن إمرأة ما أنها "عملت راجل" أى اتخذت شكل الرجال.
[291] - وهى حاليا مدينة " تور" أو "طُرش" أو "تُرش"، وتقع على نهر اللوار في وسط غرب فرنسا. وهي عاصمة مقاطعة الأندرلوار.
[292] - أى حياة الرهبنة المسيحية كما قلنا آنفا.
[293] - كان ذلك بالطبع قبل عهد بريل بقرون، ولذا كان الأحرى أن تُنسَب إليه لا إلى بريل.
[294] - يقصد باللاتينية.
[295]- باسيليوس الكبير.
[296] - أو "اوسرينيا"، هى مملكة الرُها القديمة التى كانت تقع فى شمال غرب ما بين النهرين، بين نهرى تيجرى (دجلة) والفرات. وهى حاليا تدخل فى زمام تركيا.
[297] - لعل هذا هو السبب فى اشتقاق كلمة Harmony من إسمه.
[298] - عن الأهواء، أنظر عن ذلك القسم الثانى من عمل كاسيان الأنظمة، تعريب المعرب هنا.
[299] - هذا تعبير رهبانى، مرادف "للهوى" الذى يتعرض له الراهب فى جهاده الرهبانى. أنظر الهامش السابق مباشرة.
[300] - نلاحظ من هذه الاشارة الأخذ بزواج الكهنة.
[301] - لاحظ المقصود هنا، وكيف استخدمها البعض فيما بعد فى الحرب التى سُميَّت "حرب الايقونات" فى الشرق، ثم أثر ذلك على الفكر الاسلامى والعربى فيما بعد، وموقف الكنيسة القبطية من هذه القضية. راجع عن ذلك بالتفصيل القسم الثالث، من رسالتنا للماجستير.
[302] - فى العصور الاسلامية لمصر، مُنِع الأقباط (أى المصريين المسيحيين) من شراء أى عبيد على الاطلاق.
[303] - consubstantial
[304] - like substance
[305] - لاحظ هنا دقة وعمق اللغة اليونانية والتى كانت تُستخدم فى الجدل اللاهوتى آنذاك. فبينما دقة التعبير تظهر هنا فى اللغة اليونانية بإضافة حرف الـ i فى وسط الكلمة الأولى للتفرقة بين (واحد مع) الآب فى الجوهر وبين (مثل) الآب فى الجوهر.. فإن هذا الفرق اللاهوتى يظهر فى اللغة العربية بإضافة كلمة مختلفة. ومن هنا لخص الدارسون الكنسيون الارثوذكس جهاد أثناسيوس بالقول الصراع حول حرف واحد(فى اليونانية).
[306] - قلنا سابقا، ونكرر لفهم هذه النقطة على الصعيد العقيدى، يمكن الرجوع الى شرح مستفيض فى كتاب الاب متى المسكين عن "القديس اثناسيوس الرسولى، سابق الذكر.
[307] - استخدم سوزمينوس هنا كلمة انخدع بوضوح.
[308] - تكملة الجملة هنا مفهومة وهى انهم وقَّعوا هنا على الوثيقة لسبب سياسى وليس عن اقتناع. وهو تبرير معقول أن يصدر من الجناح الاريوسى تاريخيا مثلما فسروا موت أريوس الإعجازى من قبل، بأن جناح النيقاويين (والذين كانوا آنذاك مُطارَدين ومضطهَدين من السلطتين الزمنية بكل أدواتها العسكرية والسياسية والادارية، والدينية المدعومة أيضا بالقوة العسكرية) قد سموه!!.
[309] - أى قنسطنطين.
[310] - مدينة فى شمال ايطاليا على نهر ناتيسا، وعلى مسافة حوالى عشرة كيلوميترات من البحر الادرياتيكى.
[311] - أى اتباع يوستاثيوس المتمسك بالتعاليم النيقاوية.
[312] - ضمير الهاء هنا تعود إلى المسيح.
[313] - ليس الكبير.
[314] - مدينة سيرميوم تقع أثارها اليوم عند مدينة سريمسكا ميتروفيتسا، التى تبعد خمسة وخمسين كيلومتر عن غرب بلجراد عاصمة جمهورية صربيا حاليا.
[315] - أما سقراتيس فيقول فى(ك1ف26) أنه نُفِى إلى القوقاز بكبادوكية، حيث خنقه الذين اقتادوه.
[316] - يرى الأب متى المسكين، أنه مات خنقا فى الطريق بتوصية من الإمبراطور. وهذا احتمال وارد فقد حدث نفس الأمر مع أحد المقربين جدا من الخديوى فى مصر حيث أخذه فى رحلة نيلية وخنقه فى الطريق وألقى بجثته فى النهر، عقابا له على معارضته فى رأى ما.
[317] - أى "إبيذياكون".
[318] - لعله يوحنا فم الذهب.
[319] - الاسقف الاريوسى الدخيل، فى غياب البابا أثناسيوس.
