حـوار عن حـياة فـم الذهب للأنبـا بالاديــوس أسـقف هللينوبوليس(ق 4م) تـرجمـة هـربـرت مــور تـعـريب الدكتور الأب/ بـولا سـاويرس
تـمهـيد للمـعـرب
القديس يوحنا فم الذهب واحدٌ من ذلك الرعيل الذى جاهد حتى الموت مستهينا "بالبلوى المحرقة"، مقتفيا أثار سيده، مشتركا معه بفرح وابتهاج روحى فى تحمل الآلام من أجل خلاص النفوس التى إتمنه عليها، ومن أجل رفعة كنيسته. منتظرا بصبر ورجاء راسخ خلاص الرب وإكليل المجد العتيد. لذلك كان شهيدًا بلا سفك دمٍ. دعاه بحق الأنبا بالاديوس اسقف هللينوبوليس ببثينية بأسيا(فى النصف الثانى من القرن الرابع الميلادى)، تلميذه الحميم وشريكه فى آلام النفى، ومدوِّن سيرته، "بأرميا الثانى ". ولذا فهو مُكرَّم الآن وقديسٌ لدى سائر الطوائف المسيحية.
لقد كان فم الذهب وما زال مدرسة نتعلم منها كيف ترخص حياة "الخادم الأمين" الحريص على إعلان الحق الإلهى والدفاع عنه إلى الرمق الأخير دون محاباة أو أخذٍ بالوجوه، والذى يجعل جُلَّ هدفه خلاص النفوس التى إتمنه الله عليها. كان شجاعا فى جهاده من أجل تقويم "الرعاة" أولا من كهنة واكليريكيين، وخدام وخادمات، ورهبان وراهبات ومكرسات، قبل عامة الشعب. وكأن لسان حاله كان يُردد أروم أن تكونوا جميعا ناجحين فى كل شىءٍ: فى سلوككم وأخلاقياتكم كما فى أرواحكم. فكما أنه من المهم لراعى الرعاة خلاص نفوس الجميع روحيا، هكذا أيضا يروم أن يراهم جميعا يسلكون حسبما تقتضى النعمة الإلهية المعطاة لهم، لأنهم منظرا للملائكة والناس. ودفعته أمانته إلى المجاهرة بالحق "امام ملوك وولاة"" بلا خشية أو تردد.
وعندما يتأمل القس منسى يوحنا فى موقفه هذا يقول " يا حبذا لو كان جميع خَدَمة الدين يُجلِّون وظيفتهم بهذه الدرجة".
ولم تكن مهمته هذه بالأمر الهيّن إذ ألَّبت عليه الفئات التى ترغب فى تحقيق أهوائها الذاتية تحت عباءة الدين. وجلب لنفسه عداوة ذوى السلطة المدنية، وكذا كهنة وأساقفة، بل وأيضا للأسف البابا الأسكندرى ثيوفيلس.
ولما كان كل مَن كتب ويكتب عن ذهبى الفم يعتمد بصفة اساسية على سيرته التى دونها تلميذه الحميم الأنبا بالاديوس فى عمله المسمى "حوار عن يوحنا فم الذهب"، بالإضافة إلى رسائل فم الذهب نفسه العديدة التى أرسلها إلى اساقفته وكهنته وشمامسته وشماساته وبالأخص إلى تلميذته المحبوبة والفاضلة جدا اوليمبياس. إلى جانب ما ورد عنه فى كتابات مؤرخى النصف الأول من القرن الخامس الميلادى بصفة خاصة. فقد رأينا عزيزى القارىء أن نضع بين يديك هذا العمل كاملا فى نصه الأصلى، إذ يُعتبَر المصدر الأول عن حياة ومعاناة "ارميا الثانى"، كما دعاه بالاديوس، وخاصة فى سنوات محنته ونفيه، قبل أن ينطلق إلى دار الراحة الأبدية.
وما من شك فى أن بالاديوس قد كتبه بمشاعر ابن بار نحو أبيه، تألم معه ومن أجله. وهو يراه يعانى ظلما، ومجروحا فى بيت أحبائه. كتبه وهو يعانى من ألم النفى الظالم مثله، ومن أجله، فى برية سين (أى أسوان حاليا) بصعيد مصر. ومن ثم يجيش هذا العمل بمرارة الإحساس بالظلم. وياليته ظلم من الأعداء لكان من السهل كما قال داوود النبى(مز 12:55) أن يُحتمَل، لكنه ظلم من "أليفى وعديلى"، بل ظلم من أناس لهم صورة التقوى ولكنهم فى الواقع ذئاب فى ثياب حملان.
ومن ثم جاء الكتاب متحاملا، فى نظر البعض، فى بعض أجزائه على البابا ثيوفيلس الاسكندرى. فالقمص تادرس يعقوب مثلا يرى أن هذا العمل يحمل "تحيزا مُرًّا ضد البابا ثيوفيلس" الذى حكم عليه وعلى أبيه فم الذهب بالنفى ظُلما وبهتانا.
وعن موقف البابا ثيوفيلس من فم الذهب يقول القس منسى يوحنا (فى هامش بكتابه "خطيب المدينتين"، ص 80) " يُلاحِظ القارىء أننى لم أَعدُل فى هذا الفصل عن الأمانة فى الكلام عن ثاوفيلس، بل ذكرتُ ما وجَب ذِكره بكل أمانة. لأن المؤرخ الصادق وجب أن يذكر الحقائق التاريخية على علاتها، ولو كانت من جهة نفسه. ولو أمعنا النظر فى الكتب الإلهية لوجدنا أن أفضل الأنبياء وأعظم الرسل أشهروا آثامهم على الملأ دون أن تأخذهم فى ذلك خفية أو يمنعهم عن ذكر عيوبهم سمو مقامهم وعلو مكانهم. فذكر موسى خطايا نوح ولوط وابراهيم واسحق ويعقوب. بل ذكر عن نفسه مخالفته لأمر الرب. وذكر غيره خطايا داوود وسليمان. وذكر بطرس خطيته..إلخ". ويُضيف المعرب هنا، أنه ما من أحدٍ حتى اليوم عندما يقرأ الكتاب المقدس يُقلل من قداسة هـؤلاء. لأن القداسة ليست هى العصمة من الخطأ ولكن أن يعترف المرء بخطأه وخطيته مرددا مع العشار "اللهم إرحمنى أنا الخاطىء". والقديس ليس هو الإنسان الذى لا يخطىء بتاتا، ولكنه ذلك الخاطىء التائب الذى يسعى دوما بلا كلل أو ملل نحو خلاص نفسه، معترفا فى قلبه قبل لسانه أنه "ليس عبدُ بلا خطية ولا سيدٌ بلا غفران".
كما يقول القمص تادرس يعقوب(فى كتابه عن فم الذهب) " كثيرون فى عرضهم لسير القديسين يُخفون ضعفاتهم، أو يُحاولون تبريرها، مع أننا لا نؤمن بالعصمة من الخطأ. على العكس فإن كشف ضعفاتهم لا يقلل من كرامتهم بل يُعطى للنفوس الضعيفة رجاءً وقوةً للجهاد. وهذا ما انتهجه الكتاب المقدس فى عرضه لسير الأباء والأنبياء والرسل". وأيضا يقول "الكنيسة فى تعلقها بالقديسين لا تؤمن بعصمتهم من الخطأ. فهم مقدَّسين فى الرب يسلكون بالروح، لكنهم ليسوا بغير ضعفات". وعندما ذكر مغادرة ثيوفيلس للقسطنطينية بعدما أصدر فى مجمع البلوطة حُكما مع عصبة الاساقفة الناقمين على فم الذهب لأنه حرمهم من مصادر ترفهم الدنيوى، قال عنه بالحرف "غادرها..، حاملا معه جريمته فى حق البطريرك يوحنا فم الذهب التى لم يغفرها له المؤرخون". وقد صدق ابونا تادرس فى هذا القول إذ لم يغفرها له سائر المؤرخين الكنسيين بدءً من مؤرخى القرن الخامس وحتى اليوم.
ولكن هل كان حقا هذا العمل "تحيزا ضِده"، أم كان وصفا لمجريات الأمور من شاهد عيان رأى بعينيه وعايش الأحداث بنفسه حدثا حدثا. أم كان محاولة من بالاديوس لتفادى الصدام مع السلطة السياسية المدنية التى كانت الطرف الرئيسى فى الأحداث، والتى كانت ما زالت تتربع على العرش، فألقى بكل المسؤولية عما جرى لبطريركه الحبيب ومعلِّمه فم الذهب على كاهل البابا ثيوفيلس وحده؟!.
هذا ما سندعك أيها القارىء العزيز تستخلصه بنفسك بعدما تقرأ هذا العمل بنَفَس وأسلوب بالاديوس نفسه، بالإضافة إلى ما كتبه "المؤرخون الأوائل" بعد موت "إيزابلا" الثانية أى "أودكسيا" الإمبراطورة وكذا زوجها الذى وصفه المؤرخون الأوائل بأنه كان ضعيف الشخصية أمامها.
وعلى الرغم من أن "الحوار" عمل دفاعى عن القديس فم الذهب، قُصِد منه الدفاع عنه ضد المثالب التى لصقها به أعداؤه، إلاَّ أنَّ به الكثير من التأملات الدراسية اللذيذة والشيقة لفقرات كثيرة من الكتاب المقدس، من المفيد الإلمام بها. ففى هذا العمل لا نتقابل مع بالاديوس المؤرخ الرهبانى المشهور بعمله "التاريخ اللوسسى"، وإنما مع بالاديوس الكاهن المتأمل فى كثير من فقرات الكتاب المقدس، والذى يساهم بمساهمات شيقة فى تفسير بعضها، أو التأمل روحيا فيها أو إلقاء الضوء عليها. فعلى سبيل المثال ترِد عرضا آية "وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى"، فنعرف كيف فهمها الأنبا بالاديوس آنذاك، بصفته أحد الروافد الآبائية للتفسير فى الفترة ق4م/ق5م للنصوص المقدسة.
وفى هذا العمل سنصادف بالطبع آراءً لبالاديوس قد نتفق بشأنها معه أو لا نتفق، ولكنها تظل وجهة نظر لا ضير من الإلمام بها.
إن هذا الكتاب يُعَّدُ أحد الروافد الأساسية للتعرف على أحداث السنوات الأخيرة من حياة فم الذهب، لا غنى عنه لأى باحث أو دارس.
والقراءة الداخلية لهذا العمل توضح لنا أنه كُتِب بعد وفاة كل من فم الذهب والتى كانت فى (13 أيلول ( أى14 سبتمبر) من سنة407م)، وثيوفيلس الاسكندرى(فى سنة 412م)، وأولمبياس الشماسة (25/7/408م). ولمَّا كان عمله الأول قد كتبه فى حوالى سنة 419/420م([1]). وكان التاريخ المرَّجح لوفاته وقتُ ما بين سنتى 420م و430م، فإن التاريخ المرجح لكتابة هذا العمل لابد وأن يكون فى هذه الفترة.
لقد قال عنه يوحنا كاسيان فى كتابه عن التجسد(30:7) "ما أكتبه يُنسَب إليه أكثر مما يُنسَب إلىَّ. فالمجرى يصدُر من الينبوع. وما يُنسَب للتلميذ يُنسَب بالكامل لكرامة المعلم".
+ + +
السلام لك يا أبى القديس.. كم تعلمتُ وتهذبتُ وتعزيتُ من منفاك وشدائدك التى لا توصف.
لقد عرفتنى "قوة الضعف" للضعيف الملتصق بالله.
أحنى رأسى أمام آلامك وخاصة النفسية، فما أقسى تلك الآلام التى تأتى من رجل الدين، أيا كانت رتبته حتى ولو كان أغنسطسا. العالم كله الآن بكل طوائفه وألوانه وأجناسه، بما فيهم أحفاد رعية ثيوفيلس نفسه، يحنى تلقائيا رأسه عند ذِكر إسمك المكرَّم.
أما أكاكيوس وانتيوخس وسيفريانوس وأمثالهم فى كل زمان ومكان، الذين "أحبوا مجد الناس" بل فى الحقيقة أهواءهم الخاصة، فأين هم الآن !!.
بولا ساويرس
ملاحظات المعرب
1- من المعروف أن وضع عناوين فصول وعناوين جانبية فى أعمال الكتّاب القدامى، هى دائما من عمل المترجمين لهذه الأعمال. وقد وجدتُ هنا أن التقيد بالعناوين الجانبية للمترجم الإنجليزى يفسد تسلسل "الحوار" ويشوش ذهن القارىء، لذلك لم أتقيد بها, حتى يمكن متابعة "الحوار" بيسر. وتسهيلا للقارىء بالعربية من فهم النص، قام المعرّب بإضافة بعض الكلمات فى المتن يقتضيها الأسلوب العربى، وكذا بعض الكلمات التوضيحية الهامة، ووضع هذا وذلك بين القوسين[ ].
2- لا شك فى أن عمل بالاديوس هذا كان عملا عاطفيا، أو كتبه وهو فى أوج عواطفه الجياشة وآلامه النفسية الرهيبة. لذلك جاء الوصف فيه، والتعبيرات المستخدمة مختلفة كثيرا فى اللهجة والنَفَس عن عمله "التاريخ اللوسسى"([2]). كما أنه نظرا لأنه كان يكتب أثناء حُكم الإمبراطور الذى ظلم أسقفه، لذلك أغفل عن قصد كل ما يمسه، محاولا تبرئته قدر استطاعته من المسؤولية.
3- ولما كان الكثيرُ من الهوامش التى أوردها المترجم إلى الانجليزية عبارة عن فقرات مسهبة من المصادر التاريخية التى نحن بصدد إصدارها بمشيئة الله تباعا، لذلك حذفتها مكتفيا بالإشارة إلي المصدر، حيث سترد بالتفصيل فى إصداراتنا لسلسة المؤرخين الأوائل. كما قام المعرِّب بالتعليق على آراء المترجم عندما لزم الأمر، واضعا تعليقه بين القوسين[ ].
مـقـدمـة المـتـرجـم
(1) موضوع المقالة
هذه المقالة كتبها بكل وضوح، شخصٌ لديه معلومات كاملة، وكان شاهد عيانٍ للكثير من الأحداث التى يرويها. وهى أفضل مصادرنا عن حياة القديس فم الذهب([3]). فلدينا سير أخرى عنه كتبها ثيودوريت اسقف تِرميثوس([4]) Trimithus فى حوالى 680م، وجورج اسقف الأسكندرية([5]) فى سنة 620م، ولاون الإمبراطور(ح 900م)، وكتّاب مجهولون إلى جانب بعض الروايات التى تشتمل عليها التواريخ الكنسية للقرن الخامس الميلادى([6]) لسقراتيس وسوزمينوس وثيودوريت وفيلوستراجيوس واللاهوتى فوتيوس(ح 850م) والكاتب الوثنى زوسيموس إلى جانب إشارات أخرى قليلة لدى المؤلفين القدامى. ومن هذه المصادر المتنوعة يمكننا إستخلاص ليس فقط سجلا بحياة فم الذهب ولكن أيضا رسم صورة للرجل نفسه ، وأيضا إلقاء الأضواء على حياة الكنيسة فى أيامه، كما نتزود بمعلومات عن عادات وفرائض إندثر بعضها بينما ما زالت أخرى ممارسة بيننا.
وكلما درسنا سيرته بأكثر دقة، كلما ظهر رجلا محبوبا أكثر، وكلما شعرنا بالأكثر كم نحن مدينون له بالمستوى النبيل والتقوِى والخدَمى والذكى للحياة المسيحية التى حافظ عليها بشدة بإيمان وصراحة بلا خوف، وخلفها لنا. وكلما بدت حياته أكثر إعجابا، بالمقابلة مع حياة الكثيرين المعاصرين له من الوثنيين، وللأسف حتى من المسيحيين.
ولكن كان عليه أن يتحمل تبعة سماته الجيدة. فقد كان رجلا شديد المرارة من فرط حماسه للفضيلة، وسريع الغضب أكثر من التعامل اللطيف، إذ لم يُفكِّر منذ نشأته فى المستقبل. وبسبب بساطة شخصيته سلك بدون تفكير عميق، فإستخدم خطابا أكثر تحررا مع أولئك الذين اعتنى بهم، وكمعلِّم أفاد كثيرا سامعيه. لكنه أٌعتُبِر من قِبل الذين لا يعرفونه عنيدا فى سلوكه([7]). ويُظهِر لنا "الحوار" الأرضية التى استندت عليها هذه الإنتقادات، ويعرض لنا المؤلِّف الردود المتنوعة عليها. "لقد كانت لديه سمات جديرة بالإعجاب. فماذا يُمكن أن يكون أكثر قيمة من الكرم والحماس المتفائل؟. لقد كان يفتقر إلى ضبط النفس ورباطة الجأش واللياقة، والأسلوب الدبلوماسى، كما سنلاخظ ذلك فى كثير من الأحيان، ولكن لو كان قد امتلك هذا، هل كان سيكون ذهبى الفم؟!"([8])
كتاباته
من المستحيل التعامل هنا مع نتاج ذهبى الفم الأدبى الذى هو أكثر غزارة من[نِتاج] أى كاتب كنسى يونانى([9]) آخر. فبينما كان فى أنطاكية ألقى فى فترة الصوم الكبير بصفة خاصة سلسلة من العظات المتتالية، أو شرحا للأسفار المقدسة التى تناول فيها معظم أسفار الكتاب المقدس. إن ايسيدورس البيلوزى([10]) يكتب [قائلا] "إننى أظن أنه لو أراد القديس بولس أن يشرح كتاباته لما كان قد تحدث خلاف ما نطق به هذا المعلِّم الشهير. فإن شرحه لمحتوياتها جدير بالإعجاب. فهو جميل فى شكل وسِمة التعبير. ويقول سويداس Suidas فى القرن العاشر، منذ بدء العالم لم يمتلك أحدُ ما، كواعظ، مثل هذه المواهب. وهو فقط الذى استحق لقب فم الذهب، والواعظ الإلهى".
وقد تم تدوين معظم هذه العظات بأسلوب الإختزال، ويبدو أنه قد صححها بنفسه. وهناك أيضا عدد كبير من العظات عن موضوعات خاصة، أشهرها الواحد والعشرين "عن التماثيل"، التى ألقاها فى انطاكية سنة 378م، عندما صارت المدينة مهددة بالتدمير من قِبل الإمبراطور عقابا لها على الشغب الذى اندلع. والعديد من المقالات الخاصة بموضوعات أخلاقية ولاهوتية والتى تشمل عمله الرائع "عن الكهنوت". ومعظم أعماله تعود إلى تلك الفترة التى قضاها من حياته فى انطاكية، فقد اعوزه الوقت فى القسطنطينية، إن لم تكن الفرصة، لمثل هذه الاعمال الفكرية السامية. وكذلك نُسِب إليه عدد من الاعمال المنحولة بعضها بالطبع مزيف، أو على الأقل، أُسِىء تسجيلها من قِبل اعدائه لكى ما يستثيروا حفيظة الإمبراطورة ضده.
(2) تعاليم "الحوار":
لقد كان هَمْ فم الذهب فى أكثر [أعماله] هو الصراع الدائم بين الكنيسة والعالم. فالكنيسة عليها أن تسلك كملح للأرض، كمدينة على تل، كنور للعالَم، كهيكل لله الحى. وأن تعلو مُثُلُها دوما حتى عن تلك التى يمكن للقديسين أن يبلغوها. ولكن قليلين فقط هم الذين يمكنهم بلوغ تلك الأمور التى ترفع من مستوى الجنس البشرى، ولذا عليها ألاَّ تكسر قصبة مرضوضة، ولا أن تُطفِىء فتيلة مدخنة بجعل متطلباتها مرتفعة للغاية عن مستوى الاستخدام العملى للرجل العادى الذى يعيش فى العالم، ولا أن تدين مَن لم يُدِنه الله. عليها ألاَّ تُحزِن قلب البار، ولا أن تُقوى أيادى الأشرار بوعدِهم إياهم بالحياة.
وهكذا، تتمثل المشكلة الموضوعة دوما أمام الكنيسة فى كل العصور، فى كيفية شق طريقها بين الطرفين، بين الشدة التى لا داعى لها، وبين الإنصياع التوافقى. ومن هنا كانت الحاجة ماسة الى أحكام مختلفة من فم الذهب بالنسبة للبشر المتنوعين فى المزاج. فالمزاج الصارم للجميع يكون أحيانا من منطلق دوافع سامية، وأحيانا بدون وعى يكون مختلفا. إن ذلك يتطلب نسكا فى الحياة، وصرامة فى العقيدة، وتقشفا عن التمتع بملذات هذا العالَم. وأحيانا تكون هذه الصرامة، وبدون وعى من منطلق دوافع أدنى حيث يكون من المفترض أن الناس سيكونون أفضل عندما يُغارُون بمن هم أدنى، وبعين متطلعة إلى رفاهية الجمهور أكثر من القِلة، فهى تهدف إلى تعليم الجميع أنَّ كل الأمور الدنيوية إنما هى عطية من الله الذى يُعطيها لنا بسخاء لنتمتع بها. فواحدٌ يُوبَّخ فى وقتٍ مناسب وغير مناسب، والثانى يُمدَح لرغبته فى الكياسة.
وما من شك، فى أن تكون هذه هى وجهة النظر التى أُتُخِذَت فى هذا "الحوار". فإن الكتابات التى تُثير بعمق قلوب الناس، من الطبيعى أن تتلون تبعا للأحكام المسبقة لكاتبيها. ومن العسير الإعتقاد بأن فم الذهب كان مستحقا لكل تشيهرات أعدائه به، الواردة فى هذه المقالة من قِبلهم. فالحس السليم القوى الواضح فى كتابات فم الذهب، على الرغم من أنه أحيانا ما يكون مُبهما بسبب المغالاة فى التعبير والجهل بالقوانين الاقتصادية فيما يتعلق بالأثرياء، وبسبب أباطيل وأُبهة العالِم، قد حفظته بصفة عامة من المرارة التى جحدها تلميذه. ولكن أولئك الذين أعوزتهم القدرة التى لمؤلفنا "قفزوا على الخدمة" وتعاملوا بمكر مع كلمة الله، وحرَّفوا تعاليم المسيحية، وليست هناك لغة قوية للغاية مثل "الكاهن الذى ليست له فضائل الراهب، يستحق فقط الشركة مع ساتيرس satyrs([11])، أو كهنوت ديونيسوسDionysus . فالسيف لا يمكن أن يكون ثَلِما، ولا الكلمة الجريئة يُمكن ألاَّ تُعلَن". وهكذا رفع ذهبى الفم فى الواقع صوته بوضوح أكثر من البوق.
ولكن على الرغم من دفاع بالاديوس عن حماس ذهبى الفم، إلا أنه من العسير ألا نكوِّن من دراساتنا للكتابات المتنوعة، استنتاجا ما مفاده أن فم الذهب فيما يتعلق بأودكسيا قد تكلم بشفتيه بلا حكمة. إذ يبدو أنه من المستحيل الشك فى أن الإتهام الذى وُجِّه له بشأن مقارنتها علانية بإيزابيل وهيروديا قد حدث حقيقة، لأن بلاغته قد ألهبت الجماهير نحو التقويم، وحظى بدعم العديد من الأصدقاء الحميمين. لقد ظن نفسه مثل سافونا رولا فى الأيام اللاحقة، وأنه من القوة بما يكفى لمهاجمتها، فتم إطفاء نوره المُشرِق فى وسط أمة ملتوية وضارة، إلى الأبد.
هل كان على صواب أم على خطأ؟. إننا سنجيب على هذا السؤال، وفقا لمزاج كل منا. بيد أنه أيا كانت تقديراتنا، فإننا نعرف أن العالم بعد كل شىء يحترم المُثُل العليا ويرتفع بها بدون وعى على الرغم من أنه قد يبدو أنه يسلك بطريقته الخاصة، وأنه يُفضل الإشتراك فى لوم اللسان الصريح. ولم تكن حياة فم الذهب وموته عبثا.
أما من جهة ما نحكم به وما يمكننا أن نلتمسه من أعذار لتحامل مؤلفنا فإننا نرى أن دوافع ثيوفيلس لم تكن جيدة بل كانت شريرة. لقد ناشد فم الذهب، مثل كارنمرCranmer، عقد مجمع مسكونى لم يُعقَد قط، ولا كان من الممكن أن يُعقَد، "فهذا العالم حلبة مصارعة". ومن ثم يرى بالاديوس أنه ليس هناك مثل هذا الطريق المهيأ لحل مشاكلنا. نحن مدعوون إلى المجمع العام للأبكار المكتوبين فى السماء، ولكننا أيضا سنأتى إلى الله ديان الجميع. وهكذا العالم ليس فقط قوة مٌغرية روحيا وجذابة، ويميل بإستمرار إلى جذب المُثُل إلى أسفل وصولا إلى مستواه الخاص به، لكنه يمتلك أيضا قوته القسرية وحكامه الحاملين للسيف ويُمكنه أن يدفع إلى الأمام عمل الكنيسة أو أن يكبحها. إن حسن النية يمكن إكتسابه إما "بالموائد" وإما "بالمداهنة" ولكن نتائجها تكون دائما كارثية. ونحن نجد هنا أن فم الذهب والرهبان يلتجأون هم أيضا إلى السلطة المدنية ويستخدمونها بما لا يقل عن ثيوفيلس وآتيكوس ليس بإعتبارها قضاء نزيها بين الاطراف المتنازعة، ولكن كوسيلة يعرضون بها آراؤهم عن العقيدة والتهذب الكنسى. ولكن ذهبى الفم وجد أخيرا أن السيف الذى تحمله السلطة الزمنية، سيف ذو حدين. فقد كسب حزب ثيوفيلس اليد العليا من خلال استخدام حاذق لمشاعر الأنانية التى تُحرك الحكام والرعية على حد سواء, ولم تتمكن الكنيسة قط من استعادة مركزها كقوة للبِر.
ولم يُعد هناك حدُ للخيار المطلق للإمبراطور من الآن فصاعدا على الدولة والكنيسة. إذ لم يكن هناك امبروسيوس ليقول له "لقد شابهت ذنب داوود، فعليك أن تحاكيه أيضا فى توبته". ولم يكن هناك هيلدبراند Hildebrand ليصيح كبعجة "لقد أحببتُ البر وكرهتُ الإثم لذلك أموت فى المنفى".
ولكن مع تقدم العالم فى مفاهيمه عن قيمة الفرد وعن حقوقه وحرياته، تُصبح [ السلطة المطلقة] مستحيلة، وسرعان ما تندلع القوى المكبوتة منذ أمد طويل فى ثورة أكثر وحشية بما بتناسب مع قهر الماضى. "فعلى الرغم من أن عجلات الله تطحن ببطء، إلا أنها تطحن بأكثر دقة". ومؤلفنا مثل غيره من المؤرخين القدامى، قد يكون أو لا يكون على حق فى عزوه للكوارث المختلفة للغضب الإلهى لمقتل فم الذهب. فنحن نرى أن يد الله أعظم من هذه الأمور. إن إجتماع أربعين من الاساقفة الساخطين، فى ضاحية ما، منذ ألف وأربعمائة سنة مضت قد يبدو أمرا قليلَ الأهمية بالنسبة لنا، لكنه كان خطوة من الخطوات الأولى نحو وضع الكنيسة مثل الدولة تحت كعب الأباطرة. ذلك المفهوم الذى ساد الكنيسة الشرقية خلال القرون التالية([12]).
وهناك أسقف مُغفَل الإسم مُصوَّر هنا على أنه قام بزيارة إلى روما، وهناك أجرى حوارا استغرق عدة أيام، مع شماس يُدعَى ثيودورس Theodorus كان قد سمع جانبا واحدا فقط من القصة، وهو ذلك الذى عرضه أعداء فم الذهب والمتمثل فى الإتهامات الموجهة ضده فى البلوطة. فأراد أن يعرف الحقيقة سواء المتعلقة بالوقائع، أو الخاصة بالإعتراضات على شخصية فم الذهب. وكان أشخاص آخرون حاضرين المناقشة. وقد إنضم أحدهم لبعض الوقت. وكانت النتيجة النهائية أن رفض ثيودورس الروايات الذرِيَّة التى تلقاها، ونطق بتمجيد للقديس الشهيد.
إن التاريخ المفترض لهذا "الحوار"، هو عقب وفاة فم الذهب بوقت قصير، حيث أن الخبر الذى تلقاه الشماس عن ذلك يحتاج إلى تأكيد.
ويمكننا ترتيب الاحداث المشار إليها فى هذا "الحوار" على النحو التالى:
فى الفترة من 344م إلى 347م، وُلِد فم الذهب فى انطاكية. وفى حوالى 370م عماده. فى سنة 373م، دخوله دير بالقرب من انطاكية. فى 383م سيم شماسا بأنطاكيا. فى 26 فبراير 398م سيم أسقفا للقسطنطينية. إصلاحاته الكنسية والمدنية. فى سنة 399م إصلاحات الشقاق فى أنطاكية. فى سنة 400م، ثورة الجاينيين. فى سنة 401م، زيارته لأفسس وخلعه لستة أساقفة. إدانة ثيوفيلس للأوريجانية. سنة 402م وصول الرهبان إلى القسطنطينية. فى سنة 403م مجمع البلوطة والإقصاء الأول لفم الذهب، وإدعاءات ثيوفيلس. فى 16 ابريل 304م عيد القيامة، وشغب فى الكنيسة، ورسالة فم الذهب إلى اينوسنت, ومحاولة الإعتداء على حياته. فى 20 يونيو الإقصاء الثانى. حرق الكنيسة. تلقى أخبار من روما. وفد الاساقفة الغربيين. المعاملة القاسية لأتباع يوحنا. وصوله إلى كوكوسس Cucusus فى سبتمبر. نقله إلى بيتيوس Pityus فى يونيو 407م. وفاته فى 14 سبتمبر سنة 407م.
الروايات عن اوليمبياسOlympias، وعن بورفيريوس Porphyrius، وعن رهبان عدة. الإتهامات الموجهة ضد فم الذهب الخاصة بالأكل بمفرده، وبعزل الاساقفة الستة، والإفراط فى الكلام الجرىء، والهجوم الشخصى على الأفراد، والعجرفة ضد الإكليروس. ثم يتناول المؤلف بإسهاب موضوعات أخلاقية عديدة سنجدها فى الفهرس العام.
المؤلِّف
المقالة كما هى، مغفلة من الإسم، ولكنها تُنسَب على نطاق عام إلى بالاديوس اسقف هللينوبوليس التى أجراها مع دياكون من روما[اسمه] ثيودورس بشأن حياة وأحاديث الطوباوى يوحنا فم الذهب اسقف القسطنطينية. وفى الهامش أُضيفت هذه العبارة "وكُتِب فى نسخة أخرى أسقف أسبونا". وهكذا يُشير العنوان إلى أن كاتب هذه المقالة ليس بالاديوس اسقف هللينوبوليس أو اسبونا ولكن إلى أسقف بلا إسم يمثل الشخصية الرئيسية فى "الحوار". ولكن ذلك لا يتحقق فى أى مكان. فقد وُصِف ببساطة أنه عضو فى مجمع يوحنا وأنه من الشرق على الرغم من أنه ليس من القسطنطينية، وأنه قد تألم من أجله. إن بالاديوس اسقف هللينوبوليس([13]) معروف لدينا كمؤلِّف للتاريخ اللوسسى([14])، والذى يشتمل على عدد من السير المختصرة، والأقوال القيمة للرهبان بصفة أساسية الذين عرفهم بشخصه وسمِع عنهم خلال حياته كراهب فى الصحراء، أو خلال أسفاره. وتُسجِل مقدمة ذلك العمل أنه قد ألفه لنفس الغرض الأخلاقى الذى من أجله ألَّف هذا "الحوار". ومن الجلى، أنه كان صديقا لفم الذهب الذى كتب إليه من كوكوسس سائلا صلواته، وقال له أنه قلق عليه يوميا من أجل رفاهيته([15]). ويُظهِر التاريخ اللوسسى أنه قد سيم أسقفا لهللينوبوليس بعد تركه للصحراء سنة 400م، وإنغماسه فى القلاقل الخاصة بالطوباوى يوحنا([16]). ويعطينا "الحوار" رواية عن رحلته إلى أفسس، وزيارته لروما، وإبحاره إلى القسطنطينية، ونفيه إلى سين([17]). وعقب عودته عاش سنتين فى غلاطية. وحسبما يُخبِرنا سقراتيس([18]) نُقِل كأسقف إلى أسبونا فى غلاطية، وكتب بعد ذلك بسنتين تاريخه اللوسسى، وتُوفىّ فى وقت ما بين سنتى 420م و 430م.
بالنسبة للمقالة، المخطوطة الوحيدة لها ترجع إلى القرن الحادى عشر الميلادى وهى بمكتبة the Medicean بفلورنسا Florence. وهى تحتوى على فقرات منسوخة من هذا العمل، أمكننا فحص نصنا هذا بواسطتها. وقد طُبِعت أولا بترجمة لاتينية سنة 1680م، وهى مكتوبة باللغة اليونانية القديمة، وبكلمات كثيرة لها معانى غير مألوفة للكتّاب الكلاسيك، وهناك أخطاء نحوية كثيرة. والترتيب التاريخى للأحداث غير مراعى، حيث أن الموضوع الرئيسى للمؤلف ليس أن يكتب سيرة ذاتية بقدر ما يضع نموذجا يُشَّحِذ به قراءه لإتباع القدوة الحسنة للقديس ولكى ما يُحذرهم ضد طلب الكهنوت غير المناسب.
وقد عرض ذلك فى شكل حوار، وهو أسلوب معترف به فى تقديم مقالة أخلاقية. فهكذا كُتِب عمل فم الذهب الشهير "عن الكهنوت". فالتعليم الحر الذى تحدث عنه بالاديوس بإعجاب فى التاريخ اللوسسى وهنا، كان من الطبيعى أن يستخدمه كأداة لنقل أفكاره. ولقد قاد حب بالاديوس لمعلمه إلى أن يتبع مثاله، ولكن لم تكن لديه معرفة افلاطون ولا قدرته فكان "الحوار" أحيانا مملا، والشكل غير ملائم للموضوع([19]). فلم يقدر عمل أمرين فى وقت واحد أن يُقدِّم ذكرى لرجل صالح، وأن يؤلف مقالة أخلاقية. فعندما يُقدّم روايات طويلة عن أحداث تاريخية، وفوق الكل الرسالة إلى اينوسنت إنما يحيد بشدة عن الاسلوب المستخدم فى حوارات افلاطون التى لها نفس الغرض مثل "دفاع سقراتيس وكريتو".
ومن الملاحظ أن تعبير "فم الذهب" هو إضافة فى زمن لاحق، وحل محل "يوحنا" على نطاق واسع فى حوالى منتصف القرن الخامس الميلادى. ولكن لماذا أُختِير بالاديوس اسقف هللينوبوليس بوصفه المحاوِر فى هذه المقالة دون سائر الأساقفة الشرقيين ما لم يكن هناك تقليد راسخ يربط بينه وبين المقالة. بكل تأكيد كان هناك تقليد كهذا. ففى قائمة من ثمانية عشر شخصا كتبوا عن فم الذهب مُدرجة فى كودكس قديم جدا، فحصه بيتافيوس Petavius، يَرِد فيها إسم "بالاديوس اسقف هللينوبوليس". ويقول فوتيوس Photiusأن "بالاديوس كان أسقفا وكتب عن أعمال كريسسوتم فى شكل حوار". ولقد جمع بطلر ثلاثة عشر عبارة من العبارات الجديرة بالملاحظة جنبا إلى جنب مُظهِرا كم التماثل الملحوظ. وقد جمعتُ نحو سبعين أخرى أكثر يمكن العثور عليها فى الكلمات الواردة فى الفهرس. ويُمكن إضافة عبارات أخرى كثيرة مماثلة. ويوضح بطلر نقطة أخرى هامة. وهى استخدام ذات التعبيرات عن نفس الأشخاص وعن ذات الأشياء. وإننى لأظن أن أىَّ قارىء يبذل قليلا من الجهد فى المقارنة، سوف يرى أنه ليس فقط الكلمات وأسلوب استخدامها، بل أيضا العبارات والفقرات ترد فى العملين([20]). وقد أدت الدراسة الدقيقة للأب بطلر إلى المقارنة المكثفة لكيفية اقتباس نصوص الأسفار المقدسة، فوجد أن الإقتباسات التى أُستُخدِمت فى كلتا المقالتين قد وردت بتصرف وبنحو لا يوجد فى أى مخطوطة أخرى قائمة. وأنها وردت ليس نقلا من مصدر مكتوب، ولكن من الذاكرة. فنحن نعلم أن الرهبان الذين كان بالاديوس واحدا منهم قد كرّسوا وقتا أطول لإستظهار الكتب المقدسة عن ظهر قلب، وأن كثيرين منهم قد حفظوا أسفارا بأكملها بالذاكرة([21]). ويوضح بطلر أنه فى كلتا المقالتين ورد الإقتباس مت18:11 مدمجا مع مت 32:21، وأنه ورد فى كلتيهما مسبوقا بكلمة "يوبخهم". وكذلك يرتبط الإقتباس من مر16:2 بمتى 11:9، على نحو ليس له سند من مخطوطة ما أو موازى له. كما يرد الإقتباس 1يو18:2 مقترنا بالعبارة "لقد كانت الساعة الأخيرة منذ أربعمائة سنة مضت" على نحو لا يُمكن أن يكون صُدفة. بالطبع سيكون أمرا غريبا أن يتفق كاتبين مختلفين، مع هذا التعدد فى مخطوطات النسخ السبعينية المتوفرة فى سنة400م، فى نفس النصوص المقتبسة، وبذات التبديل والتصرف فى النقل، إذ نجد الإقتباس غير الدقيق من الذاكرة للنص جا9:8 يرد فى المقالتين بذات الترتيب والتبديل فى الكلمات بالضبط. كذلك نجد مؤلف "الحوار" يذكر، مثل مؤلف "التاريخ اللوسسى" المعابد المصرية، ويتحاور مع هيراكس، وكان أحد الأربعين اسقفا الذين إنحازوا إلى صف فم الذهب ومعجب للغاية بالرهبان، ويعرف نفس الأشخاص: ايسيذورس، وآمون، وديسقورس، وكرونيوس، ومكاريوس، واوليمبياس([22]). وأخيرا المعرفة التى يُظهرها كاتب "الحوار" بأعمال بالاديوس ستكون أمرا غير عاديا بتاتا إذا ما افترضنا أنه شخص آخر خلاف بالاديوس نفسه. ففى أربع فقرات يُعطينا رواية حية ودقيقة عن الأحداث التى يذكر بالاديوس أسقف هللينوبوليس أنها قد حدثت، وهى: وفد القسطنطينية، والأحداث المرتبطة بمجمع البلوطة، والمهمة فى أفسس، ورحلة الأساقفة الشرقيين التى ترد فى الرواية عن الوفد. ولا يستخدم كاتب "الحوار" ذات العبارات حرفيا فقط كما فى "التاريخ" مثل "قال لى أحد الجنود" و"قالوا" و"قيل" عندما يروى أحداثا كان شاهد عيان لها، ولكنه ينسى ذات مرة أنه يكتب بضمير الغائب وينتقل من الأسلوب غير المباشر إلى أسلوب الخطاب المباشر مثل مؤلف "التاريخ اللوسسى". ومثلما فعل القديس لوقا فى سفر الأعمال. ونلاحظ أنه فى المقالتين كثيرا ما ترد أمثال وملاحظات حساسة، وأنه فى كلتا المقالتين ترد مساحة شاسعة غير معتادة للطعام والشراب، أو للإحجام عنهما.
أما عن تاريخ كتابة هذا "الحوار"، فلا شك أنه يلى "التاريخ اللوسسى". فبعدما وجد مؤلف الثانى أن عمله هذا قد حقق فائدة وقيمة، كان من الطبيعى أن يُقدّم نموذجا مفردا للحياة المسيحية الحقيقية، بل هو أشهر وأبرز نموذج مسيحى فى أيامه. لم يكن بالطبع يستطيع كتابة هذا العمل وهو منفى فى سين، ولا فى غلاطية وهو مشتت الفكر بالأحداث الجارية وبعدم تيقنه من جهة مستقبله. وفى "الحوار" نجد إشارة إلى وفاة ثيوفيلس([23]) كما نجد ذِكر لأعمال فم الذهب وخاصة رسائله، الأمر الذى يحتاج بالطبع إلى إنقضاء وقتُ ما من الزمن. لقد كتب بالاديوس "تاريخه"، كما رأينا، عندما كان فى حوالى الثالثة والأربعين من العمر، وكان يجول مثل هيرودت بمفكرة، ذهنيا إن لم تكن ماديا، استقى منها فيما بعد رواياته وحكاياته. لقد عاش حياة شاقة كراهب، وسافر إلى القسطنطينية عن طريق فلسطين، وزار روما، وتألم بالنيابة عن فم الذهب، وعانى من رحلة شاقة إلى أسوان حيث قضى هناك ست سنوات فى المنفى. فماذا يكون أثر كل هذه السنوات على صحته وخاصة على عينيه.
الطبعة [الإنجليزية]
لقد اتبعت هنا نص بيجوت Bigot's text كما ورد فى مين Migne([24]), وعلى الرغم من أن مين يقدم تصحيحا أو ترجيحا جيدا إلا أننى لم أُخضِع نفسى له دون الإشارة عند الضرورة إلى ذلك فى الهامش([25]). والهوامش هنا إلى حد ما أكثر كمالا مما يُقدَّم عادة فى هذه السلسلة من الترجمات. ويحدونى الأمل فى أن يجذب إسم فم الذهب وبساطة سيرته دائرة أوسع من القراء([26])
هربرت مور
[ نــص بالاديوس]
[مقـدمـة]
(الأسقف) إن عطايا الله أيها الأخ العزيز ثيودورس، تنقسم إلى ثلاث فئات، حسبما يبدو لى. فبعضها يشترك فيها الجميع، ولكن لا تُوزَّع على الأفراد. بينما البعض الآخر يشترك فيه الجميع ويُوزَّع على الأفراد. أما النوع الثالث فهو لا يشترك فيه الجميع، ولا يُوزَّع على الأفراد، ولكنه أيضا ليس غير قابلٍ للتوزيع إذ يُعطَى كإمتياز خاص لأولئك الذين يُعطَى لهم.
(الشماس) إن ملاحظاتك الإستهلالية تبدو معقولة. فقل لنا من فضلك ما هى أنواع هذه المواهب الخاصة بكل من هذه الفئات الثلاث.
(الأسقف) إن العطايا التى هى أساسا نبيلة وبدونها تكون الحياة بائسة، هى عطايا يشترك فيها الجميع ولا تُخَصَّص.
(الشماس) مثل ماذا يا أبى؟.
(الأسقف): مثل الله الضابط الكل، والإبن الوحيد، والروح القدس. هو أمر مشترك للجميع وليس خاصا بأحدٍ بمفرده. فكل مَن يرغب، يُمكنه بواسطة التأمل أن يمتلكه بالكامل بدون أية مساعدة مادية. ومع الله، هناك الأسفار المقدسة الإلهية، والقوى فوق الدنيوية. وإلى جانب هذه الأمور هناك الشمس والقمر وسائر النجوم والهواء نفسه كلها ملك للجميع بلا تخصيص، ويجرى استعمالها من قِبل الجميع بأكملها. ولسنا فى حاجة إلى إعطاء مزيد من الإيضاحات عن هذا النوع من العطايا التى لا تُخصَّص. وكانت الأرض فى وقت من الأوقات شركة للجميع وغير مخصصة، وكذا مجارى المياه، ولكن منذ أن استولى الشغف الجنونى بالمِلكية على نفوس عشَّاق المتعة، صار القِسم الرئيسى للأرض والمياه خاضعا للتخصيص. (الشماس) ما تقوله واضح جدا، فاكمل حديثك عن النوع الثانى للعطايا التى تُخصَّص.
(الأسقف) حسن، هذا ما سأفعله، إذ لا يمكن أن نترك سياق موضوعنا غير كامل. هذا النوع مثل الذهب والفضة وكل نوع من المعادن، والخشب، وبإختصار كل نوع من المواد الخام. هذه جميعها يشترك فيها الجميع ولكن بالتخصيص لأنها ليست تحت تصرف كل مَن يرغب بلا تحفظ.
(الشماس) وأيضا هذا شرح وافى جدا، ولا عجب أن تبسّط لنا فئتك الثالثة من العطايا، فقد قلتَ أن هناك فئة لا هى عامة للجميع، ولا هى مخصصة بين الأفراد، ولكنها تُعطَى كإمتياز خاص لأولئك الذين يستحقون أن توهب لهم. لذا عليك الآن أن توضح لنا هذه الفئة وتخبرنا من أين استقيتها وما هى الحقائق الخاصة بها التى يجب أن نتعلمها فى الحقيقة.
(الأسقف) إن كان فى سلطانى، وكنتُ اقتنى معرفة ما تستعلم عنه، فإننى لن أتردد، ولن أضيف شيئا. ولكن علىَّ أولا أن أسدد الدَيْن كما أظن الناجم عن حجتى بأفضل ما فى وسعى. حسن، إنك تجد أن البتولية لا تُوزَّع على العموم، وكذا حالة عدم الزواج. فهذه لا تنتمى إلى فئة العطايا التى يشترك فيها الجميع ولا إلى تلك التى تُوزَّع. فليس كلُ مَن يرغب فيها، غير متزوج. ولكن فقط مَن يستطيع. فكثيرون متزوجون يتوقون إلى حالة البتولية، ولكنهم لا يتحصلون عليها لأنهم متزوجون. وفى الألعاب الأوليمبية ينادى المنادى على جميع مَن يرغب فى السباق ولكن الأكاليل للمنتصر فقط. وهكذا الحال بالنسبة للبتولية كما يقول الإنجيل. وأنتَ تتذكر كيف أن بطرس قد أثار إعتراضا على تعليم المخلِّص أنه "لو كانت حالة الرجل هكذا مع زوجته، فخير للرجل ألا يتزوج". فأجاب المخلِّص، ليس لجميع الناس أن يقبلوا هذا القول، ولكن لِمن أُعطِىَّ له"([27]). آلا ترى أنه ليس للجميع، ولكن لمن أُعطىَّ لهم؟.
(الشماس) لقد توقعتُ أن يكون هناك بعض الصعوبات فى شرحك لهذا النوع الخاص من العطايا، ولكن من الواضخ أنك قد كسبتنا لوجهة نظرك بلغتك الكتابية والقوية.
[ أمثلة من العهد القديم ]
(الاسقف) بما أنك قد أدركتَ ذلك فإننى سأُثرى حجتى بأدلة من الكتاب المقدس، لكى ما تسلِّم العقول الشريرة، وتُدرِك ما لا تستطيع الحصول عليه. فإننا نجد الكهنوت فى الأسفار المقدسة الإلهية ليس أمرا مشتركا للجميع، ولا هو قابل للتوزيع، ولكنه إمتياز خاص لأولئك المستحقين له, ولهذا يُعلِن بولس العظيم النقى فى تعليمه للعبرانيين أنه ليس كل واحد يأخذ هذه الكرامة لنفسه، ولكن ذاك المدعو من الله. وكذا أيضا هارون لم يُمجِّد نفسه ليكون رئيس كهنة([28])، لأنه كان هناك ستمائة ألف رجل مملوئين غيرة، ولكن واحدا فقط هو الذى أُعلِن رئيس كهنة. وقد أقنعت العصا التى أفرخت لوزا جماهير الناس أن الكاهن هو مختار من الله. ومع ذلك كان بعض الناس المضروبين بشهوة الشهرة الكاذبة والذين افترضوا فى جهلهم للصالح أن [الكهنوت] هو إحدى العطايا التى يشترك فيها الجميع أو تُوزَّع، قد إغتصبوا هذه الوظيفة لأنفسهم وأقاموا ذواتهم كهنة، فنالوا القصاص الذى يستوجبه جنونهم، وجعلوا الأرض التى تجمعوا عليها تشهد على شرورهم. لقد كان داثان وهامان اللذان هاما بالكرامة كأناس يتطلعون إلى زانية، هما اللذان إبتلعتهما الأرض هما وكل ممتلكاتهما، ووجدا أماكن تجمعهما قبورا غير متوقعة. وهناك عوزيا Uzzah الذى قادته شهوة السلطة وهو غير واعٍ بالأحداث التى ذكرتها إلى السقوط فى شهوة الوظيفة. ففى ذات يوم بينما كان التابوت منقولا على مركبة عبر الطريق، حدث أن الثور الذى يجرها قد شمص واهتز التابوت. فسنده عوزيا الذى كان يراقب المركبة بيده ليمنع الغطاء من الإنزلاق. ورأى الله ذلك، ولكنه لم يُسَّر. ولكى ما يُقدِّم سابقة للأشخاص الأقوياء، منع ذلك بأن ضرب عوزيا بالموت كعلامة تحذير من هذه الحماقة.
[ أمثلة من العهد الجديد]
وفيما بعد بزمن طويل عقب مجىء المسيح، فكر سيمون الساحر من قرية Gethae ([29]) وهو معلِّم ماكر للتعاليم المضادة للحق، ورجل شرير ذو حياة شريرة فى الحقيقة، فى خطة خبيثة لإشباع شهوة السلطة. فإذ كان خائفا على ما يظهر من العقاب الذى حلَّ على أولئك الرجال فى الزمن القديم، ولم يشأ أن يحصد ما قد حصدوه من الغرس الذى غرسوه، أخفى الذئب فى جلد حمل واقترب من الرسل بدهاء، عارضا عليهم نقودا لكى لا يبدو أنه يتطلع ظلما إلى ما يتوق لشرائه، وقال ما نتوقعه منه ومن أمثاله "خذوا هذه النقود واعطونى سلطة منصبكم الرفيع لكى ما ينال كل مَن أضع يدىّ عليه (مواهب)([30]) الروح القدس"([31]). وإذ كان قد اعتمد بإسم يسوع، كان جواب الرسل هو هذا "انصرف يا رجل، فنعمة الله لا يُمكن أن تكون للبيع". وإذ استمر فى إلتماسه، قالوا له مرة أخرى "لِمَ تشترى ما لا يمكنك الحصول منه على شىء ،إن كنتَ تعيش بجدارة ؟". ولكن إذ كان يُفكر فى أعباء الحياة وفى محو رغبته فى تحملها، وعدم تيقنه من هذه المسألة، عرض ثانية نقودا من حافظته وهو يظن أنه يقدر بذلك على خداع تلاميذ المخلص، فأعلن ذاك الذى "يأخذ الحكماء بمكرهم"([32]) سخطه بفم بطرس "ليَهلك مالك معك، لأنك فكَّرت فى أن تمتلك عطية الله بمال". ولكنه قدَّم له دواء التوبة داهنا إياه بزيت[ ليشفيه] من علته بطول أناته، وقال[له] تُب، حتى ما يُغفَر لك فكر قلبك، لأننى "أراك فى مرارة المر، ورباط الإثم"([33]). لأن الله فى محبته للنفوس لا يشاء هلاك العصاة.
[شخصيات فى "الحوار"]
لقد أوضحتُ لك الآن بأفضل ما فى وسعى ملاحظاتى الأولى أيها النبيل ثيودورس، خادم([34]) السرائر الإلهية، فسلنا ما تُريد أن تعرفه.
(الشماس) من أين جئت لتهبنا شركتك؟.
(الأسقف) من الشرق. وكن متأكدا من ذلك، فإننى لم أرَ أبداً روما من قبل. (الشماس) إذن أى أمر أتى بك إلى هنا؟. (الأسقف) رغبتى فى السلام الخاص بكم؟. (الشماس) هل سلامكم مختلف عن سلامنا؟. (الأسقف) كلا ليس مختلفا، فهو واحدٌ وبذاته، لأنه السلام الذى أعطاه المخلص من السماء عندما قال لتلاميذه "سلامى أنا أعطيكم". ولكى ما يؤكد عطية نعمته كرر[قائلا] "سلامى أنا أتركه لكم". فكلمة "أعطيكم" تخص عمله الخاص، وكلمة "أتركه" تخص عمل الروح القدس بواسطة المسيح. فهما يكشفان للأمم عمل الآب. غير أن الحالة المحزنة للشرق البائس، والتى تُشبه رجلا مشلولَ الأطرافِ يرى أن القوى [ غير] الحيوية تجد طريقها إلى الأجزاء الأكثر صحة من جسده. فأطرافه المشلولة غير قادرة على أداء وظائفها المناسبة لأن الوفاق قد فرَّ منها. فقد نُفِىَّ معظمنا، رفقاؤه وأحباؤه، من بلدنا إذ لم نعد نستطيع العيش فى أوطاننا بأمان وهدوء بسبب تمسكنا بالحق. ونحن يحدونا الأمل فى أن نتمكن من قضاء أيام قليلة من الحياة التى لا تزال لنا وفقا للإنجيل.
(الشماس) يبدو لى أنك قد أُرسِلتَ إلينا، أيها الأب الممتاز من قِبل العناية الإلهية لأننى أرى أن حزنك يتناغم مع مشاكلنا. أظن أنك لابد أن تكون أحد أعضاء المجمع المقدس ليوحنا اسقف القسطنطينية. (الأسقف) هو ذلك. (الشماس) إننى أرجوك فى حضرة الله، أن تعطينا وصفا حقيقيا للأحداث الفعلية هناك، فإننا حريصون على سماع تفاصيلها، وتذكر أنك إن أخبرتنا بشىء ما يتعارض مع الحقيقة فإن الله سيكون لك فاحصا وقاضيا وستُدان أيضا من قِبلنا عندما نعرف تناقضك. لأنه ليس واحدٌ ولا إثنين ولا ثلاثة ولا عشرة أشخاص بل أكثر من ذلك، قد أعطونا روايات لِما حدث فى القسطنطينية، ولم يكونوا مسافرين عرضيين بل كان بعضهم اساقفة وكهنة وأعضاء فى السلك الرهبانى. وإذ أنك ترغب فى معرفة بيان مقتضب عن الدور الذى لعبته كنيسة روما، فإننى سأعطيك بعض المعلومات عن هذا الأمر.
[كيف بلغت الأخبار روما]
كان أول من وصل إلى هنا قارىءٌ([35]) من الأسكندرية، برسائل من البابا([36]) ثيوفيلس([37]) يُخطرِنا فيها بأنه قد خلع يوحنا. وعند قراءة هذه الرسالة، انزعج المبارك البابا اينوسنت إلى حد ما وأدان اندفاع وكبرياء ثيوفيلس، إذ لم يكتب فقط بسلطته الخاصة منفردا، بل أهمل أيضا توضيح أسباب خلعه له، ولا مَن هم الذين انضموا إليه فى الحُكم بالخلع. وهكذا أوجد نفسه فى موقف صعب. ولم يشأ([38]) الرد على الرسالة، إذ كانت القضية غامضة. وفى نفس الوقت جاء إلى البابا اينوسنت دياكون من كنيسة القسطنطينية [اسمه] يوسيبيوس، كان يقيم بروما لقضاء شؤون كنسية، وقدَّم له مذكرات مكتوبة تلتمس منه الإنتظار لفترة قصيرة ريثما يمكن إماطة اللثام عن هذه المؤامرة. وعقب ذلك بثلاثة أيام وصل أربعة أساقفة من حزب يوحنا، كلهم أشخاص ورعين: بانسوفيوس Pansophiusمن بسيدية، بابوس Pappus من سوريا، ديمتريوس من غلاطية الثانية، يوجينيوس Eugeniusمن فريجيا. وسلَّموا رسالتين تلتهما ثالثة. واحدة من الاسقف يوحنا([39])، وواحدة من اربعين اسقفا آخرين ممن فى شركة مع يوحنا. والثالثة من إكليروس يوحنا. وتتفق هذه الرسائل الثلاث فى عرضها للإضطرابات الناجمة عن جهلاء. وكان موضوع رسالة يوحنا كما يلى:
الفصل الثانى: [ رسالة يوحنا إلى اينوسنت]
"إلى سيدى المكرَّم والأكثر قداسة الاسقف اينوسنت. يُرسِل لك يوحنا التحيات فى الرب. إن تقواكم ([40]) قد سمع بلا شك قبل أن يستلم رسالتى هذه، عن المخالفات الجسورة التى أُرتُكِبت هنا. لأن ضخامة الجريمة لم تدع مكانا من العالم يجهل المأساة القاسية. فلقد نقلت الإشاعات الأخبار إلى أقصى أطراف الأرض، وجعلت كل مكان فى حزن وأسى عظيمين. ولكن لمَّا كانت الأحوال لا تتطلب الرثاء فقط، بل إتخاذ اجراء علاجى، والنظر فى الخطوات الواجب اتخاذها لإخماد هذه العاصفة الهوجاء المستعرة داخل الكنيسة. لذا رأيتُ من الضرورى أن أطلب من سادتى الورعين المكرَّمين([41]) الأساقفة ديمتريوس وبانسوفيوس، وبابوس ويوجينيوس أن يُغادروا كنائسهم ويشرعون فى مواجهة مخاطر رحلة بحرية طويلة، وأن يستعدوا لغياب طويل عن أوطانهم، ليفروا إلى محبتكم ويشرحوا لكم كل الحقائق بوضوح لكى ما تتخذوا الإجراءات اللازمة بأسرع ما يُمكن. وقد أرسلنا معهم الشماسين([42]) بولس وكرياكوس المكرَّمين والمحبوبين جدا([43]). وهذان الشخصان سيحلان محل الرسالة، ويبلغان محبتكم بسرعة بكل ما حدث. والحقيقة هى أن ثيوفيلس الذى أُودِعت بين يديه اسقفية كنيسة الأسكندرية، قد أُمِر بناء على تقارير رُفِعَت ضده إلى ملكنا التقى([44]) بالمثول أمامه بمفرده. ولكنه وصل بصحبة[عدد] كبير من المصريين كما لو كان حريصا على إظهار حالة الحرب والصراع منذ البداية. وتلى ذلك، أنه فور أن وطأ أرض المدينة العظمى القسطنطينية، لم يتوجه إلى الكنيسة وفقا للقاعدة التى سادت منذ الأزمنة القديمة، ولا أجرى أىَّ تعامل معنا، ولا إنضم إلينا فى حديث أو صلاة أو شركة، لكنه ما أن غادر السفينة حتى جاوز رواق الكنيسة بسرعة، وذهب إلى مكان ما خارج المدينة للإقامة به. فدعوناه مرارا وتكرارا هو ورفقاءه للإقامة معنا(وفى الحقيقة كنا قد أعددنا كل شىء بما فى ذلك الغرف وكل وسائل الإقامة الملائمة). ولكنه رفض هو وهم على حد سواء عرضنا. وكنا فى حيرة شديدة من هذا المسلك، ولم يكن فى مقدورنا معرفة سبب مثل هذا العداء غير الواجب. وعلى الرغم من ذلك، فعلنا كل ما يُطلَب منا، وتصرفنا بشكل صحيح، ودعوناه بإستمرار للتشاور معنا وأن يخبرنا لماذا يؤجج هذا الصراع المستعر ويسبب عثرة لمدينة فى غاية الأهمية. ولكن لما كان مازال مصرا على رفض الإفصاح عن السبب، وكان متهموه فى عجلة، أمرَنا ملكنا التقى بالذهاب إلى محل إقامته وسماع أقواله بشأن قضيته إذ كان متهما بعنف وقتل وجرائم أخرى لا تُعَّد. ومع ذلك كان لدينا احترام كبير وتكريم للقوانين التى وضعها الآباء([45])، ولثيوفيلس نفسه الذى كانت فى حوزتنا رسالته الخاصة التى قال فيها ألاَّ ينبغى مناقشة القضايا الخاصة [بإيبارشية ما] خارج حدودها، بل ينبغى تناول شؤون كل ايبارشية داخل الإيبارشية([46]). لذلك رفضنا مناقشة القضية، بل واحتججنا بأكثر شدة. ولكن يبدو أن ثيوفيلس قد ظن أنه يتعامل مع أعداء قدامى، فإستدعى رئيس شمامستى([47]) بأسلوب متعالٍ جدا، كما لو كانت الكنيسة مترملة([48]) بالفعل، وليس لها أسقف([49]). وبواسطته استدعى كل الإكليروس وضمهم إلى صفه. وهكذا صارت الكنائس فى حالة اضطراب. والكهنة الخاصين بها قد ضلوا([50]) وتم إغوائهم لكتابة مذكرات ضدنا وتحريضهم على أن يكونوا مشتكين ضدنا. وإذ نجح فى ذلك إلى حد بعيد، أرسل وإستدعانا للحضور إليه للمحاكمة على الرغم من أنه لم يكن قد برَّأ نفسه من الإتهامات التى وُجِهَت إليه، وهو أمر يُناقض بوضوح قوانين وسُنن الكنيسة.
ولما كنا نعى جيدا أننا سنمثُل ليس أمام قاضى (إذ قد مثُلنا أمام قضاة عشرات الآلاف من المرات) ولكن أمام عدو لدود كما أظهرت تصرفاته السابقة واللاحقة، فقد أرسلنا إليه الاساقفة ديمتريوس من بيسينم Pisinumوإليوسيوس Eulysius من آباميا([51]) Apameia ولوبيكيانوس Luppicianusمن آبياريا Appiaria، والقساوسة جرمانوس([52]) وسيروس. وأجبنا بإعتدال مناسب وقلنا أنه ليس لدينا أىَّ إعتراض على أية محاكمة خلاف المحاكمة أمام عدو صريح ولدود. وإذ رأى أنه لم يتلق أية إتهامات ضدنا، وأنه قد سلك منذ البداية كما سلك، وأنه فصل نفسه عن الكنيسة والشركة والصلاة، وأنه رشا([53]) المدعين وأنه أغوى الإكليروس الخاص بنا، وترك الكنائس بلا رعاة، فكيف يمكنه إذن أن يرتقى منصة القضاء التى لا تخصه بأية حال من الأحوال. إذ أن ذلك مناقض للنظام، أن يسلك أسقف مصرى كقاضى فى تيراقيا ([54]) بينما هو نفسه فى موضع إتهام، وخِصم وعدوٌ للمدَّعى عليه. ولكنه لم يشعر بأدنى حرج من كل هذه التحفظات واستمر فى تصميمه. وعندما أعلَّنا أننا مستعدون لتبرئة أنفسنا من أىَّ إتهام فى حضور مائة أو ألف اسقف وأن نُثبِت براءتنا الظاهرة من ذات عرضنا، لم يسمح بذلك. وعلى الرغم من طلبنا بعقد مجمع مقدس، وإلتماسنا لمحاكمة [جهرية] إذ لم يكن من العدل السماع من عدو صريح الأمر الذى أردنا تجنبه، قَبِل فى غيابنا دعاوى المدّعِين ضدنا وأطلق سراح أولئك العُصاة الذين أمرتُ بحبسهم، بدون إنتظار لتبرئة أنفسهم من الإتهامات الموجهة ضدهم. وقَبِل مذكراتهم وحرَّرها بتدقيق. وكان كل ذلك ضد القانون والشريعة والنظام. وفى الحقيقة، إختصارا لقصة طويلة، لم يدع حجرا إلاَّ وقلبه، إلى أن استطاع بقوة مطلقة وعمل مستبد، طردنا من الكنيسة ومن المدينة.
"وفى وقت متأخر من ذات ليلة بينما كنتُ أجتاز مع كل الجمهور فى الشوارع، قبض علىَّ فى وسط المدينة وكيل حاكمها([55])، وجرنى عنوة ووضعنى على متن سفينة مبحرة ليلا، فى ذات الوقت الذى كنتُ أطالب فيه بمجمع كنسى من أجل محاكمة عادلة. من ذا الذى يمكنه أن يسمع عن مثل هذه الأعمال دون أن يذرف الدموع حتى لو كان قلبه من حجر؟. ولكن كما قلتُ آنفا لا يحتاج الأمر مجرد الرثاء بل الإنصاف. لذلك أناشد محبتكم النهوض والحزن معى، وبذل كل ما فى وسعكم لإخماد هذه الشرور لأنه مازال هناك الكثيرُ بعد. فحتى بعد رحيلى لم يكف ثيوفيلس عن الأعمال غير القانونية الصادرة من حزبه بل منطقَ نفسه لمزيد من الإجراءات. لقد طرد ملكنا التقى([56]) أولئك الذين لم يكن لديهم خجل، وتدخلوا بغشِ فى[شؤون] الكنيسة. واعتزل كثيرون من الاساقفة عندما رأوا عدم عدالة خصومى، فى ديارهم تجنبا لهجماتهم كما لو كانوا إزاء حريق عام. ثم أُستُدعينا ثانية إلى المدينة والكنيسة اللتين طُرِدنا منهما بغير عدلٍ. وقدِم إلينا ثلاثون اسقفا. وأرسل ملكنا الموقر إخطارا بهذا الشأن([57]). وعندئذ ولىَّ ثيوفيلس، لسبب ما نجهله، هاربا مثل عبد آبق.
”ولدى دخولنا إلى المدينة ثانية، إلتمسنا من الملك الجزيل التقوى الدعوة إلى مجمع مقدس لتوقيع القصاص المضبوط على كل ما جرى. وإذ شعر بذنبه وخشى من الإدانة، عندما صدرت الرسائل الملكية إلى سائر العالم وتجمَّع [أساقفة] سائر الايبارشيات من سائر الأنحاء، فر سرا فى جوف الليل واستقل قاربا، وأقلع هو وكل حزبه.
ومع ذلك، لم ندع المسألة تنتهى [بهذا] لثقتنا فى سلامة ضميرنا، فجددنا مطالبتنا للملك الجزيل التقوى، فسلك وفقا لتقواه وأرسل مبعوثا إلى ثيوفيلس آمرا إياه بالعودة فورا من مصر مع كل أتباعه. ليُقدّم حسابا عن كل ما جرى وألاَّ يظن أن أعماله الشائنة التى أُتُخِذت فى غيابنا بناء على السماع من طرف واحد فقط، وضدا للعديد من القوانين، هى كافية لتبرئته. ولكنه لم يبال بالرسائل الملكية، وظل قابعا فى داره متعللا بإحتمال[حدوث] شغب من الشعب وإندفاع مؤسف من جانب اتباعه ومؤيديه من [فرط] حماسهم. على الرغم من أن هذا الشعب ذاته قد لامه قبل وصول رسائل الملك، ولكننا لن نتناول هذه النقطة الآن لأننا نهدف فقط إلى توضيح أن أعماله كانت تثبت إدانته. ومع ذلك، حتى بعد هذا لم نصر فى راحة، بل أصرينا على مطالبتنا بمحاكمة وفحص دقيق وسليم إذ كنا مستعدون لإثبات براءتنا، وإجراءاتهم الفاحشة غير الشرعية. وكان قد ترك وراءه بعض السوريين الذين شاركوه وزاملوه فى كل أعمال المأساة. وهؤلاء كنا على استعداد لمواجهتهم أمام قاضى، وألححنا مرارا فى طلبنا مطالبين إما السماح لنا بفحص دقيق للإجراءات أو على الأقل كشف دعاوى أولئك المدعين علينا وطبيعة إتهاماتهم. ولكننا لم نوهب أيا من هذين المطلبين، وطُردنا ثانية من المدينة.
"كيف يمكن أن أخبرك بما تلى ذلك، فروايته [أمر] مروع أكثر من أى مأساة!. وأى كلام يمكن أن يُعبَّر عنه، وأية آذان يمكنها الاستماع بلا قشعريرة. فبينما كنا نقدِّم الإلتماسات التى ذكرناها، غزت قوة كبيرة من الجنود الكنيسة يوم السبت العظيم([58])، عندما كان المساء قد حلّ، وطردوا كل الإكليروس الذين كانوا معنا، وحاصروا المنصة([59]) بالأسلحة. وهربت النسوة اللواتى كن فى بيوت الصلاة استعداد للمعمودية، عراة من وجه هذا الهجوم الوحشى، ولم يُسمَح لهن حتى بإرتداء ملابسهن حسبما تتطلب اللياقة النسائية. بل أُلقِىَّ الكثيرون منهن خارجا مجروحين، وإمتلأ جرن([60]) المعمودية بالدماء، واصطبغت المياه المقدسة باللون الأحمر من جراحاتهن. وحتى هذا لم يكن نهاية الرعب إذ دخل الجنود بعدئذ إلى الغرفة التى تُحفَظ فيها الأوانى المقدسة، وبعضهم لم يكن معمَّدا([61])، ونحن نعلم ذلك، واطّلع على كل ما فيها. وفى هذه الاضطرابات كان دم المسيح الأقدس([62]) يُسكَب على ملابس النساء اللواتى تحدثتُ عنهن. لقد كان ذلك بالضبط مثل غارة بربر صائدى البشر. وطُرِد الناس خارج البلد. وفر جميع العلمانيين من المدينة، رغم أنهم كانوا من [ الطبقة] العليا. وأُفرِغت الكنائس من شعبها، وطُرِد أكثر من أربعين أسقفا ممن فى شركة معنا، مع العلمانيين بلا سبب معقول. وكان صراخ وعويل ورثاء وأنهار من الدموع فى كل مكان: فى البيوت، والأسواق. فى الريف والمدن. ولم ينجُ مكان ما فى المدينة من هذه المصائب. فقد وصلت الافتراءات إلى حد لم يكن فيه الضحايا الفعليين فقط ، بل وأيضا حتى الذين لم يُعانوا مثلنا كانوا متعاطفين معنا بما فى ذلك ليس فقط شركاؤنا فى الإيمان بل أيضا الهراطقة واليهود واليونانيون([63]). فقد كان كل شىء فى حالة اضطراب وارتباك ورثاء كما لو كانت المدينة قد تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح. وكل هذه الشرور قد حدثت ضد رغبة ملكنا الجزيل التقوى([64])، تحت جنح الظلام بتحريض من الاساقفة الذين كانوا لا يخجلون من أن تتقدمهم ثُلة منهم([65]) بدلا من الشمامسة. وعند طلوع النهار خرجت كل المدينة إلى خارج الأسوار واحتفلت بالعيد تحت الأشجار فى الغابات، وانتشروا كالأغنام فى الخارج. وإننى أدعكم تتخيلون ما قد تلى ذلك، أنه كما قلتُ من المستحيل أن نتكلم عن كل التفاصيل. ومما هو عسير على نحو خاص أننا لم نر حتى الآن نهاية لكل هذه السلسلة الطويلة من الأعمال الشريرة أو حتى احتمالٍ ما لذلك، بل على النقيض ينتشر الشر فى كل يوم وصرنا أضحوكة لكل أحدٍ([66]). على الرغم من أنه فى الحقيقة لم يضحك أحدُ حتى أقسى الجناة ضد القانون، إذ أن كل واحدٍ يرثى لهذا الشكل الجديد من الإنفلات الأمنى الذى هو ذروة الشرور ذاتها. من ذا الذى يمكنه أن يتكلم عن الاضطرابات داخل الكنائس. لقد امتدت إلى الشرق، ولم تنحصر فى القسطنطينية فقط. فعندما ينتاب الرأسَ شرٌ ما فإن كل الأطراف تفسد. وبنفس الطريقة، ما أن ابتدأ الشر فى هذه المدينة العظيمة حتى وجدت الفوضى طريقها إلى كل مكان، مثل مياه من نبع. فقد ثار الإكليروس فى كل مكان ضد الأساقفة. أما شعب الكنيسة العلمانيين، فقد إنشق بعضهم إلى فريقين، وآخرون من المحتمل أن يفعلوا ذلك. وفى كل مكان تجد مخاضا للشر وعدم استقرار للعالم كله.
وفى[ضوء] كل هذه الوقائع الموضوعة أمامكم يا سادتى المبجلين، نرجوكم بالحماس والشجاعة التى نتوقعها منكم أن تضبطوا هذا الفيضان من عدم الشرعية الذى غمر الكنائس. لأن هذه الإجراءات إن صارت سابقة، عندما يكون فى سلطان كل مَن يريد، أن يغزو الإيبارشيات الأخرى مهما كان بعدها عن ايبارشيته وأن يطرد مَن يشاء وأن يفرض سلطانه حسبما يريد([67])، فتأكدوا أن كل شىء سيجرى تبعا للخارج وسيشمل العالم كله حربا حقودة([68])، وسيطرد كل واحد جاره، ثم يُطرَد بدوره. ولكى ما تُمنَع هذه الفوضى العارمة فإننا نرجوكم أن تعلنوا كتابة أن هذه الإجراءات غير القانونية، والأعمال التى تمت فى غيابنا، واستماعهم لجانب واحد فقط، بينما لم نُثِر أىَّ إعتراض على محاكمة عادلة، هى جميعها لا أثر لها. (وهذا هو بالفعل من ذات طبيعتها ومحتواها). وأن يخضع أولئك المذنبون بهذه الأعمال غير الشرعية للعقاب كخارقين للقانون الكنسى. أما بالنسبة لنا الذين لم يُقبض علينا، ولم نُدَن، ولم يُظهَر أننا مذنبون فنرجوا أن ننال رضاؤكم وخدماتكم الطيبة المعتادة([69]) ومحبتكم ومعونتكم فى كل شىء دائما. ولكن إن كان ناقضو القانون الخطيرون يرغبون حتى الآن فى إثارة الإتهامات التى على أساسها قد طردونا بلا استحقاق، فلتُقدَّم لنا المستندات ودعاوى المدعين ضدنا ولنعتصم إلى محكمة غير متحيزة. ودعونا نتقاضى، ونقدِّم دفاعنا، ونُظهِر أننا بلا ذنب، كما نحن بالفعل كذلك، من كل إدعاء موجه ضدنا لأن كل اجراءاتهم تجاوز كل نظام وقانون وشريعة كنسية. فمثل هذه الاعتداءات لم تُعرَف قط حتى فى محاكم الوثنيين. فلم يحكم أبدا الاسكيثيون والسارماتيون فى قضية ما بناء على السماع لطرف واحد فقط، ولا فى غياب المدَّعَى عليه الذى لم يعترض على المحاكمة بل على الكراهية الشخصية([70])، وعندما طلب عددا من القضاة، وأظهر براءة نفسه وكان مستعدا لإظهار براءة نفسه أمام العالم كله من كل الاتهامات وأن يُظهِر نفسه بلا ذنب تماما.
فضعوا كل هذه النقاط فى اعتباركم من فضلكم، وتحققوا بإستفاضة من إخوتنا الأساقفة الموقرين، واتخذوا الخطوات التى ترونها. وعندما تقومون بذلك لن تقدموا خدمة لنا فقط، بل لرفاهية الكنائس بأسرها، وستنالون من الله الذى لا يكف عن عمل الخير للكنائس، الجزاء الواجب.
لقد أرسلتُ هذه الرسالة أيضا إلى فينريوس Venerius اسقف ميلان وإلى خروماتيوس Chromatius اسقف اكويليا Aquileia. وداعا فى الرب".
الفصل الثالث: [ امبراطور روما يتخذ إجراءَ]
وردا على هذه الرسالة، أرسل البابا اينوسنت المبارك رسالة رسمية([71]) إلى كلٍ من الأطراف يعلن فيها أنه فى شركة معهم جميعا، ولكنه فى نفس الوقت يُبطِل الحكم المفترض صدوره من ثيوفيلس ويُقرر وجوب عقد([72]) مجمع مقدس آخر يمكن أن تتوفر فيه الثقة التامة، من الاساقفة الشرقين والغربيين، على أن يمتنع عن الحضور كل من الأصدقاء والأعداء، حيث أن أيا من هذين الصنفين لا يمكن أن تتوفر فيه، كقاعدة عامة، عدم التحيز فى الحكم.
وبعد بضعة أيام، وصل أحد كهنة ثيوفيلس [ويُدعَى] بطرس ومعه شماس من القسطنطينية [اسمه] مارتيريوس وقدَّم رسائل من ثيوفيلس، مفترضا أنها محاضر دقيقة، يظهر فيها أن يوحنا قد أُدين من قِبل ستة وثلاثين أسقفا. تسعة وعشرون منهم من مصر، وسبعة من أماكن أخرى. وقرأ البابا اينوسنت هذه المحاضر، ووجد أن الإتهامات ليست خطيرة، وأيضا لم يكن يوحنا حاضرا بشخصه وقت الحُكم عليه. فكرر إدانته لغضب ثيوفيلس الجنونى وصدور مثل هذا التصرف الشرير منه وتسرعه فى الحُكم على إنسان غائب. وصرفهما برسائل أعرب فيها عن لومه له، ملتمسا من الله بصوم وصلاة أن يُرمم الشق فى وَحدة الكنيسة، وأن يُرسِّخ المحبة الأخوية. وكانت فحوى هذه الرسالة كما يلى:
"أيها الأخ ثيوفيلس، نحن نعترف بك وبالأخ يوحنا معا كشركاء لنا، حسبما عبَّرنا عن وجهة نظرنا هذه فى خطابنا السابق. والآن، وبدون أن نحيد عن سياستنا الثابته هذه، يمكننا أن نكتب مرة ثانية نفس الرسالة على الرغم من الرسائل الكثيرة التى ربما تكون قد أرسلتها لنا. وهى أنه ما لم يكن هناك حُكم سليم يؤكد هذه الإجراءات الصبيانية، فإنه من المستحيل بالنسبة لنا أن نقطع شركتنا مع يوحنا بدون سبب معين. فإن كنتَ متأكدا إذن من حُكمك، فلتأتِ إلى مجمع مقدس يلتأم حسبما رسم المسيح([73])، واعرض هناك اتهامك جهرا فى ظل قوانين نيقية([74])(لأن كنيسة روما لا تقبل أىَّ قانون آخر)، وبذلك تقف على أرض صلدة ضد كل مماحكة".
وعندما انقضى بعض الوقت، وصل قس من القسطنطينية اسمه ثيوتيكنوس Theotecnus وقدَّم رسائل من مجمع يوحنا، من خمسة وعشرين اسقفا أو أكثر بالحرى، يُعلِموننا فيها أن يوحنا قد طُرِد من المدينة([75]) بمساعدة القوات العسكرية، وأنه قد أُرسِل إلى المنفى فى كوكوسس Cucusus، وأن الكنيسة قد أُحرِقت. فأعطاه اينوسنت رسائل شركة([76]) موجهة إلى الأسقف يوحنا، وإلى الذين فى شركة معه ملتمسا منهم بدموع التحلى بالصبر، إذ لا يمكنه أن يساعدهم بسبب عمل عدائى لأشخاص قادرين على فِعل الخطأ. وعقب ذلك بوقت قصير وصل رسول ثانى قبيح المنظر، "مانيكان"، عسر الفهم، يُدعَى باترينوسPaternus ، وقال أنه قس بكنيسة القسطنطينية، وكان فى حالة غضب شديد، وأظهر عداوته بتصرفاته([77]). فبعدما غطى الاسقف يوحنا بالإساءات، قدَّم رسائل من حفنة من الاساقفة اكاكيوس وبولس وانتيوخس Antiochusوسيرينوس Cyrinus وسيفريانوس Severianus وبعض الآخرين يذكرون فيها تهمة باطلة ضد يوحنا بأنه أحرق الكنيسة. وبدت القصة لنا كذبا ملموسا، وذلك أن يوحنا لم يُقدِّم أى دفاع فى مجمع عام([78]) وعامله([79]) البابا اينوسنت بإزدراء ورأى أنه غير مستحق لرد.
(الأسقف) لُطفا، اصغِ إلىَّ كى ما أخبرك بالحقائق المضبوطة لأننى فى الحقيقة، كما يقول آليهو لأيوب، "روح باطنى تحصرنى"([80]) وهو يعنى "بالبطن" هنا أن ذهنه ممتلىء بالكلام.
(الشماس) يجب علىَّ أن أُصر على أن أُكمِل أولا ويكل بدقة روايتى عن كل ما قد حدث بيننا أيها الأب الفاضل. وعندئذ فقط يمكننى أن طرح اسئلتى لك.
حسنُ، بعد أيام قليلة وصل اسقف([81]) سيناداSynadi ولم يكن يحمل أي رسالة، ولكنه كان مؤهلا لتقديم سرد متناغم، وقال أنه قد غادر القسطنطينية نتيجة للتهديد الوارد فى المرسوم الملكى والذى ينص على أنه إذا لم يشترك أىُ شخص مع ثيوفيلس وارساكيوس وبروفيريوس([82]) فإنه سيُحرَم من ممارسة الخدمات الأسقفية. وعلاوة على ذلك، إذا ظهر أن له ممتلكات سواء نقود أو منقولات فإنها ستُصادر منه([83]). وجاء فى اعقاب كرياكوس، إليسيوس اسقف آباميا فى بثينية، الذى قدَّم رسائل من خمسة عشر اسقفا من اساقفة المجمع المقدس ليوحنا، وكذا من آنيسيوس Anysius الجليل اسقف تسالونيكى يصف فيها الخمسة عشر اسقفا عمليات النهب التى حدثت وتحدث فى القسطنطينية، وقد صرح آنيسيوس أنه ينتظر حُكم كنيسة روما. وقد اتفقت رواية اليسيوس مع رواية كرياكوس.
وبعد ذلك بشهر حضر بالاديوس اسقف هللينوبوليس Helenopolis بدون رسائل قائلا أنه هو أيضا قد فرَّ من بطش السلطات المدنية، وكان قادرا على إضافة نقطة لروايته إذ قدَّم نسخة من المرسوم الذى يحتوى على الأمر بمصادرة "منزل أى شخص يُخفِى فيه أو يستقبل تحت أى ذريعة من الذرائع اسقفا أو كاهنا يكون فى شركة مع يوحنا". وبعد بالاديوس حضر جرمانوس([84]) Germanus القس ومعه كاسيونوس([85])Cassianus الشماس، من حزب يوحنا وكلاهما رجلان حصيفان، وقدَّما رسائل من كل اكليروس يوحنا. لقد كتبوا أن كنيستهم قد تعرضَّت لعنف واستبداد، وأن اسقفهم قد طُرِد بمساعدة القوات العسكرية، وأُرسِل إلى المنفى بمؤامرة دبرها اكاكيوس[اسقف] بيرية([86]) Berea ، وثيوفيلس الأسكندري، وانتيوخوس من بتولمايس([87])Ptolemais وسفريانوس من جابالا([88]) Gabala. وقدموا أيضا مستندا يدل على أنه قد تم استدعاؤهم كشهود على العمل امام "الماجستيريت" المدعو ستوديوس Studius "بريفكت" المدينة، ويوتيخيانوس Eutychianus رئيس الحرس ويوحنا أمين صندوق المدينة، ويوستاثيوس رئيس الشرطة، وحافظ السجلات والأشياء الثمينة من الذهب والفضة والملابس بزعم تبرئة الاسقف يوحنا من الاتهامات الموجهة إليه([89]). وبعد هؤلاء حضر ديمتريوس اسقف بسينيم Pisinum للمرة الثانية، بعد رحلة طويلة عبر الشرق، وأعلن أن كنيسة روما كانت فى شركة مع الأسقف يوحنا، كما هو ظاهر من رسائل البابا اينوسنت، وأحضر رسائل من اساقفة كاريا Caria التى يُعلنون فيها تمسكهم بالشركة مع يوحنا، وكذا من أساقفة انطاكيا، يناشدون فيها كنيسة روما المُحِبة للنظام، وينوحون على سيامة بروفيريوس بطريقة غير شرعية وآثمة. وآخر الكل حضر دومتيان القس أمين([90]) كنيسة القسطنطينية، وقس من نصيبين [اسمه] فلاجاس Vallagas الذى روى المتاعب التى لاقتها أديرة بلاد ما بين النهرين، وقدَّم مذكرة من شخص [يُدعَى] أوبتاتوس([91]) البريفكت، توضح أن نساءً محترمات من الطبقة العليا شماسات بكنيسة القسطنطينية، قد أُستُدعين جهرا للمثول أمامه وأجبرهن على إما الإشتراك مع ارسكيوس، وإما دفع مائتى جنيها من الذهب غرامة للخزانة. أما عن معاملة المتوحدين والعذارى فلا اجرؤ على الحديث، إذ يكفى فقط الإشارة إلى تمشيط الضلوع بالراك وتشويه الآذان.
ولم يستطع البابا اينوسنت أن يكبح جماح نفسه فيما بعد، فأرسل رسالة إلى الملك الورع هونوريوس([92]) يسرد فيها بالتفصيل النقاط الرئيسية الواردة فى الرسائل. فتأثر معاليه بشدة من هذا البيان، وأمر بإلتئام مجمع مقدس من الأساقفة الغربيين على أن يكون قراره بالإجماع ثم يرسله إليه. وبناء على ذلك اجتمع اساقفة ايطاليا، وإلتمسوا من الملك أن يكتب إلى أخيه وشريكه فى الحُكم أركاديوس ليأمر بعقد مجمع مقدس فى تسالونيكا. فهذا سيمكن اساقفة كلا من الشرق والغرب على الاجتماع بدون صعوبة وبكل آمان، ويمكن ضمان صدور قرار لا جدال فيه من شخصيات جيدة أكثر من العدد. وقد تأثر معاليه بشدة بهذه الرسالة، لدرجة أنه كتب إلى أسقف روما أن يُرسِل خمسة اساقفة وكاهنين وشماس من روما لينقلوا رسالته إلى أخيه. وكانت فحوى هذه الرسالة كما يلى: "هذه هى المرة الثالثة التى أكتب إليك فيها ملتمسا منكم اتخاذ التدابير لإنصاف يوحنا اسقف القسطنطينية فيما يتعلق بالمؤامرة التى حيكت ضده، وحتى الآن لم يتم عمل أى شىء كما يظهر. ولذلك أخاطبكم مرة أخرى على يد الاساقفة والكهنة بإنشغالى بسلام الكنيسة الذى يرتكز عليه سلام مملكتكم، وأحثكم على التفضل بالأمر بإجتماع الاساقفة فى تسالونيكى. وأود أن أضيف أن اساقفتنا فى الغرب قد اختاروا مبعوثين فوق مستوى أى خبث أو خداع، وهم خمسة اساقفة واثنين من الكهنة وشماس من عظماء كنيسة روما. فلتتفضل وتوليهم كل شرف جديرين به، لكى إما يقتنعوا بأن يوحنا قد طُرِد بعدلٍ ويخطروننى بقطع الشركة معه، وإما أن يتحققوا من أن اساقفة الشرق قد تأثروا عن عمد بالخبث فيحثوك على قطع الشركة معهم. ولكى ما أوضح لك فكر الغربيين بشأن يوحنا الاسقف فإننى أرفق لك هنا رسالتين من الرسائل العديدة التى بعثوها إلىَّ، وهما بذات مضمون الأخريات. وهما رسالتىَّ روما وأكويليا. ولكن ما أسعى إليه على وجه الخصوص من معاليكم، هو أن تطلب حضور ثيوفيلس الأسكندري، ولو رغما عنه الذى يُزعَم أنه هو السبب الرئيسى لكل هذه المتاعب، حتى ما يتمكن الاساقفة المجتمعون فى المجمع من البت بلا عائق فى تسوية سلمية يتطلبها عصرنا".
الفصل الرابع: [ الاسقف يبدأ روايته]
وهكذا حمَل الاساقفة القديسون: اميليوس Aemiliusمن بنفنتوم Beneventum، وسيثجيوس Cythegius وجودانتيوس Gaudentius مع القسوس فالنتنيانوس وبونيفاكيوس وآخرين رسائل اينوسنت والاساقفة الايطاليين خروماتيوس الأكويللي وفينريوس Venerius من ميلان والآخرين، ومذكرة من مجمع كل الغرب، وتوجهوا إلى القسطنطينية، على نفقة الدولة([93])، مصحوبين بالأساقفة كرياكوس وديميتريوس وبالاديوس وايليسيوس. وكانت المذكرة تفيد بأنه لا ينبغى الحُكم على يوحنا حتى يُعاد إلى كنيسته وتُرَد له حقوق الشركة، لكى ما يأخذ موضعه فى المجمع المقدس بمحض إرادته الحرة، دون أى عذر لتجاهل الإستدعاء.
ووصلوا بسلام إلى القسطنطينية، ولكنهم عادوا بعد أربعة شهور، وقدَّموا تقريرا بالإجراءات([94]) التى تُذكِّرنا بظلم البابليين، إذ قالوا "وصلنا إلى أثينا حيث اعتقلنا ضابط ما بائس، ووضعنا فى الحال تحت حراسة قائد مائة ومنعنا من التوجه إلى تسالونيكا، حيث كان من المفترض([95]) بدء مهمتهم بتقديم الرسائل إلى الاسقف آنيسيوس. واستطردوا فى روايتهم "وهكذا، وضعنا فى سفينتين وأطلقنا. وهبت علينا عاصفة عنيفة من الجنوب، وصرنا ثلاثة أيام بلا طعام، عابرين بحر ومضايق ايجة. وفى الساعة الثانية عشر من اليوم الثالث رسونا أمام المدينة، بالقرب من ضاحية فيكتور. وهنا قبض علينا سادة الميناء، وأُقتُدنا حسب أوامرهم التى لا نعرفها إلى مشارف المدينة([96])، وحوصرنا فى قلعة بتراقيا تُدعَى أثيرا Athyra بالقرب من البحر[ وتعرضنا] لتعذيب شديد([97]). فالوفد الرومانى كله[وُضِع] فى غرفة صغيرة واحدة، بدون حتى عبد يخدمنا. وكرياكوس ورفقاؤه فى أخرى. وطُلِب منا[تسليم] الرسائل ولكننا رفضنا الاستسلام لهم مصرين على أنه من المستحيل لنا كمندوبين تسليم رسائل الملك والأساقفة إلى شخص آخر خلاف الملك نفسه. وإذ ثابرنا على رفضنا، زارنا أولا باتريكيوس كاتب العدل، ثم آخرون مختلفون، وآخر الكل قائد فرقة يُدعَى فالريانوس الكبادوكى، الذى كسر أصبع الأسقف ماريانوس وانتزع رسالة الملك المختومة مع الرسائل الأخرى. وفى اليوم التالى أُرسِل إلينا رسلا، لا نعرف[ما إذا كانوا] من قِبل أفراد فى البلاط الملكى أم من قِبل آتيكوس الذى ورد تقرير عنه أنه قد اغتصب كرسى الكنيسة([98])، وعرضوا علينا ثلاثة آلاف قطعة من النقود([99]) وحثونا على قبول الشركة مع آتيكوس وعدم إثارة قضية يوحنا. فرفضنا العرض، واستمرينا فى الرجاء أنه إذا لم يكن من الممكن القيام بشىء من أجل السلام، فلا أقل من العودة بآمان إلى كنائسنا. هكذا كانت الشراسة التى لاحظناها فى نفوسهم. إذ أظهر لهم المخلِّص[ذلك] بوضوح بإلهامات متنوعة. فبولس شماس القديس ايميليوس، وهو رجل لطيف جدا وعاقل بينما كان على متن السفينة رأى، فى رؤيا، بولس الرسول يقول له "احترسوا فى مسيرتكم، ولا تكونوا كحمقى، بل كعقلاء. عالمين أن الأيام شريرة"([100]). وكان الحلم تحذيرا ضد كل المحاولات غير الأخلاقية الرامية إلى إغوائنا بالرشاوى والمداهنة لتحريف الحق. وقال الراوى، وجاء الكابتن فاليريانوس مرة أخرى، ووضعنا على متن سفينة سيئة للغاية، فى حراسة عشرين جنديا ذوى رتب مختلفة بعد رشوة الربان لكى ما يتخلص من المسافرين([101])، حسبما أُشيع، وحُمِلنا من أثيرا فى التو. وهكذا سافرنا مسافة طويلة، وكنا على وشك فقدان حياتنا، إلى أن رسونا فى لامباسكوس([102])Lampsacus . وهناك نُقِلنا إلى سفينة أخرى، وجئنا فى اليوم العشرين إلى هيدرون([103]) Hydrunفى كالابريا Calabria. أما بالنسبة للأسقف يوحنا المبارك، أو أين كان الاساقفة ديمتريوس وكرياكوس وايليسيوس وبالاديوس الذين رافقوا اساقفتنا فى مهمتهم، فإنهم لم يستطيعوا إخبارنا بشىء".
(الأسقف) والآن وقد قلتَ ما قلتَ، اعطنى انتباهك ياسيدى الموقر، واصغِ إلى ما أقوله لك، فإننى سأعرفك بالاضطرابات العامة نقطة فنقطة، تلك الجديرة بمصاحبة ساتيروس([104]) التى اتسمت بالمأساة كلها، والمصادر التى نشأ منها هذا الهذيان، والنقطة التى كان من المتوقع أن يقف عندها أعداؤنا ولكنهم لم يتوقفوا. إن منبع وبداية كل هذه المتاعب حسبما اعتقد يمكن أن يُقال أنه الشيطان الذى يكره [دوما] الخير والذى يُقاوم القطيع العاقل([105]) [الذى] للمسيح ويضايق بلا شفقة الرعاة ذوى الخبرة بأنواع شتى من العذابات، تماما مثلما كان ملك مصر يُعامِل الأطفال الذكور من اليهود، ويغوى المحتالين من الرعاة الكذبة ويخدعهم بالمتع الدنيوية. أما القنوات التى كانت تنقل هذا التدفق الكريه فهى، كما يعلم العالم كله، أكاكيوس([106]) وانتيوخس([107]) وثيوفيلس، وسيفريانوس([108]) الذين دُعِيوا بما هم ليسوا عليه([109])، وبعض الرتب الإكليريكية: كاهنين وخمسة شمامسة، بعضهم تجمعوا من النجاسة، وبعضهم عن خبث، فلستُ أعرف إن كان يُمكن للمرء أن يدعو بأمانة أمثال هؤلاء الأشخاص كهنة أو شمامسة. ثم هناك إثنان أو على الأكثر ثلاثة من البلاط الملكى الذين دعموا حزب ثيوفيلس وساندوهم بقوات عسكرية. وإلى جانب هؤلاء ثلاثة نساء معروفين جيدا، آرامل وثريات يمتلكن مالا جمعوه من الإبتزاز لفقدان خلاصهم وهن ثالبات لأزواجهن ومعكرات للسلام([110]). هؤلاء الثلاث نسوة هن: مارسا زوجة بروموتس Promotus، وكاستريثيا Castricia زوجة ساتورنينوس، وأوجرافيا Eugraphia المهووسة للغاية([111]). ومن العار جدا أن أتكلم أكثر. هؤلاء هم الرجال والنساء الذين تطفلوا فى مواضيع الإيمان والذين شكلوا من أنفسهم نوعا من فوج مخمور واتحدوا فى كراهية التعليم المسيحى ونظموا طوفانا من التدمير ضد سلام الكنيسة.
(الشماس) فهمتُ يا أبى. والآن أودُ أن تخبرنا من فضلك كما فى حضرة الله، لماذا كرهوا الاسقف يوحنا، وعلى أى اساس استمر فى إغاظة مثل هؤلاء الناس الرفيعى المستوى. ودعنا نعرف أين بدأ حياته المهنية، وكيف وصل إلى عرش اسقفية القسطنطينية، وما هى المدة التى شغل فيها هذه الوظيفة، وما هى شخصيته، وكيف توفىَّ إن كان ذلك صحيحا حسبما نسمع أنه قد رقد([112]). ففى الحقيقة الرجل يحظى بإحترام عالمى، وذِكرى شريفة. ولكننى ما زالتُ على قاعدتى فى عدم تصديق الإشاعات على عجلٍ، إلى أن يتم التأكد من صحتها مِن قِبل أولئك الذين لديهم معرفة كافية لإضفاء الثناء أو اللوم.
(الأسقف) إننى أثنى على تدقيقك يا رجل الله المحب للحق ثيودورس، ولكننى لا اوافق على التمييز الخاص بك، فقد كان ينبغى أن تكون مقتنعا(معذرة ملاحظة شخصية) من منظر شعر رأسى الأبيض([113])، ومن الوظيفة التى أشغلها، وكنتَ قد سلَّمتَ بالحق الذى وضعته أمامك، ولكن حيث أنك لم تفعل ذلك، ولكنك استشهدت للمرة الثانية بالله أن يكون قاضيا لى، فأعدنى بسماع غير متحيز على الأقل من الآن، ودعنى أهتف بأناشيدى بلا غرض. فإننى أعرف ما هو مكتوب فى الشريعة الإلهية "سيُهلك الرب جميع المتكلمين بالكذب"([114]). وعند يوحنا الرسول "الذى يكذب ليس من الله"([115]). وأيضا فى [مزامير] داوود "فليكف فم المتكلمين بالكذب"([116]). فصحيح أن الكاذب يضر الإنسان الذى يصدقه، ولكنه من الصحيح أيضا أن ذاك الذى يُصدقه يُخطىء ضد الكذاب، وذلك بإستعداده للثقة فيه. فكلاهما مذنبان على حد سواء، فعلى كلٌ منا ألاَّ يُخطِىء نحو جاره. إنها فضيلة للمتكلم أن يتكلم بالحق، وفضيلة للسامع أن يفحص الأقوال الآثمة، لأن الكتاب المقدس يقول "تأكدوا من الصيارفة"([117]) وارفضوا القطع النقدية الزائفة عن القطع النقدية الأصيلة. فعلينا ألا نقبل كل ما نسمعه لمجرد أنه يبدو صحيحا([118]) بل نزنه بشهادة الوقائع، سواء أكانت منطوقة أو مكتوبة، بضمير جيد وخوف من الله. فما أعظم الخطر الناجم من اللسان والأذنين. وهذا هو السبب الذى جعل الله الصانع الصالح، اللسانَ محروسا بشفتين، وخلفهما الأسنان كدفاع آمن ليُلطّف من نشاطه، فكما هو مكتوب " ضع يارب حارسا لفمى وبابا حصينا لشفتى لكى لا أُخطىء بلسانى"([119]) إذ هو قناة للأذنين على شكل حلزونى. إن دلالة هذا التشبيه هى أن الكلمات لا تدخل سريعا نظرا للوقت الذى تستغرقه. وهذا يكفى لفرز الحق من الباطل، والخَبث الكريه الذى ترك آثاره على الفوهة([120]). ولم تكن هذه فقط هى الأعضاء الذى وهبها الله عنايته، كما لو كانت الوحيدة التى تبدو كشِباك، فإننا نجده قد وضع ستارة على العينين كستائر النافذة لكى ما يحفظها من الإعجاب بالفجور الذى يشهد النبى عنه بالكلمات "صعد الموتُ إلى الأبواب"([121]).
س(الشماس) لو كان بحثك أيها الأب القديس يتناول موضوعات عادية، فإن مظهرك يمكن أن يكون كافيا لضمان صدق روايتك، ولكن لما كنا بصدد البحث عن الحقيقة فى مسألة تنطوى على لوم ليس بالقليل فى هذا العالم وعلى دينونة فى [العالم] الآتى، عندما يجتمع الحكام والشعوب على حد سواء أمام العرش المخوف([122])، فإننى لا اقبل، معذرة ياسيدى، شعرك الأبيض كبرهان. فإن أشرارًا كثيرين قد بلغوا سن الشيخوخة دون أن يُبيّضوا نفوسهم بالفضيلة، ولكن أجسادهم قد تجعدت بإنقضاء الزمن كمثل كهنة بابل الزائفين، وكمثل إفرايم فى أرميا([123]) الذى يؤنبه الرب قائلا "افرايم حمامة رعناء بلا قلب. ازدهر بالشيب وهو نفسه لا يعلم "([124]) وأيضا بأكثر شدة " صار افرايم خبز ملة لم يُقلَّب، وإلتهم الغرباء ثروته"([125]). ويمكننى أن أضيف مع خطر التعرض للإسهاب مَن هو ذاك الأكثر بياضا أو أكثر إعجابا به عن أكاكيوس الذى من بيرية Berea الذى تتهمه أنتَ وأصدقاؤك بأنه زعيم العصاة، وقائد الثوار فى سوء السلوك ؟. ومع ذلك كانت خياشيمه تكتظ بوفرة من الشعر الأبيض الطويل، عندما زار روما ليحضر الإعلان الرسمى بسيامة([126]) يوحنا.
(الاسقف) الآن، أعلمُ على وجه اليقين، أنك صارف يُوثق به. فإنك غير مقتنع بهيئة سطح الجلد بل تصّر على المعرفة الكاملة للإنسان الذى فى داخله. فنحن نعرف أن معابد المصريين([127]) كبيرة جدا، وعظيمة البناء ولها أحجار رائعة، ولكن فى داخلها([128]) ثعابين وقرود وكلاب يعتبرونها معبودات، بينما ربنا وإلهنا لكى ما يُعلِم صموئيل بمشيئته فى تعيين حاكم لإسرائيل أمره ألاَّ ينظر إلى هيئة وحالة الجسم المصنوع من الطين، قائلا "الله لا يرى كما يرى الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى الهيئة، أما الله فينظر إلى القلب"([129]) ومن ثم أولئك الذين يتبعون مثال الله([130]) فى كل شىء يبحثون عما يكمن تحت السطح. لذلك أثق بك بكل سرور، إذ وجدتُ ميزانك خالٍ من التحيز. فهذان البابليان اللذان كانا شيخين بالجسد ولكن اطفالا فى عقولهم الفظة، لو كانا قد آمنا بقيامة الأموات([131]) لكانا قد تحصنا بالحكمة قبل السقوط فى حب سوسنة([132]) زوجة رجل آخر, وعلاوة على ذلك لو كانا قد امتلكا مخافة الله لما اختلقا الإتهامات الباطلة المتشابكة بفجورهم. إن سوء استخدام الشباب لهو دليل أكيد على عار الشيخوخة([133]).
الفصل الخامس: [ مهنة فم الذهب]
يوحنا هذا (أجل لقد رقد)، كان حسب المولد رجلا أنطاكيا، ابنا لوالدين شريفين. كان والده([134]) يشغل وظيفة قائد عسكرى فى سوريا. وكانت له شقيقة فقط أكبر سنا منه. وكان موهوبا بهبات غير عادية، وتعلَّم بعناية الحروف([135]) لخدمة أقوال([136]) الله. وفى عمر الثامنة عشر، وهو بعد صبى، ثار ضد اساتذة[علم] الكلام([137])، وكان رجلا فى ذهنه، وكان يُسّرُ بالأقوال الإلهية. وفى ذلك الوقت كان ميليتيوس المعترف الأرمنى الجنس، هو الذى يُدير كنيسة انطاكية. فلاحظ الفتى المُشرِق، وجذبته شخصيته الجميلة بشدة لدرجة أنه سمح له بالبقاء دوما فى معيته، إذ سبقت عيناه النبويتان ورأت مستقبله. واقتبل سر غسل التجديد([138]). وبعد ثلاث سنوات من ملازمة([139]) الاسقف جُعِل قارئا([140]).
ولكن لما كان ضميره غير راضٍ بالعمل فى المدينة إذ كان الشباب ما زال حاميا فى داخله على الرغم من سلامة عقله، اعتزل فى الجبال المجاورة([141]). وهناك تعرَّف على شيخ يُدعى سيروس Syrus ([142]) كان يعيش فى تهذب ذاتى، فعزم على مشاركته فى هذه الحياة القاسية. فقضى معه اربع سنوات مصارعا مع صخور الشهوات. وعندما وجد أنه من اليسير السيطرة عليها بالعقل أكثر من الكد([143])، اعتزل فى كهف بمفرده فى اشتياق إلى أن يُخفى ذاته عن العالم، وهناك قضى اربعة وعشرين شهرا، حرم نفسه من النوم فى الشطر الأكبر منها، بينما درس عهدَىّ المسيح([144]) على النحو الذى يبدد الجهل. وانقضى عامان بدون الرقاد ليلا أو نهارا، حتى ضعفت أعضاؤه الحيوية، وتأثرت وظائف كليتيه من البرد ([145])، وإذ لم يستطع أن يُطبب نفسه، عاد إلى ميناء الكنيسة. وهنا نرى عناية المخلص فى سحبه بواسطة علته من كد النسك لصالح الكنيسة، وكيف يلزمه بهذه العقبة من اعتلال الصحة على ترك [حياة] الكهوف([146]). وبعد خدمة للمذبح لمدة خمس سنوات، سيم شماسا([147]) بيد ميليتيوس. وفى ذلك الوقت، كانت قدراته الرائعة كمُعلّم قد صارت مشهورة. ووجد الناس فى أحاديثه مرطبات حلوة لمرارة الحياة. لذلك رسمه الاسقف فلافيانوس قسا. فظل لمدة اثنتى عشر سنة نورا ساطعا فى كنيسة انطاكية، قارنًا كرامة الكهنوت بصرامة حياته. مملحا للبعض بالرصانة، ومنيرا للبعض بتعليمه، ومنعشا للبعض بنفحات الروح. وهكذا أبحر الجميع بآمان تحت قيادة المسيح. وعندما رقد المبارك نكتاريوس([148]) اسقف كنيسة القسطنطينية، اندفع على الفور حشد من الناس الذين لم يُدعَونَ للحصول على هذا المركز السامى. رجال ليسوا رجالا، وكهنة بالإسم غير جديرين بالكهنوت. وطَرق بعضهم على ابواب المسؤولين، وقدَّم آخرون الرشاوى، وزحف آخرون على ركبهم للجماهير. وانزعح العلمانيون الأرثوذكس جدا، وإلتمسوا من الملك كاهنا مختبرا. وكان الرجل الأكثر تأثيرا فى هذه الأمور هو يوتروبيوس Eutropiusالخصى([149]) رئيس خصيان المخادع الملكية، فقد كانت رغبته أن يكون يوحنا هو المسؤول عن المدينة، إذ اكتسب بعض المعرفة عن شخصيته السامية، عندما قام ببعض الأعمال الخاصة بالملك فى الشرق ذات مرة. ولذا أشار على الملك أن يُرسِل تعليمات إلى حاكم([150]) أنطاكية ليُرسِل يوحنا بهدوء من المدينة بدون إزعاج للكنيسة. وما أن تلقى الحاكم هذه الرسالة، حتى استدعاه على الفور للحضور بنفسه إلى مزار الشهيد([151]) الذى خارج المدينة بالقرب من البوابة المعروفة بإسم رومانيسيا Romanesia. وهناك وضعه فى مركبة عامة وعهد به لعناية الخصى الذى أرسله يوتروبيوس، وحراسة الماجستيريت. وهكذا وصل إلى القسطنطينية، وسيم اسقفا على كنيسة تلك المدينة([152]).
والآن، إذ لاحظ([153]) ثيوفيلس اسقف الأسكندرية، احتماله([154]) وصراحة كلامه التى بلا لوم ، كان مُعارِضا منذ البداية بشدة لرسامته([155]). إذ كان ثيوفيلس ماهرا جدا فى الحكم على الوجوه والإرادة والذهن، لأى إنسان ليس من السهل معرفته([156]).
(الشماس) لحظة واحدة يا أبى فلابد أن أثير اعتراضا طفيفا هنا. (الاسقف) ماهى الصعوبة لديك؟. (الشماس) إذا كان لثيوفيلس مثل هذه النظرة الحادة، فكيف لم يكن واعيا أنه إن طرد يوحنا من كرسيه، فإنه سيُزعج العالم كله؟. (الاسقف) ليس هناك عجب فى ذلك، يا سيدى العزيز، فحتى الشياطين يعترفون بمجىء المخلّص، ولكنهم لا يعوون أنهم سيصيرون بلا قوة بمجرد نفَس يخرج من أحد أولئك الذين آمنوا. (الشماس) وأين نجد أنهم يعرفون حضور المخلّص؟. (الاسقف) عندما صرخوا "نحن نعلم مَن أنت. قدوس الله، لماذا جئتَ لتعذبنا قبل الوقت؟".([157]). ها أنت ترى أنه لا يعرفون حتى ذلك الحين أنه ليس فقط قدوس، بل وأيضا ديَّان. ولكن بصرف النظر عن الشياطين، العاهرات البائسات تعرفن الرجال الضابطين للنفس من عيونهم، فتتجنبهم مثلما تتجنب العيون المريضة ضوء الشمس، وكما يتجنب النسر الروائح الحلوة. فكيف إذن تكون "التقوى رجس للفاسقين"، إن لم يتمكنوا من التعرّف عليها؟. هكذا كان ثيوفيلس، إذ لم يجد شيئا فى وجه يوحنا يتناسب مع عينه الخاصة، أو مع ما يود أن يجده فيه، صب عليه عداوته، من باب التخمين غير المتعمّد.
(الشماس) أنت تُدهشنى يا أبى، ولكن لماذا عارض سيامته؟.
(الأسقف) لقد كانت سياسته دائما، هى عدم سيامة العقلاء والصالحين، إلا عن طريق السهو، إذ رغب أن يكونوا جميعا أشخاصا ضعاف العقول ليُصغوا إلى حكمه الفطن. وعلى الرغم من ذلك، كان عليه، برضائه أو بدون رضائه أن يخضع للعناية المخلِّصة. وهكذا سيم يوحنا، وانهمك فى إدارة الأمور. فإهتم أولا برعيته عن طريق العزف على مزمار العقل، ولكنه فى بعض الأحيان كان يستخدم أيضا عصا التقويم([158]). وشنَّ هجوما حادا على أسلوب الحياة المسمىَّ "بالحياة الأخوية" المبيَّض من الخارج([159])، ودعاها بإسمها الصحيح "الحياة الشريرة"، فى إشارة إلى النسوة المعروفين "بالمُستقبِلات" ([160]). وأوضح أنها أشر من حراس بيوت الدعارة، إن كان هناك خيار بين الشرور. لأنهم يعيشون بعيدا عن الاشراف الطبى، ويحتفظون بالمرض فى أنفسهم لأولئك الذين يرغبون فى ذلك. فبينما يعيش "الإخوة" داخل ورشة عمل الخلاص، يدعون الأصحاء إلى المجىء للإصابة بالمرض. فسبَّب ذلك سخطا كبيرا لأولئك الإكليروس الذين كانوا بدون محبة لله، وملتهبين بنار العاطفة. وكان الإجراء التالى ضد الظلم والبخل الذى هو عاصمة الشرور، ليُشيّد مسكنا للبر. فهذه هى سِمة الحكمة لمُعلِّمى البناء، هدم المساكن الباطلة أولا ثم وضع اساسات الحق، كما قيل فى النبى "لقد أقمتك على شعوب وممالك، لتقلع وتغرس، لتهدم وتبنى"([161]). التعبير الأول يشير إلى عمله كفلاح، والثانى يُشير إليه كبنّاء. ثم أزعج عبدة المَحَافظ، وقوَّم نمط حياتهم، وحثهم على القناعة بدخولهم الخاصة، وعلى ألاَّ يلهثوا وراء رائحة الثروة. إن متابعة الدخان مثل حاملى الشعلة، يعنى تسليم ذواتهم لنيران الترخيص[بذلك] وهذه هى نتيجة حياة المتملقين والطفيليين. وعندئذ انطلق الكثيرون من النهمين من جحورهم، وقدَّموا اتهامات باطلة. وشاركهم فى ذات المصير ذوى الخِصال الحادة. ثم فحص السجلات المالية للكنيسة، فوجد نفقات لا فائدة منها للكنيسة، فأمر بوقف هذه الهبات. وأدى ذلك إلى [تناول] مسألة مالية أخرى، وهى نفقات الاساقفة فوجدها بذخا غير عادى. فأمر بتحويل مبالغ كبيرة لإنفاقها على المستشفيات([162]). ولما كانت الحاجة إلى العلاج كبيرة جدا، أمر بتشييد المستشفيات، وعيَّن لها إثنين من الكهنة الأتقياء، وأطباء مهرة، وعمالا طيبين من بين المكرسين لمساعدتهم، حتى متى جاء غريب إلى المدينة، وانطرح فى مرض يمكنه أن يجد الرعاية الطبية. ومثل هذا العمل لم يكن صالحا فى ذاته، بل كان أيضا لمجد المخلِّص([163]). ثم استدعى العضوات اللواتى على رتبة الأرامل([164])، وأجرى فحصا لحالات سوء السلوك. فوجد بعضهن مولعين للغاية بالأمور الجسدانية، فنصحهن إما بممارسة الصوم والإحجام عن[إرتياد] الحمَّامات([165])، وعن المغالاة فى الملابس، وإما القيام بزواج ثانى لأن شريعة الرب لا ينبغى أن يُساء سمعتها. ثم شجع الشعب على المشاركة فى الصلوات الليلية([166]) التى تُقام اثناء الليل([167]) إذ لم يكن لدى الرجال وقت أثناء النهار، بينما كان على زوجاتهم البقاء فى البيت وتلاوة صلواتهم نهارا. كل ذلك ضايق الإكليروس الأقل جدية الذين اعتادوا النوم طوال الليل. ثم استل سيف التقويم ضد الأغنياء، طاعنا خرَّاجات نفوسهم، ومُعلِّما إياهم اللطف تجاه الآخرين. ولقد انتهج فى ذلك نهج الوصية الرسولية لتيموثاوس "اوص الأغنياء فى هذا الدهر ألا يستكبروا وأن لا يثقوا فى ثروات غير يقينية"([168]). ونتيجة لهذه الإصلاحات أثمرت الكنيسة يوميا زهورا أكثر وفرة وتغيرت لهجة([169]) المدينة كلها إلى التقوى، وابتهج الناس بترنيم المزامير والإعتدال. ولكن الشيطان الذى يكره كل خير لم يكن ليسمح لأولئك الذين كانوا تحت سلطانه أن يلهجوا بكلام الرب بواسطة تعليم يوحنا، إلى حد أن رواد ميادين سباق الخيل والمسارح قد هجروا بلاط الشياطين، وهرعوا إلى حظيرة([170]) المخلِّص. من فرط محبتهم لمزمار الراعى الذى يُحب قطيعه.