[320] - أيضا الاريوسى، وليس باسيليوس الكبير صاخب القداس الباسيلى.
[321] - طبعا هذا رأى الأريوسيين.
[322] - لاحظ تلاعب الاريوسيين.
[323] - وهى ما تُعرَف بنظرية التدنى لسابليوس.
[324] - لاحظ هنا اسقاط الفكر الاريوسى للمفاهيم الخاصة بالمخلوقات على الخالق.
[325] - quæstor كلمة لاتينية كانت لقبا لموظف عمومى مهمته الإشراف على الشؤون المالية للدولة فى نظام الحكم الامبراطورى. وكان فى الجمهورية الرومانية يتم انتخابه، ولكن فى العصر الامبراطورى أصبح يُعيَّن. والطريف أن هذا اللقب يُستخدَم الآن فى ايطاليا ورومانيا للإشارة الى رتبة مقدم شرطة، وفى بعض المنظمات عنوان لمكتب الرقابة المالية.
[326] - فى حوالى سنة 352م.
[327] - ويلفظها آخرون تمويس. وهى الآن، "تمى الأمديد"، بمركز السنبلاوين، بمحافظة الدقهلية، بدولة مصر.
[328] - يعطينا "تاريخ البطاركة" تفصيلا لما حدث هنا. ونلاحظ من هذه الرواية سواء لدى سوزمينوس أو "تاريخ البطاركة"، أن ملابس الاكليروس بما فى ذلك البابا لم تكن آنذاك تختلف عن الزى العام، وإلا كانوا قد عرفوه بالطبع. وأنه إذا كانت هناك فى هذه الفترة ملابس معينة للكهنة فلا بد أنها كانت قاصرة على الخدمة الليتورجية. ولا مجال بالطبع إلى افتراض تنكر البابا.
[329]- وهذا فى الواقع ما يحدث منذ بزوغ شمس المسيحية والى اليوم ولا اتوقع زواله إلى المجىء الثانى. ففى ايام وجود رب المجد بالجسد على ارضنا قالوا عن أعماله العجيبة "ببعلزبول رئيس الشياطين" يُجرِى هذه الاعمال، ولم يسألوا أنفسهم ولماذا عجز سحرهم أمامه. وهاهم الوثنيون ينسبون عمل الله فى خادمه إلى السحر(الذى يتم بالطبع بعمل الشياطين). وفى أيامنا هذه سألنى ذات يوم أحد البدو عن "قسيس" يُخرِج "عفريتا" على زوجته، فلما قلتُ له اذهب يا رجل إلى أحد الشيوخ ليُصلى لها، أجابنى "العفريت نجس، ولا يُطلِّعه إلاَّ نجس مثله"!!. وكأنه يرى أن "النجاسة" التى يزعمها أقوى بكثير من "الصلاة".
[330] - أى مع الإمبراطور.
[331] - أو يودكسيوس.
[332] - بيرية مدينة فى تيراقيا التى هى الآن اقليم بين بلغاريا ورومانيا.
[333] - أى الاسقف ليباريوس.
[334] - واضح إذن أنه عندما نعت الاقباط الكهنة الدخلاء "بالمَلكيين" لم يكن ذلك استهزاءً بهم، ولكن وصفا حقيقيا لهم، إذ أنهم كما قال الإمبراطور صراحة "كهنة البلاط" للملك.
[335] - ويُلفَظ أيضا يودكسيوس، اودوكسيوس، يودوكسيوس.
[336] - نسبة إلى أنوم Anom الهرطوقى.
[337] - Son is not of the same substance
[338] - اسقف انقيرا، وكان من زمرة الاريوسيين.
[339] - نلاحظ هنا أن سوزمينوس فى هذا الوقت ينسب كرسى روما الى القديس بطرس الرسول، ولا يوضح لنا هل هذا رأيه أم رأى من.
[340] - حسب التوقيت الشرقى، أى الثامنه من النهار حسب التوقيت الغربى.
[341] - إذن لم يكن الزلزال يوم أحد.
[342] - هو جورج الأريوسى الدخيل، فى التاريخ القبطى.
[343] - ارمينيّم، هى مدينة بإقليم ايمليا من أقاليم ايطاليا.
[344] - يا للعجب ما دخل السلطة الزمنية بصياغة الصيغ العقائدية !!. من هنا كانت المقولة الشهيرة "الناس على دين ملوكهم".
[345] - نلاحظ هنا نبرة التهديد، بالسلطة الزمنية، فى شؤن العقيدة، لفرض تعاليم مضادة للإيمان المُسلَّم من الآباء.
[346] - قول حق قصد به باطل. والباطل هنا هو ألا تفكروا أنتم أيها الاساقفة الاربعمائة فنحن قد فكرنا بدلكم، وعليكم أنتم أن توقعوا فقط دون أدنى تعليق.
[347] - يقصدون الشهداء والأبرار الذين دافعوا عن الايمان القويم.
[348] - وهكذا فى كل زمان ومكان يستطيع رجل السلطة فى أى مجال أن يجد ذريعة ما يخفى وراءها ما فى باطنه.
[349] - أى القيامة.
[350] - ويكتب أيضا جوليان، وجوليانوس.
[351] - يقول سوزمينوس هنا أنه ابن عمه on his cousin، أما سقراتيس فيرى أنه كان "قريبه" his kinsman. ويقول الأب متى المسكين أنه كان ابن اخته (أنظر ص 281، المرجع السابق). كما يقول (فى هامشه رقم 3 ص 221) يقول أن قنستانتيوس تزوج ثلاث زوجات، كانت احداهن (أخت يوليانوس الجاحد) دون أن يذكر المرجع لذلك الرأى.
[352] - أو لوريسيوس
[353] - consubstantial .
[354] - of similar substance
[355] - Father the Son is dissimilar from the
[356] - عن هذه الصفات أنظر، تسبحة "لك القوة والمجد والبركة والعزة" التى نوجهها لأقنوم الكلمة فى تسبحة اسبوع الآلام بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والمعروفة باللغة القبطية بـ"ثوك تاتى جوم".
[357] - نلاحظ هنا أن هذا الشخص كان معارضا لهم فى مجمع سلوقية. أى بلغة السياسة قام "حزب" أكاكيوس "بإقصاء" كل الاطراف المعارضة له.
[358] - تُرى ماذا كان سيفعل هؤلاء القضاة الأتقياء بذلك الناسك الذى باع انجيله الخاص ليتصدق به على الفقراء. أنظر التاريخ الرهبانى، للمعرب، سابق الذكر.
[359] - الكلمة المستخدمة هنا تعنى حرفيا "تم الحَجْر" عليهم.
[360] - أى الخدمات الكهنوتية.
[361] - واضح أن أسلوب الشورى قديما، أو على الأقل لدى اعضاء هذه المجمع المحلى، لم يكن يعرف لا الرأى الآخر، ولا حق الامتناع عن التصويت.
[362] - اكاكيوس.
[363] - طبعا، غنى عن الإشارة، الفكر الأريوسى الفاضح فى هذه العبارة الصادرة عن شخص يدعو نفسه اسقفا للعاصمة "الرومانية الجديدة".
[364] - هذه الكلمة تعنى الغرباء عن الايمان المسيحى، أى الوثنيين.
[365] - أى فى وقت كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا. انظر التمهيد للمعرب
[366] - أى من العدم، وهذا هو مفهوم اريوس والذى كان الرد عليه فى نيقية "مولود غير مخلوق".
[367] - 1كو12:11.
[368] - عن الردود على مثل هذه المرواغات الشديدة السخافة، أنظر تجسد الكلمة للقديس أثناسيوس الرسولى.
[369] - أنظر ك7:5 بعده.
[370] - للوثنيين.
[371] - الشرقية.
[372] - أى كوكبة النجوم.
[373] - وهكذا هو حال الطبيعة البشرية دائما، آلا وهو تفسير الأمور حسب أهواء ورغبات المفسِّر.
[374] - الضمير عائد على يوليانوس.
[375] - يوليانوس.
[376] - أى استمرارية هذا الرمز وهو التاج.
[377] - نلاحظ هنا كيف أن تشبيه اللانهائية بالدائرة، الذى يتردد فى الكتابات المسيحية، كان مستخدما من العصور المبكرة.
[378] - لاحظ هنا تفسير رئيس العرافين للظاهرة على نحو يُطمئن يوليانوس، ويُبطِل مفهوم اللانهائية لرمز الدائرة. فكأنه يقول أنظر الصليب محصور بالدائرة وهذا معناه أنه لا يستطيع الانتشار أمامك أو فى عهدك!!.
[379] - الآديتوم، هو الجزء الداخلى من قدس الأقداس فى المعبد الوثنى والذى كان محظورا دخوله لغير الكهنة(أو لغير سدنة المعبد)، كما يرد فى الكتابات العربية.
[380] - "شعائر الاستهلال" هى شعائر إنضمام شخص جديد إلى الديانة الوثنية التى تخص هذا المعبد، على غرار شعيرة المعمودية فى المسيحية.
[381] - نلاحظ هنا إشارة تاريخية لرسم علامة الصليب عند الشعور بخطر ما.
[382] - أى الكاهن الوثنى.
[383] - أى رسم علامة الصليب.
[384] - ومن ثم لا تظهر الشياطين. وهذه فى الواقع كانت ذريعة الوثنيين دائما.
[385] - اشارة تاريخية هامة، عن عماد الأطفال وكيف أنها "حسب عادة الكنيسة".
[386] - هنا ليست الرهبنة، ولكنها الفلسفة الوثنية كما هو واضح من العبارة التالية.