الفصل السادس: بداية المتاعب
ونتيجة لذلك استولى الحسد على عقول الرعاة الأُجراء الذين كانوا ضمنيا مُدانين. ولما كانوا لا يستطعيون الحصول على افضل منه إذ لم يطلبوا المخلّص مهلك الحسد، نشروا افتراءات متنوعة ضد يوحنا، وجعلوا بعض عظاته تلميحات ضد الملكة والبلاط الملكى([171]). والآن، حدث أن أكاكيوس اسقف بيرية قد قام فى هذا الوقت بزيارة له. ووفقا لكلامه الخاص، لم يوّفر له محل إقامة لائق. فإستاء جدا من هذا، واستشاط سخطا مما اعتبره إهانة له من يوحنا. وإذ كان غير قادرٍ على ضبط مشاعره، انغمس فى نكتة حمقاء "من فضلة قلبه"([172]) تلائم عقله الكبير([173])، وقال فى حضور بعض اكليروس يوحنا "إننى سأتبِّل له الوعاء". وعلى الفور، ضم إلى صفه سيفريانوس وانتيوخوس واسحق سيرسكوس Syriscus [وهو] زعيم الرهبان الدجالين([174])، ووغد غرار قضى كل وقته فى الإساءة للأساقفة. هؤلاء الوجهاء بحثوا عن أسلحة([175]) ضد يوحنا، ولكنها كانت فى الحقيقة ضد المخلّص. فأرسلوا أولا إلى انطاكية محاولين العثور على أية جرائم شبابية له. ولكن عندما فشلت مساعيهم ولم يجدوا شيئا، ارسلوا رسلا إلى الأسكندرية، إلى ثيوفيلس المجرَّد من المبادىء والمعروف "بديك الريح"([176])، وهو ماهر جدا فى اختلاق مثل هذه الأشياء.([177]) ففتح فى الحال دفاتر عقله بسائر[حِيل] تلصص اللص، وشرع فى العثور على أية ذريعة أيا كانت لإتخاذ موقف.
(الشماس) فلتًوقف سيل كلامك[لحظة] يا أبى قبل أن أنسى ما ورد على ذهنى ودعنى أقول لك أن تهمة قد وصلت إلينا من الأسكندرية، وحازت قبولا على نطاق واسع. وهى أن يوحنا قد قبِل فى الشركة بعض الإكليريكيين الذين حرمهم ثيوفيلس. فضايق هذا العمل غير الصائب ثيوفيلس. وبناء عليه صار فى عدم وفاق مع يوحنا، وشرع فى العمل ضده.
(الاسقف) كونها صارت رواية على نطاق عام، فهذا صحيح، [ولكن] هل يعالج اسقف الشرَّ بالشر؟. وماذا إذن عن قول الإنجيل "لا تدع الشمس تغرب على غيظك"([178])؟ أو كلام الرسول "اغلب الشرَّ بالخير"([179]) أو قول النبى "إن جازيتُ مَن صنعوا شرا معى بشر"([180]). فبكل تأكيد كان الأمرُ سيكون أكثر نبلا له فى معاملته مع الاساقفة الأتقياء، أن يقول أيها الأخ يوحنا لقد فعلتَ سهوا هذا أو ذلك، وكان يوحنا سيكون قادرا على الدفاع عن نفسه بأنه لا يعلم شيئا عن هذه المسألة([181]).
(الشماس) هذا صحيح شريطة كون إرادته خيّرة، وأنه لم يكن متهما بإنحيازه لهؤلاء الإكليريكيين لكى ما يُشبع عداءه الخاص.
(الاسقف) إذن بخوف من الله الذى يسود على سائر المخاوف، أقسم أننى لن اتكلم بكلمة لا تتفق مع الواقع فيما يتعلق بهؤلاء الإكليريكيين الذين تتحدث عنهم. كان هناك شخص[ يُدعَى] ايسيذورس([182])، وهو أحد الكهنة الذين رسمهم المبارك اثناسيوس العظيم، وهو لا يزال على قيد الحياة، وفى الثمانين من عمره([183]) ومعظم شعب روما يعرفه حيث زار المدينة لأعمال كنسية. وهو مشرف([184]) بيت ضيافة كنيسة الأسكندرية. وأنت نفسك تعرفه عندما جاء مع أكاكيوس لينقل إعلان تثبيت الشركة([185]) بين فلافيان وثيوفيلس ([186]) بعد انقطاع دام عشرين سنة بسبب المبارك ايفاجريوس ([187]) الذى حارب حروبا كثيرة من أجل خير الكنيسة، من خلال أتعابه. [وحدث] أن أرملة أحد عظماء المدينة قد أعطت ايسيذورس ألف قطعة من الذهب([188]) وألزمته بقسَم أمام مائدة المخلّص([189]) بشراء ملابس للنسوة الفقيرات بالأسكندرية. ولم يُطلِع ثيوفيلس بذلك خشية أن يستولى على المال ويُنفقه على الأحجار([190]). إذ أن ثيوفيلس كان مولعا مثل فرعون بالمبانى الحجرية([191]) التى لا تحتاجها الكنيسة. لا عليك الآن، فإننى أود أن آتى إلى النقطة الخاصة بإيسيذورس. أخذ ايسيذورس النقود وأنفقها لصالح النسوة الفقيرات والأرامل. وعلِم ثيوفيلس على نحو ما إذ لا شىء عُمِل أو قيل يُمكن أن يغيب عنه من خلال عصبة أفراد جواسيسه ولن ندعوهم بأى شىءِ آخر. فإستدعى ايسيذورس وسأله بكياسة ظاهرية عما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة. فلم يُنكِر ايسيذورس ذلك، وروى له تناوله لهذه المسألة. ولمَّا سمع ثيوفيلس ذلك تغير سلوكه. فذاك الذى كان لطيفا منذ لحظة وهو يستعلم عن الأمر، انتفخ كل جسده بالغضب، وتغير مظهره بشدة عندما وصل رد ايسيذورس إلى أذنيه. ولكنه احتفظ بهدوءه لبعض الوقت، مثل الكلب الذى يعضك عندما لا تكون محترسا، إذ جمع عقب ذلك بشهرين كل الإكليروس، وقدَّم أمامهم مستندا وقال فى حضور ايسيذورس، لقد وصلتنى هذه التهمة ضدك يا ايسيذورس قبل ثمانية عشر عاما ولكن إذ كنتُ مشغولا جدا، نسيتُ الأمر تماما ولما كنتُ أبحث عن بعض الأوراق الأخرى، وجدتُ هذا المستند الذى يعنيك، فما هو دفاعك؟. وكانت الورقة تشتمل على إتهام بالسدومية. فبدأ ايسيذورس دفاعه قائلا لثيوفيلس: على فرض صحة استلامك لهذه الورقة وأنها سقطت من ذاكرتك الخاصة أيضا، هل الرجل الذى قدَّم هذه الورقة جاهز لإعادة التحقيق؟. فأجاب ثيوفيلس: لا فالغلام لم يظهر إذ كان بحاراً. [فقال] ايسيذورس عندئذ: إنه لم يظهر، كما تقول يا بابا فى الوقت الراهن. فهل لم يظهر بعد رحلته فى السنة التالية، أو فى سنة بعد ذلك؟!. وحتى الآن، ليس الوقتُ متأخرا للغاية. فإن كان هنا، قُل له أن يتقدم.
وإذ وجد ثيوفيلس نفسه قد تعرّض عندئذ لمذلة فى مواجهة الحقيقة الفعلية، أرجأ التحقيق إلى يوم آخر. وبواسطة وعود كبيرة أحضر صبيا ليتهم ايسيذورس، معطيا إياه رشوة خمسة وعشرين قطعة ذهب، على ما قيل، سلَّمها لأمه فى الحال. ورفضت الأم قبول المبلغ، إذ خشيَّتْ أنه لو أُتُهِّم ايسيذورس زورا قد يلجأ إلى الماجستيريت([192]) فإرتعدت جزئيا من الفكر والعين غير المتحيزة، وجزئيا من الخوف من قوانين الأرض. فجاءت وأخبرت ايسيذورس بالقصة كلها، وأرته القطع النقدية التى قالت أنها قد تلقتها من شقيقة ثيوفيلس كمكافأة ضد البرىء([193]). وقد دفعت[هذه] المرأة([194]) الغرامة الواجبة على خطاياها الكثيرة، وعلى هذه الخطية بالذات إذ ماتت إثر عملية جراحية فى الثديين. وطوال هذا الوقت بقى ايسيذورس فى المنزل متضرعا إلى الله. أما الصبى فمن خوفه من القوانين جزئيا، ومن فكره فى غضب ثيوفيلس فى حال فشله، فقد فرَّ إلى حماية الكنيسة الفعالة، ولجأ إلى المذبح([195]). وهكذا عند إثارة المزاعم، لا يُصغَى قط إلى الحق. وأعلن ثيوفيلس طرد ايسيذورس من الكنيسة، وذلك لإخفاء شره الخاص. وانتبه ايسيذورس عندئذ لئلا يتخذ ثيوفيلس فى غضبه المتزايد اجراءات ضد سلامته الشخصية، لأنه بكل المعايير ذهب إلى أبعد الحدود. فتوجه بكل سرعة إلى جماعة رهبان جبل نيتريا([196]) حيث قضى شبابه، ومكث فى قلايته، وشغل نفسه بالصلاة إلى الله الطويل الأناة([197]). وفى نفس الوقت إذ كان ثيوفيلس يشعر بالشك والريبة فى انتصاره، أرسل رسائل إلى الاساقفة المجاورين، آمرا بطرد بعض الرهبان المتقدمبن ورؤساء الأديرة من الجبل والصحراء الأبعد، دون إبداء أسبابٍ لذلك. فنزل هؤلاء الرهبان مع كهنتهم إلى الأسكندرية وطلبوا من ثيوفيلس أن يبين لهم أسباب الطرد. فحملق فيهم ثيوفيلس كوحش بعيون محتقنة بالدم، وصرخ كثور بأعصاب لا يُسيطر عليها. فكان يغضب لحظة، ويصير شاحبا فى أخرى، ثم يبتسم ساخرا فى ثالثة. وأخذ لفاح([198]) امونيوس([199]) العجوز من فوق كتفيه، ولفَّه حول رقبته ولكمه بيده على وجهه جاعلا أنفه ينزف من لكمته الشديدة، وصرخ "احرم اوريجينوس" أيها الهرطوقى. وكانت النقطة الوحيدة المقدَّمة فى الإلتماس نيابة عن ايسيذورس. وهذه هى نتيجة الطباع السيئة وأعمالها وكلماتها كمثل الجراء المولودة عمياء. وهكذا عادوا ملطخين جميعا بالدماء إلى أديرتهم دون أن يتلقوا إجابة. واستمروا فى حياتهم المعتادة من التقشف، وشحذوا قواهم الطبيعية بدراسة الكتب المقدسة التى بها ننال الخلاص. وفكروا قليلا فى جنون الرجل لأنهم كانوا واعيين ببراءتهم الخاصة.
الفصل السابع: ثيوفيلس والرهبان وفم الذهب
ولم يقنع ثيوفيلس بهذا، بل أرسل إلى الأساقفة المجاورين، وعقد مجمعا كنسيا لإدانة الرهبان دون أن يستدعيهم للدفاع عن أنفسهم أو يدعهم ينطقون بكلمة واحدة. وأعلن طرد ثلاثة من أبرزهم إذ خاف أن يُصدِر حُكما بعقاب كل الرهبان فى آن واحد، مدعيا عليهم بالمروق عن العقيدة. وكان هؤلاء الرجال [الثلاثة]، هو نفسه قد كرَّمهم فى كثير من الأحيان عن الأساقفة، كمعلمين لحياتهم ولمواهبهم فى الكلام ولطول مدة عبادتهم. ولم يخجل من أن يدعُوهم محتالين، وذلك بسبب موقفهم مع ايسيذورس. وأردف هذا الإعلان بترقية خمسة "مانيكانات" من جبل نيتريا نفسه، يؤلمنى أن أقول أنهم كانوا مخلوقات لا تصلح حتى لحفظ الأبواب، إذ لم يكن لهم موضع قط فى مجمع الكبار للصحراء. فرسم أحدهم اسقفا، وإذ لم تكن له مدينة أقامه على قرية صغيرة. ولما كان بلا وازع إزاء هذه الأعمال الثورية، دعا نفسه موسى الثانى. ثم رسم آخر قسا ثم ثلاثة شمامسة. وهؤلاء [الأربعة الآخرِين] لم يكونا مصريين ولكن من أقطار مختلفة: واحد من ليبيا، وواحد من الأسكندرية([200])، وواحد من فارانا([201]) Pharana ، وواحد من البارالوس([202]) Paralus. وإذ لم يكن لهم أى أمل فى عمل أى شىء فى بلدانهم الأصلية، سقطوا فى هذه الإجراءات السخيفة. ثم أقنعهم بعد ذلك بتقديم مذكرات ضد الاساقفة([203]) المطرودين الثلاثة، بتلفيق هذه التهم[التى أثارها] وكان دورهم فقط هو التوقيع. وإذ عملوا ذلك، قبِل منهم هذه المذكرات فى حضور الكنيسة كلها ثم أرسلها إلى الحاكم [الذى] تحت التاج([204])، وأرسل إليه ممثلا عنه بإسمه كرئيس اساقفة ايبارشية مصر([205])ضدهم، بمذكرة تحريم زائفة مطالبا بطرد [هؤلاء] الرجال بمساعدة القوة العسكرية من كل مكان فى مصر. وإذ تسلح بأوامر الحاكم، أخذ معه قوة عسكرية لتغطية أعماله، وجمع حشدا من الرعاع الذين لا يكترثون بالكرامة بشىء، وهجم على الأديرة فى عز الليل، بعدما أسكر([206]) رفاقه الشبان. فأولا أمر بطرد شقيقهما القديس ديوسقورس أسقف الجبل عن كرسيه. فجره بالفعل العبيد الأحباش، غير المعمَّدين على الأرجح، بعيدا([207]) خلال السوق، واستولوا على كرسيه([208]) الذى كان فى حوزة مدينة ديوسقورس منذ مجىء المسيح. ثم داهم الجبل بعد ذلك، واستولى على ممتلكات الرهبان، [وأعطاها] لشبانه. وعندما جرَّد القلالى، بحث عن الاساقفة الثلاثة([209]) الذين كانوا قد إختبأوا فى بئر، ووُضِع فوقه بوص. وإذ لم يستطع العثور عليهم، أحرق قلاليهم بالنار بكل ما فيها من نسخ من كتُب مقدسة قانونية([210]) وكتابات أخرى قيمة، وأيضا صبيا(كما قال شهود عيان)، وعناصر مقدسة ([211]). وعندما نفثَّ عن غضبه الذى لا معنى له بهذا الشكل، نزل ثانية إلى الأسكندرية. فأعطى بذلك فرصة للرجال القديسين للهرب. فأخذوا ملوطاتهم([212])، وفروا إلى فلسطين، إلى إيليا([213]) بصحبة ثلاثمائة راهب من خيرة رهبان الجبل، وجماعة من الكهنة والشمامسة. وتشتت الباقون فى أماكن مختلفة بالخارج. ولم تحتمل الحية الزاحفة بين الطرق الملتوية تمتعهم بالحرية، فهيَّجت مرة ثانية ثيوفيلس ضدهم حتى غلِىَ من الغضب. فكتب رسائل إلى اساقفة فلسطين كما يلى: "ينبغى عليكم ألاَّ تقبلوا هؤلاء الرجال فى مدنكم ضدا لحكمى. ولكن إذ فعلتم ذلك عن جهل فإننى أعذركم، وانتبهوا لذلك فى المستقبل حتى لا تقبلوهم سواء كنسيا أو فى بيوتكم الخاصة". ولم يقل [ذلك] فقط بكبريائه المفرط، بل تصوَّر أنه بالفعل إله([214]). ووصل هؤلاء الفارين البؤساء بعد تنقل متواصل من مكان إلى مكان، إلى العاصمة([215]) فى أسى شديد، عندما كان الاسقف يوحنا قد تُوِّج بيد الله الصالح للرعاية الروحية لقادتنا. وانطرحوا عند قدميه سائلين إياه مساعدة النفوس المُفتَرى عليها، والتى نُهِبَت بواسطة أناس اعتادوا جيدا [فعل] هذا الأمر عن فِعل الخير. ووقف يوحنا ورأى خمسون رجلا من الدرجة الأولى يرتدون ملابسا رمادية([216]) مع كدهم المقدس. وبإحساس من المحبة الأخوية العميقة، تأثر بشدة، وانفجر فى بكاء، وتساءل أى خنزير برى من الغابات أو وحش مارق قد ألحق هذا الأذى بالكرمة المثمرة. فأجابوا تفضل بالجلوس يا أبى ولتعطينا ضمادات لجراحات نفوسنا الناجمة عن هيجان البابا ثيوفيلس ولنر ما إذا كان يمكنك تضميد جروحنا البليغة، وحتى إن لم تولينا أىَّ إهتمام من [ باب] احترامك لثيوفيلس أو خشية منه، مثلما فعل الأساقفة الآخرون، فليس هناك شىء يمكننا القيام به سوى أن نذهب إلى الملك ونُعلِمه بسوء سلوك هذا الرجل، الأمر الذى يسيء إلى سمعة الكنيسة. فاقبل إلتماسنا واقنعه بالسماح لنا[ بالإقامة] فى دارنا بمصر. فنحن لم نرتكب أية معصية سواء ضد شريعة المخلِّص، أو ضد البابا نفسه.
واعتقد يوحنا أنه ليس من الصعب تغيير المشاعر الانتقامية من جانب ثيوفيلس نحوهم، فأخذ على عاتقه هذه المسألة بسرور. وطلب من الرجال الصمتَ محبة لله، وألاَّ يُخبِروا أىَّ أحدٍ لماذا هم هناك، إلى أن يُرِسل كلمة إلى أخيه ثيوفيلس. وأعطاهم مخادع فى كنيسة القيامة([217])، ولكنه لم يزودهم بأىٍ من ضروريات الحياة. فوفَّرت لهم بعض النسوة التقيات طعاما، ودبَّروا هم إحتياجاتهم بكد أياديهم.
وحدث أن كان هناك فى ذلك الوقت بعض من اكليروس ثيوفيلس فى القسطنطينية كانوا قد جاءوا لشراء ترقية من الحكام المُعيَّنين حديثا([218]) لمقاطعة مصر، ولكى ما يقدِّموا معروفا له فى تنفيذ خطته لتدمير أولئك الذين ضايقوه.
فإستدعى يوحنا أولئك الرجال، واستعلم منهم عما إذا كانوا يعرفون هؤلاء الزاهدين الذين كانوا فى المدينة، فأعلنوا صراحة عن حسُن خُلُق هؤلاء الرجال. وقالوا ليوحنا "نحن نعرفهم، وفى الحقيقة قد عومِلوا بعنف شديد. فمن فضلك ياسيدى أُرفض شركتهم فى الإحتفال الروحى([219]) حتى لا يتضايق البابا، ولكن تعامل معهم بلطف فى كل شىء آخر. وهذا هو ما يُتوَقّع منك كأسقف". وهكذا لم يسمح لهم يوحنا بالشركة، لكنه كتب إلى ثيوفيلس طالبا منه بكل لياقة وكياسة، كإبن لثيوفيلس وأخ أن يتعطف ويقبل الرجال بين ذراعيه كأطفال صِغار. فرفض ثيوفيلس القيام بهذا المعروف ليوحنا، وأرسل إليه أشخاصا مُعينين ضلعين فى الجدل اللفظى، وهم الرجال الذين ذكرناهم توا، وأمرهم أن يُقدّموا ما يلزم. وكالعادة، أملى عليهم بنفسه بيانات كاذبة بإعتراف الجميع، وغلفها بكل أنواع الإفتراءات([220]) بالنسبة لحالة هؤلاء الرجال الروحية، إذ لم يكن لديه ما يُقدّمه عن حياتهم الخارجية. وهكذا نعتهم فى القصر كضالين.
وإذ شعر النساك أن ثيوفيلس قد [بلغ] من العناد حدا لا يُمكن أن يثوب إلى رشده، وأنه يَكنُّ مرارة شديدة نحوهم، ارسلوا مندوبين عديدين إليه، معلنين أنهم يحرمون سائر العقائد الخاطئة، وقدموا إلتماسا إلى يوحنا يُفصلون فيع انواع العنف المتعددة التى عانوا منها وبضعة نقاط محددة من الشكوى، أخجل من الكلام عنها فى حضور هؤلاء الشباب لئلا تهتز ثقتهم فى روايتى، وربما الأكثر خبرة من المسيحيين لا يُصدقوننى. فحثهم يوحنا ثانية، بشخصه وعن طريق اساقفة آخرين على اسقاط الإتهامات الموجهة ضد ثيوفيلس بالنظر إلى الأذى الذى ستتسبب فيه هذه الدعوى. وكتب إلى ثيوفيلس[قائلا] "لقد وصلوا إلى اقصى حد، وهو أنهم حرروا دعوى رسمية ضدك. وإننى أترك لك الأمرَ للتعامل معه حسبما ترى أنه أفضل، لأننى لا أتمكن من إقناعهم بمغادرة العاصمة".
وهنا اشتعلت نيران الغضب فى ثيوفيلس، فأوقف شقيق الرهبان، الأسقف ديوسقورس، الرجل الذى شاخ فى خدمة الكنيسة، عن الخدمة فى كنيسته الخاصة. وكتب إلى يوحنا "أرى أنك غيرَ واعٍ بترتيب قوانين نيقية، التى نُصَّ فيها على أنه لا يجوز لأسقف ما ممارسة إشراف خارج حدود[ايبارشيته]. فإذا كنتَ تعرف ذلك فدع هذه الإتهامات ضدى لى[أنا] بمفردى. وإن كانت هناك أية حاجة لمحاكمتى فلتكن أمام قضاة مصريين، وليس أمامك وأنت على سفر خمسة وسبعين يوما"([221]).
الفصل الثامن: [الطرد الأول لفم الذهب]
واستلم يوحنا الخطاب ولكنه احتفظ به لنفسه، وناقش تدابير السلام مع نساك كلا الطرفين. وكان كلاهما فى غاية الحنق مما قيل لهم. المنفيون لِما عانوه من معاملة استبدادية، وغيرهم لأنهم لا يملكون القدرة على صُنع السلام بدون ثيوفيلس، إذ كانت الدعاوى الزور قد قُدِّمت بُناءً على أوامره. فكان أن صرف يوحنا ذهنه عن هذا الموضوع إلى أن يجد ردا عليه.
وهنا انسحب الرهبان المتضررون، وحرَّروا عريضة مطوَّلة يتهمون فيها رسميا الرهبان الآخرين بالتشهير بهم، وأيضا [يتهمون] ثيوفيلس بكل شىء. وفى الحقيقة، بكل ما يعرفه كلُ واحدٍ منهم عنه. وإلتمسوا من الماجستيريت الإقتراب من الملكة فى مزار الشهيد يوحنا[المعمدان]، سائلين إياها أن تُفحَص قضية الرهبان محل النزاع أمام البريفكتس prefects، وأن يتم استدعاء ثيوفيلس ولو رغما عنه لمحاكمته أمام يوحنا. وقُدِّم الإلتماس، وكان الجواب أن يُستَدعَى ثيوفيلس أمام قاضى التحقيق سواء شاء أو لم يشأ، وأن تُجرَى محاكمته أمام يوحنا. وعلى رهبان ثيوفيلس أن يُثبِتوا إتهاماتهم ضد القديسين الطاعنين فى العمر، وإلاَّ يدفعون غرامة الإتهام الباطل.
وهكذا أُرسِل الكابتن([222])(المتقاعِد) إلافيوسElaphius إلى الأسكندرية لإحضار ثيوفيلس، بينما نفذَّ القضاة بقية جواب الملكة. وأُجرِيَت التحقيقات، وكانت النتيجة غير حاسمة. ولكن إذ كانوا مازالوا مهددَّين بسيف القانون اللامع، خاف الرهبان التعساء من الحُكم الممكن[صدوره] فأرجأوا المسألة إلى حين حضور ثيوفيلس، على أساس أنه هو الذى أملى عليهم العرائض فوضعهم المسؤلون فى الحبس إلى حين وصول ثيوفيلس مع رفض أية كفالة فى ظِل ظروف القضية. وقد ظل بعضهم فى الحبس إلى أن ماتوا بسبب بطء تحرك ثيوفيلس ([223])، بينما حُكِم على آخرين، فى التحقيق النهائى، بالسجن فى بروكونسيس([224]) Proconnesus على الإتهامات الخبيثة إلى أن وصل ثيوفيلس فى وقت لاحق مسرعا لمعالجة الأمر.
وهكذا، وصل إلى القسطنطينية مثل خنفساء محمَّلا بروث مصر أو الهند ذاتها، متعطرا بروائح عطرة لكى ما يُغطى بها الغيرة النتنة، ودخل المدينة فى منتصف النهار فى اليوم الخامس من الأسبوع([225]) وهلل له غوغاء البحارة([226]). وهكذا كان الشرف المخزى الذى كان عليه أن يحمله، المجد الذى تكلم عنه الرسول منذ زمن بعيد [قائلا] "مجدهم فى خزيهم" وأضاف "المهتمين بالأرضيات"([227]) وجعل إقامته "فى خيام الخطاة"([228]) وتجنب الكنيسة متناسيا قول داود "اخترتُ أن أُطرَح على باب بيت إلهى، عن السكن فى خيام الأشرار". وعلى مدار ثلاثة أسابيع كاملة لم يُجرِ أية محادثة قط مع يوحنا([229]) حسبما هى العادة بين الاساقفة، ولم يقترب قط من الكنيسة، بل ربط عداءه القديم([230]) بعدائه الجديد([231]) ، وقضى نهاره وليله فى جهود لطرد يوحنا الاسقف ليس فقط، من الكنيسة بل حتى من الحياة نفسها. فأغدق الأموال لشراء المعضدين للخرافات([232]) ضد الحقيقة، من بين السلطات الحاكمة. جاعلا الشرهين عبيدا له بواسطة موائده الوفيرة ([233]). وعلاوة على ذلك، اكتسب لصفه بالمداهنة والوعود بالترقية الدجالين من الإكليروس. وبعدما وضع كل هؤلاء فى قيود من المتعة لا فى الملبس كمثل بعض الشياطين، وسحر ملَكَة التمييز فى نفوسهم، فتش عن رجال شياطين ليكونوا بديلا له فى اللعبة، ونجح فى العثور على ما يُريد. فقد كان هناك شماسان، كان الأسقف يوحنا قد طردهما من الكنيسة بسبب جرائم جنائية. فإستغل حالتهما وأقنعهما بتقديم دعاوى ضد يوحنا، واعداً إياهما بإعادتهما إلى وظيفتيهما. وكانت جريمتيهما القتل والزنى على التوالى. وقد حقق وعده لهما بعد نفى يوحنا، وأعادهما إلى أماكنهما لأنهما قدَّما الدعاوى التى أملاها ثيوفيلس نفسه عليهما، ولم تحتوِ هذه الدعاوى على كلمة حق فيما عدا نقطة واحدة وهى أنه نصحَ كلَّ أحدٍ أن يشرب بعد التناول قليلا من الماء([234])، أو يمص "بستليا" خشية أن يبصقوا عرضا جزءً من العناصر([235]) مع اللعاب أو البلغم. وكان قد مارس هو هذا أولا، ثم علَّم به مَن يريد أن يتعلّم الإعتناء الدقيق. وعندما تلقى ثيوفيلس العرائض عقد إجتماعا فى بيت أوجرافيا، والذى كان موجودا فيه سفريانوس وانتيوخس وأكاكيوس، وكلُ أحد آخر لديه ضغينة ضد يوحنا بسبب وعظه الوقور. لأن الأسقف الطوباوى قدَّم مثل بولس الممارسة فى تعليمه وكان يحث "جهرا وفى كل بيت"([236]) على السواء، على السلوك الكريم. وكان شديدا بصفة خاصة مع النساء اللواتى مثل أوجرافيا Eugraphia، فكان يقول لهن" لماذا تُجبرن أجسادكن فى عمركن[هذا] عندما تكُنّ بالحقيقة متفدمات فى العمر وأرامل، لكى تكونوا شبابا مرة أخرى. وتضعن ضفائر على جباهكن كمثل نساء الشوارع، وتجلبن بذلك السمعة الرديئة لكل سيدة أخرى. وتُعطون للناس انطباعا باطلا".
وهكذا، اجتمعوا معا([237]) واتخذوا خطوات رفع دعوى ضد يوحنا. واقترح أحدهم وجوب تقديم إلتماس إلى الملك والإصرار على ظهوره أمام مجمع كنسى ولو رغما عنه. وقُبِل هذا الإقتراح بالطبع، وكما هو الحال مع اليهود، كان المال يُيسر كل شىءٍ([238]).
وكنا([239]) جالسين فى صحبة اربعين من الاساقفة، فى بيت الاسقف([240])، مع الاسقف يوحنا، نتعجب كيف أن الرجل الذى كان محل محاكمة، وأُمِر بالحضور إلى العاصمة بتهم مشينة، قد حصل على مثل هذا العدد من الاساقفة، وأحدث بغتة هذا التغير فى عقول السلطات، وأدى إلى إنحراف غالبية الإكليروس. وبينما نحن غير قادرين أن نجد إجابة على هذا السؤال، قال لنا يوحنا جميعا، وهو ممتلىء بإلهام من الروح([241])، "صلوا من أجلى أيها الإخوة، إن كنتم تُحبون المسيح، ولا تدَعوا أحداَ يهجر الكنيسة التى هو مسؤول عنها، لأنه كما قال كاتب هذه الكلمات، أنا عتيد أن أُقدَّم ووقت رحيلى قد حان([242])، وسأتحمل إضطهادَا كثيرا، وأرحل عن هذه الحياة، كما أرى. لأننى أعرف مكر الشيطان فإنه لم يعد يستطيع تحمل الإزعاج من إهاناتى له. فليرحمكم الله. أذكرونى فى صلواتكم". وهكذا كان حزننا عميقا حتى أن بعضنا يدأ يبكى، وغادر آخرون الإجتماع بدموع وقلوب منكسرة. وقبَّلنا عينيه ورأسه المقدَّسة وشفتيه المباركتين. ولكنه أمرنا ونحن نتحرك هنا وهناك كنحل يطن حول خليته أن نعود إلى الإجتماع، وقال إجلسوا يا إخوة ولا تبكوا فتُزيدون من ألمى لأن الحياة بالنسبة لى "هى المسيح، والموت ربحُ"([243]). لقد قيل لى مرارا أننى سأفقد رأسى بسبب فرط صراحتى. وأظن أنكم تتذكرون، إن فتشتم فى ذاكرتكم، أننى اعتدتُ أن أقول أن هذه الحياة الحالية ما هى إلاَّ رحلة، ولن تدوم أفراحها وأتراحها طويلا. فكل ما هو أمام عيوننا ما هو إلا [أمور] عرَضيّة. فنحن ننهى بيعنا وشراؤنا، وننتقل إلى مكان آخر. فهل نحن أفضل من الآباء البطاركة والأنبياء والرسل لكى ما نمكث فى هذه الحياة إلى الأبد؟". وعندئذ أجهش أحد الصحبة بصوت عالى قائلا" كلا نحن نرثى لحالة ترملنا، وترمل الكنيسة([244]) والخلط بين الفرائض وبين أهواء أولئك الذين لا يخافون الرب، والقفز على الوظائف العليا فى الكنيسة والدولة، وحالة العجز للبوساء، والجوع فى التعليم". فضغط الأسقف المحب للمسيح سُبابته اليمنى على كف يده اليُسرى، وكانت هذه إشارته المألوفة عنه عندما يكون فى [حالة] تفكير عميق، وقال للمتحدث "لا تقل أكثر يا أخى، تذكر فقط ما قلته. لا تتركوا كنائسكم، فخدمة التعليم لم تبدأ بى ولن تنتهى بإنتهائى. ألم يمت موسى، فوُجِد يشوع؟, ألم يُنهِ صموئيل أيامه فمُسِح داوود؟. لقد رحل أرميا عن هذه الحياة، ولكن كان هناك باروخ. لقد أُختُطِف ايليا، فحل أليشع محله كنبى. وبولس قُطِعت رأسه، ولكنه ترك وراءه تيموثاوس ونيتوس وأبولس وآخرين بلا حصر".
وكان يوسيبيوس اسقف آباميا ببثينية هو التالى فى الحديث، فقال "إنه أمرٌ لا مفر منه إن حافظنا على كنائسنا، أن نضطر إلى الشركة معهم، والتوقيع على الحُكم بإدانتك". فقال القديس يوحنا "اشتركوا معهم لئلا تشقوا الكنيسة، ولكن لا توقعوا. لأن ضميرى طاهرٌ من أى فكرٍ يستوجب عزلى".
وفى هذه اللحظة، أُعلِن عن [وصول] رُسل من ثيوفيلس، فأمر يوحنا بإدخالهم. وعندما دخلوا، سألهم عن رُتبهم فأجابوا أنهم أساقفة. فطلب منهم الجلوس، وعرض أمورهم. فقالوا أن معهم فقط خطابا مطلوب قراءته بصوت عالى، لكى ما يُقرَأ. فأمر يوحنا بقرائته. فأمروا خادم([245]) ثيوفيلس الشاب أن يقرأ البلاغ، ففعل. وكان جوهره كما يلى "من المجمع المقدس الملتأم فى البلوطة(فهذا إسم المكان الذى اجتمعوا فيه، وهو ضاحية من روفينوس([246]) على الجانب الآخر من البحر) إلى يوحنا (وحذفوا لقبه الرسمى، الاسقف. فالنفس المظلمة لا ترى أبدا الأمور على ما هى عليه ولكنها تتخيلها حسبما تمليه رغباتها الشريرة). لقد تلقينا دعاوى معينة ضدك تحتوى على عدد لا يُحصى من التُهم الخطيرة ضدك. لذلك عليك الظهور ومعك الكهنة سيرابيون وتيجريوس Tigrius، للحاجة إليهما". وكان الاسقفان اللذان جاءا إلى يوحنا هما ديوسقورس وبولس، وهما شابان قد سيما حديثا فى ليبيا.
وعندما تم قراءة الرسالة، أجاب الأساقفة شركاء يوحنا ببيان صاغه ثلاثة من الاساقفة: لوبيكيانوس وديمتريوس وايليسيوس، وكاهنين هما جرمانوس([247]) وساويرس. وجميعهم رجال مكرمون وقديسون. [وقالوا] "لا تدمروا حالة الكنيسة، ولا تشقوها. [تلك] التى من أجلها ظهر الله من الأعالى فى الجسد. فكما يظهر من عملكم غير المنضبط، قد خرقتم قوانين الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا[المجتمعين] فى نيقية، وتناولتم قضية خارج حدودكم الخاصة([248]). فهل عبرتم إلينا أولا لكى ما نسمع ما تودون قوله فى هذه المدينة التى تسودها قوانين جيدة. لا تكونوا كقايين عندما دعا هابيل أن يأتى إلى الحقل([249]). فلدينا دعاوى ضدك، تحت يد سبعين كونتس، تتضمن أعمالا إجرامية ملموسة. وعلاوة على ذلك نحن مجتمعون بنعمة الله، لا لتخريب الكنيسة ولكن لأجل السلام، ونحن أكثر عددا من مجمعكم. لأن عددكم ستة وثلاثين من مقاطعة واحدة ([250]) بينما نحن اربعون ومن مقاطعات عديدة، ومن بيننا سبعة مطارنة ([251])، ومن ثم على العدد الأصغر أن يخضع للعدد الأكبر والأكثر شرفا وفقا للقوانين. وبالإضافة إلى هذا، لدينا خطابكم الذى تضغطون فيه على أخينا وشريكنا فى الخدمة يوحنا، أن لا يقبل قضايا من خارج حدوده. ولهذا عليك أن تحث الشاكين، طاعة لقوانين الكنيسة، إما أن يكفوا عن اتهاماتهم، وإما أن يقتربوا من يوحنا([252]).
وحزن يوحنا من هذا الرد، وقال للأساقفة أكتبوا أنتم ما يحسن ما فى أعينكم، ولكننى أشعر بالحاجة إلى كتابة بيان بنفسى ردا على المزاعم. وهكذا أرسل الرد التالى إلى ثيوفيلس وحزبه "إننى أُعلِن هنا، أنه إذا كان لدى أىُ أحدٍ شيئا ضدى[ الأمر الذى] لا أعرف ما هو حتى هذه اللحظة، وإن كان قد تكلم أحدٌ ضدى، وترغبون فى ظهورى أمامكم، فلتُعلِنوا جهرا أعدائى الذين امتلأوا بالحقد اتجاهى، لأنهم يظنون أنهم زهيدين. وعلاوة على ذلك، ليس لدىَّ أى مانع بالنسبة لمكان المحاكمة، على الرغم من أن المكان الملائم هو المدينة. ولكن ما أعترض عليه هو[أن يكون] القضاة هم: ثيوفيلس الذى بلغنى أنه قد قال فى الأسكندرية وفى ليكيا Lycia"أنا ذاهب لمحكمة، لعزل يوحنا". وأنا أعلم أن ذلك حقيقىٌ، لأنه عندما وصل لم يُجرِ أى إتصال بى، أو شركة معى. فإن كان قد سلك كعدو إذن قبل السماع، فماذا سيفعل فى المحاكمة؟. وبالمثل أنا أتهم أكاكيوس بقوله "إننى سأتبّل الوعاء له". أما سفريانوس وانتيوخس اللذان سيحل عليهما الحُكم الإلهى سريعا، فلا حاجة للكلام عنهما فحتى المسارح العلمانية قد وضعت أغانى بأفعالهم الثورية. لذلك أرجو منكم إن كنتم ترغبون حقيقة فى ظهورى، أن تستبعدوا هؤلاء الأربعة من قائمة القضاة، أما إن كانوا شاكين، فضعوهم فى قائمة الشهود. لكى ما أعرف كيف أستعد لمواجهتهم سواء كخصوم أو كقضاة. وعندئذ سأظهر بأى حال من الأحوال. ليس فقط أمام محبتكم، بل أمام أى مجمع مقدس فى العالم. والآن أُخطرِكم أنه مهما كتبتم إلىَّ فلن تسمعوا منى أكثر من ذلك".
وهكذا، انسحب المبعوثون. ووصل موظف عدل([253]) حاملا رسالة من الملك ومرفق بها إلتماس ثيوفيلس بعقد المجمع، وإحضار يوحنا للمحاكمة سواء أراد أم لم يُرِد، ويأمره بالإسراع إلى المحاكمة. وعندما تلقى "موظف العدل" الجواب، ظهر إثنان من كهنة يوحنا: أحدهما يوجنيوس الذى أُعطِيَت له أسقفية هيراكليا([254]) مقابل الدور الذى لعبه فى المؤامرة ضد يوحنا الاسقف. واسحق الراهب الذى كان تحت حكم بالصمت ولا أدعوه بأكثر من ذلك. وهذان قالا المجمع يُرسِل لك هذه الرسالة، تعال إلينا ودافع عن نفسك ضد التهم. فرد عليهما يوحنا بواسطة اساقفة آخرين، كيف يمكنكم مقاضاتى، بأى نحو من الأنحاء، بينما لم تُفرزوا من بينكم أعدائى([255])، وتُرسِلون كهنتى لإستدعائى. بأى نظام هذا؟.
فقبضوا على الأساقفة، وضربوا واحدا وجرَّدوا آخر من ثيابه، ووضعوا حول عنق الثالث السلاسل التى كانوا قد أعدوها للقديس قاصدين أن يضعوه على متن سفينة لنقله إلى مكان غير معلوم. فقد جعلهم الشيطان متوحشين كأسود. وإذ كان الاسقف القديس واعيا بنواياهم المخزية لم يتخذ أية خطوات لمواجهتها، ولكن هؤلاء السادة المحترمين ألفوا بعض دعاوى تافهة أوهى من خيوط العنكبوت ([256]) من أجل إختلاق بعض التهم الشكلية ضد الاسقف المبارك الذى لم يروا وجهه قط، ولا سمعوا صوته قط، وفى يوم واحد وصلت بهم النذالة إلى الإنقضاض عليه، الأمر الذى كانوا يُدبرون له منذ فترة طويلة، ولم يحتاجوا إلى وقت للتفكير، ولا استطاعوا كبح الشيطان.
وأرسلوا خطابا إلى الملك يُحددون فيه ما يلى: لما كان يوحنا([257]) قد أُتُهِم بجرائم عِدة وكان واعيا بذنبه، رفض المثول([258])، لذا أُسقِط من أسقفيته، بموجب القوانين، وهذا ما تم القيام به بالفعل. وقد تضمنت الدعاوى أيضا تهمة الخيانة لتقواكم، ولذا [الأمر] متروك لكم لتقرروا ما إذا كان يُطرَد من وظيفته أم لا، وما إذا كان سيسدد غرامة تهمة الخيانة أم لا، حيث أنه ليس من صلاحيتنا التحقيق فى هذه التهمة. أيها البؤساء التعساء، أية أفكار هذه، وأية أعمال؟. إنها جديرة بأن تملأكم بالخجل إن كان لديكم أى خوف أو تكريم لبشر. فكم بالحرى الله. إن الخيانة المزعومة بلهجة هجومية ضد الملكة كانت، كما يزعمون، أنه قد دعاها ايزابيلا([259]). وهكذا كانت إدعاءات أولئك الرجال المدهشين الذين كانوا يتوقون إلى رؤية يوحنا مقتولا بالسيف، ولكن الله أظهر للنور خبثهم الكامن فى داخلهم، ولطَّف من قلوب الماجستيرات كمثل دانيال فى بابيلون. لأن هناك صارت الأسود لطيفة، بينما صار البشرُ هنا متوحشين ولم يحافظوا على حياة النبى. ولكن الله قضى على تلك الوحشية غير الطبيعية للبشر من خلال دماثة خُلق غير طبيعية من الحيوانات المفترسة.
الفصل التاسع: مكائد وعنف فى القسطنطينية
وهكذا طُرِد يوحنا من الكنيسة([260])، وأُرسِل ضابط من البلاط لهذا الغرض مع ثًلة من الجنود، كما لو كانت حملة ضد البربر. وعند طرده، ذهب أولا إلى ريف براميتوم([261]) Prametum ببيثينية. ولم يكد يمر يوم واحد فقط حتى حدثت كارثة([262]) فى القصر الملكى، فإستدعوا يوحنا عقب ذلك ببضعة أيام بواسطة "مُحضِر" من الأسرة [المالكة]، وردوا له عرشه الخاص([263]).
ففر ثيوفيلس مع اساقفته المصريين طلبا للآمان، إذ رغبت الجماهير فى إغراقهم([264]). ولكن عقب ذلك بشهرين شُفِيوا من جراحهم، فترافعوا ثانية ضد يوحنا، وإذ لم يتمكنوا من العثور على استهلال واعد، أرسلوا إلى ذلك الماهر فى مثل هذه الأمور، فى الأسكندرية، ليأتى مرة أخرى لهذا الأمر. [وقالوا له] إما أن تأتى إلى هنا مرة أخرى لتأخذ زمام الأمور ضد يوحنا، وإما أن تُرشح لنا من يتمكن من القيام بذلك إن كنتَ تخشى الناس، لكى ما نبدأ. وردا على ذلك، لم يذهب ثيوفيلس بنفسه إذ تذكَّر كيف هرِب، لكنه أرسل ثلاثة من الأساقفة البؤساء: بولس وبيمن وآخر، كانوا مرسومين حديثا. وفى نفس الوقت أرسل قوانينا معينة([265]) كان الأريوسيون قد صاغوها ضد المبارك اثناسيوس. وأشار إلى أنه بموجب هذ القوانين يُمكن تغليظ الدعوى ضد يوحنا إذ عاد إلى الاسقفية بعد خلعه بمبادرة شخصية منه. لأن ثيوفيلس كان بطبيعته شخصا متهورا وعنيدا ومندفعا، ومغرما بالشجار بشكل غير عادى. فأيا كان ما يراه، يندفع فيه على عجل لا داعى له دون أىَّ ضبط للنفس، أو إعطاء فرصة للتدبير والحُكم. ولهذا اندفع بغضب جنونى حمله إلى ما يجاوز حدود النظام، لكى ما يحقق خضوع يوحنا، ومصداقية الحُكم الذى أصدره عليه. وعارض بشدة كل مَن أراد التصدى للإتهام. لقد كان له هدف واحد عن أى وقت مضى، هو أن يرى أن حُكمه الخاص وقراره الخاص قد ساد وغلب. وإذ عرفوا شخصيته، سقط وكلاؤه فى مخططه. فاستدعوا مطارنة واساقفة سوريا وكبادوكيا وكل مقاطعة فريجية، وبونطس لحضور مؤتمر بالقسطنطينية، وهؤلاء عند وصولهم اشتركوا مع يوحنا طبقا للقوانين، لكى لا يكرروا خطأهم السابق. وتضايقت السلطات من سماعها بخبر الاشتراك [مع يوحنا] ورفض ثيودورس اسقف تيانا المبجل الإنضمام إلى عمل ثيوفيلس المتسرع إذ كان على بينة بالمؤامرة من المعلومات التى بلغت آذانه، فهجر العاصمة دون مزيد من القلق وودعها وداعا طويلا، واعتزل فى كنيسته الخاصة، وحصَّن ايبارشيته بسور من تقواه، واستمر إلى النهاية فى شركة مع المؤمنين فى روما الذين يشهد لهم بولس [قائلا] "إيمانكم يُتحَدَث عنه فى كل العالم"([266]). ومن ناحية أخرى، انزعج فارتيريوس Pharetrius اسقف قيصرية التى بالقرب من جبل آرجيوس Argaeus إلى حد بعيد كمثل طفلٍ يخاف من شبح، من خطابات أعداء يوحنا، على الرغم من أنه لم يُدْعَ للإشتراك فى الأمر وفى جعله للأسقفية، لم يعرف ما هو أفضل، وانضم ليونتيوس اسقف انقيرا بغلاطية إلى آمونيوس اسقف لاودكية المحروقة فى حرق الكنيسة([267]). فقد رضخ هذان الإثنان لتهديدات السلطات ولنفس الإغراء بهدايا الملك وقدَّما فى الجلسة الثانية اقتراحا خسيسا، لحزب اكاكيوس وانتيوخس وهو أن حُكم ثيوفيلس، الذى ليس حُكما، ينبغى أن يسود، وألآَّ تُعطَى ليوحنا فرصة حتى للدفاع عن نفسه. واستندا على القانون الذى ارسله ثيوفيلس والذى أصدره الأربعون أسقفا المتحالفون مع آريوس، والذى يحتوى على الفقرة [التالية] " إذا دخل أىُّ أسقف أو كاهن يكون قد خُلِع بعدلٍ أو بدون عدلٍ، كنيسته مرة ثانية من نفسه دون تصديق من مجمع، فمثل هذا الشخص لا تُعطَى له أية فرصة للدفاع عن نفسه فيما بعد، بل يُستبعَد تماما". وهذا القانون قد رُفِض فى مجمع سارديكا([268]) بوصفه غير شرعى، وصادرٌ من أشخاص غير شرعيين([269])، مِن قِبل اساقفة روما وإيطاليا وايلليريا، ومقدونية واليونان، كما تعلم أفضل منى يا صديقى الشهير ثيودورس عندما استقبل ليبريوس أو بالأحرى يوليوس([270]) فى عهد قنسطانس اثناسيوس ومارسيللوس من غلاطية فى الشركة، والذى بناءً عليه سقط القانون.
هذا الثنائى العجيب امونيوس وليونتيوس قد شكلا تحالفا مع أكاكيوس وانتيوخس وكيرينيوس من خلقيدونية وسيفريانوس، وجاءوا إلى الملك، وأوصوا بإستدعاء عشرة اساقفة من حزب يوحنا الذين يربو عددهم على الأربعين للتصديق على القوانين، وأكد بعضهم أنها من عمل أشخاص ارثوذكس، بينما أكد آخرون أنها من أصل أريوسى. ومع ذلك جاء إلبيديوس Elpidius اسقف لاودكية بسوريا، ([271]) المتقدم فى الروح وفى السنوات والذى ابيضَّت رأسه، وترانكويليوس Tranquilius مع اتباعهما وحثَّا الملك على أن يوحنا لا ينبغى طرده بدون سبب معقول. وقالا "إن يوحنا لم يُخلَع سابقا ولكن السلطات المدنية هى التى طردته، ولم يدخل ثانية بمبادرة من نفسه، ولكنه أطاع أمر تقواكم الذى أرسلتموه على يد "موظف العدل". وعلاوة على ذلك يمكننا أن نُثبِت أن هذه القانون الذى يستندون عليه، إنما هو من أصل هرطوقى".
واستمر خصوم يوحنا فى فرض وجهة نظرهم بطرق غير سليمة. فالبعض صاح بأعلى صوته، وآخرون انبروا بإيماءات وقحة وإشارات شريرة، وانتزعوا صدورهم فى حضور الملك. وعندئذ قال البيديوس الضليع فى قوانين الكنيسة بعد لحظة صمت، بخنوع للملك "يا صاحب الجلالة، دعنا لا نُتعِب لطفكم أكثر، ولندع ذلك يُعمَل. إجعل إخوتنا أكاكيوس وانتيوخس يوّقعان على أن القوانين التى قدماها أرثوذكسية، وأن يُقرّا أنهما على ذات إيمان أولئك الذين أصدروها([272]). وعندئذ ينتهى النزاع تماما". ولاحظ الملك بساطة الحل المقترح، فقال لأنتيوخس بإبتسامة " لا شىء يُمكن أن يكون أفضل". وكان الملك بريئا تماما من أى لومٍ، ولكن آخرين هم الذين بدَّلوا مراسيمه الممتازة([273]). فبدأ سفريانوس وحزبه فى المراوغة ودخل كل واحد فى دوامة مع الآخر كمثل مياهٍ دُمرَّت حدودها. وصاروا أصماء بالنسبة لتوصية الأسقف العميقة، وللرأى الذى عبَّر عنه الملك. وشحبت وجوههم، ولكن فى حضرة الملك وفى غرفته كان عليهم أن يكبحوا نفوسهم. لذلك وعدوا بغير إرادتهم مضطرين بالتوقيع على القوانين، ورحلوا. ولكن إذ خافوا أن يصيروا فى حالة أسوأ، لم يُنفذوا وعدهم على أساس أنه كان ضد إرادتهم. وبدأوا بدلا من ذلك فى إستباط وسائل يحققون بها طرد يوحنا. وانقضت تسعة أو عشرة أشهر على هذه المناورات، والمقاومة المضادة لها، ويوحنا مجتمع بأساقفته الإثنين والأربعين، والشعب متمتع بصالح تعليمه بأكثر سرور. لأن الذهن غير الأنانى يُعبّر عن نفسه دائما بنعمة وقوة أكثر فى أزمنة الضيق([274]).
كانت هذه هى حالة الأمور عندما حلَّ صوم الرب([275])، كمثل الربيع الذى يزهر سنة تلو الأخرى. واقترب ثانية انتيوخس وحزبه من الملك على إنفراد، وأعلموه أن يوحنا قد خُلِع وإلتمسوا طرده عند اقتراب موسم الفصح([276]). وإذ أُنهِك الملك من إلحاحهم لم يستطع سوى الإصغاء إليهم بوصفهم أساقفة، لأن الكاهن الحقيقى أو الأسقف الحقيقى لا يعرف الباطل. وهذه الألقاب تخص الكاهن الأسمى، لأنه ليس هناك شخص أكثر كهنوتا وأكثر أسقفية من الله الذى هو أسقف([277]) وناظر جميع الأشياء. الأسقف الحقيقى إذن أو الكاهن الحقيقى طالما يحمل هذه الألقاب التى يشترك فيها مع الله، ينبغى أن يكون أيضا فى شركة معه فى أعماله. وبناءً عليه أرسل الملك كلمة إلى يوحنا "أترك الكنيسة"، فأجاب يوحنا "لقد استلمتُ هذه الكنيسة من الله مخلصنا، من أجل العناية بخلاص الشعب، ولا يمكننى أن اهجرها، فإن كانت هذه إرادتك، لأن المدينة مدينتك، فلتُخرجنى بالقوة كى ما أتذرع بسلطانك فى دفاعى عن هجرى لمنصبى".
وهكذا، أرسلوا رجالا من القصر على درجة من الاحترام، وطردوه. ولكن خوفا من افتقاد ممكن لغصب الله، أمره أن يمكث فى دار الاسقفية فى الوقت الراهن، لكى إذا ما حدثت أية مصيبة تؤثر عليهم يمكنهم فى الحال استرضاء الله برده إلى الكنيسة. أما إذا لم يحدث يمضون قُدُما فى اجراءاتهم ضده، مثلما فعل فرعون مع موسى. وفى نفس الوقت اقترب السبت العظيم الذى فيه سبى المخلّص الجحيم من قِبل صليبه. فأرسَلوا مرة أخرى كلمة إلى يوحنا "أترك الكنيسة". فبعث برد مناسب لذلك إلى الملك، بالنظر إلى حرمة هذا اليوم المقدس، وحالة الإنزعاج بالمدينة. فاستدعى اكاكيوس وانتيوخس وقال لهما "ما الذى ينبغى عمله؟. وانتبها إلى أنكما تتصرفان بدون حكمة". فقالا عندئذ الوجهاء فى الخطأ للملك " يا صاحب الجلالة، إن خلع يوحنا على رؤوسنا". واقترب اساقفة يوحنا، طوال أيام الصوم المقدس([278])، إلى الملك والملكة كملاذ أخير فى مزار الشهداء، ورجوهما بدموع إنقاذ كنيسة المسيح، ومذكرين إياهم بإحتفالات الفصح بصفة خاصة، وبأولئك الذين أُعِدّوا بالفعل لنوال سر الميلاد الثانى فى ذلك اليوم، وأن يرُدَّا مدبرها([279]). ولكنهما لم يُصغيا إلى مطلبهم([280]). وذهب بولس الذى من كراتيا Crateia ([281]) إلى أبعد من ذلك، وقال صراحة بلا خوف " إتقى الله با أودكسيا وأشفقى على أولادك، ولا تهينى الإحتفال بالمسيح الذى سفك الدم".
وعاد الأربعون أسقفا إلى مساكنهم وقضوا الليل بلا نوم. البعض يبكى، والبعض حزين، والبعض فى قلق وذهول شل أذهانهم، كلٌ حسب مشاعره الخاصة. ومع ذلك، أولئك الذين كانت فى قلوبهم مخافة الله من كهنة يوحنا، جمعوا العلمانيين المؤمنيين فى الحمامات العامة التى تُدعى حمامات قنسطانس وقضوا الليل ساهرين([282]) فى قراءة الأسفار الإلهية بصوتٍ عالى، أو فى تعميد الموعوظين كالعادة فى الإحتفال بالفصح، فوصلت أخبار هذه الإجراءات بواسطة فاسدى العقول، والمنعدمى الأحاسيس إلى انتيوخس وسيفريانوس وأكاكيوس ورفاقهم، فأصدروا أمرا بمنع الشعب من التجمع هناك. واعترض الماجستيريت على القيام بذلك ليلا، وأن حشود الناس كبيرة، وأنه لابد أن تحدث أيضا بعض الأحداث المؤسفة. فإحتج أكاكيوس وحزبه على ذلك وقالوا " لم يبق أحدٌ فى الكنيسة، ونحن نخشى إذا ذهب الملك إلى الكنيسة ولم يجد أحدٌ هناك يعترف بمودة الشعب ليوحنا، ويديننا كمغتابين وخاصة بعدما قلنا له أنه لا يوجد أحدُ على الإطلاق يتصرف بلطف نحوه، بل أنه معتبَرٌ كخارج على القانون". لذلك أعطاهم الماجستيريت، على أساس هذه النتيجة المحتملة، لوكيوس الذى قيل أنه كان يونانيا ([283]) وكوماندوز لفرقة من المسلحين وأمره أن يذهب ويدعو الناس بلطف إلى التوجه إلى الكنيسة. ففعل هذا، ولَّما لم يُطيعوا عاد إلى أكاكيوس وحزبه وشرح له غيرتهم وحماسهم وكثافة عددهم. فلمَّا علموا ذلك أغووه بكلمات ذهبية([284]) ووعدوه بترقية أعلى، وحثوه على إعاقة مجد الرب، وأمروه إما أن يُحضر الشعب إلى الكنيسة بالإقناع الشفاهى، وإما أن يُثيرهم ويمنعهم من الإحتفال بإجراءات جذرية. فشرع لوكيوس فى الحال بمهمته، مصحوبا بكهنة أكاكيوس. وكان ذلك فى الهزيع الثانى من الليل، لأنه فى بلادنا يحافظ الناس[ على البقاء] فى الكنيسة إلى صياح الديك. فأخذ اربعمائة (وهو نفس العدد الذى كان مع عيسو) من حاملى السيوف التيراقيين وكانوا مجندين حديثا ومتهورين تماما. ووفقا لإشارة معينة انقضوا كذئاب مفترسة بصحبة الكهنة على حشد الجماهير، وشقوا طريقهم بالسيوف الوامضة. واتجه مباشرة إلى المياه المباركة فى الداخل ليوقف أولئك الذين كانوا على أهبة نوال (سر) قيامة المخلِّص. وقيَّد الشماس بالأصفاد، وسكب العناصر السرائرية، وضرب الكهنة والرجال المتقدمين فى العمر على رؤوسهم بالهراوات إلى أن اصطبغ الجرن بالدماء. وكانت رؤية الليلة الملائكية مفرطة فى الحزن. وتلك الليلة التى فيها حتى الشياطين ينطرحون رعبا، تحولت إلى متاهة. وركضت النسوة اللواتى خلعن ملابسهن للعماد، بجانب أزواجهن عرايا، فارين من رعبهن من القتل والعار. وهذا رجل يهرول صارخا من يده المجروحة. وذاك يجر خلفه حِملا من الملابس التى نهبها، وكلٌ يحمل غنيمة مما نهبه. وأُلقِىَّ أولئك الكهنة والشمامسة الذين تم القبض عليهم فى الحبس وطُرِد أفاضل الشعب العلمانيين من العاصمة، وصدرت الأوامر، واحدُ تلو الآخر، متضمنة تهديدات متنوعة ضد كل مَن لا يرفض الإشتراك مع يوحنا. ولكن على الرغم من كل هذا، كرَّس الاساقفة الذين تحدثتُ عنهم أنفسهم لأداء مهامهم فى الهواء الطلق بأكثر حماس. وكان جميع الذين يحبون التعليم المسيحى، أو بالأحرى يُحبون الله بلا حد مثلما نقرأ فى سفر الخروج " وكلما قتلوهم كلما ازدادوا عددا". وهكذا عندما خرج الملك فى اليوم التالى للتريض فى سهل خارج المدينة، رأى الأرض الجرداء حول بمبتون([285]) Pempton مكسوة ببياض كثيف. ومن دهشته مما رأى من المعمَّدين حديثا ([286]) مثل زهور الربيع (وكانوا حوالى ثلاثة آلاف([287]) نسمة)، سأل الحراس عن هذا الحشد الكبير المجتمع هناك. وبدلا من أن يقولوا الحقيقة قالوا أنهم ذوى الإيمان الفاسد([288]) لكى ما يجلبوا عليهم غضب الملك. وعند سماع ذلك، أرسل أولئك المسؤولين عن هذا الأمر بعضا من رفقائهم الحسودين إلى الضاحية([289]) ليشتتوا الجمهور بلا شفقة، ويقبضوا على المعلمين. وهكذا قُبِض ثانية على عدد أكبر من العلمانيين، وعلى بعض الكهنة.
(الشماس) أيها الأب الموقر كيف كان ذلك. أن تتمكن حفنة من الجنود من هؤلاء بينما كانوا كثيرين حتى أن المعمدين الجدد كانوا نحو ثلاثة آلاف، ويفضون اجتماعهم؟.
(الاسقف) ليس هناك ما يُشير إلى قلة عدد الجنود، ولا دليل على الحاجة إلى الحماس. إنها تُظهر فقط التقوى وتبرهن على إصغائهم لمعلميهم الذين حثوهم بإستمرار على غرس سلام العقل. فقال ثيودورس الشماس: حسنا تحدثت، فبكل تأكيد لم يكن متوقعا من أناس قد تعلموا الفطنة واللطف من القديس يوحنا أن يحافظوا على قضيته بحماقة واضطراب.
القصل العاشر: رحيل فم الذهب وعواقبه
(الاسقف) وإذ أنت مقتنع بهذا التفسير، فإننى أرجوك ألاَّ تقاطعنى، فإن كلامى وليد أحداث مُحزنة. فكقاعدة عامة، تلد الأحداث، دون أى شىء آخر، المزيد من الكلام([290]). حسنُ، قُبِض على نساء بعض الرجال البارزين، وعلينا نحن أيضا الإكليروس، وعلى العلمانيين، وسُجِنوا. وانتزعوا من بعضهن نقابهن([291])، ومزقوا شحمة آذان الأخريات وهم يسلبونهن من أقراطهن. وإذ رأت ذلك إحدى السيدات الثريات، زوجة إلوثيروس Eleutherus، خلعت حجابها([292]) بإرادتها وركضت فى المدينة متخفية فى رداء جارية لكى ما تحمى حياتها إذ كانت موهوبة بوجه جميل وقوام وسيم. وهكذا امتلأت سجون الماجستيريت، ولكنها تحولت إلى كنائس، فكانت التسابيح تُنشَد، ويُحتفل بتقدمة السرائر فى السجون، بينما يُمارَس فى الكنائس الجَلْد والتعذيب والأقسام المرعبة لترهيب الناس وإجبارهم على حرم يوحنا الذى حارب ضد خبث الشيطان حتى الموت.
وانقضى عيد العنصرة([293])، وبعد ذلك بخمسة أيام، جاء اكاكيوس وانتيوخس وسيفريانوس وكرينوس إلى الملك وقالوا " يا صاحب الجلالة، إنك حسب تعيين الله لستَ تحت سلطاننا، إذ لك السلطة على الجميع، ومن ثم يُمكنك عمل أىَّ شىء تُريد. فلا تكن أكثر إعتدالا من كاهن، ولا أكثر قداسة من أسقف. وقد قلنا لك جهرا أن خلع يوحنا على رؤوسنا. فلا تكن غير رحيم علينا من أجل أن تكون رحيما على واحدٍ فقط"([294]). لقد استخدموا نفس اللغة، ويُمكننى [أن أقول] نفس الفعِل، كاليهود لإقناع الملك.
فأرسل الملكُ باتريكيوس موظف العدل بالرسالة التالية إلى يوحنا "لقد وضع أكاكيوس وأنتيوخس وسيفريانوس وكيرينوس حُكم إدانتك على رؤوسِهم، فسلّم أمرك لله وأترك الكنيسة"([295]).
فنزل يوحنا من دار الأسقفية مع الأساقفة، وبعدما اعطاهم تعليمات واضحة ومحددة قال لهم "هيا نصلى معا لكى ما نودع ملاك الكنيسة"([296])، وكان مبتهجا بما حدث، لكنه كان حزينا على سوء قدر الشعب. وفى هذه اللحظة بعث أحد المسؤولين الذى أحب الله بكلمة إلى يوحنا "إن الرجل المتوحش والوقح المسمَّى لوكيوس يكمن بفرقته فى الحمّام العام، وهو على أهبة الإستعداد لجرك وطردك بالقوة إلى خارج المدينة إن رفضت الذهاب أو تأخرت. وأهل المدينة فى هياج، فأبذل قصارى جهدك فى الخروج دون ملاحظة لتمنع الناس من الصدام مع القوة العسكرية فى محاولتهم لمساعدتك". فقبَّل يوحنا بعض الأساقفة بدموع، إذ لم تسمح له عاطفته بعمل ذلك مع الجميع، واستأذنهم قائلا للباقين الذين داخل مجلس الكنيسة([297])، أمكثوا هنا فى الوقت الحاضر، واسمحوا لى بالإنصراف وببعض الراحة لى".
ولكنه ذهب إلى جرن المعمودية، ودعا أوليمبياس Olympias وهى سيدة قضت كل وقتها فى الكنيسة. وبنتاديا Pentadia وبروكل Procle الشماستان ([298])، وسلفينا Silvina أرملة نيفرديوس([299])Nevridius المبارك التى زينت ترملها بحياة جميلة، وقال لهن "تعالوا هنا يا بناتى وأصغوا إلىَّ. فإننى أرى أن الأمور الخاصة، بى قد انتهت. لقد أنهيتُ دورى ([300])، وربما لن ترون وجهى ثانية([301]) وكل ما أريد أن أطلبه منكم هو هذا، لا تدعوا أىَّ أحدٍ يفصلكن عن البشارة المفرحة التى حملتوها دوما فى الكنيسة، واحنوا رؤوسكن لأى شخص يخلفنى مادام قد قُدِّم للرسامة ليس بمشيئته الخاصة ولا بإنتهاز، وإنما بموافقة الجميع، مثلما فعلتن ليوحنا. فالكنيسة لا يُمكن أن توجَد بلا أسقف. فليرحمكم الله. أذكرونى فى صلواتكم".
وانفجرت السيدات في البكاء، وألقوا بأنفسهن عند قدميه. فأشار إلى أحد الكهنة الموقرين، وقال "خذهن بعيدا، خشية من اضطرابهن". لذا وُضِعن تحت المراقبة لبعض الوقت، وأُذعِنَّ على ما يبدو. وهكذا انتقل إلى الجزء الشرقي من الكنيسة (إذ لم يكن هناك شيء غربي([302])عنده)، لكنه أعطى أوامر بجعل البغل الذي إعتاد بصفة عامة أن يمتطيه أن يكون فى الانتظار أمام الباب الرئيسي لرواق الكنيسة في الطرف الغربي، وذلك لتضليل الناس الذين كانوا فى انتظاره هناك. وخرج معه الملاك، إذ كان غير قادرٍ على تحمّل خراب الكنيسة الناجم عن القادة والسلطات الشريرة، والذي أنتج نوعا من العرض المسرحي. أجل، فقد كان هناك هدير مثل ذلك الذى يُسمَع في المسرح، وهسهسة غير تقوية وصيحات استهجان، ويهود ويونانيون([303]) يصيحون بأعلى أصواتهم. وكان هناك ضرب وجروح بدنية من قِبل الجنود كما لو كانوا يتعاملون مع مجرمين في سجون؛ بينما كان كل ملكات النفس تتعذب من انسحاب المعلِّم، ومن التجديف على الله. لأنه في الموضع المعيَّن لمغفرة الخطايا، كانت الدماء تُسفَك!!.
وبعد هذا المشهد الفظيع والظلمة التى لا يمكن تفسيرها، ظهر لهب([304]) وسط العرش الذى اعتاد يوحنا أن يجلس عليه كقلب فى وسط جسد، ليشرح للأعضاء الآخرين أقوال الرب، ويسعى لتفسير الكلمة. وإذ لم يجده إلتهم الأوانى المقدسة. ثم انتشر كشجرة وتسلل فى العروق والعوارض الخشبية للسقف، وإلتهم البطن كأفعى وسقط خلف مبنى الكنيسة. لقد بدا الأمر وكأن الله كان يُقاصص الإثم([305]) حسب العقوبة الواجبة ليُحذّر ويُهذّب أولئك الذين لم يعتبروا، وذلك بواسطة رؤية هذه المصائب السمائية. وأكثر من ذلك، ترك ذكرى للأجيال عن هذا المجمع الوحشى([306]). ولكن ما حدث للكنيسة لم يكن عجيبا بالمقارنة بخراب المبنى الذى يُدعَى السينات الذى يقع على[بُعد] خطوات كثيرة قبالة الكنيسة نحو الجنوب. إذ بدت النيران كأن لها عقل، فعبرت فوق رؤوس الناس فى الشوارع كمثل رجل يعبر جسرا، وأمسكت أولا ليس بالجزء القريب من الكنيسة، حتى ما يمكننا أن نعزو سوء المصير إلى قرب المبنيين من بعضهما البعض، بل بالجانب الذى من ناحية قصر الملك. وهذا بيَّن بوضوح أن معجزة قد أُرسِلَت من السماء، إذ كان المرء يستطيع أن يرى حشود الناس وهى تمضى إلى أعمالها بلا ضرر بين جبال من النيران. وبنفس الطريقة أخذت النيران فى الدوران، والإرتفاع مثل أمواج البحر التى تنقاد فيها رياح شديدة، وكأنها تطيع أمرا ما، واستولت على كل المبانى المحيطة بدون رحمة، ولكنها راعت المبنى الصغير الذى به الأوانى المقدسة. ولم تدع ذهبا أو معدنا نفيسا آخر حتى لا توفر للمُتهمِين أية أرضية لإتهاماتهم الباطلة([307]) ضد الاسقف الطيب أنه قد اختص بجانب من هذه الأشياء الثمينة. وهكذا بعد أن فعلت النيران كل هذه المصائب، انحسرت تدريجيا إلى الأجزاء الخلفية للمدينة متعقبة لمسار الجبناء الخبثاء لتفضح جنون ثيوفيلس الذى دبَّر على ما يبدو مكيدة للإستيلاء على كنوز الكنيسة كغنيمة من طرد يوحنا. ولم تكن هناك خسائر فى الأرواح من النار، لا من الناس ولا من البهائم، من بين الحشود الكبيرة. ولكن قذارة الناس الذين تصرفوا بقسوة شديدة، قد تطهرت بواسطة عنف اللهب الذى فى غضون ثلاث ساعات من نهار واحد ما بين الساعة الثانية عشر والساعة الثالثة([308])، دَمَّر عمل سنوات.
الفصل الحادى عشر: النفى ووفاة فم الذهب
(الشماس) وإلى أين يا أبى ذهب يوحنا وباقى الاساقفة عندما كان كل ذلك يحدث؟.
(الاسقف) وُضِع الأساقفة فى السجن، أو طُرِدوا خارج المدينة، أو وجدوا وسيلة ما للإختفاء. بينما نُقِل يوحنا وسيرياكوس وأوليسيوس مُقيَّدين بالأغلال إلى بيثينية من قِبل جنود الحاكم([309]) تحت التهديد بالعقاب لحرق الكنيسة. وفيما بعد أُحضِر سرياكوس وأوليسيوس وكهنة آخرين إلى المحكمة، ولكن تمت تبرءتهم وأُطلِق سراحهم.
بينما حرَّر القديس يوحنا بصراحته المعهودة كما مضى هذه الرسالة الأخيرة "لقد رفضتم إعطائى فرصة للدفاع عن نفسى فى الأمور الأخرى، فعلى الأقل اسمحوا لى بجلسة إستماع بالنسبة لما حدث للكنيسة، لمعرفة ما إذا كنتُ مذنيا كما تزعمون بهذا الإشعال أم لا".
وبالمثل لاقى مطلبه بجلسة الاستماع هذه، أذنا صماء([310]). وأُرسِل منفردا بصحبة جنود إلى قرية فى أرمينيا تُدعى كوكوسس([311])Cucusus على أمل أن يُقتَل على يد البربر الذين كانوا يُغيرون بإستمرار على ذلك المكان ليلا ونهارا.
وكان الخليفة الذى عُيِّن فى محل يوحنا المعلِّم الملهم هو ارساكيوس أخو المبارك نكتاريوس. وكان رجلا أقل قدرة على الكلام من السَمك، وفى النشاط [أقل] من الضفدعة([312]). لأن هناك وقت للنشاط، وبصفة خاصة عندما يكون للخير. ومع ذلك ظل على قيد الحياة أربعة عشر شهرا فقط ثم تُوّفىَ، إذ كان قد حنث بقسم على الإنجيل تعهد به أمام أخيه نكتاريوس أنه لن يقبل أبدا السيامة كأسقف، عندما وبخه نكتاريوس على رفضه لأن يكون اسقفا لطرسوس قائلا أنه ينتظر موته. وكان ما أدى به إلى الحنث بقسمه هو أولا الطموح الذى جعله يتودد إن جاز التعبير إلى زوجة أخيه([313])، وكان تأنيب أخيه فى الواقع [تأنيبا] نبويا. وعُيِّن أحد القسوس الذى كان قد لعِب دورا نشيطا فى المخطط ضد يوحنا، وهو آتيكوس([314])، خلفا لأرساكيوس. وهذا إذ لاحظ أن لا أحد من الأساقفة الشرقيين ولا حتى من العلمانيين فى القسطنطينية يُريد الاشتراك معه بسبب الإجراءات غير الشرعية، وغير النظامية التى حدثت، سعى فى جهل منه للأسفار المقدسة([315])، إلى إجبار الناس الذين لا يرغبون فى الشركة معه وذلك عن طريق الأوامر العليا. فكان المرسوم [الصادر] ضد الأساقفة يشتمل على التهديد التالى: "كل اسقف لا يشترك مع ثيوفيلس وبروفيروس([316]) يُطرَد من الكنيسة، ويُجرَّد من ممتلكاته الشخصية". وإذ انسحق بعضهم تحت ضغط الظروف، اشترك معهما بغير إرادته. وأما الأفقر والأقل رسوخا فى الإيمان القويم، فهؤلاء خُدِعوا بالوعد بهدايا الشركة[معهما]. أما أولئك الذين لم يهتموا بشىء من مولد أو وطن أو ممتلكات أو مجد زائل، أو آلام جسدية، فإنهم حافظوا على نُبل نفوسهم بالفرار، متذكرين قول الإنجيل الإلهى "متى اضطهدوكم فى مدينة فإهربوا إلى أخرى"([317]). وكرروا فى أنفسهم قول المثَل" لا تنفع الممتلكات فى يوم الغضب"([318]). فوصل بعضهم إلى روما، وآخرون إلى الجبال، وهرب آخرون من الشر مثل الذى لليهود إلى مغائر المتوحدين. أما المرسوم الخاص بالعلمانيين فكان يشتمل على "أولئك الذين فى مرتبة عالية، يُجرّدون من وظائفهم الرسمية. وإن كانوا جنودا يفقدون أحزمتهم([319]). أما عامة الناس فيتم توقيع غرامة ثقيلة عليهم، وإخضاعهم للنفى". وعلى الرغم من كل هذا رُفُعت صلوات الأتقياء فى [الهواء] الطلق([320]) فى وسط معاناة كثيرة، لأنهم كانوا أحباء المخلّص([321]) الذى قال "أنا هو الطريق والحق" وأيضا " لا تخافوا أنا قد غلبتُ العالم".
وفى نفس الوقت أقام يوحنا فى كوكوسس لمدة عام مُطعِما لعدد كبير من الفقراء فى أرمينيا([322]) إذ حدثت مجاعة عظيمة فى ذلك الوقت، ليس فى الحبوب بقدر ما هو فى الكلام. فأثار ذلك مرة أخرى حفيظة قتلة الأخ الذين نقلوه إلى آرابيسوس Arabissus([323])، معرِّضين إياه لكل نوعٍ من أنواع المشقات، على أمل دفعه للموت. وهنا أشرق أيضا نور فضائله الساطع لأنه (لا يُمكن أن تُخفَى مدينة كائنة على تل ولا أن يوضع سراج تحت مكيال من الخشب)([324]). فأيقظ الناس فى جميع المناطق المحيطة من نومها فى أعماق عدم الإيمان والجهل، إلى أشعة الكلمة([325]). وعندئذ اشتعل لهيب الحقد بأكثر شراسة فى سفريانوس وبروفيريوس وأساقفة سوريا الآخرين، وسعوا للتخلص منه بنقله مرة أخرى إلى مكان آخر. لأنه كان بغيضا لهم ليس فقط فى أيامه التى كان الناس يدعونها إزدهارا، بل أيضا بالأكثر كثيرا فى شدائده. لقد كانوا بُلداء فى معرفة طبيعة التجارب([326]) ونسوا الرسالة الإلهية إلى الرسول عندما حلت المحن به "تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل"([327]) لذلك عندما رأوا كنيسة انطاكية تهاجر إلى كنيسة أرمينيا، وأن فلسفة([328]) يوحنا العظيمة تتردد أصداؤها من هناك مرة أخرى فى كنيسة انطاكية، تاقوا إلى قصف عمره([329]). فقد عذبتهم الأخبار التى سمعوها، كمثل ضربات سوط. إلى هذا الحد كانت شِدة الخُبث الذى يكره الخير. ورأى الإكليروس التابعون لهم ما يجرى، وقالوا فى تعجب هوذا رجل ميت هائل يخيف الأحياء وأيضا الذين فى سلطة مثلما تُخيف الأشباح الأطفال. يا للعجب الرجال المدعومون بسلطان العالم وثروة الكنيسة والرجال ذوى السلطة، وضبط كل الأمور فى أياديهم، قد شحبوا وتلوّوا رعدة من كاهن([330]) مفرد منفى وسقيم ومُجرَّد من كل حقوقه([331]). وأخيرا، لم يستطيعوا إخفاء الحية فى خيمتهم أكثر من ذلك، لذا أرسلوا إلى العاصمة واستصدروا أمرا عاليا مرة أخرى أكثر قسوة من السابق يقضى بنقل يوحنا فى وقت قصير للغاية تحت التهديد بغرامة إلى بِتيوس([332]) Pityus وهى بقعة مهجورة فى إتزانى Tzane، تقع على شاطىء البحر الأسود([333]). لذلك هرع جنود البريفكت بريتوريان المكلفون، بنقله بأقصى سرعة سيرا على الأقدام. وقالوا أن التعليمات التى لديهم هى أنهم سينالون ترقية أعلى إن مات فى الطريق. وأظهر له خلسة، واحدٌ منهم كان لا يكترث بخدمة العالم الحاضر قدرا من اللطف. أما الآخر فكان أكثر وحشية وسىء المزاج لدرجة أنه اعتبر المطالب الكريمة المقدَّمة له من الأشخاص الذين التقوا به لكى يحافظ على القديس، إهانة له. فقد كان الشىء الوحيد الذى إهتم به هو أن يموت يوحنا موتا بائسا. فعلى سبيل المثال، انطلق[ فى السير] دون أدنى إعتبار لهطول الأمطار الغزيرة إلى حد أن المياه كانت تجرى فى قنوات إلى رقبته وصدره([334]). وفى وقت آخر أعطته الشمس الحارقة على نحو غير عادي فرحا عظيما، إذ عرف أن رأس الأسقف المبارك التى كانت كرأس أليشع([335]) ستحترق بها. وعندما كانوا يَصِلون إلى مدينة أو قرية ما حيث كان من الممكن الإنتعاش بحمّام فيها، لم يسمح البائس بالبقاء للحظة فيها. واستغرقت هذه الرحلة المؤلمة ثلاثة أشهر. بيد أن القديس طوال هذه المضايقات كان مثل نجم ساطع، وكان جسده الضعيف أحمر كتفاح على طرف غصن فى شمس. واقتربوا من كومانا([336])Comana ، ولكنهم اجتازوا المدينة كمثل رجال يعبرون نهرا بواسطة جسر، وباتوا خارج السور فى مزار شهيد على مسافة خمسة أو ستة أميال من المدينة. وكان إسم شهيد ذلك المكان باسيلسكوس الذى كان أسقف كومانا وأُستُشهِد([337]) فى عهد مكسيميان فى نيقوميديا فى نفس الوقت مثل لوكيانوس قس انطاكية فى بيثينية. وفى تلك الليلة ظهر الشهيد له ([338]) وقال "تشجع يا أخى فغدا سنكون معا". وقد قيل أنه قد نادى أولا على الكاهن الذى كان يقيم معه وقال "أعدد المكان لأن أخانا يوحنا قادمٌ". فأخذ يوحنا ذلك مأخذ الجد، وإلتمس منهم البقاء حيث كان إلى الساعة الحادية عشر، ولكنهم رفضوا واندفعوا [فى السير]. ولكن ما أن قطعوا حوالى ثلاثين غلوة([339])حتى أُصيب بمرض حاد لدرجة أنهم اضطروا إلى العودة إلى المزار الذى انطلقوا منه. وعند وصوله طلب ملابسا بيضاء([340])، وهى ملابس تليق بحياته. وخلع ما كان يرتديها، وارتداها عن عمد([341]) وغيَّر كل شىء حتى الحذاء. ووزع كل هذه على الحاضرين، ثم تناول السرائر([342]) ورفع صلاته الأخيرة فى حضور أولئك الذين كانوا واقفين حوله مستخدما صيغته المعتادة "المجد لله على كل شىء"([343])، ثم رشم ذاته [بعلامة الصليب]([344]) قائلا " أمين" ورفع قدميه اللتين كانتا جميلتين جدا لأنهما كانتا مسرعتان([345]) لخلاص أولئك الذين اختاروا التوبة، ولتأنيب أولئك الذين يغرسون حقول الإثم. فإن كان التأنيب لم ينفع الأشرار فإن ذلك لم يكن من إهمال المتكلم([346]) الذى يتكلم بلا خوف([347]) ولكن من تهور أولئك الذين لم يقبلوه([348]).
وهكذا إنضم إلى آبائه([349]) بعد أن نفض التراب عن قدميه وانتقل إلى المسيح كما هو مكتوب "ستأتى إلى لحدك، كما تُجمَع الحنطة فى موسمها، أما نفوس الخطاة فستموت قبل آوانها([350]) .
وجاء جميع النساك والعذارى وكل الرجال المشهورون بحياتهم النقية من سوريا وكيليكية وبونطس وأرمينيا لدرجة أن كثيرين اعتقدوا أنهم قد أُستُدعيوا بإشارة ما. وجرت مراسيم الدفن والجنازة([351]). وهكذا دُفِن جسده المسكين كمثل مصارع منتصر فى نفس المزار مع باسيليسكوس .Basiliscus
الفصل الثانى عشر: دفاع عن عادات فم الذهب فى الاعتدال
وذُهِل ثيودورس مما سمع، وسأل هنا سؤالا مقتبسا كلمات الكتاب المقدس.
(الشماس) كما هو مكتوب "لا تهمل تلاوة الشيوخ، لأنهم هم أيضا قد تعلموا من آبائهم"([352]) فهلا سمحت وأخبرتنا عن سبب تناول طعامه بمفرده، وعما إذا كان ذلك صحيحا كما يقولون أم لا.
(الاسقف) إننى أسلّم بأنه كان يتناول الطعام بمفرده، ولكن يؤسفنى أن أجد شخصا مدققا مثلك يا ثيودورس يطرح أسئلة كتلك التى يطرحها الأطفال الشرهين. فإن رجلا بالغا مثلك ينبغى أن يستعلم عن الفضائل الخاصة بالرجال. [فيسأل] عن تدبيره الخاص بالشجاعة والثروة وضبط النفس والوداعة، والبر والصداقة والحكمة العملية والرجولة والتذكر أو النسيان. لأن الطعام لا يُقربنا إلى الله سواء أكلنا أم لم نأكل([353]) ولكن المعرفة العاملة بنشاط.
نعم كان يأكل وحده، وأنا أعرف أن ذلك كان راجعا على الأقل جزئيا للأسباب التالية([354]). فأول كلُ شىءٍ، لم يكن يشرب النبيذ لأنه يدفع الدم إلى رأسه، غير أنه فى حرارة الصيف كان يشربُ ماء الورد. وثانيا أن معدته نظرا لمرض ما كانت مختلة لدرجة أن الطعام الذى كان يُعدُّ له كان غالبا لا يصلح له فيطلب شيئا ليس موضوعا على المائدة. وثالثا، غالبا ما كان ينسى مواعيد الوجبات فى بعض الأحيان حتى المساء إما لأنه كان مشغولا بأمور الكنيسة أو لأنه كان مستغرقا فى تأمل روحى إذ كان يجاهد دوما فى معالجة كل صعوبة فى الأسفار المقدسة. ومثل هذه الدراسات تتطلب وجبات خفيفة أو لا وجبات على الإطلاق. وأيضا إذا ما جلس على مائدة مع بعض الأصدقاء، أو تسامر معهم فى طرب غير لائق، أو ارتشف قطرات من نبيذ حار، فلا شك أن هذه الصُحبة الجيدة ستتحول إلى قيل وقال خبيث. ولكن فى رأيى كان السر كله والتفسير الأكثر صدقا هو هذا: أنه كان حريصا للغاية فى التعامل مع ذوى المتعة، معتبرا أن الإنفاق على مثل هؤلاء الرجال مثل تدنيس المقدسات([355]). وفى نفس الوقت كان ذلك طريقة لتقليل فرص الإختلاس من جانب المشرفين[على الموائد] التابعين له، ومنعهم من مضاعفة نفقات الطعام عشر مرات، والإحتفاظ بما يخص الفقراء لأنفسهم([356]). وبالإضافة إلى ذلك إذ وضع فى ذهنه كل سكان المدينة([357])، فكَّر أنه كخادم للمسيح ينبغى عليه الإهتمام بكل أحدٍ أيا كانت رتبته بأنه مستحق للغداء معه، أو بالأحرى عدم منح هذا التكريم لأحد. وعوَّل على السلوك السىء الذى يحدث على الموائد، وعلى النفقات العديدة التى لا تذهب إلى الفقراء، فكرِه هذا الأمر برمته، وصرف ذهنه عن التعليقات السخيفة التى ذكرتها، وكرر فى نفسه كلمات سفر الأعمال، ليس حسنا أن نخدم الموائد اقيموا أنتم أناسا أتقياء لهذا الأمر لنتفرغ نحن للكلمة والصلاة"([358]). إن جواد السِباق عندما يصبح مسنا جدا عن الركوض فى السباق، فإنه يُستَخدَم فى المطحنة، ويظل يدور ويدور دورانا لا ينتهى. والمعلّم، بنفس الطريقة، عندما يفتقر إلى روح الكلام بكلام الفضيلة، فإنه يشرع فى جذب الناس بشباك المائدة. [وياليت] ذلك يكون للجياع والمحتاجين، لكى ما يربح البركة التى وعد بها الرب[عندما قال] "كنتُ جوعانا فأطعمتمونى"([359]) ولكن وا أسفاه إنه فقط للأغنياء الذين ينصب لهم الفخ ليكسب سمعة جيدة، أو صيتا سرعان ما يتلاشى، أو ليُحرِز دعوات من هذا النوع فى المقابل أو على الأقل ليتجنب إسما سيئا. مثل هذا الرجل ينسى اللعنة التى نطق بها الرب "ويل لكم إن تكلم جميع الناس حسنا عنكم"([360]) إنه يقل "جميع الفقراء" بل "كل الناس" لأنه "هكذا فعل آباؤهم عن الأنبياء الكذبة". فدعنا إذن يا ثيودورس لا نسعى إلى سمعة نبى كاذب مثلما يفعل الباحثون عن المجد الباطل. لأن يوحنا جاء فى طريق البر لا يأكل ولا يشرب. فقالوا عنه أنّ به شيطان. وجاء إبن الإنسان يأكل ويشرب فقالوا هوذا رجل شره، وشريب خمر وصديق للعشارين والخطاة([361]).
(الشماس) لم يكن طلبى يا أبى العظيم، إلقاء اللوم أو الحط من التقشف فإننى أعرف فكر الرجل من التقارير العامة ومن كتاباته وعظاته ورسائله([362]) التى وصلت إلى أيادينا، وإنما رغبتُ فقط فى معرفة هدفه، لمحاكاته فى أفعاله. فمن ذا الذى يمكن أن يكون غبيا على الإطلاق حتى أنه لا يعى أن المرء يخسر أكثر من أن يكسب من المائدة ما لم تكن هناك حاجة لترفيه القديسين فى ضرورياتهم.
(الاسقف) ولا أنا قلتُ يا ثيودورس الباحث عن الحق بأكثر عناية، أن نقلل من فضائل آبائنا وأقلها فضيلة الضيافة. فهى واحدة من العديد من الفضائل التى جُعِلت للتقوى، والتى مارسها الآباء البطاركة. فواحد أمسك بشِباك مائدته الله المخلِّص([363])، وآخر خدمته الملائكة. واحد كوفىء بإبن فى شيخوخته، وآخر بالنجاة هو وبناته من سدوم. والرسول نفسه يتحدث عنهم، حاثا إيانا على أن نقتدى بنماذجهم فيقول "ولا تنسوا كرم الضيافة التى بها استقبل أناس ملائكة وهم لا يعلمون"([364]). ولكن المضيف يجب أن تكون له حكمة الحيات العملية، مثلما له بساطة الحمام. فيجب عليه أن يُصغى إلى كلٍ من القولين: "اعط كل مَن يسألك"([365]) وأيضا "لا تقبل كل إنسان فى بيتك"([366]) لئلا يستقبل ذئبا بدلا من حمل، أو خنزيرا بدلا من ثور، فيستبدل المكسب بخسارة. ينبغى عليه أولا أن يفحص المكان الذى فيه الرجل هل هو مأهول أم قفر، ثم مدى ملائمته للضيافة، وما إذا كان من الممكن أن يتحمل آداب أشخاص آخرين. ثم يجب أن يستخدم الإفراز بالنسبة للشخص الذى تخصه الخدمة هل هو ثرى أم فقير، سليم أم مريض، فى حاجة إلى طعام أو ملبس لأنه بهذه الأمور تكون عمليات الإحسان. إن المبارك ابراهيم لم يستقبل حكاما ولا جنرالات او عظماء العالم من حوله الذين لهم جياد بألجمة وسُرج لامعة، أو سراويل بأجراس([367]) معدنية تعلن قدومهم من بعيد. فقد عاش فى منطقة قفر واستقبل الذين زاروها. لقد جاء إلى أب الآباء عبر الصحراء، إما منجذبين بفضيلته وإما تحت ضغط الحاجة والعوز. فالفقر وسط بين الإفراط والعجز. بين الافراط فى الثروة وبين عجز العوز([368]). وبنفس الطريقة عاش لوط فى مدينة أسوأ من الصحراء، واستقبل الغرباء الذين زاروها، بسبب سوء سلوك سكانها. ولكن كاهنا يعيش فى مدينة جيدة كالقسطنطينية يستقبل كلَّ واحدٍ ([369]) سيُهمِل بسهولة خدمة الكلمة، حيث سيكون مشغولا دائما بخدمة البُطون. وسيصير مثل هذا الرجل بدون وعىٍ، مثل صاحب فندق أكثر من كونه معلِّم حيث تختفى المعرفة التقية فى[ وسط] الأحاديث الباطلة، ويكسب توبيخ النبى "حارس فندق يمزج الخمرَ بالماء"([370]) لأن التعليم أفضل بكثير من كرم الضيافة بمقدار ما أن النبيذ أفضل من الماء. فواحد يستفيد من معاصريه، وآخر من الأجيال القادمة. واحدٌ يصنع خيرا لأولئك الموجودين فى الوقت الحالى، وآخر لأولئك الذين ليسوا موجودين أيضا. لأولئك الموجودين بواسطة كلام الفم، ولأولئك الغير موجودين بواسطة الكتابة، وهكذا كان الحال مع المخلّص فى أيام تجسده إذ أطعم آنذاك الجموع بالأرغفة ليس فى المدينة ولكن فى البرية. وعلّم الناس الذين كانوا حاضرين بكلام الفم، بينما خلَّص العالم بواسطة الأناجيل المكتوبة. وهذا حقيقى، بصفة خاصة بالنسبة لكلام الرجال الملهمين. لا تعجَب يا ثيودورس عنما يُشبِع الإنسان جائعا بالطعام، ولكن عندما يُخلِّص النفسَ من شكلٍ ما من الخجل، لأن هناك كثيرين من الناس يقدرون ان يطعموا البطون بالخبز والخضروات فى وقت الحاجة سواء مجانا أم بنقود. بينما من النادر ان تجد الشخص الذى يزودك بغذاء الكلمة، وعندما يوجد يلقى صعوبة فى قبول رسالته إن قُبِلَت على الإطلاق. لأن الأرواح الشريرة تبذل دائما كل ما فى وسعها للحيلولة دون خلاص النفوس. إن هذه المجاعة إلى كلمة التعليم هى تلك التى هدد الرب الإله بأن يجلبها على الشعب كعقاب لهم عندما قال النبى "سأجلب عليهم مجاعة ليست إلى الخبز والماء بل إلى سماع كلمة الرب"([371]). وعلاوة على ذلك فى حالة الجوع إلى الخبز المادى يكون من الممكن دائما ترك المدينة أو البلد الذى فيه العجز والبحث عن الآمان فى مدينة أخرى، مثلما فعل الآباء البطاركة عند ما نزلوا من فلسطين إلى أرض مصر. بينما فى حالة المجاعة إلى الطعام العقلى الذى يحل على الكنائس بسبب العجز فى المعلمين، يقول النبى ثانية "سيركضون من الشرق إلى الغرب باحثين عن كلمة الله ولن يجدوها"([372]). لماذا لا ينبع ما هو جيد من التعليم؟ وماهى المشكلة فى أن لا يكون. وما هى أخطاء الأكل والشُرب؟. أعنى الأمراض، والمشاجرات، والاضطرابات فى بعض المناطق الفرعية المعدة، وعوقب كل هذا. ومتى كان ذلك أن طُرِدت حواء من الجنة، أليس عندما أكلت من الشجرة بُناء على مشورة الحية بدلا من الشبع بما عينه الله لها طعاما؟. ومتى ارتكب قايين جريمة قتل الأخ، أليس عندما أبقى من جشعه أفضل ما عنده وأمل باكورة ثماره قبل تقديمها لله. ومتى حلّت الكارثة على أبناء أيوب التى حوَّلت فى لحظة موائدهم إلى قبر، أليست عندما كانوا يأكلون ويشربون؟. ومتى فقد عيسو البركة؟. ألم يكن ذلك عندما استسلم لشهوة المطبخ، وكان عبدا لمعدته؟. ومتى فقد شاول مملكته، أليس عندما كان يأكل أفضل الغنم ضدا للشريعة؟. ومتى أغاظ شعب اسرائيل الله ؟ أليس عندما اشتهوا مائدة مصر وطلبوا معلِّم الجسد والقدور؟. ولماذا قُتِل حفنى وفينحاس إبنىّ عالى فى ساعة واحدة، أليس لأنهما فد إعتادا أن ينتشلا من القدور اللحم المخصص للذبيحة بمنشال ذى ثلاثة أسنان؟([373]). ولماذا فعل يعقوب الضربة المُلامة؟([374])، أليس عندما كان شبعانا من الخبز، وممسوحا بالدهن؟([375]). ومتى ثار شعب سدوم ثورة غير طبيعية؟ أليس عندما دمروا الحكم السليم بالشرب المستمر ولذلك أشار إليهم النبى حزقيال بإزدراء ([376]) فى القول "بوفرة النبيذ والإمتلاء من الخبز، اشتهوا([377])(أى المدينة) و"بناتها (أى القرى) التى تتبع دائما مثال المدن. ومتى اختفت المُثُل من الشعب القديم؟ أليس عندما شاخوا هم أيضا على فراشهم حسبما يشكو النبى أولئك الذين يأكلون الحملان من القطيع، والعجول الرُضّع من الحظائر، الذين يشربون النبيذ المعتق ويتدهنون بالمراهم ولا يحزنون على يوسف([378])، وعلى من نطق أشعياء باللعنة أليس على أولئك الذين ينهضون مبكرا للشرب؟. وها هى كلماته "ويل لأولئك الذين ينهضون مبكرا، ويتبعون المُسكِر، والذين يتأخرون ليلا لأن الخمر تلهبهم، لأنهم بمزمار وقيثارة يشربون الخمر، ولا يهتمون بعمل الرب"([379]). ومتى أخزى دانيال كهنة البعل؟. أليس عندما وضع لهم التراب فخا وبرهن على ذنبهم بواسطة الأكل والشُرب([380]). ولستُ محتاجا إلى الكلام عن أولئك الذين اختاروا السير فى الطريق الواسع وازدروا بالطريق الضيق، فإن كلام المخلّص كافٍ فى ذهنى لإدانة صيَّادى الشواء. ففى الفقرة التى يوضح فيها كيف أن الثرى المُغفَل الإسم، كان يتنعم يوميا فى حياة الدنيا، يتوق[فى الآخرة] إلى أن يُحضِر له العازر الفقير قطرات مياه وفتاتا، ولا يحصل عليهما. دعنا ننظر إلى جماعة القديسين قديما، ونرى أىُ نوعٍ من التعليم استخدموه، وهل هو [الخاص] بحياة التقوى وكلام الإستقامة أم [الخاص] بجماعة الشاربين والمعيشة المترفهة. كان أخنوخ أول المنتقلين، فهل انتقل بالإيمان أم بالإنضمام إلى جماعة الشاربين؟. ثم حافظ نوح على الجنس البشرى على وجه الأرض بواسطة فُلكٍ من الخشب عندما طُهِّر العالم من حوله، فهل كان ذلك بواسطة الإنضمام إلى جماعة الشاربين و[ذوى] الأعمال غير النقية أم بالصوم والصلاة. وعندما وجد بعض الراحة([381])فى الشرب، بعد هذا الطوفان المهول، ألم يلومه الكتاب المقدس على [عمله] المخزى بدلا من أن يُكرّمه؟. وعندما هزم المبارك إبراهيم ملوك سدوم الخمسة وأنقذ لوط، هل كان ذلك بالإيمان والبر، أم بالأكل والشرب؟.
فقال ثيودورس عندئذ. إذ استشهدتَ بإبراهيم فى هذه المناقشة، فدعنى إذا سمحت أُلفِت نظرك إلى هذه النقطة، فإن شخصا ما سيقول لك أنه قد كسب الحرب بالإيمان، ولكنه كسب الله، كما أوضحتَ أنت بالمائدة.
(الاسقف) يا لها من فكرة!. كما أن ابراهيم قد كسب الله بمائدة، أليس من الأفضل لنا أن نهجر الإيمان وباقى الفضائل ونغرس الشُرب؟. وعندئذ لن نكون أفضل من صاحب فندق ومشرفى المطاعم الذين يصطفون فى الشارع لأجل هذا الغرض من أجل الربح القبيح. وعندئذ يكون من الأفضل للعذارى اللواتى يجاهدن من أجل قداسة الجسد والروح لمجد الله أن يحملن أطفالا، لأن مريم أنجبت المسيح. إنهن لو فعلن ذلك، لن يكنّ أفضل من العاهرات. إذا كان يجب علينا توفير ملذات المائدة لأن ابراهيم فعل ذلك، فإنه يجب إذن على العذارى لدينا أن يحملن أطفالا لأن مريم قد فعلت ذلك. لا لا يا صديقى المُكرَّم، لا يجب أن نجلب السخرية للأمور التى حدثت أو التى تحدث بتبرير من ظرف خاص لأن ضمير كل إنسان يُعلّمه بما يجب إن كان يريد ذلك. أيضا يعقوب قد مارس جهادا فى الإيمان، بالتقشف أم بالجلوس مع أهل الشرب؟. لقد قال "لفحتنى حرارة الشمس، وصقيع الليل. وطار النوم منى"([382]) ولم يطلب فى صلاته سوى الخبز والملبس. "إن أردتَ فلتُعطنى خبزا لآكل، ورداءً لألبس، وكل ما تعطينى إياه سأقدم لك العشر"([383]). إنه لم يقل سأنفقه على الموائد. وأى نوع من الموائد أعدها موسى المتحدث عن الإيمان والخادم الأمين لله، عندما جمع الشعب للإجتماع فى الجبل؟. أىُ نوع من كؤوس الشراب كانت لديه؟. لقد أذاب الصخر بعصاه لعدم إيمان الشعب. لقد قاد ستمائة رجل من مصر، وحمل لوحىّ الشريعة ليُرشِد الشعب إلى الطريق القويم. فهل وُضِعت أمام أولئك الذين كانوا تحت إرشاده الأطباق الشفافة، ولحم الخنزير، وطيور فاسيس Phasis([384])، وسمك البحر، ونبيذ تيران المكرر جيدا والأرغفة الناصعة البياض، أم كان كلام [التعليم]؟.
(الشماس) ولكن أحدا ما سيقابل حُجتك بالقول أعطنى منَّا كثيرا، والماء الذى أوجده موسى وأنا لن أطلب أكثر على الإطلاق.
(الاسقف) مَن ذا الأكثر بلادة الذى يُفضِّل المن المادى ومياه المجرى عن التعليم الروحى. دعنا نستمر. الذين حادوا عن الأصنام بعد تعليم صموئيل معلّم الشعب لمدة خمسة وعشرين سنة عزلة فى أرماثم([385]) Armathem ، هل بالكلام أم بالموائد؟. والملك الذى كان فى ذات الوقت مرنما الذى قال "أكلتُ الرماد كخُبز، ومزجتُ دموعى بشرابى([386]) متى أعدَّ الموائد الفاخرة؟. ايليا التشبيتى الذى جلب صوما على العالم كله، وجعل الشرهين يُقللون من طعامهم رغما عن إرادتهم لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر. بأى نوع من الموائد خلَّصهم من خطاياهم؟ وأى طهاة كانوا لديه؟. ألم يتلق قوته اليومى بواسطة غراب؟. دانيال الحكيم، الرائى للمستقبل بأى نوع من الموائد علَّم الأشوريين، أليس بالصلاة والصوم أهلك التنين وتغلَّب على البعل وسدَّ أفواه الأسود، ودفع الملك إلى التنكر لعبادة آلهة أسلافه والإعتراف بالله الذى هو أساسا([387]) كذلك؟. أية موائد وأى إبتهاج قام به بقية الأنبياء أو الرسل، ألم يكونوا معلمين؟ ألم يُعهَد إليهم العالم كله، ألسنا خلفاء لهم؟. ألا يُريد الكلمة منا أن نكون محاكين لهم ومُراعين لطرقهم. كما يُعلمنا بولس عندما "يقول "وتأملوا فى طرق حياتهم وقلدوا ايمانهم"([388]). أى نوع من الكعك المُحلَّى كان لدى يوحنا المعمدان المنادِى بالتوبة فى البرية. والذى كان أبعد ما يكون عن إعداد وجبات طعام لأولئك الآتين إليه، والذى كانت مرارة توبيخه تهين فى الواقع مذاق زائريه؟. وكانت نظراته الحادة بل حتى مظهره تهز ضمائرهم الدنسة كزلزال. وبالأكثر كلماته التى كانت تقطِّع مثل السكين خراجات نفوسهم. "يا أولادى الأفاعى مَن أراكم أن تهربوا من الغضب الآتى. لذلك قدموا ثمارا تليق بالتوبة."([389]) ولا تتكلوا على العماد فى حد ذاته أو على أنكم من نسل ابراهيم. وماذا كان تعليم بولس الإناء المختار معلم الأمم الذى أبطل([390]) الختان ليؤسس ختان الإيمان؟. هل نجده مشغولا بالموائد؟. لقد كان مدينَا([391])، لكن هذا البند كان آخر عناصر دينه، فهل وفىَّ به للأمم غير المؤمنين، وهل كانت له علاقة موائد معهم قبل أى شىءٍ. وأيضا ماذ كتب لتيموثاوس أسقف أفسس؟. "انظروا الموائد الرائعة لكم" أم "التعليم، أم الوعظ، أم العقيدة"([392]). هذه هى الواجبات التى كان يوحنا المبارك معنيا بها ومضنيا. "واظب فى وقت مناسب، وغير مناسب على التوبيخ والإنتهار والوعظ"([393]). ولا أحد يُمكنه أن يعترض على أن إثنين من هذه الأمور مُرَّيَنْ وأن الثالث سار أن يوصى بنوع من التساهل. إن المرارة الشديدة فى "وبخ، انتهر" ممتزجة بعظ وليس "تملق"([394]). فإن الوعظ المقدَّم بأسلوب علمى لهو أكثر مرارة لمحبى المتعة والإنحطاط عن التوبيخ، على الرغم من أنهم قد يجدون ذلك أكثر إغاظة. لأنه تحت تأثير بعض الأوجاع، قد تضع النفس ذاتها فى مواجهة التوبيخ وتصغى بلا إكتراث لِما يُقال، ولكن بالوعظ واللُطف والتعليم التدريجى بلغة شفوقة وصادقة، تُلتَهم تماما، إن جاز القول، بنار بطيئة وتمزَّق إربا. والآن بماذا ذكَّر [بولس] تيموثاوس؟. بالشرب والإحتفالات أم بالقصص الوقورة([395]) للمحن التى ألَّمت به؟. إنه يقول "إنك تعرف جيدا طريقة حياتى([396])، وكيف أننى وضعتُ فى قلبى، فى وسط الإضطهاد، أن أصنع كل شىء لمجد الله". فهل يذكر فى أى مكان المائدة عندما يوبخ على خطأ. وأيضا دعنا نرى ماذا يكتب إلى تيطس اسقف كريت. هل يُناقش الطعام والشراب أم التعليم والتوبيخ؟. هذا هو ما يقوله "لهذا السبب تركتك فى كريت، لكى ما ترتب الأمور المطلوبة وتُقنعهم ألاَّ يُعلموا عقيدة مختلفة، وألا يُصغوا إلى حكايات وأنساب لا نهاية لها([397]). ويضيف نوع التأنيب المطلوب "فالكريتيون كذابون، وحوش شريرة، ونهمون خاملين([398]).
ونحن نسأل ذوى البطون ورواد الموائد وصائدى النساء([399]) الذين يجدون فى زهد يوحنا خطأً، أن يفحصوا العهدين القديم والجديد ويخبرونا عندما يجدون مدحا للشرب فيما عدا التعامل بالطبع مع الغرباء، وكشرط وحيد للسلام إذ أن البرابرة، كمثل وحوش برية، تتلطف بشريعة المائدة؟. وإلى أى شىء أدى الشُرب خلاف الخطية. وعندما أقول الخطية، فإنه ينبغى بالأحرى أن أقول إلى الوثنية المحزنة كثيرا، وقتل الأخ، كما هو مكتوب، جلس الشعب للأكل والشُرب ثم قاموا للعب ([400]) لقد كان اللعب نتاج الشُكر. "هيا نصنع آلهة لنا تسير أمامنا"([401])، لقد كانوا مترنحين بشدة من الخمر أنهم يبحثون عن آلهة يمكنهم حملها، وحادوا عن الله الذى لا يتزعزع، والذى يملأ جميع الأشياء دون أن يتحرك خطوة؟. وماذا يقول النبى؟ "شفتى الكاهن تتأمل فى الشرب لأنهم سيطلبون منه غذاء وعشاءً"؟، أم شفتى الكاهن تراعى الشريعة لأنهم سيطلبون كلمة من فمه "لأنه رسول من الرب([402]) وليس طاهيا. وأيضا متى كان ذلك. بناء برجٍ فى كلنة Chalane ([403]) هل كان قبل الخمر أم بعد الخمر؟. ألم يكن مع الخمر عندما زرع نوح كروما وكان أولَّ مَن يجنى ثمار اللوم؟. ألا يوضح هذا أنه لم يكن نتيجة الشُرب بل نتيجة الإفراط؟. ومتى بيع يوسف من قِبل إخوته؟. هل كان ذلك عندما كانوا مشغولين برعاية الغنم أم عندما كانوا يذبحون ويأكلون أفضل ما فى القطيع فى خمول، فوضعوا خططا خبيثة ضده عبر أكوابهم؟. ومتى سلّموا رأس يوحنا المعمدان على طبق العاهرة؟. فى مجلس الحكماء أم فى حفل شرب بلا شريعة. وعندما أطال بولس المبارك حديثه إلى منتصف الليل هل كان فى أكل وشُرب أم فى تعليم، وبصوم، فقاد إلى الإيمان أولئك الذين كانوا لا يعرفون الله. أما بالنسبة لرئيس الرعاة، رئيس المعلمين، رئيس الحكماء، يسوع المسيح، مقوّم أخطاء البشر فأين نجد أنه يأكل فى مدينة ما خلا الفصح؟، وكان هذا تتميما للسرائر([404]). وعما كان يتناقش مع تلاميذه عندما كانوا قلقين، عن الطعام أم عن القراءة. إنه يقول "اعملوا لا للطعام البائد، ولكن لذلك الباقى"([405]). وهكذا يمكن ليوحنا الطيب أن يقول مع الرب، شرابى هو التعليم وتوزيع الكلمة التى من أجلها قد أُختُرِتُ، من أجل خلاص الشعب. لأن الطعام لا يُقربنا من الله سواء أكلنا أم لا نأكل([406]). إنه مع الأمم حيث تسود[ هذه] العادة ولأجل كسبهم، نستخدم هذه الموائد لإصطيادهم إذ لا يمكن اقناعهم بالكلام. فهم يقولون "دعنا نأكل ونشرب لأن غدا سنموت". لذلك طبق عليهم الرسول تقويما حادا بشكل غير عادى([407]) "لا تنخدعوا، فالمعاشرات الردية تُفسِد الأخلاق الجيدة". وهو يقصد "بالمعاشرات الردية" دوامة الحديث الذى يدور دوما فى مثل هذه الأمور.
الفصل الثالث عشر: دفاع ضد تهمة السلوك الإستبدادى
(الشماس) لقد أنقذتَ نفسك بالإخلاص والعلم وحجتك سليمة "فويل للقائلين للحلو مرا، وللمر حلوا. ويل للجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما"([408]). ومع ذلك فإن شخصا ما يمكن أن يقول نحن لا نزعم أكثر مما تفعله أنتَ، أن يوحنا كان عليه أن يستسلم لمثل هذه الموائد. فصحيح أن الإسراف المفرط هو فى قاع محبة المتعة([409])، و[لكن] البخل المفرط هو بنفس القدر دليل على الإهمال وتفاهة العقل. لقد كان ينبغى عليه دعوة الأساقفة، وخاصة الأكثر ورعا. وإذ لم يكن الأساقفة فعلى الأقل كهنته على مثال الربِ عندما أكل مع رسله الإثنى عشر.
(الاسقف) إن الإعتراض الذى تثيره يا أعز الناس، سيكون راسخا إن كان فقط يمكن للكهنة أن يقنعوا بوجبة مع يوحنا ويحصلون على طعامهم فى ساعة أو يوم متأخر([410])، ولكنهم كانوا يتوقون إلى كرم ضيافة فخم، وبأسلوب عظيم، وفى مواعيد دقيقة. لقد كان من السخف تبديد طعام الفقراء والمرضى فى ولائم الأصحاء. وإلى جانب ذلك كيف يمكن أن يضع التلاميذ قانونا للمعلم، أو المرضى للطبيب، أو المسافرين للربان([411]). إن الطبيب دائما هو الذى يشفى المرضى، والمعلّم هو الذى يُعلّم التلاميذ، والربان هو الذى يتحمل مسألة أى ألمٍ أو مشقة. على الرغم من أنهم لا يضمنون النجاح. هكذا معلم الحياة السامية قد عُهِد إليه بالقضاء على الأمراض والأسقام، وتدريبهم على التغلب على موجات الشهوة الأشرس. ولكن الناس بذلوا أقصى ما فى وسعهم لمعارضته بألسنتهم الجامحة وإثارة الوحل بأقدامهم غير المغتسلة. فلو كان يوحنا قد خضع لهم واستسلم للموائد فكم من الناس المهمين الذين يعيشون مثله فى مدينة عظيمة كانوا سيشبعون حيث كل واحدٍ يرغب فى الغداء معه إما لنوال البركة ([412])، وإما لأنه فقير، وإما لأنه شره؟. وكيف كان سيجد وقتا للتأمل الدينى وخدمة قطيعه ودراسة الكتاب المقدس والعناية بالأرامل، وتشجيع العذارى، وتمريض المرضى، ومساعدة مَن هم فى ضيقة، وهداية مَن هم فى زلل، والفكر المنشغل بالمنكسرى القلوب، وزيارة المساجين؟. وكيف كان سيهرب من لعنة الله الموبخة المنطوقة فى حزقيال؟. "ويل للرعاة الذين لا يُطعِمون القطيع. الذين لا يردون الضال، ولا يبحثون عن المفقود، ولا يزورون المريض، ولا يعصبون المنكسر، ويذبحون السمين ويأكلونه"([413]). والذين يكتب عنهم بولس "تحتمِلون رجلا إن وضعكم فى قيود، إن إلتهمكم، إن أَسَرَكم"([414]) و"ترتدون الصوف ولا تطعمون القطيع". ويقول فى أرميا عن الرعاة الكسالى "رعاة كثيرون أهلكوا كرمى"([415]).
(الشماس) فى وقت ما كان يمكنه أن يُقدِّم احترامه لهؤلاء الناس دون إهمال لواجباته الكنسية، فلا يجلب لنفسه إسما رديئا([416]) عندما يكون كل شىء آخر بارزا.
(الاسقف) هذا هو بالضبط المطلوب من الكاهن ألاَّ يجلب لنفسه اسما رديئا([417]) وذلك ليكون النطاق الكامل لمواهبه الخطابية ونشاطه وحماسه وكل التدابير الأخرى للكاهن. آلا تعرف ياثيودورس المكرَّم أن إحدى تطويبات الرب تتناول الإتهامات غير المعقولة "طوبى لكم إن عيَّروكم، وقالوا فيكم كلَّ شرٍ([418])، ولكن الويلَ لكم، إذا تكلَّم كلُ الناس حسنا عنكم، لأنه هكذا فعل آباؤهم بالأنبياء الكذبة" ([419]). فكيف يمكن لشفاه تدربت على الأقوال الإلهية ولآذان اعتادت على الإصغاء للوصايا الإلهية، أن تحتمل القيل والقال على الموائد بينما يقول الرب لا يمكن لعبد أن يخدم سيدَيَن"([420]). ويستطرد "لا يمكنكم أن تخدموا الله ومامون؟. ومن الأفضل لنا أن نعرف ماهو "مامون" وإلا نجد أنفسنا لا نخدم حتى سيدين بل مامون فقط. فى هذه الفقرة لا يعنى بمامون الشيطان ولكن النتاج الباطل لهذه الدنيا الذى يأمر كل تلاميذه بالإبتعاد عنه.
(الشماس) أنا مقتنع تماما بالضوء الذى سلطته على مسألة الموائد هذه. والآن يا ابى المقدس فلتعد إلى روايتك للأحداث. ولا تتضايق منى لإثارة الاعتراضات لأننى أريد فقط أن أعرف أكثر، لذلك استمر فى طرح الأسئلة لكى ما تجيب بمزيد من التفاصيل أكثر مما تود.