[387] - من جانبى، لا استطيع أن أوافق على أن هذا الفيلسوف الوثنى سبب ارتداد يوليانوس. فلولا أن الاستعداد للإرتداد كان كامنا فيه، لما أثمرت دروس هذا الوثنى بتاتا فيه. ولدينا أمثلة عديدة من العلماء المسيحيين الأوائل الذين درسوا الفلسفات الوثنية وتعمقوا فيها وصاروا مسيحيين وفندوها جيدا، مثل العلامة القديس كلمنضس الاسكندرى على سبيل المثال لا الحصر.
[388] - أى تعزَّى، كما نقول.
[389] - هذه اشارة هامة، وإن كانت غير واضحة، ولكن يبدو أن سوزمينوس اعتبرها عادية ومفهومة. فهل كانت الرهبنة فى الشرق تتطلب حلق شعر الرأس مثلا؟، أم ماذا.
[390] - أى معرفة الطالع.
[391] - يقول الأب متى المسكين، فى كتابه "القديس اثناسيوس.."، ص 221 هـ1 أن قنستانتيوس تزوج ثلات مرات وكانت يوسيبيا هذه هى الزوجة الثانية، وقد لفظها يوسابيا، وكانت كما يقول اريوسية.
[392] - "هيروفانتس" كلمة يونانية تعنى الأشخاص الذين يفسرون للناس الأمور المقدسة فى المعابد الوثنية.
[393] - أى الأساقفة الذين أداروا هذا الكرسى.
[394] - هو معبد وثنى مخصص لإلهة الحظ والمستقبل والمصير لدى الرومان ويُعرَف باللاتينية بإسم فورتانا fortuna.
[395] - أى تجنيد الاكليروس.
[396] - يرى البعض أن مثل هذه الاجراءات الرومانية كانت أصل أو أحد أصول النظام الضريبى الذى أخذ به الحكم الاسلامى فيما بعد بإسم "الجزية" و"الخراج" والتى وإن كانت ظاهريا بإسم الدين، لكنها فى الحقيقة كانت أدوات للسياسة المالية للدولة. بدليل أنها لم تُرفَع فى بعض الأوقات عمن اعتنقوا الاسلام عندما تأثرت خزانة الدولة. أنظر على سبيل المثال، تعليق عبد العزيز جمال الدين على "تاريخ البطاركة" لساويرس ابن المقفع، جـ1 ، ص22 وما بعدها.
[397] - وذلك من باب السخرية منهم. ولم يكن ذلك اعتباطا، فقد رأينا من الفصل السابق أنه كان قد درس الأسفار المقدسة وكان قارئا لها للشعب(أى كان شماسا) ومن ثمة فهو يعرف سخرية نثنائيل "آمِن الناصرة يخرج شىء صالح"!!. ونفس الوضع فى استخدام عرب الجزيرة للفظة "نصارى".
[398] - الجملة هنا مبتورة فى الترجمة الإنجليزية، ولكن تكملتها واضح وهو أن الحسد من مجدهم(الناجم عن نوال إكليل الإستشهاد) هو، ببساطة، السبب فى التظاهر بالإنسانية نحوهم فى البداية. ومن هنا كانت العبارة الشهيرة "السياسة لعبة قذرة" أو "لا اخلاق فى السياسة"، فكل شىء مباح لرجل السياسة أيا كانت مشروعيته دينيا أو أخلاقيا.
[399] - الجملة الأخيرة فى الفصل السابق مباشرة.
[400] - الوثنية.
[401] - أى المسيحيون.
[402] - سبق أن قلنا أنها تُشير فى الكتابات المسيحية المبكرة إلى المكرسات بصفة عامة، والراهبات بصفة خاصة.
[403] - حسنا أن نعت سوزمينوس سياسة يوليانوس فى هذا الصدد بكلمة "بمكر"، فيُلاحظ هنا الضغط غير المباشر، اقتصاديا عن طريق الإفقار الشديد للعامة، وسلب الكنائس من قدرتها على المعاضدة عن طريق مصادرة ممتلكاتها وأموالها، فيلجأ الناس إلى "دين الملك" من أنفسهم ولا يكون هناك "إكراه فى الدين" وإنما دخلوه بملء إرادتهم!!.
[404] - هكذا ورد الإسم فى النص الإنجليزى بوضوح، ولا أدرى هل كان سهوا من ناسخ المخطوطة الأول، أم من المترجم أم من الجمع الآلى، لأنه بكل تأكيد لا يستقيم لا مع سياق الفقرة السابقة ولا مع الجملة التالية. فالصحيح منذ وفاة قنسطنطين إلى زمن يوليانوس حيث عطله فى عهده، ثم رده جوفيانوس، واستمر إلى زمن كتابة سوزمينوس لتاريخه هذا.
[405] - ليس "يقال"، ولكن هذا هو بالفعل كان الدافع الحقيقى لقراره السياسى هذا.
[406] - وهذا هو بالفعل دأب الساسة فى كل العصور، وهو استخدام فرق تسد. غير أن هذا الأسلوب لم يعد قاصرا على رجال السياسة فقط، بل ساد العلاقات الاجتماعية والإدارية تحت إسم "الوقيعة" و"النميمة" حتى أننى سمعت من مسؤول إدارى سابق دفاعا مسهبا عن هذا الأسلوب كأحد لوزام الحنكة الإدارية للمدير فى موقعه!!، وكان يُطلِق عليه اسلوب "تطقيش" الموظفين بعضهم ببعض للتعرف على الحقيقة. وأراد أن يستخدم هذا الأسلوب فى المجال الكنسى أيضا!!.
[407] - وهذا ما أثبته التاريخ فعندما أنهك الأباطرة الرومان مقاطعات الامبراطورية فى الشقاق الدينى وعمقوه واضطهدوا المواطنين، إنهارت أمام الأعداء الخارجيين ثم ما لبثت أن اندثرت الامبراطورية ذاتها كلها حكاما وشعبا أمام القوى الغازية الجديدة وتغيَّرت معالمها الجغرافية وديانتها وعقائدها.
[408] - تحديد المده هنا بسبع سنوات هى من المترجم الانجليزى اعتمادا على بالاديوس، ف 63. ولم ترد فى نص سوزمينوس حيث يقول فقط فى (5/6/3) "وطوال هذه المدة الطويلة" دون تحديد لمداها. أما الاب متى المسكين فيقول عن مدة نفيه فى عهد قنسطانتيوس أنها كانت "ست سنوات" حسبما أشار روفينوس، ولا يشير الى إقامته لدى عذراء.
[409] - " يُروَى"، هنا نقلا عن بالاديوس، "ت.ل."، ف 63. ويلاحظ أن سقراتيس لم يذكر هذه الواقعة رغم توفر عمل بالاديوس تحت يده.
[410] - نلاحظ هنا، المصدر الرئيسى لمؤلف رواية "عزازيل" فى العقد الأول من القرن الواحد والعشرين!!، وكيف أن سوزمينوس يرد عليه مسبقا من وراء الدهور. وأنا أقول أنه إذا كان صاحب هذه الرواية، بدهاء وسوء نية، قد طمس المصادر الحقيقية شأنه فى ذلك شأن آخرين يلجأون إلى كتب ملحدين غربيين لكن لهم أسماء تبدو للبسطاء مسيحية ليتخذوا من كتاباتهم سندا لما يودون هم أن يقولوه، فإن اللوم يقع علينا نحن إذ لم "نفتش" الكتب الخاصة بنا من أنفسنا. كما أننى أردد مع القديس أغسطينوس اسقف هيبو: نحن نشكر الهراطقة لأنهم فيما هم يهاجمون كتبنا، يدفعوننا إلى دراستها فنكتشف "جددا وعتقا". أى نكتشف لآلىء لم نكن ندرى بها.
[411] - اسقف الاسكندرية الدخيل الاريوسى.
[412] - الآديتوم، مكان سرى فى المعابد الوثنية القديمة، كما قلنا سابقا، كان الوثنيون يمارسون فيه طقوس وثنية وفنون سحرية يخدعون بها المنضمين الجدد ويسبون بها النفوس. أنظر عن طرق الخداع هذه: روفينوس،"ت.ك."، للمعرب، 11/23/1.
[413] - يقول سقراتيس فى هذا الموضع (ك2:3) انهم وجدوا جماجم لعديدين من الاشخاص من جميع الاعمار، ممن كانوا يقدمونهم قربانا من أجل العرافة (او الكهانة) عن طريق فحص الاحشاء حيث كان الوثنيون يمارسون هذه وغيرها من فنون السحر التى يسحرون بها أو يسبون نفوس الناس. انظر ترجمتنا لسقراتيس.
[414] - المسيحيون هنا أتباع جورج الأريوسى الأجنبى الدخيل والاسقف غير الشرعى كنسيا للأسكندرية.
[415] - يُورِد لنا سقراتيس هذا الخطاب. انظر، "التاريخ الكنسى" له للمعرب.
[416] - decuria، مصطلح لاتينى يعنى العشرة، وكان يستخدم فى روما القديمة. وهو عبارة عن هيئة من عشرة أشخاص تحت رئيس واحد أو قائد. أى ما يشبه مجلس المدينة حاليا.
[417] - أى الرهبنة.
[418] - عن مفهوم الاستشهاد فى فكر الأباء الأولين، أنظر الاستشهاد فى المسيحية، للمتنيح الأنبا يؤانس اسقف الغربية.
[419] - مدينة بعلبك الآن بلبنان.
[420] - اسم ارثوسا، اسم لعدة مدن فى بلاد عدة. ولذلك جيد أن ذكر سوزمينوس كلمة بسوريا ومنه نعرف أنها كانت مركز اسقفية بسوريا، بالقرب من آفاميا التى هى حاليا مدينة الرستن التى تقع على مسافة نحو خمسة وخمسين كيلومتر إلى الشمال من مدينة حماة التابعة لمحافظة حمص، وهى أريتوزا قديما. وجميع سكانها حاليا مسلمون.