(الاسقف) دعنى أوضح لك هذه النقطة أكثر، أيها الحبيب والمتعلم ثيودورس. لقد كنتُ أنا نفسى ذات مرة واحدا من أولئك الذين عقدوا العزم على إرضاء الجماهير بالموائد. وأنا أقول أن الأسقف، وخاصة أسقف مدينة كبيرة، الذى يترك خدمة الكلمة وليس فى متناول يديه ليلا ونهارا، موائد الشريعة ويقوم بإسعاف الفقراء ليس بشخصه ولكن بواسطة وكلاء، إنما يختلف تماما عن أولئك الذين قالوا "هو ذا قد تركنا كلّ شىء وتبعناك، فماذا علينا بعد"([421]). إنه يجب أن يكون فى مرتبة أولئك الذين قالوا ياسيد ألسنا بإسمك فعلنا هذا أو ذلك". وسيسمع الرد مثلهم، "اذهبوا ايها الملاعين، فأنا لا أعلم من أين أنتم"([422]) لأن الكلمة([423]) لا يعرف الأعمال الصامته([424]) فإن عينيه طاهرتين للغاية حتى أنها لا ترى الأشياء الشريرة لأن هناك كثيرين من المدعوين أساقفة حريصون على التخلص من الكراهية المعقولة تماما التى يلاقونها بسبب شخصياتهم الخاصة، وعدم مبالاتهم بالأمور الروحية إنما يستبدلون شرا بشر آخر، الجشع بالمجد الباطل. فبينما يفعلون بيدٍ خطأ بلا حد من أجل تحقيق مكسب أثيم، فإنهم بالأخرى يُعِدّون الموائد وينصبون الأعمدة للمبانى الشاهقة([425]) من أجل أن يكسبوا سمعة أنهم عاملون جيدون ونشيطون وشرفاء بدلا من العار. إنهم ينسون الجامعة الذى شيَّد مبانى عظيمة ثم كرهها ونهى بوضوح عن مثل هذه الأشياء عندما كتب "بنيتُ بيوتا و[غرستُ] بساتينا"إلخ، و"هوذا الكل باطلا، وكرهتُ كلَّ ما عملتُ تحت الشمس"([426]) إنه لم يقل "فوق الشمس" وإلاَّ كان قد جلب بذلك عدم الصيت على التعب الروحى. وعندما أفعل هذا فإننى لا أضمُّ فى الإدانة أولئك الذين يبنون بتعقل وعن ضرورة، أو لتجميل ممتلكات الكنيسة. إننى أفكر فقط فى أولئك الذين يبددون أموال الفقراء على الممرات المعلقة([427])، وخزانات المياه التى ترتفع ثلاثة طوابق والحمامات السيئة السمعة المخفية عن الأنظار للرجال المخنثين([428])، أو يبذلون مواهب طاقاتهم على المبانى إما كذريعة من أجل جمع أموال أكثر، وإما لكسب تقدير الناس. وهذا ببساطة [يعنى] التضحية بكل شىءٍ من أجل إمتاع الخطاة. أما بالنسبة لى، لا سمح الله، أيها الشهير ثيودورس فلن أسُر أبدا الأشرار لأننى لن أرضيهم أبدا إلاَّ بالطرق التى لا يرضى عنها المسيح.
وإذ أٌعجِب الشماس للغاية بهذا الإيضاح، طلب من الاسقف [قائلا] إن ملاحظاتك سليمة تماما ولا شىء يمكن أن يُقال ضدها. والآن، هل لديك أية معرفة يمكنك أن تشركنا فيها عن الترتيبات([429]) التى اتخذها القديس يوحنا فى أسيا، حيث أننا مهتمون به فى مناقشتنا هذه.
(الاسقف) بالتأكيد لدىَّ مثل هذه المعرفة.
(الشماس) هل من تواجدك شخصيا، أم أنك حصلت عليها من آخرين ؟.
(الاسقف) لا، فإننى لم افقد كلمة من المحاكمة. (الشماس) قل لى إذن بالتفصيل كيف بدأ وماذا تلاه وكيف انتهى. فإننى أرغب فى أن أعرف [هذا] بصفة خاصة لأن ثيوفيلس قال فى إتهامه ، وهو مهتم بإخفاء سلوكه المتهور أن المبارك يوحنا كان متأثرا للغاية بحب السلطة لدرجة أنه خلع ستة عشر([430]) اسقفا فى يوم واحد، ورسم مخلوقات من ذاته بدلا منهم.
(الاسقف) من العدل أن يتوقع الإنسان من شخصية عجيبة كهذا أن يكتب ويكتب أكاذيبا ضد يوحنا. إنه بذات الخطوات التى اتخذها لإخفاء خزيه الخاص قد أثبت رغما عنه براءة يوحنا بأكثر وضوح، تماما مثلما كان فى حالة بلعام. فإن كان قد نجح فى الإطاحة به، لمَا كانت هناك حاجة إلى لائحة إتهام. إذ أن النص كافٍ لإلحاق العار بالمخلوع. ولكن لمَّا كان أسقفنا قد ظل راسخا فى الفضيلة ضد محاولات الإطاحة به، وفاز بالنصرة فى الهزيمة، فإن خبث خصمه صار أشر مما مضى، شاعرا بأن انتصارهم لا معنى له، وبدأ ينتفخ من الغضب مثل فقاعة، ويكتب النقائص والمثالب. وهذا ما عناه اشعياء عندما صرخ "الويل لأولئك الذين ينتهزون كل فرصة لعمل وقول وكتابة الأكاذيب. إذ يقول "الويل للذين يكتبون لأنهم يكتبون الإثم"([431]). لقد كان عدد الأساقفة الذين خلعهم يوحنا فى أسيا، ليس ستة عشر ولكن ستة. وإننى أؤكد كما أمام عرش الله الديَّان، إننى لم أُسقِط رقما واحدا من العدد، ولا أضفتُ صفة واحدة إلى عمله. فإن بيانى هو بالضبط وفقا للحقائق.
ففى السنة الثالثة عشر من الإعتلاء([432]) جاء بعض الأساقفة من أسيا إلى القسطنطينية فى عمل، ومكثوا معنا. وإلى جانب هؤلاء كان هناك أساقفة آخرون من ضمنهم ثيوتيموس([433])Theotimus من اسكيثيا، وآمون المصرى من تيراقيا، واربيانوس من غلاطية. وجميعهم مطارنة ومتقدمون فى العمر، وعددهم جميعا إثنين وعشرين أسقفا([434]). فإنتهز يوسيبيوس أسقف فالنتينوبوليس بمنطقة تُعرَف بكيلبيا Kilbia ([435]) فرصة اجتماع هؤلاء واشتركوا معا للمضى قُدُما فى اليوم الأول من الأسبوع، وقدَّم لهم مذكرة ضد انطونيوس اسقف افسس بهذه الإتهامات لكى ما تأخذ دورها[فى المناقشة] وقد استهلها بالطبع بإسم يوحنا. وكانت هذه الاتهمات تندرج تحت سبعة رؤوس: الأول أنه صهر صحن الكنيسة ووضع ثمنه فى حساب ابنه. والثانى أنه نزع رخاما من مدخل غرفة المعمودية واستخدمه فى تحسين حمامه الخاص. والثالث، أنه نصَب أعمدة تخص الكنيسة كانت فى مواضعها لسنوات عديدة فى غرفة معيشته. والرابع: أن خادمه ارتكب جريمة قتل، ومع ذلك مازال يحتفظ به فى خدمته دون أن يُقدّمه للمحاكمة. الخامس: أنه باع أراضى تخص الكنيسة كانت قد أوقفتها بازيلينا أم الملك يوليانوس، واحتفظ بالنقود. والسادس: أنه بعدما انفصل عن زوجته([436]) عاد فتزوجها وأنجب منها أبناءً. السابع: أنه يعتبر ذلك كقانون وعقيدة، أن يبيع سيامات الأسقفية بثمن يتناسب مع الدخل. وأضاف أن هناك أشخاص حاضرون قد دفعوا مثل هذه الأموال فرُسِموا. وبالمثل الرجل الذى استلمها، وأن لديه البراهين على تصريحاته.
الفصل الرابع عشر: زيارة فم الذهب لأفسس
(الشماس) أرجوك يا ابى اختصر روايتك لأن هؤلاء الموجودين معنا ([437]) تواقين لسماع التأكيدات التى قدَّمها الأساقفة، ناهيك عن الكلام عن أعمال الاساقفة لمثل هذه الأمور.
(الاسقف) الويل لى أننى عشتُ لأرى مثل هذه الأيام التى تُباعُ فيها الخدمة المقدسة، إن كانت مقدَّسة، تحت ظروف ما بمالٍ. "لقد صرتُ غبيا"([438]) فى روايتى عن أغلب المشتكين على يوحنا الذين أوصلونا إلى ذلك.
ولكن لتصبر علىَّ، فإنك ستندهش من التعقل الذى أظهره يوحنا فى هذه المسألة، كما فى غيرها. فقد ضبط سخطه لفترة من الوقت، ثم قال ليوسيبيوس "أيها الأخ يوسيبيوس، إن الإتهامات الصادرة، فى لحظة غضبٍ غالبا ما تكون ليس من السهل إثباتها. فإننى أرجوك ألاَّ تُقدمها كتابة ضد أخينا انطونيوس، ونحن سنسوى الأمور التى أغاظتك". فغضب يوسيبيوس جدا من ذلك، وانغمس فى لغة قاسية ثائرا بكل قوته ضد انطونيوس، وأصرَّ على اتهاماته. فطلب يوحنا من بولس([439])[اسقف] هيراكليا الذى يبدو أنه كان مُريدا حميما لأنطونيوس أن يصالح بين الإثنين معا. ثم نهض ودخل الكنيسة إذ كان وقتُ الذبيحة قد حان، وحيَّا الشعب بالتحية المعتادة([440])، وشغل كرسيه مع الأساقفة الآخرين. ولكن يوسيبيوس المشتكى جاء على نحو غير ملحوظ وقدَّم أمام كل الشعب والأساقفة مذكرة أخرى تحتوى على نفس الإتهامات، واستحلف يوحنا بأقسام مرعبة ليست أقل من "وا حياة الملك والملكة"، وأحدث اضطرابا جعل الشعب ينتبه لجسارته، وظنوا أنه يحث يوحنا على تقديم إلتماس ما للملك لكى ما يرفع عنه حكم إعدام.
وصُدِم يوحنا من إصراره، واهتم بالحفاظ على هدوء الشعب فتناول منه المذكرة، وبعد أن قرأ الأسفار المقدسة، طلب من بانسوفيوس اسقف بيسيدية أن يقدِّم العطايا([441])، بينما اعتكف هو والأساقفة الباقين، لأنه كان يُحجِم دائما عن تقديم الذبيحة بذهن مشتت، كما يطلب الإنجيل "عندما تقدّم قربانك...إلخ"([442]). وبعدما صرف الشعب فكّر بتدقيق فى الأمر، وجلس فى غرفة المعمودية([443]) مع الاساقفة الآخرين. واستدعى الشاكى، وقال له فى حضور الجميع "إننى أكرر ما قد قلته لك سابقا أن الناس تحت تأثير الغضب أو الغيظ غالبا ما يقولون ويكتبون قدرا كبيرا، بينما تكون أدلتهم ضعيفة. فإن كان لديك معرفة ما ببعض التهم التى تُريد أن تُقدّمها فنحن لن نرفضها إن أنت اصرَّيت عليها. أما إذا كنتَ لا تستطيع [إثباتها] فدعها قبل أن تُقرَأ المذكرة. فقرر أنت ما هو الأفضل ليُعمَل لأنه بعدما تُقرَأ الإتهامات وتصل إلى آذان الجمهور ستُسجَّل الإجراءات ولن يمكنك عندئذ، كأسقف، أن تطلب أى إلغاء([444]). ومع ذلك، ظل يوسيبيوس مُصرّا. فصدرت الأوامر بقراءة هذه المذكرة، فقُرِأت الإتهامات السبعة التى ذكرتها بالتفصيل. وعندما بلغت محتويات هذه المذكرة إلى آذانهم، قال كبار الاساقفة ليوحنا كل نقطة من هذه الاتهامات هى بلا شك إثم تحرمه الشرائع المقدسة من كل ناحية، ولكن يجب ألاَّ نضيع وقتنا فى فحص التهم الأقل وزنا. لذلك يجب أن يبدأ الفحص بالنقاط الأكثر بشاعة، لأنه متى ثبت أنها صحيحة، فلن تكون هناك حاجة لردود على الاتهامات الأخرى. مثلما يحتوى العدد واحد على الجذر الذى ينبع منه كل نوعٍ من الشر، كما قال الكاتب "محبة المال أصل كل الشرور"([445]) لأنه إذا قبل الإنسان الرشوة ضد البرىْ، وظن أنه من الملائم مقايضة عطية الروح القدس بمال فكيف يُمكنه الحفاظ على الأطباق المقدسة([446]) أو على الأحجار أو الممتلكات الخاصة بالكنيسة؟.
فبدأ يوحنا التحقيق، وسأل انطونيوس ماهى ردودك على هذه الاتهامات يا أخ انطونيوس؟. فأنكرها بالطبع إذ كيف يعترف بعاره فى البداية. فسُئِل الذين دفعوا المال، فأنكروا هم أيضا التُهمة. واستمرت مراحل التحقيق هذه تتم إلى الساعة الثانية بعد الظهر عندما بدأ الحُكم يتبلور بقوة فى نقاط معينة من الأدلة. وفى النهاية أدت نتيجة التحقيق إلى مسألة الشهود الذين تم فى حضورهم دفع واستلام النقود. ولم يكن هؤلاء الشهود فى متناول اليد، وكان وجودهم ضروريا. ونظرا للإضطراب الذى سيُسفر عنه حضورهم، وحفاظا على نقاوة الكنيسة ولكى ما يضمن للشهود عدم الإزعاج أعرب يوحنا عن استعداده للذهاب إلى افسس بشخصه لإستكمال التحقيق هناك.
وإذ كان انطونيوس واعيا بذنبه، ورأى نزاهة يوحنا وعزمه، ذهب سرًا إلى أحد المسؤولين([447]) الذى كان يُشرِف على مقاطعة ما فى أسيا، وإلتمس منه أن يُرتب منع يوحنا من الذهاب إلى أسيا، واعدا إياه بإحضار الشهود بنفسه. فأرسل هذا المسؤول فى الحال رسالة من القصر إلى يوحنا بهذا الخصوص "إنه لأمرٌ غير وارد على الإطلاق بالنسبة لك، أيها الأسقف، راعى نفوسنا، أن تغادر المدينة فى ظل هذه الاضطرابات الخطيرة المتوقعة، وتتكبد مشقة الغياب الطويل فى أسيا بينما من الممكن إحضار الشهود بسهولة إلى هنا". وكان جاياناس([448]) Gainas البربرى هو المتوقع لإثارة هذه القلاقل.
حسنٌ، ولإختصار القصة وافق على البقاء بالقسطنطينية، وفكَّر ليس فقط فى العبء المُلقى على عاتق الشهود، ولكن أيضا فى متطلبات العدالة. وكان تأجيل ظهور الشهود هبة من السماء للمتهمين للتخلص منهم بالرشوة أو بالضغط. وهذا ما توقعه يوحنا، فإجتهد بالتالى مع المجمع الملتأم فى إرسال بعض الأساقفة الحاضرين إلى أسيا لإستجواب الشهود. وتم تعيين ثلاثة من الاساقفة فى الحال للذهاب هم: سينكلتيوس Syncletius مطران تراجانوبوليس Trajanopolis([449])، وهيزيكيوس Hesychius اسقف باريوس([450])Parius، وبالاديوس اسقف هللينوبوليس. وكان قرار المجمع بالتدقيق هو [أنه] إذا لم يظهر أىُ من الخصوم فى خلال شهرين ويُقدِّم دفاعه فى مدينة هيبوبى Hypoepi بأسيا(وقد أُختِيرت على مسافة ملائمة لكل من الخصوم والاساقفة الآخرين المشاركين لسينكلتيوس ورفقائه فى المحاكمة) فإنهم يكونوا محرومين. ونزل إثنان من الاساقفة المعينين، سنكلتيوس وبالاديوس إلى سميرنا([451]) Smyrna لأن هيزيكيوس الذى كان صديقا لأنطونيوس تظاهر بالمرض. وأخطرا الطرفين فى الحال برسالة بوصولهما، آمرين إياهم بالذهاب فورا إلى المدينة المعينة فى القرار بدون إبطاء، وتنفيذ وعودهم.
وبدلا من ذلك، اتفقوا مع بعضهم بعضا وذلك بفضل الرشوة([452]) من ناحية، وبالقسم من ناحية أخرى، وقبل وصول القضاة، أنهم قد صاروا أصدقاء، ثم أظهروا مقتا شديدا لمنطقة هيبوبى، وأرادوا تضليل القضاة وتأجيل مثول الشهود على أساس أنهم بعيدين عن منازلهم لفترة طويلة لأسباب لا يُمكن تحاشيها. وبناء على ذلك، سأل القضاة الشاكى: فى غضون كم يوما يمكنك إحضار الشهود، ونحن ننتظرهم؟. ولما كان يتوقع مغادرتهم للمكان بسرعة بسبب ضغط الطقس إذ كان آخر فترة فى الصيف، وعد كتابة أنه خلال أربعين يوما إما أن يُحضِر الشهود، وإما أن يخضع للعقوبات المنصوص عليها فى القانون. ومن ثم أُطلِق سراحه للبحث عن الشهود، ولكنه لم يفعل شيئا من هذا القبيل، بل نزل إلى القسطنطينية، وظل هناك مختفيا. وانتظر القضاة لمدة أربعين يوما حسب الأصول. ولمَّا لم يظهر أرسلوا رسالة إلى كل اساقفة أسيا معلنين حرمه إما كمتهرب([453]) وإما كمدِّعى بالزور. ثم لبثوا ثلاثين يوما أخرى، ولم يظهر فرحلوا الى القسطنطينية حيث سقط فى آياديهم، فوبخوه على إزدرائه. ولكنه تعلل مرة أخرى بسوء صحته ووعد بتقديم الشهود. وهكذا استمرت الأمور إلى أن تُوفِىَّ انطونيوس المدَّعى عليه فى دعوى يوسيبيوس [هذا].
وعند هذا المنعطف تلقى يوحنا دعوة من كهنة كنيسة افسس من جهة، ومن الاساقفة بأسيا، من جهة أخرى يناشدونه على النحو التالى "لما كانت شرائع الكنيسة لسنوات طويلة مضت، وكذلك نحن، فى حالة ارتباك محزنة بسبب الحاجة إلى رعاة صالحين، فإننا نرجوك أن تُشرفنا بالحضور لتُقيم أوامر الله فى كنيسة أفسس المضغوطة منذ سنوات من قِبل أناس يأخذون بوجهة نظر أريوس من ناحية، ومن قِبل أولئك الذين يتظاهرون بتمسكهم بوجهة النظر التى لنا من أجل تحقيق مزايا خاصة لهم، وهيمنة. خاصة وأن هناك كثيرين يكمنون كذئاب مفترسة، يحرصون على الإستيلاء على عرش الأسقفية بالمال".
وكان يوحنا مريضا جدا، والوقتُ موسم الشتاء العاصف، لكنه أبعد كل صعوبة من اعتباره وفكَّر فقط فى تسوية المتاعب التى كانت تقاسى منها كل أسيا بسبب نقص الرعاة أو عدمهم. وإذ تقوى بحماسه شرع فى مغادرة المدينة والسفر. وهبت عاصفة عنيفة من الشمال، وخاف البحارة من الإرتطام فوق بروكونسيس([454])Proconnesus لذا جعلوا مقدمة المركب فى مهب الرياح وركضوا أسفل جبل تريتو Trito حيث ألقوا المراسى، ولبثوا فى انتظار الرياح الجنوبية لتمنكهم من الوصول إلى آباميا. وظلوا ليومين بلا طعام، وكانت السفينة تمخر بصعوبة. ولكن فى اليوم الثالث، وصلوا إلى آباميا حيث كان الاساقفة بولس وكيرنوث([455])Cyrinus وبالاديوس([456]) فى انتظارهم لأن يوحنا كان قد عينهم رفقاءً له فى زيارته. فأكملوا الرحلة إلى أفسس سيرا على الأقدام. وعند وصولهم اجتمع معا اساقفة ليديا وأسيا وكاريا وكانوا جميعا سبعين شخصا. وهكذا أجروا الرسامة([457])، واستقبلهم الأغلبية بروح أكثر ودا ولا سيما من جانب اساقفة فريجية الذين كانوا يُقدِرون كثيرا الحكمة النازلة من فمه، حسبما هو مكتوب "الحكمة تُمدَح فى الشوارع" أى من الذين يتكلمون، و"فى الأماكن الواسعة تتكلم بأكثر صراحة"([458]) أى فى القلوب التى اتسعت من خلال ضيقات كثيرة، كما يقول الكتاب "فى الشدة فرَّجت عنى"([459]) لأن الحكمة صعبة لأولئك الذين يزرعون الزوان، ويخنقون الكلمة".
الفصل الخامس عشر: خلع ستة اساقفة، وعمل فم الذهب الذى لم يتم
كانت هذه هى حالة الأمور عندما تقدَّم الرجل الذى سبَّب كل هذه القصة الطويلة، يوسيبيوس، وادعى امام كل الاساقفة بأنه اشترك مع ستة منهم. فإعترض بعض الأساقفة على أساس أنه لا يُؤخذ بكلامه بوصفه مدعيا بالزور. وعندئذ توسل قائلا "بما أن الجزء الرئيسى فى هذه القضية قيد التحقيق لمدة سنتين، وكان التأجيل لتمكين الشهود من الإستجواب، فإننى ألتمس منكم، محبة لله، أن تسمحوا لى بتقديم شهود يومنا هذا، لأنه على الرغم من أن الأسقف انطونيوس الذى قد قبل النقود وقام بالسيامة قد مات إلاَّ أن أولئك الذين قد أعطوه المال لا يزالون باقين وينالون السيامة. فعزم المجمع الملتأم على التحقيق، وبدأت الإجراءات بقراءة محاضر الأعمال السابقة. وأُحضِر الشهود، وأيضا ستة من أولئك الذين قد أعطوا رشاوى ونالوا سيامات. وفى البداية أنكروا ولكن الشهود الذين كان بعضهم علمانيين وبعضهم من الكهنة وكانوا موضع ثقة بوضوح، وبعض آخر من النسوة. قد أكدوا ذلك وأقروا بطبيعة التعهدات المتبادلة والأماكن والتواريخ والمبلغ. وأخيرا، عندما وخزتهم ضمائرهم المضطربة كثيرا، اعترفوا بعد ضغطٍ قليل جدا بمحض إرادتهم الحرة قائلين "لقد أعطينا رشاوى، الأمر الذى قُبِل وصرنا أساقفة على أمل أن نُعفَى من الخدمة المدنية([460]). ونحن الآن نرجو أن يُسمَح لنا بالاستمرار فى الخدمة فى هذه الكنيسة إذا لم تكن هناك معصية فى عملنا هذا، أما إن كان من المستحيل فرُدوا لنا المال الذى دفعناه لأن بعضا منا قد دبَّره من أثاث زوجاتنا". وردا على ذلك وعد يوحنا المجمع الكنسى أنه بمعونة الله سيقدم إلتماسا إلى الملك بإعفائهم من الخدمة المدنية، وأمر بإسترداد المتهمين للأموال التى قد دفعوها من ورثة انطونيوس([461]). وهكذا أمر المجمع المقدس بأنه ينبغى أن يستردوا [ اموالهم] من ورثة انطونيوس، وأنه يمكنهم الاشتراك داخل الهيكل([462]) ولكن لا يُحسبون كهنة خشية أنه لو تم التغاضى عن عملهم هذا، تنشأ عادة جديرة باليهود والمصريين([463])، من بيع وشراء الكهنوت([464]). إذ يقولون أن بطريرك([465]) اليهود الطاعون الذى كذبته أعماله قد اعتاد تغيير حكام المجمع كل عام، أو مرة كل سنتين كوسيلة لجمع الأموال. وأن بطريرك مصر([466]) قد احتذى به فى عمله نفس الشىء، حتى أن كلام النبى قد تم، كهنتها يُجيبون من أجل العطايا، وأنبياؤها يتكهنون مقابل المال([467]). وقد تم تسجيل محاضر كل هذه الإجراءات، وأسماء القضاة. وعلاوة على ذلك، لم يكن التحقيق موضوع يوم واحد، كما زعم ثيوفيلس باطلا، ولكن على مدى سنتين. وأكثر من ذلك خضع المخلوعين للحكم شاكرين إنقاذهم من الدينونة الآتية. وفى الواقع تم تعيين أحدهم للتعامل فى الشؤون العامة([468]). وتم تعيين ستة آخرين فى محلهم، وكانوا رجالا غير متزوجين ومزيَّنين بالنِعم فى الحياة والكلام.
وقد أعاد السادة محبى المشاكسة، بعد نفى يوحنا( لأن نذالتهم لا إسم لها سوى أنها ملكة طبيعية فيهم) أولئك المخلوعين بعد أربعة أعوام من خلعهم، إلى الكنائس وطردوا أولئك الذين تمت سيامتهم حسب النظام، وشتتوا خراف المسيح. ولكن الأكثر سخافة عن كل شىء على الرغم من أن ذلك يدعو إلى الرثاء بدلا من الضحك، يا ثيودورس أعز صديق ومتعلم، هو ما يلى: فكما يقول النبى، أذناك سترتعد([469]) من سماع ذلك، ولكن كمحب لله ستنوح على الاساقفة الذين يتصرفون كمجانين وبأيادى الغضب يُظلِمون([470]) عطايا المسيح. فالسيامات التى كان يقوم بها بطرس ويوحنا[ الرسولين] وإخوتهما فى الخدمة بالصوم والصلاة وبالإختبار الدقيق بواسطة قرعة وبخوف، قاموا بها هم بسُكرِ وصخب ورشاوى يُرثى لها لإجهاض رجال([471]) لا يستحقون أن يكونوا ضمن جماعة خنازير أو كلاب فهم مخلوقات بلا عقل كما تنبأ أيوب مجسّما [شخص] المخلّص "الذين لم يكونوا مستحقين لكلاب قطيعى الذين يعيشون تحت القراص"([472]). وهكذا تكفلت هذه الصُحبة من الجهات الفاعلة واليهود بأسرار الكهنوت من قِبل أصدقائنا الأذكياء([473])، كما لو كانوا أصدقاء المخلّص([474]) وبناء عليه ابتعد العلمانيون الأرثوذكس عن بيوت الصلاة، لأن هذا الشكل الجديد والحقير من الجسارة قد انتشر فعلا فى كنيسة أفسس بقدر ما لنا. ولا ينبغى أن نعجب لذلك، إذ أن أفسس تقع على البحر وتُصدّر أخبارها بسهولة مع شحناتها لأنه فى مكان، لن اقول فى مكان يوحنا كاتب الإنجيل([475]) والتلميذ الشرعى الذى اتكأ على صدر الحكمة، والذى خلفه تيموثاوس تلميذ بولس الذى يوجه له رسالتين، يخلفه هناك رجس الخراب([476]) لأنهم رسموا ونصبوا فيكتور الخصى([477]) التربيون. وطرحوا فى السجن ذاك الذى نصبه سبعون اسقفا، الرجل الذى عاش حياة توحد فى الصحراء وتدرب على كل فروع المعرفة ([478]) وامتلك معرفة عميقة بالكتاب المقدس وبعد ثلاث سنوات من تسجيله شماسا. فلو كان هذا الخصى قد تلَّقى تدريبا على الحياة المقدَّسة لتم تصفية الشر، ولكنه كما هو، دودة أرض وعبد للبطن، شهوانى، شرس، سكير، مسرف، مرتشى، غير حر، طامع، سجين([479]) منذ مولده، مخلوق لا جنس له، لا هو رجل ولا هو إمرأة، مستعر الجنون. لقد قيل لى مرارا أنه كان يحمل فتيات المسرح على كتفيه فى حفلات الشرب لساتير([480]) ورأسه مكللة باللبلاب، وفى يده وعاء وهو يلعب دور ديونيسيوس([481]) فى الاسطورة كمُعلّم للشرب. لقد فعل كل هذا ليس قبل نواله سر التثبيت للمسيح، ولكن بعد[نواله] المعمودية([482])، الأمر الذى نستدل منه بوضوح أنه لا يُؤمن حتى بالقيامة. لأنه كيف يُمكن لرجل يُؤمن بالقيامة ويُفسِد أساسها؟([483]). وكما يقول الرسول كيف يُمكن أن يكرز إن لم يؤمن"([484])، إنه زائل بسكين مثل الأعمال التى لا مكافأة لها، ولكنه مختون بأعمال غير مثمرة ([485]) من فساد طبيعته.
لقد أجبتك على سؤالك عن أحداث أسيا الذى نشأ من عبارة ثيوفيلس فى خطابه وهى أن يوحنا قد خلع ستة عشر اسقفا. وتأكدتَ تماما أن العدد هو ستة. فلدينا سجلات محفوظة موقع عليها من اثنين وعشرين اسقفا تداولوا القضية منذ بدايتها، وكذا السبعين الذين نفذوا الخلع ووضعوا ختاما للمحاكمة.
الفصل السادس عشر: بورفيريوس
(الشماس) عفوا يا أبى، مثل هذه الأفعال تتجاوز([486]) السُكر والجنون والحماقة الشبابية. فالسكارى والمجانين والشباب عندما يستردون رصانتهم ثانية، أو يهضمون طعامهم، أو يبلغون سن التمييز، أيا كانت الحالة، يخجلون من أفعالهم أو أقوالهم المشينة أو غير المنضبطة، أو يُرذلونها. هؤلاء الناس بعد كل ما قد فعلوه فى سن النضج، وعلى ما يبدو فى إطار من العقل الرصين، أبعد ما يكونوا عن التوبة عن أعمالهم. فعندما لا يرتعد أناسٌ من وضع الإنجيل على رأس دنسة([487]) رقصت عليها نساء ساقطات، [فإنهم] يصلحون أن يكونوا فى مرتبة أولئك الذين وضعوا تاج الشوك على رأس ابن الله؟.
ومع ذلك إن كانت لديك معرفة شحصية بظروف تكريس بورفيريوس Porphyriusلأسقفية انطاكية أو عن أولئك الذين قاموا بفعل التكريس، أو عن الحياة السابقة للرجل وتعليمه، سواء أكانت صحيحة أو خاطئة، فقل لنا ما تعرفه، ولا سيما أنه قد أرسل رسالة إلى كنيسة روما، ولم يكن مستحقا للرد عليه.
(الاسقف) إن كلامى سيكون مرة أخرى كلام الحقيقة، لأننى لن أنسى صوت المعلم عندما يقول كل كلمة بطالة سيُعطِى الناس عنها حسابا فى يوم الدينونة([488]) ودعنى أتجاسر على إضافة عبارة وأقول لأن كل سماع بطال. فإحترس إذن إن وجدتنى لا أتكلم بالصدق، ولا تُعطى لشعرى الرمادى ([489]) وزنا بل فقط لصحة تصريحاتى. لأنه أية منفعة لى مما قلته اليوم أو أمس إن قلتُ أكاذيب عندما أُوجَد فى خزى إلى الأبد أمام عرش الديّان الذى لا يُخطىء أبدا؟. وكيف سأتحمل حجر رحى([490]) الإغتياب الموضوع حول عنق ذهنى عندما أُلقَى فى حفرة الجحيم بسبب النفوس التى أُعثِرت من أكاذيبى؟.
حسنٌ، بالنسبة لوظيفة بورفيريوس. فهذا([491]) كان يشغل فى الكنيسة لأمد طويل، وظيفة شماس وقس فى الكهنوت معا. ولكن شخصيته كانت بعيدة تماما عن الإتفاق مع حياته الطويلة الأمد فى هذه الخدمة. ولم تكن له قط أدنى فائدة روحية للكنيسة، فقد كان معارضا دائما للأساقفة الورعين فى المناطق المجاورة واستخدم منصبه كأسقف لمدينة أكثر أهمية، وماجستيريت تحت رعايته لجعل السيامات موضوع مقايضة، فبذل براعته فى منع السيامات اللائقة. وبواسطة قدراته الغريبة جرَّ أساقفة، إن جاز أن ندعوهم هكذا، حاليين للإشتراك معه رغما عنهم فى رسامات منتقدة بواسطة الرياح([492]). فالتملق إلى جانب التصرف الشرير أمر فظيع كما يقول ميناندر الشاعر "من الصعب يا بامفيليوس، أن تقاتل المرأة الشريفة إمرأةً زانية"([493]). كلما عرف الإنسان أكثر كلما فعل ضررا أكثر. إنه لم يخجل من أحدٍ، بل كلما كان الإنسان أسوأ كلما تملق أكثر، كما يقول سليمان الحكيم "كلام المتملقين ناعم فهو يدخل إلى مخادع البطن"([494]) فهو غريب للغاية، أو بالأحرى عدو لضبط النفس فى ملذات الجسد، كمثل نسر للروائح. وفى الحقيقة. الأخبار العامة أدانته بشرور سدوم غير الطبيعية. فالطبيعة تفرض على ملذاتنا القوانين والحدود والحواجز. فإذا كان ما يقولون صحيحا فإنه حطم الحواجز ونسف الحدود، وازدرى بالقانون حتى أنه أعطى انطباعا بأنه جعل مجلسه مع المشعوذين والممثلين الذين يمثلون أحداث العصور القديمة بأقدام وهيئات مشوهة([495]). لقد بلغت به الوقاحة حد الدخول فى مسابقات المهارة مع المشعوذين وتكوين صداقات معهم. وفى الحقيقة سُجِلّت اتهامات من هذا النوع لدى ماجستيرات عديدين. إنه لم يقرأ كلمات الشاعر المأثورة التى تقول "ما لا ينبغى عمله، لا تُفكّر فيه". [وبسببه قُتِل الوسيط ضربا([496]) والذى عُثِر عليه نُفِى، وأُجبِر المشعوذ على الفرار]([497]). ويقولون أنه بالإضافة إلى كل هذه الشرور كان مذنبا، بعد سيامته بصهر أطباق الكنيسة، وتبديد العائدات على الماجستيرات للظهور [بعلاقته] بالسلطات ليس كمُرشد روحى ولكن كمُستبِد على أولئك التُعساء الذين يقعون تحت سلطته([498]).
والآن تزامن وفاة فلافيانوس Flavianus اسقف انطاكية مع نفى يوحنا إلى ارمينيا. ولاحظ بورفيريوس أن كل السكان، رجالا ونساءً على حد سواء، متعلقين برقبة قنستانتيوس القس ومشتاقين لأن يكون (أسقفا) لهم فقد كان خادما بالكنيسة منذ طفولته المبكرة، ورجلا ماهرا يدويا، بحسب مصطلح سفر القضاة([499]) عن [اليد] اليمنى للناس الآخرين. فقدم أولا خدمات بكتابة الرسائل، ووُجِد بلا لوم بالنسبة للرشاوى والربح القبيح، ثُم رُقِىَّ إلى رتبة قارىء، فشماس، وبدون أى جهد ساد على الملذات الجنسية التى تسود على الرجال. وكما يقول كاتب سفر الأمثال "يد المجتهد تسود بيسر"([500]). أنه من الممكن أن يسيطر حتى الأشرار على المتعة إما خوفا من العقاب أو من العار فيبذلون جهدا كبيرا لكبح نزواتهم الجسدية. ولكن أولئك الذين يُحبون الله يمكنهم هم فقط، بواسطة محبة الله، أن يرتفعوا فوق السُفليات. أولئك الذين يدعوهم الكتاب المقدس "المختارين" فى النص "يد المختارين تسود بسهولة". فإذا كان الانسان لطيفا دائما، فإنه هو. وإذا كان منضبطا دوما ثاقب الرؤية حاد الإدراك، بطىء فى العقاب، مفكر قادر على استخلاص النتائج بالتفكير رحيم كريم، عادلٌ فى القضاء، طويل الأناة على الإهانات، قادرٌ على كسب الناس، والاستمرار فى الصوم إلى المساء والتخفيف عن المظلومين، له مظهر كريم سريع الخطوة، حاد النظر، أعزب كما ينبغى أن يكون الأسقف([501])، مبتسما دوما حتى فى مرضه. هكذا كان هذا الرجل الذى كان عقابه تنصيب([502]) بروفيريوس لنفسه بواسطة الرشوة. وكانت طريقته[فى ذلك] كما يلى: أرسل إلى العاصمة رسالة موجهة إلى المسؤلين فى السلطة عن الاساقفة، واستصدر أمرا ملكيا بنفيه إلى الواحات بإعتباره مثيرا للفتنة. ومع ذلك، عندما سمع قنستانتيوس ذلك، وبمساعدة أصدقائه هرب إلى قبرص. ولكن بورفيريوس قبض على سيرياكوس وديوفانتيوس الكاهنين وآخرين، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية. ثم احتفظ إلى جانبه فى الخفاء بحزب اكاكيوس وانتيوخس وسيفريانوس، وانتظر فرصة خروج كل المدينة إلى ضاحية من الضواحى فى أحد الإحتفالات الوثنية الكبيرة التى كانت تُقام كل أربع سنوات تكريما لأعمال هرقلس والتى تُدعى أوليمبياد، والتى تخرج فيها أسراب من النساء فى حشود إلى دافنى([503]) لمشاهدة الألعاب الرياصية. وهجم على الكنيسة مع الأساقفة الذين ذكرتهم وعدد قليل من الكهنة، ورُسِم بسرعة خلف الأبواب المغلقة خوفا من إكتشاف الأمر لدرجة أنهم لم يُعطوا لأنفسهم فرصة لإنهاء الصلاة. هكذا، كان الزنى ونسله وأعماله دوما. وأخذ سيفريانوس وأصدقاؤه الرشاوى وفروا عبر الجبال والدروب غير المطروقة. لقد هربوا من رُعب الانسان، ولكنهم ضُرِبوا بالرعب من الله الذى تجاهلوه. والآن، عندما فرغ المسرح العام ودخلت الحشود المدينة قيل لهم ما حدث لبورفيريوس والدراما التى لعبها اكاكيوس. فى ذلك المساء، احتمل الشعب كمثل رجال يُجلَدون على زنى، ولكن فى اليوم التالى نهضوا واندفعوا فى الشوارع فى حشد كبير بنار وحطب عازمين على تدمير بورفيريوس وبيته. ولكن بورفيريوس إذ كان واعيا تماما بالكراهية نحوه هجر الله وهرب إلى قائد المعسكر([504]) ووضع مالا بين يديه. وهكذا حال بينه وبين الحرب مع الإيسوريين([505])وأعدَّ حملة ضد تلاميذ المخلّص. وهكذا، خرَّب الإيسوريون الهمجيون روسسRhosus ([506]) وسلوقية بينما خرَّب بورفيريوس وفالينتينوس الحاكم كنيسة الأرثوذكس بقوة مسلحة داست بأقدامها على علامة الصليب المخوف التى يحملها الأرثوذكس على أكتافهم([507]) لتكون معلما لهم وهم يقدمون الابتهالات فى الأرض القفرة. وبعد ذلك بعدة أيام أرسل بورفيريوس بعجلة كبيرة إلى العاصمة، وحث الماجستيرات الذين على طرازه لكى ما يُرسِلوا مخلوقا ما من بينهم ليكون حاكما ليليا، يكون مسنا ولكن نشيطا وذو سلوك شرير وذهن ملتوٍ، لكى ما يكون قادرا على على إختلاق الإتهامات الباطلة ضد المواطنين الصالحين دون خوف من عواقب. لقد كانت محاكاة جميلة لنيرون المقاتل ضد الله. لم يكن كسب الناس بالعقل[موضع إهتمامه] بل مضايقتهم بقسوة وبلا عقل. إذ لم يجعل هدفه مسرة الله من خلال كسب النفوس الضالة إليه، ولكن أن يملأ معدته مثل الثعبان الذى يزحف على بطنه([508]). ولذلك اجتمع عدد من العلمانيين خوفا من المعاملة الفظة، فى الكنيسة بدون إرادتهم من أجل الظهور، ولكن فى الحقيقة كانوا يقدحون فى سير الناس وانتظروا معونة الله.
وعند هذه النقطة قال ثيودورس فى دهشة ألاحظ شيئا ما مضادا للترتيب الطبيعى فى هذه الأحداث يا أبى. فكقاعدة عامة الأشخاص المحبين للمجد الباطل هم رجال مسرات، ويستحسنون التملق ويُقيمون موائد البذخ لكى ما يحظون بالحديث عنهم، وغالبا ما يُبصق عليهم. ولذا لا يمكننى أن أرى كيف أن بورفيريوس أو أى شخص آخر يُمكنه أن يُمارس طرق تهديد وعقاب ونفى.
أجل، هذا شىء غير عادى يا ثيودورس أن يصل إلى هذا الحد من الشر، ويكون أبعد ما يكون عن إرضاء الناس. إنهم لم يفكروا حتى فى صفات أعمالهم الشائنة. لأن الشر من الشر فى الشر. فالشر يطرح شِباك المجد الباطل بواسطة التملق عندما يُريد صيد البسطاء. ولكن عندما يكون المرء أسمى من التملق ومن ملذات الموائد، فإنه يستخدم التهديد والتعذيب لكى يُرغّب بواسطتهما أولئك الذين لم يقدروا أن يخدعهم بملذات المائدة والمداهنة. ونحن نرى ذلك فى حالة الشهداء. كلتا الطريقتان أُستُخدِمتا ضدهم. فقد نُصِبَت لهم شِباك الرشاوى والتكريم التى اصطادت أولئك الذين أفواهم مفتوحة للسمعة التى لا قيمة لها. ولكن أيضا أُستُخدِم التهديد بالعقاب والشىّ بالحديد([509])، وبالحيوانات المفترسة، وكل نوع من التعذيب الرهيب. وقد كشف[ ذلك]عن محبِّى الله([510]). ولكن لنعُد إلى القصة.
اجتمع كهنة انطاكية سرا بدون أن يقتربوا حتى من جدران الكنيسة، وكل النساء الرائدات اللواتى من أجلهن على وجه الخصوص طمع المدبرون الجشعون فى ذكائهن. وإننى لستُ فى حاجة إلى أن اقول لك ما حدث فى القسطنطينية، ولا كم كان عدد الناس، فكما قلتُ لك قبلا تركوا الكنيسة واجتمعوا فى الهواء الطلق لدرجة أنه حتى قادتنا فى الأمور الكنسية لم يكن لهم هذا العدد من الجمهور. ولا عن صمتهم لأنهم لم يحاولوا قط الكلام.
(الشماس) لقد خلصتنى يا أبى من الشكوك التى كانت فى ذهنى بوضعك للحقائق أمام عينىّ. فإن اتساق السرد الخاص بك، وشرحك المبسط يُقنعنى بأن ذروة هذه الأحداث قد حدثت بالفعل لأن الرواية الوهمية لا يُمكن أن تكون متسقة مع ذاتها. فإذا كان ذلك لا يُثقِل عليك، حدثنا من فضلك عن أوليمبياس إن كنتَ تعرف أىّ شىءٍ عنها.
(الاسقف) أىّ أوليمبياس؟، فهناك سيدات كثيرات بهذا الإسم. (الشماس) شماسة القسطنطينية، زوجة نيفرديوس Nevridius الحاكم([511]), (الاسقف): أعرفها جيدا جدا. (الشماس) أى نوع من النساء هى؟. (الاسقف) لا تقل إمرأة فهى مخلوق رجولى([512]). إنها رجل فى كل شىء خلاف الجسد. (الشماس) كيف ذلك؟. (الاسقف) فى الحياة، فى العمل، فى المعرفة، فى الصبر على الشدائد([513]). (الشماس) فلماذا إذن لعنها ثيوفيلس؟ (الاسقف) ثيوفيلس مَن؟. (الشماس) اسقف الأسكندرية. (الاسقف) يبدو لى يا ثيودورس أنك قد نسيتَ فى خِضم الكلام. (الشماس) كيف ذلك؟.
(الاسقف) إن الرجل الذى لم يرعَ الحق بل وطأه بالأقدام كما سردتُ فى روايتى، ولم يحترم الكنيسة الجامعة التى من أجلها وضع الإبن الوحيد، كما نعلن، حياته إلى الموت لكى ما يجعلها واحدة، وأهانها([514]) بسلوكه هل يحافظ على أرملة تقضى وقتها فى صلاة؟. أنظر حولك، هل لعن قط رجلا شريرا؟. إنه كره دائما الأتقياء. لِمَ لا تجمع من ذات خطاباته التناقض بين بعضها البعض؟. لقد نعتَ ابيفانيوس المبارك اسقف قنسطانتيا بقبرص الذى أدار الكنيسة هناك لستة وثلاثين سنة بهرطوقى وانشقاقى فى زمن داماسوس أو المبارك سيركيوس([515]). ولكن فيما بعد، فى رسالته إلى البابا اينوسنت التى يلعن فيها يوحنا المبارك، نجده يدعو ابيفانيوس القديس الكلى القداسة!!. كم مِن مرة قبَّل ركب([516]) أوليمبياس عندما كان يأمل فى الحصول على مالٍ من تلك المرأة التى يلعنها الآن وهى تطرح نفسها على الأرض غيظا، وتذرف الدموع على مثل هذه الأعمال التى تحدث من اسقف. ومع ذلك، ما هى الأسس التى على أساسها يلعنها؟.
(الشماس) إنه قال أنها قد استقبلت فى بيتها الرهبان الذين طرَدَهم. (الاسقف) حسنٌ. هل هذا خطأ أم صواب للأسقف أن يطرد أى تلميذ مهما كان، ناهيك عن راهب؟([517]). (الشماس) أجل([518])، إذا كان قد أساء إليه أو افترى عليه. (الاسقف) حتى لو كانوا قد فعلوا ذلك، كان حريا به أن يكبح سخطه الشخصى؟. فكيف إذن سينظر ثيوفيلس إلى الإهانات التى تحملها المسيح عندما يُفكر دائما فى سمعته الخاصة. لماذا لم يُحاكى أبدا المعلِّم الذى قال "إذ لُعِن، بارك"([519]) (الشماس) إذن ماذا كان عليه أن يفعل إذا كان الرهبان غير ارثوذكس؟. (الاسقف) أيا كانوا ، كان عليه أن يقوّمهم، ويُقنِعهم لا أن يطردهم. (الشماس) ولكن ماذا لو فعل ذلك، واستمروا فى جدالهم ولم يقتنعوا؟. (الاسقف) عليه أن يُنفّذ وصية الرسول "الرجل المبتدع بعد رفضه للوعظ مرة وإثنين عالما أن مثل هذا انحراف"([520]) إنه لم يقل أطرده، واسرقه وانفيه من وطنه الخاص بتهديد من الماجستيريت. (الشماس) أنت تقول لى عن القواعد لرجل كامل محب لله يتحمل الشر. (الاسقف) ومع ذلك ليست المسـألة محل ثناء كبير، ليتحملها الأدنى. ولكن إن كان الرجل ليس كاملا، على قدر ما يمكن، فكيف يقدر أن يكون اسقفا؟. فغير الكامل لن يكترث أبدا بالنقص. وكيف يُدعى ثيوفيلس([521]) إن كان لا يُحب الله الذى من أجله ينبغى أن يكون مستعدا لتحمل إهانات البشر؟. وإن كان لا يُحب الله، فمن الواضح أيضا أنه لا يُحب نفسه. فكيف يُحب الآخرين من كان عدوا لنفسه؟. لذلك ليس غريبا على الإطلاق أن يُنحِى باللائمة على أوليمبياس لإستقبالها للرهبان.
(الشماس) إننى أسلّم بأن ثيوفيلس قد انحرف وراء أعصابه عندما طردوهم، سواء أكانوا أرثوذكس أم هراطقة. ولكنه كان على الشماسة ألاَّ تستقبلهم.
(الاسقف) حسن، ماذا تظن هل كانت على صواب أم على خطأ. (الشماس) قلتُ أن ما فعلته خطأ. (الاسقف) هل فِعل الخير محل إدانة؟. (الشماس) بكل تأكيد، عندما يُعمَل الخير لأشرار ولأناس ينبغى عدم معاملتهم معاملة حسنة. (الاسقف) إذن، ماذا كانوا الخمسة آلاف رجل الذين أطعمهم المخلّص بخمسة خبزات من الشعير، [هل كانوا] أخيارا أم أشرارا؟. (الشماس) بما أن المخلِّص قد أطعمهم فمن الواضح أنهم أخيار. (الاسقف) لو كانوا أخيارا لماذا أطعمهم بأرغفة شعير؟. (الشماس) بسبب ندرة الأرغفة التى من القمح، وكانوا جائعين. (الاسقف) إذن، عندما وبّخهم على نقص إيمانهم، هل كانوا صالحين أم طالحين؟. (الشماس) مادام قد وبخهم، فمن الواضح أنهم طالحين. (الاسقف) حسن. هل نفس الرجل يكون صالحا وطالحا؟. (الشماس) بالتأكيد. (الاسقف) كيف؟. (الشماس) يمكنه أن يكون صالحا بالمقارنة مع الطالح. وطالحا بالمقارنة مع الأفضل. (الاسقف) رائع. فوفقا لذلك كان الرهبان صالحين وطالحين. فقدمت الشماسة الأمينة جدا واجبات الضيافة لهم بإعتبارهم رجال صالحين. ولكن اسقفنا العجيب طردهم كطالحين، وما كان ينبغى عليه عمل ذلك. (الشماس) ولكنه سيقول لك "إنك استقبلتَ أعدائى لضررى". (الاسقف) اعترض. لقد كان خطأً منه أن يدعوهم أعداءً على الإطلاق، [فبوصفه] شخص يُحاكى المسيح كان عليه أن يحتمل الإهانة.
(الشماس) لحظة واحدة أين جاء أن المخلص قد وبخ الخمسة آلاف كما قلتَ، فليس هناك سجل بذلك فى الكتاب المقدس؟. (الاسقف) عندما اجتمعوا وجاءوا ثانية إلى يسوع مرة أخرى، قال لهم "أنتم تبحثون عنى لا لكى ترون آيات وعجائب، ولكن لأنكم أكلتم من الخبز وشبعتم"([522]). فقال ثيودورس هذا واضح جدا(الاسقف) فإذا أُلقِىَّ لومٌ على أحدٍ فهذا يعنى أنه ملوم. (الشماس) صحيح جدا. (الاسقف) إذن هل أولئك الذين أطعمهم المخلص كانوا صالحين أم طالحين؟. (الشماس) إننى أسلّم أنهم كانوا طالحين "لأن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى"([523]). (الاسقف) حسنٌ، إذن هل فعلت أوليمبياس خطأً بمحاكاتها لربها الذى يُشرِق بشمسه على الأبرار والأشرار([524]) على الرغم من أن الفريسيين قد لاموه قائلين" إنه يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة"([525]). (الشماس) يبدو لى أنه على النقيض من الغرائز العامة للبشر، تُدان الأعمال النبيلة وتُعتَمَد الأعمال المشينة. (الاسقف) ما الذى يحعلك تقول ذلك يا ثيودورس أحب الناس للحق؟. (الشماس) أقصد إن لم تكن قد أوضحت المسألة لى بشرحك المنطقى، لكنتُ قد تبنيتُ نفس وجهة النظر غير الودية مثل الآخرين. ولكان حنق ثيوفيلس قد استرعى إنتباهى أكثر من أى مثال للحق. (الاسقف) إذن، على العكس من ذلك إذا ثبت أن هؤلاء الرجال القديسين ليسوا فقط ليسوا سيئين، بل حوَّلوا العديدين من الرذيلة إلى الفضيلة، فإنه من الواضح أن مضطهدهم ما كان يجب عليه أن يضطهدهم بدوره بل يلتمس لهم العذر([526]) كمن يضطهد دوما الصالح، ويقبل الطالح([527]). (الشماس) هو كذلك، حتى إذا لم يمكن إثبات حكمتهم وقداستهم كما يقول معظم الناس، فبواسطة التسلسل الفكرى نجد أن أوليمبياس بريئة من أى لوم إذ أنها قد وضعت موضع التنفيذ محاكاة المخلص. (الاسقف) وما الذى يشهد على قيمة الأعمال أقوى، شهادة الإناجيل أم شهادة ثيوفيلس؟. (الشماس) إننى اعترف أنه طرد الرجال بسوء مزاج منه وحب السيطرة، وأنه لعن أوليمبياس من باب الخرافة([528]) والعداء، جاعلا الرهبان ذريعة. والحقيقة أنه عندما وجد أن تملقه الذليل قد فشل فى الحصول على أى شىء يجاوز الطعام والضيافة، انقلب عليها ولعنها، فهذه هى طريقته مع كل أحدٍ
الفصل السابع عشر: فضائل الرهبان وفضائل اوليمبياس
(الاسقف) اسمعنى إذن يا أفضل الشمامسة(فأنت أهل للعناء) فإننى أرى أنك سوف تفعل خيرا كثيرا للعالم. فحماسك الشبابى هو عربون لشيخوخة مكرمة.
هؤلاء الرجال قد ترعروا، منذ طفولتهم المبكرة، من أبوين مسيحيين، وأخضعوا ذواتهم لله, وعندما كانوا فى ملء الشباب، رفضوا أن يكونوا عبيدا للغرور وأن يرتبطوا بالجمهور بل اختاروا بقعة منعزلة بعيدة عن العالم فى الجنوب حيث شيَّدوا لهم أكواخا لتحميهم من الحرارة الشديدة للشمس، ومن ندى الجو. وهنا قضوا وقتهم فى الصلاة والقراءة، ويتحصلون بعمل أياديهم على ما يكفى لقُوتَهم المُقتَصد مُعتبرين أنه من الأفضل الرعى مع الغزلان والعصافير والجاموس عن الولائم مع الناس الذين لا يعرفون الله. وكان أكبرهم يُدعَى هيراكس([529])، ومازال يُعرَف على نطاق واسع بهذا الإسم، ذات يوم زميلا لأنطونيوس([530]) ويبلغ من العمر تسعين سنة أو نحو ذلك. وكان هناك آخر يُدعَى أمونيوس [يبلغ] من العمر ستين سنة. وكان هناك إلى جانبيهما أخوان من المتوحدين وأسقف كان قد وُضِع فى مِقطرة([531])، ونُفِى فى عهد فالنس كما تعرف كل الأسكندرية. وكانوا سادة العلِم لدرجة أنه لم تكن هناك نقطة عسرة فى الأسفار المقدسة من النقاط التى تُصادف الناس عامة، تفلت منهم. لقد رقد إثنان منهم وأنهيا حياتهما فى القسطنطينية. وكان أمونيوس قد تنبأ برقاده، كما يروى أوريليوس وسيسنيوس([532]) وأنه سيكون هناك أولا اضطهاد عظيم وانشقاق بين الكنائس، ولكن المُسببين لذلك سيأتون إلى نهاية مشينة جدا، وستتحِد الكنائس ثانية. وهذا يجب أن يحدث لأنه قد حان بالفعل وقته جزئيا. ففى الوقت الحاضر هاجمت الأمراض بعض الأساقفة وبعض العلمانيين أيضا، وجعلتهم يُعانون من أنواع عديدة تحرق حيويتهم بحمى بطيئة، وأُصيبوا بحساسية لا تُطاق حتى أنهم سحجوا سطح أجسامهم بأظافرهم، وبآلام معوية مستمرة، وتورمت أقدام أحدهم بالإستسقاء الشديد. ووجد آخر الأصابع التى وقَّع بها التوقيع الآثيم([533]) تهتز بلا تحكم، مرة من برودة ومرة من حر والتى تنبع من أطرافه الأربعة. وإلتهبت البطن، وتعفن أحد الأعضاء وأنتج رائحة كريهة بعيدة المدى ودودا. وإنتاب آخر [مرض] الربو وصعوبة التنفس وإرتعاش سائر الأطراف. وتحولت كوابيس الكلاب الجشعة إلى سيوف لامعة موحشة، وإلى صراخ بألسنة غريبة مثل هدير البحر جعل نومهم لا نوم. وكُسِرَت قدم أحدهم اليمنى كمثل ساق الكرنب، عندما سقط من فوق جواده. وفقد آخر صوته تماما وظل يُعانى من عذاب لمدة ثمانية أشهر([534])[راقدا] على فراشه، غير قادرٍ على رفع يده إلى فمه. وتآكلت أقدام آخر إلى الركبتين تقريبا من قِبل جمرة متفاقمة على ما يبدو. وتتضخم لسان آخر على نحوٍ مرعب، يقولون، من حمى مستعرة لدرجة أنه ضغط على الأسنان وسدَّ [القناة الرئيسية] للجسد، ولما كان ليس هناك مجال للسانه فى الفراغ الطبيعى المُعيَّن له كتَب اعترافا بخطاياه على لوحٍ. وهكذا يُمكن للمرء أن يرى الغضب الإلهى يُنفِّذ عقابه بأنواع متعددة للإنتقام([535]) إذ أنها مثل الطبيب الذى يربح النفوس ويخرج من فمه عمل الخلاص([536]). لذلك سُلِّموا لآلام طبيب الأجساد الذى يُعالِج الألم بالأدوية الموصوفة عادة والمؤدية إلى الخلاص. لأنه مَن ذا الذى سيُشفى ذاك المُعاقَب من الله؟، كما يقول النبى "هل يقوم الأطباء ويمدحوك"([537]). هكذا هلك كلُ الذين يعملون ضد سلام كنيستك يارب.
ومن ناحية أخرى قيل أن مقبرة الراهب أمونيوس كانت تطرد الحمى المرجفة([538]) وقد دُفِن فى مزار الرسل عبر البحر. ويقولون أن الاسقف ديوسقورس كانت طلبته الخاصة إما أن يرى الكنيسة فى سلام، وإما أن يموت. فلمَّا كان العالم ليس مستحقا للسلام، وُهِب له الموت ودُفِن فى مزار الشهيد المواجه لبوابة المدينة ([539]). وكانت النتيجة أن مُعظم النسوة قد تخليَن عن القسم بالشهيد ويُقسِمن الآن بصلوات ديوسقورس. أما بالنسبة لباقى المتوحدين فإن بقية الرواية ستحتاج إلى كلام كثير، وبالطبع لا يمكنك أن توفر الوقت ايها السيد الشهير. (الشماس) كلا، فمن ذا الذى يتأثر للغاية ويرفض سماع رواية البطولة؟. تكلم أرجوك، وأصرف عن ذهنى كل فكر دنيوى، بكل كلمة عادلة بأمرك.
(الاسقف) حسن. هناك هيراكس آخر على الرغم من أنه يحمل إسما يونانيا، فإن حياته قد تزينت بجمال شخصيته. فهو فى البداية تبنى حياة التوحد الإنفرادى، فإنسحب إلى جبل بورفيريوس([540]) خارج حدود مصر وطيبة تماما، وخالى من التنفس البشرى، حيث عاش أربعة سنوات فى تقوى صارمة، مُعتبرا فضائل الحياة ذاتها كافية لراحته. ثم قضى خمسة وعشرين سنة فى نيتريا مع الآباء الذين ذكرتهم. لقد شنت عليه الشياطين غارة، كما قال لنا([541]) هو نفسه، وغيَّروا أنفسهم إلى شكل ملائكة نور، وحاولوا أن يهزوه عن الرجاء الموضوع أمامه، واعدين إياه بحياة طويلة، قائلين "ستعيش خمسين سنة، فكيف ستحتمل البقاء هنا فى الصحراء". لكنه أجاب بذكاء الإيمان "لقد أحزنتمونى عندما قلتم لى فترة أقصر من هدفى، فقد أعددتُ نفسى لمائتى عام فى الصحراء". وإذ سمعوا ذلك تبخروا وتلاشوا مولولين. هكذا كان الرجل الذى لم تستطع الشياطين أن تنقله بفسحة مديدة من الزمن إلى حالة الضجر([542])، والذى طرده البابا ثيوفيلس من وطنه بمرسوم، وجلب عليه مثل هذه الضيقة لدرجة أنه شق طريقه إلى العاصمة. وقد عاد الآن مرة أخرى بعد وفاة امونيوس إلى الصحراء الجرداء فى خوف من تذكر مَثل المحراث([543]).
وهناك آخر، قسٌ يُدعَى اسحق، تلميذ لمقاريوس([544]) تلميذ انطونيوس الرجل الذى أحب الصحراء لمدة خمسين سنة من عمره، وحفظ الكتاب المقدس كله عن ظهر قلب، وكان يُمسِك الثعابين ذات القرون بيديه بلا ضرر. البتول من رحم أمه. الذى رحل إلى الصحراء وهو فى السابعة من عمره، وبعد أربعين سنة طرده([545])البابا ثيوفيلس مع الرهبان السابق ذكرهم.
وأيضا اسحق آخر، القس الذى كان تلميذا لكرونيوس([546]) تلميذ أنطونيوس، والذى خلفه. هذا قد تعلَّم على نحو غير عادى، مثل اسحق الأول، الكتاب المقدس. وكان مضيافا لكلِ أحدٍ حتى أنه من فرط محبته غير العادية لرفقائه شيَّد نُزُلا فى الصحراء الجرداء لإنعاش الرهبان المرضى، و[استقبال] الغرباء الذين يأتون إلى المنطقة لرؤية الآباء المباركين...([547]) وكانوا يقولون أن الغريب الذى عاش لمدة ثلاثين عاما فى عزلة، عومِل بقسوة مع الآخرين. لقد كان الأول من هذين الإسحقيَن تحت إشرافه مائة وخمسين ناسكا، عيَّن منهم ثيوفيلس عندما كان ثيوفيلس بالحقيقة[ ثيوفيلس]([548])، نحو سبعة أو ثمانية أساقفة. وكان[تحت] الثانى أيضا نحو مائة وعشرة وأيضا صار كثيرون من تلاميذه فى عداد الأساقفة.
هؤلاء هم الرجال الذين قلتُ لك قبل يومين كيف طردهم البابا ثيوفيلس([549]) من الصحراء بسبب ايسيذورس القس. هؤلاء هم الرجال الذين مرَّ بهم القسوس واللاويون، واستقبلتهم يا للعار للرجال "إمرأةٌ رجلٌ". وقدَّمت الشماسة واجبات الضيافة لإدانة الأساقفة. المرأة التى مدحُها يتردد فى الكنائس لأسباب كثيرة. لقد اتبعت مثال السامرى الشهير أيا كان، الذى وجد رجلا فى أريحا أساء اللصوص معاملته وتركوه بين حى وميت، فحمله على دابته، وأحضره إلى نُزُل ومزج زيتَ محبته لرفقائه البشر بنبيذ مُعتَّق وضمَّد جراحاته المتورمة.
والآن، يجب أن أترك الرهبان لأتحدث عنها فكم من مال وثروة وزعته على المحتاجين. ولستُ أنا الذى أتكلم بل أولئك الذين استفادوا من كرمها([550]). فأينما عشتُ فى أى مكان لم تكن لى حاجة لأن أثقل عليها([551]). ولكن اصغ إلى ما سأقوله بعد عن فضيلة أعظم. لقد كانت يتيمة ومتزوجة، ولكن الله الذى يرى بسابق علمه مصائر الناس لم يسمح بأن تكون عبدة لملذاتها الجسدية التى تزعم طاعة الجميع. فقد ظل زوجها لعشرين شهرا يطلب حاجة الطبيعة، وقد أُشيع على نطاق واسع أنها مازالت عذراء, لقد كان عليها أن تخضع للوصية الرسولية "أود أن تتزوج الأرامل الشابات ويلزمن بيوتهن" ([552])، ولكنها لم تستطع القيام بذلك. وعلى الرغم من أنها تملك سائر المزايا: المولد الشريف، والثروة والتعليم الباهظ الثمن إلى جانب جمال شخصيتها ونعمة الأنوثة المزدهرة، لكنها ظلت حرة كغزال من شِباك الزيجة الثانية، لأن الناموس لم يوضع للبار ولكن للأشخاص الذين بلا ناموس ([553]) المهيئين للهلاك. وحدث أن خبر ترملها السابق لأوانه أن بلغ بنوع ما من خُبث الشيطان إلى آذان الملك ثيودوسيوس، فوضع فى نفسه للحال أن يزوجها لألبيدوس أحد أقاربه، وهو أسبانى. فطلب مرارا وتكرارا موافقة هذه المخلوقة([554])الشجاعة، ولكنها رفضت مُعلنة "لو كان ملكى يُريدنى أن أعيش مع زوج لما كان قد أخذ الأول([555]). ولكنه إذ يعلم أننى غير ملائمة للرباط الزيجى لأننى غير قادرة على إرضاء الزوج، حررنى فى الحال من هذا القيد، وأنقذنى من نير مرهق، ومن العبودية لزوج. بينما وضع فى ذهنى نير الزهد اللطيف". وإذ إغتاظ من هذا الرد، أمر الحاكم بالتحفظ على ممتلكاتها إلى أن تصل إلى سن الثلاثين. ولكن الضابط بتحريض من ألبيديوس، نفَّذ أمر الملك على النحو الذى يُضايقها من كل النواحى. فلم يسمح لها بالتعامل حتى مع اساقفة، أو حضور الكنيسة، على أمل أن تتعب من ذلك فتخضع لمشروع الزواج. ولكنها فرحت بالأكثر من ذلك، وقدَّمت الشكر لله، وبعثت برد إلى الملك " لقد أظهرتَ نحو تواضعى لُطفا جديرا بملك، وملائما لأسقف إذ عهدَتَ بإدارة هذا العبء الثقيل الذى يُقلقنى إلى إدارة سليمة. ومع ذلك ستفعل أفضل لو أنك أمرتَ بتوزيعها على الفقراء والكنائس. ففى الحقيقة كان ذلك موضوع صلاتى منذ أمد طويل، وهو أن أتخلص من المجد الباطل الذى قد ينشأ من توزيع الصدقات، وبذا لا أنشغل بالأمور المادية وأخسر ثروة النفس الحقيقية". وعندما سمع الملك عقب عودته من الحرب مع مكسيموس([556]) عن حماسها لحياة التلمذة([557])، أمر بضبطها لممتلكاتها.
(الشماس) إذن كان يوحنا على حق فى تكريمها إن كانت صارمة هكذا فى ضبط نفسها.
(الاسقف) أجل ففى الحقيقة أحجمت عن الأطعمة الحيوانية([558])، وكانت نادرا ما تذهب إلى الحمامات ([559]) عندما تستدعى صحتها ذلك(إذ كانت تعانى من متاعب مزمنة فى المعدة)، وكانت تنزل فى المياه بقميصها لأنه كما يقولون كان الحياء يمنعها من النظر إلى نفسها. (الشماس) يُقال أنها قد حافظت تماما على يوحنا المبارك. (الاسقف) حتى إن كانت قد فعلت ذلك، فما هو اللطف الذى أظهرته له ويستحق فضيلتها؟. إنها بالتأكيد وفَّرت عليه الإهتمام بخبزه اليومى من الشعير. وهذا ليس بالأمر الهيّن بالنسبة لعمّال المسيح الذين اهتمامهم ليلا ونهارا هو بالأمور الخاصة بالمسيح. فكما يقول بولس وهو يُحيى برسيس التى ربما تعبت مثل اوليمبياس "سلّموا على برسيس المحبوبة التى تعبت كثيرا فى الرب"([560]) فالكل كان يبحث عما لها وليس على ما للمسيح([561]). إننى أعلم أنها فعلت الكثير لنكتاريوس المبارك، لدرجة أنه كان يستشيرها فى الأمور الكنسية. ولستُ فى حاجة إلى ذِكر امفيلوكيوس وأوبتيموس وغريغوريوس وبطرس أخو باسيليوس، وابيفانيوس اسقف قبرص. أولئك القديسون الذين قدَّمت لهم فعلا هبات من أراضى ومال. وعندما كان أوليمبوس يحتضر فى القسطنطينية أغمضت عينيه بيدها. وإلى جانب ذلك، زوَّدت بسخاء انتيوخس البائس، وأكاكيوس وسيفريانوس بكل ما يلزمهم. وبإختصار [إعتنت] بكل كاهن زار المدينة، واستضافت نساكا وعذارى([562]).
ومع ذلك إذ كان يوحنا قد تقرر أنه قد أُرسِل ليكون نموذجا، إن جاز القول، لأساقفة المستقبل فى أسلوب الحياة المطلوب منهم، وبالتالى يتعين عليه الكرازة بالتوبة المسيحية على نفقته([563]) كما يقول بولس، دون أن يمس أى شىءٍ يخص الكنيسة. لذلك قبِل وجبة كل يوم حسبما تكون، وتجنب الإهتمام بمثل هذه الأمور. لقد قيل أنه كان مثل إنسان يخجل من نفسه عندما يشترك فى طعام مادى([564]). فعندما ينضج التفاح تماما، فإنه لا يقدر على البقاء فى الغصن ولكنه يطلب يد سيده. وهذا هو الحال مع القديسين عندما يرتفعون فوق الطبيعة بحبهم لجمال السمائيات، يتوقون حتى قبل الوقت المعيَّن لرقادهم، وإلى نوال الوعد. ونحن نرى نفس الشىء فى أطفال البيوت العظيمة. فعندما يعلموت بالكعك المعسول فإنهم يرفضون حتى لمس الطعام الموضوع أمامهم لكى ما يحتفظوا بشهيتهم للحلوى التى يتطلعون إليها. وإننى أترك ملاحظاتى لتقدير أولئك الذين شرعوا فى السير على ذات الدرب فى الرحلة الروحية لأنه إذا سمع الرجل الحكيم لرجل فطن فإنه سيُثنِى عليه، ويُضيف إليه"([565]).
الفصل الثامن عشر: مُثُل فم الذهب
(الشماس) لقد أرحت ذهنى أيها الأب المكرَّم بشرحك الوافى والمضنى، فإن روايتك تتفق تماما مع الشائعات التى وصلت إلى آذاننا ولكنها بنكهة جديدة من النعمة. بقى أن أقول أن المحافظة على الأسقف كان لا يُمثّل أى عبءٍ على الكنيسة لو كان يوحنا قد أخذ نصيبه من الكنيسة كما يقول الكتاب "الفاعل مستحق أجرته"([566]) وأيضا مَن يرعى قطيعا ولا يشرب من لبن غنمه" و"من يزرع كرما ولا يشترك فى ثمره"([567]). آلا نجد هذه الكلمات وكلمات أخرى كثيرة بنفس المعنى فى الكتاب المقدس؟.
(الاسقف) لقد نطقتَ بالملائم وبذكاء يا ثيودورس. فصحيح أن الشريعة المقدسة تٌعطى للمنشغلين بالأمور المقدسة الحق فى أن يأكلوا من الذبيحة، ولكن لاحظ ما يُضيفه بولس الطامع دوما إلى الخير "إننى لم أستخدم سلطانى"([568]) فى أشياء الجسد "لكى ما أكون عاملا للإنجيل"([569]) أى لأمور الروح. إنه لا يريد أن يكون حجر عثرة للضعفاء. فكما يقول "إذا رآك أى أحدٍ أيها القوى وأنتَ تأكل لحما فى ضعفه، آلا يعثر ضميره وهو ضعيف([570]) فيُقلدك فى الأعمال الضعيفة؟. لو كانت الأمور تنتهى عندنا وليس هناك مَن سيأتى بعدنا ليستلم بدوره من العلمانيين، لكان من الممكن للعاصى أن يقول دعنا نحيا كما نُريد، ونتمتع بطيبات الحياة. ولكن لمَّا كان الآتين بعدنا ينظرون إلينا كمعلِّمين، وكانت قواعدنا وسلوكنا أمام عيونهم، فنحن ملزمون أن نعيش ليس فقط لأنفسنا ولكن أيضا لأجله هو الذى مات وقام لأجلنا([571]) لكى ما نحصر ضعف العلمانيين، ونقود مراتبهم إلى المستويات الأفضل للإعتدال والبساطة، بتهذيبنا لأنفسنا. فكما يقول الكاتب "مَن هو الخائف الرب؟. الذى يضع له شريعة فى الطريق الذى اختاره"([572]). لأن المعلّم يضع الشريعة للشعب البائس والأنانى الذى يُخطىء بالفكر ويُرّحب بروح العبودية، كما يقول المرنم داوود "الرب يضع شريعة للخطاة فى الطريق"([573]) لكنه سيُعاقِب المخالفين. ولكن البار سيكسر قيود شريعة القيود من حبه للمعلِّم، مُصِرا على حقوقه فى التبنى بالروح، ويصير مشرِّعا لنفسه. هكذا كان أيوب فى العمل والقول معا "إننى لا أنظر إلى جارية"([574]). والآن، ما هو هذا العهد؟ حتى أن الذى يعصى فى الاعتدال تُقلَع عينيه([575]). وبنفس الطريقة يقول داود (لقد أقسمتُ وعزمتُ بثبات أن أحافظ على أحكام عدلك"([576]) وحيث أن إرادته مترددة ومرتجفة فإنه يُقيدها بقسم. إن يوحنا قد اتبع مثال هؤلاء الآباء لا كإبن نغول، بل كإبن حقيقى. وفى إشتياقه لأن يكون راعيا لجميع البشر، جعل نفسه وهو مضنى بشهوات متنوعة مشرَّعا([577]) لنفسه من أجل مستوى أعلى للحياة، سالبا نفسه بقرار غير قابل للتغيير. فإعتزل حياة الشُرب وتجمعات المزاح والإستهزاء والنميمة مسلِّحا عينىّ نفسه بغطاء واقى للروح، لئلا تجد الحماقة مدخلا من خلال الكلام غير اللائق والصاخب، وتُسبب اهتزازا فى الإعتدال، مثلما يقول الكتاب "المعاشرات الردية تُفسِد الأخلاق الجيدة"([578]). وهذا هو سبب المكائد التى حيكت ضده لأنه حتى عندما أشرق نوره الساطع كان مُعثِرا لهم، بقدر ما يكون المصباحُ مُعثِرا للعيون السيئة. وهكذا كان زميله فى الآلام أرميا الذى ناح بدموع على عدم إيمان الحكام والكهنة صارخا " يا ليت عينىّ ينابيع دموع لأبكى على شعبى ليلا ونهارا". ومرة أخرى "اين أُقيم، فى الصحراء لأترك شعبى وابتعد عنهم لأنهم جميعا قد زنوا"([579]). إنه يدعو مجمع الأنبياء الكذبة والقسوس مجمعا لكاسرى الشريعة([580]) لذلك يلتمس فى فقرة أخرى من الله، لا لأن الله لا يعرف ولكن لكى ما نتبع مثاله، "يارب لم أجلس فى مجمع المازحين، ولكن فى خوف عظيم من وجهك، جلستُ وحدى لأن نفسى إمتلأت مرارة"([581]). وبالمثل يُنشِد داوود "فى مجمع الأشرار لم أجلس، وإلى المخالفين لم أدخل"، ثم يُضيف لكى ما يجعل المعنى واضحا "كرهتُ إجتماع الأشرار، ومع الفجار لا أجلس. أغسل يدىّ" بسلطتى النشطة "بالبر وأطوف بمذبحك يارب"([582]). ولكن هؤلاء الناس يهتمون بالمذبح بأقل منه، ويولون ظهورهم له، ليس فقط عن قصد ولكن بأسلوب حياتهم غير قانعين بتدنيسه بأيادى غير مغتسلة وملطخة بالدماء من إعطائها وقبولها الرشاوى والإدلاء بأقوال كاذبة كتابة. إنهم يدوسون عليه بأقدام موحلة. لقد تحدث حزقيال عنهم بالرمز "واحضرنى إلى باب الدار ورأيتُ ثُقبا فى الجدار، وقال لى أُنقب يا إبن الإنسان. فنقبتُ وإذا باب. فقال لى أدخل وانظر الرجاسات الشريرة التى يصنعونها هنا. فدخلتُ وإذا كل أنواع الزحافات والوحوش والأصنام الباطلة والنجاسات. وقال لى. ها أنتَ قد رأيتَ يا ابن الإنسان ماذا يفعله شيوخ بيت إسرائيل فى الظلام فى الغرفة( يقصد فى أذهانهم) لأنهم قالوا الله لا يرانا الله ترك الأرض. وقال لى إنك سترى شرا أعظم يعملونه. وأحضرنى إلى مكان آخر وأرانى إياه. وإذا نساء جالسات تبكين لأجل تموز". ومرة ثانية "احضرنى إلى الدار الداخلية لبيت الرب، وإذا هناك اربعة وعشرون رجلا ووجوههم ملتفة بعيدا وظهورهم للمذبح، وقال لى هل هذا بالشىء اليسير ليفعله بيت اسرائيل([583]). إننا لا نسطيع أن نتصور أن فقرة النبى[هذه] كانت فى فِكر هؤلاء الناس المتهورين وخاصة الذين يعتقدون أنهم نوع ما([584]) ويخدعون أنفسهم، ويعملون على زعزعة سلام الكنيسة لأنهم أعطوا ظهرهم لمائدة الرب" الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى وهلاكهم لا ينعس"([585]) "الذين يفتكرون فى الأرضيات" ([586]). الذين يقول عنهم يهوذا أخو يعقوب "إنهم صخور مخفية فى ولائم المحبة، يصومون معك بلا خوف تذريهم الرياح، أمواج بحر مزبدة، يلحقهم العار، نجوم تائهة، محفوظ لهم قتامة الظلام"([587]) عندما يدعوهم "غيوم بلا ماء" فهو يصوّر الشر الذى به يُطعِّمون الكرمة. وعندما يقول "نجوم تائهة" يشير على وجه الدقة إلى المكائد ضد السفينة. وكلٌ من الكرمة والسفينة هى الكنيسة. وماهى العواقب الناجمة عن إتباع مثل هذه الأمور؟. اسمع ثانية نفس النبى حزقيال وهو يقول لنا([588]) "وإذا برجال قادمين من طريق الباب الأعلى الذى هو من جهة الشمال. وكل واحدٍ سلاحه الفتاك بيده. وفى وسطهم رجل متسربل إلى قدميه، وعلى حقويه منطقة من الصُفيّر([589]) sapphire. ودخلوا، ووقفوا بجانب مذبح النحاس، وصعد مجد إله إسرائيل الذى كان عليهم من الكروبيم إلى عتبة البيت. ودعا الرجل اللابس إلى قدميه، والذى له منطقة على حقويه، وقال له الربُ إذهب إلى وسط المدينة، وسط أورشليم، وضع سِمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على الكل، الرجاسات المصنوعة فى وسطها. وقال لهم" أى بكل وضوح إلى الرجال الستة الحاملين للأسلحة الفتاكة "على مسمع منى، إذهبوا إلى المدينة وراءه" أى وراء الرجل الذى يضع السمة على جباهم "واضربوا. لا تُشفِق أعينكم ولا تعفوا. اقتلوا الشيخ والشاب والاطفال والنساء والجوارى. ولكن لا تقتربوا من أى رجل على جبهته السِمة. وابتدأوا من مقدسى. فبدأوا بالشيوخ الذين أمام بيت الرب". فإذا تخيل أحدٌ أن هذه النبوة تخص فقط أحداث اليهودية فإننى أعتبره جاهلا بحقيقة مكوث الرب على الأرض، لأن حزقيال لم يكن نبيا قبل السبى. فبتدبير الله، سُبِى حزقيال وهو بعد طفلٌ مع بقية سِبط لاوى. وفقط فى سن الثلاثين، مارس وظيفة كاهن بين المنفيين. فهل استحق رؤية الأمور التى ستحدث كما يقول هو نفسه "وحدث فى السنة الثلاثين، فى الشهر الرابع فى اليوم الخامس بينما أنا فى السبى على نهر خيبر" ([590]). وأيضا بعد ذلك بوقت قصير" كانت كلمة الرب إلى حزقيال ابن بوزى القس فى أرض الكلدانيين على نهر خيبر". فإن كان مُعارضنا يرى فى ذلك صعوبات فليقل لنا الآن، هل المخلّص هو الذى ذهب أولا ورسم علامة الصليب على جباه الرجال ثم عندما لم يشاءوا الإيمان بالمخلّص، جاءت الإمبراطورية الرومانية فى أيام فسبسيان بعد ذلك بأربعين سنة ودمرت المجمع الذى عُمِل فيه الإثم. ونحن نقبل([591])[كمسيحيين] الرجل الذى يعتقد بهذا الرأى ولكننا نحثه كإبن للعهد الجديد ([592]) أن يتبع مثال بولس معلمنا فى هذه السرائر الذى يقول عن جميع الكتب من هذا النوع " هذه الأمور حدثت كمثال، وكُتِبت من أجل تهذيبنا الذى منها نهاية العالم"([593]). والآن إننى لا اقول ذلك، لأننى أرجو أن يأتى السيف على أعداء الله لا سمح الله. فالنبى لا يُشير إلى السيف الصُلب ولكن إلى قوة عِقاب أخرى يقول عنها حزقيال نفسه "وسأجلب على الأرض سيفا ". (أجلب، أى سأسمح) "وشعب الأرض سيجعلون رجلا من بينهم رقيبا لهم. وعندما يرى الرقيب السيفَ قادما ينفخ فى البوق ويُحذِّر الشعب. ومن يسمع ولا يحترس، إذا جاء السيف وأخذه فدمه على نفسه. ولكن إن رأى الرقيبُ السيف ولم ينفخ فى البوق، ولم يحذر الشعب، فإن جاء السيفُ وأخذ واحدا فإن دمه من يد الرقيب أطلبه"([594]).
والآن لم ينم المبارك يوحنا نوم غير المؤمن، ولا هو تغافل بغفلة الباحثين عن المتعة، ولكن إذ وضع هذا الخطر دوما نصب عينيه صاح بأكثر وضوح أعلى من البوق([595]) ولم ينطق بكلام مشكوك فيه([596]) بل أعطى الناس معرفة مؤكدة عن سيف الشيطان، وحثّ سائر البشر على الهروب منه. وكل مَن له ضمير سليم كمثل علامة على جباه نفوسهم قد خلصوا بنعمة الله معكم يا مؤمنو روما([597]) أما جميع الذين كانت ضمائرهم ملوثة من الشعب والكهنة بالمشاجرات فيما بينهم فقد غرقوا فى شر عظيم.
(الشماس) كلام رائع. ولكن من المسلّم به أنه من المستحيل أن يوجد إنسان بلا لوم وكامل فى هذه الحياة الدنيوية. لأن الكتاب المقدس يقول مرارا وتكرارا "مَن ذا الذى يفتخر بأن قلبه نقيا؟. أو مَن هو الواثق من أنه بلا خطية"؟([598]). أيا كان فإن يوحنا المبارك لم يعرف على أية حال كيف يستغل هذه الفرصة لأنه ينبغى على المرء ألا يتدخل مع أولئك الذين فى سلطة ([599]).
(الاسقف) يا عزيزى ثيودورس، اظن أنك أظهرتَ لنا فى البداية تعاطفا كنا نتوقعه منك، وقدرا ما من الندم([600]) ولكن قليلا قليلا تبرهن على أنك تميل إلى الأخذ بالسفاهات فلماذ؟. فحتى أعداؤه لم يجدوا قط هذا الخطأ الشديد فى سلوكه.
(الشماس) لماذا أنتَ غاضب يا أبى وأنت لك سمعة كونك محبٌ للحقيقة، من قولى أن المبارك لم يغتنم الفرصة؟. والكتاب المقدس يقول "لا تقف فى موضع الحكام"([601]) وأيضا " اغتنموا الفرصة"([602])، وخاصة القاعدة الضرورية فى التعامل مع الحكَّام الذين لن يقبلوا النصح أو التقويم.
(الاسقف) مبارك أنت فى تفسيرك هذا للكتاب المقدس. فالآية فى الجامعة([603]) "لا تقف فى موضع الحكام" موجهة إلى أولئك الذين لا يستحقون وغير كفء للكهنوت لتمنعهم من الإستيلاء عليه. فهو يقصد بالحكام معلمى البر، أولا الرسل الذين كانوا "حكاما" متدثرين بروح القوة، ويليهم أولئك الذين تبعوا مثالهم. أما عبارة "أشترى الفرصة" فهى تُستخدم لا لنكون منافقين، ولكن لتأمرنا عندما تثور فرصة الشر أن نشترى فرصة الفضيلة ولا نبيعها للإثم. فذاك الذى يشترى قليلا فقليلا الفرصة يجد أنه قد اشترى كل الوجود وعبَر على ملذات الحياة ليجد تلك التى فوق الحياة([604]). وهذا هو ما فعله الشهداء فقد سلّموا حياتهم بالجسد وورثوا الخلود لذلك اشتروا بالمعنى الحقيقى هذه الفرصة. فإن كانت وجهة نظرى غير سليمة فإن موسى وايليا وميخا ودانيال ويوحنا المعمدان وأشعياء وبطرس وبولس، ناهيك عن ذكر الآخرين، سيبدون أنهم يجهلون الفرص الخاصة بهم. فموسى لأنه وبخ رجلا، أحرز نجاته بالفرار وأطعم قطيع رجلٍ أممى على الجبال. وإيليا لأنه إذ غلبه النعاس فى حزنه، نام تحت يقطينة. وإذ لم يجد ظِلا أو جدارا أو صخرة، أعطته مأوى هزيلا. اشعيا نُشِر إلى نصفين. دانيال أُلقِىّ فى جب الأسود لتقواه. ميخا سُجِن فى مطابق(مما نفهم منه أنه كان فى غرفة تحت الأرض) وحُكِم عليه بأكل خبز المشقة وحُرِم من الماء لكى ما تُقطع حياته بعد فترة طويلة من البقاء هناك من جراء سوء المعاملة. وكان كل ذلك بسبب إتهاماته الصريحة لأحد الملوك([605]). وماذا ستقول عن يوحنا الذى لا نظير له بين المولدين من النساء؟. ألم يعرف أن ينتهز الفرصة، وقُطِعت رأسه لأنه أنَّب الملك على زناه، وهو الذى أظهر نفس الرعاية لهيرودس كطبيب عندما قطع مرضه الذى لا شِفاء له. وبنفس المبدأ أنَّب يوحنا([606]) مرضاه عن عطف أو مودة. فإذا كان المعمدان لم يعرف الفرصة فكيف عرف إذن صانع وفاطر الدهور عندما قال "هو ذا حمل الله، حامل خطايا العالم"([607]). وكيف لم يعرف الفرصة بولس وبطرس أعمدة الكنيسة اللذين حتى بعد موتهما يفتحان ويُغلقان الفرص لمن يرغب فى التوبة ويقرع على الباب؟. اعتقد أنهما كانا جاهلين بصفة خاصة إذ أن أحدهما قد عُلِّق مصلوبا من قدميه فى الهواء كإشارة لرحلته إلى السماء. والآخر قُطِعت رأسه. بسبب كلامهما الصريح عن المسيح، لكى لا يبتعدا عن الرأس الذى هو الرأس الحقيقى. فلا تُصغِ إذن إلى أولئك الذين ينتقدون ويلعنون صراحة القديسين. هذه هى ممارسة الأمم وأولئك الذين يظنون فى أنفسهم أنهم حاذقون. الذين عندهم الحياة والدعابات البذيئة أعز من شجاعة القديسين. ولكن لا يجب أن يكون السيف جادا ولا الكلمة الجريئة غير معلنة. فالشفقة والكلام الجرىء لا ينفصلان مثل العطر ورائحته. فإننى أسلّم أنه إذا كان التأنيب شخصيا([608])، أمام أهل بيته أو أصدقائه أو أنسبائه فإنه لن يستحِ فى حضورهم. إن المتكلم الجرىء من الممكن أن يُتهَم بالجهل للفرصة أو المكان السليم. ولكن إذا كانت الكنيسة مثل محل قصّاب، حيث يُمدَح فيها مَن يعمل حسنا، ويُلام فيها مَن يعمل رديا، فلماذا نغتاظ من التأنيب المُعطَى بدون ذِكر أسماء، ومن أجل خيرنا؟. إن ذلك يعنى أننا نُغذى أخطاؤنا بدلا من أن نطيع الذى قال "كل ما يُباع فى الملحمة كلوه، غير فاحصين عن شىءٍ من أجل الضمير" ([609]) وإلا سنجد ثانية([610]) [أن] القديسِين يُعثرون بعض المدن والبلدان من خلال تأنيبهم وأنهم يدمرون الآخرى بالإشادة بها. المثال الأول لذلك هو أيوب، فقد وبخ أرض فينيقية([611]) لأنهم[اى شعبها] استدعوا عدوه، الشيطان. إذ يقول "شعوب الفينيقيين يقسمونه بين انفسهم"([612]). ويليه موسى والأنبياء فقد وبخوا مصر ودعوها أتون محمى([613]) والظلمة، بينما مدحوا فلسطين ودعوها أرض الموعد. بينما ثبت أن مصر أرض موعد للصالحين، وفلسطين ليست فقط اتون محمى ولكن الظلمة الخارجية من خلال عدم الإيمان للكسالى. فليست الأماكن هى التى تُلام أو تُمدَح ولكن ممارسات سكانها. ومع ذلك لا أحتاج إلى تحليل حجتى بإسهاب وإنما هى تخدم البداية للإشارة إلى الأمثلة. فعندما يدعو بولس الكريتيين([614]) كذابين، وأهل غلاطية حمقى([615]) وأهل كورنثوس منتفخين([616]) وهلمّ جرا، فهل كان يُفكر فقط فى أخطاء هذه الشعوب على وحه الخصوص ويوبخهم وحدهم، أم أولئك الناس بشكل عام؟. وأيضا عندما يدعو الرومانيين مؤمنين([617]) والأفسسين الذين يكتب إليهم بلهجة أسمى "المستنيرين"([618]) والتسالونكيين بمحبى الإخوة ([619]) فهل كان ثناؤه قاصرا فقط على هذه الشعوب؟. بكل تأكيد كلها وإنما إذ هو مسوق بالروح، منح الثناء واللوم لكى ما يَعرِف المستحق للثناء ذلك فيتقوى فى حماسه، بينما الذى على النقيض قد يشعر بالأسى فيطّهِر نفسه من سبب اللوم. وهكذا لم يكن شعب غلاطية هو الشعب الوحيد الأحمق، ولا كان الكريتيون وحدهم هم الكذابون، ولا الكورنثيون هم المنتفخون وحدهم، لأن كل هذه الأخطاء هى أخطاء عامة لأن الطبيعة البشرية التى تُخطأ والتى تعمل أعمال البر هى واحدة. ونفس الأمر للميل نحو الإثم أو البر تبعا لإختيار وعى الإنسان. وهذا هو مبدأ يوحنا فى جسارته فى الكلام فى الكنيسة([620]). لذلك سيكون أكثر صوابا أن نقول أنه قد أعطى الجياع نصيبهم من لحم الفضيلة، وأبعد الخطيئة بالتوبيخ العلنى طاعة لمن قال "مَن يخطىء وبخه أمام الجميع، لكى يكون عند الجميع خوف"([621]). لكن إذا انتفخ بعض الناس بشدة بالكبرياء أو بالحماقة، حتى أنهم رغبوا فى الملذات التى ظنوا أنها تستوجب الثناء، فإن خدًّام الله ليس لهم مثل هذه العادات.
ها أنت ترى، أولئك الذين سخطوا من التأنيب الناجم عن الشهوة والزنى والملذات الأخرى الكريهة, إنما يعلنون ببساطة أن هذه التعديات رغم أنها سامة يجب أن تكون مقبولة (كمسيحيين)
الفصل التاسع عشر: دفاع ضد الإتهام الخاص بالتباهى والوقاحة
(الشماس) شكرا جزيلا يا ابى لزيارة محبتكم الأخوية، فقد كانت مفيدة لنا، وتذكار لكل حياتنا. وبعد هذه التحية السامية لزم ثيودورس الصمت. ولكن أحد الرفقاء انفجر [قائلا] حسن، إذن كيف تفسر تعاليه([622]) إذا كان مُزيَّنا بكل هذه الإمتيازات.
(الاسقف) هل عرِفت تعاليه عن خبرة شخصية لك، أم أن أحدًا ما قال لك هذا؟. فأجاب المتحدث: أنا لا أعرف الرجل، ولكننى سمعتُ هذا التصريح من رجل دباغ قال أنه كان من النادر له أن يدخل فى جماعته، فيما عدا فى الكنيسة، وأنه كان فى غاية الضيق من المقابلات مع الأشخاص الذين يريدهم. وهذا دليل على الكبرياء والغرور([623]) لتجنب التعامل مع الأشخاص الذين يرغبون فى ذلك.
(الاسقف) آه، رجل دباغ. الرجل الذى يجعل من رائحة ورشة عمله مسكنا للعيش. إنه مناسب تماما لإيجاد خطأ فى فلسفة يوحنا. فإذا كان تجنب الحشود، دليلٌ على الكبرياء. إذن يوحنا المعمدان كان متكبرا عندما اعتزل فى الصحراء. وأكثر من ذلك، سيكون المخلّص نفسه كذلك. لأنه مكتوب "لما رأى يسوع الجموع ، صعد إلى الجبل وعندما جلس جاء تلاميذه". ([624]) وليس الجموع، وأيضا "لما رأى الجموع اعتزل بعيدا"([625]). هكذا أيضا يوحنا اقتداءً بمثاله([626]) اعتزل الجموع على قدر ما يستطيع بينما كان يُسّر برفقة أولئك الذين كانوا يرغبون حقا فى التعلّم.
(الشماس) هذه حجة قوية من أدلة الكتاب المقدس. ولكن ماذا ستقول بالنسبة للإتهام بالغطرسة ([627]) عندما اعتزل ليس فقط الجموع ولكن أيضا حتى عن فرد أو إثنين؟.
(الاسقف) الفرد الواحد يُمكن أن يكون عمليا حشدا ضالا وغير مفيد، مثل ذلك الرجل الذى قال ليسوع "يا سيد سأتبعك أينما تذهب"([628]). آلا ترى أن المخلّص كان يهرب من الحشود عندما قال "للثعالب أوجرة ...إلخ". ولكنك لا تستطيع أن تقنعنى أن يوحنا بعد عماده أقسم قسما آخر أو كذِب أو لعِن أو انغمس فى طياشات([629]).
(الشماس) لا، لا أستطيع تأكيد شيءٍ من هذا القبيل. فقط أنه كان متغطرسا.
(الاسقف) يا صديقى العزيز، كيف كان ذلك ممكنا لرجلٍ برىء من هذه الذنوب أن يكون متغطرِسا ويفقد السيطرة على لسانه؟. إن الخطية الصغيرة تُنجس بنفس القدر مثل الكبيرة([630]).
(الشماس) حسن. إذن، قُل لى ماذا تعنى هذه التصريحات الشعبية؟. ومتى تتوقف؟.
(الاسقف) استمع إلى القصة كلها، ولا تلتفت إلى التقارير الباطلة، فإنك لن تجد أبدا عُذرا لذلك. فالناس الذين ليس لهم حياة مستقيمة لا يكون لهم أبدا فكرٌ مستقيم، فهُم ينِمُون دوما، وليس لديهم وقتُ لعمل أى شىء آخر وخاصة إذا لم يجرؤ أحد على الاختلاف معهم. لماذا أدلوا بكل نوع من التصريحات الوحشية عن المخلِّص، الله نفسه، الذى فوق سائر البشر فى القول وفى الحياة، وفى الفعل، وفوق الأنبياء؟. لقد كدسوا الإهانات تلوً الإهانات مثل سُمك الخنازير أو كسرب من الذباب. كانت هذه هى الطريقة آنذاك. فالبعض قال "إنه يخدع العالم"([631])، وآخرون "ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرج الشياطين"([632]) وآخرون "هوذا أكول وشريب خمر"([633])، وآخرون "إنه سامرى وبه شيطان"([634]). وماذا سيُفيد تجميع كل هذه الافتراءات معا؟. فالمخلِّص نفسه عرف ما كان سيحدث عندما قال لرسله "ماذا يقول الناس عن ابن الإنسان؟"([635])، فأجابه التلاميذ بذكر معظم الأفكار الجيدة عنه "البعض ايليا، والبعض ارميا وآخرون يوحنا المعمدان"، ولم يذكروا لغة الأشرار. فسألهم ثانية مميزا لهم عن "الناس" الذين تحدث عنهم سابقا(وكان على حق لأنهم لم يكونوا فى فكرهم من الناس بل أبناء الله لأنه بالنسبة لنا أعطانا الكلمة سلطة أن نصير "ابناء الله"([636])) ولكن "ماذا تقولون مَن أنا؟". وعندئذ أجاب بطرس مُعبّرا عن فكرهم جميعا "أنتَ المسيح ابن الله الحى". وقبِل المخلص هذا التصحيح وأعلن "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة، أى "على هذا الإعتراف"([637]) "سـأبنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها".
إنك ستجد نفس السمات فى اللوم والثناء الموجه ليس فقط ليوحنا بل أيضا للجميع، مثلما كان كل عمل المسيح ورُسُله فى ذلك الوقت ملعونا. فقد صاح الأفسسيون "هؤلاء هم الرجال الذين قلبوا العالم رأسا على عقب"([638]). ولكن كل ذلك قد كفَّ الآن، وقد تمجدوا. ولذلك سوف تجد بعدما يمضى هذا الجيل أن يوحنا يُكرَّم كشهيد([639]). عندما يصير كل أولئك الذين قاموا ضد سمعته الطيبة ترابا. فعندئذ سيقول الناسُ الذين على مستوى الكلاب أو الخنازير "لقد خدع العالم...إلخ"، بينما سيقول التلاميذ، بأمانة واحتراس، عن سلوكه([640]) "أنت المسيح ابن لله"؟ وإذا كان من بين آلاف البشر، هناك فقط إثنا عشر فى حالة المخلّص قد اعترفوا أولا بيسوع بينما تكلمت الأغلبية، حتى إلى اليوم، كلاما فارغا عنه فلا حاجة لنا للكلام عما قيل عن يوحنا بوجه خاص، وهو ليس جديرا بالمقارنة مع "بصاق المسيح". أقول مع "بصاق" وليس مع "هدب ثوبه"، إذ يقول اشعياء "هوذا كلُ الأمم ستُحسَب كقطرة من زجاجة، وكما البُصاق"([641]).
أما بالنسبة لِما قلتَه عن الغطرسة فإن الحقائق كما يلى: أولا كان من المستحيل بالنسبة له أن يمنح تفضيلا لكل أحدٍ ناهيك عن الغطرسة. ولكن فى تعامله مع أىٍ من تلاميذه الحقيقيين أو الإكليروس أو الأساقفة إذا لاحظ فيهم تفاخرا بإمتناعهم عن شىءٍ ما أو بتصحيحهم لممارسة التهذب الجسدى، فإنه ينعتهم بألقاب تعبّر عن العكس([642]). فعلى سبيل المثال، يدعو الممتنع عن السًكر سكيرا. والرجل الذى يعيش فى فقر مقدس طماع، والرجل الخيّر لصٌ. إنها طريقة للتعليم للرجال المكرَّمين لتقوية الصفات التى يمتلكونها بالحديث عن الصفات التى لا يمتلكونها. والحقيقة هى أنه اعتاد أن يكرّم الشاب المنضبط أكثر من الكبير الخليع، والكبير البارز عن الكبير الجاهل، والعلمانى الذى يتبنى الفقر أكثر من المتعلم الطماع. والرجل الفاضل الذى يعيش فى العالم عن الراهب الخامل. ربما الناس الذين يتطلعون إلى ألقاب التكريم، يعتبرون ذلك غطرسة بينما يوحنا([643]) يقول لأولئك الذين جاؤوا إليه ليتعلموا منه " يا أولاد الأفاعى من آراكم أن تهربوا من الغضب الآتى"([644]). وبولس نفسه يقول لرئيس الكهنة فى سفر الأعمال "سيضربك الله أيها الحائط المبيض"([645]) والمخلّص يقول فى أحد المواقع لليهود "جيل فاسق وشرير"([646])، وفى موضع آخر[يقول] لكل الرسل "أيها الأغبياء"([647]) ومع ذلك يدعو بطرس شيطان "اذهب عنى يا شيطان"([648]). مع أنه لم تكن هناك خطية كبيرة تستدعى مثل هذه التعبيرات القاسية.
فلنجعل إذن محبة التعليم([649]) بهجتنا فى صمت إذ لا نقدر أن نحكم على الأشخاص الروحيين([650]). إنهم ليسوا متغطرسين علينا لأنهم يكرهوننا ولا هم يُحبُون الإعتزال لأنهم منتفخون بالكبرياء، فإن هدفهم الوحيد ينبع من الحب. وهذا هو السبب فى أننا نجد أن جميع الذين وُصِفوا لنا فى السجلات المقدسة كرجال صالحين، يبتعدون عن الأشخاص الجاهلين([651]) خشية أن يعتادوا مع الوقت على طرقهم من خلال الألفة، وبالتالى يألفون مستوى أدنى من الفضيلة أو يكتسبون مشاعرهم.
ولتكن سارة أول أمثلتنا، فلقد حثَّت زوجها ابراهيم على أن يطرد من بيت العائلة ابن الجارية بينما كان ما يزال طفلا، لأنها اعترضت على لعبه مع ابنها اسحق خشية أنه إذا ما تسليا معا قد تتسم أخلاقياته بسلوك اسماعيل وطرقه. ويعقوب، حافظ على أمنه بهروبه إلى ميسوبوتاميا وتغربه هناك. ولوط حذّره الملائكة لينتقل من بين الناس الأشرار فى سدوم. وموسى كما قلتُ سابقا عندما كبر أبَى أن يُدعَى ابن ابنة فرعون([652]) وعزم على الإنفصال عن الطاغية ورجاله المسلحين([653]) وحذّر الذين كانوا من نفس فكره ليخرجوا معه وأن يجعلوا الخروج أول اهتمامهم. والأنبياء أيضا ابتعدوا عن الحشود وعاشوا بصفة عامة فى الصحارى، وقال عنهم الرسول "جالوا فى الصحارى والجبال والمغائر وشقوق الأرض" ([654])، وكان ذلك لتجنب الاختلاط مع الوضيعين، ولأنهم عرفوا أن الإختلاط له قوة الخداع والانخفاض عن المستوى العام لأولئك الذين يقضون أيامهم معا، وأكثر من ذلك، أن مثل هذا الإختلاط هو فى حد ذاته ضار وسام، بل وحتى مُشين. إنه ضد الطبيعة أن تضع أمورا متضادة معا، أو تتسامح معها لفترة قصيرة([655]) لأن المِثل يميل دائما إلى المِثل، مثلما يقول المَثل " كل طائر يحب مثيله"([656])، ولكن غير المثيل مكروه وغريب. مَن فى العالم يمكنه أن يُدرّب حَمَاما آكلا للحبوب على أن يأكل رميما أو غربانا؟. أو [يدرب] أوز أو كركى، على أن يرعى مع النسور التى تلتقط الجيف؟. لأنه أية شركة للنور مع الظلام([657]) أو للفضيلة مع الرذيلة، أو للردىء مع الجيد.
(الشماس) كيف إذن، يقول الرسول "صرتُ كل شىءٍ لجميع الناس، لليهودى كيهودى، للضعيف كضعيف لكى ما أربح الضعيف وللذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس لكى ما أربح الذين بلا ناموس([658]).
(الاسقف) هذا الاقتباس ياسيدى العزيز لا يدعم زعمك الخاص لأن بولس لم يقل صرتُ بلا مبالاة للذين بلا مبالاة أو تافها للتافهين، أو طماعا للطماعين، أو أى شىءٍ من هذا القبيل. ولكن صرتُ كهذا أو كذلك"، وليس صِرتُ "هذا" لأن صِرتُ "مثل هذا" ليست نفس الشىء كصرتُ "هذا". إن كلام وأعمال الرسول هى "مثل" التى (للآخرين). إن تنازله من الممكن ألا يكون خيرا كبيرا، ولكنه بكل تأكيد لم يسبب أى ضرر.
"صرتُ لليهودى كيهودى". أجل، فلقد أُختُتِن. بأى معنى إذن يقول "كيهودى"؟، وليس "صرتُ يهوديا". لقد كان غالبا ما يحفظ السبت والصوم مع اليهود دون المساس بتعليم المخلِّص على أملٍ أن يقودهم إلى المعرفة الأكثر كمالا من خلال الألفة والمرافقة معه([659]) تماما كما أن الأطباء لا يبقون دوما مع مرضاهم أو يُعانون من نفس شكاويهم أو يهذون مثلهم. إن طريقة الحياة التى تلائم المعلّم تتطلب ألا يقضى الكثير من الوقت مع الحشود ولكن أن يبقى فى هدوء، وأن يُفرق بين الشخصيات المتعددة بفحص دقيق. وهذه هى طريقة الأطباء العلماء. إنهم يكرسون وقتهم فى الغالب لكتبهم وبذا يمكنهم تشخيص أسباب الشكاوى وأن يصفوا لها العلاج. إنهم يقتربون من المرضى بالقدر الضرورى اللازم فقط لإكتشاف المرض ووصف العلاج، دون أن يأكلوا أو يلعبوا معهم. فالمهارة الطبية لا تعنى اللعب والأكل مع المرضى ولكن أن ترد الصحة للمرضى.
وإذ فعلتُ ذلك فإننى أرجوك ألا تزعجنى بنفس الاعتراضات، فالفضيلة لا تُهزَم أبدا بثرثرة الثرثاريين. وبدلا من ذلك إقبل وجهة نظرى وضع حارسا على أبواب آذانك الخاصة، لكى ما تحفظها من سماع كل ما يُقال وتحفظه فى مستودع ذاكرتك. والآن، دعنى أقول لك بقية قصتى لأنه يجب أن أُسرِع فى طريقى.
فقال ثيودورس، أين هم الأساقفة ايليسيوس وبالاديوس وسيرياكوس وديمتريوس، الذين أُرسِلوا مع مندوبينا؟. فقد سمعنا شائعات غامضة أنهم قد نُفِيُوا.
(الاسقف) إن كانت روايتى عن يوحنا واضحة لك، وليس بها أى شىء خفى، وإذا تذكرتَ ما قد قلته، فإننى سأجيب على أى سؤال تود أن تسأله.
الفصل العشرون: معاناة القديسين والنعمة الإلهية
(الشماس) إننى مقتنع تماما بالحقيقة كما لو كنتُ فى الموقع ذاته. وخير دليل على قبولى لروايتك هو الانتباه الذى أوليته لها. وإذ مازال تذكارها يرن فى أذنىّ، فإنه من الممكن أن أدونها كتابة ([660]) بحبر على قطعة من الرق كتذكار لذريتنا ولمنفعة أولئك الذين يتطلعون إلى الاسقفية لكى ما يكونوا إما قديسين مثل يوحنا ومثلك، يا من اخترتما طريق الشهادة من أجل الحق، وإما أن يتخلوا عن محاولة تحمل عبء يفوق قدراتهم، ويقنعون بحياة العلمانيين الخالية من المخاطر([661]). فعندما يكون هناك ربابنة ذوى خبرة، يكون من الأفضل دفع الأجرة والوصول بآمان إلى الميناء كراكب، عن أخذ مكان الربان نفسه، وفقد السفينة والشحنة معا عن طريق الغرق. لقد أعطيتنا وصفا لعمل يوحنا المبارك وعن نظام حياته الصارم، وعن عمله الرائع فى كنائس انطاكية والقسطنطينية، وعن تقدمه، وعن المؤمرات التى دُبِّرَت ضده، وعن كل تجاربه المريرة التى جُلِبت عليه من قِبل أشخاص سيئى السلوك نفذوا هذه المؤمرات. وقد حدثتنا أيضا عن بورفيريوس الخصى الذى من أفسس. والآن حدثنا عن الباقين. مَن تُوفِىَّ فى السجن؟. ومَن مِن الذين كانوا فى شركة مع يوحنا قد نُفِىَّ. فمن العدل أن نحتفظ بذكرى هؤلاء الرجال فى ذاكرتنا لتشجيع الأحياء. ففى الأمور التى تخص الحياة الدنيوية، يُعانى الخدم، من أجل أسيادهم، من السجن أو الضرب أو التعذيب. أو يُكافأون من قِبلهم باللطف والتحرر. فكم بالأكثر أولئك الذين يستحقون الإكرام والشرف من الكنيسة. أولئك الذين يُعانون من أجل المسيح؟. يقول الرسول عنهم "كأسرى مع الأسرى، ومُذَّلين مع المذلولين، كأنكم أنتم أيضا فى الجسد" "([662]) لأنه "كريم فى عينىّ الرب موت قديسيه"([663]).
(الاسقف) كلام ممتاز. اسمع إذن. لقد أُشيع أن الأساقفة قد أُلقِىَّ بهم فى البحر. ولكن الرواية الصحيحة توضح أنهم قد أُرسِلوا إلى المنفى خارج حدود مقاطعاتهم الأصلية، فى مناخ بربرى حيث مازالوا تحت حراسة الشرطة. فالشماس الذى كان مسافرا معهم قد أخبرنا عند وصوله أن سيرياكوس Cyriacus ([664]) كان فى حصن بلميرا Palmyra عند حدود فارس على مسافة ثمانين ميلا داخل البلاد من إميسا([665])Emesa . وأن إيليسيوس[الذى] من بوسطرة([666]) بالعربية، كان فى حصن يُدعَى مسفاس Misphas بالقرب من أراضى الساراسيين([667]), على مسافة سفر ثلاثة أيام. وأن بالاديوس كان تحت الحراسة فى مكان يُدعى سين([668])، مجاورا لمناطق البليموث([669]) وهم قبيلة أثيوبية. وكان ديمتريوس فى مكان بعيد بالواحة المجاورة لمناطق المازيق(فهناك واحات أخرى). وأن سيرابيون قد أُتُهِم بإتهامات لا حصر لها غير مؤكدة، قد أصيب بإصابات شخصية من قضاته المتوحشين الذين ذهبوا، كما يُقال، إلى حد خلع أسنانه ثم نُفِى إلى بلده الخاص([670]). ونُقِل هيلاريوس([671]) الرجل القديس المتقدم فى العمر، إلى بونطس الداخلية بعدما ضُرِب ليس مِن قِبل القاضى ولكن من الإكليروس. الرجل الذى لم يذق خبزا لمدة ثمانية عشر سنة، وكان يعيش على الأعشاب والقمح المسلوق. وذهب انطونيوس بإختياره إلى منفى فى كهوف فلسطين. ويُقال أن تيموثاوس([672]) من مارونيا، ويوحنا من ليديا كانا فى مقدونية. وتوجه رودون من اسيا إلى ميتيلين Mitylene. وقيل أن غريغوريوس من ليديا كان فى فريجيا. وترك بريسون أخو بالاديوس([673]) بإرادته الحرة كنيسته وعاش فى مزرعته الصغيرة عاملا بيده فى أرضه. وتم التحفظ على لامبتيوس كما يقولون، فى مكان ما بليديا بواسطة ايليسيوس، فكرَّس نفسه للقراءة. وكان يوجينوس فى بلده الخاص. وقضيا ألبيديوس اسقف لاودكية العظيم وباباس ثلاثة أعوام بدون النزول على درج منزلهما([674]) متفرغين فى الصلاة. وأُعتُقِل هيراكليوس لمدة أربع سنوات فى سجن نيقوميديا. أما باقى الأساقفة الذين كانوا فى شركة مع يوحنا فالبعض فقد شجاعته كلية واشترك مع آتيكوس، ونُقِلوا إلى كنائس أخرى فى تيراقيا. والبعض غاب عن الأنظار. وقيل أن أناتوليوس[يقيم] فى بلاد الغال.