[421] - يقصد بين طعامها وبين اللحم الآدمى.
[422] - أود أن أشير إلى أن هذه العادة الوثنية فى ذلك الزمان مازالت قائمة فى المجتمعات الافريقية جنوب الصحارى فى أيامنا هذه، ولم تستطع الارساليات المسيحية التى سبقتنا إلى هناك، ولا حتى البعثات الاسلامية أن تقضى عليها قضاء مبرما. ولكن هدفها اختلف حيث لم يعد ممارسة الفتاة على وجه الحصر للجنس قبل الزواج من أجل ترضية المعبود( أو لنقل التوتم أيا كان) وإنما للتأكد من قدرتها على الإنجاب الذى هو شرط جوهرى وأساسى للزواج لدى هذه القبائل، لدرجة أن مَن ينضم لأى طائفة مسيحية، ولا يستطيع الاقلاع عن هذه "العادة الاجتماعية" يلجأ إلى "شخصيات العهد القديم" كسند له.
[423] - لاحظ هذا التعبير الفلسفى لسوزمينوس.
[424] - هنا الشعب الوثنى.
[425] - أى مقدِّم المدينة.
[426] - نجد نفس الاجراء استخدمه اتباع كل دين أو مذهب آخر عبر العصور فى اضطهادهم للمسيحيين، "إن اعتنقت مذهبنا نعفو عنك من باب "السماحة". أنظر على سبيل المثال لا الحصر المقريزى، وسيرة شهداء نجران.
[427] - يكتبه البعض أيضا بأىٍ من الأشكال: يوبسخيوس، أوبسخيوس، اوبسكيوس.
[428] - هو الاسقف الذى نفاه قنسطانتيوس بعد اسقف ميلان، اولا الى جرمانيكا ثم الى اليوثيرابوليس بفلسطين، ثم الى إقليم طيبة العليا بمصر.
[429] - كتبها البعض كالاريس. وهى فى جزيرة ساردينيا فى جنوب غرب ايطاليا.
[430] - كانت مصر العليا، تنقسم إداريا فى ذلك الزمن إلى قسمين طيبة العليا وطيبة السفلى. أنظر الخرائط الملحقة بكتاب القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين السابق الاشارة اليه.
[431] - يرى الأب متى المسكين أن هذا المجمع انعقد فى حوالى سنة 362م. وعن القضايا العقائدية التى ناقشها وبت فيها، انظر ص285-289 من كتابه "القديس اثناسيوس.." السابق الذكر.
[432] - انظر، القديس أثناسيوس الرسولى للأب متى المسكين، القسم اللاهوتى.
[433] - أنظر، اقتطاف مطول منه فى سقراتيس، ك8:3 وهامشنا هناك.
[434] - قارن، سقراتيس، ك9:3 للمعرب.
[435] - نلاحظ أولا الشكل الانجليزى الوارد لهذا الاسم، وثانيا هذا الاسقف هو المعروف فى الكتابات العربية بالقديس هيلارى اسقف بواتيه.
[436] - طبعا كما قال سوزمينوس "ظهروا بلا لوم". ولكن هذه المقارنات العقيدية، التى عبََرعليها سوزمينوس، لأنها كما قلنا فى المقدمة، ليست من اختصاصه، يمكن لفهمها جيدا الرجوع إلى كتاب الأب متى المسكين "القديس أثناسيوس الرسولى"، قسم كتاباته العقيدية واللاهوتية.
[437] - التى للوثنيين.
[438] - أنظر هذه التهم!!.
[439] - لاحظ هذا الاتهام "الناعم" سياسيا والذى لن يفتقر إليه الحاكم فى أى زمان، وبالقانون!!. تحت أسماء عدة مثل "إثارة فتنة طائفية" أو "إستقواء بالخارج". أو "إزعاج السِلم العام" إلخ.
[440] - يقصد سوزمينوس هنا، السكان الوثنيين كما سنرى من باقى الفقرة.
[441] - أى إلى المسيحيين.
[442] - ألم نقل أن السياسة لعبة قذرة وأن الحاكم السياسى لا أخلاق له. وإذا كان يُقال فى مجال المحاماة "قل أى كلمة وأنا بالقانون اسجنك" من باب التعبير عن امكانية التلاعب بالنص. فهذه العبارة تصدق أيضا، عمليا وفعليا، على أى سياسى بأخلاق يوليانوس.
[443] - وكما كان هكذا يكون. هذا هو ما كانت تردده دائما منظمات حقوق الانسان فى مصر فى فترة حكم حسنى مبارك، وكذلك فى فترة حكم حزب الحرية والعدالة عقب ثورة 25 يناير، عندما تعرَّض الاقباط لإعتداءات مريرة ومتكررة على كنائسهم وأبدانهم وممتلكاتهم بل وأعراض بناتهم من قِبل متطرفين. وكانت ترى أن اللوم يوجه إلى الحاكم. وهذا بالفعل ما ثبت، ويثبت دائما، فبعد زوال حكم حسنى مبارك، أشارت وسائل الإعلام إلى تورط وزير الداخلية حبيب العادلى فى الكثير من هذه الاعمال بأسلوب يمكننى القول أنه مماثل إن لم يكن مطابق كلية لأعمال يوليانوس هذا.