ولننتقل الآن إلى الكهنة. بعضهم نُفِى إلى العربية وفلسطين. وتيجريوس([675]) إلى ميسوبوتاميا. وهرب فيلبس إلى بونطيوس ومات. وعاش ثيوفيلس فى بافلوجونيا. وأسس يوحنا بن اثيريوس ديرا فى قيصرية، ونُفِى اسطفانوس إلى العربية، ولكن الإيسوريين انتزعوه من يدى الحارس، وسُمِح له بالتوجه إلى منطقة طوروس. وقيل أن سالوسينوس فى كريت. وأعتقد أن فيلبس المتوحد القس المسؤول عن المدرسة([676]) يرقد مريضا فى كامبانيا. وصفرونيوس الشماس مسجون فى طيبة. وبولس الشماس مساعد الخازن قيل أنه فى أفريقيا. وبولس الآخر شماس كنيسة القيامة [موجود] بأورشليم. وهيلاديوس ([677]) كاهن القصر يعيش فى مزرعته الصغيرة فى بثينية. وعدد كبير مختبىء فى القسطنطينية، وآخرون ذهبوا إلى أوطانهم الخاصة. فسلفانوس الاسقف القديس فى ترواس، ويعول نفسه بصيد السمك. واسطفانوس الناسك، جُلِد فى القسطنطينية ثم أُلقِىّ فى السجن لعشرة أشهر لمجرد أنه أحضر رسائل من كنيسة روما([678])، ثم عُرِض عليه إطلاق سراحه شريطة أن يشترك(مع آتيكوس). وعندما رفض مزقوا جلده عن ضلوعه وصدره بأكثر وحشية(وقد رأيت أنا نفسى آثار ذلك). ومع ذلك حُفِظت حياته بعناية نعمة المسيح ربما لجهادات آتية. وبعد عشرة أشهر من العلاج الطبى نُفِىّ إلى بيلزيوم. وأُتُهِم جندى يُدعَى بروفنسيالوس Provincialus من الحرس الإمبراطورى بأنه من محبى يوحنا. فجُلِد أولا مرارا، ثم عُذِّب بلا رحمة، ثم نُفِى إلى بترا([679]). وقبِل خادم ألبيديوس القس رشوة، كما يقولون، خمسين قطعة من المال ليغتال يوحنا القديس غدرا ولكن تم القبض عليه وهو معه ثلاثة سيوف، [ بعدما] جرح سبعة من الذين قبضوا عليه واحدا تلو الآخر. ودُفِن أربعة منهم فى الحال، وخضع ثلاثة للعلاج مدة طويلة قبل أن يُشفوا، ولكن القاتل بُرّأ ([680])!!. ويوتروبيوس المُنشد([681]) المبارك الذى لم يتدنس بنساء، جُلِد على نحو مرعب ومُزِّق جلده عن ضلوعه وعن جبهته، ونٌتِفت حواجب عينيه، وأخيرا عروا أضلاعه فى الجانبين ووضعوا مصابيح زيت على العظام إلى أن لفِظ أنفاسه على المشواة، ودفنه الكهنة مرتكبو هذه الجريمة فى منتصف الليل. ولكن الله شهد لموته برؤية للمنشدين تشير إلى رمز آلامه لآلاَم المخلص. وقد أعلمنا الشماس الذى عاد إلينا من [عند] الأساقفة([682]) أن ضباط الحاكم المكلفين بهم عاملوهم بشكل سىء للغاية وفقا للتعليمات الواردة إليهم من مصدر ما أو آخر، لدرجة أنهم صلوا من أجل الموت والراحة من الحياة. فقد سرقوا من الأساقفة كل بِنِى معهم لنفقات السفر، واقتسموها فيما بينهم. وأركبوهم على حمير عارية([683]) وقطعوا مسيرة يومين فى يوم، سائرين إلى وقت متأخر من الليل، ثم الانطلاق قبل بزوغ ضوء الصباح. ولم تتمكن بطونهم من الشبع حتى من الطعام الهزيل الذى سُمِح لهم به. ولم يُضيّعوا أية فرصة لإهانتهم بلغة بذيئة ومشينة. وأسروا خادم بالاديوس وأجبروه على تسليم معلمه. وأحد هؤلاء الذين عاملوا ديمتريوس معاملة سيئة عندما وصل إلى زيبين Zibyne فى وقت متأخر فى المساء اشتكى من ألم فى رأسه وقدميه، وتُوفِى فى عذاب. وقد اعترف الرجال الملهمون بأن موته هذا كان عقابا على قسوته. وكان بالاديوس قد قال له، حسبما أعلمنا جندى كان زميلا له([684]) أنه لن يستطيع القيام بسفر آخر، إذ سيموت يائسا. وكانوا لا يسمحون لهم بالإقتراب من كنيسة، ولكن إما يبيتون فى خان حيث كان به عدد من البغايا، أو فى مجمع للسامريين أو اليهود. وغالبا فى طرسوس حيث أوحت لهم محنتهم بفكر جديد لم يكن لديهم من قبل، أن قال أحد الأساقفة "لماذا نتعب بمسألة إقامتنا، لِم لا تمكثون معنا حيثما تقيمون حتى نكون مسؤولين إذا ما حدث إساءة تصرف منا بإختيارنا؟. آلا تعلمون أنه مع كل ما حدث وما سيحدث، يتمجد إبن الله فى كل شىء. فكم من هؤلاء البغايا اللواتى نسين الله، أو لم يعرفن [شيئا] عنه، قد عادوا برؤيتنا فى هذه الحالة إلى مخافة الله وفكره. وهكذا تحولت الأمور إلى أفضل، أو على الأقل حُفِظت من الإنزلاق إلى ما هو أسوأ؟. إنه ليس بالأمر القليل للنفس العاقلة فى زمن الشدة أن يكون لها حتى راحة زهيدة، ويجب علينا أن نعتبره حافزا لضبط النفس. فبولس الرائى الذى تألم مثلنا يقول "نحن رائحة المسيح الذكية لله فى الذين يخلصون والذين يهلكون"([685]) لأننا " صرنا منظرا للملائكة وللناس"([686]). إن الأساقفة المحليين الذين اشتركوا مع ثيوفيلس فى سائر أنحاء الشرق، قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك فى قسوتهم الوحشية، حتى أن بعضا منهم كانوا أبعد ما يكون عن مظهر البشرية المعتادة، ورشوا فى الواقع الضباط ليتخلصوا منهم خارج المدن بسرعة. وكان الفعلة الرئيسيون فى هذه الجناية اساقفة طرسوس وانطاكية، وأولوغيوس([687]) اسقف قيصرية فلسطين، وخاصة أسقف انقيرا، وأمونيوس اسقف بيلزيوم([688]) الذى جعل الجنود المكلفين بهم أكثر وحشية إما بالرشاوى أو يالتهديدات، وحثهم على منع حتى أولئك العلمانيين الذين يرغبون فى تقديم واجب الضيافة لهم.
وعلى نفس الأسس يُدين يوحنا المبارك وهو يكتب إلى غايوس فى رسائله الجامعة اسقفا ما لكنه يُثنى على كرم ضيافة غايوس ويحثه على عدم محاكاة الاساقفة الاشرار. وهذا الكلام كما يلى" إلى غايس الحبيب الذى أحبه بالحق. أيها الحبيب إننى أصلى كى ما تكون مزدهرا فى كل شىء وبصحة [جيدة]، كما أن نفسك ناجحة لأننى ابتهجتُ للغاية أنك تسلك بالحق. وأنك تُنعِش القديسين فليس لى فرح أعظم من ذلك" ([689]) ثم يضيف بعد ذلك "لقد كتبتُ إلى الكنائس، ولكن ديوترفس الذى يُحب أن يكون متفوقا بينهم لا يقبلنا، هاذرا علينا بكلام ردىء وغير قانعٍ بهذا، بل لا يقبل هو نفسه الإخوة، ويطردهم من الكنيسة". ثم ينصحه بعد ذلك بقليل "فلا تُحاكى أيها الحبيب الأشرار لأن من يصنع الخير هو من الله، ومَن يصنع الشر لم ير الله"([690]).
لقد نقلتُ لك الفقرة كلها التى تتحدث عن شر الأيام الخوالى، لكى ما تتصور فكر ديوترفيلس اليوم. ولكنه يا صديقى أشاد وأُعجِب بأساقفة كبادوكيا الثانية، لتعاطفهم العميق إلى حد الدموع مع الاساقفة المنفيين، وخصوصا ثيودرس من تيلنا، ويوسيفورس أسقف كولونيا لثمانية واربعين سنة. وسيرابيون من أوستراسين([691]) الذى شغل خدمة الأسقفية لخمسة وأربعين سنة.
وبعد أن لبث ثيودورس صامتا متأثرا قال أخيرا ماذا نقول عن كل هذا يا أبى، هل يُمكن أن نعتبر ذلك الساعة الأخيرة التى يتحدث عنها بولس، والتى تبُشِر بها هذه الأحداث "من أن ابن الهلاك، المقاوم يجب أن يُستعلن([692]). إن فكرة إزدهار الأشرار ونجاحهم فى [تحقيق] أغراضهم، وإستمرارهم لفترة طويلة، ونوالهم لسلطة أكثر، بينما يُضطهَد الأبرارُ ويُنهَبون تملأنى رُعبا من أن هذا الشخص قريب وفى متناول اليد.
(الاسقف) بكل تأكيد ياسيدى الأكثر ذكاءً، النهاية قريبة كما نقرأ "يا أولادى إنها الساعة الأخيرة" ([693]) و"خرج رب البيت فى نحو الساعة الحادية عشر ليستأجر فعلة لكرمه"([694]) والساعة الأخيرة هى الثانية عشر. فإذا كان الرسول قد تحدث عن الساعة الأخيرة منذ أربعمائة سنة مضت فكم بالأحرى بكل المظاهر، تكون الساعة الأخيرة الآن ([695]). مرة أخرى علينا أن نتذكر منذ البداية، أن هذه الأمور قد حدثت بسماح من الرب لتدريب القديسين. فالشيطان يرغب فى إمتلاكهم حسبما يقول كلام المخلّص. "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يُغربلكم كالحنطة. ولكننى طلبتُ من أجلك لكى لا يفنى ايمانك"([696]).
وبكل تأكيد لم يصلِّ الربُ من أجل سمعان وحده، بل من أجل جميع مَن لهم إيمان بطرس. و"الغربال" يمكن أن يعنى دائرة الأرض المملوءة بالملذات والآلام التى تشكل، إن جاز القول، ثقوبا يسقط منها الناس الدنيويون وينفصلون كالتراب عن الحنطة المغذية. فالبعض يسقط من خلال ثُقب الشراهة، أولئك الذين "بطونهم آلهتهم"([697]). والبعض من خلال ثُقب محبة اللذات، أولئك الذين يتحدث عنهم النبى أنهم ضلوا بروح الزنى([698]) لأنه "لا زناة ولا فاسقون يرثون ملكوت الله"([699]). وآخرون يسقطون من خلال ثُقب الخلاعة أولئك الذين اقترنوا بعروس الوثنية. وآخرون من خلال ثُقب الغضب والهوى، أولئك الذين أحبوا الظُلمة البهيمية، الذين يقول عنهم يوحنا[الحبيب] "مَن يكره أخاه فهو فى الظلمة إلى الآن" ([700]). لأن الغضب كما يقول كاتب سفر الأمثال "يُهلِك حتى الفطن"([701]). وآخرون من خلال الضجر([702]) accidie والنسيان، لأنهم لا يُثابرون على التذكر بلا نوم، الذين خطابهم إلى الله هو "قلبى نام من السأم"([703])، ولذلك يُحذّرهم الكلمة "ويل لكم" يا مَن فقدتم الصبر، ماذا ستفعلون عندما يفتقدكم الربُ"([704]). وآخرون، من خلال ثُقب التفاخر الذى يقول عنه المرنم "لأن الرب يُبدد عظام الذين يرضون الناس"([705]) وآخرون أيضا من خلال[ ثُقب] الإدعاء الكاذب([706]) أو الكبرياء الذى هو الغطرسة. إنهم أولئك الذين يوبخهم النبى كمرتدين "لقد تجاوز المتكبرون إلى الغاية ولكننى عن شريعتك لم أحد"([707]). فكلٌ من هذه الرذائل تتلوها أخرى أسوأ منها، فالكبرياء يتلوه الحسد. والجشع يتلوه الكراهية والبُخل والكذب([708]). والهوى يتلوه الغضب أو حب الإنتقام والوقاحة والحسد([709]). الزنى يتلوه الخمول واللامبالاة والنوم غير المفيد([710]). المجد الباطل يتلوه التصلف. أعمال الرشوة يتلوها الأهواء الباطلة، والنفاق والأخذ بالوجوه والخداع والتفاخر بالأفكار الحمقاء والقسوة، والمعصية والحماقة وهلم جرا. ولا أريد أن أُثقِل فى حجتى بتقديم أمثلة أكثر إذ أن ما قلته واضحٌ تماما.
ولكل من هذه الرذائل عيَّن الله لها فضيلة مضادة. فعلى سبيل المثال ضبط النفس تُضاد الشهوة. الإعتدال ضد الجشع. العدالة ضد الطمع. اللطف ضد الغضب. الفرح ضد الحزن. الوعى ضد النسيان، الصبر ضد الضجر، الإتضاع ضد المجد الباطل. وهلم جرا للكل فى الكتاب المقدس. الكبرياء فقط الذى ليس له فضيلة مضادة بسبب بشاعته المفرطة. ولكن الله هو المقاوم له، كما قال، الله يُقاوم المتكبرين،([711]) وهكذا يقول النبى أيضا "ارفع يدك ضد كبريائهم إلى المنتهى"([712]) وأيضا "أَعْطِ مُجازاةً للمستكبِرينَ" ([713]) وكما أن الشجرة تُعرَف من ثمارها، هكذا كل إنسان [يُعرَف] ما إذا كان قديسا بالحقيقة، أم بالإسم فقط (كما يقول الربُ "من ثمارهم تعرفونهم"([714])). وهذا هو السبب فى أن سعادة الأشرار تستمر دائما لفترة طويلة لأن الله يُطيل الأناة عليهم. وهذه هى سمته دائما، وقد أخبرنا أن نتوقع ذلك بالنسبة للدور الذى قام به القديسون المنكوبون فى الماضى، كتشجيع لنا نحن الذين نعانى اليوم. أنظروا أولا إلى أيوب ابن الصبر ماذا يقول هو بعد معاناة طويلة، لاحظ ذلك جيدا " أما أنا فهل شكواى من إنسان" لأنه يشير إلى عدم لومه. "لِمَ لا أصبر؟. تفرسوا فىَّ وتعجبوا، وضعوا أياديكم على أفواهكم. لأننى عندما أتذكرُ أتعب ويستولى الألم على جسدى. لماذا يعيش الأشرار ويشيخون فى الغِنى؟. نسلهم حسب رغبتهم، وأولادهم أمام عيونهم. بيوتهم آمنة من الخوف، وعصا الرب ليست عليهم. ثورهم يُلقح ولا يُخطىء، بقرتهم تٌنتج ولا تُسقِط. يسرحون مثل الغنم. أولادهم يلعبون، يحملون الدف والعود ويبتهجون بصوت المزمار. يقضون حياتهم بالخير، ثن يرقدون فى الهاوية، ويقولون لله ابعد عنا فإننا لا نُسَّرُ بمعرفة طرقك"([715]). ويستخدم داوود المُنشِد للعدل الإلهى، والمُحتمل لغة مماثلة " اسبحك يا رب على رحمتك وحكمك"([716]) "ما أطيب إله اسرائيل لأنقياء القلوب. أمَّا أنا فكادتْ قدماىَ تَزِلُّ، ولولا قليلٌ لَزَلِقَتْ خَطَواتِى". لماذا؟ "لأنِّى غِرْتُ على مُخالِفى الناموسِ، إذ رأيتُ سلامةَ الخطاةِ"([717]) " وفى فقرة أخرى يقدح ثرواتهم كما يلى أبقارهم سَمينةٌ. أغنامهم تنتج بوفرة، تتزايد فى شوارعهم. أهراؤهم ملآنة، تفيض من صنف إلى صنف. بناتُهُم حَسناوات مُتَزيِّناتٍ مثلَ شِبْهِ الهيكلِ". ثم يُضيف مندهشا من الوئام والسلام اللذين يتمتعون بهما". لا صُراخَ فى شوارعهم، ولا هَدْمٌ لأسوارِ بيوتهِم". ثم يُهاجم الآراء الفاسدة لقطيع البشر العام قائلا "" إنهم يَغبطونَ الشعبَ الذى يكونُ له هذه الأشياء"، ثم يُضيف ""طوبَى للشعبِ الذى معينه هو الربُّ إلهُ يعقوب"([718]).
ويجب ألا أُنهى إقتباساتى هنا، لئلا تبدو حجتى مختلفة وغير كاملة. فإسمع ما يقوله حبقوق إذ يبدو أنه يقرع صدره فى محنته فى نفس المشكلة " إلى متى يارب أصرخ متألما من الظُلم، وأنتَ لا تسمع؟". إنه يدعو خطأ جاره أخطاؤه هو، ومن حبه لإخوته يُضيف "أصرخ إليك، وأنت لا تُخلِّص. لِمَ تٌرينى إثما، فأبحث عن فاعلى الإثم والمشقة. القضاء ضدى، والقضاة يُكافأون. لذلك جمدت الشريعة وبطل الحكم الى الغاية لأن الشرير يظلم البار"([719]). وبنفس الروح يصرخ ارميا الأكثر تعاطفا مع القديسين متحيرا أكثر من كل الرجال الآخرين "أبر أنت يارب من أن أخاصمك، لكن أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟ ويطمئن جميع الغادرين غدرا. غرستهم فأصلَّوا"(هذا بدلا من القول "يقضون أيامهم فى تبذير) و"أثمروا ثمارا"(بكل تأكيد ليست [ثمار] الروح) "أنت قريب من أفواههم وبعيد من كُلاهم"([720]). والنبى صفنيا([721]) الحكيم له فقرة بنفس الأثر بالضبط فهو يوبخ الرجال الذين يغتابون جيرانهم ويجدون خطأ فى العناية الإلهية([722]) ويدعون القديسين تعساء. فهو يقول فى شخص الرب "لقدِ اشتَدَّت علَيَّ أَقوالكم، قال الرب. وتقولون: بِمَ تحادثنا عليك؟. إِنكم قلتم: عِبادة اللهِ باطِلة، وما المنفعة في حِفظِ شعائره، وقد سلكنا بالحزن أَمام الرب ضابط الكل؟. والآن نحن نطوب الغرباء. وأيضا مخالفوا الناموس يبنون، وجربوا الله، ونجوا. حينئِذٍ تَكلم متقو الرب كلُ واحِد مع جاره".
ويُضيف بولس المبشر بالتقوى شهادته إلى نفس الحقيقة "ولكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردأ مُضلِّين ومُضَلين"([723]). ثم يوضح الحالة المنخفضة التى يُعانى منها القديسون "لأننى أعتقد أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين كأننا محكوم علينا بالموت، لأننا صرنا منظرا للعالم للملائكة وللناس.. فإلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونتعرى وليس لنا إقامة. ونكد عاملين بأيادينا( وهذا وصف لمعاناته البدنية). نُشتَم فنبارك. نضطَهَد فنحتمل. يُفتَرى علينا فنعظ. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شىءٍ إلى الآن"([724]). إن الله الصالح والخيّر قد بسط العالَم أمامنا لأسباب لا توصف كميدان لسباق الخيل، وأعطانا حرية الإرادة لكى ما نتعامل مع الظروف تبعا لإختيارنا ونسدد الغرامة العادلة عن أفعالنا حسبما تقول الشريعة "لقد وضعتُ أمام وجهك الموت والحياة، فاختر ما تُريد"([725]). لماذا وضع ذلك؟. إنه ليس لنا أن نقول فى هذه الحياة الحاضرة. فالحقيقة تظل أنه قد وضعها. وليس من الحكمة لنا أن نكون مخلوقين بلا شائبة ([726]) بدون صراعات أمامنا وبلا عقولٍ راسخة فى البر. إن العصمة من الخطأ هى سمة الألوهية السرمدية وحدها.
(الشماس) لقد واجهت صعوبتنا بحكمة وبشكل رائع يا أبى، فلقد أعطيت عيونًا لنفوس أصدقائنا هنا الذين وجدوا هذا الأمر مسألة محيرة بإستمرار، ناشئة عن نقص إلمامهم بالأسفار المقدسة بسبب كون الكنيسة على مر عصورها كمدرسة تدريب([727]) كانت تشير إلى المنتصرين فيها من الرجال والنساء على حد سواء وأنهم أكلوا جسد المسيح فى الأزمنة القديمة بدون دفع الثمن. ولكن الاضطرابات لديكم وتفكك الكنيسة سبّب لنا حزنا.
(الاسقف) أنتَ تُدهشنى يا أكرم الرجال، فأنت تسلّم تقريبا بدون تحفظ بالنتائج المفيدة للمعاناة ثم تتحول وتقول شيئا ما مُضادا لذلك. فأنتَ تدعونا مباركين كمنتصرين، ومع ذلك تدعونا بؤساء كأناس منفيين لأننا حُرِمنا من مبانى كنائسنا([728]). أنتَ تبدو لى فى نفس الحالة الذهنية للمشاهدين الريفيين، للألعاب الأوليمبية، فإنهم يتثاءبون بإبتهاج بالجوائز، ولكنهم يذرفون الدموع شفقة على اللكمات المتبادلة بين المتصارعين. بالنسبة لى، من الأفضل الإسراع إلى الوديان والغابات والبحار فى صُحبة الحق عن التثقل بالباطل بينما نتمتع بشرف رفيع لِما هو مُعتبرٌ فى هذه الحياة إزدهارا. لأنه إن امتلكتُ الحق فإننى سأمتلك كل شىء لأن كل الأشياء خادمة له. أما إن اتخذتُ الباطل، فإننى لن امتلك حتى نفسى، مثلما أنا لستُ لها. لكن إن امتلكتُ الحق فأنا لا امتلكه كسيد أو كخادم او كجار ولكن كأخ، بل إن كان ذلك ممكنا، كعروس، اتمتع بحلاوته وأرثه([729]) فى الوقت الحاضر. فالحق هو ابن الحق المطلق، وابنه هو الرجل الصالح. لأن ذاك الذى يحمل هذا الخاتم، يصير شابا ثانية ولا يشيخ، ولا يذبل. له غيرة أكثر حرارة من النار وكلاهما أحَّد من السيف، وحياة أكثر تحررا من حياة النسور. إنه يُكرّس نفسه للهذيذ بلا كلل فى الأسفار المقدسة. وكمثل ربة منزل لا يكف عن الأحضان بفرح لا يغلبه الخوف، يحمل رأسا غير منضبطة ويرقص فى حماسه المقدس. إنه لا يكره أحدا، ويُشفِق على أولئك الذين يُسيئون استعمال الحياة. إنه يدعو المهتمين بشؤونهم الخاصة برضا مباركين. ويأسف أسفا روحيا من حياة الكهنة غير المكترثين الذين قال عنهم الرب " لا تُحزنوا الروح القدس الذى به خُتِمتُم ليوم الفداء"([730]). إن ذاك الذى يُحزن الروح، ذاك الذى يُعطى ظهره لله بلا مبالاة.
وأخيرا (هناك الكثير الذى ينبغى أن أعبر عليه). لقد توفى وهو على صراحته. إنه لم يسبب ألما لأحدٍ خلاف الشياطين وأولئك الذين هم مثلهم. وكان وقته أكثر من كافى. إنه لم يصرف أيامه فى أعمال شريرة. لقد ضاعف المال([731]) الذى أُعطِىَّ له وصرفه فى [الأعمال] الخيرية والمفيدة والجيدة، وفى زمن قصير تمم ما يخص سنوات طويلة. لم يرغب فى التصرف([732]) فى ممتلكاته. فقد كان بحياته وجهاده يًصارع ضدها. هل طَرَق الموت على باب جسده النحيل؟. قبل أن يراه فى الخارج، صَاحَ دعنا نذهب من هنا مُنشِدًا "ويل لى لأن غربتى قد طالت علىَّ"([733]) ولو لم يكن المعلّم هو الذى أرسله فى مهمته لكان قد خدمه بإستدعاء وأقام دعوى عليه لأنه جاء متأخرا. كان راضيا تماما عندما تحرر أخيرا من الجسد النحيل بأمراضه المتعددة، كما لو كان يُغادر منزلا متهالكا مُهدَّدا بالسقوط. لقد شنَّف أذنيه بصوت ذاك الذى يقول "نعمَّا أيها العبد الصالح الأمين"([734]) وهو واثق من سماع الباقى أيضا. فخذ هذا السيل من الكلام كبرهان على اقتناعى "لأنه من وفرة([735]) القلب يتكلم اللسان([736]). أما الذى يُصادق الباطل فهو يعيش حياة مضطربة ففى لحظة ما يكون فرِحا فرَحا لا حدود له نتيجة إضافة ما إلى ثروته أو لسوء سمعة أقل أو لمصادقته لعاهرة بائسة، أو لمصائب حلَّت بأعدائه. بينما فى لحظة أخرى يكون مريضا ومشرفا على الموت من فرط الحزن والتوقع بتغيرات وشكوك. ويقضى الليالى بلا نوم ولا راحة. ويتصور مؤامرات يُحيكها ضده أقرب أصدقائه. ويفقد الثقة فى جميع الناس حتى فى نفسه فالجميع كاذبون. هكذا هو جبان كأرنب برى، جسورُ كخنزير، مُخادع كحرباء، لا يُمكن الإعتماد عليه مثل الحجل، بلا شفقة مثل ذئب، لا يُستأنس كفأر. عدوه الخاص محاسبة النفس التى لا يُمكن تحاشيها على الرغم من أنه لا يعرفها، يغار بلا إنقطاع. لأن الذى يخطط دوما الشَر ضد الآخرين يجلب الشرَّ أولا على نفسه. فإن وخَزَ الموتُ جِلده، تخلى عن كلّ شىء ليكسب قليلا من الراحة. هكذا تكون قيمة حياته عنده، إنه يبدد الوقتَ بلا أىّ ربحِ حتى من مضاعفة بِنِى([737])، بل لا يُحافظ حتى عليه. إنه مرتعد دوما مثل ورقة شجرٍ. يرهب التقدم فى العمر. مضطرب بالأفكار السخيقة للعجائز، ويخاف الموت لأن العالم المرئى بالنسبة له هو الإله. وماذا بعد؟. يصير شاحبا مرتجفا من الفزع فى عذاب شديد يتوقع دينونة الله وتوقيع العقاب عليه. ضميره يُعذبه بلا رحمة، ويُذكّره بأعماله الشريرة واحدة فواحدة إلى أن تكون معاناته أكثر فظاعة لتلك التى تكون لمجرمين تحت السياط. إنه يتذلل لِمن هم فى سلطة كعبد فى لحظة([738]) ويتملق العالم فى عاره، بدلا من [اللجوء] إلى الله الواحد الذى لديه عشرة آلاف من السادة، ليُنقِذ نفسه من أن تكون خادمة للحق. إنه يفعل كل ما فى وُسعهِ ليتخلص مما يخاف منه. ولكنه هو نفسه يخاف من كلّ أحدٍ.
لن أقول أكثر من ذلك، لقد فعلتُ كل ما بوسعى. إن كان أى أحدٍ يقدر أن يتكلم بأكثر صِدق وبلاغة ويجعل الصواب الذى قلته لا شىء فإننى أرحبُّ به بكل سرور كمصحح للخطأ وكمحب للإخوة، مُعطيا الشُكر لمخلّص الجميع.
والآن فلتروِ لى أنتَ بدورك عن قرار المجمع الغربى وتختم على كلامى إن كان قد قدَّم لك أية فائدة.
وهكذا كفَّ الرواى، وقال الشماس فليرحمك الربُ الذى منحك[ فرصة] أن تروى لنا هذه الرواية، فى ذلك اليوم([739]) عن رفضك الشركة مع أمثال هؤلاء الرجال، ولروايتك الواضحة التى أعطيتها لنا. وليذكر الرب كل ذبيحة ليوحنا لأنه لم يكف عن صراحته إلى الموت.
أما قرار كنيسة روما فكان عدم الشركة تحت أى ظرف من الظروف مع الأساقفة الشرقيين، وخاصة ثيوفيلس إلى أن يمنح الرب فرصة لعقد مجمع كنسى مسكونى([740]) لمداواة الأطراف المتحجرة للمذبين بهذه الجرائم. لأنه على الرغم من أن يوحنا المبارك قد رقد إلا أن الحق يقظٌ، ومن أجل الحق يتعين البحث. أما بالنسلة للذين ارتكبوا هذه الجرائم فى الكنيسة، فإننى أرحب بكل سرور بمواجهتهم وجها لوجه، فأين كهنوتكم؟. وأين هى القداسة المطلوبة منكم. وأين اللطف وإنكار الذات([741]) للشخص المسيحى؟. أين وصايا المخلص "إن قدمت قربانك، وتذكرت أن لأخيك شيئا عليك.. فإذهب أولا واصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدّم قربانك؟"([742]). وأين ذلك القول "مَن لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضا"([743]). أين تأملكم الخاص فى الكتُب المقدسة؟. وماذا عن الآية "هو ذا ما أجمل وما أحلى أن يسكن الإخوة معا فى وحدانية"([744]) أو "فليكن الأخ معينا فى أزمنة الشدة"([745]). ولماذا تحيدون بأفعالكم عن القول" أخُ يعين أخيه هو مدينة حصينة"([746]). فالأخ الذى يُتَهَم باطلا أو يُسرَق بواسطة أحدٍ آخر هو مثل مدينة بائسة بلا دفاع. لماذا تحاولون أيها البؤساء بل المثلثى بؤسا، أن تنفذوا مشروعكم فى هذا العالم، كما لو كانت ليست هناك أية مصالحة؟. بأى مبدأ أثرتم غضبكم المميت ضد يوحنا كما لو كان عدوكم؟. وكيف تأَّتى لكم أن تكونوا وحوشا ضد بعضكم بعضا؟. لماذا جعلتم العالم يرى مثل هذا التغير غير العادى فيكم من اللطف إلى عدم لطف ووحشية؟. إننى متعحب فى الحقيقية وتطغى علىّ دهشة من انحرافكم هذا. إذ أرى كلَّ شىءٍ قد آل إلى حالة الإرتباك هذه الميؤوس منها. ولماذا تتعاظمون فى هذه الجسارة إلى حد إهانة الأم التى تُرضِع وتُمرِّض، ذلك الرحم العجاج، [أعنى] كنيسة الله وتمزقوها إربا؟. لقد تمت فيكم كلمات النبى "لأنهم طاردوا أخاهم بالسيف، وأهلكوا الرحم على الأرض". فبهذا الرحم اجتمع الله الكلمة والمخلِّص، وبالمثل يوحنا، يغرسكم ويزرعكم لأعمال جيدة ومربحة بلا حصر. ماذا حدث لكم حتى أنه بدلا من مساعدة الواحد للآخر للقيام بواجباتكم، عقدتم العزم على عدم العيش فى هدوء وسلام حتى فى المستقبل؟. لقد خُلِقتم للخدمة المتبادلة فلماذا تسيئون نعمة الله، وبدلا من أن تُخففوا من أعباء الآخرين تطرحونهم فى الواقع بعيدا عنكم وتقطعونهم عن أقربائهم، بينما يصرخ النبى لكم، "أليس لنا جميعا آبُ واحدٌ؟. ألم يخلقنا إله واحد؟"([747]). ولكن قد تقولون لى أن يوحنا قد أخطأ ضد الناموس. أىُّ ناموس؟. الناموس الذى وطأتموه تحت الأقدام، وهشمتموه إلى قِطع بشروركم؟. أين إذن ناموس الطبيعة الذى يعطينا حق الخطأ ضد اللطف؟. لماذا أرجوكم تُهينون حتى القانون السارى بين الأعداء، وتضطهدونهم وتنفذون مخططاتكم التى تُحيكونها ضدهم. تلك المخططات التى تحمل كل علامات الكراهية. فكم يكون ذلك أفضل بكثير لو أن ذلك قد حدث، أن تعيشوا فى وئام معهم، وتشاركونهم فى الحياة وتنضمون جنبا إلى جنب فى المشورة من أجل الخير العام، وفى تقديم الشكر والمسرة التامة لأبى الجميع. إن الوئام فى التمتع بالبركان هو إحدى فضائل الأولاد، وهذ مقبولة على نحو خاص للآباء الذيم لا يطلبون شيئا آخر من ذريتهم سوى هذه. وتأكدوا أنه ليس هناك أى قيد آخر للصداقة وحُسن النية سوى العمل بجدية وفِعل كل شىءٍ يُرضى الآب الذى هو مصدر وجودنا وقوتنا وحِفظنا. ولكنكم احتقرتموه([748]) وأججتم الحروب داخل الكنيسة كما قال النبى"أثاروا جنونا فى بيت الرب"([749])، بدلا من حث وتحفيز بعضكم لبعضٍ للمضى قُدما إلى الأمام. وأكثر من ذلك أثرتم حروبا بلا هوادة بين بعضكم بعضا ضد ([750]) العقل وضد قصد الآب. بل سأقول أكثر من ذلك، إنه لجنون شديد يُثير السخط حتى لله نفسه ولجميع الذين يقتربون منه([751])[من] ابنائه إخوتكم، وجعلتموه يُعانى من عدم السلام. لأنه لا يُهمل ولا يُغفِل رفاهية أولاده. لذلك هل يستحق هو حماقتكم وقمعكم الاستبدادى لأولئك الذين أخطأتم فى حقهم، لهذا يقضى بأن لا تمضون بلا عقاب كما بدأ هو فى الحقيقة، لأن هذا ليس ملائما له، ولا هو بلا خطر عليكم، فإن شكواكم لا تًطاق، وتحتاج إلى ما هو أكثر من العلاج العادى. فهو يراكم فى الواقع فى رضوض وجراح بلا حصر نتيجة للتأديب الخاص بكم. أجل إن سحابة من الخطأ الذى لا معنى له والأكثر عِنادا قد حلت عليكم وعلى على بيوتكم، وعلى إخوتكم حلفائكم أولئك الذين يشاركونكم الفراش والمائدة، وأولئك الذين يرتبطون معكم برباط الدم. كل هذه العلاقات منحرفة لديكم إلى حد الكراهية المُرّة. وهؤلاء الذين قد طُرِدوا من أوطانهم ومن أُسَرِهم وهاموا على وجوههم بعيدا بدون مدة محددة للنفى، بل إلى الأبد([752]), وهكذا بلغت وحشيتكم أقصى مدى. لذلك طُرِح ميزانكم فى يأس. هذا هو ما كسبتموه بإنتصاركم عليهم وعلى يوحنا المبارك بواسطة تأجيج عدواتكم الحاقدة والسماح للسانكم بالعربدة ضده كسيف مرهف. وبدلا من التهذب المربح، مارستم سوء مزاجكم وسكبتم على الكنيسة إتهاماتكم الباطلة، مدنسين آذان أولئك الذين يسمعونها. وإتهامات ضد الرجال الذين سيكافأهم الله الرحوم المحب، حسب أعمالهم.
أما بالنسبة لك أيها المبارك يوحنا بأى كلام يمكننى أن أنسج به تاجك غير المضمحل؟. إننى لا أخشى مدحك الآن، إذ قد انتقلتَ من ميدان الصراع ومن أمواج النضال الشرسة. هل هى كلمات شريعة موسى التى استخدمها فى مباركة يوسف النشيط، ولاوى الكاهن المفكر؟. لأننى أرى فيك كلا منهما "لتكن أرضه مباركة من الرب، ومن جبال السماء والندى، وأعماق الينابيع من تحت، وفي أوقات الثمار، ودوران الشمس وتعاقب الشهور، من رؤوس الجبال التي هى منذ البداية، ومن رؤوس التلال التى منذ الأزل تكون على رأس يوسف(وعلى كل رجل على غرار يوسف)، وعلى رؤوس الإخوة الذين يحكمهم، ممجدا بين إخوته كبكر([753]). قرناه مثل جمال الثور. قرناه، قرنا وحيد القرن، بهما يدفع الشعوب إلى أقاصى الأرض" ([754]). وقال للاوى(ولكل من يماثله)، "أعطوا لاوى آياته، وحقه للرجل القديس، الذي حاولوا محاكمته وإغراقه بمياه التناقض. الذي يقول لأبيه وأمه إننى لم أراكما، ولا يعترف بإخوته. حافظ على أقوالك، وصان عهدك. أظهر أحكامك ليعقوب، وشريعتك لإسرائيل. يُصعِد دوما البخور على مذبحك فى يوم عيدك . ليبارك الرب قوته، ويقبل أعمال يديه. وليضرب حواجب عيون الأعداء الذين يقومون ضده، وليجعل من كرهوه لا يقومون ثانية"([755]). وسأضيف هنا كلمة واحدة أكثر "يا يسوع المسيح، اجعل أولئك الذين يحبونه لا يخزون. لأن لك القوة إلى الأبد . آمين".
(الاسقف) هذا هو فهمك الراسخ يا ثيودورس الباحث عن الأفكار النبيلة لتُخرِج من كنز عقلك كما قال المخلص"جددا وعُتقا "([756]). فالأشياء "العتيقة" هى دروس الحكمة البشرية، والأشياء "الجديدة" هى أقوال الروح القدس. ومن هذا الكنز قدَّمت ما هو مناسب لكل جانب من جوانب شخصيته. إن حكمك الصائب لأمر جديرٌ بالتقدير. إن تعبيرك عن نفسك بلغة تناسب تماما تلك الجرائم التى أُرتُكِبَت وأن تنسج من موسى إلى يوحنا تاجا يستحق ذاك الذى خدم ككاهن دون تفكير فى ذاته، ولم يعرف فى بره أبا أو أما أو أواصر دمٍ، ولكن فقط أولئك الذين يحبون ويُمارسون كلام الله.
أما أولئك الذين يُجاهرون فى أيامنا هذه أنهم اساقفة، فقد جعلوا من خبزهم الموحل وسيلة لإقتناء المال ولعمليات عسكرية ومراكز رفيعة خارقين الشريعة التى تقول "يجب على الكهنة ألا يُعطون أبنائهم للحكام، ولا للراكضين بجانب الملوك"([757]). بينما يُضيعون أمور الروح فى المؤامرات والمضايقات والسجون والنفى وجنون الشراب غير المخفف، وهم يظنون أنهم بهذه الوسائل يُهينون أصدقاء الفضيلة. وعن هؤلاء قال المخلّص "ستأتى أيام، يظن فيها كل مَن يقتلكم أنه يُقدِّم خِدمة لله"([758]). إننى لا أعتبر أنه قد تحدث عن الأمم، لأنه كان عندئذ سيقول "الآلهة" إذ أنهم لا يُقرون [بإله] واحد بل بآلهة كثيرين، بينما يذكر الله الواحد والوحيد. فهو يشير إلى أولئك الذين يسلبوننا الآن تحت ذريعة مصلحة الكنيسة. فهم يُخفون عربدتهم وغيرتهم الخاصة، ويُعبّرون عن أنفسهم بكلام يُصوّرهم بأنهم مهتمون برفاهية الكنيسة التى دمَّروها بأعمالهم. ولكن مهما كانوا ماهرين، فإنه نتيجة الأحداث ستُثبِت لهم أنهم كانوا أدنى من المستوى الذى يفتخر به ذاك الذى قال "لن أتزعزع من دور إلى دور بلا سوء"([759]) لأن الحية التى نصحت بنقض الشريعة، والتى تزرع أشر جشع إذ لا تستطيع أن تنصح بشكل جديد من البدع، جرَّت أولئك الذين فى سلطة داخل الكنيسة إلى هلاك متبادل من أجل إشباع شهوتهم للمناصب الأعلى والسلطة الأعلى([760]) عن الجميع. من أجل هؤلاء الذين شقوا الكنيسة إلى إثنين. لأنه إن كان روح وئام الله فى الاساقفة، وكان يوحنا يستحق العزل من وظيفته، سواء عن عمل خاطىء تسبَّب فيه أو لعدم استحقاقه للكهنوت، أو بسبب كبريائه كما زعم ثيوفيلس، فإن حُكْم الله القادر على كل شىءٍ([761]) كان قادرا تماما على إستبعاده من ممارسة الكهنوت بأساليب دستورية أو طرق مبتكرة، يُمكن بواسطتها طرده بها بدون كل هذا الإرتباك والرثاء، سواء بالموت أو بالفالج أو بفقدان الصوت، مثلما نعرف عن بعض أولئك الذين عرَّضوا أنفسهم لهذه المعاناة، ومثلما سيُعانى آخرون. ولكن، إذ نرى أن الخطوات التى أُتُخِذت ضده كانت غير لائقة بالمخلّص. إذ لم يُعزل، ولكن نُفِى([762])، فمن الواضح بشدة أنها كانت من عمل الشيطان الذى دُمِرَّت مملكته بتعليم يوحنا. أنا أعلم أن يوحنا قد عَزل بالصواب ستة أشخاص من مناصبهم، الذين تحدثتُ عنهم سابقا، لأنهم اشتروا كرامة الكهنوت. مَن بكى آنذاك؟. من نزفت أنفه؟. مَن ترك وطنه؟. مَن تم تغريمه ولو بمبلغ زهيد؟. مَن فى كل أسيا سواء أكان متشردا، أو غوغائيا، أو مزارعا أو إسكافيا، أو سوقيا، لم يُسّر بما أُتُخِذ من أجل الدفاع عن القوانين المقدسة؟. وكيف صاح الجميع، ما أعظم أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت".([763]) لأنه حيثما يكون الله هو العامل، يكون العمل بحكمة. وحيثما يكون الشيطان فاعل الشر، فكل شىءٍ يُعمل بالتالى بغير حكمة. ويلى عدم الحكمة القتل. والطيش والمشاجرات والفتن، والمزاج الشرير ومؤمرات الجهلاء، ودس الأنوف، والأعمال الساخنة من ذوى السلطة، والصلب والتعذيب والحرق وأنهار الدماء والغرامات الباهظة، وإنتهاكات المراسيم الإلهية، والشقاق فى جميع أنحاء العالم، والإزدراء بالقوانين، ورفض ضبط النفس، ومراقبة البحر والبر، ونقل محركات السفن على ظهور الخيل، والسير على الأقدام، لكى ما يُعوقون أولئك المسافرين من أجل الحق. كيف يتجاسرون إذن على القول أن يوحنا قد طُرِد إذن بتدبير الله؟. إننى أسأل أولئك الذين استخدموا مثل هذا الكلام هل كان حكمة الله الكلى القدرة، كما قلتُ غير قادرة على إيقاف يوحنا إذا كان غير مستحق، بقوة لا تُرَى؟. أو أن تُقنِع أولئك الذين لا يتفقون معه أن يحتملوا عمله بصبر بدون اللجوء إلى ممارسة كل هذه القوة من جانب الماجستيرات؟. لأنه إن كان الله هو نفسه الذى عمل مع موسى من أجل تحرير بنى اسرائيل عندما أعلن فرعون جهرا "لا أعرف الله، ولن أُطلِق الشعب"([764]) فكيف فى تعامله مع يوحنا يحتاج إلى معونة الماجستيرات الأرضيين؟. هل شاخ أم ضعف أم قلت موارده؟. وذاك الذى أظهر للضوء زنى البعض، والجرائم غير الطبيعية لآخرين، وخداع آخرين. هلى صار الآن مع يوحنا بدون قدرة؟. وأيضا ذاك الذى جعل لسان أحدهم ينتفخ إلى أن دوَّن اعترافه كتابة، وسمح لآخر أن يلقى حتفه بسكتة مفاجئة. وجعل آخر يتعذب بسرب من الديدان وهو راقد على فراشه بلا نُطقٍ لما يقرب من عام كامل، وألقى على آخر رعبا لا يوصف من نقرس مزمن، وحرَق رجلىّ آخر لأنه أراد ذلك. أو انتزع أيضا حياة آخر قبل الآوان، كما يعرف كل أحدٍ، بموت يجلب الغثيان. هل كان من الضعف لدرجة أنه فى حالة يوحنا، كما تزعمون، كان غير قادرٍ على فعل أى شىءٍ من هذه الأشياء إذا كان يوحنا فعلا رجلا مُدّنِسا للمقدسات، بل احتاج [أى الله] إلى مساعدة هذا وذاك ليتمكن من طرد يوحنا بالخزى، وبذلك يتمجد([765]). كلا إنهم يخدعون أنفسهم بجهلهم([766]) لوصايا كلمة الله. لأنه لا يُمكن أن يُدعى منتهكا للمقدسات بشكل صحيح، ذاك الذى وزع على الفقراء الذهب والفضة والمشغولات الحريرية، وأطعم الأفواه([767]). أما ذاك الذى من أجل المال والصيت وملذات الموائد قد باع تعاليم المخلص وفرائضه، ومن بعده ذاك الذى أهلك رجلا قديسا مزينا بحياته وبكلامه، وبواسطته أعطى المخلّص شراب الكلمة المغذى([768]) من الكأس أو الصينية لأولئك الذين يُحبون كلمة الله. كلا فليدعوا ذاك الذى سرق الكنيسة الرسولية منتهكا للمقدسات وحرمها من معلميها وباع السيامات بالمال، الذين سيُطاردهم العدل الإلهى ليُصححوا أخطاءهم. لأنه إذا كان أولئك الذين أفسدوا شريعة موسى بعمل طائش غير محترس قد طردهم المخلّص بسوط خارج الهيكل، لأنهم كانوا يبيعون الحمام فى داخله، فأى عقاب سيكون لأولئك الذين يدنسون كهنوت العهد الجديد، سوى أن يمزقهم راعى الرعاة بقضيب من حديد؟. كما يقول الرسول "من خالف ناموس موسى فعلى فم شاهدين أو ثلاثة يموت بدون رأفة. فكم عقابا أشر تظنون أنه يُحسَب مستحقا من داس إبن الله وحسِب دم العهد الذى قُدِّس به دنسا، وازدرى بروح النعمة؟. فإننا نعرف الذى قال لى النقمة أنا أجازى يقول الرب. مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى"([769]).
ليهبنا الله، الذى مجَّد هذا الرجل القديس، هذا الراعى القديس، مصباح البر هذا، أن نجد نصيبا وجزءً معه فى يوم دينونته العادلة المخوف. الذى له المجد والإكرام والعزة والجلالة، الآب والإبن والروح القدس. الآن وكل أوان، وإلى دهر الدهور آمين.
+ + +
إلى هنا انتهى النص الأصلى لعمل بالاديوس ولكن بقية سيرة فم الذهب على الصعيد التاريخى، والإفصاح عن النقاط الحرجة التى صمت عنها بالاديوس، ونقل رفاته من كومانا إلى القسطنطينية، وطلب ثيودوسيوس الصغير المغفرة لوالديه. فهذا نجده فى كتابات المؤرخين الكنسيين سقراتيس وسوزمينوس وثيودوريت، وهى تحت الطبع تباعا فى سلسلة "المؤرخون الكنسيون الأوائل" للمعرب، إن شاء الرب وعاش.
[1] - أنظر مقدمتنا للقسم الثالث من "التاريخ الرهبانى.." نشر باناريون،2013م
[2] - أقول هنا "التاريخ اللوسسى" عن قصد، عن العمل المشهور بإسم "التاريخ اللوزياكى" فى مصر، وبإسم "اللوزى" فى عربية الشام. كما كتبه البعض حديثا "اللاوسى". ولما كان العمل منسوبا الى شخص يُسمَّى Lausus وكانت قواميس اللغة الآن متوفرة بالصوت، فإن القاموس الناطق يلفظ هذا الإسم "لوسس" وليس "لاوس" ولا "لاوز" ومن ثم يكون النعت هنا "لوسَسِى" حسبما أرى، فنقول "التاريخ اللوسسى".
[3] - يرد اسمه ولقبه فى اليونانية بالشكل يوأنس خريسوستوموس : Ἰωάννης ὁ Χρυσόστομος
[4] - مدينة بقبرص، وكان منها القديس اسبريدون أيضا. أنظر سوزمينوس بسلسلة "المؤرخون الكنسيون الأوائل" للمعرب، قيد الطبع.
[5] - الأسقف الخلقيدونى(الملكانى) الدخيل.
[6] - أنظر سلسلة "المؤرخون .."، السابقة الذكر
[7] - أنظر سقراتيس، "ت.ك."، 3:6. وسوزمينوس. للمعرب
[8] - Aimé Puech (Paris: Lecoffre, 1913), (عن هربرت مور)
[9] - كان فم الذهب، كما سنرى توا، سوري الجنس، ومن ثم يقصد المترجم بكلمة (يونانى) هنا الكتَّاب الذين كتبوا باللغة اليونانية.
[10] - أى من بيلزيوم التى هى بالقبطية "بيرومى"، وبالعربية "الفرما". وكانت مدينة فى أقصى شمال غرب شبه جزيرة سيناء، وقد إندثرت الآن، وموقعها خرائب تل الفرما فى شرق قناة السويس. أنظر "المسيحية والحياة الرهبانية فى شبه جزيرة سيناء من القرون الميلادية الأولى إلى يومنا هذا" إعداد مطرانية جنوب سيناء.
[11] - معبود اغريقى.
[12] - ومازال بصورة أو بأخرى فى سائر دول الشرق.
[13] - دربانوم الآن، ببثينية.
[14] - أنظر "التاريخ الرهبانى.."، للمعرب، نشر دار باناريون.
[15] - رسالة 113.
[16] - بالاديوس، "ت.ل."، 12:35. أنظر "التاريخ الرهبانى"، سابق الذكر.
[17] - أسوان حاليا.
[18] - "ت.ك."، 36:7. للمعرب
[19] - فى نظر المترجم، والأمر متروك للقارىء.
[20] - "حوار عن.."، و"التاريخ اللوسسى".
[21] - أنظر، "ت.ل."، 11،26،37. للمعرب
[22] - تُظهِر كلتا المقالتين معرفة بكتابات ايفاجريوس، أحد رفقاء بالاديوس فى الصحراء.
[23] - توفى فى سنة 412م.
[24] - فى (Patr. Gr., vol. xlvii.) عن هربرت مور
[25] - والمعرب أيضا لم يلتزم بذات العناوين الفرعية التى وضعها وخاصة التى تشير إلى نعوت لكنيستنا عفا عليها الزمن. وتلك التى لا تتفق مع الذوق العربى. كما لم يلتزم بهوامشه بنصها إلا فى حالات معينة، أهمها عدم وجود المرجع الأصلى تحت يده.
[26] - "أمله" هذا ربما موجه إلى الغرب لأن كم المخطوطات التى وصلتنا لأعماله العديدة وسيرة حياته تعكس مدى الإهتمام به منذ قرون عديدة وقبل ظهور مجموعة NPNF ليس فى مصر فقط بل وسائر كنائس الشرق على اختلاف مذاهبها العقائدية.
[27] - قارن، مت 10:19. وأذكِّر هنا قارئى العزيز بما سبق أن ذكرته فى مقدمة ترجماتى لأعمال بالاديوس وكاسيانوس، من أن الآباء الأوائل إذ "أكلوا" الأسفار المقدسة أكلاً وامتثلوها إمتثالا كانت عصارة هذه الأسفار تنساب فى أحاديثهم بالمعنى وليس بالحرف فلم يتقيدوا فى اقتباساتهم بحرفية النص ولكن بالمضمون. ولذلك تركتُ فى المتن التعبير كما ورد على لسان بالاديوس ووفقا للمخطوطة التى كانت تحت يده آنذاك، ثم وضعتُ فى الهامش الشاهد الكتابى مسبوقا بكلمة "قارن". فجميع شواهد بالاديوس هنا الكتابية اقتباس حر وبتصرف منه، على أساس أنه حديث شفاهى، وليس عمل مكتبى.
[28] - - اقتباس حر من عب 4:5
[29] - يقول M. Fragm أنها كانت قرية سامرية. (عن هربرت مور، هـ9). [وهذه القرية(وهى تُكتب أيضا Gitta) كانت تقع فى الواقع، على مسافة نحو 49كم(30 ميل) شمال مدينة "فلافيا نيابوليس" (أى نابلس الجديدة) بشمال الضفة الغربية. أنظر كتابات الآباء الأوائل ايرنيئوس، وهيبوليتس، وابيفانيوس، ويوستينوس الشهيد].
[30] - أوضح Dr. Westcott أن عبارة "الروح القدس" [فى كتابات الآباء بالإنجليزية] عندما ترد بدون أداة التعريف، يكون المقصود بها "مواهب" الروح القدس، وليس "أقنوم" الروح القدس. [أنظر، هربرت مور، هـ 11]. ومن ثمة ترجمها هربرت كما فى المتن.
[31] - راجع أع19:8.
[32] - أنظر 1كو19:3 عن أى 13:5.
[33] - قارن أع 23:8
[34] - حرفيا "دياكون".
[35] - "أوغنُسطس"، وهى أولى رتب الشموسية.
[36] - لاحظ هذه الكلمة فى متن نص بالاديوس الذى يكتب فى أوائل القرن الخامس قبل مجمع خلقيدون. ويعلق هربرت مور(فى هامشه19) على اللقب قائلا( إلى سنة 230م، كان أسقف الإسكندرية هو الوحيد في مصر الذى يُدعى "أبا" أى "الأب"، وكان لقبا عاما لجميع الأساقفة. "ولكن في زمن هراقليوس"، عندما تم تعيين أساقفة مصريين أخرين"، دُعى بطريرك الإسكندرية "بابا" (أي "أب الآباء"، "جد"). وهكذا يعتبر يوتيخس (فى "حولياته"، 111)، وأثناسيوس (فى"دفاع ضد اريوس"،69. وفى "المجامع"، 16) اللقب يخص أسقف الإسكندرية فقط. ولكن ترتليان كان يتحدث عن أي أسقف ينطق بالحل، على أنه "بابا بنديكتوس"[ أى بابا المبارك]. وأعطى جيروم اللقب لأثناسيوس، وإبيفانيوس، وأوغسطينوس.. الخ. وفي وقت لاحق، تم نسيان الأصل اللغوي لللقب، وأُفتُرِض أن "بابا" لقبٌ كرامة خاصة لأساقفة الإسكندرية لأنهم يُديرون كرسيا هاما. ومن ثم أُعطِىَّ أيضا لأساقفة روما الذين زعموا بمرور الوقت أنه إمتياز قاصرٌ عليهم.
[37] - يُكتَب فى عربية الشام، تيوفيل. ويرد فى المخطوطات بعدة أشكال: تاوفيلس، ثاوفيلس. هذا، بعدما قضى شبابه بين متوحدى نيتريا، صار سكرتيرا للبابا أثناسيوس ثم كاهنا في الاسكندرية، فأسقفا لها في حوالى سنة 385م. وكان جيروم معجبا به، من بين أمور أخرى، كرجل علم ونشيط. والحقيقة أن ذلك الإعجاب كان بسبب مشاركة ثيوفيلس له فى وجهة نظره بخصوص الأوريجانية. وقد تُوفِىَّ في سنة 412م، وخلفه ابن أخته، كيرلس الشهير، الملَّقب بعمود الدين.
[38] - البابا اينوسنت، بابا روما.
[39] - أى الأنبا يوحنا فم الذهب، بطريرك القسطنطينية.
39 - إن العبارات مثل "محبتكم"، و"وداعتكم"، كانت تستخدم بإستمرار من قِبل الكتّاب المسيحيين الأوائل كتعبيرات تحية فى الخطاب. ومازلنا نحتفظ ببعضها، مثل "نيافتكم" و"قداستكم"، وغيرها.
[41] - قارن هذه العبارة مع "ت.ل."، 16. للمعرب.
[42] - كثيرا ما كان الشمامسة يُوفدون كممثلين للأساقفة حتى فى المجامع العامة. غير أن الدياكونية لم تكن معتبرة درجة فى الكهنوت، ولكنها كانت خدمة [كنسية] متميزة وطويلة الأمد، لها إمتيازاتها الخاصة وواجباتها.
[43] - يُعطينا سوزمينوس(فى ك26:8) ترجمة يونانية لرسالة اينوسنت إلى فم الذهب، يحثه فيها على الصبر. والتى أرسلها له بيد الشماس سرياقوس[ أو كرياكوس]. أنظر سوزمينوس، للمعرب.
[44] - أركاديوس الإمبراطور. ولم يكن لدى الشرقيين اعتراض على لقب "باسيليوس" basileus [ أى ملك، بالعربية] مثلما كان لدى الغرب. بالنسبة للقب rex . (هربرت مور، هــ 30).
[45] - المتضمن فى القوانين 5 و6 من [قوانين] نيقية. ويمنع القانون 2 لمجمع القسطنطينية(سنة 381م) صراحة مثل هذا التدخل من قِبل أساقفة "ما وراء الحدود" بتعبير ثيوفيلس نفسه. فأساقفة الشرق يُديرون الشرق فقط.
[46] - الإيبارشية Eparchia تعنى مقاطعة رومانية. وكان هناك ثلاثة عشر مقاطعة، كل منها لها حاكمها ومجلسها، وتحته حكام مناطق ومُدن، بمجالسهم. وقد اتبعت الكنيسة التقسيم المدنى إلى مقاطعات بمطارنتها أو بطاركتها ومجامعها المقدسة، وتحته الأساقفة المحليون، أو مساعدى الأسقف suffragan. وقد استخدمت أحيانا كلمة أخرى (dioecesis) للتعبير عن كل المقاطعة المدنية. ولكن فى الكثير من الأحيان عن تقسيم إدارى أصغر. ويقول هربرت مور(فى هامشه 33) أنه فى الاستعمال الكنسى تداخل اللقبين فأحيانا تُستَخدم الكلمة للتعبير عن منطقة (province) كما فى (قوانين القسطنطينية، ق2). وأحيانا dioceseكما فى (ق16، نيقية)، والمعبر عنها بإيبارشية parœcia.
[47] - رئيس شمامسة أى "ارشيدياكون". يقول هربرت مور(فى هامشه 34) أن الأرشيدياكون فى الكنيسة القديمة كان أحد الشمامسة السبعة. وكان ( هناك فى كنيسة روما ستة وأربعين كاهنا، ولكن أُبِقِى على عدد الشمامسة حسب التعيين الرسولى). وكان يتم إختياره إما بحُكم الأقدمية، وإما عن طريق الإنتخاب من الشمامسة الآخرين، وإما يُعيّنه الأسقف. وهو يساهد الاسقف فى المذبح، وينظم الشمامسة الآخرين والإكليريكين الأدنى ويتصرف فى غياب الأسقف، أو خلال شغور كرسى الاسقفية. ويساعده فى إدارة ايرادات الكنيسة.. إلخ. وكانت رتبته هامة لدرجة أنه غالبا ما كان يخلف الأسقف. ومن ثم إذا كان العزل فعليا فإن مراسلة رئيس الشمامسة كان صحيحا الى حد بعيد بإعتباره مسؤولا عن شؤون الايبارشية. ويتحدث اسطفانوس عن "يوحنا رئيس شمامسة القسطنطينية" بأكثر جدية [قائلا] "لا يمكننى أن أجد شخصا مثله".
[48] - هذا إصطلاح كنسى يُشير إلى خلو الكرسى من الأسقف. وقد قيل عن أودكسيا أنها "ردَّت للقسطنطينية عريسها"( أنظر عظة de red 4، لفم الذهب).
[49] - كانت القوانين الكنسية والأعراف تقضى بالتعامل مع "الأرشيدياكون" فى حالة خلو الكرسى من الأسقف. وفى تصرف ثيوفيلس هنا إشارة دبلوماسية بلغتنا الى عدم الإعتراف بأسقفيته.
[50] - ترد الكلمة أيضا فى 1كو 2:12. ولكن من الممكن أن يكون المعنى "قُبِض" [عليهم] (حتى بالعنف، كما فى أع 19:12. قارن تك 22:39 س)، إذ يُقال عن الكنائس بعده، أنها "تُرِكت بلا رعاة". المترجم
[51] - آبامياApamea أو Apameia . مدينة أثرية سورية تقع على الضفة اليمنى لنهر أورانتس(العاصى)، على مسافة 60 كم شمال محافظة حماة. إسمها حاليا بالعربية آفاميا. ولكن يتعين التفرقة بينها وبين مدينة أثرية أخرى بإسم Apamea Cibotus, تقع حاليا بالقرب من أزمير بتركيا. ومن أشهر رجال المدينة الأثرية السورية (1)Iamblichus of Chalcis وهو فيلسوف من مدرسة الافلاطونية الحديثة. (2) Polychronius اسقف وأخو ثيودور الموبسوستى Theodore of Mopsuestia) (3) الاسقف ثيودوريت مؤرخ القرن الخامس. (4) ايفاجريوس اسكولاستيكوس Evagrius Scholasticus مؤرخ خلقيدونى فى القرن السادس (5) جونياسJunias الاسقف (ق 9م)
[52] - رفيق كاسيانوس. أنظر مقدمة المعرب فى "الأنظمة"، نشر دار باناريون.
[53] - الكلمة هنا، حسب هربرت مور، "ممسوح"(كالمصارعين) لأجل الإفتراء". والكلمة مستخدمة فى هذه المقالة فى الغالب بمعنى "تشحيم الكف". وبالطبع كناية عن الرشاوى كما سيرِد أدناه.
[54] - يقول هربرت مور (فى هامشه 38) أن الكاتب على صواب تماما فى حديثه عن مقاطعة تيراقيا بالمقارنة مع مقاطعة مصر، وليس بكرسى القسطنطينية. فمقاطعة تراقيا تشمل ستة ايبارشيات تمتد إلى نهر الدانوب. وكان الكرسى الأم فى هيراكليا العاصمة المدنية القديمة. و[صحيح] أن مجمع القسطنطينية قد أمر(فى ق 3) أن يكون لأسقف القسطنطينية الأولوية بعد اسقف روما، لأنها روما الجديدة". ولكن القسطنطينية مازالت ايبارشية مفردة فى مقاطعة تيراقيا.
[55] - الكلمة المستخدمة هنا هى، كما يقول هربرت مور، هى Curiosus، من Curius وهو الحارس المسؤول الذى يُعهَد إليه برعاية النساء والقاصرين. ومن ثم "كوريوسس" هو أى موظف رسمى يعينه المسؤول الأعلى. وهو فى هذه الحالة هنا، comes للواجب العام.
[56] - نلاحظ هنا محاولة بالاديوس إبعاد مسؤولية هذه الأحداث عن السلطة الزمنية الحاكمة، وإلقاء التبعة على ثيوفيلس وحزبه فقط. وربما كان يأمل من ذلك أن تراجع هذه السلطة نفسها وتتدارك الخطأ وتصحح مسارها.
[57] - كان فم الذهب يتوقع تهمة "إعادة الدخول بمبادرة خاصة منه".
[58] - يوم السبت فى "الأسبوع العظيم" هو عشية عيد القيامة. هكذا دُعِى فى رسالة بوليكاربوس الشهيد إلى أهل سميرنا. "لماذا ندعوه الأسبوع العظيم؟. ليس لأن ساعاته أطول، ولكن لأن فيه أتت لنا البركات التى لا تُوصف. فحتى الأمراء أمروا بعدم العمل فيه. وفيه يُطلَق سراح المسجونين"(عظة على تك 30). ويتحدث يوسيبيوس(فى "حياة قنسطنطين"،22:4) عن أبهة العشية وعن كم الشموع المضاءة. لقد كان التقليد السارى أن المسيح سيأتى فى نصف الليل كما فعل للمصريين. لذلك لم يكن الشعب ينصرف قبل منتصف الليل، متوقعين المجىء الثانى.
[59] - الكلمة الواردة هنا هى Bema. ويشرحها لنا هربرت مور(هــ42) بأنها "المكان الذى نصعد إليه"، والذى يوجد فى الجزء الشرقى للكنائس ويرتفع عن أرضية الصحن. وفى هذا الموضع كان يوضع المذبح وكراسى أو "عروش" الأسقف والكهنة، والمنجلية التى كان يُقرأ من عليها الإنجيل، والتى تتمييز عن الإمبل الذى فى الصحن والتى كان تُقرأ من عليه الفصول الأقل أهمية من الكتب المقدسة.
[60] - الكلمة فى "يو2:5"، وكثيرا ما ترد لدى سقراتيس(17:7).
[61] - أى "غير أهل" لسرائر الإيمان التى تشمل قانون الإيمان والصلاة الربانية والسرائر الإلهية. ويتحدث فم الذهب فى(عظات على متى، 23) عن الافخارستيا التى تُعقَد خلف الأبواب المغلقة. وجميع الليتورجيات القديمة تحتوى على "نداء" من الشماس للموعوظين والسامعين غير المؤمنين، بأن يغادروا الآن.
[62] - واضح هنا بجلاء أن عنصرى [الافخارستيا] كانا يُحفظان فى هذه الحالة إلى قداس منتصف الليل.
[63] - أى الوثنيين.
[64] - نلاحظ هنا رغبة فم الذهب فى إبعاد المسؤولية عن الملك، وهذه فى الواقع عادة قديمة فى سائر بلاد الشرق وهى عدم المساس بالسلطة مهما كانت مثالبها وهى فى سُدة الحُكم. وفى مصر كانت هناك فى العصر الملكى جريمة "العيب فى الذات الملكية"!! التى تمنع بالتالى أى كلام مهما كان عن الأسرة المالكة. أى أن الأنظمة السياسية فى تلك الأزمنة لم تكن تقبل بالرأى الآخر. ومن ثم محاولة بالاديوس هنا تحاشى الكلام عن الإمبراطور والإمبراطورة له ما يبرره فى الواقع. ولكن سقراتيس وسوزمينوس أفاضا فى الحديث بحرية أكبر. أنظر تواريخهما للمعرب، قيد الطبع.
[65] - حرفيا من "ضباط المعسكر".
[66] - قارن قول أرميا النبى فى (مرا 14:3).
[67] - تغير هنا، كما لفت نظرنا المترجم الانجليزى، الضمير من الغائب إلى المتكلم، ولكننى حافظتُ على سياق الكلام حسب الأسلوب العربى
[68] - أنظر فم الذهب . de Comp., i. 5
[69] - يوجد هنا حرف ساقط ("grammaton" for "pragmaton") يجعل القراءة إما عاليه وإما "رسائلكم" حسبما ذكر هربرت مور(فى هامشه 51).
[70] - وهذا حق قانونى مسلَّم به فى إجراءات التقاضى المدنى الحالى، متى استشعر المتهم بتحيز المحكمة للخصم لسبب معقول وثابت أن يطلب "رد المحكمة".
[71] - حرفيا رسالة خاصة "بأمور الشركة المساوية". فقد كانت عادة الاساقفة أن يُرسِلوا لبعضهم بعضا "جزءً" من أجزاء من العناصر المقدسة، إشارة إلى الوحدانية والمسرة. وقد أشار إيرينيئوس إلى هذه العادة (أنظر: يوسيبيوس، 24:5). ولكن قانون لاودكية(رقم 14) يحظر هذا الإرسال فى عيد القيامة إلى إيبارشسة أخرى. ولكن "الأمور المتساوية" أُستُخدِمت على نطاق واسع لدى اليونانيين فى وقت لاحق فى تبادل الرسائل التى عُرِفت فى اللاتينية "بالرسائل الرسمية". وقد تناول القانون 11 لخلقيدونية "رسائل الثناء" هذه (قارن 2كو 1:3، رو 1:16) التى كان يحملها المسافرون. والتى كانت تُنعَت "برسائل السلام" أو "خطابات الشركة" كضمان على أن حاملها عضو فى الكنيسة. وهذا هو المعنى هنا. فالخطاب أقرب إلى "خطاب سلام" مرسل من الغرب إلى فلافيان(أنظر سوزمينوس 25:8 للمعرب). والكلمات الأولى من الرسالة أدناه.
[72] - أنظر خطاب اينوسنت إلى كهنة القسطنطينية بالكامل فى سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب.
[73] - مت 17:18، قارن 1كو9:5.
[74] - جاء فى رسالة اينوسنت (فى سوزمينوس 26:8. للمعرب) "نحن نكتب أنه يجب أن نحتذى بالقوانين الموضوعة فى مجمع نيقية التى ينبغى على الكنيسة الجامعة أن تتبعها فقط." وينص القانون الخامس على أن الأشخاص المحرومين من أساقفة مقاطعة(ايبارشية كما قلنا عاليه) لا يتم قبولهم فى الشركة من أساقفة آخرين، ولكن منعا للحرومات غير الصحيحة. يُعقَد مجمعان فى السنة فى كل ايبارشية، يتم فيها فحص مثل هذه الحالات. ومن هنا كان رفض فم الذهب لمنح الإخوة الطوال "الشركة". وقد اقترح اينوسنت مجمعا كنسيا لكل الكنيسة، وليس من مقاطعة منفردة. وكان حرم ثيوفيلس لفم الذهب مبرِّرا كافيا لموقفه هذا.
[75] - العزل الثانى لفم الذهب.
[76] - معلنا نفسه أنه مازال فى شركة معهم.
[77] - أو "مظهره".
[78] - هذا يُمكن أن يكون فقط بواسطة رسالة أو عن طريق وكيل حيث أنه توجه مباشرة إلى المنفى. وقد انعقد مجمع بعد الطرد الأول، كان الشماس هنا يتذكره، ولكن بالاديوس لم يكن منشغلا بتسلسل الأحداث. ويقول هربرت مور ربما يعود القصور فى التسلسل المنطقى فى الحُكم إلى فساد فى النص.
[79] - الضمير هنا عائد إلى هذا "المانيكان".
[80] - قارن، أى 18:32
[81] - أى سيرياقوس.
[82] - اسقف انطاكية.
[83] - أى أن فم الذهب مهرطق!!. لقد أصدر ثيودوسيوس والد أركاديوس مثل هذه المراسيم فيما يتعلق بالأريوسيين. ويُخبرنا غريغوريوس أن فم الذهب قد حصل على نفس الشىء من اركاديوس. وقد أثبت اعتماد الكنيسة على السلطة المدنية أنه دائما سبب الكوارث.
[84] - رفيق كاسيانوس صاحب المحاورات. أنظر مقدمتنا للأنظمة، نشر باناريون.
[85] - هو كاسيان الذى عاش طويلا بين رهبان مصر، والذى سيم شماسا بواسطة فم الذهب، وكان مُعجبا بدرجة كبيرة بكتاباته. أنظر مرجع الهامش السابق.
[86] - بيرية أو بيرويا هو الإسم الاغريقى فى العصر البيزنطى، لمدينة حلب السورية الآن.
[87] - بتولمايسPtolemais وتكتب أيضا بتوليمايس أو بطولومايس اسم عدة مدن فى الواقع بناها بطالمة مصر. منها عكا بإسرائل الآن، والمدينة التى كانت تعرف بإسم Crocodilopolis بإقليم طيبة في مصر(بمحافظة سوهاج الآن). وواحدة بليبيا(وتدعى اليوم طليثمة). وواحده كانت تقع على شاطىء البحر الأحمر. وبالطبع المقصود ببتولمايس هنا مدينة عكا التى تقع الآن فى شمال إسرائيل، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن القدس حوالي 181 كم إلى الشمال الغربي.
[88] - Ǧabla أو Jabala أو, Jablah أو Gabala, وتكتب بالعربية جبلة( وهو إسم فينيقى أصلا، يعنى "قبة" أو "مكان" [المعبود] " الأيل الكبير الفينيقي") هي مدينة ومركز منطقة جبلة في محافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا .تطل على البحر المتوسط، وتبعد مسافة 25 كم جنوب اللاذقية Latakia، وعلى مسافة 25كم شمال بانياسBaniyas .
[89] -كانت التهمة الثالثة فى مجمع البلوطة أنه باع كمية كبيرة من كنوز الكنيسة.
[90] - كانت ايرادات الكنيسة توضع أساسا عند الاسقف لتُوَّزع بمعرفته على الفقراء. وهو يقوم بذلك بواسطة الشمامسة وخاصة الأرشيدياكون. ولكن لما نمت الكنيسة فى الثروة والنطاق عُيِّن "أمناء" [ أو "صارفين"] كانوا دائما من بين الإكليروس. وتنص قوانين خلقيدون(25، 26) على أنه خلال شغور الكرسى يتم إدارة ايرادات الكنيسة بمعرفة "الخازن" حتى لا تكون إدارة الكنيسة بلا شهود، وتتبدد ممتلكات الكنيسة، ويتعرض الإكليروس للإنتقادات. وقد عيَّن ثيوفيلس "خازنين" من الرهبان. وفى رسالته القانونية يأمر بأن يتم إختيار "الأمناء" من بين الإكليروس.
[91] - وكان وثنيا وعدوا لدودا للإيمان. خلف استوديوس كحاكم للقسطنطينية. تعامل مع المتهمين بحرق الكنيسة: يوتروبيوس القارىء الذى مات تحت التعذيب. وتيجريس وسيرابيون بالمثل. وقد أُحضِرَت اوليمبياس أمامه، وبعد استخدام عبارات ودية معها فرض عليها غرامة ثقيلة لرفضها الاشتراك مع ارساكيوس.
[92] - تُوفِىَّ ثيودوسيوس فى سنة 395م. وورَّث مملكة الغرب لهونوريوس ابنه الأصغر، ومملكة الشرق لأركاديوس ابنه الأكبر، ولكن الثانى كان ضعيف الشخصية أمام زوجته حسبما رأى المؤرخون الأوائل.
[93] - وهكذا أُحضِر فم الذهب من انطاكية إلى القسطنطينية، كما لو كان بأمر الإمبراطور. وتم توفير وسيلة النقل له. وبالمثل تم إحضار الأساقفة إلى مجمع نيقية. وتم توفير واجبات الضيافة لهم.
[94] - رسالة اينوسنت فى [عمل] سوزمينوس تذكر أنه قد علِم الحقائق من الاساقفة ديمتريوس وسرياقوس وايليسيوس. وواضح أن المؤلف [لهذا الحوار] كان ملما تماما بالحقائق.
[95] - فى اللغة اليونانية [لهذا النص] هناك تبادل بين الضمير الأول[ ضمير المتكلم المفرد] وبين الضمير الثالث [ الغائب] وهذا يمكن فهمه جيدا ، إذ كان بالاديوس يصف تجاربه الخاصة، ثم ينسى فى بعض الأحيان الحفاظ على إخفاء هويته. ونفس الملمح نجده فى [عمله] "التاريخ اللوسسى"، 1:52. إن دقة التفاصيل المسجَّلة هنا، تترك أثرا قويا فى تحديد شخصية المؤلف لهذه المقالة.
[96] - حرفيا "الأجزاء الخلفية".
[97] - من الصعب أن تحمل عبارة "وُضِعوا على الرف" معناها الحرفى.
[98] - إن كان الخبر يعنى أنه قد نجح فى هدفه فهذا ليس صحيحا. فأرساكيوس أخو نكتاريوس عُيّن وشغل الكرسى لعام ثم خلفه آتيكوس.
[99] - "نوميسيا" باليونانية Nomisma، وباللاتينية nummus "الألف نومى nummi أو سسترى sestertii ، يكوِنون sestertium , أى حوالى ثمانية جنيهات استرلينية[ بتقدير المترجم فى سنة 1921م. المعرب]
[100] - أنظر: أف 15:5، 16.
[101] - تماما مثلما فعل فالنس الإمبراطور مع المندوبين الاتقياء الثمانين الذين حرقهم فى سفينة فى وسط البحر. أنظر: سوزمينوس، "ت.ك."، 14:6، للمعرب.
[102] - لامبسكوس كانت تقع على الساحل الشرقى لمضيق الدرنيل. وكانت الرحلة إلى هيدرون أطول بكثير. ولكن بالاديوس لم يكن مع الأساقفة الغربيين. لذا لا يُورِد أية ملاحظات خاصة بها. وكان من الطبيعى أن يسأل هنا عما إذا كانوا قد وصلوا إلى ايطاليا بآمان. وكانت اللياقة تمنع بالاديوس من [ذكر] الأعمال اللاحقة له ولرفقائه فى روما. وتستمر القصة بعد ذلك.
[103] - أو ترانتو فى جنوب ايطاليا.
[104] - معبود اغريقى.
[105] - أو "عقلانى" قارن رو1:12 ، ابط 2:2 حيث تعنى تقريبا "الروحية".
[106] - اسقف بيرويا Beroeaالذى كان قد أُرسِل إلى روما بمبادرة من فم الذهب لضمان الإعتراف بفلافيان اسقفا لأنطاكية من قِبل الكنيسة الغربية، ويبدو أنه كان فى الثمانين من العمر، ورجلا ذا قدرة كبيرة ونفوذ.
[107] - اسقف بتولمايس، وقد زار القسطنطينية وإذ كان متعلما، ومتكلما بليغا(ويُضيف سوزمينوس ملاحظة شيقة أنه قد دُعِىّ من البعض فم الذهب) غادر المدينة بعد أن جمع الكثير من المال(سوزمينوس،10:8)
[108] - أسقف جابالا Gabala بسوريا، وهو صديق لأنطيوخس, هذا إذ سمع عن نجاح انطيوخس فى القسطنطينية، فكَّر فى عمل نفس الشىء. ورغم أنه كان يتكلم بلكنة سورية جافة، أعدَّ مجموعة من العظات. وعند وصوله رحَّب به فم الذهب ووجد معروفا لدى البلاط. وعندما توجه فم الذهب إلى افسس عهد بإدارة الكنيسة إليه. ولكنه حاول فقط أن يُبهِج الجمهور وأن يحوِّل محبتهم لأسقفهم إلى شخصه هو. فإنتهز سيرابيون الارشيدياكون كل فرصة لإظهار كراهيته له، وأخبر فم الذهب بأعماله إلى حد "تحريف" ملاحظة له[حسب رأى هربرت مور]، وتصويره على أنه أنكر الإيمان. وبناء عليه طرده فم الذهب من المدينة، لكنه عاد فإستدعاه بناء على إلحاح اودكسيا. ولكن سيرابيون لم يغفر له الإهانة. ويرى بعض الدارسين أن سيرابيون كان بهذا سببا فى إذكاء روح العداوة والكراهية بين سيفريانوس هذا وبين فم الذهب. وجدير بالذكر أن السنكسار القبطى يذكر هذا الشخص تحت اليوم السابع من شهر توت، وينعته(الأب القديس الفاضل سوريانوس اسقف جبلة ببلاد اليونان). ومن الثابت جغرافيا وتاريخيا أن جبلة ببلاد سوريا الكبرى، وليست هناك مدينة بهذا الإسم فى اليونان. ولا أعرف سببا لهذا النعت بالسنكسار القبطى، لذا لزم التصحيح(أنظر السنكسار، جـ1، طبعة مكتبة المحبة).
[109] - أى أُطلِق عليهم لقب اساقفة، وهم ليسوا اساقفة حقيقيين.
[110] - يقول مور أنهما كلمتان غريبتان، من الواضح أنهما خاصين بالمؤلف نفسه.
[111] - أصدقاء الإمبراطورة أودكسيا.
[112] - الكلام هنا يُظهر التاريخ المفترض للحوار.
[113] - توفى فم الذهب فى سنة 407م، ومن ثم كان بالاديوس فى الثالثة والأربعين فقط من العمر. ولكن لما كان لا يُقدِّم نفسه [فى النص] على أنه اسقف الحوار فإن هذه النفطة لا تؤثّر على مسألة مَن يكون المؤلف.
[114] - قارن، مز 6:5
[115] - 1 يو22:2، 23
[116] - قارن، مز 11:63
[117] - يقول هربرت مور عن هذا الشاهد أنه أحد الأقوال مما يُسمَّى "الآجرافا" agrapha. وهى أقوال غير كتابية منسوبة إلى ربنا له المجد. وقد اقتبس منها الآباء مرارا. فعلى سبيل المثال: كلمندس الأسكندري، فى الاستروماتا 90:7. ويوسيبيوس القيصرى، فى "ت.ك."، 7:72. والبابا كيرلس الأسكندري، فى عظات على يو 3:4، وكلمنت الرومانى فى عظة 51:2. وقوانين الرسل، 36:2.
[118] - يقول هربرت مور أن تغيير حرف واحد فى النص يُعطى هذا المعنى عاليه فى المتن لأن "التفاخر" لا يُعطى هنا أى معنى، فلا يكفى أن تكون العبارة معقولة ومُصاغة بلغة مقبولة بل يجب أن تٌختَبر بالحقائق.
[119] - قارن، مز 1:39، 3:146
[120] - من حديث بالاديوس عن نفسه مع الأنبا يوحنا الليكوبوللى، بأنه اسقف عام الجرار والأوانى (أنظر:"ت.ل."، للمعرب) يتضح لنا من هذا التشبيه هنا أنه بالفعل كاتب هذا العمل. المعرب
[121] - حسب النص فى متن الترجمة الانجليزية، قارن أر21:9 ط/ بيروت، وكذا الطبعة اليسوعية. المعرب
[122] - أنظر القطعة الثانية من قطع النوم بالأجبية القبطية "ولكرسى حُكمك المرهوب أفزع". المعرب
[123] - ار 21:9 ، 15:7. "طرحتَ كل نسل افرايم".
[124] - قارن هو 11:7، 9
[125] - هو 8:7، 9
[126] - الكلمة اليونانية هنا تعنى سيامة الاساقفة.
[127] - هذه إحدى النقاط التى تدل على أن بالاديوس هو مؤلف هذا العمل فإقامته فى مصر جعلته يُلّم بعادات المصريين.
[128] - أنظر "التاريخ الرهبانى.."، ق2، 21:8، للمعرب، نشر دار باناريون.
[129] - أنظر، 1صم7:16
[130] - أف 1:5
[131] - يقول فم الذهب فى (عظة على 1كو3)، "إذا كنتُ أراك تستولى على ممتلكات الآخرين، وتتعدى على خلاف ذلك، فكيف أصدّق أنك تُؤمن أن هناك قيامة[من الأموات]".
[132] - أنظر: تكملة دانيال فى الاسفار القانونية الثانية.
[133] - حدث هنا تعديل من هربرت مور حيث يرى أن (النص هنا فاسد. فكلمة "سوء استخدام" حرفيا "أى التعامل بمكر" أو "إفساد" كما فى 2كو 17:2.). ولذلك يقول (لقد اتبعتُ هنا تصحيح بيجوت وهو "عار" وجعلها مضاف إليه. ولكن لما كنا نُثبِت الحاضر بالماضى وليس العكس فإننى أفضل أن يكون عار الشيخوخة دليل مؤكد على سوء استخدام الشباب).
[134] - توفى سكوندس والده عقب ولادته بفترة قصيرة، تاركا زوجته أنثوسا أرملة فى سن العشرين.
[135] - لقد درس البلاغة على يد ليبانيوس Libaniusالسوفسطائى الشهير الذى لم يكن وثنيا فقط، بل وأيضا مقاوما شديدا للإيمان. ودرس الفلسفة على يد أندراجاثيوس Andragathius. وعلى الرغم من أنه يقول فى ((de Sacerd. IV. vi. 37 أنه قد نحى جانبا كل دراساته الوضعية إلا أن أدبه الباقى، كما يقول هربرت مور، يدل على أنه لم يستطع ذلك. وقد قال ليبانيوس وهو يشير إلى أنثوسا "ماذا لدى زوجات هؤلاء المسيحيين؟!!"، إذ كان يريد أن يكون فم الذهب خليفة له فى رئاسة مدرسته "لو لم يسرقه المسيحيون".
[136] - 1بط 11:4
[137] - الكلمة المستخدمة هنا فى الترجمة الانجليزية هى verbosities وهى عن أصل لاتينى يعنى الإطناب اللفظى الخالى من المعنى. المعرب.
[138] - كان سبب تأجيل نوال المعمودية فى القرون الأولى، بصفة عامة، إلى سن متأخر وربما إلى الإشراف على الموت، هو الخوف من الوقوع فى الخطية بعد نوالها. ولكن هربرت مور يرى أن تأجيل فم الذهب لنوال سر المعمودية كان بسبب الاضطراب فى كنيسة انطاكية حيث كان الخلاف بين الارثوذكس والاريوسيين مستمرا. ومن ثم ترددت أنثوسا فى تقديم ابنها، حسبما يقول، إلى أن تجد مَن لا يرقى إليه أى شك فى عقيدته.
[139] - "ملازمة" ( وقد وردت هذه الكلمة فى 1كو 13:9). وكانت وظيفة مَن يلازم المذبح إيقاد الشموع وإحضار النبيذ لسر الافخارستيا.
[140] - أى "أوغنسطس"، وهى إحدى رتب الشموسية، ونلاحظ أهميتها والشروط التى كان يتعين توافرها فيمن ينالها فى الكنيسة الأولى. المعرب.
[141] - كان لفم الذهب دور كبير فى جذب أصدقائه أيضا إلى الحياة الرهبانية وقد صار بعضهم أساقفة. أنظر ذلك بالتفصيل فى سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب.
[142] - ولكن آخرين يرون أنه هزيكيوس Hesychius السورى"( هربرت مور، هـ 115).
[143] - قارن "كنتُ فى حيوية عمرى التامة، ومحتاجا ليس إلى خطاب بل إلى شِدة جسدية" فى بالاديوس، "ت.ل."، 4:1. وقد انضم إلى الحياة الرهبانية بعد وفاة والدته فى حوالى 374م/ 375م. أنظر "حياة فم الذهب" للأب تادرس يعقوب.
[144] - الأصح، العهدين القديم والجديد.
[145] - لم يسترد أبدا صحته وقد قال هو نفسه "لى جسد كبيت العنكبوت" إشارة إلى مدى وهنه. ونرى فى ذلك أحد أسباب تناول طعامه على إنفراد. المعرب
[146] - أنظر التعليم المسيحى القويم فى تعليم فم الذهب فهو رغم أنه شديد الإعجاب بالحياة النسكية حيث "يعيش الرهبان فى الأديرة حياة تلائم السماء". لكن إحساسه السليم العام يُظهِر أنه لم يكن لديه معيار للراهب يختلف عن ذلك الذى للفرد العادى. فهو يقول "إننى لا أطلب من الإنسان أن يتوجه إلى الجبال أو إلى الصحراء، ولكن أن يكون صالحا، وعاقلا ولطيفا، ورصينا وهو يعيش فى وسط المدينة". فكل وصايا الناموس هى لنا جميعا كما للرهبان، عدا الزواج (عظة على مت7).
[147] - كان ذلك فى سنة 381م عن عمر يُناهز ستة وثلاثين سنة. وقيل أنه كتَب مقالة "عن الكهنوت" وعن "البتولية" وهو بعد شماس. أنظر "حياة فم الذهب" للأب تادرس يعقوب.
[148] - توفى فى سنة 381م فى خلال مجمع القسطنطينية تاركا اسقفا منافسا هو باولينوس. وقد قيل أن ستة من قادة اكليروس انطاكية قد وافقوا على أنه فى حالة وفاة أىٍ منهما يعترفون بالآخر، الأمر الذى لم يتم. وقد كان سيناتورا، وأُختِير لأسقفية القسطنطينية بواسطة الإمبراطور نفسه وهو بعد موعوظ. أنظر ذلك بالتفصيل فى سوزمينوس("ت.ك."، 8:7) للمعرب.
[149] - ويُكتب أيضا فى الشام، افتروبيوس.
[150] - Comes أو "رفيق"، "كونت". هو رفيق أو ملازم للماجستيريت، وفيما بعد شخص فى جناح الإمبراطور، وبالتالى مسؤول عن قسم. وكان للإمبراطور عددٌ من المرافقين تبعا للمهام الخاصة به. وهكذا كان هناك "كومس" للخزانة الإمبراطورية، و"كومس" لإسطبلات...إلخ. وكومس لبريطانيا وكومس لمصر ..إلخ. إلى أن حل اللقب محل دوكس للحاكم العسكرى للمقاطعة أو المنطقة. وكان الحاكم آنذاك هو اوستيريوس(عن هربرت مور، هــ 125).
[151] - كانت الكنائس تُشيَّد فى الغالب الأعم فوق مقابر الشهداء على أساس أن نفوس أولئك الذين قُتِلوا تكون تحت المذبح (رؤ9:6). [وجدير بالملاحظة أن فكرة أن "نفوس الموتى" تحوم حول أماكن إقامتها بالجسد ليست قاصرة على دين معيَّن، إذ نجد نفس المفهوم لدى قدماء المصريين. المعرب]. وكان هناك مزار لأحد الشهداء فى مدينة بالاديوس هلينوبوليس (أنظر: يوسيبيوس"حياة قنسطنطين، 63:4).
[152] - سيم فى 2 فبراير سنة 398م، وبإتفاق كل الإكليروس والعلمانيين. إما لأنهم كانوا يعرفونه شخصيا وإما لأنهم قد سمعوا عن شهرته.
[153] - الكلمة المستخدمة هنا تعنى "لاحظ" كما ترجمها هربرت مور هكذا فى المتن، أما فى الليتورجية فهى "دعنا نُصغِى" التى تُقال قبل قراءة الإنجيل، "قفوا بخوف من الله لسماع الإنجيل المقدس". المعرب. وقد استخدمها بالاديوس مرتين بهذا المعنى فى "ت,ل.".
[154] - يرى هربرت (فى هــ 128) أن المعنى هنا مشكوك فيه. فالكلمة هنا تعنى "ملاحظ" (كما قلنا فى الهامش السابق مباشرة)، ولكنها تعنى أيضا ببساطة "كان حاضرا". وأيضا الكلمة "متحاملا" المستخدمة عاليه تكررت فى الكتابات الكنسية بشأن التكريس(وهى تعنى أساسا "تعيين" الموظفين المدنيين"). ومن هنا يُفسرها البعض المكرَّس الرئيسى على الرغم من أن هذا سيجعل النحو فى الجملة التالية مشوشا.
[155] - يشرح لنا هربرت مور(فى هـ 129) هنا المعانى المختلفة للكلمة اليونانية غير المعتادة المستخدمة هنا، فيقول أنها إما تعنى "فقد روحه" أو ما نعبر نحن فى اللهجة المصرية العامة "نفسه اتقطع" أو أُحبِط للغاية"، أو "وافق على مضض برسامته". على أية حالة يخبرنا سقراتيس (أنظر "ت.ك." للمعرب) أن يوتروبيوس الخصى قد هدده بمحاكمة إن لم يوافق.
[156] - يرى هربرت مور أن النص هنا فاسد، ويقترح بدلا منه "كان ماهرا جدا فى قراءة المشيئة غير المرئية وفكر الرجل من مظهره المرئى".
[157] - مر24:1، مت 29:8.
[158] - يقول سوزمين "كان خاضعا بالطبيعة للتقويم" أنظر، "ت.ك." للمعرب.
[159] - تشبيه كتابى من القبور المبيضة من الخارج وفى داخلها عظام نتنة.
[160] - أى "مدبرات المنازل" housekeepers . فلما كان من غير المسموح للإكليروس الزواج بعد السيامة، لذلك كانت هناك سيدات تقمن بالأعمال المنزلية لهم. بعضهن كن شابات. وبعضهن كنَّ من أولئك اللواتى قد نذرن البتولية والخدمة بالكنيسة [أى ممن يُعرفون اليوم بالمكرسات]. لذلك نهى مجمع نيقية (فى القرن الثالث الميلادى) إدخال أية إمرأة خلاف الأم أو أية واحدة فوق الشبهات. وهو قانون تكرر تدعيمه فى المجامع التالية. وقد أصدر فم الذهب مقالتين ضد هذه الممارسة، ولكن تاريخهما(فى نظر هربرت مور) غير محقق. وقد قال أنه صحيح أنه ليس هناك قدر كبير من المخالفات الفعلية، ولكنه أشار إلى الفضائح التى يُمكن أن تنشأ لا محالة من مثل هذه الحالات. وأوضح أن هؤلاء النسوة يعشن فى كثير من الحالات معيشة سيدات الطبقة الراقية.
[161] - أر 10:1. تمتلىء كتابات فم الذهب بالإستنكارات للثروة، والحث على الإحسان. ويقول بيوخ Puech أن فم الذهب هو الأكثر تميزا من بين جميع آباء القرن الرابع، فى مدح الصدقات.(اقتباس بيوخ عن مربرت مور).
[162] - كانت العادة فى روما، حسبما يقول سوتونيوس، حمل المرضى إلى معبد اسقولابيوس بجزيرة نهر التيبر ليموتوا هناك، وذلك توفيرا لعناء نقلهم. ويُخبرنا جيروم أن أول مستشفى تأسست هناك، كانت على يد أم مسيحية تُدعَى فابيولا. وقد حذا فم الذهب حذو باسيليوس الكبير الذى كان قد شيَّد مستشفى كبيرا جدا فى قيسارية جعله تحت إشراف "الأسقف المحلى".( مور، هــ 135)
[163] -عن العمل الصالح فى ذاته، أنظر المحاورة السادسة فى "المحاورات" لكاسيان، للمعرب.
[164] - 1تى 3:5, وهذا يُظهِر أنه منذ البداية كان هناك "سجل" لأرامل الكنيسة اللواتى كنَّ من المحتمل فى حاجة إلى مساعدة (اع1:6). ومن الواضح أنه قد صارت هناك حاجة، فى وقت يوحنا، إلى الأخذ بنظام الشماسات، ولذا أُقيمَت بعض المتقدمات فى العمر منهن شماسات للإهتمام بالباقيات. وكانت الأرامل اللواتى أنجبن أولادا تجلسن فى موضع معيَّن فى الكنيسة. وكان يُسمَح للمتقدمات فى العمر واللواتى تزوجن مرة واحدة بأن يكونوا شماسات. وكانت أوليمبياس استثناءً ملحوظا. ويقول هربرت مور "هكذا يتضح لنا أن نظام الشماسات قد نبع أساسا من نظام الأرامل". غير أننى أرى أن عماد سيدات بالغات فى بداية نشر المسيحية، كان يقتضى بالطبع وجود شماسات يُشرفن على تغطيسهن. المعرب
[165] - كانت الحمامات العامة فى المدن الكبيرة عبارة عن مبانى شاهقة، يُهدَر فيها الكثيرُ من الوقت فى متع جسدانية تكون مجالا للفجور، وللقيل والقال. لذلك كان من الأفضل لأولئك الذين شرعوا فى حياة أسمى أن يقبلوا [علاجا] فيزيقيا بدلا من النجاسة المعنوية.
[166] - "الطِلبات"[ وهى ما تُعرَف فى الليتورجية القبطية بإسم "أواشى". المعرب]. نجد فى قوانين الرسل(6:8) الشكل الأوَّلى لها، حيث يأمر الشماس بالصلاة، أو يذكر موضوعات الشفاعة، بينما يرُد الشعب "يارب ارحم".
[167] - يذكر بلينى الخدمات الليلة للمسيحيين، عندمل يُنشِدون التسابيح للمسيح الله. ويقول فم الذهب فى عظته على مز119 "فى نصف الليل..." ، "فى الليل تكون صلواتنا أكثر نقاءً، وأذهاننا أكثر خِفةً، ووقتنا أكثر وفرة". ولذلك كان الفقراء يمكثون فى الكنيسة من منتصف الليل حتى مطلع الفجر، وتنضم إليهم العذارى القديسات، ليلا ونهارا". (عظة على أش 4). وكانت الخدمة تشمل بصفة رئيسية المزامير. وكان يُتلَى منها إثنا عشر مزمورا محددا فى الاستعمال العادى. ومن سوزمينوس نعلم أن الأريوسيين كانوا قد نظموا مواكب تطوف الشوارع ليلا وهم يُنشدون ترانيم ضد العقائد الأرثوذكسية، مما أدى بدوره إلى قيام فم الذهب بتنظيم مواكب مماثلة تُنشِد ترانيما أرثوذكسية. أنظر: سوزمينوس، للمعرب.
[168] - قارن، 1تى 17:6.
[169] - حرفيا "لون".
[170] - " لقد جلس بعض الحاضرين أمس بالمسارح منذ ذلك الحين، يحملقون فى موكب الشيطان"(عظة 40). كان السيرك مصدراَ مثمرا للإثم ولذا غالبا ما أدانه فم الذهب (قارن، عن العازر 1:7). وقد ألقى عظة فى خلال السنة الأولى له بالقسطنطينية "عن الألعاب والمسارح" عقب سباق صاخب عُقِد يوم الجمعة العظيمة، وإنضم إليه مسيحيون كثيرون.
[171] - قِيل أن إدانته لحياة الترف كانت موجهة أساسا لأودكسيا الإمبراطورة التى صارت السلطة الرئيسية فى الدولة فى أياديها عقب موت يوتروبيوس. ومنذ ذلك الوقت فصاعدا، كما تُظهِر مصادرنا الأخرى، تحولت حُسن النية التى كانت تُكنها نحوه سابقا إلى عداوة إزدادت مرارة أكثر وأكثر بمساعدة ثيوفيلس وحزبه إلى أن حققت هلاكه. أنظر سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب
[172] - راجع مت 34:12.
[173] - أو "جنونه السكير" حسب مور.
[174] - يقول سقراتيس "لقد أظهر فم الذهب بإستمرار تقديره السامى للرهبان ، لكنه احتقر أولئك الرهبان الذين تركوا أديرتهم، وجالوا فى المدينة". (أنظر سقراتيس، "ت.ك"، للمعرب).
[175] - قارن مز 6:64 "يخترعون إثما، تمموا إختراعا مُحكَما".
[176] - weather-cock"" ، اصطلاح معروف جيدا فى اللغة الأجنبية, وهو قطعة الحديد التى على شكل ديك التى توضع فوق مداخن البيوت فى الخارج، والتى تدور تبعا لإتجاه الرياح. ومن ثم هو اصطلاح يُقصد به الشخص الذى يدور ويتغير ويتلون دائما تبعا للأهواء. وهو ما يُقابل فى الأمثال والتشبيهات الشعبية المصرية تعبير "هذا بوجهين" أو هذا "حرباية". المعرب
[177] - حرفيا حسب الترجمة الإنجليزية، مهندس إنشاءات لهذه الأمور.
[178] - أف 26:4.
[179] - رو 21:12.
[180] - قارن مز 5:7 سبعينية.
[181] - عن هذه النقطة أنظر عرض سوزمينوس.
[182] - هو ايسيذورس مشرف بيت ضيافة الأسكندرية. ويُخبرنا سوزمينوس بالتفصيل عن المهمة التى قام بها لصالح ثيوفيلس فى روما، والتى من أجلها جاهد فى ترشيحه لكرسى القسطنطينية محل فم الذهب. وقد قضى شبابه كراهب فى نيتريا، وأُشتُهِر بتقواه. ويُخبرنا سوزمينوس أنه اكتسب لنفسه حنق ثيوفيلس الشديد عليه لأنه شهد شهادة حق لصالح القمص بطرس الكاهن بكنيسة الاسكندرية بشأن الاتهام الذى اتهمه به ثيوفيلس. أنظر سقراتيس وسوزمينوس، فى سلسلة "المؤرخون الكنسيون الأوائل" للمعرب.
[183] - يمكننا من هذه الإشارة إلى جانب إشارات أخرى تقدير زمن كتابة بالاديوس لعمله هذا.
[184] - كان هناك فى معظم المدن الكبيرة والأديرة ، "Xenodochium"، أى دار مسنين أو عجزة hospice، لإستقبال الغرباء الذين يحملون رسائل توصية. وقد حظر القانون العاشر من قوانين خلقيدون الغرباء عن التعامل فى شؤون المزارات وبيوت الفقراء أو دور العجزة الخاصة بالكنائس.
[185] - حرفيا "التناول".
[186] - لقد رفضت كنائس روما والاسكندرية فى البداية الاعتراف بفلافيان كأسقف لأنطاكيا، ولكن بعد وفاة بولينس بوقت قصير تفاوض فم الذهب مع ثيوفيلس ونجح فى ذلك.
[187] - أنظر عن هذا الموضوع سوزمينوس للمعرب.
[188] - حرفيا أورس aureus وهو يُعادل 25 دينار أى حوالى 18 جنيه استرلينى(بتقدير مور سنة 1921م).
[189] - أى أمام المذبح المقدس بتعبيرنا اليوم.
[190] - من عظات فم الذهب نعلم أنه كان يدين زخرفة الهياكل الحجرية، على حساب الهياكل "اللحمية".
[191] - تشبيه صحيح إذ عُرف عن الفراعنة ولعهم الشديد بل المفرط بالتشييد ولو بطمس الملك الجديد لعمل مَن سبقه من أجل إقامة نُصب خاص به. المعرب
[192] - وهو هنا ما يُقابل النائب العام، أو المدعى العام.
[193] - قارن "ولا يأخذ الرشوة على البرىء"، مز 5:15.
[194] - شقيقة ثيوفيلس.
[195] - فى الوقت الذى كان هو نفسه قد سبق واستصدر قرارا إمبراطوريا يقضى بحظر اللجوء إلى الكنائس. ويقول هربرت مور( دون أن يذكر مصدره هنا) أن فم الذهب قد رفض فى البداية تسليمه حتى عندما طلبت أودكسيا ذلك. ولكنه أراد أن يُعلّم شعبه بطلان الإتكال على الأمور البشرية حسبما هو مكتوب "ملعون مَن يتكل على ذراع بشر"، فألقى عظتين عن ذلك أولاهما بينما كان هذا الخصى السابق منطرحا تحت المذبح فى رعب شديد. وأثارت هاتان العظتان إستياءً شديدا لدى أصدقاء يوتروبيوس ولدى الطبقة العليا أيضا. فالأولون رأوا فيها قسوة على إنسان بائس ألقى به سوء قدره فى هذا المصير!!. أما الآخرون فلأنهم رأوا فيهما هجوما عنيفا على الأثرياء، وإصرارا على سلطة الكنيسة. أما يوتروبيوس فقد عوقِب بالنفى إلى قبرص، وهناك قُتِل فى الحال. وأُلغِىَّ بالتالى القانون الذى استصدره. أنظر سلسلة المؤرخون ... للمعرب.
[196] - تقع على مسافة حوالى ستين ميلا جنوب الأسكندرية. أنظر: "دير سيدة براموس .."، للمعرب. ويقول بالاديوس [فى "ت.ل." للعرّب]، أنه كان هناك خمسون ديرا يضم خمسة آلاف راهب، بعضهم يعيش "حياة شركة [أى كينوبيوم]، وبعضهم حياة توحد.
[197] - يذكر ثيودوريت المؤرخ [أنظر ترجمة عمله للمعرب] سبعة أساقفة وإثنين وعشرين كاهنا قد كتبوا عن هذا الموضوع للبابا اينوسنت الذى عبثا احتج على ذلك ضد ثيوفيلس.
[198] - لُفاح أو وشاح، باليونانية "أُمفوريون" Omophorion. هو عِصابة طويلة من الصوف الأبيض، تتدلى على الأكتاف من أمام وخلف. كانت أصلا قطعة من الملابس المدنية، واحتفظت بها الكنيسة كما فى حالة ملابس أخرى. وكانت فى وقتٍ ما لها دلالة كنسية ولكنها الآن دلالة رمزية. وكان يرتديها على ما يبدو سائر الأساقفة فى الشرق. وفيما بعد صار الباليوم pallium الرومانى الخاص أولا بالأباطرة لأساقفة روما والمدبرين الكِبار.
[199] - كان أمونيوس وديسقورس أخوين من "الإخوة الطوال" الأربعة المشهورين بتقواهم فى سائر منطقة نيتريا فى القرن الرابع الميلادى إلى حد أن ثيوفيلس نفسه رسم ديوسقورس أسقفا لهرموبوليس بارفا(= دمنهور حاليا)، وأحضر إثنين آخرين منهم للخدمة معه بالأسكندرية. ولكن إذ لم يرضيا بسلوكه، وإستأذنا فى العودة إلى مغائرهما، انقلب عليهم جميعا وأثار ضدهم العواصف الهوجاء التى لم تكف إلا بوفاتهم واحدا تلو الآخر. أنظر عن ذلك بالتفصيل، سلسة المؤرخون الأوائل، للمعرب. و"التاريخ الرهبانى ..."، للمعرب، نشر دار باناريون. و"أديرة وادى النطرون"، لإيفلين هوايت، للمعرب.
[200] - ربما كان يوناني الجنس.
[201] - فارانا Pharana، أو Pharan أوFaran أو .Paranإسم مكان، يرد الآن لعدة مدن فى أقطار سياسية مختلفة: ايران، وأذربيجان، واسرائيل السياسية الحالية (أنظر مواقع البحث الحاسوبى). ما يهمنى هنا المكان الوارد فى اسرائيل السياسية الحالية، والذى يُعرف حاليا بإسم "موشوف" فى وادى العربة( أو أرفا arava)، شمال أيلات، وقد أُطلِق عليه اسم "موشوف" من تك20:21. وبالرجوع الى هذه الآية نجد "وسكن فى برية فاران Paran "(ط/ بيروت). وسبب ترجيحنا لهذا الموقع أن ما تُعرَف حاليا "بدولة إسرائيل" كانت فى ذلك الوقت جزءً من بلاد الشام الكبير. ومن ثم تكون هذه البلدة هى المقصودة هنا. المعرب
[202] - كانت مدينة تقع عند بحيرة البرلس الحالية، شرق رشيد. المعرب
[203] - الاساقفة هنا يقصد بهم آباء البرية العظام الذين عُرِفوا بالإخوة الطوال.
[204] - أى تحت التاج الامبراطورى. وهو الـ"بريفكت". وكان لقبا قاصرا فقط على حاكم مصر. قارن بالاديوس،("ت.ل."، 3:46) للمعرب.
[205] - حرفيا "رئيس قساوسة إيبارشية مصر". وكما رأينا كانت كلمة "ايبارشية" وكلمة "مقاطعة" تعنى نفس المعنى لكلمة "متروبولية". ويقول القانون السادس من قوانين مجمع نيقية "فلتظل العادة القديمة السائدة فى مصر وليبيا وبنتابوليس أن يكون لأسقف الأسكندرية السلطة العليا على كل هذه [المناطق]. مثل العادة السائدة فى روما وأيضا فى انطاكية والمقاطعات(الايبارشيات) الأخرى. فلا يُسَام أسقفٌ بدون موافقة المطران". والقانون الستون من قوانين خلقيدون يتحدث عن "رئيس أساقفة فى ايبارشية مصر لعاصمة الأسكندريين". وكانت هذه المقاطعة هى الأكبر فى العالم وكانت تحتوى على ستة مقاطعات مدنية، وحوالى مائة اسقف، أى أكثر من روما بثلاثين. وكان للمطران إمتياز فريد فى رسامة ليس فقط هؤلاء الاساقفة المساعدين، ولكن أيضا الكهنة والشمامسة فى المقاطعة.
[206] - أظن أن هذا تزيُّد من جانب بالاديوس، أو ربما نوع من الحوار الدرامى. المعرب
[207] - "غير المستنير" (فى 4:6) الإشارة هنا إلى المعمودية. فيوستينوس الشهيد يقول(فى دفاعه، 2) "هذا السر يُدعَى إستنارة لأن الذين يتعلمون هذه الأمور تصير لهم عقول مستنيرة". وهكذا منذ وقته فما بعد. وهكذا أيضا فم الذهب يقول فى (عظة على عب 13) "إننى أعرف أن الكثيرين قد أخطأوا وهم ينتظرون الاستنارة، ولكن الله أعطانا المعمودية ليُحررنا من الآثام لا لكى نُزيدها".
[208] - الكلمة هنا "باروسيا Paroecia" المتغربون. (راجع "التغرب" فى 1بط17:1، 11:2، أف19:2، عب 13:11، 14:13. فى السبعينية). وهكذا أُستُخدِمت هذه الكلمة عن "المسيحيين المتغربين بين الأمم" فى أى وقت. و"الغرباء" أو "النزلاء"، الباروسيا، ينضون تحت اسقف. وفى القانون 16 من نيقية، أمر الإكليروس المتجولين[ أو النزلاء] بالعودة إلى ايبارشياتهم، وألا يرسمهم أى أسقف آخر بدون موافقة الاسقف الذى هجروه.
[209] - قلتُ عاليه أن "الاساقفة" الثلاثة هنا، يقصد بهم كبار آباء نيتريا المعروفين بالإخوة الطوال.
[210] - قارن يوسيبيوس، "ت.ك."، 25:6.
[211] - يُحدثنا بالاديوس، (فى "ت.ل."، 9:17) عن أحد المقاريَن أنه كان يعتبر الإمتناع عن السرائر الإلهية لمدة خمسة أسابيع جريمة خطيرة. وكانت "العناصر السرائرية" آنذاك تُحفَظ لعِدة أيام. ومن ثم كان كل الذين يقطنون وحدهم فى الصحراء بلا قس يحفظون "الشركة" [أى الافخارستيا] فى أديرتهم، ويتناولونها بأياديهم"(باسيليوس، الرسالة 93.). وقد تناول ثيودوريت هذه الكلمة فى رسالته 13 مشيرا إلى أن العنصر لا يفقد سماته الطبيعية. ويقول ديونيسيوس الأريوباغى "الرموز المقدسة موضوعة على المذبح". [ وفيما بعد أُبطِلت هذه العادة لأسباب عديدة، فى الكنيسة القبطية، وحل محلها القداسات اليومية. المعرّب]
[212] - إحدى القطع الرهبانية، وهى مصنوعة من جلد الغنم. أنظر "الأنظمة الرهبانية" لكاسيان، تعريب الأب بولا ساويرس، نشر دار باناريون.
[213] - إسم مدينة "اورشليم" فى العصر البيزنطى. ويُخبرنا سوزمينوس أنهم ذهبوا إلى اسكيثوبوليس، حيث هناك نخيل كثيرُ، يستخدمون أوراقه فى عملهم المعتاد، وهو صُنع السلال. أنظر سوزمينوس للمعرب.
[214] - هنا تلميح إلى الآية التى تقول "ألم أقل أنكم آلهة".
[215] - Stratopedon حرفيا "المعسكر". المكان الذى يُقيم فيه الإمبراطور. فقد كان الإمبراطور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
[216] - لاحظ هنا أن لون ملابس الرهبان آنذاك كان رماديا grey، وليس أسودا black. والكلمة الانجليزية المستعملة هنا للملابس هىhabits وهذه تعنى الزى الخاص او المميَّز. مع "كدهم " أى أثار شقائهم واضحة وجلية. المعرب
[217] - هذه الكنيسة هى التى بدأ فيها القديس غريغوريوس النزينزى خدمته فى القسطنطينية، وهى ذاتها التى ألقى فيها فم الذهب عددا من عظاته. وكانت هناك كنيسة أخرى بإسم "كنيسة السلام".
[218] - كلمة "بسطوا" أو مدوا "الأيادى" كانت تُستعمل دائما للإشارة إلى السيامة, وهكذا استعملها سقراتيس.
[219] - المقصود هنا الخدمة الكنسية الرسمية. وهذه إحدى الإتهامات الباطلة التى إدعاها ثيوفيلس على فم الذهب أنه أشركهم معه فى "التناول".
[220] - اتهام بالأوريجانية.
[221] - كلام جميل جدا، ومنطقى وقانونى: (1) عدم تدخل اسقف ايبارشية ما فى شؤون ايبارشية أخرى ليست تحت إشرافه. وفقا لقوانين نيقية. وهو ما يُعبَّر عنه أيضا فى العلاقات الدولية اليوم، بعد تدخل دولة ما فى الشؤون الداخلية لدولة أخرى. (2) المحاكمة أمام قضاة مصريين، أى مبدأ "الولاية القضائية" الوطنية على مواطنى الدولة التابعين لها. ولكن السؤال الهام والمحورى هنا لماذا لم يُطبِّق ثيوفيلس صاحب هذه الفقرة عاليه ذات الشروط عندما تعلق الأمر بالقديس يوحنا؟. لماذا كسر هذه المبادىء التى رفعها، واستعان بالسلطة الزمنية ضد أسقف ايبارشية لا تتبعه من قريب أو بعيد؟!. أليس هذا أحد أساليب السياسة الدنيوية. لو كان ثيوفيلس بريئا كل البراءة من سائر إتهامات المؤرخين والباحثين، فإن هذه الفقرة وحدها كافية لإدانته تاريخيا، وفقا للآية "من فمك تتبرر ومن فمك تُدان". المعرب
[222] - الكلمة هنا "Princeps" ، وهى تعنى على وجه صحيح، كما يقول مور، كابتن فى الصف الثانى لجنود فى فيلق.
[223] - عقد ثيوفيلس فى خلال تلك الفترة مجمعا يُدين الأوريجانية، وكتب إلى ابيفانيوس اسقف سالاميس الطاعن فى السن، الجزيل الاحترام لينضم إليه فى هذه الحملة. انظر عن ذلك بالتفصيل. سوزمينوس، للمعرب.
[224] - Proikonesos أو Prokonnesos هو الإسم الذى كانت تعرف به (جزيرة مرمرة، ببحر مرمرة، بتركيا الحالية)، في العصور القديمة، وصار باللاتينية Proconnesus ونقلها مور هكذا فى الانجليزية. ويُلاحظ أن الاسم الحديث "مرمرة" هو أيضا مشتق من الكلمة اليونانية μάρμαρον والتي تعنى "الصخور البلورية"، أو " الحجر الساطع" لأنها كانت تشتهر بالرخام الأبيض.
[225] - أى يوم الخميس، بتعبيرنا الحالى، ونلاحظ انعكاس الأسماء العددية للأسبوع على الأسماء العربية الحالية.
[226] - الذين كانوا فى سفن شحن الغلال المصرية آنذاك.
[227] - فى 19:3
[228] - أو "مساكن الأشرار. "قارن، مز 10:84.
[229] - انظر سوزمينوس. السابق الذكر
[230] - بالاديوس يشير هنا إلى موقف ثيوفيلس القديم من رسامة يوحنا.
[231] - الناجم عن وقوف يوحنا فى صف الحق، ورغبته فى إنصاف المظلومين وفقا لتعليم الإنجيل!!.
[232] - محذرا إياهم من العقاب الإلهى للأوريجانية. !!!
[233] - لاحظ هنا صرف تبرعات الشعب، على الموائد الهادفة إلى الشر، بينما منع يوحنا الانفاق البذخى للأساقفة، وإقامة ولائم أسقفية، من أجل استخدام التبرعات فى بناء المستشفيات وإيواء العجزة والفقراء. المعرب
[234] - إشارة طقسية هامة، مما يعنى أن عادة شرب المياه بعد التناول، بدأت مع يوحنا فم الذهب. المعرب.
[235] - أى من "عنصرىّ سر الافخارستيا المقدس".
[236] - أع 20:20.
[237] - ينتقل بالاديوس هنا، دون توضيح، من تناول ما جرى فى منزل اوجرافيا، إلى رواية ما جرى فى مجمع البلوطة، رافضا أن يدعوه مجمعا، وله كل الحق فى ذلك. ويحدثنا سقراتيس عن استدعاء ثيوفيلس هناك، لباقى رهبان نيتريا، ومطالبتهم بالتوبة. ولما كان الرهبان معتادين على قول "أخطأتُ" سواء أخطأوا أو لم يُخطؤا [تبعا لأحد الأقوال الرهبانية]، فقد فعلوا ذلك. ثم يُسجل رأيه بصراحة قائلا أن ذلك ما كان سيحدث لولا أن أمونيوس وديسقورس كانا قد تُوفيا. وهكذا انتهت مسألة الأوريجانية التى كانت ذريعة شكلية للإنقضاض بواسطتها على فم الذهب. انظر سقراتيس للمعرب.
[238] - يُعطينا فوتيوس رواية لِما حدث فى هذا التجمع، فيقول أن "الشماس يوحنا" السابق الذكر قدَّم إثنين وعشرين إتهاما ضد فم الذهب، من قبيل يأكل بمفرده !!، يمص حلوى!![بستيليا]، عزله من الدياكونية..إلخ. كما قدَّم اسحق الراهب ثمانية عشر إتهاما آخر، مثل استخدام تعبيرات غريبة!! فى عظاته.
[239] - يقول هربرت مور من المستحيل الشك فى أننا نملك هنا رواية شاهد عيان، فقد كان بالاديوس موجودا آنذاك بالقسطنطينية، وشملته إحدى التُهم.
[240] - أى فى دار الاسقفية.
[241] - "الروح" هنا بحرف استهلالى كبير فى النص الانجليزى، مما يعنى الاشارة إلى "الروح القدس". المعرب
[242] - قارن، 2تيم 6:4
[243] - فى 21:1
[244] - أنظر هامشنا 48 السابق.
[245] - أى "تلميذه" بتعبيرنا الحالى. المعرب
[246] - هذه ضاحية بمدينة خلقيدونية تُدعَى على اسم روفينوس القنصل حيث كان هناك قصر له وكنيسة شيَّدها على اسم بطرس وبولس الرسولين. انظر سقراتيس للمعرب.
[247] - رفيق كاسيانوس. أنظر مقدمة "الأنظمة" لكاسيان، تعريب الأب بولا ساويرس.
[248] - هذه أول نقطة يكسرها ثيوفيلس والتى تمسك هو نفسه بها كما أشرنا فى هامشنا 221.
[249] - فى تك8:4 سبعينية، نقرأ "وقال قايين لهابيل دعنا نذهب إلى الحقل".
[250] - لم تكن هذه هى القضية بالضبط إذ كان بعضهم من أسيا.
[251] - أى أساقفة عواصم أو مدن كبيرة مثل عواصم المحافظات.
[252] - النص هنا غير مؤكد. فجورج يحذف "ضدكم". "دع المتهمون يكفون عن اتهاماتهم وعن هجومهم على يوحنا".
[253] - notary أى مُحضِر بتعبيرنا الحالى.
[254] - فى محل سيرابيون الذى عُزِل.
[255] - تماما مثلما حدث مع البابا اثناسيوس الرسولى. وكأن ثيوفيلس لا يعرف هذا!!.
[256] - فى عظة قبل ذهابه إلى المنفى يدعو أولئك المُرسَلين "عناكب مُرسَلة من عناكب".
[257] - هكذا بدون نعته الرسمى.
[258] - يقول لنا سوزمينوس فى (17:8. للمعرب) أن ما يُسمَى بمجمع البلوطة قد أدان فم الذهب لأنه فقط لم يَمْثُل أمامهم عندما استدعوه!!.
[259] - من المصادر التاريخية(أنظر سلسلة المؤرخون الكنسيون الأوائل، للمعرب) نعلم أن فم الذهب ألقى عظة عقب رحيل ابيفانيوس وبخ فيها النساء بصفة عامة، ولكن أصحاب الهوى فسروها على أنها هجوما على الإمبراطورة. انظر تعليقنا على هذا الموضوع فى سوزمينوس بهذه السلسلة.
[260] - فى اليوم الثالث بعد حرمانه نفذت السلطات المدنية قرار المجمع المزعوم، وخرج فم الذهب سرا حفاظا على سلامة الشعب، الأمر الذى لم يخفَ طويلا عن الشعب مما أدى إلى هياجه وسًخطه على ثيوفيلس وسيفريانوس. أنظر سوزمينوس للمعرب.
[261] - على الجانب الآخر من البوسفور.
[262] - يذكر سوزمينوس أنه كان زلزالا. وكتبت اودكسيا ملتمسة رجوعه بسرعة وقالت" إننى بريئة ولا أعرف شيئا مما حدث. ولا يمكننى أن أنسى أنك قد عمَّدت أولادى".!!
[263] - لقد رفض دخول الكنيسة على أساس أن المجمع الذى عزله هو ذاته الذى يجب أن يُعيده. ولكن الجماهير أصرت على دخوله. أنظر الوصف الكامل لذلك وتداعياته فى سوزمينوس(19:8)، للمعرب.
[264] - ثارت المشاعر بشدة بسبب إدانة المجمع لهيراقليوس وإتهامه بالأوريجانية مما أدى إلى حدوث شغب بالشوارع.
[265] - نصَّ القانون 12 من قوانين المجمع الأريوسى لأنطاكية على أن أى أسقف معزول يلجأ إلى السلطات المدنية بعد عزله، يكون الحُكم بعزله حكما لا رجعة فيه. وكان أعضاء هذا المجمع من حزب يوسيبيوس القيصرى أنصاف الأريوسيين، وكانوا يهدفون إلى الحفاظ على مكتساباتهم الشخصية.
[266] - قارن رو8:1. رو8:1. ويعترض أيضا كبريانوس(فى رسالته 4) على تعليق كرنيليوس اسقف روما ضد قرار المجمع الأفريقى بأنهم نسوا أن إيمان روما هو الذى أشاد به الرسول بولس فى كرازته.
[267] - لاودكية فى ليكاؤنية، وقد دُعِيَت كذلك من الأفران الخاصة بالمناجم كما يقول رامسى.
[268] - وكان حاضرا به مائة وسبعون أسقفا، وقد اعترض الأساقفة الشرقيون على حضور اثناسيوس المعزول، ولكنهم كانوا أقلية أمام الأغلبية. ويشير بالاديوس، ( "ت.ل."، 1:63) إلى نفس الملاحظة فى زمن قنسطانتيوس الملك، وكان قنسطانس امبراطور الغرب.
[269] - وهكذا، على الصعيد القانونى، يكون ثيوفيلس فى استخدامه لهذا القانون الأريوسى من أجل غرضه الشخصى، قد أدان، لا أقول بتاتا بدون بوعى، القديس اثناسيوس الرسولى وحكم عليه بالهرطقة!!! لصالح الاريوسية.
[270] - كان يوليوس اسقفا لروما فى ذلك الوقت، وخلفه ليبريوس سنة 352م. وفى هذا المجمع تحدد أن الاسقف الذى يجد نفسه متضررا، من أمر ما يمكنه أن يلتمس من يوليوس اسقف روما إعادة محاكمته أمام اساقفة مجاورين يعينهم هو. وكان القانون مُطبّق على يوليوس فقط بشخصه لمواجهة متطلبات اللحظة الراهنة. ولذا إلتمس اثناسيوس ذلك من الإمبراطور. إذ لمَّا كان قنسطانتيوس أريوسيا، حلَّ يوليوس محلّه لهذا السبب.
[271] - لدينا ستة رسائل من رسائل فم الذهب موجهة إليه, وقد عُزِل هو أيضا، ولكنه عاد إلى كرسيه فى سنة 414م.
[272] - وفى هذه الحالة يُسلّمون بأنهم هراطقة اريوسيين.
[273] - بالاديوس يكتب عمله هذا فى ذات الوقت الذى كان الملك اركاديوس ما زال فى السلطة. لذلك جاهد على قدر استطاعته فى إبعاد المسؤولية عنه، وإلقائها على عاتق ثيوفيلس واكاكيوس وانتوخيوس. وإننا نعذره فى ذلك فالشرق لم يعرف بتاتا طوال عصوره المديدة وتعدد أنظمته السياسية ومذاهبه الدينية، ما يُسمَّى فى أيامنا "بالرأى الآخر" أو "حرية التعبير". ولا ننسى جريمة "العيب فى الذات الملكية" التى سادت فى العصر الملكى لمصر، فى أواخر النصف الأول للقرن الميلادى العشرين. لذلك غطى سوزمينوس وسقراتيس الجوانب التى عبَر عليها بالاديوس، بأكثر كفاية ووضوحا. أنظر سلسلة "المؤرخون الأوائل" للمعرب.
[274] - هنا انقلبت اودكسيا مرة أخرى بسبب العظة التى ألقاها عن الاحتفالات الماجنة، عقب إقامة تمثال لها امام الكنيسة. والتى نجم عنها امتناع الإمبراطور عن حضور قداس عيد الميلاد المجيد، وأُثير عندئذ اتهام دخوله الكنيسة مرة أخرى بدون تصريح "مجمع"!!. راجع سوزمينوس، مرجع سابق.
[275] - أى الصوم الأربعينى.
[276] - واضح أنهم قد خشوا عواطف الجماهير عند حضورهم احتفالات العيد.
[277] - "ابسكوبوس" "ناظر"(أع 28:20). انظر نفس الكلمة فى بالاديوس،( "ت.ل."، 10:35). وجاء فى حك6:1 "الله هو ابسكوبس(= اسقف، ناظر) الحقيقى للقلب.
[278] - أى الصوم الأربعينى، أو الصوم الكبير.
[279] - حرفيا، كاهنها.
[280] - يقول سوزمينوس(21:8) عند روايته لهذه الإجراءات "أولئك الذين نالوا البدايات، سوف يعرفون على الأرجح ما حدث فى خضم هذه الفوضى، الأمر الذى لابد أن أصمت عنه. لئلا يقرأ روايتى هذه شخصٌ لم يتأهل بعد". أنظر سلسلة "المؤرخون..." للمعرب.
[281] - فى بيثينية.
[282] - يتحدث جيروم فى(مت25) عن التقليد الرسولى بشأن عدم انصراف الشعب قبل منتصف الليل. ويُحذر ترتليان من الزواج بوثنى حتى لا يمنع زوجته من الغياب طوال الليل فى الاحتفالات بأعياد الفصح. [ ومعنى ذلك أنه منذ عهد جيروم، وما قبله كان الاحتفال بعيد القيامة يتم ليلا. المعرب].
[283] - الكلمة هنا تشير إلى أنه كان وثنيا.
[284] - يرى مور أنه من الممكن أن يكون الحرفان الأولان من كلمة(هدايا) قد سقطا من النص وتركا بذلك "الكلمات".
[285] - "الخامس" لأنه على خمسة أميال من الفورم.
[286] - لاحظ الملابس البيضاء بعد المعمودية.
[287] - أظن أن الرقم هنا رمزيٌ، للتشبه بعدد المؤمنين فى يوم البنطقستى، عقب عظة مار بطرس الرسول. المعرب
[288] - الكلمة المستخدمة هنا هى "هترودكسى" Heterodoxi أى غير أرثوذكسي!!. وهكذل حولوا الخلاف السياسى إلى خلاف عقيدى، وهكذا هى السلطة فى كل زمان ومكان!!. وذات الكلمة يستخدمها اليونانيون إلى الآن عن الكنيسة الأرثوذكسية القبطية، حتى وهم داخل ايبارشياتها مثل موقع الروم[= اليونانيون] بطور سيناء. أنظر المسيحية بسيناء، إصدار اسقفية جنوب سيناء.
[289] - حرفيا "الظهر".
[290] - أى أكثر من مجرد التعبير عن أفكار مجردة.
[291] - لاحظ هنا وبشدة، أن الكاتب يكتب فى أوائل القرن الخامس الميلادى، ويتحدث عن نساء مسيحيات شرقيات يونانيات، والكلمة واضحة بلا لبس "نقاب" أو "خِمار" الأمر الذى يوضح بجلاء أن النِقاب لم يكن قاصرا على المرأة العربية فقط(عن النقاب والمرأة العربية، أنظر مقالات الدكتور عبد المنعم نمر). المعرب
[292] - "مافوريا"Maphoria كانت فى البداية "الحجاب" الذى ترتديه النساء. ولكن فيما بعد ارتدته العذارى والشماسات بشكل ما مميز، ثم صار قاصرا عليهن وحدهن.
[293] - الفترة من القيامة والعنصرة. ويقول سقراتيس (18:6، للمعرب) أن فم الذهب لم يخرج طوال شهرين علنا.
[294] - أليست هذه هى مشورة قيافا قديما "أن يموت واحدٌ عن الأمة"، أيها "الآساقفة القديسون"!! كما نعتم أنفسكم.
[295] - هذه الصيغة تختلف عما أوردها سوزمينوس وذلك لأن بالاديوس يكتب أثناء حياة الملك، كما قلنا. المعرب
[296] - يقول فم الذهب فى عظته عن الصعود "إذا كان كل الجو مملوءً بالملائكة، فكم بالأحرى الكنيسة. آلا تسمع الشماس فى الكنيسة يُدعو دائما ملائكة السلام" . وفى موضع آخر يقول "الملائكة تقف حول الكهنة". إن إحساس ذهبى الفم بحضور الملائكة ظاهر فى ليتورجية القسطنطينية، ففى صلاة الدخول أو التمهيد [وهى تقابل "صلاة الإستعداد" فى الليتورجية القبطية. المعرب] نجد "إجعل الملائكة القديسين يشتركون فى دخولنا". وفى سفر دانيال النبى نجد ملائكة حراس لكل مِن الأمم. ويدعو باسيليوس "حكام الكنائس" ملائكة [ فى الواقع لم يكن باسيليوس [الكبير] أولَّ مَن دعاهم هكذا، ففى سفر الرؤيا يأمر الرب يوحنا الإنجيلى قائلا "أكتب إلى ملاك كنيسة..." أى إلى اسقفها. المعرب]. ويعتبر يوسيبيوس أن مز5:48 موجه إلى الملائكة الحارسين للكنائس. وتُشير الآيات(مت10:18) و( اع15:12) إلى الملائكة الحارسين للأفراد، فكل منا له ملاك حارس إلى جانبه(عظة على عب14). إن فكرة الملاك الحارس لكل كنيسة، هى بلا شك مؤسسة على رؤ3:2 التى يشرحها أورجينوس فى (عظة على العدد 4:20) أنه ملاك أو ملائكة كنيسته. ويقول فم الذهب "لكل فرد ملاك. وفى كل كنيسة وضع المسيح حراسا من الملائكة".
[297] - حيث ملابس الكهنة، والأوانى المقدسة..إلخ. ويستخدم بالاديوس أيضا هذه الكلمة فى هذه المقالة والتاريخ اللوسسى، عن "هيئة الاكليروس".
[298] - يقول سوزمينوس أن أوليمبياس قد سيمت شماسة بيد نكتاريوس على الرغم من أنها كانت أرملة شابة، نظرا لتقواها غير العادية. وقد نشأت الرتبة كما رأينا من [نظام] الأرامل. وقد جعل مجمع خلقيدون سن الأربعين هو الحد الأدنى لسيامتهن. وكانت واجباتهن المساعدة فى تعليم الموعوظات، وفى عمادهن، وفى زيارة النسوة المرضى، وحراسة الأبواب، والعناية بالسيدات فى الكنيسة. [وقد عادت هذه الخدمة إلى البروز فى الكنيسة القبطية تحت إسم "المكرَّسات" وهنّ يهتممن بالفعل برعاية السيدات المرضى والأرامل، وكذا رعاية الأطفال فى الحضانة، وتنظيم صفوف السيدات عند التناول إلى جانب ما يُعهَد من خدمات كنسية أخرى. دون الأخذ بهذا الحد الأدنى لسن سيامتهن الآن. المعرب]
[299] - كانت سيلفيا واوليمبياس صديقتان بوصفهما أرملتين لزوجين يحملان نفس الإسم.
[300] - 2تيم 7:4.
[301] - أع 25:29
[302] - هنا استعارة مستيكية من بالاديوس. فالشرق رمز للنور، والغرب رمز للظُلمة والخطية. ولذا ينظر المتقدمون للعماد أولا إلى الغرب إلى أن يجحدوا الشر[ فى طقس جحد الشيطان، فى الكنيسة القبطية] وبعد ذلك يلتفتون إلى الشرق. وما زال هذا الطقس قائما فى الكنيسة القبطية حتى اليوم. المعرّب
[303] - هذه الكلمة مقصود بها هنا الوثنيون.
[304] - يقول سقراتيس "وفى نفس اليوم، أحرق بعض أتباع يوحنا الكنيسة". بينما اعتبر سوزمينوس إحتراقها علامة من السماء على غضبها مما جرى ليوحنا. وهنا يعتبر بالاديوس احتراقها ناجم عن خروج ملاك الكنيسة مع يوحنا.
[305] - أع 18:1، 2بط13:2، 15. التعبير غريب وربما يكون حرف الجر قد تغير، وبذا يجب قراءة العبارة "وضع عليهم"، "دفع". النحو هنا سىء للغاية.
[306] - الكنيسة هى "سانت صوفيا" التى بناها قنسطنطين سنة 360م. وقد تم ترميمها بعد هذا الحريق، ولكنها احترقت ثانية، وأُعيد بناؤها فى عهد جوستنيان، بنفقات باهظة سنة 532م. [ثم حولها الأتراك عندما استولوا على القسطنطينية إلى "جامع"، ثم فى العقود الأخيرة نسبيا جعلوها متحفا.]
متحفا.]
[307] - إحدى الإتهامات التى ذكرها فوتيوس.
[308] - يقول سوزمينوس أن النيران امتدت من وقت متأخر ليلا إلى الصباح.
[309] - أوقع البريفكت أوبتاتوس على المتهمين أنواعا شتى من التعذيب لدرجة أن القارىء يوتروبيوس قد مات تحت التعذيب. وقد خضعت أوليمبياس للمحاكمة.
[310] - لأنه كما نقول الآن فى المجال القضائى" كان الحُكم صادرا قبل المداولة" أو بصورة أدق "قبل النظر فى أوراق الدعوى" أساسا أو حتى الإطلاع عليها. لأن القضية، كما أوضح سوزمينوس صراحة، لم تكن دينية أو عقيدية أو سلوكية من قريب أو بعيد، بل كانت بالكلية " قضية سياسية" بتعبيرنا اليوم.
[311] - "كوكسس" هو الإسم اللاتينى للمدينة التى كانت تعرف باليونانية بإسم Kykysòs والتى كانت تقع عند سفح جبال طوروس على حافة كيليكية، عند منبع نهر بيراموس. وحسنا قال بالاديوس (قرية بأرمينيا) فقد كانت فى ذلك الوقت داخلة فى زمام "أرمينيا سيكوندا". وهى الآن قرية "جوكسن" بمحافظة (قهرمان مرعش) بإقليم البحر المتوسط بدولة تركيا الحالية. ( وهذا الإقليم يُعرَف بأرمينيا التركية). ويكتبها البعض كوكوزة.
ولقد بذل أصدقاء فم الذهب أقصى ما فى وسعهم لجعله يُنفى فى مكان أقل بُعدا وخطورة، ولكن الإمبراطورة هى التى اختارت كوكوسس بنفسها، وكانت فى هذه المرة عنيدة للغاية. واستغرق ذلك منه سفر سبعين يوما للوصول إليها. وتُخبرنا رسائله بالتفصيل عن المشقات التى لاقاها طوال هذه المدة.
[312] - كان فى الثمانين من عمره. ويقول سقراتيس أنه أدار الكرسى بلُطف مفرط. كما يتحدث سوزمينوس عنه بإشادة.
[313] - نلاحظ هنا زواج الاساقفة فى القرن الرابع.
[314] - قال سقراتيس عنه أنه أرمنى وكان راهبا منذ شبابه. أنظر سلسلة "المؤرخون.." سابقة الذكر.
[315] - يقول هربرت مور "هنا لعب بالكلمات، فكلمة "جرافى" تعنى الكتاب المقدس، وكلمة "أنتى جرافى" تعنى براءة."
[316] - أسقف انطاكية
[317] - مت 23:10.
[318] - أم 4:11(فى مخطوطة واحدة)
[319] - كان الحزام (أو المِنطقة) علامة على رتبة الشخص الوظيفية، كمثل "الشريط" على كتف صف ضباط الشرطة.
[320] - "فى ضواحى المدينة". وقد قُمِعَت الاجتماعات بالقسوة والسلب. فتركت نِكريت ضمن آخرين المدينة.(أنظر: سوزمينوس، ).
[321] - من يو 15:15 الذى يتحدث فيها رابطا بين النصين(6:14 و 33:16)
[322] - أمده أصدقاء كثيرون بما فيهم أوليمبياس بالنقود التى افتدى بها الكثيرين من أسرى الأيسوريين، وأغاث المحتاجين كما خرج إليه الكثيرون من أنطاكية وسوريا وكيليكية (سوزمينوس). وظل فى تواصل وثيق مع أصدقائه فى المدينة يُحدثهم تارة عن هجوم ايسورى وتارة عن الهدوء.
[323] - حصن قوى ليس بعيدا عن كوكوسس. وكان "الحرمان" أمرا لا مفر منه. حيث أن المكان كان مزدحما بالهاربين. وقد استولى عليه حوالى ثلاثمائة ايسورى فى هجوم ليلة واحدة.
[324] - مت 14:5، 15.
[325] - كان فم الذهب يُشجع برسائله المشروعات التبشيرية التى بدأها كأسقف، فى بلاد فارس وفينيقية وبين القوط. وكانت ضمن مسؤولية قنسطانتيوس الذى انضم إليه لبعض الوقت فى كوكوسس.
[326] - "المحاكمات"، هذه الكلمة وُجِدت بصيغة الجمع فى أع 19:20 فقط، وبالمفرد فى محاكمة ربنا، وفى الصلاة الربانية، وفى بستان جسثيمانى.
[327] - 2كو 9:12.
[328] - هذا مصطلح يُستخَدم مرارا من الآباء عن "الإيمان والممارسة". "المحنة هى أُم الفلسفة"(عن مز 9) "أن تكون لطيفا فى الكلام فهذا هو الطريق إلى الفلسفة"(عن يو 26). وتقارن إحدى مقالات فم الذهب القصيرة بين حياة الملك وحياة "راهب بحسب الفلسفة المسيحية". ومن ناحية أخرى "هل هناك أى وثنى يعيش بالفلسفة"(عن يو 28)، رحيم مع الزوجة كما فى أم16:11س، "شاكر" كما فى كو15:3. وتتطابق الكلمات هنا مع بالاديوس، ( "ت.ل."، 15:17).
[329] - كما يقول أشعياء (8:53) "قُطِع من أرض الأحياء".
[330] - قال آميدون أن كلمة كاهن كانت تستخدم آنذاك للكاهن والاسقف.
[331] - "نُفِيَت إلى بلاد بربرية مثلما كان داوود منفيا بلا مأوى، متغربا"(Ad eos qui, ii.).
[332] - بيتيوس باليونانية القديمة، أو بيتيونت، هى حاليا مدينة بيتسونداالمطلة على البحر الاسود، بإقليم أبخازيا(أو افخازيا) بمقاطعة غاغرا ، بجورجيا الحالية، بالقرب من جبال القوقاز. نفي إليها القديس يوحنا فم الذهب إلى البلدة ومات بالقرب منها عام 407.
[333] - فى أقصى الطرف الشرقى.
[334] - كان نقل الأسرى والمنفيين من مكان إلى مكان يتم عن طريق جرهم بالسلاسل وهم سائرون على الأقدام خلف الجندى الممتطى لجواده. ومن ثم إذا اسرع الجندى بجواده كان الأسير يهرول وراءه أو يسقط أرضا ويُجَرّ كقطعة جماد.
[335] - أى أصلع.
[336] - كومانا comanaأو "قومانه" (باليونانية: Κόμανα)، هى مدينة قديمة فى اقليم بونتوس الذى يقع على شاطىء البحر الأسود وشكلت تقليديا مستعمرة Comana في كابادوكيا، وفقا للجغرافيين القدماء. وتُشاهد خرائبها حاليا بالقرب من قرية تسمى Gümenek على مسافة نحو سبعة أميال من توكات (أو توقات). بولاية أضنة بأرمينيا التركية حاليا. أنظر William Mitchell Ramsay, The Historical Geography of Asia Minor .
[337] - سنة 303م، عندما استهل دقلديانوس زميل مكسيميانوس، الاضطهاد فى الشرق.
[338] - كان شهيد المكان اسمه كولوتيوس، أنظر عن هذه الرؤيا بالاديوس،("ت.ل."،60، فى"التاريخ الرهبانى...". للمعرب). ويُعطِينا ثيودريت (أنظر تاريخه، للمعرب، تحت الطبع) رواية مختلفة لهذه الرؤيا حيث يقول أنها وُهِبَت له قبل وصوله إلى كوكوسس.
[339] - غَلْوَةً. مقياس يوناني الأصل يبلغ 606 أقدام إنجليزية، أي ثُمن ميل روماني. والغلوة
اليونانية أقصر قليلا من الغلوة الإنجليزية التي تبلغ 660 قدما إنجليزية، أي ثمن
ميل انجليزى (قاموس الكتاب المقدس).
[340] - يقول فم الذهب "نحن نُلبِس الموتى ملابس جديدة إشارة إلى أنهم قد لبسوا ملابس عدم الفساد الجديدة"(فى عظة 116). وهكذا إرتدى قنسطنطين الملابس الملكية اللامعة فى موته" (يوسيبيوس،"حياة قنسطنطين). ويروى لنا بالاديوس كيف أن الكسندرا قد رقدت فى السنة العاشرة بعد أن أعدت نفسها (للموت) (انظر:"التاريخ الرهبانى..: للمعرب). ويقول ثيودوريت أنها كانت "ملابس الليتورجية المقدسة".
[341] - يرى بيجوت Bigot أن الكلمة المستخدمة هنا هى "jejunus" وترجمها "بدون كسر صومه". أما هربرت مور فقد فهمها كما فى المتن كما يقول، هذا وقد وردت هذه الكلمة فى(1تس 8:5، 2تى5:4.. إلخ).
[342] - من (Ambrose, de Ob. Sat. iii. 19) نعلم أن السرائر "السابق تقديسها" كانت تُحمَل أثناء السفر. ومن المعروف أن الطقس البيزنطى كان وما زال يحتفظ بها. أما فى الكنيسة القبطية فقد كانت هى أيضا تأخذ بهذه العادة، إلى أن أبطلها البابا غبريال لتجنب ما قد يحدث لمواد السرائر من أعراض خارجية. وقد انتشر الآن فيها نظام القداسات اليومية. المعرب
[343] - وفى رواية أخرى "ليكن إسم الرب ممجدا فى كل شىء"(سوزمينوس، للمعرب). "إنه يختم الكتاب بصلاة الشكر، ليُرينا أنها تجب أن تكون بداية ونهاية كلامنا وأعمالنا، كما فى صلاتنا يا أبانا. إنها لغة البشر الذين يشكرونه على عطاياه التى نالوها"(عظة عن مز 150). "فلنقدم الشكر عندما نكون فى فقر، فى مرض، فى عار. ليس بالكلام ولا باللسان، ولكن بالفكر والعمل. لا تقل شيئا أقل من هذه الكلمة "أشكرك يارب" (عن افسس 2:19). "ماذا أقول؟. مبارك هو الله. هذا هو ما أقوله عندما أرحل، ولا أكف عن قولها. أنتم تتذكرون أننى اقتبستُ كلمات أيوب ليكن إسم الرب مباركا إلى الأبد" (من عظة بعد عودته من النفى الأول). وفى ختام ليتورجية فم الذهب التى ما زالت الكنيسة اليونانية تستخدمها إلى اليوم، يرد ما يلى"بعدما يتزين الكاهن، ويُقدّم الشكر لله، على كل شىء، ينصرف".(عن مور هــ280)
[344] - يقول ترتليان(فى مقالته عن كو3) " عند سفرنا.. عند ارتدائنا لملابسنا ونِعالنا.. عند ذهابنا لفراشنا.. عند جلوسنا.. نرسم جباهنا بالعلامة" [أى بالصليب].
[345] - أنظر قول الرسول لتكن اقدامكم..
[346] - قارن ذلك بقول الرب فى حز18:3- 21.
[347] - يقول سقراتيس (انظر تاريخه، للمعرب، تحت الطبع) عن فم الذهب "كان رجلا متحمسا للإعتدال، فكان من أجل الإعتدال يميل إلى الغضب عن الإحترام. ومن أجل الإعتدال سمح للسانه طوال حياته بصراحة مفرِطة. لذا أعجبُ كيف يمكن لرجلٍ بمثل هذا الحماس للإعتدال أن يُعلِّم فى عظاته للناس بإحتقار الإعتدال".
[348] - يقول سقراتيس أن ذلك كان فى 24 سبتمبر حيث يكون الطقس أكثر احتمالا.
[349] - من سقراتيس نعلم أن وفاته كانت فى الرابع عشر من سبتمبر فى القنصلية السابعة لهونوريوس، والثانية لثيودوسيوس، أى فى 14 سبتمبر سنة 407م. أنظر "المؤرخون..الأوائل" للمعرب. وتحتفل الكنيسة بالقبطية بتذكار نياحته فى السابع عشر من شهر هاتور. وبتذكار نقل رفاته من كومانا إلى القسطنطينية فى السادس عشر من شهر توت. غير أن كاتب سيرته بالسنكسار تجنب بالكلية أعمال البابا ثيوفيلس ضده، ملقيا اللوم كله على اودكسيا الامبراطورة. تماما مثل فعل المؤلِّف المجهول فى "تاريخ البطاركة" القبط، الذى قام بتأليف قصة ليصالح بها بين القديس يوحنا ذهبى الفم وبين البابا ثيوفيلس. انظر "إطلالات على تراث الأدب القبطي"، للدكتور صموئيل القس قزمان، نشر مجلة الاسكندرية، ص ٧٣-٧٥.
[350] - أى 26:5.
[351] - يقول يوسيبيوس أن الإكليروس كرّموا قنسطنطين بليتورجية، فى جنازته. ويُظهِر مجمع قرطاجنة أن عادة الثالث المُعتادة كانت علامة على الشركة بين الأحياء والأموات. ويتحدث امبروسيوس عن نقل الجسد من الكنيسة حيث تُقدَّم فيها الإفخارستيا إلى موضع الدفن. وهذا الإحتشاد، ما كان من الممكن حدوثه قبل إنقضاء فترة طويلة، على الدفن بسبب بُعد المسافة، على الرغم من أن Vit.Anon تقول أن ذلك قد حدث فورا عن طريق إلهام إلهى . والكلمة التى ترجمها مور عاليه "تجمع"، تُستَخدَم لإحتفال كنسى مثل "عيد القيامة". وكان أقرباء المسيحى [المتوفى] يجتمعون فى اليوم الثالث، والتاسع، والأربعين بعد الوفاة [لترتيل] المزامير، والتسابيح والصلاة". (قوانين الرسل، 42:8). ويقول بالاديوس(فى"ت.ل." 15:21) "وحدث أن خدمة يوم الأربعين لأحد الإخوة، والثالث لآخر كان يُحتَفل بها"(أنظر "التاربخ الرهبانى"، للمعرب).
[وهنا ملاحظة جديرة بالتأمل، وهى أن البعض رأى أن عادة الثالث والأربعين، عادة فرعونية قاصرة على المصرببن فقط. ولكننا نراها هنا تخص غير المصريين، مما يستدعى دراسة أسباب هذه العادة لديهم. المعرب]
[352] - قارن، جا 9:8
[353] - 1كو8:8
[354] - أنظر رأى سقراتيس فى مسألة أكله على إنفراد. للمعرب.
[355] - أع 37:19 ، رو22:2.
[356] - أنظر على سبيل المثال، ما فعله المشرف على مائدة الفقراء فى سيرة القديس أنبا إبرآم اسقف الفيوم(1881م-1914م).
[357] - أو ربما "لهجة أخلاقية" و"شخصية".
[358] - اقتباس بتصرف جدا من أع2:6، وبدون سند من مخطوطة.
[359] - مت35:25.
[360] - قارن، لو26:6.
[361] - مت 18:11 مع 32:21. وبالمثل يربط بالاديوس فى تاريخه اللوسسى بين الآيتين بدون سند من مخطوطة.
[362] - تقريبا ترجع كل رسائله ال 264 إلى فترة نفيه الثانى، وكانت عبارة عن إجابات قصيرة على استفسارات، وطِلبات بالصلاة. أو لإعتبارات تقوية عن العناية[الإلهية] وتحمّل المعاناة. وكان منها سبعة عشر رسالة موجهة إلى اوليمبياس. والعبارة هنا توحى بمرور فترة معينة من الزمن ـ كما يرى هربرت مور، لتجميعها. ولم يكن من المتصور وصولها إلى روما فى التاريخ المقترض للحوار.
[363] - قارن من تك8:18، 22. ملاك المشورة العظيم(اش6:9). حيث فسَّر الآباء الملاك هنا بأقنوم الكلمة.
[364] - عب 2:13
[365] - لو 30:6.
[366] - جا 29:11
[367] - "سارابارا" Sarabara، سروال فارسى. دا 21:3
[368] - الجملة تبدو هنا لامعة، ولكن مؤلفنا مثل الكثيرين من الآباء مغرم "بالتعليم الوسط"
[369] - الكلمة المستخدمة هنا، كما يقول هربرت مور، تعبّر عن مشرف بيت الضيافة فى الكنيسة.
[370] - اش 22:1
[371] - عا 11:8
[372] - عا 12:8
[373] - 1صم 13:2
[374] - هذه إشارة إلى يعقوب المصارع.
[375] - تث 15:32
[376] - حز 49:16
[377] - فى السبعينية، "هى".
[378] - عا 4:6-6
[379] - أش 11:5، 12
[380] - بعل ودراجون. شوهدت أثار اقدامهم فى الرماد بواسطة دانيال. "تكملة سفر دانيال" فى الأسفار القانونية الثانية.
[381] - يقول مور، تبديل زهيد فى النص هنا يُعطى هذا المعنى عاليه.
[382] - تك 40:31.
[383] - تك 20:28.
[384] - pheasants ببونطس. وهذه الطيور سبق أن أشار إليها أيضا كلمينضس الأسكندري فى المربى. المعرب
[385] - هى الرامة (1صم17:7).
[386] - قارن، مز 9:102
[387] - العبارة تذكرنا بخروج 14:3.
[388] - عب 7:13.
[389] - لو 7:3
[390] - مت 17:5، غل 18:2
[391] - رو14:1
[392] -1تيم13:4
[393] - تيم 2:4
[394] - يقول هربرت مور أن النحو فى هذه الجملة غريب جدا لدرجة يجعلها تقريبا غير قابلة للترجمة. فإن كلمة "تملق" لا يمكن أن ترتبط بكلمة "يربح"، أو يُؤدب لأن التملق ليس "مُرَّا" بتاتا. بينما الوعظ يُمكن أن يكون أكثر مرارة كما يظهر عن أىٍ منهما. ومن ثم لم يتردد الرسول فى ربط الوعظ السار بالتوبيخ المر.
[395] - الأمور التى تبدو مخجلة (الصليب) مكرَّمة لدينا جدا(عظة على يوحنا 3:125) قارن بالاديوس،( "ت.ل."،2:56 المرجع السابق)
[396] - 2تيم 10:3
[397] - فى 5:1، 1تى3:1، 4
[398] - تى12:1
[399] - هذه الكلمة توجد هنا فقط، وفى "ت.ل."، 2:65 .
[400] - خر6:32
[401] - خر 1:32
[402] - ملا 7:2
[403] - "كلنة" إحدى مدن نمرود بسهل شنعار. أنظر تك 10:10.
[404] - مضمنة فى كلمات "كيف يُعطينا هذا الرجل جسده لنأكل"،
[405] - يو27:6
[406] - 1كو 8:8
[407] - 1كو 32:15
[408] - أش 20:5
[409] - لو كان النص صحيحا، فهذاه معناه ان الرجل يقيم ولائم الأكل ليس حبا فى الأكل ولكن لأنه يُريد أن ينتمى إلى فئة "النخبة"، ويتقدم إلى الأمام بالتباهى بثروته.
[410] - قارن، عبارة "ذات يوم" و"مرة كل يومين" فى بالاديوس "ت.ل."، 1:31، 6:61
[411] - يقول مور، كلاهما استعارة محببة لدى فم الذهب. العناية الإلهية لا يُعترَف بها مثلما يحدث عندما يُنقِذ الربان السفينة فى العاصفة فالمسافرون لا يعترفون بمهارته فى وسط الإرتباك العام".
[412] - تتكرر الكلمة فى العهد الجديد "البركات الروحية"(1كو16:10)، غل 14:3، يع 10:3). وتستعمل فى النسخة السبعينية لأية فائدة ممنوحة كما فى (قض 15:1) عن قطعة أرض. وعن عطية ابيجايل(فى1صم 27:25، 2مل 15:5). وهنا يقصد بها بصفة خاصة الخبز غير المكرّس للإفخارستيا. ويُخبرنا سقراتيس عن أسقف لم يأخذ شيئا من الكنيسة سوى "رغيفىّ أولوجيا" كل يوم أحدٍ. قارن"لستُ أسوأ منك لكى ما تُرسِل لى بركة"(فى بالاديوس، "ت.ل."، 3:25 للمعرب). ومن ثم يكون المعنى هنا "الحصول على خيرٍ" من الدنيا لن يكون، روحيا".
[413] - قارن حز 2:34-4
[414] - 2كو20:11
[415] - أر 10:12
[416] - هكذا وردت فى ترجمة مور، وبديهى أن المقصود "صيتا رديئا". المعرب
[417] - سيكون له إسم ردىء إن قام بدور المُضيف، كثيرا جدا.
[418] - مت 11:5
[419] - لو26:6
[420] - مت 24:6
[421] - مت 27:19
[422] - لو 27:13
[423] - يو1:1
[424] - "الكلمة" يُعبَّر عنه باليونانية "لوجوس" أى "عقل", والعقل يُعبّر عن نفسه بالكلام.
[425] - كان ايسيذوروس مدبر بيت الضيافة بالاسكندرية يرى أنه من الأفضل إسترداد أجساد المرضى التى هى هياكل الله بالصواب عن بناء الجدران (أنظر: سوزمينوس 12:8 للمعرب). وقد دعى ايسيذورس البيلوزي ثيوفيلس "ليثومانيا"، أى "المهووس بالذهب". المعرب
[426] - جا 5:2، 11، 18
[427] - لعلها ما تُعرَف فى المجال المعمارى "بالبواكى".
[428] - أنظر: "المربى" للقديس كلمنضس الأسكندرى. إصدار مجلة الأسكندرية.
[429] - حرفيا الأشياء المختومة، ثم صارت الكلمة فى اليونانية المتأخرة تعنى "سيامة" أو "مرسوم" لأشخاص فى السلطة.
[430] - يقول سقراتيس "ثلاثين فى ليكية، فريجية، اسيا، وأيضا جيرونتيوس اسقف نيقوميديا". وهو فى طريقه من افسس إلى وطنه، الذى رعى قطيعه كمثل طبيب ماهر. وقد رسم فم الذهب بانسوفيوس معلم الإمبراطورة فى وقت متأخر مكانه. الأمر الذى سبَّب سخطا شديدا. ويبدو أن العدد كان ستة فى أسيا وسبعة فى ليكيا وفريجية. وكانت التهمة الحادية عشر لإسحق فى البلوطة هى أنه غزا مقاطعات أخرى، ورسم فيها اساقفة.
[431] - قارن، أش 1:10
[432] - يقول مور، جاء بالنص "the thirteenth indiction," وهذا خطأ بيّن بجلاء. فعبارة indiction إشارة إلى الضرائب التى كانت تتكرر كل 15 سنة. وهذه كانت فترة مدتها 15 سنة، وهو نظام تأسس فى سنة 312م، عندما صار قنسطنطين امبراطورا منفردا بلا منازع عقب انتصاره على ماجننتيوس. ومن الممكن أنه أراد أن يُظهِر غيرته للإيمان بإبطال نظام حساب التاريخ بالأسلوب الوثنى[ المعروف بالأولمبياد] الذى يعتمد على مدة من أربع سنوات. وكان مايو سنة 400 هو زمن هذه الحادثة.
[433] - كان قوطيا مبعوثا إلى الهون. وقد رفض التوقيع على قرار الإتفاق مع ابيفانيوس فى إدانة الأوريجانية. أنظر سوزمينوس للمعرب
[434] - لقد كان من الطبيعى فى ذلك الوقت أن يزور اساقفة كثيرون عاصمة الإمبراطورية الشرقية "فى مهام كنسية"، وهذا أدى تدريجيا إلى تكوُّن "synodus endemusa" التى يترجمها مور"floating synod" تلتأم تحت رئاسة رئيس الاساقفة [بالقسطنطينية]. وقد أثيرت هذه المسألة فى مجمع خلقيدون فيما يتعلق بسلطة مثل هذه المجامع، وأُعلِن أنها جيدة. وقد وُجِدت مجامع محلية مماثلة فى روما وتريف خلال إقامة الأباطرة هناك.
[435] - بمقاطعة أسيا، على الساحل الجنوبى لبحر مرمرة الذى دُعِىَّ كذلك بسبب محاجر المرمر فى بروكونسيس.
[436] - طبقا لقوانين الرُسُل يُسمَح فقط للرتب الأدنى فى الكهنوت بالزواج بعد إلتحاقهم بالخدمة وأمر المجلس فى ترولو أن تلتحق زوجة الاسقف بدير، أو تصير شماسة فى قيسارية، وأنه إذا تزوج قس بعد سيامته يُنحَّى من وظيفته. ولذا كان استئناف انطونيوس لعلاقته الزوجية معادلا لزواجه بعد السيامة. وقد كان هناك اقتراح فى مجمع نيقية بفصل الكهنة المتزوجين عن زوجاتهم، ولكن هذا الاقتراح رُفِض بمشورة الأنبا بافنوتيوس المعترف. المعرب
[437] - من المفترض أن الحوار يتم فى وسط جماعة من المستمعين.
[438] - 2كو12:11
[439] - يقول مور أن هذا الأسقف ترأس كمطران فى البلوطة.
[440] - يقول فم الذهب فى(عظة على 1كو36، وهكذا فى كو3) أن الاسقف يقول دائما عند دخوله الكنيسة "السلام لجميعكم" كتحية مناسبة عند دخوله بيت الآب).
[441] - من الجملة التالية مباشرة نفهم أن هذه العبارة هى "أن يرفع الذبيحة المقدسة".
[442] - مت 23:5
[443] - ترد فى النص Photisterion أى "موضع الإستنارة"
[444] - يقول مور أن الكلمة المستخدمة هنا غريبة. ولذلك اقترح Savile ترجمتها على أنها "الإعتذار عن مخالفات أُرتُكِبَت بعجلة".
[445] - 1تيم 6:10.
[446] - أى على الأوانى المقدسة، التى تُستخدم فى السرائر الإلهية. ويُحدثنا سوزمينوس(ك8:5) عن شخص ما يُدعى ثيودوريت شغل وظيفة "حارس الأوانى المقدسة"، تعرض للتعذيب لرفضه تسليمها. المعرب
[447] - أكدّ القانون الثالث لمجمع خلقيدون(سنة 451) قوانين المجامع المحلية العديدة التى حظرت على الاساقفة القيام بخدمات مدنية.
[448] - كان جايناس( أو غايناس) قوطيا، وصار قائدا للجيش فى القسطنطينية. وكان من المعروف عن فم الذهب علاقته الرقيقة مع القوط وعمله الكرازى بينهم(عن جايناس والقوط، أنظر: سوزمينوس، وثيودريت. للمعرب). لذا كانت مصادقته "للوثنيين" إحدى التُهم الموجهة إلى فم الذهب فى البلوطة.
[449] - فى جنوب تيراقيا.
[450] - فى برونتيوس.
[451] - سميرنا. مدينة إغريقية قديمة تقع على الساحل الغربي للأناضول، على البحر الأبيض المتوسط. وتقع أطلالها ضمن مدينة إزمير التركية.
[452] - لقد أدين يوسيبيوس بشدة بنفس الجريمة.
[453] - حرفيا "هارب" غير قادر على مواجهة التحقيق.
[454] - أنظر هامشنا 224 قبله.
[455] - من خلقيدونية. وكان فى ذلك الوقت صديقا لفم الذهب ثم صار فيما بعد عدوا لدودا.
[456] - من هنا كانت معرفة المؤلف بتفاصيل الرحلة.
[457] - لمّا وجد فم الذهب تنازع كبير لشغل المنصب الشاغر، سوّى المنازعة بتعيين هيراقليدس القبرصى أحد شمامسته، والذى كان قبلا راهبا فى الإسقيط. وإذ آمُل ثيوفيلس فى دعم قضيته ضد فم الذهب فى البلوطة، أورد إتهاما ضد الاسقف الجديد بأنه استخدم العنف ضد بعض الأشخاص، وأنه من الأوريجانيين. ولمَّا لم يكن حاضرا للرد على هذا الإتهام إنتهت المناقشة بين اساقفة القسطنطينية واساقفة مصر بالضرب. وإذ وجد ثيوفيلس أن خطته قد فشلت "رحل فى الحال إلى مصر". أنظر سوزمينوس للمعرب. ومع ذلك أُطيح بهيراقليدس فيما بعد.
[458] - أم 20:1
[459] - أم 2:4
[460] - كان كلُّ المواطنين الذين يحوزون على 35 فدانا من الأرض معرَّضين للخدمة فى مجلس المدينة. فأعفى قنسطنطين الإكليروس من هذه الخدمة (أنظر: يوسيبيوس، "حياة قنسطنطين"، 7:10. للمعرب). ولكن لمَّا تبين أن العلمانيين كانوا ينضمون إلى الرتب الإكليريكية الدنيا لتجنب الخدمة المدنية، حُصِر هذا الإمتياز فيما بعد فى الاساقفة، وبالمثل للكهنة والشمامسة. الذين "يُرسمون بموافقة البلاط المدنى، وإلاَّ لا يسرى الإعفاء". ويطلب باسيليوس(فى الرسالة 279) إعفاء الإكليروس من الضرائب، طبقا للقانون القديم. وكذلك يشكو غريغوريوس النزينزى (رسالة 259) من إجبار شماس على دفع الضرائب.
[461] - لاحظ هنا أن الأسقف كانت له تركة وورثة.
[462] - الكلمة اليونانية هنا تعنى بالتحديد "مذبح". وقد امتدت فى استعمال العهد القديم لتعنى "مكان المذبح".
[463] - واضح هنا أن الأثر النفسى الثقيل الجاثم على صدر بالاديوس جعله يخرج عن إتزانه وموضوعيته، ليُلصِق السيمونية بالمصريين ككل. أما عن الربط بين تغيير الكاهن الأعلى لدى اليهود كل سنة أو سنتين بقصد جمع المال، فأيضا ربما هذا تأمل خاص منه.
[464] - وهو ما ندعوه سيمونية نسبة إلى سيمون ماجوس(أنظر أع 9:8). وفى القرن الخامس دُعِيَت( كما يقول هربرت مور) "المتاجرة بالمسيح".
[465] - "بطريرك" فى(1 أخ 11:17 س). وبعد سقوط أورشليم أقام "بطاركة" اليهود فى طبريا وبابيلون. وقد أشار الكتَّاب الكنسيون إلى هذه الوظيفة بإعتبارها كرامة عظيمة، ولكنهم كفّوا عن ذلك بنهاية القرن الرابع الميلادى. والإشارة هنا غير محققة.
[466] - هذا أيضا تحامل شديد وثقيل على "البطريرك المصرى" على صعيد التعميم المطلق، فوجود بطريرك واحد أو إثنين فى التاريخ الكنسى القبطى لجأ إلى هذه الوسيلة لسبب أو لآخر لا يعنى أن "البطاركة" المصريين جميعا قد تاجروا بالكهنوت. على أية حال الضغط النفسى الشديد نتيجة لعمل ثيوفيلس دفعه إلى مثل هذا التنفيث.
[467] - اقتباس بتصرف حر من ميخا 11:3. قارن، ط/ اليسوعية "كهَنَتُها يُعَلِّمونَ بِالأُجرَة وأَنبِياؤُها يُمارِسونَ العِرافَةَ بالفِضَّة ويَعتَمِدونَ على الرَّبِّ قائِلين: أَلَيسَ الرَّبُّ في وَسْطِنا".
[468] - كان لكل منظمة كبيرة مثل هذا المسؤول. ومن الطبيعى أن تُعيّن الكنيسة مَن يخصها. وكانوا إما من الإكليروس أو من العلمانيين. وكانت مهمتهم الحفاظ على الحقوق الشرعية، أو حقوق أفراد الإكليروس ضد التعدى والظُلم. (أنظر ق23 لخلقيدون).
[469] - يقول مور أنها ترد هكذا فى مخطوطة سبعينية واحدة ولكنها ربما تسللت من 1صم 11:3.
[470] - رو21:1، أف 18:4.
[471] - 1كو8:15
[472] - أى 1:30، 7.
[473] - يتحدث فم الذهب (فى عظة على 2كو 18) عن السيامة التى يعرف "المبتدىء" أنها لا تُعلَن لغير المبتدئين. وهكذا فى(عظة على 1كو) لم يشأ أن بتحدث عن العماد بسبب حضور غير المبتدئين.
[474] - يو14:15
[475] - كان يوحنا الرسول مُعتبرا اسقف افسس الأول.
[476] - مت 15:24
[477] - يمنع القانون الأول لمجمغ نيقية سيامة الخصى. فمنذ وقت مبكر أُعتُبِرَت سيامة أوريجينوس باطلة بسبب خصيه لنفسه فى حماسه الشبابى لكى ما يكون فوق الشبهات بوصفه معلّم للجنسين. ومن إشارة سابقة نعلم أنه حمل لقب خصى. واللغة المستخدمة هنا بها لعب بالكلمات . وربما رشح فيكتور مثلما رشح يوتروبيوس فم الذهب.
[478] - قارن، بالاديوس،( "ت.ل."، 3:21)
[479] - عبارة بالاديوس "عملته الخاصة" حرفيا "أُدِين بوضعه فى الحديد". [ قارن عبارة المزمور عن يوسف الصدِّيق "فى الحديد دخلت نفسه" مز 18:105].
[480] - معبود يونانى
[481] - إله الخمر عند اليونان
[482] - "إستنارة"
[483] - أى جسده
[484] - ه رو14:10
[485] - اف 2:5
[486] - أر 28:5 سبعينية.
[487] - عن أسلوب ترشيح شخص للأسقفية وسيامته أنظر "تعاليم الرسل،4:8، 5". وفى مخطوطة من القرن التاسع الميلادى، يرد ما يلى "بعد كيرياليسون، يضع رئيس الأساقفة الإنجيل على رأسه ورقبته، بينما يقف الاساقفة الآخرين حوله ويلمسونه، ويضعون أياديهم عليه ويصلّون هكذا.."
[488] - مت 36:12 اقتباس بتصرف.
[489] - اى لـشيبتى
[490] - مت 6:18
[491] - يحدثنا سقراتيس وسوزمينوس أكثر عن هذا الرجل، وعن الشقاق الذى حدث فى انطاكية بسبب عزل فم الذهب، وعن مرسوم ارساكيوس. أنظر سلسلة "المؤرخون .. الأوائل" للمعرب
[492] - الكلمة هنا وردت ايضا فى (تك23:41، يه12) بمعنى "تحمّل قليل"، وهكذا استخدمها بالاديوس فى( "ت.ل."، 11:47).
[493] - نلاحظ هنا فى هذا العمل ثلاثة أمثال شائعة وردت أيضا فى "ت.ل." لبالاديوس مما يُعتَبر أحد الأدلة على وحدة المؤلِّف للعملين.
[494] - أم 22:26 س
[495] - هؤلاء رجال يلعبون دور النساء فى المسارح. ونفس هذه النقاط ترد فى العظة على تسالونيكى. واللهجة الأخلاقية فى المسارح كانت متدنية للغاية.
[496] - قارن عب 8:6
[497] - هذه الكلمات وُجِدَت فى المخطوطة ولكنها حُذِفَت من الناشر بوصفها غريبة على السياق(بيجو).
[498] - يذكر لنا ثيودريت أنه ترك مذكرات كثيرة لشخصيته المحبوبة. أنظر تاريخ ثيودريت للمعرب.
[499] - قض15:3 امبيدكستر ambidextrous، أى مَن يُعتبَر بصفة عامة قويا فى يده اليسرى كمثل اليمنى. أنظر المحاورات لكاسيان، (6/10/1) للمعرب.
[500] - أم 24:12س
[501] - نلاحظ بداية الأخذ بعزوبية الأسقف وتفضيلها.
[502] - هنا الكلمة ليست "مدَّوا أياديهم" كما هى العادة فى هذه المقالة، ولكن "كاتستاسيسا" catastasis
[503] - حديقة عامة فى ضواحى انطاكية.
[504] - الكلمة فى أع 16:28. تعنى هناك المسؤول عن مستودعات الوارد والمنصرف لجنود الجيش.
[505] - سكان ايسوريا، وهو اقليم فى جنوب اسيا الصغرى، ويقع حاليا بجنوب تركيا
[506] - هى Cape Amanus على خليح إيسوس Issus
[507] - يقول بيد فى("ت.ك."، 25:1) "وهكذا جاء أوغسطين ورفقاؤه الأربعون إلى كانتربيرى "حاملين صليبا من الفضة لرايتهم، وأيقونة ربنا مرسومة على لوحة وهم يُنشِدون باللاتينية، ويُقدّمون الصلوات إلى الله". عن هربرت مور.
[508] - أو "بطن الحية" (الشيطان) التى تزحف على صدرها". النص اليونانى هنا غير منتظم.
[509] - المُحَمَّى، أنظر سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب.
[510] - يرى هربرت مور أن الجملة هنا بعيدة تماما عن النحو السليم.
[511] - يُخبرنا بالاديوس فى ( "ت.ل."،56) أنها كانت ابنة سيليكوس Seleucusالكونت السابق ex-count، وحفيدة ابلافيوس Ablavius البريفكت prefect السابق. وأنها أعطت ملابسها الحرير للمذابح (الحوار، 61). وقد وُلِدت فى وقت ما بين 361م و 368م، فى أنطاكيا أو القسطنطينية. وتنيحت فى 25 يوليو سنة 408م فى نيقوميديا. وهى معتبرة قديسة بالكنيسة اليونانية. قال عنها القديس غريغوريوس النزينزي "مجد الأرامل في الكنيسة الشرقية". ذاقت الكثير من الضيقات من أجل فم الذهب، وعاشت سنواتها الأخيرة فى المنفى بنيقوميديا الى حين وفاتها. وتقدسها أيضا كنيسة روما حيث لها عمود من بين 140 عمودا بساحة القديس بطرس.
[512] - الكلمة الانجليزية الواردة هنا تعنى حرفيا "إمرأةٌ / رجلٌ" أى "هذه رجل"، أنظر توضيح بالاديوس لهذا الوصف بعده مباشرة.
[513] - فى الحقيقة بالنسبة لهذ الخِصلة بالذات، أعرف سيدة اتسمت بقدرة صبر عجيبة لسنوات طويلة، على شدائد مريرة لم يحتملها أقرب الرجال لها حتى زوجها. و"عجز الصبر ذاته" أمام صبرها، رغم ضعفها الأنثوى والبدنى. ولم أجد ما أقوله سوى قول الربُ " تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل". المعرّب.
[514] - أى ثيوفيلس.
[515] - داماسوس اسقف روما (367-384). سيريكوس (385-398) "أو" تبدو هنا وفى مواضع أخرى من المقالة مُعادلة لـ "و". وعن علاقة ثيوفيلس بإبيفانيوس أنظر: المؤرخون الأوائل، للمعرّب.
[516] - بلا شك هذا تعبير مجازى من بالاديوس عن ثيوفيلس ليُشير به إلى لهفته للمال، ومن ثم اهتمامه المفرط بذوى المال. وهذا سلوك بشرى يشترك فيه الكثيرون، علمانيون كانوا أم كهنة. ولذلك صدَقَ مَن قال "القداسةُ سمةٌ شخصية، وهِبة خاصة من الله". ولا يجب أخذها بالمعنى الحرفى البدنى.
[517] - قيل عن الأنبا ايسيذورس قس الاسقيط أنه كان يقبل كل مَن يطرده أى دير، ويجعله يُقيم معه. أنظر:"الأنبا ايسيذورس قس الإسقيط" للمعرب.
[518] - هنا عبارة محذوفة ولكنها مفهومة ضمنيا، وهى أن ذلك صواب.
[519] - 1كو12:4
[520] - تى 10:3
[521] - اسم ثيوفيلس يعنى "محب الله".
[522] - يو26:6
[523] - لو 31:5
[524] - مت45:5. اقتباس يتصرف
[525] - مت11:9 / مر16:2. وتوجد نفس الكلمات والترتيب ولإضافة كلمة "يوبخ" فى("ت.ل."، المقدمة، 11). وهى إشارة قوية إلى وِحدة المؤلف للعملين كما قلنا.
[526] - "إبكو معى، ليس من أجل أنفسكم بل من أجل أولئك الذين سلبوكم، الذين هم أكثر منكم سوءً"(عظة على تيموثاوس الأولى،12). ويقول افلاطون أن تعمل خطأ فهذا أكبر من أن تتألم من خطأ بشر.
[527] - أع 27:18، 17:21.
[528] - ترد هذه الكلمة فى أع22:17. ويذكر يوسيبيوس( فى "حياة قنسطنطين"، 53) أن أشخاصا خرافيين بنوا مذبحا فى بلوطة ممرا. ويبدو أن المقصود بذلك "وجهة نظر دينية باطلة". ويرى "سافيل" أنه مصطلح غير مناسب.
[529] - سمع بالاديوس إحدى هذه القصص من هيراكس (أنظر: "ت.ل."، 22 فى "التاريخ الرهبانى للمعرب)
[530] - القديس انطونيوس ابو الرهبان، اعتزل بجبل البحر الأحمر فى سنة 305م وتوفِىَّ سنة 365م.عن عمر يُناهز مائة وخمس سنوات.
[531] - أى فى الحبس.
[532] - "نوفاتى"( أى بيورتان Puritan) وهو اسقف القسطنطينية، وأثنى عليه سوزمينوس كثيرا لسيرته وعِلمه وفكاهته.
[533] - حكَم ذهبى الفم بإدانته.
[534] - حرفيا "كان مُخللا". وهكذا كان فم الذهب(فى عظة على 2تس، وعلى رو21)، وكان أيضا أغلب الآباء والشهداء أنظر: بالاديوس، ("ت.ل."، 38) فى "التاريخ الرهبانى.." للمعرّب.
[535] - يُخبِرنا سقراتيس عن كيرينيوس اسقف خلقيدون الذى تُوفى إثر عمليات جراحية متكررة نتيجة لوطأ اسقف على قدمه. وعن عاصفة رهيبة فى القسطنطينية، وعن موت افودكسيا بعد أربعة أيام. انظر: "المؤرخون الأوائل" للمعرب.
[536] - Hypophet مثل "نبى" prophet. أُستُخدِمت من فترة هوميروس فصاعدا عن ذاك الذى ينطق بوحى. وقد استخدمها يوسيبيوس هكذا فى in Triak. x. 4
[537] - مز 11:87س.
[538] - نفس العبارة هنا عن أمونيوس[ الإسم أساسا مصرى بحت شكله الأصلي آمون] وردت فى بالاديوس،( "ت.ل."، 11). وأسلوب الكتابة عن الرهبان هنا هو نفسه فى التاريخ اللوسسى.
[539] - البلوطة، حيث انعقد المجمع. والشهيد هو موكيوس Mocius (أنظر سوزمينوس، للمعرب).
[540] - على شاطىء البحر الأحمر مسافة سفر "سبعة أيام" من المناطق المأهولة. أنظر كاسيان للمعرب.
[541] - دليل آخر على أن بالاديوس اسقف هلينوبوليس هو كاتب هذا العمل. انظر "ت.ل."
[542] - كيف تحتملين النضال مع الضجر"؟. أنظر: بالاديوس،( "ت.ل."، 1:21 للمعرب). نُشير الكتابات الآبائية بإستمرار إلى "الضجر الروحي" الذى هو التجربة الطبيعية التى تصادف أولئك الذين يعيشون حياة تأمل بلا إنشغال بأمور بشرية، وفى ظل تقشف صارم. وفى الآية "نفسى ذابت من الِثقل"(مز28:119) ترد الكلمة فى السبعينية "من الضجر".
[543] - لو62:6. وفى "ت.ل."، 9:35 ترد نفس الفقرة فى ذات السياق.
[544] - قارن، "ت.ل."،17.
[545] - لو31:22.
[546] - أنظر بالاديوس، "ت.ل."،21.
[547] - يبدو هنا جزء مفقود لذا الجملة التالية غير واضحة. وقد وضع المترجم هذه النقاط قبلها.
[548] - قلنا سابقا أن ثيوفيلس تعنى "محب الله".
[549] - مُثِّل الحوار على أنه استغرق عدِة أيام.
[550] - أيضا فى "ت.ل."، 1:54.
[551] - السابق 8:10.
[552] - يُحذّر فم الذهب فى (1 تيم 14:5) من الزواج الثانى على الرغم من أنه لم يُدنه(عن العذارى، 37)
[553] - 1 تى 9:1.
[554] - "انثروبس" Anthropos "كائن بشرى" والكلمة مسبوقة بأداة تعريف مؤنثة. ويقول بالاديوس فى ("ت.ل."، 9) عن ميلانيا " ميلانيا Anthropos (= رجل الله) انظر "التاريخ الرهبانى.."للمعرب. كما يقول فى مقدمته "هذا الكتاب ... يحتوى على مذكرات للنسوة اللواتى ناضلن بذهن كامل ورجولى نضالات الزهد الفاضلة".
[555] - قارن رد ميلانيا فى بالاديوس("ت.ل."، 61) بالتاريخ الرهبانى للمعرب.
[556] - كان تمرد مكسيموس فى سنة 388م.
[557] - أى حياة التكريس.
[558] - لاحظ هنا تقليد الإمتناع عن الأطعمة الحيوانية.
[559] - مرة أخرى علينا أن نتذكر أن المقصود بعدم إرتياد مثل هذه الحمامات، ليس عدم النظافة كما ذهب أعداء المسيح، وإنما عدم الإقتراب من أماكن الرذيلة.
[560] - رو2:16
[561] - فى 2:2
[562] - راجع نصيحة فم الذهب لها فى(سوزمينوس، 9:8 للمعرب).
[563] - اقتباس بكلمات مختلفة من 1 كو 18:9.
[564] - قارن، "ت.ل."، 3:1 للمعرب. "إننى أخجل عندما اشترك فى الطعام غير العقلانى".
[565] - جا 15:21.
[566] - 1تى 18:5 "طعام" أو "مكافأة".
[567] - 1كو 7:9.
[568] - 1كو 12:9.
[569] - 1كو23:9 .
[570] - 1كو9:8.
[571] - 2كو 15:5
[572] - مز12:24
[573] - مز8:24
[574] - أى 1:31.
[575] - وأيضا يقترح بيجو بالإشارة إلى مت 29:5 تصويبا كما يلى "أولئك الذين يتمردون على الإعتدال."
[576] - مز106:119
[577] -"ت. ل." 7:32
[578] - 1كو33:15
[579] - أر1:9، 2.
[580] - غل 15:3 مع أر 11:5س.
[581] - بتصرف من أر 17:15
[582] - قارن، مز4:25-6
[583] - راج حز ص 8.
[584] - غل 6:2.
[585] - 2بط3:2
[586] - فى 19:3
[587] - بتصرف من يه 12، 13.
[588] - حز1:9-6. اقتباس بتصرف حر.
[589] - الياقوت الأزرق.
[590] - حز 1:1-3
[591] - أع 27:18
[592] - كان الصبى اليهودى عندما يبلغ الثالثة عشر من العمر، يصير "إبنا للشريعة". والأشخاص الروحيون يصيرون أبناءً لله من جرن المعمودية" (أنظر باسيليوس من سلوقية، 27. مقتبس فى هربرت مور، هــ511)
[593] - 1كو 11:10.
[594] - حز3:33-6
[595] - "ارفع صوتى أعلى من البوق بكل وضوح"( Or. lxiv. de Jej)
[596] - 1كو8:14.
[597] - قارن، رو8:1.
[598] - أم 9:20
[599] - الإقتباس الذى يُقدمه الشماس هنا حوَّل التقديم من المبنى للمجهول إلى "الأمور المؤسسة"
[600] - قارن أع 37:2.
[601] - قارن أم6:25.
[602] - الشاهد هنا من (كو5:4) وهو فى الطبعة البيروتية "مفتدين الوقت" وفى الترجمة اليسوعية "مُنتَهِزينَ الفُرْصةَ السَّانِحَة" أما فى النص الانجليزى لهذا العمل فكانت Buying up the opportunity (ونلاحظ هنا أن عبارة "Buying up " تعنى فى قواميس اللغة شراء سلعة لإحتكارها) وكما قلنا ذكر المترجم بوضوح أن كل شواهد بالاديوس هنا من الذاكرة وحسب تعبيره هو، ولذلك حرص هربرت مور على ترجمة النص كما هو، ولم يشأ إرجاع الشواهد الى نص الطبعات التى تحت يدنا حفاظا على نفَس المؤلِّف. والمعرب هنا إلتزم هو أيضا بنص هربرت مور الانجليزى.
[603] - هنا زلة أو سهو.
[604] - "الفرصة ليست لنا، أنتم غرباء ونزلاء، فلا تطلبوا الشرف والسلطة بل احتملوا كلّ شىءٍ وبذلك تقتنصون الفرص. كمثل رجل فى بيت كبير هاجمه لصوص. إنه يُسلِّمهم كل شىء لكى ما يفدى نفسه منهم".
[605] - تنبأ ميخا فى أيام يوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا (مى 1:1).
[606] - فم الذهب
[607] - يو36:1.
[608] - ردا على التهمة الموجهة ضد فم الذهب وهى الكلام عن اودكسيا بأنها ايزابيلا وإبنة هيروديا، "لا يتضايق أحدٌ منى فإننى لا أتكلم شخصيا" (عظة على افسس، 2).
[609] - 1كو25:10.
[610] - مثل موسى وإيليا والآخرين.
[611] - على الرغم من أنه يتحدث عن الفينيقين و...إلخ بالإسم إلاَّ أنه لا يُهاجم أخطاؤهم الشخصية، ولكنه يستخدمهم كأمثلة للأخطاء الشائعة بين جميع البشر.
[612] - أى 25:40س(6:41 ط/بيروت). الكلمة الواردة فى هذا الشاهد فى الطبعة البيروتية(عن العبرانية)هى "الكنعانيون". ويشرح لنا هربرت سبب استخدام بالاديوس كلمة "فينيقيين" هنا بدلا منها فيقول أن الكلمة العبرية "كنعانيين" كانت اصطلاحا عاما للإشارة إلى "التجار"، وبالمثل صارت كلمة "الفينيقيون" بصفة عامة تشير إلى التجار. (لذلك كان بالاديوس على صواب فى اعتبار الفينيقيين مرادفا للتجار. ولكن تأويله لبهيموث غير سليم).
[613] - تث 20:4
[614] - تيط 12:1
[615] - غل 1:3
[616] - 1كو1:3
[617] - رو8:1
[618] - أف18:1 ولكن الكلمة هنا initiated ones أى مبتدئين.
[619] - اتس11:5
[620] - يقول فم الذهب فى (عظة على 1كو3:40) "سوف تقولون لا تضع مثل هذا العبء على سامعيك. فأنت تجعلنا نستحى، ولكننى لا أستطيع التسامح مع مثل هذه الاعتراضات. إن كنتُ أطلب ذلك لنفسى لكان هناك أساس ما للعار، ولكننى أطلب هذا لأجل صالحكم. ولذلك أتجاسر على الكلام".
[621] -1 تى 20:5
[622] - رو30:1، 2تى 3:3
[623] - 1تى26:3، 4:6
[624] - مت1:5
[625] - مت 18:8
[626] - أى بمثال المخلّص.
[627] - رو 30:1 ، 1تى 13:1
[628] - مت19:8
[629] - "إنه لم يكذب قط، ولا حلف، ولا أساء، ولا تكلم بلا ضرورة"(ت.ل.، 92).
[630] - نلاحظ هنا وجهة نظر الآباء الأولين للخطية قبل أخد الكنيسة اللاتينية بفكرة "خطايا صغيرة وخطايا "مميتة".
[631] - يو12:7
[632] - لو15:11
[633] - لو34:7
[634] - يو 48:8
[635] - مت13:16
[636] - بو12:1
[637] - أى على "الإيمان" الظاهر فى اعترافه هذا، وهكذا الآباء عموما وفم ذهب هنا. ولاحظ هنا بشدة مفهوم آباء القرن الرابع الميلادى لعبارة "وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى" قبل بروز المفهوم اللاتينى.
[638] - أع 6:17 لقد كان يهود تسالونيكى هم الذين قالوا هذا.
[639] - ما من شك فى أنه كان مكرَّما جدا فى وقت كتابة الحوار. أنظر ما قاله سقراتيس عن بروكلس (فى 45:7. أنظر المؤرخون الأوائل، للمعرب)
[640] - أى استخدام لغة مناسبة.
[641] - اش 15:40. حسب النص هنا وبالطبع عن السبعينية.
[642] - أُتُهِم فم الذهب فى البلوطة بإستعماله لغة مهينة للإكليروس.
[643] - المعمدان.
[644] - لو7:3
[645] - أع3:23
[646] - مت 39:12
[647] - لو25:24. هنا "جميع الرسل" خطأ.
[648] - مت13:16
[649] - أكثر من السمعة.
[650] - 1كو15:2
[651] - أنظر 2تى 23:2. الجاهلين بالتعليم المسيحى والتهذب.
[652] - عب 24:11.
[653] - كلمة تُستَعمل كثيرا للتعبير عن الأبهة من أى نوعٍ.
[654] - عب 38:11.
[655] - بتصحيح زهيد يُمكن أن تكون العبارة "على الرغم من واحد".
[656] - جا 15:13.
[657] - 2كو14:6.
[658] - 1كو20:19، 21.
[659] - حرفيا "السير مع الله". ولكنها ليست كلمة فى العهد الجديد.
[660] - أنظر مقدمة بالاديوس للتاريخ اللوسسى، فى "التاريخ الرهبانى.." للمعرب، حيث يقول " لقد كتبتٌ ذلك لأستثير روح المنافسة فى أولئك الذين يتوقون إلى إقتناء نمط الحياة السمائية، ويرغبون فى أن يسلكوا على الدرب المؤدى إلى ملكوت السموات".
[661] - يقول فم الذهب(فى عظات على أعمال الرسل،3) "الأسقف لا يُمكن أن يُخطىء بدون مراقبة. فليغضب لينصحك، وليحُلم بلحظة ميلادك الثانى. إنه يذكر الاساقفة السابقين ليُسيىء إلى الحاضرين. ولكن إن دخل القصر، مَن يكون الأول؟. إن اقتضت الحاجة إلى زيارة سيدات، أو بيوت عظماء فلا أحدٌ يُفضَّل عنه. إننى أتكلم بهذا لا لكى أُخزِى الاساقفة، ولكن لكى أُقمع لهثكم وراء هذه الوظيفة".
[662] - عب 1:13. اقتباس بتصرف.
[663] - مز15:116.
[664] - أو كرياكوس.
[665] - على الضفة الشرقية لأورانتس[ نهر العاصى الآن].
[666] - فى واحة بالصحراء السورية بجنوب دمشق.
[667] - أى العرب.
[668] - أسوان. أنظر مقدمة بالاديوس لعمله (ت.ل.) السابق الذكر.
[669] - قبيلة بدوية نوبية كانت تقطن فى منطقة كوش التى هى السودان الآن. وكانت تشن الغارات على طيبة من آن لآخر. ونسمع عن بعض غاراتها على الأديرة. أنظر رسالة ماجستير المعرب، سابقة الذكر.
[670] - هرب من هيراقليا وإلتجأ إلى القوط.
[671] - كان فم الذهب يعتَبر وجوده بالقسطنطينية من الأهمية لدرجة أنه كتب إليه ألاَّ يزور حتى ايبارشيته بدون تصريح مكتوب.
[672] - فى تيراقيا.
[673] - تحدث بالاديوس عن نفسه فى("ت.ل."، 71)، ولكن لا شىء يُعرَف عن أخيه بريسون سوى هذه الإشارة العابرة، وأن فم الذهب قد كتب إليه رسالتين من كوكوسس.
[674] - ت.ل.، 30
[675] - يروى لنا سوزمينوس، كيف شوا جنبيه بعدما جردوه من ثيابه وجلدوه وقيَّدوا يديه وقدميه بمشواة التعذيب. أنظر تاريخه، للمعرب
[676] - يحث باسيليوس الكبير(فى القوانين، 15) على أن يكون التعلَّم جزءً من عمل الرهبان. وعلى الكنيسة أن تقدم التعليم المتضاد[للتعليم] المادى غير المسيحى للمدارس الوثنية ومعلمى البلاغة. ومثل هؤلاء الذين تعلَّم منهم فم الذهب "الحروف". وكان التدريب مجانا وخاصة للأيتام، وللشباب الذى يسعى لحياة الرهبنة أو الخدمة الكهنوتية، ومن ثم لا ذكر للأدب اليونانى القديم فى المناهج المدرسية. ونحن لا نعرف أين كانت "مدرسة فيلبس". ولكن من الطبيعى أن واحدة كانت فى القسطنطينية إن كانت فقط لتدريب الاكليروس.
[677] - يطلب فم الذهب من اوليمبياس(رسالة 14) أن تُرسِل له بعض الرسائل الهامة منه.
[678] - ليس هناك أية إشارة سابقة عن هذا الرسول ولكن من الثابت أن هناك رسائل كثيرة قد أُرسِلت. فسوزمينوس يذكر لنا راهبا ليبيا كان يعيش فى ماريوتيس قبل هذه الأحداث بثلاثين سنة.
[679] - البتراء بالأردن حاليا، وكانت صحراء جرداء.
[680] - يعطينا سوزمينوس رواية عن هذه المحاولة.
[681] - رتبة المنشِد[ المرّتِل] من الواضح أنها برزت فى وقت مبكر من القرن الرابع بسبب اضمحلال الإنشاد الجماعى. ويحظر مجمع لاودكية على الآخرين، خلاف المرتلين الكنسيين، الإنشاد فى الكنيسة. "مَن يَصعد إلى المنبر، ويُرتل كتابا". وعلى الرغم من هذه القاعدة يبدو أنها قد تُرِكت سريعا. وقد كانوا يُعينون من الكهنة وليس من الاسقف. [وكانت الصلوة التى تتلى عليه] "أنظر إنك تؤمن فى قلبك بما تُنشِده بفمك. وما تؤمن به فى قلبك اثبته بعملك". وفى عمل سوزمينوس ترد سيرة "قارىء" تعرض للتعذيب المبرح.
[682] - يتناول بالاديوس هنا مرة أخرى بالتفصيل مسألة الاساقفة الشرقيين الذين وفدوا إلى روما، والذين رأيناهم فى لامباسكوس. مقدمة الشماس هنا والجندى رفيقه تتفق مع أسلوب بالاديوس، كما يقول هربرت مور، فى التاريخ اللوسسى.
[683] - أى بلا سُروج.
[684] - أى لذاك الجندى القاسى.
[685] - 2كو15:2.
[686] - 1كو9:4.
[687] - فم الذهب يكتب إليه(رسالة 87) وهو غير واعٍ بهذا، ويُثنى على تقواه.
[688] - مدينة بشمال سيناء، مندثرة الآن، وموقعها تل الفرما حاليا. وإذا كان هذا الأسقف قد فعل ذلك مجاملة بالطبع لثيوفيلس، أو خشية منه، فإن القديس ايسيذورس البيلوزى قد أدان عمل ثيوفيلس وحث البابا كيرلس عمود الدين على إلغاء حرم ثيوفيلس لفم الذهب.
[689] - 3يو1-4.
[690] - 3 يو 9-11.
[691] - إحدى مدن سيناء. ونرى اسقف اوستراسين هنا ممدوحا من فم الذهب. فعَّوض بذلك موقف اسقف بيلوزيوم. و"اوستراسين" أو "أوستراكينى" هى الآن، "تل الفلوسيات" بشمال سيناء. أنظر "المسيحية... فى سيناء"، سابق الذكر.
[692] - 2تس 3:2.
[693] - 1يو18:2
[694] - مت6:20
[695] - "ت.ل."، 6:54 . يا أولادى الصِغار لقد كُتِب منذ أربعمائة سنة مضت أنها الساعة الأخيرة، فلماذا تُحبون التلكؤ فى تفاهات الحياة؟.
[696] - لو31:22.
[697] - فى 19:3
[698] - هو12:4س.
[699] - 1كو10:6
[700] - 1يو9:2
[701] - أم 1:15 بتصرف
[702] - عن هذا المرض الروحى، أنظر الأنظمة لكاسيان، للمعرب، نشر دار باناريون.
[703] - مز 28:119 " قَطَرتْ نفسى من الحزن" (ط/بيروت). "نَسِيتُ نفسى من الحزن"(السبعينية) "ذابت نفسى من الغم" (ط/يسوعية).
[704] - ذكر هربرت مور هذا الشاهد أنه من جا14:2، وهذا خطأ. فهو من سفر يشوع بن نون، 14:2(وهو من الأسفار القانونية الثانية).
[705] - مز6:52 سبعينية.
[706] - 1يو16:2
[707] - مز 51:119
[708] - السلسلة الأخلاقية عند ارسطو تبدأ بالتطرف ثم الخلاعة وأدناها الاستهتار.
[709] - فوتنوس، ربما خطأ لكلمة فوتوس.
[710] - على صعيد، دعنى أقول الأمراض الروحية، ليس من الضرورى أن يكون "النوم غير المفيد" نتاج خطية "الزنى" وإلا كان كل سخونة فى الجسم البشرى هى حصبة!!. فالواقع هذا النوم يمكن أن يكون نتاج حزن شديد، أو إحباط، أو سأم أو ضيقة مرة. فمع احترامنا لتأمل بالاديوس هنا إلاَّ أننى لا اتفق معه بشخصى فى هذه النقطة، من ناحية. ومن ناحية أخرى عالجت الأنظمة والمحاورات هذه الأوجاع الروحية وطرق علاجها من واقع أقوال آباء البرية المصريين على نحو وافٍ (أنظر ترجمتهما للمعرب، نشر دار باناريون). المعرب
[711] - يع6:4.
[712] - مز3:73 س.
[713] - مز2:93
[714] - مت16:7
[715] - أى 4:21-14
[716] - مز1:100 س(مز101 ط/بيروت).
[717] - مز1:72-3 س (مز73 ط/بيروت).
[718] - مز12:143- 15. س (مز144 ط/بيروت)
[719] - حبق 2:1-4 بتصرف.
[720] - أر 1:12، 2
[721] - صفنياس" Sophonias هو اسم صفنيا فى النسخة السبعينية, والاقتباس فى الحقيقة من ملا 13:3-16. و"سوفوس" فى اليونانية تعنى الحكمة.
[722] - يقول فم الذهب فى(العظة على الاعمال،28) عن الذين يُنكرون أن العناية [الإلهية] تشمل جميع مَن تحت القمر. "هل الشخص الخيّر يُجازَى بالنكبة؟. العامل الذى يكتسب طعامه ينال أقل أجر فى المقابل؟. هكذا الرجل الخيّر الذى ينال بركة فى هذا العالم".(1كو43) "إن رأيتَ رجلا شريرا مزدهرا، فإعرف أنه صنع خيرا ذات مرة وهو ينال مكافأة هنا، ليخسر دعواه فى ذلك الآتى؟ (أور، 65).
[723] - 2تى 13:3
[724] - 1كو9:4- 13
[725] - جا18:15[ هكذا أورد هربرت الشاهد، ولكن هذا الاقتباس من سفر يشوع بن سيراخ بتصرف. وهو من الأسفار القانونية الثانية التى تعترف بها كنيستنا. المعرب]
[726] - يبدو كما لو كانت "أو" قد سقطت من النص، أو كما لو أن "لا" قد تسللت إلى ما قبل "إنشاء". فإذا كنا قد خُلِقنا بلا شائبة، لما احتجنا إلى محاكمة. لأننا أُنشِئنا بالفعل فى برٍ. وهذا سيجعلنا آلات بلا فضيلة أخلاقية. والبديل لهذا كان ألاَّ تُنشَأ عقولنا فنحتاج إلى محاكمة. [شرح هربرت مور هذا غير واضح. المعرب]
[727] - اليوم وقت النزال. لقد أتيتَ لتتعلم كيف تجاهد برجولة، ولتُشارك فى كل نزال. لا أحد يأتى إلى مدرسة تدريب يعيش فى ترف، ولا فى وقت النزال يسعى إلى الموائد"(عظة على متى). "ربما جسدى يستحق العقاب، ومن المناسب أن يدفع الغرامة الآن أفضل من أن [يدفعها] بعدما أغادر الحلبة"(أنظر، "ت.ل."،24).
[728] - يرى بيجو أن العطف لـ "الأماكن"، وهو "مع ذلك"، يُمكن أن يُشير إلى موضع فى الكنيسة كما فى أع25:1،1 كو16:14.
[729] - يقول هربرت مور النص هنا غير محقق. [ ومن جانبى قمتُ أنا بتغيير الضمير بما يتلائم مع الأسلوب العربى للحفاظ على معنى الجملة, المعرب]. وعن المقابلة بين حلاوة الخطوبة وبين نعيم حياة الزوجية. قارن حك2:8(من الأسفار القانونية الثانية).
[730] - أف30:4.
[731] - يقترح بيجو "نعمة".
[732] - "رجل ذو ثروة عظيمة لم يكتب وصية عند احتضاره، ولم يترك نقودا لإخوته، ولكنه عهد بهم للمسيح"(أنظر، ت.ل.، 1).
[733] - مز5:120.
[734] - مت21:25.
[735] - قلنا مرارا وتكرر أن بالاديوس شأنه شأن الكثيرين من الآباء الأوائل إن لم يكن جميعهم، لا يقتبس آيات الكتاب المقدس نصا وحرفيا ولكن بالمعنى وإرتجاليا مثل واعظ فى عظة عامة. إذ كان الاستشهاد بآيات الكتاب المقدس تنساب كعصارة لِمَا هضموه. ولذلك نجد هنا كلمة "وفرة" أو "فيض".
[736] - مت34:12
[737] - حرفيا "دينار". مت2:20.
[738] - بالمقابلة مع أبدية الله.
[739] 2تى18:1.
[740] يخبرنا سوزمينوس أن اينوسنت قد حث فى رسالته إلى اكليروس القسطنطينية على ضرورة عقد مجمع كنسى مسكونى للتحقيق فى الأمر. الأمر الذى لم يتم.[ أنظر، سوزمينوس للمعرب].
[741] - 1تى18:6 "مستعد للشركة".
[742] - مت 23:5
[743] - مت 39:5.
[744] - مز1:133. سبعينية بتصرف
[745] - أم 17:17س. بتصرف
[746] - أم19:18س.
[747] - تث13:33- 17، 8-11.
[748] - أى الله
[749] - هو8:9 بتصرف
[750] - يقول مور أن النص قد ورد به هنا عبارة "طبقا لـ" وهو بالطبع، كما يقول خطأ، لذلك صححها كما فى المتن إلى "ضد لـ"
[751] - الضمير هنا عائد إلى الله. المعرب
[752] - نفى الى الأبد، يعنى "الجلاء". ولهذا نجد فى طلبات اسبوع الآلام "ونجنا من الجلاء". أنظر دلال الكنيسة القبطية, وهو ما يقابل فى أيامنا هذه عمليات "التهجير القسرى" التى تتم فى بعض الأماكن على يد المتطرفين، فى أوقات الإنفلات الأمنى. المعرب.
[753] - يقول هربرت مور(فى هامشه 665) أنه ليس لدينا مخطوطة تدعم نقطة التوقف هنا، ويرى أن ذلك ربما يعود إلى سهوٍ من الذاكرة.
[754] - قارن، تث13:33- 17.
[755] - قارن، تث 8:3 -11.
[756] - مت 52:13.
[757] - هنا تأمل خاص ببالاديوس فى لا 21:18 سبعينية.
[758] - يو2:16 بتصرف.
[759] - مز6:10.
[760] - يُشير مور فى(هــ 671) إلى أن الكلمة الواردة هنا تتضمن معنى كرسى الاسقف cathedral chair
[761] - قارن حك17:11، 9:12.
[762] - أى بالسلطات المدنية.
[763] - مز24:103
[764] - خر2:5
[765] - الضمير عائد إلى الله.
[766] - لقد أضاف بيجوث هذه الكلمة وهى ليست فى المخطوطة وأخذ بها مور كما قال فى هامشه 676
[767] - مت 19:6 "هل تتفاخر بثوبك الحرير، إنه مغزول من ديدان من إختراع البرابرة.(عظة لفم الذهب،71).
[768] - اصطلاح طبى.
[769] - عب 28:10-31.
القديس يوحنا فم الذهب واحدٌ من ذلك الرعيل الذى جاهد حتى الموت مستهينا "بالبلوى المحرقة"، مقتفيا أثار سيده، مشتركا معه بفرح وابتهاج روحى فى تحمل الآلام من أجل خلاص النفوس التى إتمنه عليها، ومن أجل رفعة كنيسته. منتظرا بصبر ورجاء راسخ خلاص الرب وإكليل المجد العتيد. لذلك كان شهيدًا بلا سفك دمٍ. دعاه بحق الأنبا بالاديوس اسقف هللينوبوليس ببثينية بأسيا(فى النصف الثانى من القرن الرابع الميلادى)، تلميذه الحميم وشريكه فى آلام النفى، ومدوِّن سيرته، "بأرميا الثانى ". ولذا فهو مُكرَّم الآن وقديسٌ لدى سائر الطوائف المسيحية.
لقد كان فم الذهب وما زال مدرسة نتعلم منها كيف ترخص حياة "الخادم الأمين" الحريص على إعلان الحق الإلهى والدفاع عنه إلى الرمق الأخير دون محاباة أو أخذٍ بالوجوه، والذى يجعل جُلَّ هدفه خلاص النفوس التى إتمنه الله عليها. كان شجاعا فى جهاده من أجل تقويم "الرعاة" أولا من كهنة واكليريكيين، وخدام وخادمات، ورهبان وراهبات ومكرسات، قبل عامة الشعب. وكأن لسان حاله كان يُردد أروم أن تكونوا جميعا ناجحين فى كل شىءٍ: فى سلوككم وأخلاقياتكم كما فى أرواحكم. فكما أنه من المهم لراعى الرعاة خلاص نفوس الجميع روحيا، هكذا أيضا يروم أن يراهم جميعا يسلكون حسبما تقتضى النعمة الإلهية المعطاة لهم، لأنهم منظرا للملائكة والناس. ودفعته أمانته إلى المجاهرة بالحق "امام ملوك وولاة"" بلا خشية أو تردد.
وعندما يتأمل القس منسى يوحنا فى موقفه هذا يقول " يا حبذا لو كان جميع خَدَمة الدين يُجلِّون وظيفتهم بهذه الدرجة".
ولم تكن مهمته هذه بالأمر الهيّن إذ ألَّبت عليه الفئات التى ترغب فى تحقيق أهوائها الذاتية تحت عباءة الدين. وجلب لنفسه عداوة ذوى السلطة المدنية، وكذا كهنة وأساقفة، بل وأيضا للأسف البابا الأسكندرى ثيوفيلس.
ولما كان كل مَن كتب ويكتب عن ذهبى الفم يعتمد بصفة اساسية على سيرته التى دونها تلميذه الحميم الأنبا بالاديوس فى عمله المسمى "حوار عن يوحنا فم الذهب"، بالإضافة إلى رسائل فم الذهب نفسه العديدة التى أرسلها إلى اساقفته وكهنته وشمامسته وشماساته وبالأخص إلى تلميذته المحبوبة والفاضلة جدا اوليمبياس. إلى جانب ما ورد عنه فى كتابات مؤرخى النصف الأول من القرن الخامس الميلادى بصفة خاصة. فقد رأينا عزيزى القارىء أن نضع بين يديك هذا العمل كاملا فى نصه الأصلى، إذ يُعتبَر المصدر الأول عن حياة ومعاناة "ارميا الثانى"، كما دعاه بالاديوس، وخاصة فى سنوات محنته ونفيه، قبل أن ينطلق إلى دار الراحة الأبدية.
وما من شك فى أن بالاديوس قد كتبه بمشاعر ابن بار نحو أبيه، تألم معه ومن أجله. وهو يراه يعانى ظلما، ومجروحا فى بيت أحبائه. كتبه وهو يعانى من ألم النفى الظالم مثله، ومن أجله، فى برية سين (أى أسوان حاليا) بصعيد مصر. ومن ثم يجيش هذا العمل بمرارة الإحساس بالظلم. وياليته ظلم من الأعداء لكان من السهل كما قال داوود النبى(مز 12:55) أن يُحتمَل، لكنه ظلم من "أليفى وعديلى"، بل ظلم من أناس لهم صورة التقوى ولكنهم فى الواقع ذئاب فى ثياب حملان.
ومن ثم جاء الكتاب متحاملا، فى نظر البعض، فى بعض أجزائه على البابا ثيوفيلس الاسكندرى. فالقمص تادرس يعقوب مثلا يرى أن هذا العمل يحمل "تحيزا مُرًّا ضد البابا ثيوفيلس" الذى حكم عليه وعلى أبيه فم الذهب بالنفى ظُلما وبهتانا.
وعن موقف البابا ثيوفيلس من فم الذهب يقول القس منسى يوحنا (فى هامش بكتابه "خطيب المدينتين"، ص 80) " يُلاحِظ القارىء أننى لم أَعدُل فى هذا الفصل عن الأمانة فى الكلام عن ثاوفيلس، بل ذكرتُ ما وجَب ذِكره بكل أمانة. لأن المؤرخ الصادق وجب أن يذكر الحقائق التاريخية على علاتها، ولو كانت من جهة نفسه. ولو أمعنا النظر فى الكتب الإلهية لوجدنا أن أفضل الأنبياء وأعظم الرسل أشهروا آثامهم على الملأ دون أن تأخذهم فى ذلك خفية أو يمنعهم عن ذكر عيوبهم سمو مقامهم وعلو مكانهم. فذكر موسى خطايا نوح ولوط وابراهيم واسحق ويعقوب. بل ذكر عن نفسه مخالفته لأمر الرب. وذكر غيره خطايا داوود وسليمان. وذكر بطرس خطيته..إلخ". ويُضيف المعرب هنا، أنه ما من أحدٍ حتى اليوم عندما يقرأ الكتاب المقدس يُقلل من قداسة هـؤلاء. لأن القداسة ليست هى العصمة من الخطأ ولكن أن يعترف المرء بخطأه وخطيته مرددا مع العشار "اللهم إرحمنى أنا الخاطىء". والقديس ليس هو الإنسان الذى لا يخطىء بتاتا، ولكنه ذلك الخاطىء التائب الذى يسعى دوما بلا كلل أو ملل نحو خلاص نفسه، معترفا فى قلبه قبل لسانه أنه "ليس عبدُ بلا خطية ولا سيدٌ بلا غفران".
كما يقول القمص تادرس يعقوب(فى كتابه عن فم الذهب) " كثيرون فى عرضهم لسير القديسين يُخفون ضعفاتهم، أو يُحاولون تبريرها، مع أننا لا نؤمن بالعصمة من الخطأ. على العكس فإن كشف ضعفاتهم لا يقلل من كرامتهم بل يُعطى للنفوس الضعيفة رجاءً وقوةً للجهاد. وهذا ما انتهجه الكتاب المقدس فى عرضه لسير الأباء والأنبياء والرسل". وأيضا يقول "الكنيسة فى تعلقها بالقديسين لا تؤمن بعصمتهم من الخطأ. فهم مقدَّسين فى الرب يسلكون بالروح، لكنهم ليسوا بغير ضعفات". وعندما ذكر مغادرة ثيوفيلس للقسطنطينية بعدما أصدر فى مجمع البلوطة حُكما مع عصبة الاساقفة الناقمين على فم الذهب لأنه حرمهم من مصادر ترفهم الدنيوى، قال عنه بالحرف "غادرها..، حاملا معه جريمته فى حق البطريرك يوحنا فم الذهب التى لم يغفرها له المؤرخون". وقد صدق ابونا تادرس فى هذا القول إذ لم يغفرها له سائر المؤرخين الكنسيين بدءً من مؤرخى القرن الخامس وحتى اليوم.
ولكن هل كان حقا هذا العمل "تحيزا ضِده"، أم كان وصفا لمجريات الأمور من شاهد عيان رأى بعينيه وعايش الأحداث بنفسه حدثا حدثا. أم كان محاولة من بالاديوس لتفادى الصدام مع السلطة السياسية المدنية التى كانت الطرف الرئيسى فى الأحداث، والتى كانت ما زالت تتربع على العرش، فألقى بكل المسؤولية عما جرى لبطريركه الحبيب ومعلِّمه فم الذهب على كاهل البابا ثيوفيلس وحده؟!.
هذا ما سندعك أيها القارىء العزيز تستخلصه بنفسك بعدما تقرأ هذا العمل بنَفَس وأسلوب بالاديوس نفسه، بالإضافة إلى ما كتبه "المؤرخون الأوائل" بعد موت "إيزابلا" الثانية أى "أودكسيا" الإمبراطورة وكذا زوجها الذى وصفه المؤرخون الأوائل بأنه كان ضعيف الشخصية أمامها.
وعلى الرغم من أن "الحوار" عمل دفاعى عن القديس فم الذهب، قُصِد منه الدفاع عنه ضد المثالب التى لصقها به أعداؤه، إلاَّ أنَّ به الكثير من التأملات الدراسية اللذيذة والشيقة لفقرات كثيرة من الكتاب المقدس، من المفيد الإلمام بها. ففى هذا العمل لا نتقابل مع بالاديوس المؤرخ الرهبانى المشهور بعمله "التاريخ اللوسسى"، وإنما مع بالاديوس الكاهن المتأمل فى كثير من فقرات الكتاب المقدس، والذى يساهم بمساهمات شيقة فى تفسير بعضها، أو التأمل روحيا فيها أو إلقاء الضوء عليها. فعلى سبيل المثال ترِد عرضا آية "وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى"، فنعرف كيف فهمها الأنبا بالاديوس آنذاك، بصفته أحد الروافد الآبائية للتفسير فى الفترة ق4م/ق5م للنصوص المقدسة.
وفى هذا العمل سنصادف بالطبع آراءً لبالاديوس قد نتفق بشأنها معه أو لا نتفق، ولكنها تظل وجهة نظر لا ضير من الإلمام بها.
إن هذا الكتاب يُعَّدُ أحد الروافد الأساسية للتعرف على أحداث السنوات الأخيرة من حياة فم الذهب، لا غنى عنه لأى باحث أو دارس.
والقراءة الداخلية لهذا العمل توضح لنا أنه كُتِب بعد وفاة كل من فم الذهب والتى كانت فى (13 أيلول ( أى14 سبتمبر) من سنة407م)، وثيوفيلس الاسكندرى(فى سنة 412م)، وأولمبياس الشماسة (25/7/408م). ولمَّا كان عمله الأول قد كتبه فى حوالى سنة 419/420م([1]). وكان التاريخ المرَّجح لوفاته وقتُ ما بين سنتى 420م و430م، فإن التاريخ المرجح لكتابة هذا العمل لابد وأن يكون فى هذه الفترة.
لقد قال عنه يوحنا كاسيان فى كتابه عن التجسد(30:7) "ما أكتبه يُنسَب إليه أكثر مما يُنسَب إلىَّ. فالمجرى يصدُر من الينبوع. وما يُنسَب للتلميذ يُنسَب بالكامل لكرامة المعلم".
+ + +
السلام لك يا أبى القديس.. كم تعلمتُ وتهذبتُ وتعزيتُ من منفاك وشدائدك التى لا توصف.
لقد عرفتنى "قوة الضعف" للضعيف الملتصق بالله.
أحنى رأسى أمام آلامك وخاصة النفسية، فما أقسى تلك الآلام التى تأتى من رجل الدين، أيا كانت رتبته حتى ولو كان أغنسطسا. العالم كله الآن بكل طوائفه وألوانه وأجناسه، بما فيهم أحفاد رعية ثيوفيلس نفسه، يحنى تلقائيا رأسه عند ذِكر إسمك المكرَّم.
أما أكاكيوس وانتيوخس وسيفريانوس وأمثالهم فى كل زمان ومكان، الذين "أحبوا مجد الناس" بل فى الحقيقة أهواءهم الخاصة، فأين هم الآن !!.
بولا ساويرس
ملاحظات المعرب
1- من المعروف أن وضع عناوين فصول وعناوين جانبية فى أعمال الكتّاب القدامى، هى دائما من عمل المترجمين لهذه الأعمال. وقد وجدتُ هنا أن التقيد بالعناوين الجانبية للمترجم الإنجليزى يفسد تسلسل "الحوار" ويشوش ذهن القارىء، لذلك لم أتقيد بها, حتى يمكن متابعة "الحوار" بيسر. وتسهيلا للقارىء بالعربية من فهم النص، قام المعرّب بإضافة بعض الكلمات فى المتن يقتضيها الأسلوب العربى، وكذا بعض الكلمات التوضيحية الهامة، ووضع هذا وذلك بين القوسين[ ].
2- لا شك فى أن عمل بالاديوس هذا كان عملا عاطفيا، أو كتبه وهو فى أوج عواطفه الجياشة وآلامه النفسية الرهيبة. لذلك جاء الوصف فيه، والتعبيرات المستخدمة مختلفة كثيرا فى اللهجة والنَفَس عن عمله "التاريخ اللوسسى"([2]). كما أنه نظرا لأنه كان يكتب أثناء حُكم الإمبراطور الذى ظلم أسقفه، لذلك أغفل عن قصد كل ما يمسه، محاولا تبرئته قدر استطاعته من المسؤولية.
3- ولما كان الكثيرُ من الهوامش التى أوردها المترجم إلى الانجليزية عبارة عن فقرات مسهبة من المصادر التاريخية التى نحن بصدد إصدارها بمشيئة الله تباعا، لذلك حذفتها مكتفيا بالإشارة إلي المصدر، حيث سترد بالتفصيل فى إصداراتنا لسلسة المؤرخين الأوائل. كما قام المعرِّب بالتعليق على آراء المترجم عندما لزم الأمر، واضعا تعليقه بين القوسين[ ].
مـقـدمـة المـتـرجـم
(1) موضوع المقالة
هذه المقالة كتبها بكل وضوح، شخصٌ لديه معلومات كاملة، وكان شاهد عيانٍ للكثير من الأحداث التى يرويها. وهى أفضل مصادرنا عن حياة القديس فم الذهب([3]). فلدينا سير أخرى عنه كتبها ثيودوريت اسقف تِرميثوس([4]) Trimithus فى حوالى 680م، وجورج اسقف الأسكندرية([5]) فى سنة 620م، ولاون الإمبراطور(ح 900م)، وكتّاب مجهولون إلى جانب بعض الروايات التى تشتمل عليها التواريخ الكنسية للقرن الخامس الميلادى([6]) لسقراتيس وسوزمينوس وثيودوريت وفيلوستراجيوس واللاهوتى فوتيوس(ح 850م) والكاتب الوثنى زوسيموس إلى جانب إشارات أخرى قليلة لدى المؤلفين القدامى. ومن هذه المصادر المتنوعة يمكننا إستخلاص ليس فقط سجلا بحياة فم الذهب ولكن أيضا رسم صورة للرجل نفسه ، وأيضا إلقاء الأضواء على حياة الكنيسة فى أيامه، كما نتزود بمعلومات عن عادات وفرائض إندثر بعضها بينما ما زالت أخرى ممارسة بيننا.
وكلما درسنا سيرته بأكثر دقة، كلما ظهر رجلا محبوبا أكثر، وكلما شعرنا بالأكثر كم نحن مدينون له بالمستوى النبيل والتقوِى والخدَمى والذكى للحياة المسيحية التى حافظ عليها بشدة بإيمان وصراحة بلا خوف، وخلفها لنا. وكلما بدت حياته أكثر إعجابا، بالمقابلة مع حياة الكثيرين المعاصرين له من الوثنيين، وللأسف حتى من المسيحيين.
ولكن كان عليه أن يتحمل تبعة سماته الجيدة. فقد كان رجلا شديد المرارة من فرط حماسه للفضيلة، وسريع الغضب أكثر من التعامل اللطيف، إذ لم يُفكِّر منذ نشأته فى المستقبل. وبسبب بساطة شخصيته سلك بدون تفكير عميق، فإستخدم خطابا أكثر تحررا مع أولئك الذين اعتنى بهم، وكمعلِّم أفاد كثيرا سامعيه. لكنه أٌعتُبِر من قِبل الذين لا يعرفونه عنيدا فى سلوكه([7]). ويُظهِر لنا "الحوار" الأرضية التى استندت عليها هذه الإنتقادات، ويعرض لنا المؤلِّف الردود المتنوعة عليها. "لقد كانت لديه سمات جديرة بالإعجاب. فماذا يُمكن أن يكون أكثر قيمة من الكرم والحماس المتفائل؟. لقد كان يفتقر إلى ضبط النفس ورباطة الجأش واللياقة، والأسلوب الدبلوماسى، كما سنلاخظ ذلك فى كثير من الأحيان، ولكن لو كان قد امتلك هذا، هل كان سيكون ذهبى الفم؟!"([8])
كتاباته
من المستحيل التعامل هنا مع نتاج ذهبى الفم الأدبى الذى هو أكثر غزارة من[نِتاج] أى كاتب كنسى يونانى([9]) آخر. فبينما كان فى أنطاكية ألقى فى فترة الصوم الكبير بصفة خاصة سلسلة من العظات المتتالية، أو شرحا للأسفار المقدسة التى تناول فيها معظم أسفار الكتاب المقدس. إن ايسيدورس البيلوزى([10]) يكتب [قائلا] "إننى أظن أنه لو أراد القديس بولس أن يشرح كتاباته لما كان قد تحدث خلاف ما نطق به هذا المعلِّم الشهير. فإن شرحه لمحتوياتها جدير بالإعجاب. فهو جميل فى شكل وسِمة التعبير. ويقول سويداس Suidas فى القرن العاشر، منذ بدء العالم لم يمتلك أحدُ ما، كواعظ، مثل هذه المواهب. وهو فقط الذى استحق لقب فم الذهب، والواعظ الإلهى".
وقد تم تدوين معظم هذه العظات بأسلوب الإختزال، ويبدو أنه قد صححها بنفسه. وهناك أيضا عدد كبير من العظات عن موضوعات خاصة، أشهرها الواحد والعشرين "عن التماثيل"، التى ألقاها فى انطاكية سنة 378م، عندما صارت المدينة مهددة بالتدمير من قِبل الإمبراطور عقابا لها على الشغب الذى اندلع. والعديد من المقالات الخاصة بموضوعات أخلاقية ولاهوتية والتى تشمل عمله الرائع "عن الكهنوت". ومعظم أعماله تعود إلى تلك الفترة التى قضاها من حياته فى انطاكية، فقد اعوزه الوقت فى القسطنطينية، إن لم تكن الفرصة، لمثل هذه الاعمال الفكرية السامية. وكذلك نُسِب إليه عدد من الاعمال المنحولة بعضها بالطبع مزيف، أو على الأقل، أُسِىء تسجيلها من قِبل اعدائه لكى ما يستثيروا حفيظة الإمبراطورة ضده.
(2) تعاليم "الحوار":
لقد كان هَمْ فم الذهب فى أكثر [أعماله] هو الصراع الدائم بين الكنيسة والعالم. فالكنيسة عليها أن تسلك كملح للأرض، كمدينة على تل، كنور للعالَم، كهيكل لله الحى. وأن تعلو مُثُلُها دوما حتى عن تلك التى يمكن للقديسين أن يبلغوها. ولكن قليلين فقط هم الذين يمكنهم بلوغ تلك الأمور التى ترفع من مستوى الجنس البشرى، ولذا عليها ألاَّ تكسر قصبة مرضوضة، ولا أن تُطفِىء فتيلة مدخنة بجعل متطلباتها مرتفعة للغاية عن مستوى الاستخدام العملى للرجل العادى الذى يعيش فى العالم، ولا أن تدين مَن لم يُدِنه الله. عليها ألاَّ تُحزِن قلب البار، ولا أن تُقوى أيادى الأشرار بوعدِهم إياهم بالحياة.
وهكذا، تتمثل المشكلة الموضوعة دوما أمام الكنيسة فى كل العصور، فى كيفية شق طريقها بين الطرفين، بين الشدة التى لا داعى لها، وبين الإنصياع التوافقى. ومن هنا كانت الحاجة ماسة الى أحكام مختلفة من فم الذهب بالنسبة للبشر المتنوعين فى المزاج. فالمزاج الصارم للجميع يكون أحيانا من منطلق دوافع سامية، وأحيانا بدون وعى يكون مختلفا. إن ذلك يتطلب نسكا فى الحياة، وصرامة فى العقيدة، وتقشفا عن التمتع بملذات هذا العالَم. وأحيانا تكون هذه الصرامة، وبدون وعى من منطلق دوافع أدنى حيث يكون من المفترض أن الناس سيكونون أفضل عندما يُغارُون بمن هم أدنى، وبعين متطلعة إلى رفاهية الجمهور أكثر من القِلة، فهى تهدف إلى تعليم الجميع أنَّ كل الأمور الدنيوية إنما هى عطية من الله الذى يُعطيها لنا بسخاء لنتمتع بها. فواحدٌ يُوبَّخ فى وقتٍ مناسب وغير مناسب، والثانى يُمدَح لرغبته فى الكياسة.
وما من شك، فى أن تكون هذه هى وجهة النظر التى أُتُخِذَت فى هذا "الحوار". فإن الكتابات التى تُثير بعمق قلوب الناس، من الطبيعى أن تتلون تبعا للأحكام المسبقة لكاتبيها. ومن العسير الإعتقاد بأن فم الذهب كان مستحقا لكل تشيهرات أعدائه به، الواردة فى هذه المقالة من قِبلهم. فالحس السليم القوى الواضح فى كتابات فم الذهب، على الرغم من أنه أحيانا ما يكون مُبهما بسبب المغالاة فى التعبير والجهل بالقوانين الاقتصادية فيما يتعلق بالأثرياء، وبسبب أباطيل وأُبهة العالِم، قد حفظته بصفة عامة من المرارة التى جحدها تلميذه. ولكن أولئك الذين أعوزتهم القدرة التى لمؤلفنا "قفزوا على الخدمة" وتعاملوا بمكر مع كلمة الله، وحرَّفوا تعاليم المسيحية، وليست هناك لغة قوية للغاية مثل "الكاهن الذى ليست له فضائل الراهب، يستحق فقط الشركة مع ساتيرس satyrs([11])، أو كهنوت ديونيسوسDionysus . فالسيف لا يمكن أن يكون ثَلِما، ولا الكلمة الجريئة يُمكن ألاَّ تُعلَن". وهكذا رفع ذهبى الفم فى الواقع صوته بوضوح أكثر من البوق.
ولكن على الرغم من دفاع بالاديوس عن حماس ذهبى الفم، إلا أنه من العسير ألا نكوِّن من دراساتنا للكتابات المتنوعة، استنتاجا ما مفاده أن فم الذهب فيما يتعلق بأودكسيا قد تكلم بشفتيه بلا حكمة. إذ يبدو أنه من المستحيل الشك فى أن الإتهام الذى وُجِّه له بشأن مقارنتها علانية بإيزابيل وهيروديا قد حدث حقيقة، لأن بلاغته قد ألهبت الجماهير نحو التقويم، وحظى بدعم العديد من الأصدقاء الحميمين. لقد ظن نفسه مثل سافونا رولا فى الأيام اللاحقة، وأنه من القوة بما يكفى لمهاجمتها، فتم إطفاء نوره المُشرِق فى وسط أمة ملتوية وضارة، إلى الأبد.
هل كان على صواب أم على خطأ؟. إننا سنجيب على هذا السؤال، وفقا لمزاج كل منا. بيد أنه أيا كانت تقديراتنا، فإننا نعرف أن العالم بعد كل شىء يحترم المُثُل العليا ويرتفع بها بدون وعى على الرغم من أنه قد يبدو أنه يسلك بطريقته الخاصة، وأنه يُفضل الإشتراك فى لوم اللسان الصريح. ولم تكن حياة فم الذهب وموته عبثا.
أما من جهة ما نحكم به وما يمكننا أن نلتمسه من أعذار لتحامل مؤلفنا فإننا نرى أن دوافع ثيوفيلس لم تكن جيدة بل كانت شريرة. لقد ناشد فم الذهب، مثل كارنمرCranmer، عقد مجمع مسكونى لم يُعقَد قط، ولا كان من الممكن أن يُعقَد، "فهذا العالم حلبة مصارعة". ومن ثم يرى بالاديوس أنه ليس هناك مثل هذا الطريق المهيأ لحل مشاكلنا. نحن مدعوون إلى المجمع العام للأبكار المكتوبين فى السماء، ولكننا أيضا سنأتى إلى الله ديان الجميع. وهكذا العالم ليس فقط قوة مٌغرية روحيا وجذابة، ويميل بإستمرار إلى جذب المُثُل إلى أسفل وصولا إلى مستواه الخاص به، لكنه يمتلك أيضا قوته القسرية وحكامه الحاملين للسيف ويُمكنه أن يدفع إلى الأمام عمل الكنيسة أو أن يكبحها. إن حسن النية يمكن إكتسابه إما "بالموائد" وإما "بالمداهنة" ولكن نتائجها تكون دائما كارثية. ونحن نجد هنا أن فم الذهب والرهبان يلتجأون هم أيضا إلى السلطة المدنية ويستخدمونها بما لا يقل عن ثيوفيلس وآتيكوس ليس بإعتبارها قضاء نزيها بين الاطراف المتنازعة، ولكن كوسيلة يعرضون بها آراؤهم عن العقيدة والتهذب الكنسى. ولكن ذهبى الفم وجد أخيرا أن السيف الذى تحمله السلطة الزمنية، سيف ذو حدين. فقد كسب حزب ثيوفيلس اليد العليا من خلال استخدام حاذق لمشاعر الأنانية التى تُحرك الحكام والرعية على حد سواء, ولم تتمكن الكنيسة قط من استعادة مركزها كقوة للبِر.
ولم يُعد هناك حدُ للخيار المطلق للإمبراطور من الآن فصاعدا على الدولة والكنيسة. إذ لم يكن هناك امبروسيوس ليقول له "لقد شابهت ذنب داوود، فعليك أن تحاكيه أيضا فى توبته". ولم يكن هناك هيلدبراند Hildebrand ليصيح كبعجة "لقد أحببتُ البر وكرهتُ الإثم لذلك أموت فى المنفى".
ولكن مع تقدم العالم فى مفاهيمه عن قيمة الفرد وعن حقوقه وحرياته، تُصبح [ السلطة المطلقة] مستحيلة، وسرعان ما تندلع القوى المكبوتة منذ أمد طويل فى ثورة أكثر وحشية بما بتناسب مع قهر الماضى. "فعلى الرغم من أن عجلات الله تطحن ببطء، إلا أنها تطحن بأكثر دقة". ومؤلفنا مثل غيره من المؤرخين القدامى، قد يكون أو لا يكون على حق فى عزوه للكوارث المختلفة للغضب الإلهى لمقتل فم الذهب. فنحن نرى أن يد الله أعظم من هذه الأمور. إن إجتماع أربعين من الاساقفة الساخطين، فى ضاحية ما، منذ ألف وأربعمائة سنة مضت قد يبدو أمرا قليلَ الأهمية بالنسبة لنا، لكنه كان خطوة من الخطوات الأولى نحو وضع الكنيسة مثل الدولة تحت كعب الأباطرة. ذلك المفهوم الذى ساد الكنيسة الشرقية خلال القرون التالية([12]).
وهناك أسقف مُغفَل الإسم مُصوَّر هنا على أنه قام بزيارة إلى روما، وهناك أجرى حوارا استغرق عدة أيام، مع شماس يُدعَى ثيودورس Theodorus كان قد سمع جانبا واحدا فقط من القصة، وهو ذلك الذى عرضه أعداء فم الذهب والمتمثل فى الإتهامات الموجهة ضده فى البلوطة. فأراد أن يعرف الحقيقة سواء المتعلقة بالوقائع، أو الخاصة بالإعتراضات على شخصية فم الذهب. وكان أشخاص آخرون حاضرين المناقشة. وقد إنضم أحدهم لبعض الوقت. وكانت النتيجة النهائية أن رفض ثيودورس الروايات الذرِيَّة التى تلقاها، ونطق بتمجيد للقديس الشهيد.
إن التاريخ المفترض لهذا "الحوار"، هو عقب وفاة فم الذهب بوقت قصير، حيث أن الخبر الذى تلقاه الشماس عن ذلك يحتاج إلى تأكيد.
ويمكننا ترتيب الاحداث المشار إليها فى هذا "الحوار" على النحو التالى:
فى الفترة من 344م إلى 347م، وُلِد فم الذهب فى انطاكية. وفى حوالى 370م عماده. فى سنة 373م، دخوله دير بالقرب من انطاكية. فى 383م سيم شماسا بأنطاكيا. فى 26 فبراير 398م سيم أسقفا للقسطنطينية. إصلاحاته الكنسية والمدنية. فى سنة 399م إصلاحات الشقاق فى أنطاكية. فى سنة 400م، ثورة الجاينيين. فى سنة 401م، زيارته لأفسس وخلعه لستة أساقفة. إدانة ثيوفيلس للأوريجانية. سنة 402م وصول الرهبان إلى القسطنطينية. فى سنة 403م مجمع البلوطة والإقصاء الأول لفم الذهب، وإدعاءات ثيوفيلس. فى 16 ابريل 304م عيد القيامة، وشغب فى الكنيسة، ورسالة فم الذهب إلى اينوسنت, ومحاولة الإعتداء على حياته. فى 20 يونيو الإقصاء الثانى. حرق الكنيسة. تلقى أخبار من روما. وفد الاساقفة الغربيين. المعاملة القاسية لأتباع يوحنا. وصوله إلى كوكوسس Cucusus فى سبتمبر. نقله إلى بيتيوس Pityus فى يونيو 407م. وفاته فى 14 سبتمبر سنة 407م.
الروايات عن اوليمبياسOlympias، وعن بورفيريوس Porphyrius، وعن رهبان عدة. الإتهامات الموجهة ضد فم الذهب الخاصة بالأكل بمفرده، وبعزل الاساقفة الستة، والإفراط فى الكلام الجرىء، والهجوم الشخصى على الأفراد، والعجرفة ضد الإكليروس. ثم يتناول المؤلف بإسهاب موضوعات أخلاقية عديدة سنجدها فى الفهرس العام.