[444] - ويُكتَب أيضا ايلاريون. انظر سيرته للمعرب.
[445] - كانت هذه الطريقة احدى طرق العلاج الشعبى لمثل هذه الحالات وهى التى تُعرَف شعبيا بكلمة "يرقيه" من "رقية" وقد سمعتها بنفسى ورأيتها فى خمسينات القرن العشرين فى إحدى قرى صعيد مصر، والأحياء الشعبية جدا بالقاهرة فى ذلك الزمان.
[446] - أى الخدمة الكهنوتية.
[447] - إحدى معبودات الوثنية.
[448] - يعتبر المسيحية إلحادا، بمعنى كفر بديانته وآلهته، وهو بالطبع الفكر البشرى بصفة عامة لأتباع كل دين تجاه الديانات الأخرى.
[449] - يقصد تكريم القديسين المنتقلين.
[450] - أى المسيحية حسب نظره.
[451] - أى السُكر.
[452] - "الباشل"، مكيالٌ للحبوب فى الدولة الرومانية الشرقية.
[453] - هى معبودة فى الشرق القديم، الرومانى/اليونانى، وتعرف بأسماء محلية عديدة، وكان الاسم الغالب لها هو سابيلا Cybele فى الأدب الرومانى واليونانى.
[454] - أى المتعلقة بفقه اللغة.
[455] - هو القديس باسيليوس الكبير صاحب القداس المعنون بإسمه فى الكنيسة القبطية.
[456] - هو القديس غريغوريوس اللاهوتى، أو غريغوريوس النزينزى، صاحب القداس المنسوب له بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
[457] - أى شاول الملك.
[458] - ميناندر ويوربيدس وبندار أبرز الشخصيات المشهورة فى الأدب اليونانى، وقد أشار إليهم واقتبس منهم القديس كلمنضس الاسكندرى، فى عمله "المربى"، انظر ترجمته للمعرب.
[459] - واضح هنا خطأ السياسة المالية الشديد، بلغة رجال الاقتصاد.
[460] - فى الواقع الصورة التى وصلتنا على العملات لهذا الإمبراطور لا تكشف عن طول غير عادى للحيته، ولذا لم أفهم سبب سخريتهم منها. لكن قول سوزمينوس (ومن الثور الذى سكه على عملته) يبدو لى سببا معقولا.
[461] - نلاحظ أن سوزمينوس هنا بينما يسرد انتهاكات يوليانوس ضد المسيحية والمسيحيين لم يتردد فى وصف عمل أدبى له بأنه بليغ جدا، عندما وجده كذلك، فى تجرد كامل.
[462] - يُلاحظ هنا أن سوزمينوس رغم أن تكوينه قانونى أساسا، إنما يقدِّم رأيا فلسفيا لبروز الأسطورة أيا كانت. فالإنسان فى بحثه عن سندٍ يشرّع له رغباته هو الذاتية المكنونة، يُنشأ هذه الشخصيات الوهمية، كمثل أى مؤلف لرواية خيالية، ويُلبِسها أو يضع على لسانها كل ما يريده هو. فإن كانت رغباته فاسقة، جعل معبوده يحلل الفسق ويدشنه؛ وإن كانت رغباته سامية، جعل شخصيات اسطورته سامية.
[463] - يعطينا هنا سوزمينوس إشارة تاريخية لإحدى طرق الترنيم التى كانت معروفة آنذاك، أنظر عن ذلك الانظمة لكاسيان، ترجمة المعرب.
[464] - قارن مز 7:96 س. وهو أيضا المزمور 96 بصلاة الساعة التاسعة بالأجبية القبطية الارثوذكسية "فليخزى جميع الساجدين لصنعة الأيدى، المفتخرين بأصنامهم، اسجدوا لله يا جميع ملائكته".
[465] - prætorian prefect
[466] - كانت هذه أداة تعذيب قديمة.
[467] - أنظر، روفينوس، "ت.ك."، للمعرب، (10/35/3).
[468] - "كاريا"، منطقة قديمة كانت تقع فى جنوب غرب أسيا وكانت تحدها من الشمال ايونيا وليديا، ومن الغرب الجنوبى بحر إيجة ومن الشرق ليكيا وجزء من فريجية. وهى بالطبع تدخل اليوم ضمن حدود تركيا السياسية.
[469] - ما زالت المدينة قائمة بنفس الإسم فى محافظة طرطوس بسوريا.
[470] - وهو يوسابيوس القيصرى المؤرخ، فى كتابه تاريخ الكنيسة، ك18:7.