المؤلِّف
المقالة كما هى، مغفلة من الإسم، ولكنها تُنسَب على نطاق عام إلى بالاديوس اسقف هللينوبوليس التى أجراها مع دياكون من روما[اسمه] ثيودورس بشأن حياة وأحاديث الطوباوى يوحنا فم الذهب اسقف القسطنطينية. وفى الهامش أُضيفت هذه العبارة "وكُتِب فى نسخة أخرى أسقف أسبونا". وهكذا يُشير العنوان إلى أن كاتب هذه المقالة ليس بالاديوس اسقف هللينوبوليس أو اسبونا ولكن إلى أسقف بلا إسم يمثل الشخصية الرئيسية فى "الحوار". ولكن ذلك لا يتحقق فى أى مكان. فقد وُصِف ببساطة أنه عضو فى مجمع يوحنا وأنه من الشرق على الرغم من أنه ليس من القسطنطينية، وأنه قد تألم من أجله. إن بالاديوس اسقف هللينوبوليس([13]) معروف لدينا كمؤلِّف للتاريخ اللوسسى([14])، والذى يشتمل على عدد من السير المختصرة، والأقوال القيمة للرهبان بصفة أساسية الذين عرفهم بشخصه وسمِع عنهم خلال حياته كراهب فى الصحراء، أو خلال أسفاره. وتُسجِل مقدمة ذلك العمل أنه قد ألفه لنفس الغرض الأخلاقى الذى من أجله ألَّف هذا "الحوار". ومن الجلى، أنه كان صديقا لفم الذهب الذى كتب إليه من كوكوسس سائلا صلواته، وقال له أنه قلق عليه يوميا من أجل رفاهيته([15]). ويُظهِر التاريخ اللوسسى أنه قد سيم أسقفا لهللينوبوليس بعد تركه للصحراء سنة 400م، وإنغماسه فى القلاقل الخاصة بالطوباوى يوحنا([16]). ويعطينا "الحوار" رواية عن رحلته إلى أفسس، وزيارته لروما، وإبحاره إلى القسطنطينية، ونفيه إلى سين([17]). وعقب عودته عاش سنتين فى غلاطية. وحسبما يُخبِرنا سقراتيس([18]) نُقِل كأسقف إلى أسبونا فى غلاطية، وكتب بعد ذلك بسنتين تاريخه اللوسسى، وتُوفىّ فى وقت ما بين سنتى 420م و 430م.
بالنسبة للمقالة، المخطوطة الوحيدة لها ترجع إلى القرن الحادى عشر الميلادى وهى بمكتبة the Medicean بفلورنسا Florence. وهى تحتوى على فقرات منسوخة من هذا العمل، أمكننا فحص نصنا هذا بواسطتها. وقد طُبِعت أولا بترجمة لاتينية سنة 1680م، وهى مكتوبة باللغة اليونانية القديمة، وبكلمات كثيرة لها معانى غير مألوفة للكتّاب الكلاسيك، وهناك أخطاء نحوية كثيرة. والترتيب التاريخى للأحداث غير مراعى، حيث أن الموضوع الرئيسى للمؤلف ليس أن يكتب سيرة ذاتية بقدر ما يضع نموذجا يُشَّحِذ به قراءه لإتباع القدوة الحسنة للقديس ولكى ما يُحذرهم ضد طلب الكهنوت غير المناسب.
وقد عرض ذلك فى شكل حوار، وهو أسلوب معترف به فى تقديم مقالة أخلاقية. فهكذا كُتِب عمل فم الذهب الشهير "عن الكهنوت". فالتعليم الحر الذى تحدث عنه بالاديوس بإعجاب فى التاريخ اللوسسى وهنا، كان من الطبيعى أن يستخدمه كأداة لنقل أفكاره. ولقد قاد حب بالاديوس لمعلمه إلى أن يتبع مثاله، ولكن لم تكن لديه معرفة افلاطون ولا قدرته فكان "الحوار" أحيانا مملا، والشكل غير ملائم للموضوع([19]). فلم يقدر عمل أمرين فى وقت واحد أن يُقدِّم ذكرى لرجل صالح، وأن يؤلف مقالة أخلاقية. فعندما يُقدّم روايات طويلة عن أحداث تاريخية، وفوق الكل الرسالة إلى اينوسنت إنما يحيد بشدة عن الاسلوب المستخدم فى حوارات افلاطون التى لها نفس الغرض مثل "دفاع سقراتيس وكريتو".
ومن الملاحظ أن تعبير "فم الذهب" هو إضافة فى زمن لاحق، وحل محل "يوحنا" على نطاق واسع فى حوالى منتصف القرن الخامس الميلادى. ولكن لماذا أُختِير بالاديوس اسقف هللينوبوليس بوصفه المحاوِر فى هذه المقالة دون سائر الأساقفة الشرقيين ما لم يكن هناك تقليد راسخ يربط بينه وبين المقالة. بكل تأكيد كان هناك تقليد كهذا. ففى قائمة من ثمانية عشر شخصا كتبوا عن فم الذهب مُدرجة فى كودكس قديم جدا، فحصه بيتافيوس Petavius، يَرِد فيها إسم "بالاديوس اسقف هللينوبوليس". ويقول فوتيوس Photiusأن "بالاديوس كان أسقفا وكتب عن أعمال كريسسوتم فى شكل حوار". ولقد جمع بطلر ثلاثة عشر عبارة من العبارات الجديرة بالملاحظة جنبا إلى جنب مُظهِرا كم التماثل الملحوظ. وقد جمعتُ نحو سبعين أخرى أكثر يمكن العثور عليها فى الكلمات الواردة فى الفهرس. ويُمكن إضافة عبارات أخرى كثيرة مماثلة. ويوضح بطلر نقطة أخرى هامة. وهى استخدام ذات التعبيرات عن نفس الأشخاص وعن ذات الأشياء. وإننى لأظن أن أىَّ قارىء يبذل قليلا من الجهد فى المقارنة، سوف يرى أنه ليس فقط الكلمات وأسلوب استخدامها، بل أيضا العبارات والفقرات ترد فى العملين([20]). وقد أدت الدراسة الدقيقة للأب بطلر إلى المقارنة المكثفة لكيفية اقتباس نصوص الأسفار المقدسة، فوجد أن الإقتباسات التى أُستُخدِمت فى كلتا المقالتين قد وردت بتصرف وبنحو لا يوجد فى أى مخطوطة أخرى قائمة. وأنها وردت ليس نقلا من مصدر مكتوب، ولكن من الذاكرة. فنحن نعلم أن الرهبان الذين كان بالاديوس واحدا منهم قد كرّسوا وقتا أطول لإستظهار الكتب المقدسة عن ظهر قلب، وأن كثيرين منهم قد حفظوا أسفارا بأكملها بالذاكرة([21]). ويوضح بطلر أنه فى كلتا المقالتين ورد الإقتباس مت18:11 مدمجا مع مت 32:21، وأنه ورد فى كلتيهما مسبوقا بكلمة "يوبخهم". وكذلك يرتبط الإقتباس من مر16:2 بمتى 11:9، على نحو ليس له سند من مخطوطة ما أو موازى له. كما يرد الإقتباس 1يو18:2 مقترنا بالعبارة "لقد كانت الساعة الأخيرة منذ أربعمائة سنة مضت" على نحو لا يُمكن أن يكون صُدفة. بالطبع سيكون أمرا غريبا أن يتفق كاتبين مختلفين، مع هذا التعدد فى مخطوطات النسخ السبعينية المتوفرة فى سنة400م، فى نفس النصوص المقتبسة، وبذات التبديل والتصرف فى النقل، إذ نجد الإقتباس غير الدقيق من الذاكرة للنص جا9:8 يرد فى المقالتين بذات الترتيب والتبديل فى الكلمات بالضبط. كذلك نجد مؤلف "الحوار" يذكر، مثل مؤلف "التاريخ اللوسسى" المعابد المصرية، ويتحاور مع هيراكس، وكان أحد الأربعين اسقفا الذين إنحازوا إلى صف فم الذهب ومعجب للغاية بالرهبان، ويعرف نفس الأشخاص: ايسيذورس، وآمون، وديسقورس، وكرونيوس، ومكاريوس، واوليمبياس([22]). وأخيرا المعرفة التى يُظهرها كاتب "الحوار" بأعمال بالاديوس ستكون أمرا غير عاديا بتاتا إذا ما افترضنا أنه شخص آخر خلاف بالاديوس نفسه. ففى أربع فقرات يُعطينا رواية حية ودقيقة عن الأحداث التى يذكر بالاديوس أسقف هللينوبوليس أنها قد حدثت، وهى: وفد القسطنطينية، والأحداث المرتبطة بمجمع البلوطة، والمهمة فى أفسس، ورحلة الأساقفة الشرقيين التى ترد فى الرواية عن الوفد. ولا يستخدم كاتب "الحوار" ذات العبارات حرفيا فقط كما فى "التاريخ" مثل "قال لى أحد الجنود" و"قالوا" و"قيل" عندما يروى أحداثا كان شاهد عيان لها، ولكنه ينسى ذات مرة أنه يكتب بضمير الغائب وينتقل من الأسلوب غير المباشر إلى أسلوب الخطاب المباشر مثل مؤلف "التاريخ اللوسسى". ومثلما فعل القديس لوقا فى سفر الأعمال. ونلاحظ أنه فى المقالتين كثيرا ما ترد أمثال وملاحظات حساسة، وأنه فى كلتا المقالتين ترد مساحة شاسعة غير معتادة للطعام والشراب، أو للإحجام عنهما.
أما عن تاريخ كتابة هذا "الحوار"، فلا شك أنه يلى "التاريخ اللوسسى". فبعدما وجد مؤلف الثانى أن عمله هذا قد حقق فائدة وقيمة، كان من الطبيعى أن يُقدّم نموذجا مفردا للحياة المسيحية الحقيقية، بل هو أشهر وأبرز نموذج مسيحى فى أيامه. لم يكن بالطبع يستطيع كتابة هذا العمل وهو منفى فى سين، ولا فى غلاطية وهو مشتت الفكر بالأحداث الجارية وبعدم تيقنه من جهة مستقبله. وفى "الحوار" نجد إشارة إلى وفاة ثيوفيلس([23]) كما نجد ذِكر لأعمال فم الذهب وخاصة رسائله، الأمر الذى يحتاج بالطبع إلى إنقضاء وقتُ ما من الزمن. لقد كتب بالاديوس "تاريخه"، كما رأينا، عندما كان فى حوالى الثالثة والأربعين من العمر، وكان يجول مثل هيرودت بمفكرة، ذهنيا إن لم تكن ماديا، استقى منها فيما بعد رواياته وحكاياته. لقد عاش حياة شاقة كراهب، وسافر إلى القسطنطينية عن طريق فلسطين، وزار روما، وتألم بالنيابة عن فم الذهب، وعانى من رحلة شاقة إلى أسوان حيث قضى هناك ست سنوات فى المنفى. فماذا يكون أثر كل هذه السنوات على صحته وخاصة على عينيه.
الطبعة [الإنجليزية]
لقد اتبعت هنا نص بيجوت Bigot's text كما ورد فى مين Migne([24]), وعلى الرغم من أن مين يقدم تصحيحا أو ترجيحا جيدا إلا أننى لم أُخضِع نفسى له دون الإشارة عند الضرورة إلى ذلك فى الهامش([25]). والهوامش هنا إلى حد ما أكثر كمالا مما يُقدَّم عادة فى هذه السلسلة من الترجمات. ويحدونى الأمل فى أن يجذب إسم فم الذهب وبساطة سيرته دائرة أوسع من القراء([26])
هربرت مور
[ نــص بالاديوس]
[مقـدمـة]
(الأسقف) إن عطايا الله أيها الأخ العزيز ثيودورس، تنقسم إلى ثلاث فئات، حسبما يبدو لى. فبعضها يشترك فيها الجميع، ولكن لا تُوزَّع على الأفراد. بينما البعض الآخر يشترك فيه الجميع ويُوزَّع على الأفراد. أما النوع الثالث فهو لا يشترك فيه الجميع، ولا يُوزَّع على الأفراد، ولكنه أيضا ليس غير قابلٍ للتوزيع إذ يُعطَى كإمتياز خاص لأولئك الذين يُعطَى لهم.
(الشماس) إن ملاحظاتك الإستهلالية تبدو معقولة. فقل لنا من فضلك ما هى أنواع هذه المواهب الخاصة بكل من هذه الفئات الثلاث.
(الأسقف) إن العطايا التى هى أساسا نبيلة وبدونها تكون الحياة بائسة، هى عطايا يشترك فيها الجميع ولا تُخَصَّص.
(الشماس) مثل ماذا يا أبى؟.
(الأسقف): مثل الله الضابط الكل، والإبن الوحيد، والروح القدس. هو أمر مشترك للجميع وليس خاصا بأحدٍ بمفرده. فكل مَن يرغب، يُمكنه بواسطة التأمل أن يمتلكه بالكامل بدون أية مساعدة مادية. ومع الله، هناك الأسفار المقدسة الإلهية، والقوى فوق الدنيوية. وإلى جانب هذه الأمور هناك الشمس والقمر وسائر النجوم والهواء نفسه كلها ملك للجميع بلا تخصيص، ويجرى استعمالها من قِبل الجميع بأكملها. ولسنا فى حاجة إلى إعطاء مزيد من الإيضاحات عن هذا النوع من العطايا التى لا تُخصَّص. وكانت الأرض فى وقت من الأوقات شركة للجميع وغير مخصصة، وكذا مجارى المياه، ولكن منذ أن استولى الشغف الجنونى بالمِلكية على نفوس عشَّاق المتعة، صار القِسم الرئيسى للأرض والمياه خاضعا للتخصيص. (الشماس) ما تقوله واضح جدا، فاكمل حديثك عن النوع الثانى للعطايا التى تُخصَّص.
(الأسقف) حسن، هذا ما سأفعله، إذ لا يمكن أن نترك سياق موضوعنا غير كامل. هذا النوع مثل الذهب والفضة وكل نوع من المعادن، والخشب، وبإختصار كل نوع من المواد الخام. هذه جميعها يشترك فيها الجميع ولكن بالتخصيص لأنها ليست تحت تصرف كل مَن يرغب بلا تحفظ.
(الشماس) وأيضا هذا شرح وافى جدا، ولا عجب أن تبسّط لنا فئتك الثالثة من العطايا، فقد قلتَ أن هناك فئة لا هى عامة للجميع، ولا هى مخصصة بين الأفراد، ولكنها تُعطَى كإمتياز خاص لأولئك الذين يستحقون أن توهب لهم. لذا عليك الآن أن توضح لنا هذه الفئة وتخبرنا من أين استقيتها وما هى الحقائق الخاصة بها التى يجب أن نتعلمها فى الحقيقة.
(الأسقف) إن كان فى سلطانى، وكنتُ اقتنى معرفة ما تستعلم عنه، فإننى لن أتردد، ولن أضيف شيئا. ولكن علىَّ أولا أن أسدد الدَيْن كما أظن الناجم عن حجتى بأفضل ما فى وسعى. حسن، إنك تجد أن البتولية لا تُوزَّع على العموم، وكذا حالة عدم الزواج. فهذه لا تنتمى إلى فئة العطايا التى يشترك فيها الجميع ولا إلى تلك التى تُوزَّع. فليس كلُ مَن يرغب فيها، غير متزوج. ولكن فقط مَن يستطيع. فكثيرون متزوجون يتوقون إلى حالة البتولية، ولكنهم لا يتحصلون عليها لأنهم متزوجون. وفى الألعاب الأوليمبية ينادى المنادى على جميع مَن يرغب فى السباق ولكن الأكاليل للمنتصر فقط. وهكذا الحال بالنسبة للبتولية كما يقول الإنجيل. وأنتَ تتذكر كيف أن بطرس قد أثار إعتراضا على تعليم المخلِّص أنه "لو كانت حالة الرجل هكذا مع زوجته، فخير للرجل ألا يتزوج". فأجاب المخلِّص، ليس لجميع الناس أن يقبلوا هذا القول، ولكن لِمن أُعطِىَّ له"([27]). آلا ترى أنه ليس للجميع، ولكن لمن أُعطىَّ لهم؟.
(الشماس) لقد توقعتُ أن يكون هناك بعض الصعوبات فى شرحك لهذا النوع الخاص من العطايا، ولكن من الواضخ أنك قد كسبتنا لوجهة نظرك بلغتك الكتابية والقوية.
[ أمثلة من العهد القديم ]
(الاسقف) بما أنك قد أدركتَ ذلك فإننى سأُثرى حجتى بأدلة من الكتاب المقدس، لكى ما تسلِّم العقول الشريرة، وتُدرِك ما لا تستطيع الحصول عليه. فإننا نجد الكهنوت فى الأسفار المقدسة الإلهية ليس أمرا مشتركا للجميع، ولا هو قابل للتوزيع، ولكنه إمتياز خاص لأولئك المستحقين له, ولهذا يُعلِن بولس العظيم النقى فى تعليمه للعبرانيين أنه ليس كل واحد يأخذ هذه الكرامة لنفسه، ولكن ذاك المدعو من الله. وكذا أيضا هارون لم يُمجِّد نفسه ليكون رئيس كهنة([28])، لأنه كان هناك ستمائة ألف رجل مملوئين غيرة، ولكن واحدا فقط هو الذى أُعلِن رئيس كهنة. وقد أقنعت العصا التى أفرخت لوزا جماهير الناس أن الكاهن هو مختار من الله. ومع ذلك كان بعض الناس المضروبين بشهوة الشهرة الكاذبة والذين افترضوا فى جهلهم للصالح أن [الكهنوت] هو إحدى العطايا التى يشترك فيها الجميع أو تُوزَّع، قد إغتصبوا هذه الوظيفة لأنفسهم وأقاموا ذواتهم كهنة، فنالوا القصاص الذى يستوجبه جنونهم، وجعلوا الأرض التى تجمعوا عليها تشهد على شرورهم. لقد كان داثان وهامان اللذان هاما بالكرامة كأناس يتطلعون إلى زانية، هما اللذان إبتلعتهما الأرض هما وكل ممتلكاتهما، ووجدا أماكن تجمعهما قبورا غير متوقعة. وهناك عوزيا Uzzah الذى قادته شهوة السلطة وهو غير واعٍ بالأحداث التى ذكرتها إلى السقوط فى شهوة الوظيفة. ففى ذات يوم بينما كان التابوت منقولا على مركبة عبر الطريق، حدث أن الثور الذى يجرها قد شمص واهتز التابوت. فسنده عوزيا الذى كان يراقب المركبة بيده ليمنع الغطاء من الإنزلاق. ورأى الله ذلك، ولكنه لم يُسَّر. ولكى ما يُقدِّم سابقة للأشخاص الأقوياء، منع ذلك بأن ضرب عوزيا بالموت كعلامة تحذير من هذه الحماقة.
[ أمثلة من العهد الجديد]
وفيما بعد بزمن طويل عقب مجىء المسيح، فكر سيمون الساحر من قرية Gethae ([29]) وهو معلِّم ماكر للتعاليم المضادة للحق، ورجل شرير ذو حياة شريرة فى الحقيقة، فى خطة خبيثة لإشباع شهوة السلطة. فإذ كان خائفا على ما يظهر من العقاب الذى حلَّ على أولئك الرجال فى الزمن القديم، ولم يشأ أن يحصد ما قد حصدوه من الغرس الذى غرسوه، أخفى الذئب فى جلد حمل واقترب من الرسل بدهاء، عارضا عليهم نقودا لكى لا يبدو أنه يتطلع ظلما إلى ما يتوق لشرائه، وقال ما نتوقعه منه ومن أمثاله "خذوا هذه النقود واعطونى سلطة منصبكم الرفيع لكى ما ينال كل مَن أضع يدىّ عليه (مواهب)([30]) الروح القدس"([31]). وإذ كان قد اعتمد بإسم يسوع، كان جواب الرسل هو هذا "انصرف يا رجل، فنعمة الله لا يُمكن أن تكون للبيع". وإذ استمر فى إلتماسه، قالوا له مرة أخرى "لِمَ تشترى ما لا يمكنك الحصول منه على شىء ،إن كنتَ تعيش بجدارة ؟". ولكن إذ كان يُفكر فى أعباء الحياة وفى محو رغبته فى تحملها، وعدم تيقنه من هذه المسألة، عرض ثانية نقودا من حافظته وهو يظن أنه يقدر بذلك على خداع تلاميذ المخلص، فأعلن ذاك الذى "يأخذ الحكماء بمكرهم"([32]) سخطه بفم بطرس "ليَهلك مالك معك، لأنك فكَّرت فى أن تمتلك عطية الله بمال". ولكنه قدَّم له دواء التوبة داهنا إياه بزيت[ ليشفيه] من علته بطول أناته، وقال[له] تُب، حتى ما يُغفَر لك فكر قلبك، لأننى "أراك فى مرارة المر، ورباط الإثم"([33]). لأن الله فى محبته للنفوس لا يشاء هلاك العصاة.
[شخصيات فى "الحوار"]
لقد أوضحتُ لك الآن بأفضل ما فى وسعى ملاحظاتى الأولى أيها النبيل ثيودورس، خادم([34]) السرائر الإلهية، فسلنا ما تُريد أن تعرفه.
(الشماس) من أين جئت لتهبنا شركتك؟.
(الأسقف) من الشرق. وكن متأكدا من ذلك، فإننى لم أرَ أبداً روما من قبل. (الشماس) إذن أى أمر أتى بك إلى هنا؟. (الأسقف) رغبتى فى السلام الخاص بكم؟. (الشماس) هل سلامكم مختلف عن سلامنا؟. (الأسقف) كلا ليس مختلفا، فهو واحدٌ وبذاته، لأنه السلام الذى أعطاه المخلص من السماء عندما قال لتلاميذه "سلامى أنا أعطيكم". ولكى ما يؤكد عطية نعمته كرر[قائلا] "سلامى أنا أتركه لكم". فكلمة "أعطيكم" تخص عمله الخاص، وكلمة "أتركه" تخص عمل الروح القدس بواسطة المسيح. فهما يكشفان للأمم عمل الآب. غير أن الحالة المحزنة للشرق البائس، والتى تُشبه رجلا مشلولَ الأطرافِ يرى أن القوى [ غير] الحيوية تجد طريقها إلى الأجزاء الأكثر صحة من جسده. فأطرافه المشلولة غير قادرة على أداء وظائفها المناسبة لأن الوفاق قد فرَّ منها. فقد نُفِىَّ معظمنا، رفقاؤه وأحباؤه، من بلدنا إذ لم نعد نستطيع العيش فى أوطاننا بأمان وهدوء بسبب تمسكنا بالحق. ونحن يحدونا الأمل فى أن نتمكن من قضاء أيام قليلة من الحياة التى لا تزال لنا وفقا للإنجيل.
(الشماس) يبدو لى أنك قد أُرسِلتَ إلينا، أيها الأب الممتاز من قِبل العناية الإلهية لأننى أرى أن حزنك يتناغم مع مشاكلنا. أظن أنك لابد أن تكون أحد أعضاء المجمع المقدس ليوحنا اسقف القسطنطينية. (الأسقف) هو ذلك. (الشماس) إننى أرجوك فى حضرة الله، أن تعطينا وصفا حقيقيا للأحداث الفعلية هناك، فإننا حريصون على سماع تفاصيلها، وتذكر أنك إن أخبرتنا بشىء ما يتعارض مع الحقيقة فإن الله سيكون لك فاحصا وقاضيا وستُدان أيضا من قِبلنا عندما نعرف تناقضك. لأنه ليس واحدٌ ولا إثنين ولا ثلاثة ولا عشرة أشخاص بل أكثر من ذلك، قد أعطونا روايات لِما حدث فى القسطنطينية، ولم يكونوا مسافرين عرضيين بل كان بعضهم اساقفة وكهنة وأعضاء فى السلك الرهبانى. وإذ أنك ترغب فى معرفة بيان مقتضب عن الدور الذى لعبته كنيسة روما، فإننى سأعطيك بعض المعلومات عن هذا الأمر.
[كيف بلغت الأخبار روما]
كان أول من وصل إلى هنا قارىءٌ([35]) من الأسكندرية، برسائل من البابا([36]) ثيوفيلس([37]) يُخطرِنا فيها بأنه قد خلع يوحنا. وعند قراءة هذه الرسالة، انزعج المبارك البابا اينوسنت إلى حد ما وأدان اندفاع وكبرياء ثيوفيلس، إذ لم يكتب فقط بسلطته الخاصة منفردا، بل أهمل أيضا توضيح أسباب خلعه له، ولا مَن هم الذين انضموا إليه فى الحُكم بالخلع. وهكذا أوجد نفسه فى موقف صعب. ولم يشأ([38]) الرد على الرسالة، إذ كانت القضية غامضة. وفى نفس الوقت جاء إلى البابا اينوسنت دياكون من كنيسة القسطنطينية [اسمه] يوسيبيوس، كان يقيم بروما لقضاء شؤون كنسية، وقدَّم له مذكرات مكتوبة تلتمس منه الإنتظار لفترة قصيرة ريثما يمكن إماطة اللثام عن هذه المؤامرة. وعقب ذلك بثلاثة أيام وصل أربعة أساقفة من حزب يوحنا، كلهم أشخاص ورعين: بانسوفيوس Pansophiusمن بسيدية، بابوس Pappus من سوريا، ديمتريوس من غلاطية الثانية، يوجينيوس Eugeniusمن فريجيا. وسلَّموا رسالتين تلتهما ثالثة. واحدة من الاسقف يوحنا([39])، وواحدة من اربعين اسقفا آخرين ممن فى شركة مع يوحنا. والثالثة من إكليروس يوحنا. وتتفق هذه الرسائل الثلاث فى عرضها للإضطرابات الناجمة عن جهلاء. وكان موضوع رسالة يوحنا كما يلى:
الفصل الثانى: [ رسالة يوحنا إلى اينوسنت]
"إلى سيدى المكرَّم والأكثر قداسة الاسقف اينوسنت. يُرسِل لك يوحنا التحيات فى الرب. إن تقواكم ([40]) قد سمع بلا شك قبل أن يستلم رسالتى هذه، عن المخالفات الجسورة التى أُرتُكِبت هنا. لأن ضخامة الجريمة لم تدع مكانا من العالم يجهل المأساة القاسية. فلقد نقلت الإشاعات الأخبار إلى أقصى أطراف الأرض، وجعلت كل مكان فى حزن وأسى عظيمين. ولكن لمَّا كانت الأحوال لا تتطلب الرثاء فقط، بل إتخاذ اجراء علاجى، والنظر فى الخطوات الواجب اتخاذها لإخماد هذه العاصفة الهوجاء المستعرة داخل الكنيسة. لذا رأيتُ من الضرورى أن أطلب من سادتى الورعين المكرَّمين([41]) الأساقفة ديمتريوس وبانسوفيوس، وبابوس ويوجينيوس أن يُغادروا كنائسهم ويشرعون فى مواجهة مخاطر رحلة بحرية طويلة، وأن يستعدوا لغياب طويل عن أوطانهم، ليفروا إلى محبتكم ويشرحوا لكم كل الحقائق بوضوح لكى ما تتخذوا الإجراءات اللازمة بأسرع ما يُمكن. وقد أرسلنا معهم الشماسين([42]) بولس وكرياكوس المكرَّمين والمحبوبين جدا([43]). وهذان الشخصان سيحلان محل الرسالة، ويبلغان محبتكم بسرعة بكل ما حدث. والحقيقة هى أن ثيوفيلس الذى أُودِعت بين يديه اسقفية كنيسة الأسكندرية، قد أُمِر بناء على تقارير رُفِعَت ضده إلى ملكنا التقى([44]) بالمثول أمامه بمفرده. ولكنه وصل بصحبة[عدد] كبير من المصريين كما لو كان حريصا على إظهار حالة الحرب والصراع منذ البداية. وتلى ذلك، أنه فور أن وطأ أرض المدينة العظمى القسطنطينية، لم يتوجه إلى الكنيسة وفقا للقاعدة التى سادت منذ الأزمنة القديمة، ولا أجرى أىَّ تعامل معنا، ولا إنضم إلينا فى حديث أو صلاة أو شركة، لكنه ما أن غادر السفينة حتى جاوز رواق الكنيسة بسرعة، وذهب إلى مكان ما خارج المدينة للإقامة به. فدعوناه مرارا وتكرارا هو ورفقاءه للإقامة معنا(وفى الحقيقة كنا قد أعددنا كل شىء بما فى ذلك الغرف وكل وسائل الإقامة الملائمة). ولكنه رفض هو وهم على حد سواء عرضنا. وكنا فى حيرة شديدة من هذا المسلك، ولم يكن فى مقدورنا معرفة سبب مثل هذا العداء غير الواجب. وعلى الرغم من ذلك، فعلنا كل ما يُطلَب منا، وتصرفنا بشكل صحيح، ودعوناه بإستمرار للتشاور معنا وأن يخبرنا لماذا يؤجج هذا الصراع المستعر ويسبب عثرة لمدينة فى غاية الأهمية. ولكن لما كان مازال مصرا على رفض الإفصاح عن السبب، وكان متهموه فى عجلة، أمرَنا ملكنا التقى بالذهاب إلى محل إقامته وسماع أقواله بشأن قضيته إذ كان متهما بعنف وقتل وجرائم أخرى لا تُعَّد. ومع ذلك كان لدينا احترام كبير وتكريم للقوانين التى وضعها الآباء([45])، ولثيوفيلس نفسه الذى كانت فى حوزتنا رسالته الخاصة التى قال فيها ألاَّ ينبغى مناقشة القضايا الخاصة [بإيبارشية ما] خارج حدودها، بل ينبغى تناول شؤون كل ايبارشية داخل الإيبارشية([46]). لذلك رفضنا مناقشة القضية، بل واحتججنا بأكثر شدة. ولكن يبدو أن ثيوفيلس قد ظن أنه يتعامل مع أعداء قدامى، فإستدعى رئيس شمامستى([47]) بأسلوب متعالٍ جدا، كما لو كانت الكنيسة مترملة([48]) بالفعل، وليس لها أسقف([49]). وبواسطته استدعى كل الإكليروس وضمهم إلى صفه. وهكذا صارت الكنائس فى حالة اضطراب. والكهنة الخاصين بها قد ضلوا([50]) وتم إغوائهم لكتابة مذكرات ضدنا وتحريضهم على أن يكونوا مشتكين ضدنا. وإذ نجح فى ذلك إلى حد بعيد، أرسل وإستدعانا للحضور إليه للمحاكمة على الرغم من أنه لم يكن قد برَّأ نفسه من الإتهامات التى وُجِهَت إليه، وهو أمر يُناقض بوضوح قوانين وسُنن الكنيسة.
ولما كنا نعى جيدا أننا سنمثُل ليس أمام قاضى (إذ قد مثُلنا أمام قضاة عشرات الآلاف من المرات) ولكن أمام عدو لدود كما أظهرت تصرفاته السابقة واللاحقة، فقد أرسلنا إليه الاساقفة ديمتريوس من بيسينم Pisinumوإليوسيوس Eulysius من آباميا([51]) Apameia ولوبيكيانوس Luppicianusمن آبياريا Appiaria، والقساوسة جرمانوس([52]) وسيروس. وأجبنا بإعتدال مناسب وقلنا أنه ليس لدينا أىَّ إعتراض على أية محاكمة خلاف المحاكمة أمام عدو صريح ولدود. وإذ رأى أنه لم يتلق أية إتهامات ضدنا، وأنه قد سلك منذ البداية كما سلك، وأنه فصل نفسه عن الكنيسة والشركة والصلاة، وأنه رشا([53]) المدعين وأنه أغوى الإكليروس الخاص بنا، وترك الكنائس بلا رعاة، فكيف يمكنه إذن أن يرتقى منصة القضاء التى لا تخصه بأية حال من الأحوال. إذ أن ذلك مناقض للنظام، أن يسلك أسقف مصرى كقاضى فى تيراقيا ([54]) بينما هو نفسه فى موضع إتهام، وخِصم وعدوٌ للمدَّعى عليه. ولكنه لم يشعر بأدنى حرج من كل هذه التحفظات واستمر فى تصميمه. وعندما أعلَّنا أننا مستعدون لتبرئة أنفسنا من أىَّ إتهام فى حضور مائة أو ألف اسقف وأن نُثبِت براءتنا الظاهرة من ذات عرضنا، لم يسمح بذلك. وعلى الرغم من طلبنا بعقد مجمع مقدس، وإلتماسنا لمحاكمة [جهرية] إذ لم يكن من العدل السماع من عدو صريح الأمر الذى أردنا تجنبه، قَبِل فى غيابنا دعاوى المدّعِين ضدنا وأطلق سراح أولئك العُصاة الذين أمرتُ بحبسهم، بدون إنتظار لتبرئة أنفسهم من الإتهامات الموجهة ضدهم. وقَبِل مذكراتهم وحرَّرها بتدقيق. وكان كل ذلك ضد القانون والشريعة والنظام. وفى الحقيقة، إختصارا لقصة طويلة، لم يدع حجرا إلاَّ وقلبه، إلى أن استطاع بقوة مطلقة وعمل مستبد، طردنا من الكنيسة ومن المدينة.
"وفى وقت متأخر من ذات ليلة بينما كنتُ أجتاز مع كل الجمهور فى الشوارع، قبض علىَّ فى وسط المدينة وكيل حاكمها([55])، وجرنى عنوة ووضعنى على متن سفينة مبحرة ليلا، فى ذات الوقت الذى كنتُ أطالب فيه بمجمع كنسى من أجل محاكمة عادلة. من ذا الذى يمكنه أن يسمع عن مثل هذه الأعمال دون أن يذرف الدموع حتى لو كان قلبه من حجر؟. ولكن كما قلتُ آنفا لا يحتاج الأمر مجرد الرثاء بل الإنصاف. لذلك أناشد محبتكم النهوض والحزن معى، وبذل كل ما فى وسعكم لإخماد هذه الشرور لأنه مازال هناك الكثيرُ بعد. فحتى بعد رحيلى لم يكف ثيوفيلس عن الأعمال غير القانونية الصادرة من حزبه بل منطقَ نفسه لمزيد من الإجراءات. لقد طرد ملكنا التقى([56]) أولئك الذين لم يكن لديهم خجل، وتدخلوا بغشِ فى[شؤون] الكنيسة. واعتزل كثيرون من الاساقفة عندما رأوا عدم عدالة خصومى، فى ديارهم تجنبا لهجماتهم كما لو كانوا إزاء حريق عام. ثم أُستُدعينا ثانية إلى المدينة والكنيسة اللتين طُرِدنا منهما بغير عدلٍ. وقدِم إلينا ثلاثون اسقفا. وأرسل ملكنا الموقر إخطارا بهذا الشأن([57]). وعندئذ ولىَّ ثيوفيلس، لسبب ما نجهله، هاربا مثل عبد آبق.
”ولدى دخولنا إلى المدينة ثانية، إلتمسنا من الملك الجزيل التقوى الدعوة إلى مجمع مقدس لتوقيع القصاص المضبوط على كل ما جرى. وإذ شعر بذنبه وخشى من الإدانة، عندما صدرت الرسائل الملكية إلى سائر العالم وتجمَّع [أساقفة] سائر الايبارشيات من سائر الأنحاء، فر سرا فى جوف الليل واستقل قاربا، وأقلع هو وكل حزبه.
ومع ذلك، لم ندع المسألة تنتهى [بهذا] لثقتنا فى سلامة ضميرنا، فجددنا مطالبتنا للملك الجزيل التقوى، فسلك وفقا لتقواه وأرسل مبعوثا إلى ثيوفيلس آمرا إياه بالعودة فورا من مصر مع كل أتباعه. ليُقدّم حسابا عن كل ما جرى وألاَّ يظن أن أعماله الشائنة التى أُتُخِذت فى غيابنا بناء على السماع من طرف واحد فقط، وضدا للعديد من القوانين، هى كافية لتبرئته. ولكنه لم يبال بالرسائل الملكية، وظل قابعا فى داره متعللا بإحتمال[حدوث] شغب من الشعب وإندفاع مؤسف من جانب اتباعه ومؤيديه من [فرط] حماسهم. على الرغم من أن هذا الشعب ذاته قد لامه قبل وصول رسائل الملك، ولكننا لن نتناول هذه النقطة الآن لأننا نهدف فقط إلى توضيح أن أعماله كانت تثبت إدانته. ومع ذلك، حتى بعد هذا لم نصر فى راحة، بل أصرينا على مطالبتنا بمحاكمة وفحص دقيق وسليم إذ كنا مستعدون لإثبات براءتنا، وإجراءاتهم الفاحشة غير الشرعية. وكان قد ترك وراءه بعض السوريين الذين شاركوه وزاملوه فى كل أعمال المأساة. وهؤلاء كنا على استعداد لمواجهتهم أمام قاضى، وألححنا مرارا فى طلبنا مطالبين إما السماح لنا بفحص دقيق للإجراءات أو على الأقل كشف دعاوى أولئك المدعين علينا وطبيعة إتهاماتهم. ولكننا لم نوهب أيا من هذين المطلبين، وطُردنا ثانية من المدينة.
"كيف يمكن أن أخبرك بما تلى ذلك، فروايته [أمر] مروع أكثر من أى مأساة!. وأى كلام يمكن أن يُعبَّر عنه، وأية آذان يمكنها الاستماع بلا قشعريرة. فبينما كنا نقدِّم الإلتماسات التى ذكرناها، غزت قوة كبيرة من الجنود الكنيسة يوم السبت العظيم([58])، عندما كان المساء قد حلّ، وطردوا كل الإكليروس الذين كانوا معنا، وحاصروا المنصة([59]) بالأسلحة. وهربت النسوة اللواتى كن فى بيوت الصلاة استعداد للمعمودية، عراة من وجه هذا الهجوم الوحشى، ولم يُسمَح لهن حتى بإرتداء ملابسهن حسبما تتطلب اللياقة النسائية. بل أُلقِىَّ الكثيرون منهن خارجا مجروحين، وإمتلأ جرن([60]) المعمودية بالدماء، واصطبغت المياه المقدسة باللون الأحمر من جراحاتهن. وحتى هذا لم يكن نهاية الرعب إذ دخل الجنود بعدئذ إلى الغرفة التى تُحفَظ فيها الأوانى المقدسة، وبعضهم لم يكن معمَّدا([61])، ونحن نعلم ذلك، واطّلع على كل ما فيها. وفى هذه الاضطرابات كان دم المسيح الأقدس([62]) يُسكَب على ملابس النساء اللواتى تحدثتُ عنهن. لقد كان ذلك بالضبط مثل غارة بربر صائدى البشر. وطُرِد الناس خارج البلد. وفر جميع العلمانيين من المدينة، رغم أنهم كانوا من [ الطبقة] العليا. وأُفرِغت الكنائس من شعبها، وطُرِد أكثر من أربعين أسقفا ممن فى شركة معنا، مع العلمانيين بلا سبب معقول. وكان صراخ وعويل ورثاء وأنهار من الدموع فى كل مكان: فى البيوت، والأسواق. فى الريف والمدن. ولم ينجُ مكان ما فى المدينة من هذه المصائب. فقد وصلت الافتراءات إلى حد لم يكن فيه الضحايا الفعليين فقط ، بل وأيضا حتى الذين لم يُعانوا مثلنا كانوا متعاطفين معنا بما فى ذلك ليس فقط شركاؤنا فى الإيمان بل أيضا الهراطقة واليهود واليونانيون([63]). فقد كان كل شىء فى حالة اضطراب وارتباك ورثاء كما لو كانت المدينة قد تم الاستيلاء عليها بقوة السلاح. وكل هذه الشرور قد حدثت ضد رغبة ملكنا الجزيل التقوى([64])، تحت جنح الظلام بتحريض من الاساقفة الذين كانوا لا يخجلون من أن تتقدمهم ثُلة منهم([65]) بدلا من الشمامسة. وعند طلوع النهار خرجت كل المدينة إلى خارج الأسوار واحتفلت بالعيد تحت الأشجار فى الغابات، وانتشروا كالأغنام فى الخارج. وإننى أدعكم تتخيلون ما قد تلى ذلك، أنه كما قلتُ من المستحيل أن نتكلم عن كل التفاصيل. ومما هو عسير على نحو خاص أننا لم نر حتى الآن نهاية لكل هذه السلسلة الطويلة من الأعمال الشريرة أو حتى احتمالٍ ما لذلك، بل على النقيض ينتشر الشر فى كل يوم وصرنا أضحوكة لكل أحدٍ([66]). على الرغم من أنه فى الحقيقة لم يضحك أحدُ حتى أقسى الجناة ضد القانون، إذ أن كل واحدٍ يرثى لهذا الشكل الجديد من الإنفلات الأمنى الذى هو ذروة الشرور ذاتها. من ذا الذى يمكنه أن يتكلم عن الاضطرابات داخل الكنائس. لقد امتدت إلى الشرق، ولم تنحصر فى القسطنطينية فقط. فعندما ينتاب الرأسَ شرٌ ما فإن كل الأطراف تفسد. وبنفس الطريقة، ما أن ابتدأ الشر فى هذه المدينة العظيمة حتى وجدت الفوضى طريقها إلى كل مكان، مثل مياه من نبع. فقد ثار الإكليروس فى كل مكان ضد الأساقفة. أما شعب الكنيسة العلمانيين، فقد إنشق بعضهم إلى فريقين، وآخرون من المحتمل أن يفعلوا ذلك. وفى كل مكان تجد مخاضا للشر وعدم استقرار للعالم كله.
وفى[ضوء] كل هذه الوقائع الموضوعة أمامكم يا سادتى المبجلين، نرجوكم بالحماس والشجاعة التى نتوقعها منكم أن تضبطوا هذا الفيضان من عدم الشرعية الذى غمر الكنائس. لأن هذه الإجراءات إن صارت سابقة، عندما يكون فى سلطان كل مَن يريد، أن يغزو الإيبارشيات الأخرى مهما كان بعدها عن ايبارشيته وأن يطرد مَن يشاء وأن يفرض سلطانه حسبما يريد([67])، فتأكدوا أن كل شىء سيجرى تبعا للخارج وسيشمل العالم كله حربا حقودة([68])، وسيطرد كل واحد جاره، ثم يُطرَد بدوره. ولكى ما تُمنَع هذه الفوضى العارمة فإننا نرجوكم أن تعلنوا كتابة أن هذه الإجراءات غير القانونية، والأعمال التى تمت فى غيابنا، واستماعهم لجانب واحد فقط، بينما لم نُثِر أىَّ إعتراض على محاكمة عادلة، هى جميعها لا أثر لها. (وهذا هو بالفعل من ذات طبيعتها ومحتواها). وأن يخضع أولئك المذنبون بهذه الأعمال غير الشرعية للعقاب كخارقين للقانون الكنسى. أما بالنسبة لنا الذين لم يُقبض علينا، ولم نُدَن، ولم يُظهَر أننا مذنبون فنرجوا أن ننال رضاؤكم وخدماتكم الطيبة المعتادة([69]) ومحبتكم ومعونتكم فى كل شىء دائما. ولكن إن كان ناقضو القانون الخطيرون يرغبون حتى الآن فى إثارة الإتهامات التى على أساسها قد طردونا بلا استحقاق، فلتُقدَّم لنا المستندات ودعاوى المدعين ضدنا ولنعتصم إلى محكمة غير متحيزة. ودعونا نتقاضى، ونقدِّم دفاعنا، ونُظهِر أننا بلا ذنب، كما نحن بالفعل كذلك، من كل إدعاء موجه ضدنا لأن كل اجراءاتهم تجاوز كل نظام وقانون وشريعة كنسية. فمثل هذه الاعتداءات لم تُعرَف قط حتى فى محاكم الوثنيين. فلم يحكم أبدا الاسكيثيون والسارماتيون فى قضية ما بناء على السماع لطرف واحد فقط، ولا فى غياب المدَّعَى عليه الذى لم يعترض على المحاكمة بل على الكراهية الشخصية([70])، وعندما طلب عددا من القضاة، وأظهر براءة نفسه وكان مستعدا لإظهار براءة نفسه أمام العالم كله من كل الاتهامات وأن يُظهِر نفسه بلا ذنب تماما.
فضعوا كل هذه النقاط فى اعتباركم من فضلكم، وتحققوا بإستفاضة من إخوتنا الأساقفة الموقرين، واتخذوا الخطوات التى ترونها. وعندما تقومون بذلك لن تقدموا خدمة لنا فقط، بل لرفاهية الكنائس بأسرها، وستنالون من الله الذى لا يكف عن عمل الخير للكنائس، الجزاء الواجب.
لقد أرسلتُ هذه الرسالة أيضا إلى فينريوس Venerius اسقف ميلان وإلى خروماتيوس Chromatius اسقف اكويليا Aquileia. وداعا فى الرب".
الفصل الثالث: [ امبراطور روما يتخذ إجراءَ]
وردا على هذه الرسالة، أرسل البابا اينوسنت المبارك رسالة رسمية([71]) إلى كلٍ من الأطراف يعلن فيها أنه فى شركة معهم جميعا، ولكنه فى نفس الوقت يُبطِل الحكم المفترض صدوره من ثيوفيلس ويُقرر وجوب عقد([72]) مجمع مقدس آخر يمكن أن تتوفر فيه الثقة التامة، من الاساقفة الشرقين والغربيين، على أن يمتنع عن الحضور كل من الأصدقاء والأعداء، حيث أن أيا من هذين الصنفين لا يمكن أن تتوفر فيه، كقاعدة عامة، عدم التحيز فى الحكم.
وبعد بضعة أيام، وصل أحد كهنة ثيوفيلس [ويُدعَى] بطرس ومعه شماس من القسطنطينية [اسمه] مارتيريوس وقدَّم رسائل من ثيوفيلس، مفترضا أنها محاضر دقيقة، يظهر فيها أن يوحنا قد أُدين من قِبل ستة وثلاثين أسقفا. تسعة وعشرون منهم من مصر، وسبعة من أماكن أخرى. وقرأ البابا اينوسنت هذه المحاضر، ووجد أن الإتهامات ليست خطيرة، وأيضا لم يكن يوحنا حاضرا بشخصه وقت الحُكم عليه. فكرر إدانته لغضب ثيوفيلس الجنونى وصدور مثل هذا التصرف الشرير منه وتسرعه فى الحُكم على إنسان غائب. وصرفهما برسائل أعرب فيها عن لومه له، ملتمسا من الله بصوم وصلاة أن يُرمم الشق فى وَحدة الكنيسة، وأن يُرسِّخ المحبة الأخوية. وكانت فحوى هذه الرسالة كما يلى:
"أيها الأخ ثيوفيلس، نحن نعترف بك وبالأخ يوحنا معا كشركاء لنا، حسبما عبَّرنا عن وجهة نظرنا هذه فى خطابنا السابق. والآن، وبدون أن نحيد عن سياستنا الثابته هذه، يمكننا أن نكتب مرة ثانية نفس الرسالة على الرغم من الرسائل الكثيرة التى ربما تكون قد أرسلتها لنا. وهى أنه ما لم يكن هناك حُكم سليم يؤكد هذه الإجراءات الصبيانية، فإنه من المستحيل بالنسبة لنا أن نقطع شركتنا مع يوحنا بدون سبب معين. فإن كنتَ متأكدا إذن من حُكمك، فلتأتِ إلى مجمع مقدس يلتأم حسبما رسم المسيح([73])، واعرض هناك اتهامك جهرا فى ظل قوانين نيقية([74])(لأن كنيسة روما لا تقبل أىَّ قانون آخر)، وبذلك تقف على أرض صلدة ضد كل مماحكة".
وعندما انقضى بعض الوقت، وصل قس من القسطنطينية اسمه ثيوتيكنوس Theotecnus وقدَّم رسائل من مجمع يوحنا، من خمسة وعشرين اسقفا أو أكثر بالحرى، يُعلِموننا فيها أن يوحنا قد طُرِد من المدينة([75]) بمساعدة القوات العسكرية، وأنه قد أُرسِل إلى المنفى فى كوكوسس Cucusus، وأن الكنيسة قد أُحرِقت. فأعطاه اينوسنت رسائل شركة([76]) موجهة إلى الأسقف يوحنا، وإلى الذين فى شركة معه ملتمسا منهم بدموع التحلى بالصبر، إذ لا يمكنه أن يساعدهم بسبب عمل عدائى لأشخاص قادرين على فِعل الخطأ. وعقب ذلك بوقت قصير وصل رسول ثانى قبيح المنظر، "مانيكان"، عسر الفهم، يُدعَى باترينوسPaternus ، وقال أنه قس بكنيسة القسطنطينية، وكان فى حالة غضب شديد، وأظهر عداوته بتصرفاته([77]). فبعدما غطى الاسقف يوحنا بالإساءات، قدَّم رسائل من حفنة من الاساقفة اكاكيوس وبولس وانتيوخس Antiochusوسيرينوس Cyrinus وسيفريانوس Severianus وبعض الآخرين يذكرون فيها تهمة باطلة ضد يوحنا بأنه أحرق الكنيسة. وبدت القصة لنا كذبا ملموسا، وذلك أن يوحنا لم يُقدِّم أى دفاع فى مجمع عام([78]) وعامله([79]) البابا اينوسنت بإزدراء ورأى أنه غير مستحق لرد.
(الأسقف) لُطفا، اصغِ إلىَّ كى ما أخبرك بالحقائق المضبوطة لأننى فى الحقيقة، كما يقول آليهو لأيوب، "روح باطنى تحصرنى"([80]) وهو يعنى "بالبطن" هنا أن ذهنه ممتلىء بالكلام.
(الشماس) يجب علىَّ أن أُصر على أن أُكمِل أولا ويكل بدقة روايتى عن كل ما قد حدث بيننا أيها الأب الفاضل. وعندئذ فقط يمكننى أن طرح اسئلتى لك.
حسنُ، بعد أيام قليلة وصل اسقف([81]) سيناداSynadi ولم يكن يحمل أي رسالة، ولكنه كان مؤهلا لتقديم سرد متناغم، وقال أنه قد غادر القسطنطينية نتيجة للتهديد الوارد فى المرسوم الملكى والذى ينص على أنه إذا لم يشترك أىُ شخص مع ثيوفيلس وارساكيوس وبروفيريوس([82]) فإنه سيُحرَم من ممارسة الخدمات الأسقفية. وعلاوة على ذلك، إذا ظهر أن له ممتلكات سواء نقود أو منقولات فإنها ستُصادر منه([83]). وجاء فى اعقاب كرياكوس، إليسيوس اسقف آباميا فى بثينية، الذى قدَّم رسائل من خمسة عشر اسقفا من اساقفة المجمع المقدس ليوحنا، وكذا من آنيسيوس Anysius الجليل اسقف تسالونيكى يصف فيها الخمسة عشر اسقفا عمليات النهب التى حدثت وتحدث فى القسطنطينية، وقد صرح آنيسيوس أنه ينتظر حُكم كنيسة روما. وقد اتفقت رواية اليسيوس مع رواية كرياكوس.
وبعد ذلك بشهر حضر بالاديوس اسقف هللينوبوليس Helenopolis بدون رسائل قائلا أنه هو أيضا قد فرَّ من بطش السلطات المدنية، وكان قادرا على إضافة نقطة لروايته إذ قدَّم نسخة من المرسوم الذى يحتوى على الأمر بمصادرة "منزل أى شخص يُخفِى فيه أو يستقبل تحت أى ذريعة من الذرائع اسقفا أو كاهنا يكون فى شركة مع يوحنا". وبعد بالاديوس حضر جرمانوس([84]) Germanus القس ومعه كاسيونوس([85])Cassianus الشماس، من حزب يوحنا وكلاهما رجلان حصيفان، وقدَّما رسائل من كل اكليروس يوحنا. لقد كتبوا أن كنيستهم قد تعرضَّت لعنف واستبداد، وأن اسقفهم قد طُرِد بمساعدة القوات العسكرية، وأُرسِل إلى المنفى بمؤامرة دبرها اكاكيوس[اسقف] بيرية([86]) Berea ، وثيوفيلس الأسكندري، وانتيوخوس من بتولمايس([87])Ptolemais وسفريانوس من جابالا([88]) Gabala. وقدموا أيضا مستندا يدل على أنه قد تم استدعاؤهم كشهود على العمل امام "الماجستيريت" المدعو ستوديوس Studius "بريفكت" المدينة، ويوتيخيانوس Eutychianus رئيس الحرس ويوحنا أمين صندوق المدينة، ويوستاثيوس رئيس الشرطة، وحافظ السجلات والأشياء الثمينة من الذهب والفضة والملابس بزعم تبرئة الاسقف يوحنا من الاتهامات الموجهة إليه([89]). وبعد هؤلاء حضر ديمتريوس اسقف بسينيم Pisinum للمرة الثانية، بعد رحلة طويلة عبر الشرق، وأعلن أن كنيسة روما كانت فى شركة مع الأسقف يوحنا، كما هو ظاهر من رسائل البابا اينوسنت، وأحضر رسائل من اساقفة كاريا Caria التى يُعلنون فيها تمسكهم بالشركة مع يوحنا، وكذا من أساقفة انطاكيا، يناشدون فيها كنيسة روما المُحِبة للنظام، وينوحون على سيامة بروفيريوس بطريقة غير شرعية وآثمة. وآخر الكل حضر دومتيان القس أمين([90]) كنيسة القسطنطينية، وقس من نصيبين [اسمه] فلاجاس Vallagas الذى روى المتاعب التى لاقتها أديرة بلاد ما بين النهرين، وقدَّم مذكرة من شخص [يُدعَى] أوبتاتوس([91]) البريفكت، توضح أن نساءً محترمات من الطبقة العليا شماسات بكنيسة القسطنطينية، قد أُستُدعين جهرا للمثول أمامه وأجبرهن على إما الإشتراك مع ارسكيوس، وإما دفع مائتى جنيها من الذهب غرامة للخزانة. أما عن معاملة المتوحدين والعذارى فلا اجرؤ على الحديث، إذ يكفى فقط الإشارة إلى تمشيط الضلوع بالراك وتشويه الآذان.
ولم يستطع البابا اينوسنت أن يكبح جماح نفسه فيما بعد، فأرسل رسالة إلى الملك الورع هونوريوس([92]) يسرد فيها بالتفصيل النقاط الرئيسية الواردة فى الرسائل. فتأثر معاليه بشدة من هذا البيان، وأمر بإلتئام مجمع مقدس من الأساقفة الغربيين على أن يكون قراره بالإجماع ثم يرسله إليه. وبناء على ذلك اجتمع اساقفة ايطاليا، وإلتمسوا من الملك أن يكتب إلى أخيه وشريكه فى الحُكم أركاديوس ليأمر بعقد مجمع مقدس فى تسالونيكا. فهذا سيمكن اساقفة كلا من الشرق والغرب على الاجتماع بدون صعوبة وبكل آمان، ويمكن ضمان صدور قرار لا جدال فيه من شخصيات جيدة أكثر من العدد. وقد تأثر معاليه بشدة بهذه الرسالة، لدرجة أنه كتب إلى أسقف روما أن يُرسِل خمسة اساقفة وكاهنين وشماس من روما لينقلوا رسالته إلى أخيه. وكانت فحوى هذه الرسالة كما يلى: "هذه هى المرة الثالثة التى أكتب إليك فيها ملتمسا منكم اتخاذ التدابير لإنصاف يوحنا اسقف القسطنطينية فيما يتعلق بالمؤامرة التى حيكت ضده، وحتى الآن لم يتم عمل أى شىء كما يظهر. ولذلك أخاطبكم مرة أخرى على يد الاساقفة والكهنة بإنشغالى بسلام الكنيسة الذى يرتكز عليه سلام مملكتكم، وأحثكم على التفضل بالأمر بإجتماع الاساقفة فى تسالونيكى. وأود أن أضيف أن اساقفتنا فى الغرب قد اختاروا مبعوثين فوق مستوى أى خبث أو خداع، وهم خمسة اساقفة واثنين من الكهنة وشماس من عظماء كنيسة روما. فلتتفضل وتوليهم كل شرف جديرين به، لكى إما يقتنعوا بأن يوحنا قد طُرِد بعدلٍ ويخطروننى بقطع الشركة معه، وإما أن يتحققوا من أن اساقفة الشرق قد تأثروا عن عمد بالخبث فيحثوك على قطع الشركة معهم. ولكى ما أوضح لك فكر الغربيين بشأن يوحنا الاسقف فإننى أرفق لك هنا رسالتين من الرسائل العديدة التى بعثوها إلىَّ، وهما بذات مضمون الأخريات. وهما رسالتىَّ روما وأكويليا. ولكن ما أسعى إليه على وجه الخصوص من معاليكم، هو أن تطلب حضور ثيوفيلس الأسكندري، ولو رغما عنه الذى يُزعَم أنه هو السبب الرئيسى لكل هذه المتاعب، حتى ما يتمكن الاساقفة المجتمعون فى المجمع من البت بلا عائق فى تسوية سلمية يتطلبها عصرنا".
الفصل الرابع: [ الاسقف يبدأ روايته]
وهكذا حمَل الاساقفة القديسون: اميليوس Aemiliusمن بنفنتوم Beneventum، وسيثجيوس Cythegius وجودانتيوس Gaudentius مع القسوس فالنتنيانوس وبونيفاكيوس وآخرين رسائل اينوسنت والاساقفة الايطاليين خروماتيوس الأكويللي وفينريوس Venerius من ميلان والآخرين، ومذكرة من مجمع كل الغرب، وتوجهوا إلى القسطنطينية، على نفقة الدولة([93])، مصحوبين بالأساقفة كرياكوس وديميتريوس وبالاديوس وايليسيوس. وكانت المذكرة تفيد بأنه لا ينبغى الحُكم على يوحنا حتى يُعاد إلى كنيسته وتُرَد له حقوق الشركة، لكى ما يأخذ موضعه فى المجمع المقدس بمحض إرادته الحرة، دون أى عذر لتجاهل الإستدعاء.
ووصلوا بسلام إلى القسطنطينية، ولكنهم عادوا بعد أربعة شهور، وقدَّموا تقريرا بالإجراءات([94]) التى تُذكِّرنا بظلم البابليين، إذ قالوا "وصلنا إلى أثينا حيث اعتقلنا ضابط ما بائس، ووضعنا فى الحال تحت حراسة قائد مائة ومنعنا من التوجه إلى تسالونيكا، حيث كان من المفترض([95]) بدء مهمتهم بتقديم الرسائل إلى الاسقف آنيسيوس. واستطردوا فى روايتهم "وهكذا، وضعنا فى سفينتين وأطلقنا. وهبت علينا عاصفة عنيفة من الجنوب، وصرنا ثلاثة أيام بلا طعام، عابرين بحر ومضايق ايجة. وفى الساعة الثانية عشر من اليوم الثالث رسونا أمام المدينة، بالقرب من ضاحية فيكتور. وهنا قبض علينا سادة الميناء، وأُقتُدنا حسب أوامرهم التى لا نعرفها إلى مشارف المدينة([96])، وحوصرنا فى قلعة بتراقيا تُدعَى أثيرا Athyra بالقرب من البحر[ وتعرضنا] لتعذيب شديد([97]). فالوفد الرومانى كله[وُضِع] فى غرفة صغيرة واحدة، بدون حتى عبد يخدمنا. وكرياكوس ورفقاؤه فى أخرى. وطُلِب منا[تسليم] الرسائل ولكننا رفضنا الاستسلام لهم مصرين على أنه من المستحيل لنا كمندوبين تسليم رسائل الملك والأساقفة إلى شخص آخر خلاف الملك نفسه. وإذ ثابرنا على رفضنا، زارنا أولا باتريكيوس كاتب العدل، ثم آخرون مختلفون، وآخر الكل قائد فرقة يُدعَى فالريانوس الكبادوكى، الذى كسر أصبع الأسقف ماريانوس وانتزع رسالة الملك المختومة مع الرسائل الأخرى. وفى اليوم التالى أُرسِل إلينا رسلا، لا نعرف[ما إذا كانوا] من قِبل أفراد فى البلاط الملكى أم من قِبل آتيكوس الذى ورد تقرير عنه أنه قد اغتصب كرسى الكنيسة([98])، وعرضوا علينا ثلاثة آلاف قطعة من النقود([99]) وحثونا على قبول الشركة مع آتيكوس وعدم إثارة قضية يوحنا. فرفضنا العرض، واستمرينا فى الرجاء أنه إذا لم يكن من الممكن القيام بشىء من أجل السلام، فلا أقل من العودة بآمان إلى كنائسنا. هكذا كانت الشراسة التى لاحظناها فى نفوسهم. إذ أظهر لهم المخلِّص[ذلك] بوضوح بإلهامات متنوعة. فبولس شماس القديس ايميليوس، وهو رجل لطيف جدا وعاقل بينما كان على متن السفينة رأى، فى رؤيا، بولس الرسول يقول له "احترسوا فى مسيرتكم، ولا تكونوا كحمقى، بل كعقلاء. عالمين أن الأيام شريرة"([100]). وكان الحلم تحذيرا ضد كل المحاولات غير الأخلاقية الرامية إلى إغوائنا بالرشاوى والمداهنة لتحريف الحق. وقال الراوى، وجاء الكابتن فاليريانوس مرة أخرى، ووضعنا على متن سفينة سيئة للغاية، فى حراسة عشرين جنديا ذوى رتب مختلفة بعد رشوة الربان لكى ما يتخلص من المسافرين([101])، حسبما أُشيع، وحُمِلنا من أثيرا فى التو. وهكذا سافرنا مسافة طويلة، وكنا على وشك فقدان حياتنا، إلى أن رسونا فى لامباسكوس([102])Lampsacus . وهناك نُقِلنا إلى سفينة أخرى، وجئنا فى اليوم العشرين إلى هيدرون([103]) Hydrunفى كالابريا Calabria. أما بالنسبة للأسقف يوحنا المبارك، أو أين كان الاساقفة ديمتريوس وكرياكوس وايليسيوس وبالاديوس الذين رافقوا اساقفتنا فى مهمتهم، فإنهم لم يستطيعوا إخبارنا بشىء".
(الأسقف) والآن وقد قلتَ ما قلتَ، اعطنى انتباهك ياسيدى الموقر، واصغِ إلى ما أقوله لك، فإننى سأعرفك بالاضطرابات العامة نقطة فنقطة، تلك الجديرة بمصاحبة ساتيروس([104]) التى اتسمت بالمأساة كلها، والمصادر التى نشأ منها هذا الهذيان، والنقطة التى كان من المتوقع أن يقف عندها أعداؤنا ولكنهم لم يتوقفوا. إن منبع وبداية كل هذه المتاعب حسبما اعتقد يمكن أن يُقال أنه الشيطان الذى يكره [دوما] الخير والذى يُقاوم القطيع العاقل([105]) [الذى] للمسيح ويضايق بلا شفقة الرعاة ذوى الخبرة بأنواع شتى من العذابات، تماما مثلما كان ملك مصر يُعامِل الأطفال الذكور من اليهود، ويغوى المحتالين من الرعاة الكذبة ويخدعهم بالمتع الدنيوية. أما القنوات التى كانت تنقل هذا التدفق الكريه فهى، كما يعلم العالم كله، أكاكيوس([106]) وانتيوخس([107]) وثيوفيلس، وسيفريانوس([108]) الذين دُعِيوا بما هم ليسوا عليه([109])، وبعض الرتب الإكليريكية: كاهنين وخمسة شمامسة، بعضهم تجمعوا من النجاسة، وبعضهم عن خبث، فلستُ أعرف إن كان يُمكن للمرء أن يدعو بأمانة أمثال هؤلاء الأشخاص كهنة أو شمامسة. ثم هناك إثنان أو على الأكثر ثلاثة من البلاط الملكى الذين دعموا حزب ثيوفيلس وساندوهم بقوات عسكرية. وإلى جانب هؤلاء ثلاثة نساء معروفين جيدا، آرامل وثريات يمتلكن مالا جمعوه من الإبتزاز لفقدان خلاصهم وهن ثالبات لأزواجهن ومعكرات للسلام([110]). هؤلاء الثلاث نسوة هن: مارسا زوجة بروموتس Promotus، وكاستريثيا Castricia زوجة ساتورنينوس، وأوجرافيا Eugraphia المهووسة للغاية([111]). ومن العار جدا أن أتكلم أكثر. هؤلاء هم الرجال والنساء الذين تطفلوا فى مواضيع الإيمان والذين شكلوا من أنفسهم نوعا من فوج مخمور واتحدوا فى كراهية التعليم المسيحى ونظموا طوفانا من التدمير ضد سلام الكنيسة.
(الشماس) فهمتُ يا أبى. والآن أودُ أن تخبرنا من فضلك كما فى حضرة الله، لماذا كرهوا الاسقف يوحنا، وعلى أى اساس استمر فى إغاظة مثل هؤلاء الناس الرفيعى المستوى. ودعنا نعرف أين بدأ حياته المهنية، وكيف وصل إلى عرش اسقفية القسطنطينية، وما هى المدة التى شغل فيها هذه الوظيفة، وما هى شخصيته، وكيف توفىَّ إن كان ذلك صحيحا حسبما نسمع أنه قد رقد([112]). ففى الحقيقة الرجل يحظى بإحترام عالمى، وذِكرى شريفة. ولكننى ما زالتُ على قاعدتى فى عدم تصديق الإشاعات على عجلٍ، إلى أن يتم التأكد من صحتها مِن قِبل أولئك الذين لديهم معرفة كافية لإضفاء الثناء أو اللوم.
(الأسقف) إننى أثنى على تدقيقك يا رجل الله المحب للحق ثيودورس، ولكننى لا اوافق على التمييز الخاص بك، فقد كان ينبغى أن تكون مقتنعا(معذرة ملاحظة شخصية) من منظر شعر رأسى الأبيض([113])، ومن الوظيفة التى أشغلها، وكنتَ قد سلَّمتَ بالحق الذى وضعته أمامك، ولكن حيث أنك لم تفعل ذلك، ولكنك استشهدت للمرة الثانية بالله أن يكون قاضيا لى، فأعدنى بسماع غير متحيز على الأقل من الآن، ودعنى أهتف بأناشيدى بلا غرض. فإننى أعرف ما هو مكتوب فى الشريعة الإلهية "سيُهلك الرب جميع المتكلمين بالكذب"([114]). وعند يوحنا الرسول "الذى يكذب ليس من الله"([115]). وأيضا فى [مزامير] داوود "فليكف فم المتكلمين بالكذب"([116]). فصحيح أن الكاذب يضر الإنسان الذى يصدقه، ولكنه من الصحيح أيضا أن ذاك الذى يُصدقه يُخطىء ضد الكذاب، وذلك بإستعداده للثقة فيه. فكلاهما مذنبان على حد سواء، فعلى كلٌ منا ألاَّ يُخطِىء نحو جاره. إنها فضيلة للمتكلم أن يتكلم بالحق، وفضيلة للسامع أن يفحص الأقوال الآثمة، لأن الكتاب المقدس يقول "تأكدوا من الصيارفة"([117]) وارفضوا القطع النقدية الزائفة عن القطع النقدية الأصيلة. فعلينا ألا نقبل كل ما نسمعه لمجرد أنه يبدو صحيحا([118]) بل نزنه بشهادة الوقائع، سواء أكانت منطوقة أو مكتوبة، بضمير جيد وخوف من الله. فما أعظم الخطر الناجم من اللسان والأذنين. وهذا هو السبب الذى جعل الله الصانع الصالح، اللسانَ محروسا بشفتين، وخلفهما الأسنان كدفاع آمن ليُلطّف من نشاطه، فكما هو مكتوب " ضع يارب حارسا لفمى وبابا حصينا لشفتى لكى لا أُخطىء بلسانى"([119]) إذ هو قناة للأذنين على شكل حلزونى. إن دلالة هذا التشبيه هى أن الكلمات لا تدخل سريعا نظرا للوقت الذى تستغرقه. وهذا يكفى لفرز الحق من الباطل، والخَبث الكريه الذى ترك آثاره على الفوهة([120]). ولم تكن هذه فقط هى الأعضاء الذى وهبها الله عنايته، كما لو كانت الوحيدة التى تبدو كشِباك، فإننا نجده قد وضع ستارة على العينين كستائر النافذة لكى ما يحفظها من الإعجاب بالفجور الذى يشهد النبى عنه بالكلمات "صعد الموتُ إلى الأبواب"([121]).
س(الشماس) لو كان بحثك أيها الأب القديس يتناول موضوعات عادية، فإن مظهرك يمكن أن يكون كافيا لضمان صدق روايتك، ولكن لما كنا بصدد البحث عن الحقيقة فى مسألة تنطوى على لوم ليس بالقليل فى هذا العالم وعلى دينونة فى [العالم] الآتى، عندما يجتمع الحكام والشعوب على حد سواء أمام العرش المخوف([122])، فإننى لا اقبل، معذرة ياسيدى، شعرك الأبيض كبرهان. فإن أشرارًا كثيرين قد بلغوا سن الشيخوخة دون أن يُبيّضوا نفوسهم بالفضيلة، ولكن أجسادهم قد تجعدت بإنقضاء الزمن كمثل كهنة بابل الزائفين، وكمثل إفرايم فى أرميا([123]) الذى يؤنبه الرب قائلا "افرايم حمامة رعناء بلا قلب. ازدهر بالشيب وهو نفسه لا يعلم "([124]) وأيضا بأكثر شدة " صار افرايم خبز ملة لم يُقلَّب، وإلتهم الغرباء ثروته"([125]). ويمكننى أن أضيف مع خطر التعرض للإسهاب مَن هو ذاك الأكثر بياضا أو أكثر إعجابا به عن أكاكيوس الذى من بيرية Berea الذى تتهمه أنتَ وأصدقاؤك بأنه زعيم العصاة، وقائد الثوار فى سوء السلوك ؟. ومع ذلك كانت خياشيمه تكتظ بوفرة من الشعر الأبيض الطويل، عندما زار روما ليحضر الإعلان الرسمى بسيامة([126]) يوحنا.
(الاسقف) الآن، أعلمُ على وجه اليقين، أنك صارف يُوثق به. فإنك غير مقتنع بهيئة سطح الجلد بل تصّر على المعرفة الكاملة للإنسان الذى فى داخله. فنحن نعرف أن معابد المصريين([127]) كبيرة جدا، وعظيمة البناء ولها أحجار رائعة، ولكن فى داخلها([128]) ثعابين وقرود وكلاب يعتبرونها معبودات، بينما ربنا وإلهنا لكى ما يُعلِم صموئيل بمشيئته فى تعيين حاكم لإسرائيل أمره ألاَّ ينظر إلى هيئة وحالة الجسم المصنوع من الطين، قائلا "الله لا يرى كما يرى الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى الهيئة، أما الله فينظر إلى القلب"([129]) ومن ثم أولئك الذين يتبعون مثال الله([130]) فى كل شىء يبحثون عما يكمن تحت السطح. لذلك أثق بك بكل سرور، إذ وجدتُ ميزانك خالٍ من التحيز. فهذان البابليان اللذان كانا شيخين بالجسد ولكن اطفالا فى عقولهم الفظة، لو كانا قد آمنا بقيامة الأموات([131]) لكانا قد تحصنا بالحكمة قبل السقوط فى حب سوسنة([132]) زوجة رجل آخر, وعلاوة على ذلك لو كانا قد امتلكا مخافة الله لما اختلقا الإتهامات الباطلة المتشابكة بفجورهم. إن سوء استخدام الشباب لهو دليل أكيد على عار الشيخوخة([133]).
الفصل الخامس: [ مهنة فم الذهب]
يوحنا هذا (أجل لقد رقد)، كان حسب المولد رجلا أنطاكيا، ابنا لوالدين شريفين. كان والده([134]) يشغل وظيفة قائد عسكرى فى سوريا. وكانت له شقيقة فقط أكبر سنا منه. وكان موهوبا بهبات غير عادية، وتعلَّم بعناية الحروف([135]) لخدمة أقوال([136]) الله. وفى عمر الثامنة عشر، وهو بعد صبى، ثار ضد اساتذة[علم] الكلام([137])، وكان رجلا فى ذهنه، وكان يُسّرُ بالأقوال الإلهية. وفى ذلك الوقت كان ميليتيوس المعترف الأرمنى الجنس، هو الذى يُدير كنيسة انطاكية. فلاحظ الفتى المُشرِق، وجذبته شخصيته الجميلة بشدة لدرجة أنه سمح له بالبقاء دوما فى معيته، إذ سبقت عيناه النبويتان ورأت مستقبله. واقتبل سر غسل التجديد([138]). وبعد ثلاث سنوات من ملازمة([139]) الاسقف جُعِل قارئا([140]).
ولكن لما كان ضميره غير راضٍ بالعمل فى المدينة إذ كان الشباب ما زال حاميا فى داخله على الرغم من سلامة عقله، اعتزل فى الجبال المجاورة([141]). وهناك تعرَّف على شيخ يُدعى سيروس Syrus ([142]) كان يعيش فى تهذب ذاتى، فعزم على مشاركته فى هذه الحياة القاسية. فقضى معه اربع سنوات مصارعا مع صخور الشهوات. وعندما وجد أنه من اليسير السيطرة عليها بالعقل أكثر من الكد([143])، اعتزل فى كهف بمفرده فى اشتياق إلى أن يُخفى ذاته عن العالم، وهناك قضى اربعة وعشرين شهرا، حرم نفسه من النوم فى الشطر الأكبر منها، بينما درس عهدَىّ المسيح([144]) على النحو الذى يبدد الجهل. وانقضى عامان بدون الرقاد ليلا أو نهارا، حتى ضعفت أعضاؤه الحيوية، وتأثرت وظائف كليتيه من البرد ([145])، وإذ لم يستطع أن يُطبب نفسه، عاد إلى ميناء الكنيسة. وهنا نرى عناية المخلص فى سحبه بواسطة علته من كد النسك لصالح الكنيسة، وكيف يلزمه بهذه العقبة من اعتلال الصحة على ترك [حياة] الكهوف([146]). وبعد خدمة للمذبح لمدة خمس سنوات، سيم شماسا([147]) بيد ميليتيوس. وفى ذلك الوقت، كانت قدراته الرائعة كمُعلّم قد صارت مشهورة. ووجد الناس فى أحاديثه مرطبات حلوة لمرارة الحياة. لذلك رسمه الاسقف فلافيانوس قسا. فظل لمدة اثنتى عشر سنة نورا ساطعا فى كنيسة انطاكية، قارنًا كرامة الكهنوت بصرامة حياته. مملحا للبعض بالرصانة، ومنيرا للبعض بتعليمه، ومنعشا للبعض بنفحات الروح. وهكذا أبحر الجميع بآمان تحت قيادة المسيح. وعندما رقد المبارك نكتاريوس([148]) اسقف كنيسة القسطنطينية، اندفع على الفور حشد من الناس الذين لم يُدعَونَ للحصول على هذا المركز السامى. رجال ليسوا رجالا، وكهنة بالإسم غير جديرين بالكهنوت. وطَرق بعضهم على ابواب المسؤولين، وقدَّم آخرون الرشاوى، وزحف آخرون على ركبهم للجماهير. وانزعح العلمانيون الأرثوذكس جدا، وإلتمسوا من الملك كاهنا مختبرا. وكان الرجل الأكثر تأثيرا فى هذه الأمور هو يوتروبيوس Eutropiusالخصى([149]) رئيس خصيان المخادع الملكية، فقد كانت رغبته أن يكون يوحنا هو المسؤول عن المدينة، إذ اكتسب بعض المعرفة عن شخصيته السامية، عندما قام ببعض الأعمال الخاصة بالملك فى الشرق ذات مرة. ولذا أشار على الملك أن يُرسِل تعليمات إلى حاكم([150]) أنطاكية ليُرسِل يوحنا بهدوء من المدينة بدون إزعاج للكنيسة. وما أن تلقى الحاكم هذه الرسالة، حتى استدعاه على الفور للحضور بنفسه إلى مزار الشهيد([151]) الذى خارج المدينة بالقرب من البوابة المعروفة بإسم رومانيسيا Romanesia. وهناك وضعه فى مركبة عامة وعهد به لعناية الخصى الذى أرسله يوتروبيوس، وحراسة الماجستيريت. وهكذا وصل إلى القسطنطينية، وسيم اسقفا على كنيسة تلك المدينة([152]).
والآن، إذ لاحظ([153]) ثيوفيلس اسقف الأسكندرية، احتماله([154]) وصراحة كلامه التى بلا لوم ، كان مُعارِضا منذ البداية بشدة لرسامته([155]). إذ كان ثيوفيلس ماهرا جدا فى الحكم على الوجوه والإرادة والذهن، لأى إنسان ليس من السهل معرفته([156]).
(الشماس) لحظة واحدة يا أبى فلابد أن أثير اعتراضا طفيفا هنا. (الاسقف) ماهى الصعوبة لديك؟. (الشماس) إذا كان لثيوفيلس مثل هذه النظرة الحادة، فكيف لم يكن واعيا أنه إن طرد يوحنا من كرسيه، فإنه سيُزعج العالم كله؟. (الاسقف) ليس هناك عجب فى ذلك، يا سيدى العزيز، فحتى الشياطين يعترفون بمجىء المخلّص، ولكنهم لا يعوون أنهم سيصيرون بلا قوة بمجرد نفَس يخرج من أحد أولئك الذين آمنوا. (الشماس) وأين نجد أنهم يعرفون حضور المخلّص؟. (الاسقف) عندما صرخوا "نحن نعلم مَن أنت. قدوس الله، لماذا جئتَ لتعذبنا قبل الوقت؟".([157]). ها أنت ترى أنه لا يعرفون حتى ذلك الحين أنه ليس فقط قدوس، بل وأيضا ديَّان. ولكن بصرف النظر عن الشياطين، العاهرات البائسات تعرفن الرجال الضابطين للنفس من عيونهم، فتتجنبهم مثلما تتجنب العيون المريضة ضوء الشمس، وكما يتجنب النسر الروائح الحلوة. فكيف إذن تكون "التقوى رجس للفاسقين"، إن لم يتمكنوا من التعرّف عليها؟. هكذا كان ثيوفيلس، إذ لم يجد شيئا فى وجه يوحنا يتناسب مع عينه الخاصة، أو مع ما يود أن يجده فيه، صب عليه عداوته، من باب التخمين غير المتعمّد.
(الشماس) أنت تُدهشنى يا أبى، ولكن لماذا عارض سيامته؟.
(الأسقف) لقد كانت سياسته دائما، هى عدم سيامة العقلاء والصالحين، إلا عن طريق السهو، إذ رغب أن يكونوا جميعا أشخاصا ضعاف العقول ليُصغوا إلى حكمه الفطن. وعلى الرغم من ذلك، كان عليه، برضائه أو بدون رضائه أن يخضع للعناية المخلِّصة. وهكذا سيم يوحنا، وانهمك فى إدارة الأمور. فإهتم أولا برعيته عن طريق العزف على مزمار العقل، ولكنه فى بعض الأحيان كان يستخدم أيضا عصا التقويم([158]). وشنَّ هجوما حادا على أسلوب الحياة المسمىَّ "بالحياة الأخوية" المبيَّض من الخارج([159])، ودعاها بإسمها الصحيح "الحياة الشريرة"، فى إشارة إلى النسوة المعروفين "بالمُستقبِلات" ([160]). وأوضح أنها أشر من حراس بيوت الدعارة، إن كان هناك خيار بين الشرور. لأنهم يعيشون بعيدا عن الاشراف الطبى، ويحتفظون بالمرض فى أنفسهم لأولئك الذين يرغبون فى ذلك. فبينما يعيش "الإخوة" داخل ورشة عمل الخلاص، يدعون الأصحاء إلى المجىء للإصابة بالمرض. فسبَّب ذلك سخطا كبيرا لأولئك الإكليروس الذين كانوا بدون محبة لله، وملتهبين بنار العاطفة. وكان الإجراء التالى ضد الظلم والبخل الذى هو عاصمة الشرور، ليُشيّد مسكنا للبر. فهذه هى سِمة الحكمة لمُعلِّمى البناء، هدم المساكن الباطلة أولا ثم وضع اساسات الحق، كما قيل فى النبى "لقد أقمتك على شعوب وممالك، لتقلع وتغرس، لتهدم وتبنى"([161]). التعبير الأول يشير إلى عمله كفلاح، والثانى يُشير إليه كبنّاء. ثم أزعج عبدة المَحَافظ، وقوَّم نمط حياتهم، وحثهم على القناعة بدخولهم الخاصة، وعلى ألاَّ يلهثوا وراء رائحة الثروة. إن متابعة الدخان مثل حاملى الشعلة، يعنى تسليم ذواتهم لنيران الترخيص[بذلك] وهذه هى نتيجة حياة المتملقين والطفيليين. وعندئذ انطلق الكثيرون من النهمين من جحورهم، وقدَّموا اتهامات باطلة. وشاركهم فى ذات المصير ذوى الخِصال الحادة. ثم فحص السجلات المالية للكنيسة، فوجد نفقات لا فائدة منها للكنيسة، فأمر بوقف هذه الهبات. وأدى ذلك إلى [تناول] مسألة مالية أخرى، وهى نفقات الاساقفة فوجدها بذخا غير عادى. فأمر بتحويل مبالغ كبيرة لإنفاقها على المستشفيات([162]). ولما كانت الحاجة إلى العلاج كبيرة جدا، أمر بتشييد المستشفيات، وعيَّن لها إثنين من الكهنة الأتقياء، وأطباء مهرة، وعمالا طيبين من بين المكرسين لمساعدتهم، حتى متى جاء غريب إلى المدينة، وانطرح فى مرض يمكنه أن يجد الرعاية الطبية. ومثل هذا العمل لم يكن صالحا فى ذاته، بل كان أيضا لمجد المخلِّص([163]). ثم استدعى العضوات اللواتى على رتبة الأرامل([164])، وأجرى فحصا لحالات سوء السلوك. فوجد بعضهن مولعين للغاية بالأمور الجسدانية، فنصحهن إما بممارسة الصوم والإحجام عن[إرتياد] الحمَّامات([165])، وعن المغالاة فى الملابس، وإما القيام بزواج ثانى لأن شريعة الرب لا ينبغى أن يُساء سمعتها. ثم شجع الشعب على المشاركة فى الصلوات الليلية([166]) التى تُقام اثناء الليل([167]) إذ لم يكن لدى الرجال وقت أثناء النهار، بينما كان على زوجاتهم البقاء فى البيت وتلاوة صلواتهم نهارا. كل ذلك ضايق الإكليروس الأقل جدية الذين اعتادوا النوم طوال الليل. ثم استل سيف التقويم ضد الأغنياء، طاعنا خرَّاجات نفوسهم، ومُعلِّما إياهم اللطف تجاه الآخرين. ولقد انتهج فى ذلك نهج الوصية الرسولية لتيموثاوس "اوص الأغنياء فى هذا الدهر ألا يستكبروا وأن لا يثقوا فى ثروات غير يقينية"([168]). ونتيجة لهذه الإصلاحات أثمرت الكنيسة يوميا زهورا أكثر وفرة وتغيرت لهجة([169]) المدينة كلها إلى التقوى، وابتهج الناس بترنيم المزامير والإعتدال. ولكن الشيطان الذى يكره كل خير لم يكن ليسمح لأولئك الذين كانوا تحت سلطانه أن يلهجوا بكلام الرب بواسطة تعليم يوحنا، إلى حد أن رواد ميادين سباق الخيل والمسارح قد هجروا بلاط الشياطين، وهرعوا إلى حظيرة([170]) المخلِّص. من فرط محبتهم لمزمار الراعى الذى يُحب قطيعه.
الفصل السادس: بداية المتاعب
ونتيجة لذلك استولى الحسد على عقول الرعاة الأُجراء الذين كانوا ضمنيا مُدانين. ولما كانوا لا يستطعيون الحصول على افضل منه إذ لم يطلبوا المخلّص مهلك الحسد، نشروا افتراءات متنوعة ضد يوحنا، وجعلوا بعض عظاته تلميحات ضد الملكة والبلاط الملكى([171]). والآن، حدث أن أكاكيوس اسقف بيرية قد قام فى هذا الوقت بزيارة له. ووفقا لكلامه الخاص، لم يوّفر له محل إقامة لائق. فإستاء جدا من هذا، واستشاط سخطا مما اعتبره إهانة له من يوحنا. وإذ كان غير قادرٍ على ضبط مشاعره، انغمس فى نكتة حمقاء "من فضلة قلبه"([172]) تلائم عقله الكبير([173])، وقال فى حضور بعض اكليروس يوحنا "إننى سأتبِّل له الوعاء". وعلى الفور، ضم إلى صفه سيفريانوس وانتيوخوس واسحق سيرسكوس Syriscus [وهو] زعيم الرهبان الدجالين([174])، ووغد غرار قضى كل وقته فى الإساءة للأساقفة. هؤلاء الوجهاء بحثوا عن أسلحة([175]) ضد يوحنا، ولكنها كانت فى الحقيقة ضد المخلّص. فأرسلوا أولا إلى انطاكية محاولين العثور على أية جرائم شبابية له. ولكن عندما فشلت مساعيهم ولم يجدوا شيئا، ارسلوا رسلا إلى الأسكندرية، إلى ثيوفيلس المجرَّد من المبادىء والمعروف "بديك الريح"([176])، وهو ماهر جدا فى اختلاق مثل هذه الأشياء.([177]) ففتح فى الحال دفاتر عقله بسائر[حِيل] تلصص اللص، وشرع فى العثور على أية ذريعة أيا كانت لإتخاذ موقف.
(الشماس) فلتًوقف سيل كلامك[لحظة] يا أبى قبل أن أنسى ما ورد على ذهنى ودعنى أقول لك أن تهمة قد وصلت إلينا من الأسكندرية، وحازت قبولا على نطاق واسع. وهى أن يوحنا قد قبِل فى الشركة بعض الإكليريكيين الذين حرمهم ثيوفيلس. فضايق هذا العمل غير الصائب ثيوفيلس. وبناء عليه صار فى عدم وفاق مع يوحنا، وشرع فى العمل ضده.
(الاسقف) كونها صارت رواية على نطاق عام، فهذا صحيح، [ولكن] هل يعالج اسقف الشرَّ بالشر؟. وماذا إذن عن قول الإنجيل "لا تدع الشمس تغرب على غيظك"([178])؟ أو كلام الرسول "اغلب الشرَّ بالخير"([179]) أو قول النبى "إن جازيتُ مَن صنعوا شرا معى بشر"([180]). فبكل تأكيد كان الأمرُ سيكون أكثر نبلا له فى معاملته مع الاساقفة الأتقياء، أن يقول أيها الأخ يوحنا لقد فعلتَ سهوا هذا أو ذلك، وكان يوحنا سيكون قادرا على الدفاع عن نفسه بأنه لا يعلم شيئا عن هذه المسألة([181]).
(الشماس) هذا صحيح شريطة كون إرادته خيّرة، وأنه لم يكن متهما بإنحيازه لهؤلاء الإكليريكيين لكى ما يُشبع عداءه الخاص.
(الاسقف) إذن بخوف من الله الذى يسود على سائر المخاوف، أقسم أننى لن اتكلم بكلمة لا تتفق مع الواقع فيما يتعلق بهؤلاء الإكليريكيين الذين تتحدث عنهم. كان هناك شخص[ يُدعَى] ايسيذورس([182])، وهو أحد الكهنة الذين رسمهم المبارك اثناسيوس العظيم، وهو لا يزال على قيد الحياة، وفى الثمانين من عمره([183]) ومعظم شعب روما يعرفه حيث زار المدينة لأعمال كنسية. وهو مشرف([184]) بيت ضيافة كنيسة الأسكندرية. وأنت نفسك تعرفه عندما جاء مع أكاكيوس لينقل إعلان تثبيت الشركة([185]) بين فلافيان وثيوفيلس ([186]) بعد انقطاع دام عشرين سنة بسبب المبارك ايفاجريوس ([187]) الذى حارب حروبا كثيرة من أجل خير الكنيسة، من خلال أتعابه. [وحدث] أن أرملة أحد عظماء المدينة قد أعطت ايسيذورس ألف قطعة من الذهب([188]) وألزمته بقسَم أمام مائدة المخلّص([189]) بشراء ملابس للنسوة الفقيرات بالأسكندرية. ولم يُطلِع ثيوفيلس بذلك خشية أن يستولى على المال ويُنفقه على الأحجار([190]). إذ أن ثيوفيلس كان مولعا مثل فرعون بالمبانى الحجرية([191]) التى لا تحتاجها الكنيسة. لا عليك الآن، فإننى أود أن آتى إلى النقطة الخاصة بإيسيذورس. أخذ ايسيذورس النقود وأنفقها لصالح النسوة الفقيرات والأرامل. وعلِم ثيوفيلس على نحو ما إذ لا شىء عُمِل أو قيل يُمكن أن يغيب عنه من خلال عصبة أفراد جواسيسه ولن ندعوهم بأى شىءِ آخر. فإستدعى ايسيذورس وسأله بكياسة ظاهرية عما إذا كانت هذه المعلومة صحيحة. فلم يُنكِر ايسيذورس ذلك، وروى له تناوله لهذه المسألة. ولمَّا سمع ثيوفيلس ذلك تغير سلوكه. فذاك الذى كان لطيفا منذ لحظة وهو يستعلم عن الأمر، انتفخ كل جسده بالغضب، وتغير مظهره بشدة عندما وصل رد ايسيذورس إلى أذنيه. ولكنه احتفظ بهدوءه لبعض الوقت، مثل الكلب الذى يعضك عندما لا تكون محترسا، إذ جمع عقب ذلك بشهرين كل الإكليروس، وقدَّم أمامهم مستندا وقال فى حضور ايسيذورس، لقد وصلتنى هذه التهمة ضدك يا ايسيذورس قبل ثمانية عشر عاما ولكن إذ كنتُ مشغولا جدا، نسيتُ الأمر تماما ولما كنتُ أبحث عن بعض الأوراق الأخرى، وجدتُ هذا المستند الذى يعنيك، فما هو دفاعك؟. وكانت الورقة تشتمل على إتهام بالسدومية. فبدأ ايسيذورس دفاعه قائلا لثيوفيلس: على فرض صحة استلامك لهذه الورقة وأنها سقطت من ذاكرتك الخاصة أيضا، هل الرجل الذى قدَّم هذه الورقة جاهز لإعادة التحقيق؟. فأجاب ثيوفيلس: لا فالغلام لم يظهر إذ كان بحاراً. [فقال] ايسيذورس عندئذ: إنه لم يظهر، كما تقول يا بابا فى الوقت الراهن. فهل لم يظهر بعد رحلته فى السنة التالية، أو فى سنة بعد ذلك؟!. وحتى الآن، ليس الوقتُ متأخرا للغاية. فإن كان هنا، قُل له أن يتقدم.
وإذ وجد ثيوفيلس نفسه قد تعرّض عندئذ لمذلة فى مواجهة الحقيقة الفعلية، أرجأ التحقيق إلى يوم آخر. وبواسطة وعود كبيرة أحضر صبيا ليتهم ايسيذورس، معطيا إياه رشوة خمسة وعشرين قطعة ذهب، على ما قيل، سلَّمها لأمه فى الحال. ورفضت الأم قبول المبلغ، إذ خشيَّتْ أنه لو أُتُهِّم ايسيذورس زورا قد يلجأ إلى الماجستيريت([192]) فإرتعدت جزئيا من الفكر والعين غير المتحيزة، وجزئيا من الخوف من قوانين الأرض. فجاءت وأخبرت ايسيذورس بالقصة كلها، وأرته القطع النقدية التى قالت أنها قد تلقتها من شقيقة ثيوفيلس كمكافأة ضد البرىء([193]). وقد دفعت[هذه] المرأة([194]) الغرامة الواجبة على خطاياها الكثيرة، وعلى هذه الخطية بالذات إذ ماتت إثر عملية جراحية فى الثديين. وطوال هذا الوقت بقى ايسيذورس فى المنزل متضرعا إلى الله. أما الصبى فمن خوفه من القوانين جزئيا، ومن فكره فى غضب ثيوفيلس فى حال فشله، فقد فرَّ إلى حماية الكنيسة الفعالة، ولجأ إلى المذبح([195]). وهكذا عند إثارة المزاعم، لا يُصغَى قط إلى الحق. وأعلن ثيوفيلس طرد ايسيذورس من الكنيسة، وذلك لإخفاء شره الخاص. وانتبه ايسيذورس عندئذ لئلا يتخذ ثيوفيلس فى غضبه المتزايد اجراءات ضد سلامته الشخصية، لأنه بكل المعايير ذهب إلى أبعد الحدود. فتوجه بكل سرعة إلى جماعة رهبان جبل نيتريا([196]) حيث قضى شبابه، ومكث فى قلايته، وشغل نفسه بالصلاة إلى الله الطويل الأناة([197]). وفى نفس الوقت إذ كان ثيوفيلس يشعر بالشك والريبة فى انتصاره، أرسل رسائل إلى الاساقفة المجاورين، آمرا بطرد بعض الرهبان المتقدمبن ورؤساء الأديرة من الجبل والصحراء الأبعد، دون إبداء أسبابٍ لذلك. فنزل هؤلاء الرهبان مع كهنتهم إلى الأسكندرية وطلبوا من ثيوفيلس أن يبين لهم أسباب الطرد. فحملق فيهم ثيوفيلس كوحش بعيون محتقنة بالدم، وصرخ كثور بأعصاب لا يُسيطر عليها. فكان يغضب لحظة، ويصير شاحبا فى أخرى، ثم يبتسم ساخرا فى ثالثة. وأخذ لفاح([198]) امونيوس([199]) العجوز من فوق كتفيه، ولفَّه حول رقبته ولكمه بيده على وجهه جاعلا أنفه ينزف من لكمته الشديدة، وصرخ "احرم اوريجينوس" أيها الهرطوقى. وكانت النقطة الوحيدة المقدَّمة فى الإلتماس نيابة عن ايسيذورس. وهذه هى نتيجة الطباع السيئة وأعمالها وكلماتها كمثل الجراء المولودة عمياء. وهكذا عادوا ملطخين جميعا بالدماء إلى أديرتهم دون أن يتلقوا إجابة. واستمروا فى حياتهم المعتادة من التقشف، وشحذوا قواهم الطبيعية بدراسة الكتب المقدسة التى بها ننال الخلاص. وفكروا قليلا فى جنون الرجل لأنهم كانوا واعيين ببراءتهم الخاصة.
الفصل السابع: ثيوفيلس والرهبان وفم الذهب
ولم يقنع ثيوفيلس بهذا، بل أرسل إلى الأساقفة المجاورين، وعقد مجمعا كنسيا لإدانة الرهبان دون أن يستدعيهم للدفاع عن أنفسهم أو يدعهم ينطقون بكلمة واحدة. وأعلن طرد ثلاثة من أبرزهم إذ خاف أن يُصدِر حُكما بعقاب كل الرهبان فى آن واحد، مدعيا عليهم بالمروق عن العقيدة. وكان هؤلاء الرجال [الثلاثة]، هو نفسه قد كرَّمهم فى كثير من الأحيان عن الأساقفة، كمعلمين لحياتهم ولمواهبهم فى الكلام ولطول مدة عبادتهم. ولم يخجل من أن يدعُوهم محتالين، وذلك بسبب موقفهم مع ايسيذورس. وأردف هذا الإعلان بترقية خمسة "مانيكانات" من جبل نيتريا نفسه، يؤلمنى أن أقول أنهم كانوا مخلوقات لا تصلح حتى لحفظ الأبواب، إذ لم يكن لهم موضع قط فى مجمع الكبار للصحراء. فرسم أحدهم اسقفا، وإذ لم تكن له مدينة أقامه على قرية صغيرة. ولما كان بلا وازع إزاء هذه الأعمال الثورية، دعا نفسه موسى الثانى. ثم رسم آخر قسا ثم ثلاثة شمامسة. وهؤلاء [الأربعة الآخرِين] لم يكونا مصريين ولكن من أقطار مختلفة: واحد من ليبيا، وواحد من الأسكندرية([200])، وواحد من فارانا([201]) Pharana ، وواحد من البارالوس([202]) Paralus. وإذ لم يكن لهم أى أمل فى عمل أى شىء فى بلدانهم الأصلية، سقطوا فى هذه الإجراءات السخيفة. ثم أقنعهم بعد ذلك بتقديم مذكرات ضد الاساقفة([203]) المطرودين الثلاثة، بتلفيق هذه التهم[التى أثارها] وكان دورهم فقط هو التوقيع. وإذ عملوا ذلك، قبِل منهم هذه المذكرات فى حضور الكنيسة كلها ثم أرسلها إلى الحاكم [الذى] تحت التاج([204])، وأرسل إليه ممثلا عنه بإسمه كرئيس اساقفة ايبارشية مصر([205])ضدهم، بمذكرة تحريم زائفة مطالبا بطرد [هؤلاء] الرجال بمساعدة القوة العسكرية من كل مكان فى مصر. وإذ تسلح بأوامر الحاكم، أخذ معه قوة عسكرية لتغطية أعماله، وجمع حشدا من الرعاع الذين لا يكترثون بالكرامة بشىء، وهجم على الأديرة فى عز الليل، بعدما أسكر([206]) رفاقه الشبان. فأولا أمر بطرد شقيقهما القديس ديوسقورس أسقف الجبل عن كرسيه. فجره بالفعل العبيد الأحباش، غير المعمَّدين على الأرجح، بعيدا([207]) خلال السوق، واستولوا على كرسيه([208]) الذى كان فى حوزة مدينة ديوسقورس منذ مجىء المسيح. ثم داهم الجبل بعد ذلك، واستولى على ممتلكات الرهبان، [وأعطاها] لشبانه. وعندما جرَّد القلالى، بحث عن الاساقفة الثلاثة([209]) الذين كانوا قد إختبأوا فى بئر، ووُضِع فوقه بوص. وإذ لم يستطع العثور عليهم، أحرق قلاليهم بالنار بكل ما فيها من نسخ من كتُب مقدسة قانونية([210]) وكتابات أخرى قيمة، وأيضا صبيا(كما قال شهود عيان)، وعناصر مقدسة ([211]). وعندما نفثَّ عن غضبه الذى لا معنى له بهذا الشكل، نزل ثانية إلى الأسكندرية. فأعطى بذلك فرصة للرجال القديسين للهرب. فأخذوا ملوطاتهم([212])، وفروا إلى فلسطين، إلى إيليا([213]) بصحبة ثلاثمائة راهب من خيرة رهبان الجبل، وجماعة من الكهنة والشمامسة. وتشتت الباقون فى أماكن مختلفة بالخارج. ولم تحتمل الحية الزاحفة بين الطرق الملتوية تمتعهم بالحرية، فهيَّجت مرة ثانية ثيوفيلس ضدهم حتى غلِىَ من الغضب. فكتب رسائل إلى اساقفة فلسطين كما يلى: "ينبغى عليكم ألاَّ تقبلوا هؤلاء الرجال فى مدنكم ضدا لحكمى. ولكن إذ فعلتم ذلك عن جهل فإننى أعذركم، وانتبهوا لذلك فى المستقبل حتى لا تقبلوهم سواء كنسيا أو فى بيوتكم الخاصة". ولم يقل [ذلك] فقط بكبريائه المفرط، بل تصوَّر أنه بالفعل إله([214]). ووصل هؤلاء الفارين البؤساء بعد تنقل متواصل من مكان إلى مكان، إلى العاصمة([215]) فى أسى شديد، عندما كان الاسقف يوحنا قد تُوِّج بيد الله الصالح للرعاية الروحية لقادتنا. وانطرحوا عند قدميه سائلين إياه مساعدة النفوس المُفتَرى عليها، والتى نُهِبَت بواسطة أناس اعتادوا جيدا [فعل] هذا الأمر عن فِعل الخير. ووقف يوحنا ورأى خمسون رجلا من الدرجة الأولى يرتدون ملابسا رمادية([216]) مع كدهم المقدس. وبإحساس من المحبة الأخوية العميقة، تأثر بشدة، وانفجر فى بكاء، وتساءل أى خنزير برى من الغابات أو وحش مارق قد ألحق هذا الأذى بالكرمة المثمرة. فأجابوا تفضل بالجلوس يا أبى ولتعطينا ضمادات لجراحات نفوسنا الناجمة عن هيجان البابا ثيوفيلس ولنر ما إذا كان يمكنك تضميد جروحنا البليغة، وحتى إن لم تولينا أىَّ إهتمام من [ باب] احترامك لثيوفيلس أو خشية منه، مثلما فعل الأساقفة الآخرون، فليس هناك شىء يمكننا القيام به سوى أن نذهب إلى الملك ونُعلِمه بسوء سلوك هذا الرجل، الأمر الذى يسيء إلى سمعة الكنيسة. فاقبل إلتماسنا واقنعه بالسماح لنا[ بالإقامة] فى دارنا بمصر. فنحن لم نرتكب أية معصية سواء ضد شريعة المخلِّص، أو ضد البابا نفسه.
واعتقد يوحنا أنه ليس من الصعب تغيير المشاعر الانتقامية من جانب ثيوفيلس نحوهم، فأخذ على عاتقه هذه المسألة بسرور. وطلب من الرجال الصمتَ محبة لله، وألاَّ يُخبِروا أىَّ أحدٍ لماذا هم هناك، إلى أن يُرِسل كلمة إلى أخيه ثيوفيلس. وأعطاهم مخادع فى كنيسة القيامة([217])، ولكنه لم يزودهم بأىٍ من ضروريات الحياة. فوفَّرت لهم بعض النسوة التقيات طعاما، ودبَّروا هم إحتياجاتهم بكد أياديهم.
وحدث أن كان هناك فى ذلك الوقت بعض من اكليروس ثيوفيلس فى القسطنطينية كانوا قد جاءوا لشراء ترقية من الحكام المُعيَّنين حديثا([218]) لمقاطعة مصر، ولكى ما يقدِّموا معروفا له فى تنفيذ خطته لتدمير أولئك الذين ضايقوه.
فإستدعى يوحنا أولئك الرجال، واستعلم منهم عما إذا كانوا يعرفون هؤلاء الزاهدين الذين كانوا فى المدينة، فأعلنوا صراحة عن حسُن خُلُق هؤلاء الرجال. وقالوا ليوحنا "نحن نعرفهم، وفى الحقيقة قد عومِلوا بعنف شديد. فمن فضلك ياسيدى أُرفض شركتهم فى الإحتفال الروحى([219]) حتى لا يتضايق البابا، ولكن تعامل معهم بلطف فى كل شىء آخر. وهذا هو ما يُتوَقّع منك كأسقف". وهكذا لم يسمح لهم يوحنا بالشركة، لكنه كتب إلى ثيوفيلس طالبا منه بكل لياقة وكياسة، كإبن لثيوفيلس وأخ أن يتعطف ويقبل الرجال بين ذراعيه كأطفال صِغار. فرفض ثيوفيلس القيام بهذا المعروف ليوحنا، وأرسل إليه أشخاصا مُعينين ضلعين فى الجدل اللفظى، وهم الرجال الذين ذكرناهم توا، وأمرهم أن يُقدّموا ما يلزم. وكالعادة، أملى عليهم بنفسه بيانات كاذبة بإعتراف الجميع، وغلفها بكل أنواع الإفتراءات([220]) بالنسبة لحالة هؤلاء الرجال الروحية، إذ لم يكن لديه ما يُقدّمه عن حياتهم الخارجية. وهكذا نعتهم فى القصر كضالين.
وإذ شعر النساك أن ثيوفيلس قد [بلغ] من العناد حدا لا يُمكن أن يثوب إلى رشده، وأنه يَكنُّ مرارة شديدة نحوهم، ارسلوا مندوبين عديدين إليه، معلنين أنهم يحرمون سائر العقائد الخاطئة، وقدموا إلتماسا إلى يوحنا يُفصلون فيع انواع العنف المتعددة التى عانوا منها وبضعة نقاط محددة من الشكوى، أخجل من الكلام عنها فى حضور هؤلاء الشباب لئلا تهتز ثقتهم فى روايتى، وربما الأكثر خبرة من المسيحيين لا يُصدقوننى. فحثهم يوحنا ثانية، بشخصه وعن طريق اساقفة آخرين على اسقاط الإتهامات الموجهة ضد ثيوفيلس بالنظر إلى الأذى الذى ستتسبب فيه هذه الدعوى. وكتب إلى ثيوفيلس[قائلا] "لقد وصلوا إلى اقصى حد، وهو أنهم حرروا دعوى رسمية ضدك. وإننى أترك لك الأمرَ للتعامل معه حسبما ترى أنه أفضل، لأننى لا أتمكن من إقناعهم بمغادرة العاصمة".
وهنا اشتعلت نيران الغضب فى ثيوفيلس، فأوقف شقيق الرهبان، الأسقف ديوسقورس، الرجل الذى شاخ فى خدمة الكنيسة، عن الخدمة فى كنيسته الخاصة. وكتب إلى يوحنا "أرى أنك غيرَ واعٍ بترتيب قوانين نيقية، التى نُصَّ فيها على أنه لا يجوز لأسقف ما ممارسة إشراف خارج حدود[ايبارشيته]. فإذا كنتَ تعرف ذلك فدع هذه الإتهامات ضدى لى[أنا] بمفردى. وإن كانت هناك أية حاجة لمحاكمتى فلتكن أمام قضاة مصريين، وليس أمامك وأنت على سفر خمسة وسبعين يوما"([221]).
الفصل الثامن: [الطرد الأول لفم الذهب]
واستلم يوحنا الخطاب ولكنه احتفظ به لنفسه، وناقش تدابير السلام مع نساك كلا الطرفين. وكان كلاهما فى غاية الحنق مما قيل لهم. المنفيون لِما عانوه من معاملة استبدادية، وغيرهم لأنهم لا يملكون القدرة على صُنع السلام بدون ثيوفيلس، إذ كانت الدعاوى الزور قد قُدِّمت بُناءً على أوامره. فكان أن صرف يوحنا ذهنه عن هذا الموضوع إلى أن يجد ردا عليه.
وهنا انسحب الرهبان المتضررون، وحرَّروا عريضة مطوَّلة يتهمون فيها رسميا الرهبان الآخرين بالتشهير بهم، وأيضا [يتهمون] ثيوفيلس بكل شىء. وفى الحقيقة، بكل ما يعرفه كلُ واحدٍ منهم عنه. وإلتمسوا من الماجستيريت الإقتراب من الملكة فى مزار الشهيد يوحنا[المعمدان]، سائلين إياها أن تُفحَص قضية الرهبان محل النزاع أمام البريفكتس prefects، وأن يتم استدعاء ثيوفيلس ولو رغما عنه لمحاكمته أمام يوحنا. وقُدِّم الإلتماس، وكان الجواب أن يُستَدعَى ثيوفيلس أمام قاضى التحقيق سواء شاء أو لم يشأ، وأن تُجرَى محاكمته أمام يوحنا. وعلى رهبان ثيوفيلس أن يُثبِتوا إتهاماتهم ضد القديسين الطاعنين فى العمر، وإلاَّ يدفعون غرامة الإتهام الباطل.
وهكذا أُرسِل الكابتن([222])(المتقاعِد) إلافيوسElaphius إلى الأسكندرية لإحضار ثيوفيلس، بينما نفذَّ القضاة بقية جواب الملكة. وأُجرِيَت التحقيقات، وكانت النتيجة غير حاسمة. ولكن إذ كانوا مازالوا مهددَّين بسيف القانون اللامع، خاف الرهبان التعساء من الحُكم الممكن[صدوره] فأرجأوا المسألة إلى حين حضور ثيوفيلس، على أساس أنه هو الذى أملى عليهم العرائض فوضعهم المسؤلون فى الحبس إلى حين وصول ثيوفيلس مع رفض أية كفالة فى ظِل ظروف القضية. وقد ظل بعضهم فى الحبس إلى أن ماتوا بسبب بطء تحرك ثيوفيلس ([223])، بينما حُكِم على آخرين، فى التحقيق النهائى، بالسجن فى بروكونسيس([224]) Proconnesus على الإتهامات الخبيثة إلى أن وصل ثيوفيلس فى وقت لاحق مسرعا لمعالجة الأمر.
وهكذا، وصل إلى القسطنطينية مثل خنفساء محمَّلا بروث مصر أو الهند ذاتها، متعطرا بروائح عطرة لكى ما يُغطى بها الغيرة النتنة، ودخل المدينة فى منتصف النهار فى اليوم الخامس من الأسبوع([225]) وهلل له غوغاء البحارة([226]). وهكذا كان الشرف المخزى الذى كان عليه أن يحمله، المجد الذى تكلم عنه الرسول منذ زمن بعيد [قائلا] "مجدهم فى خزيهم" وأضاف "المهتمين بالأرضيات"([227]) وجعل إقامته "فى خيام الخطاة"([228]) وتجنب الكنيسة متناسيا قول داود "اخترتُ أن أُطرَح على باب بيت إلهى، عن السكن فى خيام الأشرار". وعلى مدار ثلاثة أسابيع كاملة لم يُجرِ أية محادثة قط مع يوحنا([229]) حسبما هى العادة بين الاساقفة، ولم يقترب قط من الكنيسة، بل ربط عداءه القديم([230]) بعدائه الجديد([231]) ، وقضى نهاره وليله فى جهود لطرد يوحنا الاسقف ليس فقط، من الكنيسة بل حتى من الحياة نفسها. فأغدق الأموال لشراء المعضدين للخرافات([232]) ضد الحقيقة، من بين السلطات الحاكمة. جاعلا الشرهين عبيدا له بواسطة موائده الوفيرة ([233]). وعلاوة على ذلك، اكتسب لصفه بالمداهنة والوعود بالترقية الدجالين من الإكليروس. وبعدما وضع كل هؤلاء فى قيود من المتعة لا فى الملبس كمثل بعض الشياطين، وسحر ملَكَة التمييز فى نفوسهم، فتش عن رجال شياطين ليكونوا بديلا له فى اللعبة، ونجح فى العثور على ما يُريد. فقد كان هناك شماسان، كان الأسقف يوحنا قد طردهما من الكنيسة بسبب جرائم جنائية. فإستغل حالتهما وأقنعهما بتقديم دعاوى ضد يوحنا، واعداً إياهما بإعادتهما إلى وظيفتيهما. وكانت جريمتيهما القتل والزنى على التوالى. وقد حقق وعده لهما بعد نفى يوحنا، وأعادهما إلى أماكنهما لأنهما قدَّما الدعاوى التى أملاها ثيوفيلس نفسه عليهما، ولم تحتوِ هذه الدعاوى على كلمة حق فيما عدا نقطة واحدة وهى أنه نصحَ كلَّ أحدٍ أن يشرب بعد التناول قليلا من الماء([234])، أو يمص "بستليا" خشية أن يبصقوا عرضا جزءً من العناصر([235]) مع اللعاب أو البلغم. وكان قد مارس هو هذا أولا، ثم علَّم به مَن يريد أن يتعلّم الإعتناء الدقيق. وعندما تلقى ثيوفيلس العرائض عقد إجتماعا فى بيت أوجرافيا، والذى كان موجودا فيه سفريانوس وانتيوخس وأكاكيوس، وكلُ أحد آخر لديه ضغينة ضد يوحنا بسبب وعظه الوقور. لأن الأسقف الطوباوى قدَّم مثل بولس الممارسة فى تعليمه وكان يحث "جهرا وفى كل بيت"([236]) على السواء، على السلوك الكريم. وكان شديدا بصفة خاصة مع النساء اللواتى مثل أوجرافيا Eugraphia، فكان يقول لهن" لماذا تُجبرن أجسادكن فى عمركن[هذا] عندما تكُنّ بالحقيقة متفدمات فى العمر وأرامل، لكى تكونوا شبابا مرة أخرى. وتضعن ضفائر على جباهكن كمثل نساء الشوارع، وتجلبن بذلك السمعة الرديئة لكل سيدة أخرى. وتُعطون للناس انطباعا باطلا".
وهكذا، اجتمعوا معا([237]) واتخذوا خطوات رفع دعوى ضد يوحنا. واقترح أحدهم وجوب تقديم إلتماس إلى الملك والإصرار على ظهوره أمام مجمع كنسى ولو رغما عنه. وقُبِل هذا الإقتراح بالطبع، وكما هو الحال مع اليهود، كان المال يُيسر كل شىءٍ([238]).
وكنا([239]) جالسين فى صحبة اربعين من الاساقفة، فى بيت الاسقف([240])، مع الاسقف يوحنا، نتعجب كيف أن الرجل الذى كان محل محاكمة، وأُمِر بالحضور إلى العاصمة بتهم مشينة، قد حصل على مثل هذا العدد من الاساقفة، وأحدث بغتة هذا التغير فى عقول السلطات، وأدى إلى إنحراف غالبية الإكليروس. وبينما نحن غير قادرين أن نجد إجابة على هذا السؤال، قال لنا يوحنا جميعا، وهو ممتلىء بإلهام من الروح([241])، "صلوا من أجلى أيها الإخوة، إن كنتم تُحبون المسيح، ولا تدَعوا أحداَ يهجر الكنيسة التى هو مسؤول عنها، لأنه كما قال كاتب هذه الكلمات، أنا عتيد أن أُقدَّم ووقت رحيلى قد حان([242])، وسأتحمل إضطهادَا كثيرا، وأرحل عن هذه الحياة، كما أرى. لأننى أعرف مكر الشيطان فإنه لم يعد يستطيع تحمل الإزعاج من إهاناتى له. فليرحمكم الله. أذكرونى فى صلواتكم". وهكذا كان حزننا عميقا حتى أن بعضنا يدأ يبكى، وغادر آخرون الإجتماع بدموع وقلوب منكسرة. وقبَّلنا عينيه ورأسه المقدَّسة وشفتيه المباركتين. ولكنه أمرنا ونحن نتحرك هنا وهناك كنحل يطن حول خليته أن نعود إلى الإجتماع، وقال إجلسوا يا إخوة ولا تبكوا فتُزيدون من ألمى لأن الحياة بالنسبة لى "هى المسيح، والموت ربحُ"([243]). لقد قيل لى مرارا أننى سأفقد رأسى بسبب فرط صراحتى. وأظن أنكم تتذكرون، إن فتشتم فى ذاكرتكم، أننى اعتدتُ أن أقول أن هذه الحياة الحالية ما هى إلاَّ رحلة، ولن تدوم أفراحها وأتراحها طويلا. فكل ما هو أمام عيوننا ما هو إلا [أمور] عرَضيّة. فنحن ننهى بيعنا وشراؤنا، وننتقل إلى مكان آخر. فهل نحن أفضل من الآباء البطاركة والأنبياء والرسل لكى ما نمكث فى هذه الحياة إلى الأبد؟". وعندئذ أجهش أحد الصحبة بصوت عالى قائلا" كلا نحن نرثى لحالة ترملنا، وترمل الكنيسة([244]) والخلط بين الفرائض وبين أهواء أولئك الذين لا يخافون الرب، والقفز على الوظائف العليا فى الكنيسة والدولة، وحالة العجز للبوساء، والجوع فى التعليم". فضغط الأسقف المحب للمسيح سُبابته اليمنى على كف يده اليُسرى، وكانت هذه إشارته المألوفة عنه عندما يكون فى [حالة] تفكير عميق، وقال للمتحدث "لا تقل أكثر يا أخى، تذكر فقط ما قلته. لا تتركوا كنائسكم، فخدمة التعليم لم تبدأ بى ولن تنتهى بإنتهائى. ألم يمت موسى، فوُجِد يشوع؟, ألم يُنهِ صموئيل أيامه فمُسِح داوود؟. لقد رحل أرميا عن هذه الحياة، ولكن كان هناك باروخ. لقد أُختُطِف ايليا، فحل أليشع محله كنبى. وبولس قُطِعت رأسه، ولكنه ترك وراءه تيموثاوس ونيتوس وأبولس وآخرين بلا حصر".
وكان يوسيبيوس اسقف آباميا ببثينية هو التالى فى الحديث، فقال "إنه أمرٌ لا مفر منه إن حافظنا على كنائسنا، أن نضطر إلى الشركة معهم، والتوقيع على الحُكم بإدانتك". فقال القديس يوحنا "اشتركوا معهم لئلا تشقوا الكنيسة، ولكن لا توقعوا. لأن ضميرى طاهرٌ من أى فكرٍ يستوجب عزلى".
وفى هذه اللحظة، أُعلِن عن [وصول] رُسل من ثيوفيلس، فأمر يوحنا بإدخالهم. وعندما دخلوا، سألهم عن رُتبهم فأجابوا أنهم أساقفة. فطلب منهم الجلوس، وعرض أمورهم. فقالوا أن معهم فقط خطابا مطلوب قراءته بصوت عالى، لكى ما يُقرَأ. فأمر يوحنا بقرائته. فأمروا خادم([245]) ثيوفيلس الشاب أن يقرأ البلاغ، ففعل. وكان جوهره كما يلى "من المجمع المقدس الملتأم فى البلوطة(فهذا إسم المكان الذى اجتمعوا فيه، وهو ضاحية من روفينوس([246]) على الجانب الآخر من البحر) إلى يوحنا (وحذفوا لقبه الرسمى، الاسقف. فالنفس المظلمة لا ترى أبدا الأمور على ما هى عليه ولكنها تتخيلها حسبما تمليه رغباتها الشريرة). لقد تلقينا دعاوى معينة ضدك تحتوى على عدد لا يُحصى من التُهم الخطيرة ضدك. لذلك عليك الظهور ومعك الكهنة سيرابيون وتيجريوس Tigrius، للحاجة إليهما". وكان الاسقفان اللذان جاءا إلى يوحنا هما ديوسقورس وبولس، وهما شابان قد سيما حديثا فى ليبيا.
وعندما تم قراءة الرسالة، أجاب الأساقفة شركاء يوحنا ببيان صاغه ثلاثة من الاساقفة: لوبيكيانوس وديمتريوس وايليسيوس، وكاهنين هما جرمانوس([247]) وساويرس. وجميعهم رجال مكرمون وقديسون. [وقالوا] "لا تدمروا حالة الكنيسة، ولا تشقوها. [تلك] التى من أجلها ظهر الله من الأعالى فى الجسد. فكما يظهر من عملكم غير المنضبط، قد خرقتم قوانين الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفا[المجتمعين] فى نيقية، وتناولتم قضية خارج حدودكم الخاصة([248]). فهل عبرتم إلينا أولا لكى ما نسمع ما تودون قوله فى هذه المدينة التى تسودها قوانين جيدة. لا تكونوا كقايين عندما دعا هابيل أن يأتى إلى الحقل([249]). فلدينا دعاوى ضدك، تحت يد سبعين كونتس، تتضمن أعمالا إجرامية ملموسة. وعلاوة على ذلك نحن مجتمعون بنعمة الله، لا لتخريب الكنيسة ولكن لأجل السلام، ونحن أكثر عددا من مجمعكم. لأن عددكم ستة وثلاثين من مقاطعة واحدة ([250]) بينما نحن اربعون ومن مقاطعات عديدة، ومن بيننا سبعة مطارنة ([251])، ومن ثم على العدد الأصغر أن يخضع للعدد الأكبر والأكثر شرفا وفقا للقوانين. وبالإضافة إلى هذا، لدينا خطابكم الذى تضغطون فيه على أخينا وشريكنا فى الخدمة يوحنا، أن لا يقبل قضايا من خارج حدوده. ولهذا عليك أن تحث الشاكين، طاعة لقوانين الكنيسة، إما أن يكفوا عن اتهاماتهم، وإما أن يقتربوا من يوحنا([252]).
وحزن يوحنا من هذا الرد، وقال للأساقفة أكتبوا أنتم ما يحسن ما فى أعينكم، ولكننى أشعر بالحاجة إلى كتابة بيان بنفسى ردا على المزاعم. وهكذا أرسل الرد التالى إلى ثيوفيلس وحزبه "إننى أُعلِن هنا، أنه إذا كان لدى أىُ أحدٍ شيئا ضدى[ الأمر الذى] لا أعرف ما هو حتى هذه اللحظة، وإن كان قد تكلم أحدٌ ضدى، وترغبون فى ظهورى أمامكم، فلتُعلِنوا جهرا أعدائى الذين امتلأوا بالحقد اتجاهى، لأنهم يظنون أنهم زهيدين. وعلاوة على ذلك، ليس لدىَّ أى مانع بالنسبة لمكان المحاكمة، على الرغم من أن المكان الملائم هو المدينة. ولكن ما أعترض عليه هو[أن يكون] القضاة هم: ثيوفيلس الذى بلغنى أنه قد قال فى الأسكندرية وفى ليكيا Lycia"أنا ذاهب لمحكمة، لعزل يوحنا". وأنا أعلم أن ذلك حقيقىٌ، لأنه عندما وصل لم يُجرِ أى إتصال بى، أو شركة معى. فإن كان قد سلك كعدو إذن قبل السماع، فماذا سيفعل فى المحاكمة؟. وبالمثل أنا أتهم أكاكيوس بقوله "إننى سأتبّل الوعاء له". أما سفريانوس وانتيوخس اللذان سيحل عليهما الحُكم الإلهى سريعا، فلا حاجة للكلام عنهما فحتى المسارح العلمانية قد وضعت أغانى بأفعالهم الثورية. لذلك أرجو منكم إن كنتم ترغبون حقيقة فى ظهورى، أن تستبعدوا هؤلاء الأربعة من قائمة القضاة، أما إن كانوا شاكين، فضعوهم فى قائمة الشهود. لكى ما أعرف كيف أستعد لمواجهتهم سواء كخصوم أو كقضاة. وعندئذ سأظهر بأى حال من الأحوال. ليس فقط أمام محبتكم، بل أمام أى مجمع مقدس فى العالم. والآن أُخطرِكم أنه مهما كتبتم إلىَّ فلن تسمعوا منى أكثر من ذلك".
وهكذا، انسحب المبعوثون. ووصل موظف عدل([253]) حاملا رسالة من الملك ومرفق بها إلتماس ثيوفيلس بعقد المجمع، وإحضار يوحنا للمحاكمة سواء أراد أم لم يُرِد، ويأمره بالإسراع إلى المحاكمة. وعندما تلقى "موظف العدل" الجواب، ظهر إثنان من كهنة يوحنا: أحدهما يوجنيوس الذى أُعطِيَت له أسقفية هيراكليا([254]) مقابل الدور الذى لعبه فى المؤامرة ضد يوحنا الاسقف. واسحق الراهب الذى كان تحت حكم بالصمت ولا أدعوه بأكثر من ذلك. وهذان قالا المجمع يُرسِل لك هذه الرسالة، تعال إلينا ودافع عن نفسك ضد التهم. فرد عليهما يوحنا بواسطة اساقفة آخرين، كيف يمكنكم مقاضاتى، بأى نحو من الأنحاء، بينما لم تُفرزوا من بينكم أعدائى([255])، وتُرسِلون كهنتى لإستدعائى. بأى نظام هذا؟.
فقبضوا على الأساقفة، وضربوا واحدا وجرَّدوا آخر من ثيابه، ووضعوا حول عنق الثالث السلاسل التى كانوا قد أعدوها للقديس قاصدين أن يضعوه على متن سفينة لنقله إلى مكان غير معلوم. فقد جعلهم الشيطان متوحشين كأسود. وإذ كان الاسقف القديس واعيا بنواياهم المخزية لم يتخذ أية خطوات لمواجهتها، ولكن هؤلاء السادة المحترمين ألفوا بعض دعاوى تافهة أوهى من خيوط العنكبوت ([256]) من أجل إختلاق بعض التهم الشكلية ضد الاسقف المبارك الذى لم يروا وجهه قط، ولا سمعوا صوته قط، وفى يوم واحد وصلت بهم النذالة إلى الإنقضاض عليه، الأمر الذى كانوا يُدبرون له منذ فترة طويلة، ولم يحتاجوا إلى وقت للتفكير، ولا استطاعوا كبح الشيطان.
وأرسلوا خطابا إلى الملك يُحددون فيه ما يلى: لما كان يوحنا([257]) قد أُتُهِم بجرائم عِدة وكان واعيا بذنبه، رفض المثول([258])، لذا أُسقِط من أسقفيته، بموجب القوانين، وهذا ما تم القيام به بالفعل. وقد تضمنت الدعاوى أيضا تهمة الخيانة لتقواكم، ولذا [الأمر] متروك لكم لتقرروا ما إذا كان يُطرَد من وظيفته أم لا، وما إذا كان سيسدد غرامة تهمة الخيانة أم لا، حيث أنه ليس من صلاحيتنا التحقيق فى هذه التهمة. أيها البؤساء التعساء، أية أفكار هذه، وأية أعمال؟. إنها جديرة بأن تملأكم بالخجل إن كان لديكم أى خوف أو تكريم لبشر. فكم بالحرى الله. إن الخيانة المزعومة بلهجة هجومية ضد الملكة كانت، كما يزعمون، أنه قد دعاها ايزابيلا([259]). وهكذا كانت إدعاءات أولئك الرجال المدهشين الذين كانوا يتوقون إلى رؤية يوحنا مقتولا بالسيف، ولكن الله أظهر للنور خبثهم الكامن فى داخلهم، ولطَّف من قلوب الماجستيرات كمثل دانيال فى بابيلون. لأن هناك صارت الأسود لطيفة، بينما صار البشرُ هنا متوحشين ولم يحافظوا على حياة النبى. ولكن الله قضى على تلك الوحشية غير الطبيعية للبشر من خلال دماثة خُلق غير طبيعية من الحيوانات المفترسة.
الفصل التاسع: مكائد وعنف فى القسطنطينية
وهكذا طُرِد يوحنا من الكنيسة([260])، وأُرسِل ضابط من البلاط لهذا الغرض مع ثًلة من الجنود، كما لو كانت حملة ضد البربر. وعند طرده، ذهب أولا إلى ريف براميتوم([261]) Prametum ببيثينية. ولم يكد يمر يوم واحد فقط حتى حدثت كارثة([262]) فى القصر الملكى، فإستدعوا يوحنا عقب ذلك ببضعة أيام بواسطة "مُحضِر" من الأسرة [المالكة]، وردوا له عرشه الخاص([263]).
ففر ثيوفيلس مع اساقفته المصريين طلبا للآمان، إذ رغبت الجماهير فى إغراقهم([264]). ولكن عقب ذلك بشهرين شُفِيوا من جراحهم، فترافعوا ثانية ضد يوحنا، وإذ لم يتمكنوا من العثور على استهلال واعد، أرسلوا إلى ذلك الماهر فى مثل هذه الأمور، فى الأسكندرية، ليأتى مرة أخرى لهذا الأمر. [وقالوا له] إما أن تأتى إلى هنا مرة أخرى لتأخذ زمام الأمور ضد يوحنا، وإما أن تُرشح لنا من يتمكن من القيام بذلك إن كنتَ تخشى الناس، لكى ما نبدأ. وردا على ذلك، لم يذهب ثيوفيلس بنفسه إذ تذكَّر كيف هرِب، لكنه أرسل ثلاثة من الأساقفة البؤساء: بولس وبيمن وآخر، كانوا مرسومين حديثا. وفى نفس الوقت أرسل قوانينا معينة([265]) كان الأريوسيون قد صاغوها ضد المبارك اثناسيوس. وأشار إلى أنه بموجب هذ القوانين يُمكن تغليظ الدعوى ضد يوحنا إذ عاد إلى الاسقفية بعد خلعه بمبادرة شخصية منه. لأن ثيوفيلس كان بطبيعته شخصا متهورا وعنيدا ومندفعا، ومغرما بالشجار بشكل غير عادى. فأيا كان ما يراه، يندفع فيه على عجل لا داعى له دون أىَّ ضبط للنفس، أو إعطاء فرصة للتدبير والحُكم. ولهذا اندفع بغضب جنونى حمله إلى ما يجاوز حدود النظام، لكى ما يحقق خضوع يوحنا، ومصداقية الحُكم الذى أصدره عليه. وعارض بشدة كل مَن أراد التصدى للإتهام. لقد كان له هدف واحد عن أى وقت مضى، هو أن يرى أن حُكمه الخاص وقراره الخاص قد ساد وغلب. وإذ عرفوا شخصيته، سقط وكلاؤه فى مخططه. فاستدعوا مطارنة واساقفة سوريا وكبادوكيا وكل مقاطعة فريجية، وبونطس لحضور مؤتمر بالقسطنطينية، وهؤلاء عند وصولهم اشتركوا مع يوحنا طبقا للقوانين، لكى لا يكرروا خطأهم السابق. وتضايقت السلطات من سماعها بخبر الاشتراك [مع يوحنا] ورفض ثيودورس اسقف تيانا المبجل الإنضمام إلى عمل ثيوفيلس المتسرع إذ كان على بينة بالمؤامرة من المعلومات التى بلغت آذانه، فهجر العاصمة دون مزيد من القلق وودعها وداعا طويلا، واعتزل فى كنيسته الخاصة، وحصَّن ايبارشيته بسور من تقواه، واستمر إلى النهاية فى شركة مع المؤمنين فى روما الذين يشهد لهم بولس [قائلا] "إيمانكم يُتحَدَث عنه فى كل العالم"([266]). ومن ناحية أخرى، انزعج فارتيريوس Pharetrius اسقف قيصرية التى بالقرب من جبل آرجيوس Argaeus إلى حد بعيد كمثل طفلٍ يخاف من شبح، من خطابات أعداء يوحنا، على الرغم من أنه لم يُدْعَ للإشتراك فى الأمر وفى جعله للأسقفية، لم يعرف ما هو أفضل، وانضم ليونتيوس اسقف انقيرا بغلاطية إلى آمونيوس اسقف لاودكية المحروقة فى حرق الكنيسة([267]). فقد رضخ هذان الإثنان لتهديدات السلطات ولنفس الإغراء بهدايا الملك وقدَّما فى الجلسة الثانية اقتراحا خسيسا، لحزب اكاكيوس وانتيوخس وهو أن حُكم ثيوفيلس، الذى ليس حُكما، ينبغى أن يسود، وألآَّ تُعطَى ليوحنا فرصة حتى للدفاع عن نفسه. واستندا على القانون الذى ارسله ثيوفيلس والذى أصدره الأربعون أسقفا المتحالفون مع آريوس، والذى يحتوى على الفقرة [التالية] " إذا دخل أىُّ أسقف أو كاهن يكون قد خُلِع بعدلٍ أو بدون عدلٍ، كنيسته مرة ثانية من نفسه دون تصديق من مجمع، فمثل هذا الشخص لا تُعطَى له أية فرصة للدفاع عن نفسه فيما بعد، بل يُستبعَد تماما". وهذا القانون قد رُفِض فى مجمع سارديكا([268]) بوصفه غير شرعى، وصادرٌ من أشخاص غير شرعيين([269])، مِن قِبل اساقفة روما وإيطاليا وايلليريا، ومقدونية واليونان، كما تعلم أفضل منى يا صديقى الشهير ثيودورس عندما استقبل ليبريوس أو بالأحرى يوليوس([270]) فى عهد قنسطانس اثناسيوس ومارسيللوس من غلاطية فى الشركة، والذى بناءً عليه سقط القانون.
هذا الثنائى العجيب امونيوس وليونتيوس قد شكلا تحالفا مع أكاكيوس وانتيوخس وكيرينيوس من خلقيدونية وسيفريانوس، وجاءوا إلى الملك، وأوصوا بإستدعاء عشرة اساقفة من حزب يوحنا الذين يربو عددهم على الأربعين للتصديق على القوانين، وأكد بعضهم أنها من عمل أشخاص ارثوذكس، بينما أكد آخرون أنها من أصل أريوسى. ومع ذلك جاء إلبيديوس Elpidius اسقف لاودكية بسوريا، ([271]) المتقدم فى الروح وفى السنوات والذى ابيضَّت رأسه، وترانكويليوس Tranquilius مع اتباعهما وحثَّا الملك على أن يوحنا لا ينبغى طرده بدون سبب معقول. وقالا "إن يوحنا لم يُخلَع سابقا ولكن السلطات المدنية هى التى طردته، ولم يدخل ثانية بمبادرة من نفسه، ولكنه أطاع أمر تقواكم الذى أرسلتموه على يد "موظف العدل". وعلاوة على ذلك يمكننا أن نُثبِت أن هذه القانون الذى يستندون عليه، إنما هو من أصل هرطوقى".
واستمر خصوم يوحنا فى فرض وجهة نظرهم بطرق غير سليمة. فالبعض صاح بأعلى صوته، وآخرون انبروا بإيماءات وقحة وإشارات شريرة، وانتزعوا صدورهم فى حضور الملك. وعندئذ قال البيديوس الضليع فى قوانين الكنيسة بعد لحظة صمت، بخنوع للملك "يا صاحب الجلالة، دعنا لا نُتعِب لطفكم أكثر، ولندع ذلك يُعمَل. إجعل إخوتنا أكاكيوس وانتيوخس يوّقعان على أن القوانين التى قدماها أرثوذكسية، وأن يُقرّا أنهما على ذات إيمان أولئك الذين أصدروها([272]). وعندئذ ينتهى النزاع تماما". ولاحظ الملك بساطة الحل المقترح، فقال لأنتيوخس بإبتسامة " لا شىء يُمكن أن يكون أفضل". وكان الملك بريئا تماما من أى لومٍ، ولكن آخرين هم الذين بدَّلوا مراسيمه الممتازة([273]). فبدأ سفريانوس وحزبه فى المراوغة ودخل كل واحد فى دوامة مع الآخر كمثل مياهٍ دُمرَّت حدودها. وصاروا أصماء بالنسبة لتوصية الأسقف العميقة، وللرأى الذى عبَّر عنه الملك. وشحبت وجوههم، ولكن فى حضرة الملك وفى غرفته كان عليهم أن يكبحوا نفوسهم. لذلك وعدوا بغير إرادتهم مضطرين بالتوقيع على القوانين، ورحلوا. ولكن إذ خافوا أن يصيروا فى حالة أسوأ، لم يُنفذوا وعدهم على أساس أنه كان ضد إرادتهم. وبدأوا بدلا من ذلك فى إستباط وسائل يحققون بها طرد يوحنا. وانقضت تسعة أو عشرة أشهر على هذه المناورات، والمقاومة المضادة لها، ويوحنا مجتمع بأساقفته الإثنين والأربعين، والشعب متمتع بصالح تعليمه بأكثر سرور. لأن الذهن غير الأنانى يُعبّر عن نفسه دائما بنعمة وقوة أكثر فى أزمنة الضيق([274]).
كانت هذه هى حالة الأمور عندما حلَّ صوم الرب([275])، كمثل الربيع الذى يزهر سنة تلو الأخرى. واقترب ثانية انتيوخس وحزبه من الملك على إنفراد، وأعلموه أن يوحنا قد خُلِع وإلتمسوا طرده عند اقتراب موسم الفصح([276]). وإذ أُنهِك الملك من إلحاحهم لم يستطع سوى الإصغاء إليهم بوصفهم أساقفة، لأن الكاهن الحقيقى أو الأسقف الحقيقى لا يعرف الباطل. وهذه الألقاب تخص الكاهن الأسمى، لأنه ليس هناك شخص أكثر كهنوتا وأكثر أسقفية من الله الذى هو أسقف([277]) وناظر جميع الأشياء. الأسقف الحقيقى إذن أو الكاهن الحقيقى طالما يحمل هذه الألقاب التى يشترك فيها مع الله، ينبغى أن يكون أيضا فى شركة معه فى أعماله. وبناءً عليه أرسل الملك كلمة إلى يوحنا "أترك الكنيسة"، فأجاب يوحنا "لقد استلمتُ هذه الكنيسة من الله مخلصنا، من أجل العناية بخلاص الشعب، ولا يمكننى أن اهجرها، فإن كانت هذه إرادتك، لأن المدينة مدينتك، فلتُخرجنى بالقوة كى ما أتذرع بسلطانك فى دفاعى عن هجرى لمنصبى".
وهكذا، أرسلوا رجالا من القصر على درجة من الاحترام، وطردوه. ولكن خوفا من افتقاد ممكن لغصب الله، أمره أن يمكث فى دار الاسقفية فى الوقت الراهن، لكى إذا ما حدثت أية مصيبة تؤثر عليهم يمكنهم فى الحال استرضاء الله برده إلى الكنيسة. أما إذا لم يحدث يمضون قُدُما فى اجراءاتهم ضده، مثلما فعل فرعون مع موسى. وفى نفس الوقت اقترب السبت العظيم الذى فيه سبى المخلّص الجحيم من قِبل صليبه. فأرسَلوا مرة أخرى كلمة إلى يوحنا "أترك الكنيسة". فبعث برد مناسب لذلك إلى الملك، بالنظر إلى حرمة هذا اليوم المقدس، وحالة الإنزعاج بالمدينة. فاستدعى اكاكيوس وانتيوخس وقال لهما "ما الذى ينبغى عمله؟. وانتبها إلى أنكما تتصرفان بدون حكمة". فقالا عندئذ الوجهاء فى الخطأ للملك " يا صاحب الجلالة، إن خلع يوحنا على رؤوسنا". واقترب اساقفة يوحنا، طوال أيام الصوم المقدس([278])، إلى الملك والملكة كملاذ أخير فى مزار الشهداء، ورجوهما بدموع إنقاذ كنيسة المسيح، ومذكرين إياهم بإحتفالات الفصح بصفة خاصة، وبأولئك الذين أُعِدّوا بالفعل لنوال سر الميلاد الثانى فى ذلك اليوم، وأن يرُدَّا مدبرها([279]). ولكنهما لم يُصغيا إلى مطلبهم([280]). وذهب بولس الذى من كراتيا Crateia ([281]) إلى أبعد من ذلك، وقال صراحة بلا خوف " إتقى الله با أودكسيا وأشفقى على أولادك، ولا تهينى الإحتفال بالمسيح الذى سفك الدم".
وعاد الأربعون أسقفا إلى مساكنهم وقضوا الليل بلا نوم. البعض يبكى، والبعض حزين، والبعض فى قلق وذهول شل أذهانهم، كلٌ حسب مشاعره الخاصة. ومع ذلك، أولئك الذين كانت فى قلوبهم مخافة الله من كهنة يوحنا، جمعوا العلمانيين المؤمنيين فى الحمامات العامة التى تُدعى حمامات قنسطانس وقضوا الليل ساهرين([282]) فى قراءة الأسفار الإلهية بصوتٍ عالى، أو فى تعميد الموعوظين كالعادة فى الإحتفال بالفصح، فوصلت أخبار هذه الإجراءات بواسطة فاسدى العقول، والمنعدمى الأحاسيس إلى انتيوخس وسيفريانوس وأكاكيوس ورفاقهم، فأصدروا أمرا بمنع الشعب من التجمع هناك. واعترض الماجستيريت على القيام بذلك ليلا، وأن حشود الناس كبيرة، وأنه لابد أن تحدث أيضا بعض الأحداث المؤسفة. فإحتج أكاكيوس وحزبه على ذلك وقالوا " لم يبق أحدٌ فى الكنيسة، ونحن نخشى إذا ذهب الملك إلى الكنيسة ولم يجد أحدٌ هناك يعترف بمودة الشعب ليوحنا، ويديننا كمغتابين وخاصة بعدما قلنا له أنه لا يوجد أحدُ على الإطلاق يتصرف بلطف نحوه، بل أنه معتبَرٌ كخارج على القانون". لذلك أعطاهم الماجستيريت، على أساس هذه النتيجة المحتملة، لوكيوس الذى قيل أنه كان يونانيا ([283]) وكوماندوز لفرقة من المسلحين وأمره أن يذهب ويدعو الناس بلطف إلى التوجه إلى الكنيسة. ففعل هذا، ولَّما لم يُطيعوا عاد إلى أكاكيوس وحزبه وشرح له غيرتهم وحماسهم وكثافة عددهم. فلمَّا علموا ذلك أغووه بكلمات ذهبية([284]) ووعدوه بترقية أعلى، وحثوه على إعاقة مجد الرب، وأمروه إما أن يُحضر الشعب إلى الكنيسة بالإقناع الشفاهى، وإما أن يُثيرهم ويمنعهم من الإحتفال بإجراءات جذرية. فشرع لوكيوس فى الحال بمهمته، مصحوبا بكهنة أكاكيوس. وكان ذلك فى الهزيع الثانى من الليل، لأنه فى بلادنا يحافظ الناس[ على البقاء] فى الكنيسة إلى صياح الديك. فأخذ اربعمائة (وهو نفس العدد الذى كان مع عيسو) من حاملى السيوف التيراقيين وكانوا مجندين حديثا ومتهورين تماما. ووفقا لإشارة معينة انقضوا كذئاب مفترسة بصحبة الكهنة على حشد الجماهير، وشقوا طريقهم بالسيوف الوامضة. واتجه مباشرة إلى المياه المباركة فى الداخل ليوقف أولئك الذين كانوا على أهبة نوال (سر) قيامة المخلِّص. وقيَّد الشماس بالأصفاد، وسكب العناصر السرائرية، وضرب الكهنة والرجال المتقدمين فى العمر على رؤوسهم بالهراوات إلى أن اصطبغ الجرن بالدماء. وكانت رؤية الليلة الملائكية مفرطة فى الحزن. وتلك الليلة التى فيها حتى الشياطين ينطرحون رعبا، تحولت إلى متاهة. وركضت النسوة اللواتى خلعن ملابسهن للعماد، بجانب أزواجهن عرايا، فارين من رعبهن من القتل والعار. وهذا رجل يهرول صارخا من يده المجروحة. وذاك يجر خلفه حِملا من الملابس التى نهبها، وكلٌ يحمل غنيمة مما نهبه. وأُلقِىَّ أولئك الكهنة والشمامسة الذين تم القبض عليهم فى الحبس وطُرِد أفاضل الشعب العلمانيين من العاصمة، وصدرت الأوامر، واحدُ تلو الآخر، متضمنة تهديدات متنوعة ضد كل مَن لا يرفض الإشتراك مع يوحنا. ولكن على الرغم من كل هذا، كرَّس الاساقفة الذين تحدثتُ عنهم أنفسهم لأداء مهامهم فى الهواء الطلق بأكثر حماس. وكان جميع الذين يحبون التعليم المسيحى، أو بالأحرى يُحبون الله بلا حد مثلما نقرأ فى سفر الخروج " وكلما قتلوهم كلما ازدادوا عددا". وهكذا عندما خرج الملك فى اليوم التالى للتريض فى سهل خارج المدينة، رأى الأرض الجرداء حول بمبتون([285]) Pempton مكسوة ببياض كثيف. ومن دهشته مما رأى من المعمَّدين حديثا ([286]) مثل زهور الربيع (وكانوا حوالى ثلاثة آلاف([287]) نسمة)، سأل الحراس عن هذا الحشد الكبير المجتمع هناك. وبدلا من أن يقولوا الحقيقة قالوا أنهم ذوى الإيمان الفاسد([288]) لكى ما يجلبوا عليهم غضب الملك. وعند سماع ذلك، أرسل أولئك المسؤولين عن هذا الأمر بعضا من رفقائهم الحسودين إلى الضاحية([289]) ليشتتوا الجمهور بلا شفقة، ويقبضوا على المعلمين. وهكذا قُبِض ثانية على عدد أكبر من العلمانيين، وعلى بعض الكهنة.
(الشماس) أيها الأب الموقر كيف كان ذلك. أن تتمكن حفنة من الجنود من هؤلاء بينما كانوا كثيرين حتى أن المعمدين الجدد كانوا نحو ثلاثة آلاف، ويفضون اجتماعهم؟.
(الاسقف) ليس هناك ما يُشير إلى قلة عدد الجنود، ولا دليل على الحاجة إلى الحماس. إنها تُظهر فقط التقوى وتبرهن على إصغائهم لمعلميهم الذين حثوهم بإستمرار على غرس سلام العقل. فقال ثيودورس الشماس: حسنا تحدثت، فبكل تأكيد لم يكن متوقعا من أناس قد تعلموا الفطنة واللطف من القديس يوحنا أن يحافظوا على قضيته بحماقة واضطراب.
القصل العاشر: رحيل فم الذهب وعواقبه
(الاسقف) وإذ أنت مقتنع بهذا التفسير، فإننى أرجوك ألاَّ تقاطعنى، فإن كلامى وليد أحداث مُحزنة. فكقاعدة عامة، تلد الأحداث، دون أى شىء آخر، المزيد من الكلام([290]). حسنُ، قُبِض على نساء بعض الرجال البارزين، وعلينا نحن أيضا الإكليروس، وعلى العلمانيين، وسُجِنوا. وانتزعوا من بعضهن نقابهن([291])، ومزقوا شحمة آذان الأخريات وهم يسلبونهن من أقراطهن. وإذ رأت ذلك إحدى السيدات الثريات، زوجة إلوثيروس Eleutherus، خلعت حجابها([292]) بإرادتها وركضت فى المدينة متخفية فى رداء جارية لكى ما تحمى حياتها إذ كانت موهوبة بوجه جميل وقوام وسيم. وهكذا امتلأت سجون الماجستيريت، ولكنها تحولت إلى كنائس، فكانت التسابيح تُنشَد، ويُحتفل بتقدمة السرائر فى السجون، بينما يُمارَس فى الكنائس الجَلْد والتعذيب والأقسام المرعبة لترهيب الناس وإجبارهم على حرم يوحنا الذى حارب ضد خبث الشيطان حتى الموت.
وانقضى عيد العنصرة([293])، وبعد ذلك بخمسة أيام، جاء اكاكيوس وانتيوخس وسيفريانوس وكرينوس إلى الملك وقالوا " يا صاحب الجلالة، إنك حسب تعيين الله لستَ تحت سلطاننا، إذ لك السلطة على الجميع، ومن ثم يُمكنك عمل أىَّ شىء تُريد. فلا تكن أكثر إعتدالا من كاهن، ولا أكثر قداسة من أسقف. وقد قلنا لك جهرا أن خلع يوحنا على رؤوسنا. فلا تكن غير رحيم علينا من أجل أن تكون رحيما على واحدٍ فقط"([294]). لقد استخدموا نفس اللغة، ويُمكننى [أن أقول] نفس الفعِل، كاليهود لإقناع الملك.
فأرسل الملكُ باتريكيوس موظف العدل بالرسالة التالية إلى يوحنا "لقد وضع أكاكيوس وأنتيوخس وسيفريانوس وكيرينوس حُكم إدانتك على رؤوسِهم، فسلّم أمرك لله وأترك الكنيسة"([295]).
فنزل يوحنا من دار الأسقفية مع الأساقفة، وبعدما اعطاهم تعليمات واضحة ومحددة قال لهم "هيا نصلى معا لكى ما نودع ملاك الكنيسة"([296])، وكان مبتهجا بما حدث، لكنه كان حزينا على سوء قدر الشعب. وفى هذه اللحظة بعث أحد المسؤولين الذى أحب الله بكلمة إلى يوحنا "إن الرجل المتوحش والوقح المسمَّى لوكيوس يكمن بفرقته فى الحمّام العام، وهو على أهبة الإستعداد لجرك وطردك بالقوة إلى خارج المدينة إن رفضت الذهاب أو تأخرت. وأهل المدينة فى هياج، فأبذل قصارى جهدك فى الخروج دون ملاحظة لتمنع الناس من الصدام مع القوة العسكرية فى محاولتهم لمساعدتك". فقبَّل يوحنا بعض الأساقفة بدموع، إذ لم تسمح له عاطفته بعمل ذلك مع الجميع، واستأذنهم قائلا للباقين الذين داخل مجلس الكنيسة([297])، أمكثوا هنا فى الوقت الحاضر، واسمحوا لى بالإنصراف وببعض الراحة لى".
ولكنه ذهب إلى جرن المعمودية، ودعا أوليمبياس Olympias وهى سيدة قضت كل وقتها فى الكنيسة. وبنتاديا Pentadia وبروكل Procle الشماستان ([298])، وسلفينا Silvina أرملة نيفرديوس([299])Nevridius المبارك التى زينت ترملها بحياة جميلة، وقال لهن "تعالوا هنا يا بناتى وأصغوا إلىَّ. فإننى أرى أن الأمور الخاصة، بى قد انتهت. لقد أنهيتُ دورى ([300])، وربما لن ترون وجهى ثانية([301]) وكل ما أريد أن أطلبه منكم هو هذا، لا تدعوا أىَّ أحدٍ يفصلكن عن البشارة المفرحة التى حملتوها دوما فى الكنيسة، واحنوا رؤوسكن لأى شخص يخلفنى مادام قد قُدِّم للرسامة ليس بمشيئته الخاصة ولا بإنتهاز، وإنما بموافقة الجميع، مثلما فعلتن ليوحنا. فالكنيسة لا يُمكن أن توجَد بلا أسقف. فليرحمكم الله. أذكرونى فى صلواتكم".
وانفجرت السيدات في البكاء، وألقوا بأنفسهن عند قدميه. فأشار إلى أحد الكهنة الموقرين، وقال "خذهن بعيدا، خشية من اضطرابهن". لذا وُضِعن تحت المراقبة لبعض الوقت، وأُذعِنَّ على ما يبدو. وهكذا انتقل إلى الجزء الشرقي من الكنيسة (إذ لم يكن هناك شيء غربي([302])عنده)، لكنه أعطى أوامر بجعل البغل الذي إعتاد بصفة عامة أن يمتطيه أن يكون فى الانتظار أمام الباب الرئيسي لرواق الكنيسة في الطرف الغربي، وذلك لتضليل الناس الذين كانوا فى انتظاره هناك. وخرج معه الملاك، إذ كان غير قادرٍ على تحمّل خراب الكنيسة الناجم عن القادة والسلطات الشريرة، والذي أنتج نوعا من العرض المسرحي. أجل، فقد كان هناك هدير مثل ذلك الذى يُسمَع في المسرح، وهسهسة غير تقوية وصيحات استهجان، ويهود ويونانيون([303]) يصيحون بأعلى أصواتهم. وكان هناك ضرب وجروح بدنية من قِبل الجنود كما لو كانوا يتعاملون مع مجرمين في سجون؛ بينما كان كل ملكات النفس تتعذب من انسحاب المعلِّم، ومن التجديف على الله. لأنه في الموضع المعيَّن لمغفرة الخطايا، كانت الدماء تُسفَك!!.
وبعد هذا المشهد الفظيع والظلمة التى لا يمكن تفسيرها، ظهر لهب([304]) وسط العرش الذى اعتاد يوحنا أن يجلس عليه كقلب فى وسط جسد، ليشرح للأعضاء الآخرين أقوال الرب، ويسعى لتفسير الكلمة. وإذ لم يجده إلتهم الأوانى المقدسة. ثم انتشر كشجرة وتسلل فى العروق والعوارض الخشبية للسقف، وإلتهم البطن كأفعى وسقط خلف مبنى الكنيسة. لقد بدا الأمر وكأن الله كان يُقاصص الإثم([305]) حسب العقوبة الواجبة ليُحذّر ويُهذّب أولئك الذين لم يعتبروا، وذلك بواسطة رؤية هذه المصائب السمائية. وأكثر من ذلك، ترك ذكرى للأجيال عن هذا المجمع الوحشى([306]). ولكن ما حدث للكنيسة لم يكن عجيبا بالمقارنة بخراب المبنى الذى يُدعَى السينات الذى يقع على[بُعد] خطوات كثيرة قبالة الكنيسة نحو الجنوب. إذ بدت النيران كأن لها عقل، فعبرت فوق رؤوس الناس فى الشوارع كمثل رجل يعبر جسرا، وأمسكت أولا ليس بالجزء القريب من الكنيسة، حتى ما يمكننا أن نعزو سوء المصير إلى قرب المبنيين من بعضهما البعض، بل بالجانب الذى من ناحية قصر الملك. وهذا بيَّن بوضوح أن معجزة قد أُرسِلَت من السماء، إذ كان المرء يستطيع أن يرى حشود الناس وهى تمضى إلى أعمالها بلا ضرر بين جبال من النيران. وبنفس الطريقة أخذت النيران فى الدوران، والإرتفاع مثل أمواج البحر التى تنقاد فيها رياح شديدة، وكأنها تطيع أمرا ما، واستولت على كل المبانى المحيطة بدون رحمة، ولكنها راعت المبنى الصغير الذى به الأوانى المقدسة. ولم تدع ذهبا أو معدنا نفيسا آخر حتى لا توفر للمُتهمِين أية أرضية لإتهاماتهم الباطلة([307]) ضد الاسقف الطيب أنه قد اختص بجانب من هذه الأشياء الثمينة. وهكذا بعد أن فعلت النيران كل هذه المصائب، انحسرت تدريجيا إلى الأجزاء الخلفية للمدينة متعقبة لمسار الجبناء الخبثاء لتفضح جنون ثيوفيلس الذى دبَّر على ما يبدو مكيدة للإستيلاء على كنوز الكنيسة كغنيمة من طرد يوحنا. ولم تكن هناك خسائر فى الأرواح من النار، لا من الناس ولا من البهائم، من بين الحشود الكبيرة. ولكن قذارة الناس الذين تصرفوا بقسوة شديدة، قد تطهرت بواسطة عنف اللهب الذى فى غضون ثلاث ساعات من نهار واحد ما بين الساعة الثانية عشر والساعة الثالثة([308])، دَمَّر عمل سنوات.
الفصل الحادى عشر: النفى ووفاة فم الذهب
(الشماس) وإلى أين يا أبى ذهب يوحنا وباقى الاساقفة عندما كان كل ذلك يحدث؟.
(الاسقف) وُضِع الأساقفة فى السجن، أو طُرِدوا خارج المدينة، أو وجدوا وسيلة ما للإختفاء. بينما نُقِل يوحنا وسيرياكوس وأوليسيوس مُقيَّدين بالأغلال إلى بيثينية من قِبل جنود الحاكم([309]) تحت التهديد بالعقاب لحرق الكنيسة. وفيما بعد أُحضِر سرياكوس وأوليسيوس وكهنة آخرين إلى المحكمة، ولكن تمت تبرءتهم وأُطلِق سراحهم.
بينما حرَّر القديس يوحنا بصراحته المعهودة كما مضى هذه الرسالة الأخيرة "لقد رفضتم إعطائى فرصة للدفاع عن نفسى فى الأمور الأخرى، فعلى الأقل اسمحوا لى بجلسة إستماع بالنسبة لما حدث للكنيسة، لمعرفة ما إذا كنتُ مذنيا كما تزعمون بهذا الإشعال أم لا".
وبالمثل لاقى مطلبه بجلسة الاستماع هذه، أذنا صماء([310]). وأُرسِل منفردا بصحبة جنود إلى قرية فى أرمينيا تُدعى كوكوسس([311])Cucusus على أمل أن يُقتَل على يد البربر الذين كانوا يُغيرون بإستمرار على ذلك المكان ليلا ونهارا.
وكان الخليفة الذى عُيِّن فى محل يوحنا المعلِّم الملهم هو ارساكيوس أخو المبارك نكتاريوس. وكان رجلا أقل قدرة على الكلام من السَمك، وفى النشاط [أقل] من الضفدعة([312]). لأن هناك وقت للنشاط، وبصفة خاصة عندما يكون للخير. ومع ذلك ظل على قيد الحياة أربعة عشر شهرا فقط ثم تُوّفىَ، إذ كان قد حنث بقسم على الإنجيل تعهد به أمام أخيه نكتاريوس أنه لن يقبل أبدا السيامة كأسقف، عندما وبخه نكتاريوس على رفضه لأن يكون اسقفا لطرسوس قائلا أنه ينتظر موته. وكان ما أدى به إلى الحنث بقسمه هو أولا الطموح الذى جعله يتودد إن جاز التعبير إلى زوجة أخيه([313])، وكان تأنيب أخيه فى الواقع [تأنيبا] نبويا. وعُيِّن أحد القسوس الذى كان قد لعِب دورا نشيطا فى المخطط ضد يوحنا، وهو آتيكوس([314])، خلفا لأرساكيوس. وهذا إذ لاحظ أن لا أحد من الأساقفة الشرقيين ولا حتى من العلمانيين فى القسطنطينية يُريد الاشتراك معه بسبب الإجراءات غير الشرعية، وغير النظامية التى حدثت، سعى فى جهل منه للأسفار المقدسة([315])، إلى إجبار الناس الذين لا يرغبون فى الشركة معه وذلك عن طريق الأوامر العليا. فكان المرسوم [الصادر] ضد الأساقفة يشتمل على التهديد التالى: "كل اسقف لا يشترك مع ثيوفيلس وبروفيروس([316]) يُطرَد من الكنيسة، ويُجرَّد من ممتلكاته الشخصية". وإذ انسحق بعضهم تحت ضغط الظروف، اشترك معهما بغير إرادته. وأما الأفقر والأقل رسوخا فى الإيمان القويم، فهؤلاء خُدِعوا بالوعد بهدايا الشركة[معهما]. أما أولئك الذين لم يهتموا بشىء من مولد أو وطن أو ممتلكات أو مجد زائل، أو آلام جسدية، فإنهم حافظوا على نُبل نفوسهم بالفرار، متذكرين قول الإنجيل الإلهى "متى اضطهدوكم فى مدينة فإهربوا إلى أخرى"([317]). وكرروا فى أنفسهم قول المثَل" لا تنفع الممتلكات فى يوم الغضب"([318]). فوصل بعضهم إلى روما، وآخرون إلى الجبال، وهرب آخرون من الشر مثل الذى لليهود إلى مغائر المتوحدين. أما المرسوم الخاص بالعلمانيين فكان يشتمل على "أولئك الذين فى مرتبة عالية، يُجرّدون من وظائفهم الرسمية. وإن كانوا جنودا يفقدون أحزمتهم([319]). أما عامة الناس فيتم توقيع غرامة ثقيلة عليهم، وإخضاعهم للنفى". وعلى الرغم من كل هذا رُفُعت صلوات الأتقياء فى [الهواء] الطلق([320]) فى وسط معاناة كثيرة، لأنهم كانوا أحباء المخلّص([321]) الذى قال "أنا هو الطريق والحق" وأيضا " لا تخافوا أنا قد غلبتُ العالم".
وفى نفس الوقت أقام يوحنا فى كوكوسس لمدة عام مُطعِما لعدد كبير من الفقراء فى أرمينيا([322]) إذ حدثت مجاعة عظيمة فى ذلك الوقت، ليس فى الحبوب بقدر ما هو فى الكلام. فأثار ذلك مرة أخرى حفيظة قتلة الأخ الذين نقلوه إلى آرابيسوس Arabissus([323])، معرِّضين إياه لكل نوعٍ من أنواع المشقات، على أمل دفعه للموت. وهنا أشرق أيضا نور فضائله الساطع لأنه (لا يُمكن أن تُخفَى مدينة كائنة على تل ولا أن يوضع سراج تحت مكيال من الخشب)([324]). فأيقظ الناس فى جميع المناطق المحيطة من نومها فى أعماق عدم الإيمان والجهل، إلى أشعة الكلمة([325]). وعندئذ اشتعل لهيب الحقد بأكثر شراسة فى سفريانوس وبروفيريوس وأساقفة سوريا الآخرين، وسعوا للتخلص منه بنقله مرة أخرى إلى مكان آخر. لأنه كان بغيضا لهم ليس فقط فى أيامه التى كان الناس يدعونها إزدهارا، بل أيضا بالأكثر كثيرا فى شدائده. لقد كانوا بُلداء فى معرفة طبيعة التجارب([326]) ونسوا الرسالة الإلهية إلى الرسول عندما حلت المحن به "تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل"([327]) لذلك عندما رأوا كنيسة انطاكية تهاجر إلى كنيسة أرمينيا، وأن فلسفة([328]) يوحنا العظيمة تتردد أصداؤها من هناك مرة أخرى فى كنيسة انطاكية، تاقوا إلى قصف عمره([329]). فقد عذبتهم الأخبار التى سمعوها، كمثل ضربات سوط. إلى هذا الحد كانت شِدة الخُبث الذى يكره الخير. ورأى الإكليروس التابعون لهم ما يجرى، وقالوا فى تعجب هوذا رجل ميت هائل يخيف الأحياء وأيضا الذين فى سلطة مثلما تُخيف الأشباح الأطفال. يا للعجب الرجال المدعومون بسلطان العالم وثروة الكنيسة والرجال ذوى السلطة، وضبط كل الأمور فى أياديهم، قد شحبوا وتلوّوا رعدة من كاهن([330]) مفرد منفى وسقيم ومُجرَّد من كل حقوقه([331]). وأخيرا، لم يستطيعوا إخفاء الحية فى خيمتهم أكثر من ذلك، لذا أرسلوا إلى العاصمة واستصدروا أمرا عاليا مرة أخرى أكثر قسوة من السابق يقضى بنقل يوحنا فى وقت قصير للغاية تحت التهديد بغرامة إلى بِتيوس([332]) Pityus وهى بقعة مهجورة فى إتزانى Tzane، تقع على شاطىء البحر الأسود([333]). لذلك هرع جنود البريفكت بريتوريان المكلفون، بنقله بأقصى سرعة سيرا على الأقدام. وقالوا أن التعليمات التى لديهم هى أنهم سينالون ترقية أعلى إن مات فى الطريق. وأظهر له خلسة، واحدٌ منهم كان لا يكترث بخدمة العالم الحاضر قدرا من اللطف. أما الآخر فكان أكثر وحشية وسىء المزاج لدرجة أنه اعتبر المطالب الكريمة المقدَّمة له من الأشخاص الذين التقوا به لكى يحافظ على القديس، إهانة له. فقد كان الشىء الوحيد الذى إهتم به هو أن يموت يوحنا موتا بائسا. فعلى سبيل المثال، انطلق[ فى السير] دون أدنى إعتبار لهطول الأمطار الغزيرة إلى حد أن المياه كانت تجرى فى قنوات إلى رقبته وصدره([334]). وفى وقت آخر أعطته الشمس الحارقة على نحو غير عادي فرحا عظيما، إذ عرف أن رأس الأسقف المبارك التى كانت كرأس أليشع([335]) ستحترق بها. وعندما كانوا يَصِلون إلى مدينة أو قرية ما حيث كان من الممكن الإنتعاش بحمّام فيها، لم يسمح البائس بالبقاء للحظة فيها. واستغرقت هذه الرحلة المؤلمة ثلاثة أشهر. بيد أن القديس طوال هذه المضايقات كان مثل نجم ساطع، وكان جسده الضعيف أحمر كتفاح على طرف غصن فى شمس. واقتربوا من كومانا([336])Comana ، ولكنهم اجتازوا المدينة كمثل رجال يعبرون نهرا بواسطة جسر، وباتوا خارج السور فى مزار شهيد على مسافة خمسة أو ستة أميال من المدينة. وكان إسم شهيد ذلك المكان باسيلسكوس الذى كان أسقف كومانا وأُستُشهِد([337]) فى عهد مكسيميان فى نيقوميديا فى نفس الوقت مثل لوكيانوس قس انطاكية فى بيثينية. وفى تلك الليلة ظهر الشهيد له ([338]) وقال "تشجع يا أخى فغدا سنكون معا". وقد قيل أنه قد نادى أولا على الكاهن الذى كان يقيم معه وقال "أعدد المكان لأن أخانا يوحنا قادمٌ". فأخذ يوحنا ذلك مأخذ الجد، وإلتمس منهم البقاء حيث كان إلى الساعة الحادية عشر، ولكنهم رفضوا واندفعوا [فى السير]. ولكن ما أن قطعوا حوالى ثلاثين غلوة([339])حتى أُصيب بمرض حاد لدرجة أنهم اضطروا إلى العودة إلى المزار الذى انطلقوا منه. وعند وصوله طلب ملابسا بيضاء([340])، وهى ملابس تليق بحياته. وخلع ما كان يرتديها، وارتداها عن عمد([341]) وغيَّر كل شىء حتى الحذاء. ووزع كل هذه على الحاضرين، ثم تناول السرائر([342]) ورفع صلاته الأخيرة فى حضور أولئك الذين كانوا واقفين حوله مستخدما صيغته المعتادة "المجد لله على كل شىء"([343])، ثم رشم ذاته [بعلامة الصليب]([344]) قائلا " أمين" ورفع قدميه اللتين كانتا جميلتين جدا لأنهما كانتا مسرعتان([345]) لخلاص أولئك الذين اختاروا التوبة، ولتأنيب أولئك الذين يغرسون حقول الإثم. فإن كان التأنيب لم ينفع الأشرار فإن ذلك لم يكن من إهمال المتكلم([346]) الذى يتكلم بلا خوف([347]) ولكن من تهور أولئك الذين لم يقبلوه([348]).
وهكذا إنضم إلى آبائه([349]) بعد أن نفض التراب عن قدميه وانتقل إلى المسيح كما هو مكتوب "ستأتى إلى لحدك، كما تُجمَع الحنطة فى موسمها، أما نفوس الخطاة فستموت قبل آوانها([350]) .
وجاء جميع النساك والعذارى وكل الرجال المشهورون بحياتهم النقية من سوريا وكيليكية وبونطس وأرمينيا لدرجة أن كثيرين اعتقدوا أنهم قد أُستُدعيوا بإشارة ما. وجرت مراسيم الدفن والجنازة([351]). وهكذا دُفِن جسده المسكين كمثل مصارع منتصر فى نفس المزار مع باسيليسكوس .Basiliscus
الفصل الثانى عشر: دفاع عن عادات فم الذهب فى الاعتدال
وذُهِل ثيودورس مما سمع، وسأل هنا سؤالا مقتبسا كلمات الكتاب المقدس.
(الشماس) كما هو مكتوب "لا تهمل تلاوة الشيوخ، لأنهم هم أيضا قد تعلموا من آبائهم"([352]) فهلا سمحت وأخبرتنا عن سبب تناول طعامه بمفرده، وعما إذا كان ذلك صحيحا كما يقولون أم لا.
(الاسقف) إننى أسلّم بأنه كان يتناول الطعام بمفرده، ولكن يؤسفنى أن أجد شخصا مدققا مثلك يا ثيودورس يطرح أسئلة كتلك التى يطرحها الأطفال الشرهين. فإن رجلا بالغا مثلك ينبغى أن يستعلم عن الفضائل الخاصة بالرجال. [فيسأل] عن تدبيره الخاص بالشجاعة والثروة وضبط النفس والوداعة، والبر والصداقة والحكمة العملية والرجولة والتذكر أو النسيان. لأن الطعام لا يُقربنا إلى الله سواء أكلنا أم لم نأكل([353]) ولكن المعرفة العاملة بنشاط.
نعم كان يأكل وحده، وأنا أعرف أن ذلك كان راجعا على الأقل جزئيا للأسباب التالية([354]). فأول كلُ شىءٍ، لم يكن يشرب النبيذ لأنه يدفع الدم إلى رأسه، غير أنه فى حرارة الصيف كان يشربُ ماء الورد. وثانيا أن معدته نظرا لمرض ما كانت مختلة لدرجة أن الطعام الذى كان يُعدُّ له كان غالبا لا يصلح له فيطلب شيئا ليس موضوعا على المائدة. وثالثا، غالبا ما كان ينسى مواعيد الوجبات فى بعض الأحيان حتى المساء إما لأنه كان مشغولا بأمور الكنيسة أو لأنه كان مستغرقا فى تأمل روحى إذ كان يجاهد دوما فى معالجة كل صعوبة فى الأسفار المقدسة. ومثل هذه الدراسات تتطلب وجبات خفيفة أو لا وجبات على الإطلاق. وأيضا إذا ما جلس على مائدة مع بعض الأصدقاء، أو تسامر معهم فى طرب غير لائق، أو ارتشف قطرات من نبيذ حار، فلا شك أن هذه الصُحبة الجيدة ستتحول إلى قيل وقال خبيث. ولكن فى رأيى كان السر كله والتفسير الأكثر صدقا هو هذا: أنه كان حريصا للغاية فى التعامل مع ذوى المتعة، معتبرا أن الإنفاق على مثل هؤلاء الرجال مثل تدنيس المقدسات([355]). وفى نفس الوقت كان ذلك طريقة لتقليل فرص الإختلاس من جانب المشرفين[على الموائد] التابعين له، ومنعهم من مضاعفة نفقات الطعام عشر مرات، والإحتفاظ بما يخص الفقراء لأنفسهم([356]). وبالإضافة إلى ذلك إذ وضع فى ذهنه كل سكان المدينة([357])، فكَّر أنه كخادم للمسيح ينبغى عليه الإهتمام بكل أحدٍ أيا كانت رتبته بأنه مستحق للغداء معه، أو بالأحرى عدم منح هذا التكريم لأحد. وعوَّل على السلوك السىء الذى يحدث على الموائد، وعلى النفقات العديدة التى لا تذهب إلى الفقراء، فكرِه هذا الأمر برمته، وصرف ذهنه عن التعليقات السخيفة التى ذكرتها، وكرر فى نفسه كلمات سفر الأعمال، ليس حسنا أن نخدم الموائد اقيموا أنتم أناسا أتقياء لهذا الأمر لنتفرغ نحن للكلمة والصلاة"([358]). إن جواد السِباق عندما يصبح مسنا جدا عن الركوض فى السباق، فإنه يُستَخدَم فى المطحنة، ويظل يدور ويدور دورانا لا ينتهى. والمعلّم، بنفس الطريقة، عندما يفتقر إلى روح الكلام بكلام الفضيلة، فإنه يشرع فى جذب الناس بشباك المائدة. [وياليت] ذلك يكون للجياع والمحتاجين، لكى ما يربح البركة التى وعد بها الرب[عندما قال] "كنتُ جوعانا فأطعمتمونى"([359]) ولكن وا أسفاه إنه فقط للأغنياء الذين ينصب لهم الفخ ليكسب سمعة جيدة، أو صيتا سرعان ما يتلاشى، أو ليُحرِز دعوات من هذا النوع فى المقابل أو على الأقل ليتجنب إسما سيئا. مثل هذا الرجل ينسى اللعنة التى نطق بها الرب "ويل لكم إن تكلم جميع الناس حسنا عنكم"([360]) إنه يقل "جميع الفقراء" بل "كل الناس" لأنه "هكذا فعل آباؤهم عن الأنبياء الكذبة". فدعنا إذن يا ثيودورس لا نسعى إلى سمعة نبى كاذب مثلما يفعل الباحثون عن المجد الباطل. لأن يوحنا جاء فى طريق البر لا يأكل ولا يشرب. فقالوا عنه أنّ به شيطان. وجاء إبن الإنسان يأكل ويشرب فقالوا هوذا رجل شره، وشريب خمر وصديق للعشارين والخطاة([361]).
(الشماس) لم يكن طلبى يا أبى العظيم، إلقاء اللوم أو الحط من التقشف فإننى أعرف فكر الرجل من التقارير العامة ومن كتاباته وعظاته ورسائله([362]) التى وصلت إلى أيادينا، وإنما رغبتُ فقط فى معرفة هدفه، لمحاكاته فى أفعاله. فمن ذا الذى يمكن أن يكون غبيا على الإطلاق حتى أنه لا يعى أن المرء يخسر أكثر من أن يكسب من المائدة ما لم تكن هناك حاجة لترفيه القديسين فى ضرورياتهم.
(الاسقف) ولا أنا قلتُ يا ثيودورس الباحث عن الحق بأكثر عناية، أن نقلل من فضائل آبائنا وأقلها فضيلة الضيافة. فهى واحدة من العديد من الفضائل التى جُعِلت للتقوى، والتى مارسها الآباء البطاركة. فواحد أمسك بشِباك مائدته الله المخلِّص([363])، وآخر خدمته الملائكة. واحد كوفىء بإبن فى شيخوخته، وآخر بالنجاة هو وبناته من سدوم. والرسول نفسه يتحدث عنهم، حاثا إيانا على أن نقتدى بنماذجهم فيقول "ولا تنسوا كرم الضيافة التى بها استقبل أناس ملائكة وهم لا يعلمون"([364]). ولكن المضيف يجب أن تكون له حكمة الحيات العملية، مثلما له بساطة الحمام. فيجب عليه أن يُصغى إلى كلٍ من القولين: "اعط كل مَن يسألك"([365]) وأيضا "لا تقبل كل إنسان فى بيتك"([366]) لئلا يستقبل ذئبا بدلا من حمل، أو خنزيرا بدلا من ثور، فيستبدل المكسب بخسارة. ينبغى عليه أولا أن يفحص المكان الذى فيه الرجل هل هو مأهول أم قفر، ثم مدى ملائمته للضيافة، وما إذا كان من الممكن أن يتحمل آداب أشخاص آخرين. ثم يجب أن يستخدم الإفراز بالنسبة للشخص الذى تخصه الخدمة هل هو ثرى أم فقير، سليم أم مريض، فى حاجة إلى طعام أو ملبس لأنه بهذه الأمور تكون عمليات الإحسان. إن المبارك ابراهيم لم يستقبل حكاما ولا جنرالات او عظماء العالم من حوله الذين لهم جياد بألجمة وسُرج لامعة، أو سراويل بأجراس([367]) معدنية تعلن قدومهم من بعيد. فقد عاش فى منطقة قفر واستقبل الذين زاروها. لقد جاء إلى أب الآباء عبر الصحراء، إما منجذبين بفضيلته وإما تحت ضغط الحاجة والعوز. فالفقر وسط بين الإفراط والعجز. بين الافراط فى الثروة وبين عجز العوز([368]). وبنفس الطريقة عاش لوط فى مدينة أسوأ من الصحراء، واستقبل الغرباء الذين زاروها، بسبب سوء سلوك سكانها. ولكن كاهنا يعيش فى مدينة جيدة كالقسطنطينية يستقبل كلَّ واحدٍ ([369]) سيُهمِل بسهولة خدمة الكلمة، حيث سيكون مشغولا دائما بخدمة البُطون. وسيصير مثل هذا الرجل بدون وعىٍ، مثل صاحب فندق أكثر من كونه معلِّم حيث تختفى المعرفة التقية فى[ وسط] الأحاديث الباطلة، ويكسب توبيخ النبى "حارس فندق يمزج الخمرَ بالماء"([370]) لأن التعليم أفضل بكثير من كرم الضيافة بمقدار ما أن النبيذ أفضل من الماء. فواحد يستفيد من معاصريه، وآخر من الأجيال القادمة. واحدٌ يصنع خيرا لأولئك الموجودين فى الوقت الحالى، وآخر لأولئك الذين ليسوا موجودين أيضا. لأولئك الموجودين بواسطة كلام الفم، ولأولئك الغير موجودين بواسطة الكتابة، وهكذا كان الحال مع المخلّص فى أيام تجسده إذ أطعم آنذاك الجموع بالأرغفة ليس فى المدينة ولكن فى البرية. وعلّم الناس الذين كانوا حاضرين بكلام الفم، بينما خلَّص العالم بواسطة الأناجيل المكتوبة. وهذا حقيقى، بصفة خاصة بالنسبة لكلام الرجال الملهمين. لا تعجَب يا ثيودورس عنما يُشبِع الإنسان جائعا بالطعام، ولكن عندما يُخلِّص النفسَ من شكلٍ ما من الخجل، لأن هناك كثيرين من الناس يقدرون ان يطعموا البطون بالخبز والخضروات فى وقت الحاجة سواء مجانا أم بنقود. بينما من النادر ان تجد الشخص الذى يزودك بغذاء الكلمة، وعندما يوجد يلقى صعوبة فى قبول رسالته إن قُبِلَت على الإطلاق. لأن الأرواح الشريرة تبذل دائما كل ما فى وسعها للحيلولة دون خلاص النفوس. إن هذه المجاعة إلى كلمة التعليم هى تلك التى هدد الرب الإله بأن يجلبها على الشعب كعقاب لهم عندما قال النبى "سأجلب عليهم مجاعة ليست إلى الخبز والماء بل إلى سماع كلمة الرب"([371]). وعلاوة على ذلك فى حالة الجوع إلى الخبز المادى يكون من الممكن دائما ترك المدينة أو البلد الذى فيه العجز والبحث عن الآمان فى مدينة أخرى، مثلما فعل الآباء البطاركة عند ما نزلوا من فلسطين إلى أرض مصر. بينما فى حالة المجاعة إلى الطعام العقلى الذى يحل على الكنائس بسبب العجز فى المعلمين، يقول النبى ثانية "سيركضون من الشرق إلى الغرب باحثين عن كلمة الله ولن يجدوها"([372]). لماذا لا ينبع ما هو جيد من التعليم؟ وماهى المشكلة فى أن لا يكون. وما هى أخطاء الأكل والشُرب؟. أعنى الأمراض، والمشاجرات، والاضطرابات فى بعض المناطق الفرعية المعدة، وعوقب كل هذا. ومتى كان ذلك أن طُرِدت حواء من الجنة، أليس عندما أكلت من الشجرة بُناء على مشورة الحية بدلا من الشبع بما عينه الله لها طعاما؟. ومتى ارتكب قايين جريمة قتل الأخ، أليس عندما أبقى من جشعه أفضل ما عنده وأمل باكورة ثماره قبل تقديمها لله. ومتى حلّت الكارثة على أبناء أيوب التى حوَّلت فى لحظة موائدهم إلى قبر، أليست عندما كانوا يأكلون ويشربون؟. ومتى فقد عيسو البركة؟. ألم يكن ذلك عندما استسلم لشهوة المطبخ، وكان عبدا لمعدته؟. ومتى فقد شاول مملكته، أليس عندما كان يأكل أفضل الغنم ضدا للشريعة؟. ومتى أغاظ شعب اسرائيل الله ؟ أليس عندما اشتهوا مائدة مصر وطلبوا معلِّم الجسد والقدور؟. ولماذا قُتِل حفنى وفينحاس إبنىّ عالى فى ساعة واحدة، أليس لأنهما فد إعتادا أن ينتشلا من القدور اللحم المخصص للذبيحة بمنشال ذى ثلاثة أسنان؟([373]). ولماذا فعل يعقوب الضربة المُلامة؟([374])، أليس عندما كان شبعانا من الخبز، وممسوحا بالدهن؟([375]). ومتى ثار شعب سدوم ثورة غير طبيعية؟ أليس عندما دمروا الحكم السليم بالشرب المستمر ولذلك أشار إليهم النبى حزقيال بإزدراء ([376]) فى القول "بوفرة النبيذ والإمتلاء من الخبز، اشتهوا([377])(أى المدينة) و"بناتها (أى القرى) التى تتبع دائما مثال المدن. ومتى اختفت المُثُل من الشعب القديم؟ أليس عندما شاخوا هم أيضا على فراشهم حسبما يشكو النبى أولئك الذين يأكلون الحملان من القطيع، والعجول الرُضّع من الحظائر، الذين يشربون النبيذ المعتق ويتدهنون بالمراهم ولا يحزنون على يوسف([378])، وعلى من نطق أشعياء باللعنة أليس على أولئك الذين ينهضون مبكرا للشرب؟. وها هى كلماته "ويل لأولئك الذين ينهضون مبكرا، ويتبعون المُسكِر، والذين يتأخرون ليلا لأن الخمر تلهبهم، لأنهم بمزمار وقيثارة يشربون الخمر، ولا يهتمون بعمل الرب"([379]). ومتى أخزى دانيال كهنة البعل؟. أليس عندما وضع لهم التراب فخا وبرهن على ذنبهم بواسطة الأكل والشُرب([380]). ولستُ محتاجا إلى الكلام عن أولئك الذين اختاروا السير فى الطريق الواسع وازدروا بالطريق الضيق، فإن كلام المخلّص كافٍ فى ذهنى لإدانة صيَّادى الشواء. ففى الفقرة التى يوضح فيها كيف أن الثرى المُغفَل الإسم، كان يتنعم يوميا فى حياة الدنيا، يتوق[فى الآخرة] إلى أن يُحضِر له العازر الفقير قطرات مياه وفتاتا، ولا يحصل عليهما. دعنا ننظر إلى جماعة القديسين قديما، ونرى أىُ نوعٍ من التعليم استخدموه، وهل هو [الخاص] بحياة التقوى وكلام الإستقامة أم [الخاص] بجماعة الشاربين والمعيشة المترفهة. كان أخنوخ أول المنتقلين، فهل انتقل بالإيمان أم بالإنضمام إلى جماعة الشاربين؟. ثم حافظ نوح على الجنس البشرى على وجه الأرض بواسطة فُلكٍ من الخشب عندما طُهِّر العالم من حوله، فهل كان ذلك بواسطة الإنضمام إلى جماعة الشاربين و[ذوى] الأعمال غير النقية أم بالصوم والصلاة. وعندما وجد بعض الراحة([381])فى الشرب، بعد هذا الطوفان المهول، ألم يلومه الكتاب المقدس على [عمله] المخزى بدلا من أن يُكرّمه؟. وعندما هزم المبارك إبراهيم ملوك سدوم الخمسة وأنقذ لوط، هل كان ذلك بالإيمان والبر، أم بالأكل والشرب؟.
فقال ثيودورس عندئذ. إذ استشهدتَ بإبراهيم فى هذه المناقشة، فدعنى إذا سمحت أُلفِت نظرك إلى هذه النقطة، فإن شخصا ما سيقول لك أنه قد كسب الحرب بالإيمان، ولكنه كسب الله، كما أوضحتَ أنت بالمائدة.
(الاسقف) يا لها من فكرة!. كما أن ابراهيم قد كسب الله بمائدة، أليس من الأفضل لنا أن نهجر الإيمان وباقى الفضائل ونغرس الشُرب؟. وعندئذ لن نكون أفضل من صاحب فندق ومشرفى المطاعم الذين يصطفون فى الشارع لأجل هذا الغرض من أجل الربح القبيح. وعندئذ يكون من الأفضل للعذارى اللواتى يجاهدن من أجل قداسة الجسد والروح لمجد الله أن يحملن أطفالا، لأن مريم أنجبت المسيح. إنهن لو فعلن ذلك، لن يكنّ أفضل من العاهرات. إذا كان يجب علينا توفير ملذات المائدة لأن ابراهيم فعل ذلك، فإنه يجب إذن على العذارى لدينا أن يحملن أطفالا لأن مريم قد فعلت ذلك. لا لا يا صديقى المُكرَّم، لا يجب أن نجلب السخرية للأمور التى حدثت أو التى تحدث بتبرير من ظرف خاص لأن ضمير كل إنسان يُعلّمه بما يجب إن كان يريد ذلك. أيضا يعقوب قد مارس جهادا فى الإيمان، بالتقشف أم بالجلوس مع أهل الشرب؟. لقد قال "لفحتنى حرارة الشمس، وصقيع الليل. وطار النوم منى"([382]) ولم يطلب فى صلاته سوى الخبز والملبس. "إن أردتَ فلتُعطنى خبزا لآكل، ورداءً لألبس، وكل ما تعطينى إياه سأقدم لك العشر"([383]). إنه لم يقل سأنفقه على الموائد. وأى نوع من الموائد أعدها موسى المتحدث عن الإيمان والخادم الأمين لله، عندما جمع الشعب للإجتماع فى الجبل؟. أىُ نوع من كؤوس الشراب كانت لديه؟. لقد أذاب الصخر بعصاه لعدم إيمان الشعب. لقد قاد ستمائة رجل من مصر، وحمل لوحىّ الشريعة ليُرشِد الشعب إلى الطريق القويم. فهل وُضِعت أمام أولئك الذين كانوا تحت إرشاده الأطباق الشفافة، ولحم الخنزير، وطيور فاسيس Phasis([384])، وسمك البحر، ونبيذ تيران المكرر جيدا والأرغفة الناصعة البياض، أم كان كلام [التعليم]؟.
(الشماس) ولكن أحدا ما سيقابل حُجتك بالقول أعطنى منَّا كثيرا، والماء الذى أوجده موسى وأنا لن أطلب أكثر على الإطلاق.
(الاسقف) مَن ذا الأكثر بلادة الذى يُفضِّل المن المادى ومياه المجرى عن التعليم الروحى. دعنا نستمر. الذين حادوا عن الأصنام بعد تعليم صموئيل معلّم الشعب لمدة خمسة وعشرين سنة عزلة فى أرماثم([385]) Armathem ، هل بالكلام أم بالموائد؟. والملك الذى كان فى ذات الوقت مرنما الذى قال "أكلتُ الرماد كخُبز، ومزجتُ دموعى بشرابى([386]) متى أعدَّ الموائد الفاخرة؟. ايليا التشبيتى الذى جلب صوما على العالم كله، وجعل الشرهين يُقللون من طعامهم رغما عن إرادتهم لمدة ثلاث سنوات وستة أشهر. بأى نوع من الموائد خلَّصهم من خطاياهم؟ وأى طهاة كانوا لديه؟. ألم يتلق قوته اليومى بواسطة غراب؟. دانيال الحكيم، الرائى للمستقبل بأى نوع من الموائد علَّم الأشوريين، أليس بالصلاة والصوم أهلك التنين وتغلَّب على البعل وسدَّ أفواه الأسود، ودفع الملك إلى التنكر لعبادة آلهة أسلافه والإعتراف بالله الذى هو أساسا([387]) كذلك؟. أية موائد وأى إبتهاج قام به بقية الأنبياء أو الرسل، ألم يكونوا معلمين؟ ألم يُعهَد إليهم العالم كله، ألسنا خلفاء لهم؟. ألا يُريد الكلمة منا أن نكون محاكين لهم ومُراعين لطرقهم. كما يُعلمنا بولس عندما "يقول "وتأملوا فى طرق حياتهم وقلدوا ايمانهم"([388]). أى نوع من الكعك المُحلَّى كان لدى يوحنا المعمدان المنادِى بالتوبة فى البرية. والذى كان أبعد ما يكون عن إعداد وجبات طعام لأولئك الآتين إليه، والذى كانت مرارة توبيخه تهين فى الواقع مذاق زائريه؟. وكانت نظراته الحادة بل حتى مظهره تهز ضمائرهم الدنسة كزلزال. وبالأكثر كلماته التى كانت تقطِّع مثل السكين خراجات نفوسهم. "يا أولادى الأفاعى مَن أراكم أن تهربوا من الغضب الآتى. لذلك قدموا ثمارا تليق بالتوبة."([389]) ولا تتكلوا على العماد فى حد ذاته أو على أنكم من نسل ابراهيم. وماذا كان تعليم بولس الإناء المختار معلم الأمم الذى أبطل([390]) الختان ليؤسس ختان الإيمان؟. هل نجده مشغولا بالموائد؟. لقد كان مدينَا([391])، لكن هذا البند كان آخر عناصر دينه، فهل وفىَّ به للأمم غير المؤمنين، وهل كانت له علاقة موائد معهم قبل أى شىءٍ. وأيضا ماذ كتب لتيموثاوس أسقف أفسس؟. "انظروا الموائد الرائعة لكم" أم "التعليم، أم الوعظ، أم العقيدة"([392]). هذه هى الواجبات التى كان يوحنا المبارك معنيا بها ومضنيا. "واظب فى وقت مناسب، وغير مناسب على التوبيخ والإنتهار والوعظ"([393]). ولا أحد يُمكنه أن يعترض على أن إثنين من هذه الأمور مُرَّيَنْ وأن الثالث سار أن يوصى بنوع من التساهل. إن المرارة الشديدة فى "وبخ، انتهر" ممتزجة بعظ وليس "تملق"([394]). فإن الوعظ المقدَّم بأسلوب علمى لهو أكثر مرارة لمحبى المتعة والإنحطاط عن التوبيخ، على الرغم من أنهم قد يجدون ذلك أكثر إغاظة. لأنه تحت تأثير بعض الأوجاع، قد تضع النفس ذاتها فى مواجهة التوبيخ وتصغى بلا إكتراث لِما يُقال، ولكن بالوعظ واللُطف والتعليم التدريجى بلغة شفوقة وصادقة، تُلتَهم تماما، إن جاز القول، بنار بطيئة وتمزَّق إربا. والآن بماذا ذكَّر [بولس] تيموثاوس؟. بالشرب والإحتفالات أم بالقصص الوقورة([395]) للمحن التى ألَّمت به؟. إنه يقول "إنك تعرف جيدا طريقة حياتى([396])، وكيف أننى وضعتُ فى قلبى، فى وسط الإضطهاد، أن أصنع كل شىء لمجد الله". فهل يذكر فى أى مكان المائدة عندما يوبخ على خطأ. وأيضا دعنا نرى ماذا يكتب إلى تيطس اسقف كريت. هل يُناقش الطعام والشراب أم التعليم والتوبيخ؟. هذا هو ما يقوله "لهذا السبب تركتك فى كريت، لكى ما ترتب الأمور المطلوبة وتُقنعهم ألاَّ يُعلموا عقيدة مختلفة، وألا يُصغوا إلى حكايات وأنساب لا نهاية لها([397]). ويضيف نوع التأنيب المطلوب "فالكريتيون كذابون، وحوش شريرة، ونهمون خاملين([398]).
ونحن نسأل ذوى البطون ورواد الموائد وصائدى النساء([399]) الذين يجدون فى زهد يوحنا خطأً، أن يفحصوا العهدين القديم والجديد ويخبرونا عندما يجدون مدحا للشرب فيما عدا التعامل بالطبع مع الغرباء، وكشرط وحيد للسلام إذ أن البرابرة، كمثل وحوش برية، تتلطف بشريعة المائدة؟. وإلى أى شىء أدى الشُرب خلاف الخطية. وعندما أقول الخطية، فإنه ينبغى بالأحرى أن أقول إلى الوثنية المحزنة كثيرا، وقتل الأخ، كما هو مكتوب، جلس الشعب للأكل والشُرب ثم قاموا للعب ([400]) لقد كان اللعب نتاج الشُكر. "هيا نصنع آلهة لنا تسير أمامنا"([401])، لقد كانوا مترنحين بشدة من الخمر أنهم يبحثون عن آلهة يمكنهم حملها، وحادوا عن الله الذى لا يتزعزع، والذى يملأ جميع الأشياء دون أن يتحرك خطوة؟. وماذا يقول النبى؟ "شفتى الكاهن تتأمل فى الشرب لأنهم سيطلبون منه غذاء وعشاءً"؟، أم شفتى الكاهن تراعى الشريعة لأنهم سيطلبون كلمة من فمه "لأنه رسول من الرب([402]) وليس طاهيا. وأيضا متى كان ذلك. بناء برجٍ فى كلنة Chalane ([403]) هل كان قبل الخمر أم بعد الخمر؟. ألم يكن مع الخمر عندما زرع نوح كروما وكان أولَّ مَن يجنى ثمار اللوم؟. ألا يوضح هذا أنه لم يكن نتيجة الشُرب بل نتيجة الإفراط؟. ومتى بيع يوسف من قِبل إخوته؟. هل كان ذلك عندما كانوا مشغولين برعاية الغنم أم عندما كانوا يذبحون ويأكلون أفضل ما فى القطيع فى خمول، فوضعوا خططا خبيثة ضده عبر أكوابهم؟. ومتى سلّموا رأس يوحنا المعمدان على طبق العاهرة؟. فى مجلس الحكماء أم فى حفل شرب بلا شريعة. وعندما أطال بولس المبارك حديثه إلى منتصف الليل هل كان فى أكل وشُرب أم فى تعليم، وبصوم، فقاد إلى الإيمان أولئك الذين كانوا لا يعرفون الله. أما بالنسبة لرئيس الرعاة، رئيس المعلمين، رئيس الحكماء، يسوع المسيح، مقوّم أخطاء البشر فأين نجد أنه يأكل فى مدينة ما خلا الفصح؟، وكان هذا تتميما للسرائر([404]). وعما كان يتناقش مع تلاميذه عندما كانوا قلقين، عن الطعام أم عن القراءة. إنه يقول "اعملوا لا للطعام البائد، ولكن لذلك الباقى"([405]). وهكذا يمكن ليوحنا الطيب أن يقول مع الرب، شرابى هو التعليم وتوزيع الكلمة التى من أجلها قد أُختُرِتُ، من أجل خلاص الشعب. لأن الطعام لا يُقربنا من الله سواء أكلنا أم لا نأكل([406]). إنه مع الأمم حيث تسود[ هذه] العادة ولأجل كسبهم، نستخدم هذه الموائد لإصطيادهم إذ لا يمكن اقناعهم بالكلام. فهم يقولون "دعنا نأكل ونشرب لأن غدا سنموت". لذلك طبق عليهم الرسول تقويما حادا بشكل غير عادى([407]) "لا تنخدعوا، فالمعاشرات الردية تُفسِد الأخلاق الجيدة". وهو يقصد "بالمعاشرات الردية" دوامة الحديث الذى يدور دوما فى مثل هذه الأمور.
الفصل الثالث عشر: دفاع ضد تهمة السلوك الإستبدادى
(الشماس) لقد أنقذتَ نفسك بالإخلاص والعلم وحجتك سليمة "فويل للقائلين للحلو مرا، وللمر حلوا. ويل للجاعلين الظلام نورا والنور ظلاما"([408]). ومع ذلك فإن شخصا ما يمكن أن يقول نحن لا نزعم أكثر مما تفعله أنتَ، أن يوحنا كان عليه أن يستسلم لمثل هذه الموائد. فصحيح أن الإسراف المفرط هو فى قاع محبة المتعة([409])، و[لكن] البخل المفرط هو بنفس القدر دليل على الإهمال وتفاهة العقل. لقد كان ينبغى عليه دعوة الأساقفة، وخاصة الأكثر ورعا. وإذ لم يكن الأساقفة فعلى الأقل كهنته على مثال الربِ عندما أكل مع رسله الإثنى عشر.
(الاسقف) إن الإعتراض الذى تثيره يا أعز الناس، سيكون راسخا إن كان فقط يمكن للكهنة أن يقنعوا بوجبة مع يوحنا ويحصلون على طعامهم فى ساعة أو يوم متأخر([410])، ولكنهم كانوا يتوقون إلى كرم ضيافة فخم، وبأسلوب عظيم، وفى مواعيد دقيقة. لقد كان من السخف تبديد طعام الفقراء والمرضى فى ولائم الأصحاء. وإلى جانب ذلك كيف يمكن أن يضع التلاميذ قانونا للمعلم، أو المرضى للطبيب، أو المسافرين للربان([411]). إن الطبيب دائما هو الذى يشفى المرضى، والمعلّم هو الذى يُعلّم التلاميذ، والربان هو الذى يتحمل مسألة أى ألمٍ أو مشقة. على الرغم من أنهم لا يضمنون النجاح. هكذا معلم الحياة السامية قد عُهِد إليه بالقضاء على الأمراض والأسقام، وتدريبهم على التغلب على موجات الشهوة الأشرس. ولكن الناس بذلوا أقصى ما فى وسعهم لمعارضته بألسنتهم الجامحة وإثارة الوحل بأقدامهم غير المغتسلة. فلو كان يوحنا قد خضع لهم واستسلم للموائد فكم من الناس المهمين الذين يعيشون مثله فى مدينة عظيمة كانوا سيشبعون حيث كل واحدٍ يرغب فى الغداء معه إما لنوال البركة ([412])، وإما لأنه فقير، وإما لأنه شره؟. وكيف كان سيجد وقتا للتأمل الدينى وخدمة قطيعه ودراسة الكتاب المقدس والعناية بالأرامل، وتشجيع العذارى، وتمريض المرضى، ومساعدة مَن هم فى ضيقة، وهداية مَن هم فى زلل، والفكر المنشغل بالمنكسرى القلوب، وزيارة المساجين؟. وكيف كان سيهرب من لعنة الله الموبخة المنطوقة فى حزقيال؟. "ويل للرعاة الذين لا يُطعِمون القطيع. الذين لا يردون الضال، ولا يبحثون عن المفقود، ولا يزورون المريض، ولا يعصبون المنكسر، ويذبحون السمين ويأكلونه"([413]). والذين يكتب عنهم بولس "تحتمِلون رجلا إن وضعكم فى قيود، إن إلتهمكم، إن أَسَرَكم"([414]) و"ترتدون الصوف ولا تطعمون القطيع". ويقول فى أرميا عن الرعاة الكسالى "رعاة كثيرون أهلكوا كرمى"([415]).
(الشماس) فى وقت ما كان يمكنه أن يُقدِّم احترامه لهؤلاء الناس دون إهمال لواجباته الكنسية، فلا يجلب لنفسه إسما رديئا([416]) عندما يكون كل شىء آخر بارزا.
(الاسقف) هذا هو بالضبط المطلوب من الكاهن ألاَّ يجلب لنفسه اسما رديئا([417]) وذلك ليكون النطاق الكامل لمواهبه الخطابية ونشاطه وحماسه وكل التدابير الأخرى للكاهن. آلا تعرف ياثيودورس المكرَّم أن إحدى تطويبات الرب تتناول الإتهامات غير المعقولة "طوبى لكم إن عيَّروكم، وقالوا فيكم كلَّ شرٍ([418])، ولكن الويلَ لكم، إذا تكلَّم كلُ الناس حسنا عنكم، لأنه هكذا فعل آباؤهم بالأنبياء الكذبة" ([419]). فكيف يمكن لشفاه تدربت على الأقوال الإلهية ولآذان اعتادت على الإصغاء للوصايا الإلهية، أن تحتمل القيل والقال على الموائد بينما يقول الرب لا يمكن لعبد أن يخدم سيدَيَن"([420]). ويستطرد "لا يمكنكم أن تخدموا الله ومامون؟. ومن الأفضل لنا أن نعرف ماهو "مامون" وإلا نجد أنفسنا لا نخدم حتى سيدين بل مامون فقط. فى هذه الفقرة لا يعنى بمامون الشيطان ولكن النتاج الباطل لهذه الدنيا الذى يأمر كل تلاميذه بالإبتعاد عنه.
(الشماس) أنا مقتنع تماما بالضوء الذى سلطته على مسألة الموائد هذه. والآن يا ابى المقدس فلتعد إلى روايتك للأحداث. ولا تتضايق منى لإثارة الاعتراضات لأننى أريد فقط أن أعرف أكثر، لذلك استمر فى طرح الأسئلة لكى ما تجيب بمزيد من التفاصيل أكثر مما تود.
(الاسقف) دعنى أوضح لك هذه النقطة أكثر، أيها الحبيب والمتعلم ثيودورس. لقد كنتُ أنا نفسى ذات مرة واحدا من أولئك الذين عقدوا العزم على إرضاء الجماهير بالموائد. وأنا أقول أن الأسقف، وخاصة أسقف مدينة كبيرة، الذى يترك خدمة الكلمة وليس فى متناول يديه ليلا ونهارا، موائد الشريعة ويقوم بإسعاف الفقراء ليس بشخصه ولكن بواسطة وكلاء، إنما يختلف تماما عن أولئك الذين قالوا "هو ذا قد تركنا كلّ شىء وتبعناك، فماذا علينا بعد"([421]). إنه يجب أن يكون فى مرتبة أولئك الذين قالوا ياسيد ألسنا بإسمك فعلنا هذا أو ذلك". وسيسمع الرد مثلهم، "اذهبوا ايها الملاعين، فأنا لا أعلم من أين أنتم"([422]) لأن الكلمة([423]) لا يعرف الأعمال الصامته([424]) فإن عينيه طاهرتين للغاية حتى أنها لا ترى الأشياء الشريرة لأن هناك كثيرين من المدعوين أساقفة حريصون على التخلص من الكراهية المعقولة تماما التى يلاقونها بسبب شخصياتهم الخاصة، وعدم مبالاتهم بالأمور الروحية إنما يستبدلون شرا بشر آخر، الجشع بالمجد الباطل. فبينما يفعلون بيدٍ خطأ بلا حد من أجل تحقيق مكسب أثيم، فإنهم بالأخرى يُعِدّون الموائد وينصبون الأعمدة للمبانى الشاهقة([425]) من أجل أن يكسبوا سمعة أنهم عاملون جيدون ونشيطون وشرفاء بدلا من العار. إنهم ينسون الجامعة الذى شيَّد مبانى عظيمة ثم كرهها ونهى بوضوح عن مثل هذه الأشياء عندما كتب "بنيتُ بيوتا و[غرستُ] بساتينا"إلخ، و"هوذا الكل باطلا، وكرهتُ كلَّ ما عملتُ تحت الشمس"([426]) إنه لم يقل "فوق الشمس" وإلاَّ كان قد جلب بذلك عدم الصيت على التعب الروحى. وعندما أفعل هذا فإننى لا أضمُّ فى الإدانة أولئك الذين يبنون بتعقل وعن ضرورة، أو لتجميل ممتلكات الكنيسة. إننى أفكر فقط فى أولئك الذين يبددون أموال الفقراء على الممرات المعلقة([427])، وخزانات المياه التى ترتفع ثلاثة طوابق والحمامات السيئة السمعة المخفية عن الأنظار للرجال المخنثين([428])، أو يبذلون مواهب طاقاتهم على المبانى إما كذريعة من أجل جمع أموال أكثر، وإما لكسب تقدير الناس. وهذا ببساطة [يعنى] التضحية بكل شىءٍ من أجل إمتاع الخطاة. أما بالنسبة لى، لا سمح الله، أيها الشهير ثيودورس فلن أسُر أبدا الأشرار لأننى لن أرضيهم أبدا إلاَّ بالطرق التى لا يرضى عنها المسيح.
وإذ أٌعجِب الشماس للغاية بهذا الإيضاح، طلب من الاسقف [قائلا] إن ملاحظاتك سليمة تماما ولا شىء يمكن أن يُقال ضدها. والآن، هل لديك أية معرفة يمكنك أن تشركنا فيها عن الترتيبات([429]) التى اتخذها القديس يوحنا فى أسيا، حيث أننا مهتمون به فى مناقشتنا هذه.
(الاسقف) بالتأكيد لدىَّ مثل هذه المعرفة.
(الشماس) هل من تواجدك شخصيا، أم أنك حصلت عليها من آخرين ؟.
(الاسقف) لا، فإننى لم افقد كلمة من المحاكمة. (الشماس) قل لى إذن بالتفصيل كيف بدأ وماذا تلاه وكيف انتهى. فإننى أرغب فى أن أعرف [هذا] بصفة خاصة لأن ثيوفيلس قال فى إتهامه ، وهو مهتم بإخفاء سلوكه المتهور أن المبارك يوحنا كان متأثرا للغاية بحب السلطة لدرجة أنه خلع ستة عشر([430]) اسقفا فى يوم واحد، ورسم مخلوقات من ذاته بدلا منهم.
(الاسقف) من العدل أن يتوقع الإنسان من شخصية عجيبة كهذا أن يكتب ويكتب أكاذيبا ضد يوحنا. إنه بذات الخطوات التى اتخذها لإخفاء خزيه الخاص قد أثبت رغما عنه براءة يوحنا بأكثر وضوح، تماما مثلما كان فى حالة بلعام. فإن كان قد نجح فى الإطاحة به، لمَا كانت هناك حاجة إلى لائحة إتهام. إذ أن النص كافٍ لإلحاق العار بالمخلوع. ولكن لمَّا كان أسقفنا قد ظل راسخا فى الفضيلة ضد محاولات الإطاحة به، وفاز بالنصرة فى الهزيمة، فإن خبث خصمه صار أشر مما مضى، شاعرا بأن انتصارهم لا معنى له، وبدأ ينتفخ من الغضب مثل فقاعة، ويكتب النقائص والمثالب. وهذا ما عناه اشعياء عندما صرخ "الويل لأولئك الذين ينتهزون كل فرصة لعمل وقول وكتابة الأكاذيب. إذ يقول "الويل للذين يكتبون لأنهم يكتبون الإثم"([431]). لقد كان عدد الأساقفة الذين خلعهم يوحنا فى أسيا، ليس ستة عشر ولكن ستة. وإننى أؤكد كما أمام عرش الله الديَّان، إننى لم أُسقِط رقما واحدا من العدد، ولا أضفتُ صفة واحدة إلى عمله. فإن بيانى هو بالضبط وفقا للحقائق.
ففى السنة الثالثة عشر من الإعتلاء([432]) جاء بعض الأساقفة من أسيا إلى القسطنطينية فى عمل، ومكثوا معنا. وإلى جانب هؤلاء كان هناك أساقفة آخرون من ضمنهم ثيوتيموس([433])Theotimus من اسكيثيا، وآمون المصرى من تيراقيا، واربيانوس من غلاطية. وجميعهم مطارنة ومتقدمون فى العمر، وعددهم جميعا إثنين وعشرين أسقفا([434]). فإنتهز يوسيبيوس أسقف فالنتينوبوليس بمنطقة تُعرَف بكيلبيا Kilbia ([435]) فرصة اجتماع هؤلاء واشتركوا معا للمضى قُدُما فى اليوم الأول من الأسبوع، وقدَّم لهم مذكرة ضد انطونيوس اسقف افسس بهذه الإتهامات لكى ما تأخذ دورها[فى المناقشة] وقد استهلها بالطبع بإسم يوحنا. وكانت هذه الاتهمات تندرج تحت سبعة رؤوس: الأول أنه صهر صحن الكنيسة ووضع ثمنه فى حساب ابنه. والثانى أنه نزع رخاما من مدخل غرفة المعمودية واستخدمه فى تحسين حمامه الخاص. والثالث، أنه نصَب أعمدة تخص الكنيسة كانت فى مواضعها لسنوات عديدة فى غرفة معيشته. والرابع: أن خادمه ارتكب جريمة قتل، ومع ذلك مازال يحتفظ به فى خدمته دون أن يُقدّمه للمحاكمة. الخامس: أنه باع أراضى تخص الكنيسة كانت قد أوقفتها بازيلينا أم الملك يوليانوس، واحتفظ بالنقود. والسادس: أنه بعدما انفصل عن زوجته([436]) عاد فتزوجها وأنجب منها أبناءً. السابع: أنه يعتبر ذلك كقانون وعقيدة، أن يبيع سيامات الأسقفية بثمن يتناسب مع الدخل. وأضاف أن هناك أشخاص حاضرون قد دفعوا مثل هذه الأموال فرُسِموا. وبالمثل الرجل الذى استلمها، وأن لديه البراهين على تصريحاته.
الفصل الرابع عشر: زيارة فم الذهب لأفسس
(الشماس) أرجوك يا ابى اختصر روايتك لأن هؤلاء الموجودين معنا ([437]) تواقين لسماع التأكيدات التى قدَّمها الأساقفة، ناهيك عن الكلام عن أعمال الاساقفة لمثل هذه الأمور.
(الاسقف) الويل لى أننى عشتُ لأرى مثل هذه الأيام التى تُباعُ فيها الخدمة المقدسة، إن كانت مقدَّسة، تحت ظروف ما بمالٍ. "لقد صرتُ غبيا"([438]) فى روايتى عن أغلب المشتكين على يوحنا الذين أوصلونا إلى ذلك.
ولكن لتصبر علىَّ، فإنك ستندهش من التعقل الذى أظهره يوحنا فى هذه المسألة، كما فى غيرها. فقد ضبط سخطه لفترة من الوقت، ثم قال ليوسيبيوس "أيها الأخ يوسيبيوس، إن الإتهامات الصادرة، فى لحظة غضبٍ غالبا ما تكون ليس من السهل إثباتها. فإننى أرجوك ألاَّ تُقدمها كتابة ضد أخينا انطونيوس، ونحن سنسوى الأمور التى أغاظتك". فغضب يوسيبيوس جدا من ذلك، وانغمس فى لغة قاسية ثائرا بكل قوته ضد انطونيوس، وأصرَّ على اتهاماته. فطلب يوحنا من بولس([439])[اسقف] هيراكليا الذى يبدو أنه كان مُريدا حميما لأنطونيوس أن يصالح بين الإثنين معا. ثم نهض ودخل الكنيسة إذ كان وقتُ الذبيحة قد حان، وحيَّا الشعب بالتحية المعتادة([440])، وشغل كرسيه مع الأساقفة الآخرين. ولكن يوسيبيوس المشتكى جاء على نحو غير ملحوظ وقدَّم أمام كل الشعب والأساقفة مذكرة أخرى تحتوى على نفس الإتهامات، واستحلف يوحنا بأقسام مرعبة ليست أقل من "وا حياة الملك والملكة"، وأحدث اضطرابا جعل الشعب ينتبه لجسارته، وظنوا أنه يحث يوحنا على تقديم إلتماس ما للملك لكى ما يرفع عنه حكم إعدام.
وصُدِم يوحنا من إصراره، واهتم بالحفاظ على هدوء الشعب فتناول منه المذكرة، وبعد أن قرأ الأسفار المقدسة، طلب من بانسوفيوس اسقف بيسيدية أن يقدِّم العطايا([441])، بينما اعتكف هو والأساقفة الباقين، لأنه كان يُحجِم دائما عن تقديم الذبيحة بذهن مشتت، كما يطلب الإنجيل "عندما تقدّم قربانك...إلخ"([442]). وبعدما صرف الشعب فكّر بتدقيق فى الأمر، وجلس فى غرفة المعمودية([443]) مع الاساقفة الآخرين. واستدعى الشاكى، وقال له فى حضور الجميع "إننى أكرر ما قد قلته لك سابقا أن الناس تحت تأثير الغضب أو الغيظ غالبا ما يقولون ويكتبون قدرا كبيرا، بينما تكون أدلتهم ضعيفة. فإن كان لديك معرفة ما ببعض التهم التى تُريد أن تُقدّمها فنحن لن نرفضها إن أنت اصرَّيت عليها. أما إذا كنتَ لا تستطيع [إثباتها] فدعها قبل أن تُقرَأ المذكرة. فقرر أنت ما هو الأفضل ليُعمَل لأنه بعدما تُقرَأ الإتهامات وتصل إلى آذان الجمهور ستُسجَّل الإجراءات ولن يمكنك عندئذ، كأسقف، أن تطلب أى إلغاء([444]). ومع ذلك، ظل يوسيبيوس مُصرّا. فصدرت الأوامر بقراءة هذه المذكرة، فقُرِأت الإتهامات السبعة التى ذكرتها بالتفصيل. وعندما بلغت محتويات هذه المذكرة إلى آذانهم، قال كبار الاساقفة ليوحنا كل نقطة من هذه الاتهامات هى بلا شك إثم تحرمه الشرائع المقدسة من كل ناحية، ولكن يجب ألاَّ نضيع وقتنا فى فحص التهم الأقل وزنا. لذلك يجب أن يبدأ الفحص بالنقاط الأكثر بشاعة، لأنه متى ثبت أنها صحيحة، فلن تكون هناك حاجة لردود على الاتهامات الأخرى. مثلما يحتوى العدد واحد على الجذر الذى ينبع منه كل نوعٍ من الشر، كما قال الكاتب "محبة المال أصل كل الشرور"([445]) لأنه إذا قبل الإنسان الرشوة ضد البرىْ، وظن أنه من الملائم مقايضة عطية الروح القدس بمال فكيف يُمكنه الحفاظ على الأطباق المقدسة([446]) أو على الأحجار أو الممتلكات الخاصة بالكنيسة؟.
فبدأ يوحنا التحقيق، وسأل انطونيوس ماهى ردودك على هذه الاتهامات يا أخ انطونيوس؟. فأنكرها بالطبع إذ كيف يعترف بعاره فى البداية. فسُئِل الذين دفعوا المال، فأنكروا هم أيضا التُهمة. واستمرت مراحل التحقيق هذه تتم إلى الساعة الثانية بعد الظهر عندما بدأ الحُكم يتبلور بقوة فى نقاط معينة من الأدلة. وفى النهاية أدت نتيجة التحقيق إلى مسألة الشهود الذين تم فى حضورهم دفع واستلام النقود. ولم يكن هؤلاء الشهود فى متناول اليد، وكان وجودهم ضروريا. ونظرا للإضطراب الذى سيُسفر عنه حضورهم، وحفاظا على نقاوة الكنيسة ولكى ما يضمن للشهود عدم الإزعاج أعرب يوحنا عن استعداده للذهاب إلى افسس بشخصه لإستكمال التحقيق هناك.
وإذ كان انطونيوس واعيا بذنبه، ورأى نزاهة يوحنا وعزمه، ذهب سرًا إلى أحد المسؤولين([447]) الذى كان يُشرِف على مقاطعة ما فى أسيا، وإلتمس منه أن يُرتب منع يوحنا من الذهاب إلى أسيا، واعدا إياه بإحضار الشهود بنفسه. فأرسل هذا المسؤول فى الحال رسالة من القصر إلى يوحنا بهذا الخصوص "إنه لأمرٌ غير وارد على الإطلاق بالنسبة لك، أيها الأسقف، راعى نفوسنا، أن تغادر المدينة فى ظل هذه الاضطرابات الخطيرة المتوقعة، وتتكبد مشقة الغياب الطويل فى أسيا بينما من الممكن إحضار الشهود بسهولة إلى هنا". وكان جاياناس([448]) Gainas البربرى هو المتوقع لإثارة هذه القلاقل.
حسنٌ، ولإختصار القصة وافق على البقاء بالقسطنطينية، وفكَّر ليس فقط فى العبء المُلقى على عاتق الشهود، ولكن أيضا فى متطلبات العدالة. وكان تأجيل ظهور الشهود هبة من السماء للمتهمين للتخلص منهم بالرشوة أو بالضغط. وهذا ما توقعه يوحنا، فإجتهد بالتالى مع المجمع الملتأم فى إرسال بعض الأساقفة الحاضرين إلى أسيا لإستجواب الشهود. وتم تعيين ثلاثة من الاساقفة فى الحال للذهاب هم: سينكلتيوس Syncletius مطران تراجانوبوليس Trajanopolis([449])، وهيزيكيوس Hesychius اسقف باريوس([450])Parius، وبالاديوس اسقف هللينوبوليس. وكان قرار المجمع بالتدقيق هو [أنه] إذا لم يظهر أىُ من الخصوم فى خلال شهرين ويُقدِّم دفاعه فى مدينة هيبوبى Hypoepi بأسيا(وقد أُختِيرت على مسافة ملائمة لكل من الخصوم والاساقفة الآخرين المشاركين لسينكلتيوس ورفقائه فى المحاكمة) فإنهم يكونوا محرومين. ونزل إثنان من الاساقفة المعينين، سنكلتيوس وبالاديوس إلى سميرنا([451]) Smyrna لأن هيزيكيوس الذى كان صديقا لأنطونيوس تظاهر بالمرض. وأخطرا الطرفين فى الحال برسالة بوصولهما، آمرين إياهم بالذهاب فورا إلى المدينة المعينة فى القرار بدون إبطاء، وتنفيذ وعودهم.
وبدلا من ذلك، اتفقوا مع بعضهم بعضا وذلك بفضل الرشوة([452]) من ناحية، وبالقسم من ناحية أخرى، وقبل وصول القضاة، أنهم قد صاروا أصدقاء، ثم أظهروا مقتا شديدا لمنطقة هيبوبى، وأرادوا تضليل القضاة وتأجيل مثول الشهود على أساس أنهم بعيدين عن منازلهم لفترة طويلة لأسباب لا يُمكن تحاشيها. وبناء على ذلك، سأل القضاة الشاكى: فى غضون كم يوما يمكنك إحضار الشهود، ونحن ننتظرهم؟. ولما كان يتوقع مغادرتهم للمكان بسرعة بسبب ضغط الطقس إذ كان آخر فترة فى الصيف، وعد كتابة أنه خلال أربعين يوما إما أن يُحضِر الشهود، وإما أن يخضع للعقوبات المنصوص عليها فى القانون. ومن ثم أُطلِق سراحه للبحث عن الشهود، ولكنه لم يفعل شيئا من هذا القبيل، بل نزل إلى القسطنطينية، وظل هناك مختفيا. وانتظر القضاة لمدة أربعين يوما حسب الأصول. ولمَّا لم يظهر أرسلوا رسالة إلى كل اساقفة أسيا معلنين حرمه إما كمتهرب([453]) وإما كمدِّعى بالزور. ثم لبثوا ثلاثين يوما أخرى، ولم يظهر فرحلوا الى القسطنطينية حيث سقط فى آياديهم، فوبخوه على إزدرائه. ولكنه تعلل مرة أخرى بسوء صحته ووعد بتقديم الشهود. وهكذا استمرت الأمور إلى أن تُوفِىَّ انطونيوس المدَّعى عليه فى دعوى يوسيبيوس [هذا].
وعند هذا المنعطف تلقى يوحنا دعوة من كهنة كنيسة افسس من جهة، ومن الاساقفة بأسيا، من جهة أخرى يناشدونه على النحو التالى "لما كانت شرائع الكنيسة لسنوات طويلة مضت، وكذلك نحن، فى حالة ارتباك محزنة بسبب الحاجة إلى رعاة صالحين، فإننا نرجوك أن تُشرفنا بالحضور لتُقيم أوامر الله فى كنيسة أفسس المضغوطة منذ سنوات من قِبل أناس يأخذون بوجهة نظر أريوس من ناحية، ومن قِبل أولئك الذين يتظاهرون بتمسكهم بوجهة النظر التى لنا من أجل تحقيق مزايا خاصة لهم، وهيمنة. خاصة وأن هناك كثيرين يكمنون كذئاب مفترسة، يحرصون على الإستيلاء على عرش الأسقفية بالمال".
وكان يوحنا مريضا جدا، والوقتُ موسم الشتاء العاصف، لكنه أبعد كل صعوبة من اعتباره وفكَّر فقط فى تسوية المتاعب التى كانت تقاسى منها كل أسيا بسبب نقص الرعاة أو عدمهم. وإذ تقوى بحماسه شرع فى مغادرة المدينة والسفر. وهبت عاصفة عنيفة من الشمال، وخاف البحارة من الإرتطام فوق بروكونسيس([454])Proconnesus لذا جعلوا مقدمة المركب فى مهب الرياح وركضوا أسفل جبل تريتو Trito حيث ألقوا المراسى، ولبثوا فى انتظار الرياح الجنوبية لتمنكهم من الوصول إلى آباميا. وظلوا ليومين بلا طعام، وكانت السفينة تمخر بصعوبة. ولكن فى اليوم الثالث، وصلوا إلى آباميا حيث كان الاساقفة بولس وكيرنوث([455])Cyrinus وبالاديوس([456]) فى انتظارهم لأن يوحنا كان قد عينهم رفقاءً له فى زيارته. فأكملوا الرحلة إلى أفسس سيرا على الأقدام. وعند وصولهم اجتمع معا اساقفة ليديا وأسيا وكاريا وكانوا جميعا سبعين شخصا. وهكذا أجروا الرسامة([457])، واستقبلهم الأغلبية بروح أكثر ودا ولا سيما من جانب اساقفة فريجية الذين كانوا يُقدِرون كثيرا الحكمة النازلة من فمه، حسبما هو مكتوب "الحكمة تُمدَح فى الشوارع" أى من الذين يتكلمون، و"فى الأماكن الواسعة تتكلم بأكثر صراحة"([458]) أى فى القلوب التى اتسعت من خلال ضيقات كثيرة، كما يقول الكتاب "فى الشدة فرَّجت عنى"([459]) لأن الحكمة صعبة لأولئك الذين يزرعون الزوان، ويخنقون الكلمة".
الفصل الخامس عشر: خلع ستة اساقفة، وعمل فم الذهب الذى لم يتم
كانت هذه هى حالة الأمور عندما تقدَّم الرجل الذى سبَّب كل هذه القصة الطويلة، يوسيبيوس، وادعى امام كل الاساقفة بأنه اشترك مع ستة منهم. فإعترض بعض الأساقفة على أساس أنه لا يُؤخذ بكلامه بوصفه مدعيا بالزور. وعندئذ توسل قائلا "بما أن الجزء الرئيسى فى هذه القضية قيد التحقيق لمدة سنتين، وكان التأجيل لتمكين الشهود من الإستجواب، فإننى ألتمس منكم، محبة لله، أن تسمحوا لى بتقديم شهود يومنا هذا، لأنه على الرغم من أن الأسقف انطونيوس الذى قد قبل النقود وقام بالسيامة قد مات إلاَّ أن أولئك الذين قد أعطوه المال لا يزالون باقين وينالون السيامة. فعزم المجمع الملتأم على التحقيق، وبدأت الإجراءات بقراءة محاضر الأعمال السابقة. وأُحضِر الشهود، وأيضا ستة من أولئك الذين قد أعطوا رشاوى ونالوا سيامات. وفى البداية أنكروا ولكن الشهود الذين كان بعضهم علمانيين وبعضهم من الكهنة وكانوا موضع ثقة بوضوح، وبعض آخر من النسوة. قد أكدوا ذلك وأقروا بطبيعة التعهدات المتبادلة والأماكن والتواريخ والمبلغ. وأخيرا، عندما وخزتهم ضمائرهم المضطربة كثيرا، اعترفوا بعد ضغطٍ قليل جدا بمحض إرادتهم الحرة قائلين "لقد أعطينا رشاوى، الأمر الذى قُبِل وصرنا أساقفة على أمل أن نُعفَى من الخدمة المدنية([460]). ونحن الآن نرجو أن يُسمَح لنا بالاستمرار فى الخدمة فى هذه الكنيسة إذا لم تكن هناك معصية فى عملنا هذا، أما إن كان من المستحيل فرُدوا لنا المال الذى دفعناه لأن بعضا منا قد دبَّره من أثاث زوجاتنا". وردا على ذلك وعد يوحنا المجمع الكنسى أنه بمعونة الله سيقدم إلتماسا إلى الملك بإعفائهم من الخدمة المدنية، وأمر بإسترداد المتهمين للأموال التى قد دفعوها من ورثة انطونيوس([461]). وهكذا أمر المجمع المقدس بأنه ينبغى أن يستردوا [ اموالهم] من ورثة انطونيوس، وأنه يمكنهم الاشتراك داخل الهيكل([462]) ولكن لا يُحسبون كهنة خشية أنه لو تم التغاضى عن عملهم هذا، تنشأ عادة جديرة باليهود والمصريين([463])، من بيع وشراء الكهنوت([464]). إذ يقولون أن بطريرك([465]) اليهود الطاعون الذى كذبته أعماله قد اعتاد تغيير حكام المجمع كل عام، أو مرة كل سنتين كوسيلة لجمع الأموال. وأن بطريرك مصر([466]) قد احتذى به فى عمله نفس الشىء، حتى أن كلام النبى قد تم، كهنتها يُجيبون من أجل العطايا، وأنبياؤها يتكهنون مقابل المال([467]). وقد تم تسجيل محاضر كل هذه الإجراءات، وأسماء القضاة. وعلاوة على ذلك، لم يكن التحقيق موضوع يوم واحد، كما زعم ثيوفيلس باطلا، ولكن على مدى سنتين. وأكثر من ذلك خضع المخلوعين للحكم شاكرين إنقاذهم من الدينونة الآتية. وفى الواقع تم تعيين أحدهم للتعامل فى الشؤون العامة([468]). وتم تعيين ستة آخرين فى محلهم، وكانوا رجالا غير متزوجين ومزيَّنين بالنِعم فى الحياة والكلام.
وقد أعاد السادة محبى المشاكسة، بعد نفى يوحنا( لأن نذالتهم لا إسم لها سوى أنها ملكة طبيعية فيهم) أولئك المخلوعين بعد أربعة أعوام من خلعهم، إلى الكنائس وطردوا أولئك الذين تمت سيامتهم حسب النظام، وشتتوا خراف المسيح. ولكن الأكثر سخافة عن كل شىء على الرغم من أن ذلك يدعو إلى الرثاء بدلا من الضحك، يا ثيودورس أعز صديق ومتعلم، هو ما يلى: فكما يقول النبى، أذناك سترتعد([469]) من سماع ذلك، ولكن كمحب لله ستنوح على الاساقفة الذين يتصرفون كمجانين وبأيادى الغضب يُظلِمون([470]) عطايا المسيح. فالسيامات التى كان يقوم بها بطرس ويوحنا[ الرسولين] وإخوتهما فى الخدمة بالصوم والصلاة وبالإختبار الدقيق بواسطة قرعة وبخوف، قاموا بها هم بسُكرِ وصخب ورشاوى يُرثى لها لإجهاض رجال([471]) لا يستحقون أن يكونوا ضمن جماعة خنازير أو كلاب فهم مخلوقات بلا عقل كما تنبأ أيوب مجسّما [شخص] المخلّص "الذين لم يكونوا مستحقين لكلاب قطيعى الذين يعيشون تحت القراص"([472]). وهكذا تكفلت هذه الصُحبة من الجهات الفاعلة واليهود بأسرار الكهنوت من قِبل أصدقائنا الأذكياء([473])، كما لو كانوا أصدقاء المخلّص([474]) وبناء عليه ابتعد العلمانيون الأرثوذكس عن بيوت الصلاة، لأن هذا الشكل الجديد والحقير من الجسارة قد انتشر فعلا فى كنيسة أفسس بقدر ما لنا. ولا ينبغى أن نعجب لذلك، إذ أن أفسس تقع على البحر وتُصدّر أخبارها بسهولة مع شحناتها لأنه فى مكان، لن اقول فى مكان يوحنا كاتب الإنجيل([475]) والتلميذ الشرعى الذى اتكأ على صدر الحكمة، والذى خلفه تيموثاوس تلميذ بولس الذى يوجه له رسالتين، يخلفه هناك رجس الخراب([476]) لأنهم رسموا ونصبوا فيكتور الخصى([477]) التربيون. وطرحوا فى السجن ذاك الذى نصبه سبعون اسقفا، الرجل الذى عاش حياة توحد فى الصحراء وتدرب على كل فروع المعرفة ([478]) وامتلك معرفة عميقة بالكتاب المقدس وبعد ثلاث سنوات من تسجيله شماسا. فلو كان هذا الخصى قد تلَّقى تدريبا على الحياة المقدَّسة لتم تصفية الشر، ولكنه كما هو، دودة أرض وعبد للبطن، شهوانى، شرس، سكير، مسرف، مرتشى، غير حر، طامع، سجين([479]) منذ مولده، مخلوق لا جنس له، لا هو رجل ولا هو إمرأة، مستعر الجنون. لقد قيل لى مرارا أنه كان يحمل فتيات المسرح على كتفيه فى حفلات الشرب لساتير([480]) ورأسه مكللة باللبلاب، وفى يده وعاء وهو يلعب دور ديونيسيوس([481]) فى الاسطورة كمُعلّم للشرب. لقد فعل كل هذا ليس قبل نواله سر التثبيت للمسيح، ولكن بعد[نواله] المعمودية([482])، الأمر الذى نستدل منه بوضوح أنه لا يُؤمن حتى بالقيامة. لأنه كيف يُمكن لرجل يُؤمن بالقيامة ويُفسِد أساسها؟([483]). وكما يقول الرسول كيف يُمكن أن يكرز إن لم يؤمن"([484])، إنه زائل بسكين مثل الأعمال التى لا مكافأة لها، ولكنه مختون بأعمال غير مثمرة ([485]) من فساد طبيعته.
لقد أجبتك على سؤالك عن أحداث أسيا الذى نشأ من عبارة ثيوفيلس فى خطابه وهى أن يوحنا قد خلع ستة عشر اسقفا. وتأكدتَ تماما أن العدد هو ستة. فلدينا سجلات محفوظة موقع عليها من اثنين وعشرين اسقفا تداولوا القضية منذ بدايتها، وكذا السبعين الذين نفذوا الخلع ووضعوا ختاما للمحاكمة.
الفصل السادس عشر: بورفيريوس
(الشماس) عفوا يا أبى، مثل هذه الأفعال تتجاوز([486]) السُكر والجنون والحماقة الشبابية. فالسكارى والمجانين والشباب عندما يستردون رصانتهم ثانية، أو يهضمون طعامهم، أو يبلغون سن التمييز، أيا كانت الحالة، يخجلون من أفعالهم أو أقوالهم المشينة أو غير المنضبطة، أو يُرذلونها. هؤلاء الناس بعد كل ما قد فعلوه فى سن النضج، وعلى ما يبدو فى إطار من العقل الرصين، أبعد ما يكونوا عن التوبة عن أعمالهم. فعندما لا يرتعد أناسٌ من وضع الإنجيل على رأس دنسة([487]) رقصت عليها نساء ساقطات، [فإنهم] يصلحون أن يكونوا فى مرتبة أولئك الذين وضعوا تاج الشوك على رأس ابن الله؟.
ومع ذلك إن كانت لديك معرفة شحصية بظروف تكريس بورفيريوس Porphyriusلأسقفية انطاكية أو عن أولئك الذين قاموا بفعل التكريس، أو عن الحياة السابقة للرجل وتعليمه، سواء أكانت صحيحة أو خاطئة، فقل لنا ما تعرفه، ولا سيما أنه قد أرسل رسالة إلى كنيسة روما، ولم يكن مستحقا للرد عليه.
(الاسقف) إن كلامى سيكون مرة أخرى كلام الحقيقة، لأننى لن أنسى صوت المعلم عندما يقول كل كلمة بطالة سيُعطِى الناس عنها حسابا فى يوم الدينونة([488]) ودعنى أتجاسر على إضافة عبارة وأقول لأن كل سماع بطال. فإحترس إذن إن وجدتنى لا أتكلم بالصدق، ولا تُعطى لشعرى الرمادى ([489]) وزنا بل فقط لصحة تصريحاتى. لأنه أية منفعة لى مما قلته اليوم أو أمس إن قلتُ أكاذيب عندما أُوجَد فى خزى إلى الأبد أمام عرش الديّان الذى لا يُخطىء أبدا؟. وكيف سأتحمل حجر رحى([490]) الإغتياب الموضوع حول عنق ذهنى عندما أُلقَى فى حفرة الجحيم بسبب النفوس التى أُعثِرت من أكاذيبى؟.