[471] - هكذا عبَّر سوزمينوس عن الانجيل، ويخيل لى أنه استخدم هنا لفظة انجيل بمعناها اللغوى العام، أى البشارة المفرحة، وبذلك يريد أن يقول: فى الكتاب الإلهى للبشارة المفرحة. أنظر لو 13:24.
[472] - كان ذلك فى حملة تيطس الرومانى الشهيرة، فى حوالى سنة 70م، والتى عاصرها يوسيفوس المؤرخ اليهودى.
[473] - يلزم التنويه إلى وجود مدينتين فى العصر الرومانى البيزنطى لمصر، بإسم هرموبوليس، الأولى هرموبوليس بارفا وهى دمنهور الحالية، والثانية هرموبوليس ماجنا وهى مدينة الاشمونين حاليا بمحافظة ملوى. لذلك حسنا أن قال سوزمينوس هنا بطيبة. وكما نعرف كانت المدن فى هذا العصر دائما بإسمين إسم محلى بلغة أهل البلاد، مثل القبطية فى مصر/ والسريانية فى الشرق وهكذا، والآخر باليونانية.
[474] - بالطبع كان ذلك من باب القول المشهور "ليس حبا فى معاوية ولكن كرها فى على".
[475] - الشعب اليهودى.
[476] - يقصد سوزمينوس هنا، اليهود كما سيتضح من الجملة التالية.
[477] - وأقول، ومن ناحية ثالثة أنهم نظروا، من البديهى، إلى الواقعة على أنها ظاهرة طبيعية تصادف حدوثها دون أن يخطر على بالهم أية صلة بينها وبين العمل ذاته الذى يقومون به.
[478] - واضح جدا أن هناك عقد سيكولوجية غائرة بشدة فى تكوينه من جهة هذا الإمبراطور رغم قرابته له، ورغم ترقيته له بدلا من قتله، جعلته ليس فقط ينتقم منه ولكن أيضا يكفر بكل ما يرتبط به بما فى ذلك الدين نفسه. وقد قرأت فى هذا الشأن ذات مرة ورقة بمخطوط قديم لا اتذكر حاليا اسمه أن سبب ارتداد دقلديانوس أيضا واضطهاده الدموى الرهيب للمسيحيين هو أن أحد الاساقفة كان قد كذب عليه فى أمر ما. وبالطبع لم يفرق بين اسقف حقيقى وبين محتال فى زى اسقف.
[479] - أشور وهى بالانجليزية Assyria هى بلاد ما بين النهرين، والتى كانت امبرطورية غزت ايران والشرق ومصر، وحتى أجزاء من الأراضى الواقعة فى تركيا الحالية فى القرون القديمة قبل الميلاد. وهى تختلف عن بلاد أخرى داخلة فى زمام تركيا الحالية واسمها قريب منها وهى ايسوريا Isauriaلذا لزم التنويه.
[480] - عُرِف استخدام الفيلة كسلاح أساسى فى الهجوم، أولا فى الهند فيما قبل الميلاد. ثم انتشر هذا الأسلوب فى بلاد جنوب اسيا وامتد إلى البحر الابيض المتوسط، بل استخدمته أيضا بعض دول أوربا، وقد اختفت الفيلة من الحروب مع ظهور المدافع.
[481] - واضح أن الفيلسوف الوثنى يُلمِّح إلى الرومان بصفة عامة، والرومان المسيحيين بصفة خاصة. لذلك جاء الفصل التالى تحليلا من سوزمينوس لرأيه، وتفنيدا لحججه.
[482] - أرى هنا موضوعية شديدة من جانب سوزمينوس فى تفسير الواقعة. فهو لم يُسرِع بنفى الاحتمال الذى يراه ليبانيوس الفيلسوف الوثنى، لأنه فرض وارد وممكن، وإنما يسجله أولا ويقرر، كرجل محامى، أنه ليس لديه دليل قاطع على نفيه أو إثباته. ثم فى الفقرات التالية يعرض ما يمكن، بلغة الماديين، أن يعتبر "تفسير غيبى" للتاريخ، بينما هو مقبول لعلماء التاريخ المؤمنين الذين يرون أن التاريخ نفسه فى يد الله.
[483] - انظر عن ذلك، التاريخ الرهبانى لبالاديوس، للمعرب، نشر دار باناريون.
[484] - قارن، ثيودوريت 18:3. للمعرب، تحت الطبع.
[485] - هذه العبارة تعكس حب المصريين منذ "القروى الفصيح" على مواجهة الكوارث والطغاة بالسخرية والتنكيت.
[486] - praetorian prefect هى وظيفة قيادية مدنية اقليمية هامة، وبصفة خاصة فى الجهاز المكتبى الامبراطورى للقسطنطينية. أنظر LRE 370-2, ODB 1710-11 .
[487] - إحدى تعبيرات اريوس والتى تعنى ببساطة الوجود من العدم، أى مخلوق.