حسنٌ، بالنسبة لوظيفة بورفيريوس. فهذا([491]) كان يشغل فى الكنيسة لأمد طويل، وظيفة شماس وقس فى الكهنوت معا. ولكن شخصيته كانت بعيدة تماما عن الإتفاق مع حياته الطويلة الأمد فى هذه الخدمة. ولم تكن له قط أدنى فائدة روحية للكنيسة، فقد كان معارضا دائما للأساقفة الورعين فى المناطق المجاورة واستخدم منصبه كأسقف لمدينة أكثر أهمية، وماجستيريت تحت رعايته لجعل السيامات موضوع مقايضة، فبذل براعته فى منع السيامات اللائقة. وبواسطة قدراته الغريبة جرَّ أساقفة، إن جاز أن ندعوهم هكذا، حاليين للإشتراك معه رغما عنهم فى رسامات منتقدة بواسطة الرياح([492]). فالتملق إلى جانب التصرف الشرير أمر فظيع كما يقول ميناندر الشاعر "من الصعب يا بامفيليوس، أن تقاتل المرأة الشريفة إمرأةً زانية"([493]). كلما عرف الإنسان أكثر كلما فعل ضررا أكثر. إنه لم يخجل من أحدٍ، بل كلما كان الإنسان أسوأ كلما تملق أكثر، كما يقول سليمان الحكيم "كلام المتملقين ناعم فهو يدخل إلى مخادع البطن"([494]) فهو غريب للغاية، أو بالأحرى عدو لضبط النفس فى ملذات الجسد، كمثل نسر للروائح. وفى الحقيقة. الأخبار العامة أدانته بشرور سدوم غير الطبيعية. فالطبيعة تفرض على ملذاتنا القوانين والحدود والحواجز. فإذا كان ما يقولون صحيحا فإنه حطم الحواجز ونسف الحدود، وازدرى بالقانون حتى أنه أعطى انطباعا بأنه جعل مجلسه مع المشعوذين والممثلين الذين يمثلون أحداث العصور القديمة بأقدام وهيئات مشوهة([495]). لقد بلغت به الوقاحة حد الدخول فى مسابقات المهارة مع المشعوذين وتكوين صداقات معهم. وفى الحقيقة سُجِلّت اتهامات من هذا النوع لدى ماجستيرات عديدين. إنه لم يقرأ كلمات الشاعر المأثورة التى تقول "ما لا ينبغى عمله، لا تُفكّر فيه". [وبسببه قُتِل الوسيط ضربا([496]) والذى عُثِر عليه نُفِى، وأُجبِر المشعوذ على الفرار]([497]). ويقولون أنه بالإضافة إلى كل هذه الشرور كان مذنبا، بعد سيامته بصهر أطباق الكنيسة، وتبديد العائدات على الماجستيرات للظهور [بعلاقته] بالسلطات ليس كمُرشد روحى ولكن كمُستبِد على أولئك التُعساء الذين يقعون تحت سلطته([498]).
والآن تزامن وفاة فلافيانوس Flavianus اسقف انطاكية مع نفى يوحنا إلى ارمينيا. ولاحظ بورفيريوس أن كل السكان، رجالا ونساءً على حد سواء، متعلقين برقبة قنستانتيوس القس ومشتاقين لأن يكون (أسقفا) لهم فقد كان خادما بالكنيسة منذ طفولته المبكرة، ورجلا ماهرا يدويا، بحسب مصطلح سفر القضاة([499]) عن [اليد] اليمنى للناس الآخرين. فقدم أولا خدمات بكتابة الرسائل، ووُجِد بلا لوم بالنسبة للرشاوى والربح القبيح، ثُم رُقِىَّ إلى رتبة قارىء، فشماس، وبدون أى جهد ساد على الملذات الجنسية التى تسود على الرجال. وكما يقول كاتب سفر الأمثال "يد المجتهد تسود بيسر"([500]). أنه من الممكن أن يسيطر حتى الأشرار على المتعة إما خوفا من العقاب أو من العار فيبذلون جهدا كبيرا لكبح نزواتهم الجسدية. ولكن أولئك الذين يُحبون الله يمكنهم هم فقط، بواسطة محبة الله، أن يرتفعوا فوق السُفليات. أولئك الذين يدعوهم الكتاب المقدس "المختارين" فى النص "يد المختارين تسود بسهولة". فإذا كان الانسان لطيفا دائما، فإنه هو. وإذا كان منضبطا دوما ثاقب الرؤية حاد الإدراك، بطىء فى العقاب، مفكر قادر على استخلاص النتائج بالتفكير رحيم كريم، عادلٌ فى القضاء، طويل الأناة على الإهانات، قادرٌ على كسب الناس، والاستمرار فى الصوم إلى المساء والتخفيف عن المظلومين، له مظهر كريم سريع الخطوة، حاد النظر، أعزب كما ينبغى أن يكون الأسقف([501])، مبتسما دوما حتى فى مرضه. هكذا كان هذا الرجل الذى كان عقابه تنصيب([502]) بروفيريوس لنفسه بواسطة الرشوة. وكانت طريقته[فى ذلك] كما يلى: أرسل إلى العاصمة رسالة موجهة إلى المسؤلين فى السلطة عن الاساقفة، واستصدر أمرا ملكيا بنفيه إلى الواحات بإعتباره مثيرا للفتنة. ومع ذلك، عندما سمع قنستانتيوس ذلك، وبمساعدة أصدقائه هرب إلى قبرص. ولكن بورفيريوس قبض على سيرياكوس وديوفانتيوس الكاهنين وآخرين، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية. ثم احتفظ إلى جانبه فى الخفاء بحزب اكاكيوس وانتيوخس وسيفريانوس، وانتظر فرصة خروج كل المدينة إلى ضاحية من الضواحى فى أحد الإحتفالات الوثنية الكبيرة التى كانت تُقام كل أربع سنوات تكريما لأعمال هرقلس والتى تُدعى أوليمبياد، والتى تخرج فيها أسراب من النساء فى حشود إلى دافنى([503]) لمشاهدة الألعاب الرياصية. وهجم على الكنيسة مع الأساقفة الذين ذكرتهم وعدد قليل من الكهنة، ورُسِم بسرعة خلف الأبواب المغلقة خوفا من إكتشاف الأمر لدرجة أنهم لم يُعطوا لأنفسهم فرصة لإنهاء الصلاة. هكذا، كان الزنى ونسله وأعماله دوما. وأخذ سيفريانوس وأصدقاؤه الرشاوى وفروا عبر الجبال والدروب غير المطروقة. لقد هربوا من رُعب الانسان، ولكنهم ضُرِبوا بالرعب من الله الذى تجاهلوه. والآن، عندما فرغ المسرح العام ودخلت الحشود المدينة قيل لهم ما حدث لبورفيريوس والدراما التى لعبها اكاكيوس. فى ذلك المساء، احتمل الشعب كمثل رجال يُجلَدون على زنى، ولكن فى اليوم التالى نهضوا واندفعوا فى الشوارع فى حشد كبير بنار وحطب عازمين على تدمير بورفيريوس وبيته. ولكن بورفيريوس إذ كان واعيا تماما بالكراهية نحوه هجر الله وهرب إلى قائد المعسكر([504]) ووضع مالا بين يديه. وهكذا حال بينه وبين الحرب مع الإيسوريين([505])وأعدَّ حملة ضد تلاميذ المخلّص. وهكذا، خرَّب الإيسوريون الهمجيون روسسRhosus ([506]) وسلوقية بينما خرَّب بورفيريوس وفالينتينوس الحاكم كنيسة الأرثوذكس بقوة مسلحة داست بأقدامها على علامة الصليب المخوف التى يحملها الأرثوذكس على أكتافهم([507]) لتكون معلما لهم وهم يقدمون الابتهالات فى الأرض القفرة. وبعد ذلك بعدة أيام أرسل بورفيريوس بعجلة كبيرة إلى العاصمة، وحث الماجستيرات الذين على طرازه لكى ما يُرسِلوا مخلوقا ما من بينهم ليكون حاكما ليليا، يكون مسنا ولكن نشيطا وذو سلوك شرير وذهن ملتوٍ، لكى ما يكون قادرا على على إختلاق الإتهامات الباطلة ضد المواطنين الصالحين دون خوف من عواقب. لقد كانت محاكاة جميلة لنيرون المقاتل ضد الله. لم يكن كسب الناس بالعقل[موضع إهتمامه] بل مضايقتهم بقسوة وبلا عقل. إذ لم يجعل هدفه مسرة الله من خلال كسب النفوس الضالة إليه، ولكن أن يملأ معدته مثل الثعبان الذى يزحف على بطنه([508]). ولذلك اجتمع عدد من العلمانيين خوفا من المعاملة الفظة، فى الكنيسة بدون إرادتهم من أجل الظهور، ولكن فى الحقيقة كانوا يقدحون فى سير الناس وانتظروا معونة الله.
وعند هذه النقطة قال ثيودورس فى دهشة ألاحظ شيئا ما مضادا للترتيب الطبيعى فى هذه الأحداث يا أبى. فكقاعدة عامة الأشخاص المحبين للمجد الباطل هم رجال مسرات، ويستحسنون التملق ويُقيمون موائد البذخ لكى ما يحظون بالحديث عنهم، وغالبا ما يُبصق عليهم. ولذا لا يمكننى أن أرى كيف أن بورفيريوس أو أى شخص آخر يُمكنه أن يُمارس طرق تهديد وعقاب ونفى.
أجل، هذا شىء غير عادى يا ثيودورس أن يصل إلى هذا الحد من الشر، ويكون أبعد ما يكون عن إرضاء الناس. إنهم لم يفكروا حتى فى صفات أعمالهم الشائنة. لأن الشر من الشر فى الشر. فالشر يطرح شِباك المجد الباطل بواسطة التملق عندما يُريد صيد البسطاء. ولكن عندما يكون المرء أسمى من التملق ومن ملذات الموائد، فإنه يستخدم التهديد والتعذيب لكى يُرغّب بواسطتهما أولئك الذين لم يقدروا أن يخدعهم بملذات المائدة والمداهنة. ونحن نرى ذلك فى حالة الشهداء. كلتا الطريقتان أُستُخدِمتا ضدهم. فقد نُصِبَت لهم شِباك الرشاوى والتكريم التى اصطادت أولئك الذين أفواهم مفتوحة للسمعة التى لا قيمة لها. ولكن أيضا أُستُخدِم التهديد بالعقاب والشىّ بالحديد([509])، وبالحيوانات المفترسة، وكل نوع من التعذيب الرهيب. وقد كشف[ ذلك]عن محبِّى الله([510]). ولكن لنعُد إلى القصة.
اجتمع كهنة انطاكية سرا بدون أن يقتربوا حتى من جدران الكنيسة، وكل النساء الرائدات اللواتى من أجلهن على وجه الخصوص طمع المدبرون الجشعون فى ذكائهن. وإننى لستُ فى حاجة إلى أن اقول لك ما حدث فى القسطنطينية، ولا كم كان عدد الناس، فكما قلتُ لك قبلا تركوا الكنيسة واجتمعوا فى الهواء الطلق لدرجة أنه حتى قادتنا فى الأمور الكنسية لم يكن لهم هذا العدد من الجمهور. ولا عن صمتهم لأنهم لم يحاولوا قط الكلام.
(الشماس) لقد خلصتنى يا أبى من الشكوك التى كانت فى ذهنى بوضعك للحقائق أمام عينىّ. فإن اتساق السرد الخاص بك، وشرحك المبسط يُقنعنى بأن ذروة هذه الأحداث قد حدثت بالفعل لأن الرواية الوهمية لا يُمكن أن تكون متسقة مع ذاتها. فإذا كان ذلك لا يُثقِل عليك، حدثنا من فضلك عن أوليمبياس إن كنتَ تعرف أىّ شىءٍ عنها.
(الاسقف) أىّ أوليمبياس؟، فهناك سيدات كثيرات بهذا الإسم. (الشماس) شماسة القسطنطينية، زوجة نيفرديوس Nevridius الحاكم([511]), (الاسقف): أعرفها جيدا جدا. (الشماس) أى نوع من النساء هى؟. (الاسقف) لا تقل إمرأة فهى مخلوق رجولى([512]). إنها رجل فى كل شىء خلاف الجسد. (الشماس) كيف ذلك؟. (الاسقف) فى الحياة، فى العمل، فى المعرفة، فى الصبر على الشدائد([513]). (الشماس) فلماذا إذن لعنها ثيوفيلس؟ (الاسقف) ثيوفيلس مَن؟. (الشماس) اسقف الأسكندرية. (الاسقف) يبدو لى يا ثيودورس أنك قد نسيتَ فى خِضم الكلام. (الشماس) كيف ذلك؟.
(الاسقف) إن الرجل الذى لم يرعَ الحق بل وطأه بالأقدام كما سردتُ فى روايتى، ولم يحترم الكنيسة الجامعة التى من أجلها وضع الإبن الوحيد، كما نعلن، حياته إلى الموت لكى ما يجعلها واحدة، وأهانها([514]) بسلوكه هل يحافظ على أرملة تقضى وقتها فى صلاة؟. أنظر حولك، هل لعن قط رجلا شريرا؟. إنه كره دائما الأتقياء. لِمَ لا تجمع من ذات خطاباته التناقض بين بعضها البعض؟. لقد نعتَ ابيفانيوس المبارك اسقف قنسطانتيا بقبرص الذى أدار الكنيسة هناك لستة وثلاثين سنة بهرطوقى وانشقاقى فى زمن داماسوس أو المبارك سيركيوس([515]). ولكن فيما بعد، فى رسالته إلى البابا اينوسنت التى يلعن فيها يوحنا المبارك، نجده يدعو ابيفانيوس القديس الكلى القداسة!!. كم مِن مرة قبَّل ركب([516]) أوليمبياس عندما كان يأمل فى الحصول على مالٍ من تلك المرأة التى يلعنها الآن وهى تطرح نفسها على الأرض غيظا، وتذرف الدموع على مثل هذه الأعمال التى تحدث من اسقف. ومع ذلك، ما هى الأسس التى على أساسها يلعنها؟.
(الشماس) إنه قال أنها قد استقبلت فى بيتها الرهبان الذين طرَدَهم. (الاسقف) حسنٌ. هل هذا خطأ أم صواب للأسقف أن يطرد أى تلميذ مهما كان، ناهيك عن راهب؟([517]). (الشماس) أجل([518])، إذا كان قد أساء إليه أو افترى عليه. (الاسقف) حتى لو كانوا قد فعلوا ذلك، كان حريا به أن يكبح سخطه الشخصى؟. فكيف إذن سينظر ثيوفيلس إلى الإهانات التى تحملها المسيح عندما يُفكر دائما فى سمعته الخاصة. لماذا لم يُحاكى أبدا المعلِّم الذى قال "إذ لُعِن، بارك"([519]) (الشماس) إذن ماذا كان عليه أن يفعل إذا كان الرهبان غير ارثوذكس؟. (الاسقف) أيا كانوا ، كان عليه أن يقوّمهم، ويُقنِعهم لا أن يطردهم. (الشماس) ولكن ماذا لو فعل ذلك، واستمروا فى جدالهم ولم يقتنعوا؟. (الاسقف) عليه أن يُنفّذ وصية الرسول "الرجل المبتدع بعد رفضه للوعظ مرة وإثنين عالما أن مثل هذا انحراف"([520]) إنه لم يقل أطرده، واسرقه وانفيه من وطنه الخاص بتهديد من الماجستيريت. (الشماس) أنت تقول لى عن القواعد لرجل كامل محب لله يتحمل الشر. (الاسقف) ومع ذلك ليست المسـألة محل ثناء كبير، ليتحملها الأدنى. ولكن إن كان الرجل ليس كاملا، على قدر ما يمكن، فكيف يقدر أن يكون اسقفا؟. فغير الكامل لن يكترث أبدا بالنقص. وكيف يُدعى ثيوفيلس([521]) إن كان لا يُحب الله الذى من أجله ينبغى أن يكون مستعدا لتحمل إهانات البشر؟. وإن كان لا يُحب الله، فمن الواضح أيضا أنه لا يُحب نفسه. فكيف يُحب الآخرين من كان عدوا لنفسه؟. لذلك ليس غريبا على الإطلاق أن يُنحِى باللائمة على أوليمبياس لإستقبالها للرهبان.
(الشماس) إننى أسلّم بأن ثيوفيلس قد انحرف وراء أعصابه عندما طردوهم، سواء أكانوا أرثوذكس أم هراطقة. ولكنه كان على الشماسة ألاَّ تستقبلهم.
(الاسقف) حسن، ماذا تظن هل كانت على صواب أم على خطأ. (الشماس) قلتُ أن ما فعلته خطأ. (الاسقف) هل فِعل الخير محل إدانة؟. (الشماس) بكل تأكيد، عندما يُعمَل الخير لأشرار ولأناس ينبغى عدم معاملتهم معاملة حسنة. (الاسقف) إذن، ماذا كانوا الخمسة آلاف رجل الذين أطعمهم المخلّص بخمسة خبزات من الشعير، [هل كانوا] أخيارا أم أشرارا؟. (الشماس) بما أن المخلِّص قد أطعمهم فمن الواضح أنهم أخيار. (الاسقف) لو كانوا أخيارا لماذا أطعمهم بأرغفة شعير؟. (الشماس) بسبب ندرة الأرغفة التى من القمح، وكانوا جائعين. (الاسقف) إذن، عندما وبّخهم على نقص إيمانهم، هل كانوا صالحين أم طالحين؟. (الشماس) مادام قد وبخهم، فمن الواضح أنهم طالحين. (الاسقف) حسن. هل نفس الرجل يكون صالحا وطالحا؟. (الشماس) بالتأكيد. (الاسقف) كيف؟. (الشماس) يمكنه أن يكون صالحا بالمقارنة مع الطالح. وطالحا بالمقارنة مع الأفضل. (الاسقف) رائع. فوفقا لذلك كان الرهبان صالحين وطالحين. فقدمت الشماسة الأمينة جدا واجبات الضيافة لهم بإعتبارهم رجال صالحين. ولكن اسقفنا العجيب طردهم كطالحين، وما كان ينبغى عليه عمل ذلك. (الشماس) ولكنه سيقول لك "إنك استقبلتَ أعدائى لضررى". (الاسقف) اعترض. لقد كان خطأً منه أن يدعوهم أعداءً على الإطلاق، [فبوصفه] شخص يُحاكى المسيح كان عليه أن يحتمل الإهانة.
(الشماس) لحظة واحدة أين جاء أن المخلص قد وبخ الخمسة آلاف كما قلتَ، فليس هناك سجل بذلك فى الكتاب المقدس؟. (الاسقف) عندما اجتمعوا وجاءوا ثانية إلى يسوع مرة أخرى، قال لهم "أنتم تبحثون عنى لا لكى ترون آيات وعجائب، ولكن لأنكم أكلتم من الخبز وشبعتم"([522]). فقال ثيودورس هذا واضح جدا(الاسقف) فإذا أُلقِىَّ لومٌ على أحدٍ فهذا يعنى أنه ملوم. (الشماس) صحيح جدا. (الاسقف) إذن هل أولئك الذين أطعمهم المخلص كانوا صالحين أم طالحين؟. (الشماس) إننى أسلّم أنهم كانوا طالحين "لأن الأصحاء لا يحتاجون إلى طبيب بل المرضى"([523]). (الاسقف) حسنٌ، إذن هل فعلت أوليمبياس خطأً بمحاكاتها لربها الذى يُشرِق بشمسه على الأبرار والأشرار([524]) على الرغم من أن الفريسيين قد لاموه قائلين" إنه يأكل ويشرب مع العشارين والخطاة"([525]). (الشماس) يبدو لى أنه على النقيض من الغرائز العامة للبشر، تُدان الأعمال النبيلة وتُعتَمَد الأعمال المشينة. (الاسقف) ما الذى يحعلك تقول ذلك يا ثيودورس أحب الناس للحق؟. (الشماس) أقصد إن لم تكن قد أوضحت المسألة لى بشرحك المنطقى، لكنتُ قد تبنيتُ نفس وجهة النظر غير الودية مثل الآخرين. ولكان حنق ثيوفيلس قد استرعى إنتباهى أكثر من أى مثال للحق. (الاسقف) إذن، على العكس من ذلك إذا ثبت أن هؤلاء الرجال القديسين ليسوا فقط ليسوا سيئين، بل حوَّلوا العديدين من الرذيلة إلى الفضيلة، فإنه من الواضح أن مضطهدهم ما كان يجب عليه أن يضطهدهم بدوره بل يلتمس لهم العذر([526]) كمن يضطهد دوما الصالح، ويقبل الطالح([527]). (الشماس) هو كذلك، حتى إذا لم يمكن إثبات حكمتهم وقداستهم كما يقول معظم الناس، فبواسطة التسلسل الفكرى نجد أن أوليمبياس بريئة من أى لوم إذ أنها قد وضعت موضع التنفيذ محاكاة المخلص. (الاسقف) وما الذى يشهد على قيمة الأعمال أقوى، شهادة الإناجيل أم شهادة ثيوفيلس؟. (الشماس) إننى اعترف أنه طرد الرجال بسوء مزاج منه وحب السيطرة، وأنه لعن أوليمبياس من باب الخرافة([528]) والعداء، جاعلا الرهبان ذريعة. والحقيقة أنه عندما وجد أن تملقه الذليل قد فشل فى الحصول على أى شىء يجاوز الطعام والضيافة، انقلب عليها ولعنها، فهذه هى طريقته مع كل أحدٍ
الفصل السابع عشر: فضائل الرهبان وفضائل اوليمبياس
(الاسقف) اسمعنى إذن يا أفضل الشمامسة(فأنت أهل للعناء) فإننى أرى أنك سوف تفعل خيرا كثيرا للعالم. فحماسك الشبابى هو عربون لشيخوخة مكرمة.
هؤلاء الرجال قد ترعروا، منذ طفولتهم المبكرة، من أبوين مسيحيين، وأخضعوا ذواتهم لله, وعندما كانوا فى ملء الشباب، رفضوا أن يكونوا عبيدا للغرور وأن يرتبطوا بالجمهور بل اختاروا بقعة منعزلة بعيدة عن العالم فى الجنوب حيث شيَّدوا لهم أكواخا لتحميهم من الحرارة الشديدة للشمس، ومن ندى الجو. وهنا قضوا وقتهم فى الصلاة والقراءة، ويتحصلون بعمل أياديهم على ما يكفى لقُوتَهم المُقتَصد مُعتبرين أنه من الأفضل الرعى مع الغزلان والعصافير والجاموس عن الولائم مع الناس الذين لا يعرفون الله. وكان أكبرهم يُدعَى هيراكس([529])، ومازال يُعرَف على نطاق واسع بهذا الإسم، ذات يوم زميلا لأنطونيوس([530]) ويبلغ من العمر تسعين سنة أو نحو ذلك. وكان هناك آخر يُدعَى أمونيوس [يبلغ] من العمر ستين سنة. وكان هناك إلى جانبيهما أخوان من المتوحدين وأسقف كان قد وُضِع فى مِقطرة([531])، ونُفِى فى عهد فالنس كما تعرف كل الأسكندرية. وكانوا سادة العلِم لدرجة أنه لم تكن هناك نقطة عسرة فى الأسفار المقدسة من النقاط التى تُصادف الناس عامة، تفلت منهم. لقد رقد إثنان منهم وأنهيا حياتهما فى القسطنطينية. وكان أمونيوس قد تنبأ برقاده، كما يروى أوريليوس وسيسنيوس([532]) وأنه سيكون هناك أولا اضطهاد عظيم وانشقاق بين الكنائس، ولكن المُسببين لذلك سيأتون إلى نهاية مشينة جدا، وستتحِد الكنائس ثانية. وهذا يجب أن يحدث لأنه قد حان بالفعل وقته جزئيا. ففى الوقت الحاضر هاجمت الأمراض بعض الأساقفة وبعض العلمانيين أيضا، وجعلتهم يُعانون من أنواع عديدة تحرق حيويتهم بحمى بطيئة، وأُصيبوا بحساسية لا تُطاق حتى أنهم سحجوا سطح أجسامهم بأظافرهم، وبآلام معوية مستمرة، وتورمت أقدام أحدهم بالإستسقاء الشديد. ووجد آخر الأصابع التى وقَّع بها التوقيع الآثيم([533]) تهتز بلا تحكم، مرة من برودة ومرة من حر والتى تنبع من أطرافه الأربعة. وإلتهبت البطن، وتعفن أحد الأعضاء وأنتج رائحة كريهة بعيدة المدى ودودا. وإنتاب آخر [مرض] الربو وصعوبة التنفس وإرتعاش سائر الأطراف. وتحولت كوابيس الكلاب الجشعة إلى سيوف لامعة موحشة، وإلى صراخ بألسنة غريبة مثل هدير البحر جعل نومهم لا نوم. وكُسِرَت قدم أحدهم اليمنى كمثل ساق الكرنب، عندما سقط من فوق جواده. وفقد آخر صوته تماما وظل يُعانى من عذاب لمدة ثمانية أشهر([534])[راقدا] على فراشه، غير قادرٍ على رفع يده إلى فمه. وتآكلت أقدام آخر إلى الركبتين تقريبا من قِبل جمرة متفاقمة على ما يبدو. وتتضخم لسان آخر على نحوٍ مرعب، يقولون، من حمى مستعرة لدرجة أنه ضغط على الأسنان وسدَّ [القناة الرئيسية] للجسد، ولما كان ليس هناك مجال للسانه فى الفراغ الطبيعى المُعيَّن له كتَب اعترافا بخطاياه على لوحٍ. وهكذا يُمكن للمرء أن يرى الغضب الإلهى يُنفِّذ عقابه بأنواع متعددة للإنتقام([535]) إذ أنها مثل الطبيب الذى يربح النفوس ويخرج من فمه عمل الخلاص([536]). لذلك سُلِّموا لآلام طبيب الأجساد الذى يُعالِج الألم بالأدوية الموصوفة عادة والمؤدية إلى الخلاص. لأنه مَن ذا الذى سيُشفى ذاك المُعاقَب من الله؟، كما يقول النبى "هل يقوم الأطباء ويمدحوك"([537]). هكذا هلك كلُ الذين يعملون ضد سلام كنيستك يارب.
ومن ناحية أخرى قيل أن مقبرة الراهب أمونيوس كانت تطرد الحمى المرجفة([538]) وقد دُفِن فى مزار الرسل عبر البحر. ويقولون أن الاسقف ديوسقورس كانت طلبته الخاصة إما أن يرى الكنيسة فى سلام، وإما أن يموت. فلمَّا كان العالم ليس مستحقا للسلام، وُهِب له الموت ودُفِن فى مزار الشهيد المواجه لبوابة المدينة ([539]). وكانت النتيجة أن مُعظم النسوة قد تخليَن عن القسم بالشهيد ويُقسِمن الآن بصلوات ديوسقورس. أما بالنسبة لباقى المتوحدين فإن بقية الرواية ستحتاج إلى كلام كثير، وبالطبع لا يمكنك أن توفر الوقت ايها السيد الشهير. (الشماس) كلا، فمن ذا الذى يتأثر للغاية ويرفض سماع رواية البطولة؟. تكلم أرجوك، وأصرف عن ذهنى كل فكر دنيوى، بكل كلمة عادلة بأمرك.
(الاسقف) حسن. هناك هيراكس آخر على الرغم من أنه يحمل إسما يونانيا، فإن حياته قد تزينت بجمال شخصيته. فهو فى البداية تبنى حياة التوحد الإنفرادى، فإنسحب إلى جبل بورفيريوس([540]) خارج حدود مصر وطيبة تماما، وخالى من التنفس البشرى، حيث عاش أربعة سنوات فى تقوى صارمة، مُعتبرا فضائل الحياة ذاتها كافية لراحته. ثم قضى خمسة وعشرين سنة فى نيتريا مع الآباء الذين ذكرتهم. لقد شنت عليه الشياطين غارة، كما قال لنا([541]) هو نفسه، وغيَّروا أنفسهم إلى شكل ملائكة نور، وحاولوا أن يهزوه عن الرجاء الموضوع أمامه، واعدين إياه بحياة طويلة، قائلين "ستعيش خمسين سنة، فكيف ستحتمل البقاء هنا فى الصحراء". لكنه أجاب بذكاء الإيمان "لقد أحزنتمونى عندما قلتم لى فترة أقصر من هدفى، فقد أعددتُ نفسى لمائتى عام فى الصحراء". وإذ سمعوا ذلك تبخروا وتلاشوا مولولين. هكذا كان الرجل الذى لم تستطع الشياطين أن تنقله بفسحة مديدة من الزمن إلى حالة الضجر([542])، والذى طرده البابا ثيوفيلس من وطنه بمرسوم، وجلب عليه مثل هذه الضيقة لدرجة أنه شق طريقه إلى العاصمة. وقد عاد الآن مرة أخرى بعد وفاة امونيوس إلى الصحراء الجرداء فى خوف من تذكر مَثل المحراث([543]).
وهناك آخر، قسٌ يُدعَى اسحق، تلميذ لمقاريوس([544]) تلميذ انطونيوس الرجل الذى أحب الصحراء لمدة خمسين سنة من عمره، وحفظ الكتاب المقدس كله عن ظهر قلب، وكان يُمسِك الثعابين ذات القرون بيديه بلا ضرر. البتول من رحم أمه. الذى رحل إلى الصحراء وهو فى السابعة من عمره، وبعد أربعين سنة طرده([545])البابا ثيوفيلس مع الرهبان السابق ذكرهم.
وأيضا اسحق آخر، القس الذى كان تلميذا لكرونيوس([546]) تلميذ أنطونيوس، والذى خلفه. هذا قد تعلَّم على نحو غير عادى، مثل اسحق الأول، الكتاب المقدس. وكان مضيافا لكلِ أحدٍ حتى أنه من فرط محبته غير العادية لرفقائه شيَّد نُزُلا فى الصحراء الجرداء لإنعاش الرهبان المرضى، و[استقبال] الغرباء الذين يأتون إلى المنطقة لرؤية الآباء المباركين...([547]) وكانوا يقولون أن الغريب الذى عاش لمدة ثلاثين عاما فى عزلة، عومِل بقسوة مع الآخرين. لقد كان الأول من هذين الإسحقيَن تحت إشرافه مائة وخمسين ناسكا، عيَّن منهم ثيوفيلس عندما كان ثيوفيلس بالحقيقة[ ثيوفيلس]([548])، نحو سبعة أو ثمانية أساقفة. وكان[تحت] الثانى أيضا نحو مائة وعشرة وأيضا صار كثيرون من تلاميذه فى عداد الأساقفة.
هؤلاء هم الرجال الذين قلتُ لك قبل يومين كيف طردهم البابا ثيوفيلس([549]) من الصحراء بسبب ايسيذورس القس. هؤلاء هم الرجال الذين مرَّ بهم القسوس واللاويون، واستقبلتهم يا للعار للرجال "إمرأةٌ رجلٌ". وقدَّمت الشماسة واجبات الضيافة لإدانة الأساقفة. المرأة التى مدحُها يتردد فى الكنائس لأسباب كثيرة. لقد اتبعت مثال السامرى الشهير أيا كان، الذى وجد رجلا فى أريحا أساء اللصوص معاملته وتركوه بين حى وميت، فحمله على دابته، وأحضره إلى نُزُل ومزج زيتَ محبته لرفقائه البشر بنبيذ مُعتَّق وضمَّد جراحاته المتورمة.
والآن، يجب أن أترك الرهبان لأتحدث عنها فكم من مال وثروة وزعته على المحتاجين. ولستُ أنا الذى أتكلم بل أولئك الذين استفادوا من كرمها([550]). فأينما عشتُ فى أى مكان لم تكن لى حاجة لأن أثقل عليها([551]). ولكن اصغ إلى ما سأقوله بعد عن فضيلة أعظم. لقد كانت يتيمة ومتزوجة، ولكن الله الذى يرى بسابق علمه مصائر الناس لم يسمح بأن تكون عبدة لملذاتها الجسدية التى تزعم طاعة الجميع. فقد ظل زوجها لعشرين شهرا يطلب حاجة الطبيعة، وقد أُشيع على نطاق واسع أنها مازالت عذراء, لقد كان عليها أن تخضع للوصية الرسولية "أود أن تتزوج الأرامل الشابات ويلزمن بيوتهن" ([552])، ولكنها لم تستطع القيام بذلك. وعلى الرغم من أنها تملك سائر المزايا: المولد الشريف، والثروة والتعليم الباهظ الثمن إلى جانب جمال شخصيتها ونعمة الأنوثة المزدهرة، لكنها ظلت حرة كغزال من شِباك الزيجة الثانية، لأن الناموس لم يوضع للبار ولكن للأشخاص الذين بلا ناموس ([553]) المهيئين للهلاك. وحدث أن خبر ترملها السابق لأوانه أن بلغ بنوع ما من خُبث الشيطان إلى آذان الملك ثيودوسيوس، فوضع فى نفسه للحال أن يزوجها لألبيدوس أحد أقاربه، وهو أسبانى. فطلب مرارا وتكرارا موافقة هذه المخلوقة([554])الشجاعة، ولكنها رفضت مُعلنة "لو كان ملكى يُريدنى أن أعيش مع زوج لما كان قد أخذ الأول([555]). ولكنه إذ يعلم أننى غير ملائمة للرباط الزيجى لأننى غير قادرة على إرضاء الزوج، حررنى فى الحال من هذا القيد، وأنقذنى من نير مرهق، ومن العبودية لزوج. بينما وضع فى ذهنى نير الزهد اللطيف". وإذ إغتاظ من هذا الرد، أمر الحاكم بالتحفظ على ممتلكاتها إلى أن تصل إلى سن الثلاثين. ولكن الضابط بتحريض من ألبيديوس، نفَّذ أمر الملك على النحو الذى يُضايقها من كل النواحى. فلم يسمح لها بالتعامل حتى مع اساقفة، أو حضور الكنيسة، على أمل أن تتعب من ذلك فتخضع لمشروع الزواج. ولكنها فرحت بالأكثر من ذلك، وقدَّمت الشكر لله، وبعثت برد إلى الملك " لقد أظهرتَ نحو تواضعى لُطفا جديرا بملك، وملائما لأسقف إذ عهدَتَ بإدارة هذا العبء الثقيل الذى يُقلقنى إلى إدارة سليمة. ومع ذلك ستفعل أفضل لو أنك أمرتَ بتوزيعها على الفقراء والكنائس. ففى الحقيقة كان ذلك موضوع صلاتى منذ أمد طويل، وهو أن أتخلص من المجد الباطل الذى قد ينشأ من توزيع الصدقات، وبذا لا أنشغل بالأمور المادية وأخسر ثروة النفس الحقيقية". وعندما سمع الملك عقب عودته من الحرب مع مكسيموس([556]) عن حماسها لحياة التلمذة([557])، أمر بضبطها لممتلكاتها.
(الشماس) إذن كان يوحنا على حق فى تكريمها إن كانت صارمة هكذا فى ضبط نفسها.
(الاسقف) أجل ففى الحقيقة أحجمت عن الأطعمة الحيوانية([558])، وكانت نادرا ما تذهب إلى الحمامات ([559]) عندما تستدعى صحتها ذلك(إذ كانت تعانى من متاعب مزمنة فى المعدة)، وكانت تنزل فى المياه بقميصها لأنه كما يقولون كان الحياء يمنعها من النظر إلى نفسها. (الشماس) يُقال أنها قد حافظت تماما على يوحنا المبارك. (الاسقف) حتى إن كانت قد فعلت ذلك، فما هو اللطف الذى أظهرته له ويستحق فضيلتها؟. إنها بالتأكيد وفَّرت عليه الإهتمام بخبزه اليومى من الشعير. وهذا ليس بالأمر الهيّن بالنسبة لعمّال المسيح الذين اهتمامهم ليلا ونهارا هو بالأمور الخاصة بالمسيح. فكما يقول بولس وهو يُحيى برسيس التى ربما تعبت مثل اوليمبياس "سلّموا على برسيس المحبوبة التى تعبت كثيرا فى الرب"([560]) فالكل كان يبحث عما لها وليس على ما للمسيح([561]). إننى أعلم أنها فعلت الكثير لنكتاريوس المبارك، لدرجة أنه كان يستشيرها فى الأمور الكنسية. ولستُ فى حاجة إلى ذِكر امفيلوكيوس وأوبتيموس وغريغوريوس وبطرس أخو باسيليوس، وابيفانيوس اسقف قبرص. أولئك القديسون الذين قدَّمت لهم فعلا هبات من أراضى ومال. وعندما كان أوليمبوس يحتضر فى القسطنطينية أغمضت عينيه بيدها. وإلى جانب ذلك، زوَّدت بسخاء انتيوخس البائس، وأكاكيوس وسيفريانوس بكل ما يلزمهم. وبإختصار [إعتنت] بكل كاهن زار المدينة، واستضافت نساكا وعذارى([562]).
ومع ذلك إذ كان يوحنا قد تقرر أنه قد أُرسِل ليكون نموذجا، إن جاز القول، لأساقفة المستقبل فى أسلوب الحياة المطلوب منهم، وبالتالى يتعين عليه الكرازة بالتوبة المسيحية على نفقته([563]) كما يقول بولس، دون أن يمس أى شىءٍ يخص الكنيسة. لذلك قبِل وجبة كل يوم حسبما تكون، وتجنب الإهتمام بمثل هذه الأمور. لقد قيل أنه كان مثل إنسان يخجل من نفسه عندما يشترك فى طعام مادى([564]). فعندما ينضج التفاح تماما، فإنه لا يقدر على البقاء فى الغصن ولكنه يطلب يد سيده. وهذا هو الحال مع القديسين عندما يرتفعون فوق الطبيعة بحبهم لجمال السمائيات، يتوقون حتى قبل الوقت المعيَّن لرقادهم، وإلى نوال الوعد. ونحن نرى نفس الشىء فى أطفال البيوت العظيمة. فعندما يعلموت بالكعك المعسول فإنهم يرفضون حتى لمس الطعام الموضوع أمامهم لكى ما يحتفظوا بشهيتهم للحلوى التى يتطلعون إليها. وإننى أترك ملاحظاتى لتقدير أولئك الذين شرعوا فى السير على ذات الدرب فى الرحلة الروحية لأنه إذا سمع الرجل الحكيم لرجل فطن فإنه سيُثنِى عليه، ويُضيف إليه"([565]).
الفصل الثامن عشر: مُثُل فم الذهب
(الشماس) لقد أرحت ذهنى أيها الأب المكرَّم بشرحك الوافى والمضنى، فإن روايتك تتفق تماما مع الشائعات التى وصلت إلى آذاننا ولكنها بنكهة جديدة من النعمة. بقى أن أقول أن المحافظة على الأسقف كان لا يُمثّل أى عبءٍ على الكنيسة لو كان يوحنا قد أخذ نصيبه من الكنيسة كما يقول الكتاب "الفاعل مستحق أجرته"([566]) وأيضا مَن يرعى قطيعا ولا يشرب من لبن غنمه" و"من يزرع كرما ولا يشترك فى ثمره"([567]). آلا نجد هذه الكلمات وكلمات أخرى كثيرة بنفس المعنى فى الكتاب المقدس؟.
(الاسقف) لقد نطقتَ بالملائم وبذكاء يا ثيودورس. فصحيح أن الشريعة المقدسة تٌعطى للمنشغلين بالأمور المقدسة الحق فى أن يأكلوا من الذبيحة، ولكن لاحظ ما يُضيفه بولس الطامع دوما إلى الخير "إننى لم أستخدم سلطانى"([568]) فى أشياء الجسد "لكى ما أكون عاملا للإنجيل"([569]) أى لأمور الروح. إنه لا يريد أن يكون حجر عثرة للضعفاء. فكما يقول "إذا رآك أى أحدٍ أيها القوى وأنتَ تأكل لحما فى ضعفه، آلا يعثر ضميره وهو ضعيف([570]) فيُقلدك فى الأعمال الضعيفة؟. لو كانت الأمور تنتهى عندنا وليس هناك مَن سيأتى بعدنا ليستلم بدوره من العلمانيين، لكان من الممكن للعاصى أن يقول دعنا نحيا كما نُريد، ونتمتع بطيبات الحياة. ولكن لمَّا كان الآتين بعدنا ينظرون إلينا كمعلِّمين، وكانت قواعدنا وسلوكنا أمام عيونهم، فنحن ملزمون أن نعيش ليس فقط لأنفسنا ولكن أيضا لأجله هو الذى مات وقام لأجلنا([571]) لكى ما نحصر ضعف العلمانيين، ونقود مراتبهم إلى المستويات الأفضل للإعتدال والبساطة، بتهذيبنا لأنفسنا. فكما يقول الكاتب "مَن هو الخائف الرب؟. الذى يضع له شريعة فى الطريق الذى اختاره"([572]). لأن المعلّم يضع الشريعة للشعب البائس والأنانى الذى يُخطىء بالفكر ويُرّحب بروح العبودية، كما يقول المرنم داوود "الرب يضع شريعة للخطاة فى الطريق"([573]) لكنه سيُعاقِب المخالفين. ولكن البار سيكسر قيود شريعة القيود من حبه للمعلِّم، مُصِرا على حقوقه فى التبنى بالروح، ويصير مشرِّعا لنفسه. هكذا كان أيوب فى العمل والقول معا "إننى لا أنظر إلى جارية"([574]). والآن، ما هو هذا العهد؟ حتى أن الذى يعصى فى الاعتدال تُقلَع عينيه([575]). وبنفس الطريقة يقول داود (لقد أقسمتُ وعزمتُ بثبات أن أحافظ على أحكام عدلك"([576]) وحيث أن إرادته مترددة ومرتجفة فإنه يُقيدها بقسم. إن يوحنا قد اتبع مثال هؤلاء الآباء لا كإبن نغول، بل كإبن حقيقى. وفى إشتياقه لأن يكون راعيا لجميع البشر، جعل نفسه وهو مضنى بشهوات متنوعة مشرَّعا([577]) لنفسه من أجل مستوى أعلى للحياة، سالبا نفسه بقرار غير قابل للتغيير. فإعتزل حياة الشُرب وتجمعات المزاح والإستهزاء والنميمة مسلِّحا عينىّ نفسه بغطاء واقى للروح، لئلا تجد الحماقة مدخلا من خلال الكلام غير اللائق والصاخب، وتُسبب اهتزازا فى الإعتدال، مثلما يقول الكتاب "المعاشرات الردية تُفسِد الأخلاق الجيدة"([578]). وهذا هو سبب المكائد التى حيكت ضده لأنه حتى عندما أشرق نوره الساطع كان مُعثِرا لهم، بقدر ما يكون المصباحُ مُعثِرا للعيون السيئة. وهكذا كان زميله فى الآلام أرميا الذى ناح بدموع على عدم إيمان الحكام والكهنة صارخا " يا ليت عينىّ ينابيع دموع لأبكى على شعبى ليلا ونهارا". ومرة أخرى "اين أُقيم، فى الصحراء لأترك شعبى وابتعد عنهم لأنهم جميعا قد زنوا"([579]). إنه يدعو مجمع الأنبياء الكذبة والقسوس مجمعا لكاسرى الشريعة([580]) لذلك يلتمس فى فقرة أخرى من الله، لا لأن الله لا يعرف ولكن لكى ما نتبع مثاله، "يارب لم أجلس فى مجمع المازحين، ولكن فى خوف عظيم من وجهك، جلستُ وحدى لأن نفسى إمتلأت مرارة"([581]). وبالمثل يُنشِد داوود "فى مجمع الأشرار لم أجلس، وإلى المخالفين لم أدخل"، ثم يُضيف لكى ما يجعل المعنى واضحا "كرهتُ إجتماع الأشرار، ومع الفجار لا أجلس. أغسل يدىّ" بسلطتى النشطة "بالبر وأطوف بمذبحك يارب"([582]). ولكن هؤلاء الناس يهتمون بالمذبح بأقل منه، ويولون ظهورهم له، ليس فقط عن قصد ولكن بأسلوب حياتهم غير قانعين بتدنيسه بأيادى غير مغتسلة وملطخة بالدماء من إعطائها وقبولها الرشاوى والإدلاء بأقوال كاذبة كتابة. إنهم يدوسون عليه بأقدام موحلة. لقد تحدث حزقيال عنهم بالرمز "واحضرنى إلى باب الدار ورأيتُ ثُقبا فى الجدار، وقال لى أُنقب يا إبن الإنسان. فنقبتُ وإذا باب. فقال لى أدخل وانظر الرجاسات الشريرة التى يصنعونها هنا. فدخلتُ وإذا كل أنواع الزحافات والوحوش والأصنام الباطلة والنجاسات. وقال لى. ها أنتَ قد رأيتَ يا ابن الإنسان ماذا يفعله شيوخ بيت إسرائيل فى الظلام فى الغرفة( يقصد فى أذهانهم) لأنهم قالوا الله لا يرانا الله ترك الأرض. وقال لى إنك سترى شرا أعظم يعملونه. وأحضرنى إلى مكان آخر وأرانى إياه. وإذا نساء جالسات تبكين لأجل تموز". ومرة ثانية "احضرنى إلى الدار الداخلية لبيت الرب، وإذا هناك اربعة وعشرون رجلا ووجوههم ملتفة بعيدا وظهورهم للمذبح، وقال لى هل هذا بالشىء اليسير ليفعله بيت اسرائيل([583]). إننا لا نسطيع أن نتصور أن فقرة النبى[هذه] كانت فى فِكر هؤلاء الناس المتهورين وخاصة الذين يعتقدون أنهم نوع ما([584]) ويخدعون أنفسهم، ويعملون على زعزعة سلام الكنيسة لأنهم أعطوا ظهرهم لمائدة الرب" الذين دينونتهم منذ القديم لا تتوانى وهلاكهم لا ينعس"([585]) "الذين يفتكرون فى الأرضيات" ([586]). الذين يقول عنهم يهوذا أخو يعقوب "إنهم صخور مخفية فى ولائم المحبة، يصومون معك بلا خوف تذريهم الرياح، أمواج بحر مزبدة، يلحقهم العار، نجوم تائهة، محفوظ لهم قتامة الظلام"([587]) عندما يدعوهم "غيوم بلا ماء" فهو يصوّر الشر الذى به يُطعِّمون الكرمة. وعندما يقول "نجوم تائهة" يشير على وجه الدقة إلى المكائد ضد السفينة. وكلٌ من الكرمة والسفينة هى الكنيسة. وماهى العواقب الناجمة عن إتباع مثل هذه الأمور؟. اسمع ثانية نفس النبى حزقيال وهو يقول لنا([588]) "وإذا برجال قادمين من طريق الباب الأعلى الذى هو من جهة الشمال. وكل واحدٍ سلاحه الفتاك بيده. وفى وسطهم رجل متسربل إلى قدميه، وعلى حقويه منطقة من الصُفيّر([589]) sapphire. ودخلوا، ووقفوا بجانب مذبح النحاس، وصعد مجد إله إسرائيل الذى كان عليهم من الكروبيم إلى عتبة البيت. ودعا الرجل اللابس إلى قدميه، والذى له منطقة على حقويه، وقال له الربُ إذهب إلى وسط المدينة، وسط أورشليم، وضع سِمة على جباه الرجال الذين يئنون ويتنهدون على الكل، الرجاسات المصنوعة فى وسطها. وقال لهم" أى بكل وضوح إلى الرجال الستة الحاملين للأسلحة الفتاكة "على مسمع منى، إذهبوا إلى المدينة وراءه" أى وراء الرجل الذى يضع السمة على جباهم "واضربوا. لا تُشفِق أعينكم ولا تعفوا. اقتلوا الشيخ والشاب والاطفال والنساء والجوارى. ولكن لا تقتربوا من أى رجل على جبهته السِمة. وابتدأوا من مقدسى. فبدأوا بالشيوخ الذين أمام بيت الرب". فإذا تخيل أحدٌ أن هذه النبوة تخص فقط أحداث اليهودية فإننى أعتبره جاهلا بحقيقة مكوث الرب على الأرض، لأن حزقيال لم يكن نبيا قبل السبى. فبتدبير الله، سُبِى حزقيال وهو بعد طفلٌ مع بقية سِبط لاوى. وفقط فى سن الثلاثين، مارس وظيفة كاهن بين المنفيين. فهل استحق رؤية الأمور التى ستحدث كما يقول هو نفسه "وحدث فى السنة الثلاثين، فى الشهر الرابع فى اليوم الخامس بينما أنا فى السبى على نهر خيبر" ([590]). وأيضا بعد ذلك بوقت قصير" كانت كلمة الرب إلى حزقيال ابن بوزى القس فى أرض الكلدانيين على نهر خيبر". فإن كان مُعارضنا يرى فى ذلك صعوبات فليقل لنا الآن، هل المخلّص هو الذى ذهب أولا ورسم علامة الصليب على جباه الرجال ثم عندما لم يشاءوا الإيمان بالمخلّص، جاءت الإمبراطورية الرومانية فى أيام فسبسيان بعد ذلك بأربعين سنة ودمرت المجمع الذى عُمِل فيه الإثم. ونحن نقبل([591])[كمسيحيين] الرجل الذى يعتقد بهذا الرأى ولكننا نحثه كإبن للعهد الجديد ([592]) أن يتبع مثال بولس معلمنا فى هذه السرائر الذى يقول عن جميع الكتب من هذا النوع " هذه الأمور حدثت كمثال، وكُتِبت من أجل تهذيبنا الذى منها نهاية العالم"([593]). والآن إننى لا اقول ذلك، لأننى أرجو أن يأتى السيف على أعداء الله لا سمح الله. فالنبى لا يُشير إلى السيف الصُلب ولكن إلى قوة عِقاب أخرى يقول عنها حزقيال نفسه "وسأجلب على الأرض سيفا ". (أجلب، أى سأسمح) "وشعب الأرض سيجعلون رجلا من بينهم رقيبا لهم. وعندما يرى الرقيب السيفَ قادما ينفخ فى البوق ويُحذِّر الشعب. ومن يسمع ولا يحترس، إذا جاء السيف وأخذه فدمه على نفسه. ولكن إن رأى الرقيبُ السيف ولم ينفخ فى البوق، ولم يحذر الشعب، فإن جاء السيفُ وأخذ واحدا فإن دمه من يد الرقيب أطلبه"([594]).
والآن لم ينم المبارك يوحنا نوم غير المؤمن، ولا هو تغافل بغفلة الباحثين عن المتعة، ولكن إذ وضع هذا الخطر دوما نصب عينيه صاح بأكثر وضوح أعلى من البوق([595]) ولم ينطق بكلام مشكوك فيه([596]) بل أعطى الناس معرفة مؤكدة عن سيف الشيطان، وحثّ سائر البشر على الهروب منه. وكل مَن له ضمير سليم كمثل علامة على جباه نفوسهم قد خلصوا بنعمة الله معكم يا مؤمنو روما([597]) أما جميع الذين كانت ضمائرهم ملوثة من الشعب والكهنة بالمشاجرات فيما بينهم فقد غرقوا فى شر عظيم.
(الشماس) كلام رائع. ولكن من المسلّم به أنه من المستحيل أن يوجد إنسان بلا لوم وكامل فى هذه الحياة الدنيوية. لأن الكتاب المقدس يقول مرارا وتكرارا "مَن ذا الذى يفتخر بأن قلبه نقيا؟. أو مَن هو الواثق من أنه بلا خطية"؟([598]). أيا كان فإن يوحنا المبارك لم يعرف على أية حال كيف يستغل هذه الفرصة لأنه ينبغى على المرء ألا يتدخل مع أولئك الذين فى سلطة ([599]).
(الاسقف) يا عزيزى ثيودورس، اظن أنك أظهرتَ لنا فى البداية تعاطفا كنا نتوقعه منك، وقدرا ما من الندم([600]) ولكن قليلا قليلا تبرهن على أنك تميل إلى الأخذ بالسفاهات فلماذ؟. فحتى أعداؤه لم يجدوا قط هذا الخطأ الشديد فى سلوكه.
(الشماس) لماذا أنتَ غاضب يا أبى وأنت لك سمعة كونك محبٌ للحقيقة، من قولى أن المبارك لم يغتنم الفرصة؟. والكتاب المقدس يقول "لا تقف فى موضع الحكام"([601]) وأيضا " اغتنموا الفرصة"([602])، وخاصة القاعدة الضرورية فى التعامل مع الحكَّام الذين لن يقبلوا النصح أو التقويم.
(الاسقف) مبارك أنت فى تفسيرك هذا للكتاب المقدس. فالآية فى الجامعة([603]) "لا تقف فى موضع الحكام" موجهة إلى أولئك الذين لا يستحقون وغير كفء للكهنوت لتمنعهم من الإستيلاء عليه. فهو يقصد بالحكام معلمى البر، أولا الرسل الذين كانوا "حكاما" متدثرين بروح القوة، ويليهم أولئك الذين تبعوا مثالهم. أما عبارة "أشترى الفرصة" فهى تُستخدم لا لنكون منافقين، ولكن لتأمرنا عندما تثور فرصة الشر أن نشترى فرصة الفضيلة ولا نبيعها للإثم. فذاك الذى يشترى قليلا فقليلا الفرصة يجد أنه قد اشترى كل الوجود وعبَر على ملذات الحياة ليجد تلك التى فوق الحياة([604]). وهذا هو ما فعله الشهداء فقد سلّموا حياتهم بالجسد وورثوا الخلود لذلك اشتروا بالمعنى الحقيقى هذه الفرصة. فإن كانت وجهة نظرى غير سليمة فإن موسى وايليا وميخا ودانيال ويوحنا المعمدان وأشعياء وبطرس وبولس، ناهيك عن ذكر الآخرين، سيبدون أنهم يجهلون الفرص الخاصة بهم. فموسى لأنه وبخ رجلا، أحرز نجاته بالفرار وأطعم قطيع رجلٍ أممى على الجبال. وإيليا لأنه إذ غلبه النعاس فى حزنه، نام تحت يقطينة. وإذ لم يجد ظِلا أو جدارا أو صخرة، أعطته مأوى هزيلا. اشعيا نُشِر إلى نصفين. دانيال أُلقِىّ فى جب الأسود لتقواه. ميخا سُجِن فى مطابق(مما نفهم منه أنه كان فى غرفة تحت الأرض) وحُكِم عليه بأكل خبز المشقة وحُرِم من الماء لكى ما تُقطع حياته بعد فترة طويلة من البقاء هناك من جراء سوء المعاملة. وكان كل ذلك بسبب إتهاماته الصريحة لأحد الملوك([605]). وماذا ستقول عن يوحنا الذى لا نظير له بين المولدين من النساء؟. ألم يعرف أن ينتهز الفرصة، وقُطِعت رأسه لأنه أنَّب الملك على زناه، وهو الذى أظهر نفس الرعاية لهيرودس كطبيب عندما قطع مرضه الذى لا شِفاء له. وبنفس المبدأ أنَّب يوحنا([606]) مرضاه عن عطف أو مودة. فإذا كان المعمدان لم يعرف الفرصة فكيف عرف إذن صانع وفاطر الدهور عندما قال "هو ذا حمل الله، حامل خطايا العالم"([607]). وكيف لم يعرف الفرصة بولس وبطرس أعمدة الكنيسة اللذين حتى بعد موتهما يفتحان ويُغلقان الفرص لمن يرغب فى التوبة ويقرع على الباب؟. اعتقد أنهما كانا جاهلين بصفة خاصة إذ أن أحدهما قد عُلِّق مصلوبا من قدميه فى الهواء كإشارة لرحلته إلى السماء. والآخر قُطِعت رأسه. بسبب كلامهما الصريح عن المسيح، لكى لا يبتعدا عن الرأس الذى هو الرأس الحقيقى. فلا تُصغِ إذن إلى أولئك الذين ينتقدون ويلعنون صراحة القديسين. هذه هى ممارسة الأمم وأولئك الذين يظنون فى أنفسهم أنهم حاذقون. الذين عندهم الحياة والدعابات البذيئة أعز من شجاعة القديسين. ولكن لا يجب أن يكون السيف جادا ولا الكلمة الجريئة غير معلنة. فالشفقة والكلام الجرىء لا ينفصلان مثل العطر ورائحته. فإننى أسلّم أنه إذا كان التأنيب شخصيا([608])، أمام أهل بيته أو أصدقائه أو أنسبائه فإنه لن يستحِ فى حضورهم. إن المتكلم الجرىء من الممكن أن يُتهَم بالجهل للفرصة أو المكان السليم. ولكن إذا كانت الكنيسة مثل محل قصّاب، حيث يُمدَح فيها مَن يعمل حسنا، ويُلام فيها مَن يعمل رديا، فلماذا نغتاظ من التأنيب المُعطَى بدون ذِكر أسماء، ومن أجل خيرنا؟. إن ذلك يعنى أننا نُغذى أخطاؤنا بدلا من أن نطيع الذى قال "كل ما يُباع فى الملحمة كلوه، غير فاحصين عن شىءٍ من أجل الضمير" ([609]) وإلا سنجد ثانية([610]) [أن] القديسِين يُعثرون بعض المدن والبلدان من خلال تأنيبهم وأنهم يدمرون الآخرى بالإشادة بها. المثال الأول لذلك هو أيوب، فقد وبخ أرض فينيقية([611]) لأنهم[اى شعبها] استدعوا عدوه، الشيطان. إذ يقول "شعوب الفينيقيين يقسمونه بين انفسهم"([612]). ويليه موسى والأنبياء فقد وبخوا مصر ودعوها أتون محمى([613]) والظلمة، بينما مدحوا فلسطين ودعوها أرض الموعد. بينما ثبت أن مصر أرض موعد للصالحين، وفلسطين ليست فقط اتون محمى ولكن الظلمة الخارجية من خلال عدم الإيمان للكسالى. فليست الأماكن هى التى تُلام أو تُمدَح ولكن ممارسات سكانها. ومع ذلك لا أحتاج إلى تحليل حجتى بإسهاب وإنما هى تخدم البداية للإشارة إلى الأمثلة. فعندما يدعو بولس الكريتيين([614]) كذابين، وأهل غلاطية حمقى([615]) وأهل كورنثوس منتفخين([616]) وهلمّ جرا، فهل كان يُفكر فقط فى أخطاء هذه الشعوب على وحه الخصوص ويوبخهم وحدهم، أم أولئك الناس بشكل عام؟. وأيضا عندما يدعو الرومانيين مؤمنين([617]) والأفسسين الذين يكتب إليهم بلهجة أسمى "المستنيرين"([618]) والتسالونكيين بمحبى الإخوة ([619]) فهل كان ثناؤه قاصرا فقط على هذه الشعوب؟. بكل تأكيد كلها وإنما إذ هو مسوق بالروح، منح الثناء واللوم لكى ما يَعرِف المستحق للثناء ذلك فيتقوى فى حماسه، بينما الذى على النقيض قد يشعر بالأسى فيطّهِر نفسه من سبب اللوم. وهكذا لم يكن شعب غلاطية هو الشعب الوحيد الأحمق، ولا كان الكريتيون وحدهم هم الكذابون، ولا الكورنثيون هم المنتفخون وحدهم، لأن كل هذه الأخطاء هى أخطاء عامة لأن الطبيعة البشرية التى تُخطأ والتى تعمل أعمال البر هى واحدة. ونفس الأمر للميل نحو الإثم أو البر تبعا لإختيار وعى الإنسان. وهذا هو مبدأ يوحنا فى جسارته فى الكلام فى الكنيسة([620]). لذلك سيكون أكثر صوابا أن نقول أنه قد أعطى الجياع نصيبهم من لحم الفضيلة، وأبعد الخطيئة بالتوبيخ العلنى طاعة لمن قال "مَن يخطىء وبخه أمام الجميع، لكى يكون عند الجميع خوف"([621]). لكن إذا انتفخ بعض الناس بشدة بالكبرياء أو بالحماقة، حتى أنهم رغبوا فى الملذات التى ظنوا أنها تستوجب الثناء، فإن خدًّام الله ليس لهم مثل هذه العادات.
ها أنت ترى، أولئك الذين سخطوا من التأنيب الناجم عن الشهوة والزنى والملذات الأخرى الكريهة, إنما يعلنون ببساطة أن هذه التعديات رغم أنها سامة يجب أن تكون مقبولة (كمسيحيين)
الفصل التاسع عشر: دفاع ضد الإتهام الخاص بالتباهى والوقاحة
(الشماس) شكرا جزيلا يا ابى لزيارة محبتكم الأخوية، فقد كانت مفيدة لنا، وتذكار لكل حياتنا. وبعد هذه التحية السامية لزم ثيودورس الصمت. ولكن أحد الرفقاء انفجر [قائلا] حسن، إذن كيف تفسر تعاليه([622]) إذا كان مُزيَّنا بكل هذه الإمتيازات.
(الاسقف) هل عرِفت تعاليه عن خبرة شخصية لك، أم أن أحدًا ما قال لك هذا؟. فأجاب المتحدث: أنا لا أعرف الرجل، ولكننى سمعتُ هذا التصريح من رجل دباغ قال أنه كان من النادر له أن يدخل فى جماعته، فيما عدا فى الكنيسة، وأنه كان فى غاية الضيق من المقابلات مع الأشخاص الذين يريدهم. وهذا دليل على الكبرياء والغرور([623]) لتجنب التعامل مع الأشخاص الذين يرغبون فى ذلك.
(الاسقف) آه، رجل دباغ. الرجل الذى يجعل من رائحة ورشة عمله مسكنا للعيش. إنه مناسب تماما لإيجاد خطأ فى فلسفة يوحنا. فإذا كان تجنب الحشود، دليلٌ على الكبرياء. إذن يوحنا المعمدان كان متكبرا عندما اعتزل فى الصحراء. وأكثر من ذلك، سيكون المخلّص نفسه كذلك. لأنه مكتوب "لما رأى يسوع الجموع ، صعد إلى الجبل وعندما جلس جاء تلاميذه". ([624]) وليس الجموع، وأيضا "لما رأى الجموع اعتزل بعيدا"([625]). هكذا أيضا يوحنا اقتداءً بمثاله([626]) اعتزل الجموع على قدر ما يستطيع بينما كان يُسّر برفقة أولئك الذين كانوا يرغبون حقا فى التعلّم.
(الشماس) هذه حجة قوية من أدلة الكتاب المقدس. ولكن ماذا ستقول بالنسبة للإتهام بالغطرسة ([627]) عندما اعتزل ليس فقط الجموع ولكن أيضا حتى عن فرد أو إثنين؟.
(الاسقف) الفرد الواحد يُمكن أن يكون عمليا حشدا ضالا وغير مفيد، مثل ذلك الرجل الذى قال ليسوع "يا سيد سأتبعك أينما تذهب"([628]). آلا ترى أن المخلّص كان يهرب من الحشود عندما قال "للثعالب أوجرة ...إلخ". ولكنك لا تستطيع أن تقنعنى أن يوحنا بعد عماده أقسم قسما آخر أو كذِب أو لعِن أو انغمس فى طياشات([629]).
(الشماس) لا، لا أستطيع تأكيد شيءٍ من هذا القبيل. فقط أنه كان متغطرسا.
(الاسقف) يا صديقى العزيز، كيف كان ذلك ممكنا لرجلٍ برىء من هذه الذنوب أن يكون متغطرِسا ويفقد السيطرة على لسانه؟. إن الخطية الصغيرة تُنجس بنفس القدر مثل الكبيرة([630]).
(الشماس) حسن. إذن، قُل لى ماذا تعنى هذه التصريحات الشعبية؟. ومتى تتوقف؟.
(الاسقف) استمع إلى القصة كلها، ولا تلتفت إلى التقارير الباطلة، فإنك لن تجد أبدا عُذرا لذلك. فالناس الذين ليس لهم حياة مستقيمة لا يكون لهم أبدا فكرٌ مستقيم، فهُم ينِمُون دوما، وليس لديهم وقتُ لعمل أى شىء آخر وخاصة إذا لم يجرؤ أحد على الاختلاف معهم. لماذا أدلوا بكل نوع من التصريحات الوحشية عن المخلِّص، الله نفسه، الذى فوق سائر البشر فى القول وفى الحياة، وفى الفعل، وفوق الأنبياء؟. لقد كدسوا الإهانات تلوً الإهانات مثل سُمك الخنازير أو كسرب من الذباب. كانت هذه هى الطريقة آنذاك. فالبعض قال "إنه يخدع العالم"([631])، وآخرون "ببعلزبول رئيس الشياطين يُخرج الشياطين"([632]) وآخرون "هوذا أكول وشريب خمر"([633])، وآخرون "إنه سامرى وبه شيطان"([634]). وماذا سيُفيد تجميع كل هذه الافتراءات معا؟. فالمخلِّص نفسه عرف ما كان سيحدث عندما قال لرسله "ماذا يقول الناس عن ابن الإنسان؟"([635])، فأجابه التلاميذ بذكر معظم الأفكار الجيدة عنه "البعض ايليا، والبعض ارميا وآخرون يوحنا المعمدان"، ولم يذكروا لغة الأشرار. فسألهم ثانية مميزا لهم عن "الناس" الذين تحدث عنهم سابقا(وكان على حق لأنهم لم يكونوا فى فكرهم من الناس بل أبناء الله لأنه بالنسبة لنا أعطانا الكلمة سلطة أن نصير "ابناء الله"([636])) ولكن "ماذا تقولون مَن أنا؟". وعندئذ أجاب بطرس مُعبّرا عن فكرهم جميعا "أنتَ المسيح ابن الله الحى". وقبِل المخلص هذا التصحيح وأعلن "أنت بطرس وعلى هذه الصخرة، أى "على هذا الإعتراف"([637]) "سـأبنى كنيستى وأبواب الجحيم لن تقوى عليها".
إنك ستجد نفس السمات فى اللوم والثناء الموجه ليس فقط ليوحنا بل أيضا للجميع، مثلما كان كل عمل المسيح ورُسُله فى ذلك الوقت ملعونا. فقد صاح الأفسسيون "هؤلاء هم الرجال الذين قلبوا العالم رأسا على عقب"([638]). ولكن كل ذلك قد كفَّ الآن، وقد تمجدوا. ولذلك سوف تجد بعدما يمضى هذا الجيل أن يوحنا يُكرَّم كشهيد([639]). عندما يصير كل أولئك الذين قاموا ضد سمعته الطيبة ترابا. فعندئذ سيقول الناسُ الذين على مستوى الكلاب أو الخنازير "لقد خدع العالم...إلخ"، بينما سيقول التلاميذ، بأمانة واحتراس، عن سلوكه([640]) "أنت المسيح ابن لله"؟ وإذا كان من بين آلاف البشر، هناك فقط إثنا عشر فى حالة المخلّص قد اعترفوا أولا بيسوع بينما تكلمت الأغلبية، حتى إلى اليوم، كلاما فارغا عنه فلا حاجة لنا للكلام عما قيل عن يوحنا بوجه خاص، وهو ليس جديرا بالمقارنة مع "بصاق المسيح". أقول مع "بصاق" وليس مع "هدب ثوبه"، إذ يقول اشعياء "هوذا كلُ الأمم ستُحسَب كقطرة من زجاجة، وكما البُصاق"([641]).
أما بالنسبة لِما قلتَه عن الغطرسة فإن الحقائق كما يلى: أولا كان من المستحيل بالنسبة له أن يمنح تفضيلا لكل أحدٍ ناهيك عن الغطرسة. ولكن فى تعامله مع أىٍ من تلاميذه الحقيقيين أو الإكليروس أو الأساقفة إذا لاحظ فيهم تفاخرا بإمتناعهم عن شىءٍ ما أو بتصحيحهم لممارسة التهذب الجسدى، فإنه ينعتهم بألقاب تعبّر عن العكس([642]). فعلى سبيل المثال، يدعو الممتنع عن السًكر سكيرا. والرجل الذى يعيش فى فقر مقدس طماع، والرجل الخيّر لصٌ. إنها طريقة للتعليم للرجال المكرَّمين لتقوية الصفات التى يمتلكونها بالحديث عن الصفات التى لا يمتلكونها. والحقيقة هى أنه اعتاد أن يكرّم الشاب المنضبط أكثر من الكبير الخليع، والكبير البارز عن الكبير الجاهل، والعلمانى الذى يتبنى الفقر أكثر من المتعلم الطماع. والرجل الفاضل الذى يعيش فى العالم عن الراهب الخامل. ربما الناس الذين يتطلعون إلى ألقاب التكريم، يعتبرون ذلك غطرسة بينما يوحنا([643]) يقول لأولئك الذين جاؤوا إليه ليتعلموا منه " يا أولاد الأفاعى من آراكم أن تهربوا من الغضب الآتى"([644]). وبولس نفسه يقول لرئيس الكهنة فى سفر الأعمال "سيضربك الله أيها الحائط المبيض"([645]) والمخلّص يقول فى أحد المواقع لليهود "جيل فاسق وشرير"([646])، وفى موضع آخر[يقول] لكل الرسل "أيها الأغبياء"([647]) ومع ذلك يدعو بطرس شيطان "اذهب عنى يا شيطان"([648]). مع أنه لم تكن هناك خطية كبيرة تستدعى مثل هذه التعبيرات القاسية.
فلنجعل إذن محبة التعليم([649]) بهجتنا فى صمت إذ لا نقدر أن نحكم على الأشخاص الروحيين([650]). إنهم ليسوا متغطرسين علينا لأنهم يكرهوننا ولا هم يُحبُون الإعتزال لأنهم منتفخون بالكبرياء، فإن هدفهم الوحيد ينبع من الحب. وهذا هو السبب فى أننا نجد أن جميع الذين وُصِفوا لنا فى السجلات المقدسة كرجال صالحين، يبتعدون عن الأشخاص الجاهلين([651]) خشية أن يعتادوا مع الوقت على طرقهم من خلال الألفة، وبالتالى يألفون مستوى أدنى من الفضيلة أو يكتسبون مشاعرهم.
ولتكن سارة أول أمثلتنا، فلقد حثَّت زوجها ابراهيم على أن يطرد من بيت العائلة ابن الجارية بينما كان ما يزال طفلا، لأنها اعترضت على لعبه مع ابنها اسحق خشية أنه إذا ما تسليا معا قد تتسم أخلاقياته بسلوك اسماعيل وطرقه. ويعقوب، حافظ على أمنه بهروبه إلى ميسوبوتاميا وتغربه هناك. ولوط حذّره الملائكة لينتقل من بين الناس الأشرار فى سدوم. وموسى كما قلتُ سابقا عندما كبر أبَى أن يُدعَى ابن ابنة فرعون([652]) وعزم على الإنفصال عن الطاغية ورجاله المسلحين([653]) وحذّر الذين كانوا من نفس فكره ليخرجوا معه وأن يجعلوا الخروج أول اهتمامهم. والأنبياء أيضا ابتعدوا عن الحشود وعاشوا بصفة عامة فى الصحارى، وقال عنهم الرسول "جالوا فى الصحارى والجبال والمغائر وشقوق الأرض" ([654])، وكان ذلك لتجنب الاختلاط مع الوضيعين، ولأنهم عرفوا أن الإختلاط له قوة الخداع والانخفاض عن المستوى العام لأولئك الذين يقضون أيامهم معا، وأكثر من ذلك، أن مثل هذا الإختلاط هو فى حد ذاته ضار وسام، بل وحتى مُشين. إنه ضد الطبيعة أن تضع أمورا متضادة معا، أو تتسامح معها لفترة قصيرة([655]) لأن المِثل يميل دائما إلى المِثل، مثلما يقول المَثل " كل طائر يحب مثيله"([656])، ولكن غير المثيل مكروه وغريب. مَن فى العالم يمكنه أن يُدرّب حَمَاما آكلا للحبوب على أن يأكل رميما أو غربانا؟. أو [يدرب] أوز أو كركى، على أن يرعى مع النسور التى تلتقط الجيف؟. لأنه أية شركة للنور مع الظلام([657]) أو للفضيلة مع الرذيلة، أو للردىء مع الجيد.
(الشماس) كيف إذن، يقول الرسول "صرتُ كل شىءٍ لجميع الناس، لليهودى كيهودى، للضعيف كضعيف لكى ما أربح الضعيف وللذين بلا ناموس كأنى بلا ناموس لكى ما أربح الذين بلا ناموس([658]).
(الاسقف) هذا الاقتباس ياسيدى العزيز لا يدعم زعمك الخاص لأن بولس لم يقل صرتُ بلا مبالاة للذين بلا مبالاة أو تافها للتافهين، أو طماعا للطماعين، أو أى شىءٍ من هذا القبيل. ولكن صرتُ كهذا أو كذلك"، وليس صِرتُ "هذا" لأن صِرتُ "مثل هذا" ليست نفس الشىء كصرتُ "هذا". إن كلام وأعمال الرسول هى "مثل" التى (للآخرين). إن تنازله من الممكن ألا يكون خيرا كبيرا، ولكنه بكل تأكيد لم يسبب أى ضرر.
"صرتُ لليهودى كيهودى". أجل، فلقد أُختُتِن. بأى معنى إذن يقول "كيهودى"؟، وليس "صرتُ يهوديا". لقد كان غالبا ما يحفظ السبت والصوم مع اليهود دون المساس بتعليم المخلِّص على أملٍ أن يقودهم إلى المعرفة الأكثر كمالا من خلال الألفة والمرافقة معه([659]) تماما كما أن الأطباء لا يبقون دوما مع مرضاهم أو يُعانون من نفس شكاويهم أو يهذون مثلهم. إن طريقة الحياة التى تلائم المعلّم تتطلب ألا يقضى الكثير من الوقت مع الحشود ولكن أن يبقى فى هدوء، وأن يُفرق بين الشخصيات المتعددة بفحص دقيق. وهذه هى طريقة الأطباء العلماء. إنهم يكرسون وقتهم فى الغالب لكتبهم وبذا يمكنهم تشخيص أسباب الشكاوى وأن يصفوا لها العلاج. إنهم يقتربون من المرضى بالقدر الضرورى اللازم فقط لإكتشاف المرض ووصف العلاج، دون أن يأكلوا أو يلعبوا معهم. فالمهارة الطبية لا تعنى اللعب والأكل مع المرضى ولكن أن ترد الصحة للمرضى.
وإذ فعلتُ ذلك فإننى أرجوك ألا تزعجنى بنفس الاعتراضات، فالفضيلة لا تُهزَم أبدا بثرثرة الثرثاريين. وبدلا من ذلك إقبل وجهة نظرى وضع حارسا على أبواب آذانك الخاصة، لكى ما تحفظها من سماع كل ما يُقال وتحفظه فى مستودع ذاكرتك. والآن، دعنى أقول لك بقية قصتى لأنه يجب أن أُسرِع فى طريقى.
فقال ثيودورس، أين هم الأساقفة ايليسيوس وبالاديوس وسيرياكوس وديمتريوس، الذين أُرسِلوا مع مندوبينا؟. فقد سمعنا شائعات غامضة أنهم قد نُفِيُوا.
(الاسقف) إن كانت روايتى عن يوحنا واضحة لك، وليس بها أى شىء خفى، وإذا تذكرتَ ما قد قلته، فإننى سأجيب على أى سؤال تود أن تسأله.
الفصل العشرون: معاناة القديسين والنعمة الإلهية
(الشماس) إننى مقتنع تماما بالحقيقة كما لو كنتُ فى الموقع ذاته. وخير دليل على قبولى لروايتك هو الانتباه الذى أوليته لها. وإذ مازال تذكارها يرن فى أذنىّ، فإنه من الممكن أن أدونها كتابة ([660]) بحبر على قطعة من الرق كتذكار لذريتنا ولمنفعة أولئك الذين يتطلعون إلى الاسقفية لكى ما يكونوا إما قديسين مثل يوحنا ومثلك، يا من اخترتما طريق الشهادة من أجل الحق، وإما أن يتخلوا عن محاولة تحمل عبء يفوق قدراتهم، ويقنعون بحياة العلمانيين الخالية من المخاطر([661]). فعندما يكون هناك ربابنة ذوى خبرة، يكون من الأفضل دفع الأجرة والوصول بآمان إلى الميناء كراكب، عن أخذ مكان الربان نفسه، وفقد السفينة والشحنة معا عن طريق الغرق. لقد أعطيتنا وصفا لعمل يوحنا المبارك وعن نظام حياته الصارم، وعن عمله الرائع فى كنائس انطاكية والقسطنطينية، وعن تقدمه، وعن المؤمرات التى دُبِّرَت ضده، وعن كل تجاربه المريرة التى جُلِبت عليه من قِبل أشخاص سيئى السلوك نفذوا هذه المؤمرات. وقد حدثتنا أيضا عن بورفيريوس الخصى الذى من أفسس. والآن حدثنا عن الباقين. مَن تُوفِىَّ فى السجن؟. ومَن مِن الذين كانوا فى شركة مع يوحنا قد نُفِىَّ. فمن العدل أن نحتفظ بذكرى هؤلاء الرجال فى ذاكرتنا لتشجيع الأحياء. ففى الأمور التى تخص الحياة الدنيوية، يُعانى الخدم، من أجل أسيادهم، من السجن أو الضرب أو التعذيب. أو يُكافأون من قِبلهم باللطف والتحرر. فكم بالأكثر أولئك الذين يستحقون الإكرام والشرف من الكنيسة. أولئك الذين يُعانون من أجل المسيح؟. يقول الرسول عنهم "كأسرى مع الأسرى، ومُذَّلين مع المذلولين، كأنكم أنتم أيضا فى الجسد" "([662]) لأنه "كريم فى عينىّ الرب موت قديسيه"([663]).
(الاسقف) كلام ممتاز. اسمع إذن. لقد أُشيع أن الأساقفة قد أُلقِىَّ بهم فى البحر. ولكن الرواية الصحيحة توضح أنهم قد أُرسِلوا إلى المنفى خارج حدود مقاطعاتهم الأصلية، فى مناخ بربرى حيث مازالوا تحت حراسة الشرطة. فالشماس الذى كان مسافرا معهم قد أخبرنا عند وصوله أن سيرياكوس Cyriacus ([664]) كان فى حصن بلميرا Palmyra عند حدود فارس على مسافة ثمانين ميلا داخل البلاد من إميسا([665])Emesa . وأن إيليسيوس[الذى] من بوسطرة([666]) بالعربية، كان فى حصن يُدعَى مسفاس Misphas بالقرب من أراضى الساراسيين([667]), على مسافة سفر ثلاثة أيام. وأن بالاديوس كان تحت الحراسة فى مكان يُدعى سين([668])، مجاورا لمناطق البليموث([669]) وهم قبيلة أثيوبية. وكان ديمتريوس فى مكان بعيد بالواحة المجاورة لمناطق المازيق(فهناك واحات أخرى). وأن سيرابيون قد أُتُهِم بإتهامات لا حصر لها غير مؤكدة، قد أصيب بإصابات شخصية من قضاته المتوحشين الذين ذهبوا، كما يُقال، إلى حد خلع أسنانه ثم نُفِى إلى بلده الخاص([670]). ونُقِل هيلاريوس([671]) الرجل القديس المتقدم فى العمر، إلى بونطس الداخلية بعدما ضُرِب ليس مِن قِبل القاضى ولكن من الإكليروس. الرجل الذى لم يذق خبزا لمدة ثمانية عشر سنة، وكان يعيش على الأعشاب والقمح المسلوق. وذهب انطونيوس بإختياره إلى منفى فى كهوف فلسطين. ويُقال أن تيموثاوس([672]) من مارونيا، ويوحنا من ليديا كانا فى مقدونية. وتوجه رودون من اسيا إلى ميتيلين Mitylene. وقيل أن غريغوريوس من ليديا كان فى فريجيا. وترك بريسون أخو بالاديوس([673]) بإرادته الحرة كنيسته وعاش فى مزرعته الصغيرة عاملا بيده فى أرضه. وتم التحفظ على لامبتيوس كما يقولون، فى مكان ما بليديا بواسطة ايليسيوس، فكرَّس نفسه للقراءة. وكان يوجينوس فى بلده الخاص. وقضيا ألبيديوس اسقف لاودكية العظيم وباباس ثلاثة أعوام بدون النزول على درج منزلهما([674]) متفرغين فى الصلاة. وأُعتُقِل هيراكليوس لمدة أربع سنوات فى سجن نيقوميديا. أما باقى الأساقفة الذين كانوا فى شركة مع يوحنا فالبعض فقد شجاعته كلية واشترك مع آتيكوس، ونُقِلوا إلى كنائس أخرى فى تيراقيا. والبعض غاب عن الأنظار. وقيل أن أناتوليوس[يقيم] فى بلاد الغال.
ولننتقل الآن إلى الكهنة. بعضهم نُفِى إلى العربية وفلسطين. وتيجريوس([675]) إلى ميسوبوتاميا. وهرب فيلبس إلى بونطيوس ومات. وعاش ثيوفيلس فى بافلوجونيا. وأسس يوحنا بن اثيريوس ديرا فى قيصرية، ونُفِى اسطفانوس إلى العربية، ولكن الإيسوريين انتزعوه من يدى الحارس، وسُمِح له بالتوجه إلى منطقة طوروس. وقيل أن سالوسينوس فى كريت. وأعتقد أن فيلبس المتوحد القس المسؤول عن المدرسة([676]) يرقد مريضا فى كامبانيا. وصفرونيوس الشماس مسجون فى طيبة. وبولس الشماس مساعد الخازن قيل أنه فى أفريقيا. وبولس الآخر شماس كنيسة القيامة [موجود] بأورشليم. وهيلاديوس ([677]) كاهن القصر يعيش فى مزرعته الصغيرة فى بثينية. وعدد كبير مختبىء فى القسطنطينية، وآخرون ذهبوا إلى أوطانهم الخاصة. فسلفانوس الاسقف القديس فى ترواس، ويعول نفسه بصيد السمك. واسطفانوس الناسك، جُلِد فى القسطنطينية ثم أُلقِىّ فى السجن لعشرة أشهر لمجرد أنه أحضر رسائل من كنيسة روما([678])، ثم عُرِض عليه إطلاق سراحه شريطة أن يشترك(مع آتيكوس). وعندما رفض مزقوا جلده عن ضلوعه وصدره بأكثر وحشية(وقد رأيت أنا نفسى آثار ذلك). ومع ذلك حُفِظت حياته بعناية نعمة المسيح ربما لجهادات آتية. وبعد عشرة أشهر من العلاج الطبى نُفِىّ إلى بيلزيوم. وأُتُهِم جندى يُدعَى بروفنسيالوس Provincialus من الحرس الإمبراطورى بأنه من محبى يوحنا. فجُلِد أولا مرارا، ثم عُذِّب بلا رحمة، ثم نُفِى إلى بترا([679]). وقبِل خادم ألبيديوس القس رشوة، كما يقولون، خمسين قطعة من المال ليغتال يوحنا القديس غدرا ولكن تم القبض عليه وهو معه ثلاثة سيوف، [ بعدما] جرح سبعة من الذين قبضوا عليه واحدا تلو الآخر. ودُفِن أربعة منهم فى الحال، وخضع ثلاثة للعلاج مدة طويلة قبل أن يُشفوا، ولكن القاتل بُرّأ ([680])!!. ويوتروبيوس المُنشد([681]) المبارك الذى لم يتدنس بنساء، جُلِد على نحو مرعب ومُزِّق جلده عن ضلوعه وعن جبهته، ونٌتِفت حواجب عينيه، وأخيرا عروا أضلاعه فى الجانبين ووضعوا مصابيح زيت على العظام إلى أن لفِظ أنفاسه على المشواة، ودفنه الكهنة مرتكبو هذه الجريمة فى منتصف الليل. ولكن الله شهد لموته برؤية للمنشدين تشير إلى رمز آلامه لآلاَم المخلص. وقد أعلمنا الشماس الذى عاد إلينا من [عند] الأساقفة([682]) أن ضباط الحاكم المكلفين بهم عاملوهم بشكل سىء للغاية وفقا للتعليمات الواردة إليهم من مصدر ما أو آخر، لدرجة أنهم صلوا من أجل الموت والراحة من الحياة. فقد سرقوا من الأساقفة كل بِنِى معهم لنفقات السفر، واقتسموها فيما بينهم. وأركبوهم على حمير عارية([683]) وقطعوا مسيرة يومين فى يوم، سائرين إلى وقت متأخر من الليل، ثم الانطلاق قبل بزوغ ضوء الصباح. ولم تتمكن بطونهم من الشبع حتى من الطعام الهزيل الذى سُمِح لهم به. ولم يُضيّعوا أية فرصة لإهانتهم بلغة بذيئة ومشينة. وأسروا خادم بالاديوس وأجبروه على تسليم معلمه. وأحد هؤلاء الذين عاملوا ديمتريوس معاملة سيئة عندما وصل إلى زيبين Zibyne فى وقت متأخر فى المساء اشتكى من ألم فى رأسه وقدميه، وتُوفِى فى عذاب. وقد اعترف الرجال الملهمون بأن موته هذا كان عقابا على قسوته. وكان بالاديوس قد قال له، حسبما أعلمنا جندى كان زميلا له([684]) أنه لن يستطيع القيام بسفر آخر، إذ سيموت يائسا. وكانوا لا يسمحون لهم بالإقتراب من كنيسة، ولكن إما يبيتون فى خان حيث كان به عدد من البغايا، أو فى مجمع للسامريين أو اليهود. وغالبا فى طرسوس حيث أوحت لهم محنتهم بفكر جديد لم يكن لديهم من قبل، أن قال أحد الأساقفة "لماذا نتعب بمسألة إقامتنا، لِم لا تمكثون معنا حيثما تقيمون حتى نكون مسؤولين إذا ما حدث إساءة تصرف منا بإختيارنا؟. آلا تعلمون أنه مع كل ما حدث وما سيحدث، يتمجد إبن الله فى كل شىء. فكم من هؤلاء البغايا اللواتى نسين الله، أو لم يعرفن [شيئا] عنه، قد عادوا برؤيتنا فى هذه الحالة إلى مخافة الله وفكره. وهكذا تحولت الأمور إلى أفضل، أو على الأقل حُفِظت من الإنزلاق إلى ما هو أسوأ؟. إنه ليس بالأمر القليل للنفس العاقلة فى زمن الشدة أن يكون لها حتى راحة زهيدة، ويجب علينا أن نعتبره حافزا لضبط النفس. فبولس الرائى الذى تألم مثلنا يقول "نحن رائحة المسيح الذكية لله فى الذين يخلصون والذين يهلكون"([685]) لأننا " صرنا منظرا للملائكة وللناس"([686]). إن الأساقفة المحليين الذين اشتركوا مع ثيوفيلس فى سائر أنحاء الشرق، قد ذهبوا إلى أبعد من ذلك فى قسوتهم الوحشية، حتى أن بعضا منهم كانوا أبعد ما يكون عن مظهر البشرية المعتادة، ورشوا فى الواقع الضباط ليتخلصوا منهم خارج المدن بسرعة. وكان الفعلة الرئيسيون فى هذه الجناية اساقفة طرسوس وانطاكية، وأولوغيوس([687]) اسقف قيصرية فلسطين، وخاصة أسقف انقيرا، وأمونيوس اسقف بيلزيوم([688]) الذى جعل الجنود المكلفين بهم أكثر وحشية إما بالرشاوى أو يالتهديدات، وحثهم على منع حتى أولئك العلمانيين الذين يرغبون فى تقديم واجب الضيافة لهم.
وعلى نفس الأسس يُدين يوحنا المبارك وهو يكتب إلى غايوس فى رسائله الجامعة اسقفا ما لكنه يُثنى على كرم ضيافة غايوس ويحثه على عدم محاكاة الاساقفة الاشرار. وهذا الكلام كما يلى" إلى غايس الحبيب الذى أحبه بالحق. أيها الحبيب إننى أصلى كى ما تكون مزدهرا فى كل شىء وبصحة [جيدة]، كما أن نفسك ناجحة لأننى ابتهجتُ للغاية أنك تسلك بالحق. وأنك تُنعِش القديسين فليس لى فرح أعظم من ذلك" ([689]) ثم يضيف بعد ذلك "لقد كتبتُ إلى الكنائس، ولكن ديوترفس الذى يُحب أن يكون متفوقا بينهم لا يقبلنا، هاذرا علينا بكلام ردىء وغير قانعٍ بهذا، بل لا يقبل هو نفسه الإخوة، ويطردهم من الكنيسة". ثم ينصحه بعد ذلك بقليل "فلا تُحاكى أيها الحبيب الأشرار لأن من يصنع الخير هو من الله، ومَن يصنع الشر لم ير الله"([690]).
لقد نقلتُ لك الفقرة كلها التى تتحدث عن شر الأيام الخوالى، لكى ما تتصور فكر ديوترفيلس اليوم. ولكنه يا صديقى أشاد وأُعجِب بأساقفة كبادوكيا الثانية، لتعاطفهم العميق إلى حد الدموع مع الاساقفة المنفيين، وخصوصا ثيودرس من تيلنا، ويوسيفورس أسقف كولونيا لثمانية واربعين سنة. وسيرابيون من أوستراسين([691]) الذى شغل خدمة الأسقفية لخمسة وأربعين سنة.
وبعد أن لبث ثيودورس صامتا متأثرا قال أخيرا ماذا نقول عن كل هذا يا أبى، هل يُمكن أن نعتبر ذلك الساعة الأخيرة التى يتحدث عنها بولس، والتى تبُشِر بها هذه الأحداث "من أن ابن الهلاك، المقاوم يجب أن يُستعلن([692]). إن فكرة إزدهار الأشرار ونجاحهم فى [تحقيق] أغراضهم، وإستمرارهم لفترة طويلة، ونوالهم لسلطة أكثر، بينما يُضطهَد الأبرارُ ويُنهَبون تملأنى رُعبا من أن هذا الشخص قريب وفى متناول اليد.
(الاسقف) بكل تأكيد ياسيدى الأكثر ذكاءً، النهاية قريبة كما نقرأ "يا أولادى إنها الساعة الأخيرة" ([693]) و"خرج رب البيت فى نحو الساعة الحادية عشر ليستأجر فعلة لكرمه"([694]) والساعة الأخيرة هى الثانية عشر. فإذا كان الرسول قد تحدث عن الساعة الأخيرة منذ أربعمائة سنة مضت فكم بالأحرى بكل المظاهر، تكون الساعة الأخيرة الآن ([695]). مرة أخرى علينا أن نتذكر منذ البداية، أن هذه الأمور قد حدثت بسماح من الرب لتدريب القديسين. فالشيطان يرغب فى إمتلاكهم حسبما يقول كلام المخلّص. "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يُغربلكم كالحنطة. ولكننى طلبتُ من أجلك لكى لا يفنى ايمانك"([696]).
وبكل تأكيد لم يصلِّ الربُ من أجل سمعان وحده، بل من أجل جميع مَن لهم إيمان بطرس. و"الغربال" يمكن أن يعنى دائرة الأرض المملوءة بالملذات والآلام التى تشكل، إن جاز القول، ثقوبا يسقط منها الناس الدنيويون وينفصلون كالتراب عن الحنطة المغذية. فالبعض يسقط من خلال ثُقب الشراهة، أولئك الذين "بطونهم آلهتهم"([697]). والبعض من خلال ثُقب محبة اللذات، أولئك الذين يتحدث عنهم النبى أنهم ضلوا بروح الزنى([698]) لأنه "لا زناة ولا فاسقون يرثون ملكوت الله"([699]). وآخرون يسقطون من خلال ثُقب الخلاعة أولئك الذين اقترنوا بعروس الوثنية. وآخرون من خلال ثُقب الغضب والهوى، أولئك الذين أحبوا الظُلمة البهيمية، الذين يقول عنهم يوحنا[الحبيب] "مَن يكره أخاه فهو فى الظلمة إلى الآن" ([700]). لأن الغضب كما يقول كاتب سفر الأمثال "يُهلِك حتى الفطن"([701]). وآخرون من خلال الضجر([702]) accidie والنسيان، لأنهم لا يُثابرون على التذكر بلا نوم، الذين خطابهم إلى الله هو "قلبى نام من السأم"([703])، ولذلك يُحذّرهم الكلمة "ويل لكم" يا مَن فقدتم الصبر، ماذا ستفعلون عندما يفتقدكم الربُ"([704]). وآخرون، من خلال ثُقب التفاخر الذى يقول عنه المرنم "لأن الرب يُبدد عظام الذين يرضون الناس"([705]) وآخرون أيضا من خلال[ ثُقب] الإدعاء الكاذب([706]) أو الكبرياء الذى هو الغطرسة. إنهم أولئك الذين يوبخهم النبى كمرتدين "لقد تجاوز المتكبرون إلى الغاية ولكننى عن شريعتك لم أحد"([707]). فكلٌ من هذه الرذائل تتلوها أخرى أسوأ منها، فالكبرياء يتلوه الحسد. والجشع يتلوه الكراهية والبُخل والكذب([708]). والهوى يتلوه الغضب أو حب الإنتقام والوقاحة والحسد([709]). الزنى يتلوه الخمول واللامبالاة والنوم غير المفيد([710]). المجد الباطل يتلوه التصلف. أعمال الرشوة يتلوها الأهواء الباطلة، والنفاق والأخذ بالوجوه والخداع والتفاخر بالأفكار الحمقاء والقسوة، والمعصية والحماقة وهلم جرا. ولا أريد أن أُثقِل فى حجتى بتقديم أمثلة أكثر إذ أن ما قلته واضحٌ تماما.
ولكل من هذه الرذائل عيَّن الله لها فضيلة مضادة. فعلى سبيل المثال ضبط النفس تُضاد الشهوة. الإعتدال ضد الجشع. العدالة ضد الطمع. اللطف ضد الغضب. الفرح ضد الحزن. الوعى ضد النسيان، الصبر ضد الضجر، الإتضاع ضد المجد الباطل. وهلم جرا للكل فى الكتاب المقدس. الكبرياء فقط الذى ليس له فضيلة مضادة بسبب بشاعته المفرطة. ولكن الله هو المقاوم له، كما قال، الله يُقاوم المتكبرين،([711]) وهكذا يقول النبى أيضا "ارفع يدك ضد كبريائهم إلى المنتهى"([712]) وأيضا "أَعْطِ مُجازاةً للمستكبِرينَ" ([713]) وكما أن الشجرة تُعرَف من ثمارها، هكذا كل إنسان [يُعرَف] ما إذا كان قديسا بالحقيقة، أم بالإسم فقط (كما يقول الربُ "من ثمارهم تعرفونهم"([714])). وهذا هو السبب فى أن سعادة الأشرار تستمر دائما لفترة طويلة لأن الله يُطيل الأناة عليهم. وهذه هى سمته دائما، وقد أخبرنا أن نتوقع ذلك بالنسبة للدور الذى قام به القديسون المنكوبون فى الماضى، كتشجيع لنا نحن الذين نعانى اليوم. أنظروا أولا إلى أيوب ابن الصبر ماذا يقول هو بعد معاناة طويلة، لاحظ ذلك جيدا " أما أنا فهل شكواى من إنسان" لأنه يشير إلى عدم لومه. "لِمَ لا أصبر؟. تفرسوا فىَّ وتعجبوا، وضعوا أياديكم على أفواهكم. لأننى عندما أتذكرُ أتعب ويستولى الألم على جسدى. لماذا يعيش الأشرار ويشيخون فى الغِنى؟. نسلهم حسب رغبتهم، وأولادهم أمام عيونهم. بيوتهم آمنة من الخوف، وعصا الرب ليست عليهم. ثورهم يُلقح ولا يُخطىء، بقرتهم تٌنتج ولا تُسقِط. يسرحون مثل الغنم. أولادهم يلعبون، يحملون الدف والعود ويبتهجون بصوت المزمار. يقضون حياتهم بالخير، ثن يرقدون فى الهاوية، ويقولون لله ابعد عنا فإننا لا نُسَّرُ بمعرفة طرقك"([715]). ويستخدم داوود المُنشِد للعدل الإلهى، والمُحتمل لغة مماثلة " اسبحك يا رب على رحمتك وحكمك"([716]) "ما أطيب إله اسرائيل لأنقياء القلوب. أمَّا أنا فكادتْ قدماىَ تَزِلُّ، ولولا قليلٌ لَزَلِقَتْ خَطَواتِى". لماذا؟ "لأنِّى غِرْتُ على مُخالِفى الناموسِ، إذ رأيتُ سلامةَ الخطاةِ"([717]) " وفى فقرة أخرى يقدح ثرواتهم كما يلى أبقارهم سَمينةٌ. أغنامهم تنتج بوفرة، تتزايد فى شوارعهم. أهراؤهم ملآنة، تفيض من صنف إلى صنف. بناتُهُم حَسناوات مُتَزيِّناتٍ مثلَ شِبْهِ الهيكلِ". ثم يُضيف مندهشا من الوئام والسلام اللذين يتمتعون بهما". لا صُراخَ فى شوارعهم، ولا هَدْمٌ لأسوارِ بيوتهِم". ثم يُهاجم الآراء الفاسدة لقطيع البشر العام قائلا "" إنهم يَغبطونَ الشعبَ الذى يكونُ له هذه الأشياء"، ثم يُضيف ""طوبَى للشعبِ الذى معينه هو الربُّ إلهُ يعقوب"([718]).
ويجب ألا أُنهى إقتباساتى هنا، لئلا تبدو حجتى مختلفة وغير كاملة. فإسمع ما يقوله حبقوق إذ يبدو أنه يقرع صدره فى محنته فى نفس المشكلة " إلى متى يارب أصرخ متألما من الظُلم، وأنتَ لا تسمع؟". إنه يدعو خطأ جاره أخطاؤه هو، ومن حبه لإخوته يُضيف "أصرخ إليك، وأنت لا تُخلِّص. لِمَ تٌرينى إثما، فأبحث عن فاعلى الإثم والمشقة. القضاء ضدى، والقضاة يُكافأون. لذلك جمدت الشريعة وبطل الحكم الى الغاية لأن الشرير يظلم البار"([719]). وبنفس الروح يصرخ ارميا الأكثر تعاطفا مع القديسين متحيرا أكثر من كل الرجال الآخرين "أبر أنت يارب من أن أخاصمك، لكن أكلمك من جهة أحكامك. لماذا تنجح طريق الأشرار؟ ويطمئن جميع الغادرين غدرا. غرستهم فأصلَّوا"(هذا بدلا من القول "يقضون أيامهم فى تبذير) و"أثمروا ثمارا"(بكل تأكيد ليست [ثمار] الروح) "أنت قريب من أفواههم وبعيد من كُلاهم"([720]). والنبى صفنيا([721]) الحكيم له فقرة بنفس الأثر بالضبط فهو يوبخ الرجال الذين يغتابون جيرانهم ويجدون خطأ فى العناية الإلهية([722]) ويدعون القديسين تعساء. فهو يقول فى شخص الرب "لقدِ اشتَدَّت علَيَّ أَقوالكم، قال الرب. وتقولون: بِمَ تحادثنا عليك؟. إِنكم قلتم: عِبادة اللهِ باطِلة، وما المنفعة في حِفظِ شعائره، وقد سلكنا بالحزن أَمام الرب ضابط الكل؟. والآن نحن نطوب الغرباء. وأيضا مخالفوا الناموس يبنون، وجربوا الله، ونجوا. حينئِذٍ تَكلم متقو الرب كلُ واحِد مع جاره".
ويُضيف بولس المبشر بالتقوى شهادته إلى نفس الحقيقة "ولكن الناس الأشرار المزورين سيتقدمون إلى أردأ مُضلِّين ومُضَلين"([723]). ثم يوضح الحالة المنخفضة التى يُعانى منها القديسون "لأننى أعتقد أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين كأننا محكوم علينا بالموت، لأننا صرنا منظرا للعالم للملائكة وللناس.. فإلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونتعرى وليس لنا إقامة. ونكد عاملين بأيادينا( وهذا وصف لمعاناته البدنية). نُشتَم فنبارك. نضطَهَد فنحتمل. يُفتَرى علينا فنعظ. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شىءٍ إلى الآن"([724]). إن الله الصالح والخيّر قد بسط العالَم أمامنا لأسباب لا توصف كميدان لسباق الخيل، وأعطانا حرية الإرادة لكى ما نتعامل مع الظروف تبعا لإختيارنا ونسدد الغرامة العادلة عن أفعالنا حسبما تقول الشريعة "لقد وضعتُ أمام وجهك الموت والحياة، فاختر ما تُريد"([725]). لماذا وضع ذلك؟. إنه ليس لنا أن نقول فى هذه الحياة الحاضرة. فالحقيقة تظل أنه قد وضعها. وليس من الحكمة لنا أن نكون مخلوقين بلا شائبة ([726]) بدون صراعات أمامنا وبلا عقولٍ راسخة فى البر. إن العصمة من الخطأ هى سمة الألوهية السرمدية وحدها.
(الشماس) لقد واجهت صعوبتنا بحكمة وبشكل رائع يا أبى، فلقد أعطيت عيونًا لنفوس أصدقائنا هنا الذين وجدوا هذا الأمر مسألة محيرة بإستمرار، ناشئة عن نقص إلمامهم بالأسفار المقدسة بسبب كون الكنيسة على مر عصورها كمدرسة تدريب([727]) كانت تشير إلى المنتصرين فيها من الرجال والنساء على حد سواء وأنهم أكلوا جسد المسيح فى الأزمنة القديمة بدون دفع الثمن. ولكن الاضطرابات لديكم وتفكك الكنيسة سبّب لنا حزنا.
(الاسقف) أنتَ تُدهشنى يا أكرم الرجال، فأنت تسلّم تقريبا بدون تحفظ بالنتائج المفيدة للمعاناة ثم تتحول وتقول شيئا ما مُضادا لذلك. فأنتَ تدعونا مباركين كمنتصرين، ومع ذلك تدعونا بؤساء كأناس منفيين لأننا حُرِمنا من مبانى كنائسنا([728]). أنتَ تبدو لى فى نفس الحالة الذهنية للمشاهدين الريفيين، للألعاب الأوليمبية، فإنهم يتثاءبون بإبتهاج بالجوائز، ولكنهم يذرفون الدموع شفقة على اللكمات المتبادلة بين المتصارعين. بالنسبة لى، من الأفضل الإسراع إلى الوديان والغابات والبحار فى صُحبة الحق عن التثقل بالباطل بينما نتمتع بشرف رفيع لِما هو مُعتبرٌ فى هذه الحياة إزدهارا. لأنه إن امتلكتُ الحق فإننى سأمتلك كل شىء لأن كل الأشياء خادمة له. أما إن اتخذتُ الباطل، فإننى لن امتلك حتى نفسى، مثلما أنا لستُ لها. لكن إن امتلكتُ الحق فأنا لا امتلكه كسيد أو كخادم او كجار ولكن كأخ، بل إن كان ذلك ممكنا، كعروس، اتمتع بحلاوته وأرثه([729]) فى الوقت الحاضر. فالحق هو ابن الحق المطلق، وابنه هو الرجل الصالح. لأن ذاك الذى يحمل هذا الخاتم، يصير شابا ثانية ولا يشيخ، ولا يذبل. له غيرة أكثر حرارة من النار وكلاهما أحَّد من السيف، وحياة أكثر تحررا من حياة النسور. إنه يُكرّس نفسه للهذيذ بلا كلل فى الأسفار المقدسة. وكمثل ربة منزل لا يكف عن الأحضان بفرح لا يغلبه الخوف، يحمل رأسا غير منضبطة ويرقص فى حماسه المقدس. إنه لا يكره أحدا، ويُشفِق على أولئك الذين يُسيئون استعمال الحياة. إنه يدعو المهتمين بشؤونهم الخاصة برضا مباركين. ويأسف أسفا روحيا من حياة الكهنة غير المكترثين الذين قال عنهم الرب " لا تُحزنوا الروح القدس الذى به خُتِمتُم ليوم الفداء"([730]). إن ذاك الذى يُحزن الروح، ذاك الذى يُعطى ظهره لله بلا مبالاة.
وأخيرا (هناك الكثير الذى ينبغى أن أعبر عليه). لقد توفى وهو على صراحته. إنه لم يسبب ألما لأحدٍ خلاف الشياطين وأولئك الذين هم مثلهم. وكان وقته أكثر من كافى. إنه لم يصرف أيامه فى أعمال شريرة. لقد ضاعف المال([731]) الذى أُعطِىَّ له وصرفه فى [الأعمال] الخيرية والمفيدة والجيدة، وفى زمن قصير تمم ما يخص سنوات طويلة. لم يرغب فى التصرف([732]) فى ممتلكاته. فقد كان بحياته وجهاده يًصارع ضدها. هل طَرَق الموت على باب جسده النحيل؟. قبل أن يراه فى الخارج، صَاحَ دعنا نذهب من هنا مُنشِدًا "ويل لى لأن غربتى قد طالت علىَّ"([733]) ولو لم يكن المعلّم هو الذى أرسله فى مهمته لكان قد خدمه بإستدعاء وأقام دعوى عليه لأنه جاء متأخرا. كان راضيا تماما عندما تحرر أخيرا من الجسد النحيل بأمراضه المتعددة، كما لو كان يُغادر منزلا متهالكا مُهدَّدا بالسقوط. لقد شنَّف أذنيه بصوت ذاك الذى يقول "نعمَّا أيها العبد الصالح الأمين"([734]) وهو واثق من سماع الباقى أيضا. فخذ هذا السيل من الكلام كبرهان على اقتناعى "لأنه من وفرة([735]) القلب يتكلم اللسان([736]). أما الذى يُصادق الباطل فهو يعيش حياة مضطربة ففى لحظة ما يكون فرِحا فرَحا لا حدود له نتيجة إضافة ما إلى ثروته أو لسوء سمعة أقل أو لمصادقته لعاهرة بائسة، أو لمصائب حلَّت بأعدائه. بينما فى لحظة أخرى يكون مريضا ومشرفا على الموت من فرط الحزن والتوقع بتغيرات وشكوك. ويقضى الليالى بلا نوم ولا راحة. ويتصور مؤامرات يُحيكها ضده أقرب أصدقائه. ويفقد الثقة فى جميع الناس حتى فى نفسه فالجميع كاذبون. هكذا هو جبان كأرنب برى، جسورُ كخنزير، مُخادع كحرباء، لا يُمكن الإعتماد عليه مثل الحجل، بلا شفقة مثل ذئب، لا يُستأنس كفأر. عدوه الخاص محاسبة النفس التى لا يُمكن تحاشيها على الرغم من أنه لا يعرفها، يغار بلا إنقطاع. لأن الذى يخطط دوما الشَر ضد الآخرين يجلب الشرَّ أولا على نفسه. فإن وخَزَ الموتُ جِلده، تخلى عن كلّ شىء ليكسب قليلا من الراحة. هكذا تكون قيمة حياته عنده، إنه يبدد الوقتَ بلا أىّ ربحِ حتى من مضاعفة بِنِى([737])، بل لا يُحافظ حتى عليه. إنه مرتعد دوما مثل ورقة شجرٍ. يرهب التقدم فى العمر. مضطرب بالأفكار السخيقة للعجائز، ويخاف الموت لأن العالم المرئى بالنسبة له هو الإله. وماذا بعد؟. يصير شاحبا مرتجفا من الفزع فى عذاب شديد يتوقع دينونة الله وتوقيع العقاب عليه. ضميره يُعذبه بلا رحمة، ويُذكّره بأعماله الشريرة واحدة فواحدة إلى أن تكون معاناته أكثر فظاعة لتلك التى تكون لمجرمين تحت السياط. إنه يتذلل لِمن هم فى سلطة كعبد فى لحظة([738]) ويتملق العالم فى عاره، بدلا من [اللجوء] إلى الله الواحد الذى لديه عشرة آلاف من السادة، ليُنقِذ نفسه من أن تكون خادمة للحق. إنه يفعل كل ما فى وُسعهِ ليتخلص مما يخاف منه. ولكنه هو نفسه يخاف من كلّ أحدٍ.
لن أقول أكثر من ذلك، لقد فعلتُ كل ما بوسعى. إن كان أى أحدٍ يقدر أن يتكلم بأكثر صِدق وبلاغة ويجعل الصواب الذى قلته لا شىء فإننى أرحبُّ به بكل سرور كمصحح للخطأ وكمحب للإخوة، مُعطيا الشُكر لمخلّص الجميع.
والآن فلتروِ لى أنتَ بدورك عن قرار المجمع الغربى وتختم على كلامى إن كان قد قدَّم لك أية فائدة.
وهكذا كفَّ الرواى، وقال الشماس فليرحمك الربُ الذى منحك[ فرصة] أن تروى لنا هذه الرواية، فى ذلك اليوم([739]) عن رفضك الشركة مع أمثال هؤلاء الرجال، ولروايتك الواضحة التى أعطيتها لنا. وليذكر الرب كل ذبيحة ليوحنا لأنه لم يكف عن صراحته إلى الموت.
أما قرار كنيسة روما فكان عدم الشركة تحت أى ظرف من الظروف مع الأساقفة الشرقيين، وخاصة ثيوفيلس إلى أن يمنح الرب فرصة لعقد مجمع كنسى مسكونى([740]) لمداواة الأطراف المتحجرة للمذبين بهذه الجرائم. لأنه على الرغم من أن يوحنا المبارك قد رقد إلا أن الحق يقظٌ، ومن أجل الحق يتعين البحث. أما بالنسلة للذين ارتكبوا هذه الجرائم فى الكنيسة، فإننى أرحب بكل سرور بمواجهتهم وجها لوجه، فأين كهنوتكم؟. وأين هى القداسة المطلوبة منكم. وأين اللطف وإنكار الذات([741]) للشخص المسيحى؟. أين وصايا المخلص "إن قدمت قربانك، وتذكرت أن لأخيك شيئا عليك.. فإذهب أولا واصطلح مع أخيك. وحينئذ تعال وقدّم قربانك؟"([742]). وأين ذلك القول "مَن لطمك على خدك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضا"([743]). أين تأملكم الخاص فى الكتُب المقدسة؟. وماذا عن الآية "هو ذا ما أجمل وما أحلى أن يسكن الإخوة معا فى وحدانية"([744]) أو "فليكن الأخ معينا فى أزمنة الشدة"([745]). ولماذا تحيدون بأفعالكم عن القول" أخُ يعين أخيه هو مدينة حصينة"([746]). فالأخ الذى يُتَهَم باطلا أو يُسرَق بواسطة أحدٍ آخر هو مثل مدينة بائسة بلا دفاع. لماذا تحاولون أيها البؤساء بل المثلثى بؤسا، أن تنفذوا مشروعكم فى هذا العالم، كما لو كانت ليست هناك أية مصالحة؟. بأى مبدأ أثرتم غضبكم المميت ضد يوحنا كما لو كان عدوكم؟. وكيف تأَّتى لكم أن تكونوا وحوشا ضد بعضكم بعضا؟. لماذا جعلتم العالم يرى مثل هذا التغير غير العادى فيكم من اللطف إلى عدم لطف ووحشية؟. إننى متعحب فى الحقيقية وتطغى علىّ دهشة من انحرافكم هذا. إذ أرى كلَّ شىءٍ قد آل إلى حالة الإرتباك هذه الميؤوس منها. ولماذا تتعاظمون فى هذه الجسارة إلى حد إهانة الأم التى تُرضِع وتُمرِّض، ذلك الرحم العجاج، [أعنى] كنيسة الله وتمزقوها إربا؟. لقد تمت فيكم كلمات النبى "لأنهم طاردوا أخاهم بالسيف، وأهلكوا الرحم على الأرض". فبهذا الرحم اجتمع الله الكلمة والمخلِّص، وبالمثل يوحنا، يغرسكم ويزرعكم لأعمال جيدة ومربحة بلا حصر. ماذا حدث لكم حتى أنه بدلا من مساعدة الواحد للآخر للقيام بواجباتكم، عقدتم العزم على عدم العيش فى هدوء وسلام حتى فى المستقبل؟. لقد خُلِقتم للخدمة المتبادلة فلماذا تسيئون نعمة الله، وبدلا من أن تُخففوا من أعباء الآخرين تطرحونهم فى الواقع بعيدا عنكم وتقطعونهم عن أقربائهم، بينما يصرخ النبى لكم، "أليس لنا جميعا آبُ واحدٌ؟. ألم يخلقنا إله واحد؟"([747]). ولكن قد تقولون لى أن يوحنا قد أخطأ ضد الناموس. أىُّ ناموس؟. الناموس الذى وطأتموه تحت الأقدام، وهشمتموه إلى قِطع بشروركم؟. أين إذن ناموس الطبيعة الذى يعطينا حق الخطأ ضد اللطف؟. لماذا أرجوكم تُهينون حتى القانون السارى بين الأعداء، وتضطهدونهم وتنفذون مخططاتكم التى تُحيكونها ضدهم. تلك المخططات التى تحمل كل علامات الكراهية. فكم يكون ذلك أفضل بكثير لو أن ذلك قد حدث، أن تعيشوا فى وئام معهم، وتشاركونهم فى الحياة وتنضمون جنبا إلى جنب فى المشورة من أجل الخير العام، وفى تقديم الشكر والمسرة التامة لأبى الجميع. إن الوئام فى التمتع بالبركان هو إحدى فضائل الأولاد، وهذ مقبولة على نحو خاص للآباء الذيم لا يطلبون شيئا آخر من ذريتهم سوى هذه. وتأكدوا أنه ليس هناك أى قيد آخر للصداقة وحُسن النية سوى العمل بجدية وفِعل كل شىءٍ يُرضى الآب الذى هو مصدر وجودنا وقوتنا وحِفظنا. ولكنكم احتقرتموه([748]) وأججتم الحروب داخل الكنيسة كما قال النبى"أثاروا جنونا فى بيت الرب"([749])، بدلا من حث وتحفيز بعضكم لبعضٍ للمضى قُدما إلى الأمام. وأكثر من ذلك أثرتم حروبا بلا هوادة بين بعضكم بعضا ضد ([750]) العقل وضد قصد الآب. بل سأقول أكثر من ذلك، إنه لجنون شديد يُثير السخط حتى لله نفسه ولجميع الذين يقتربون منه([751])[من] ابنائه إخوتكم، وجعلتموه يُعانى من عدم السلام. لأنه لا يُهمل ولا يُغفِل رفاهية أولاده. لذلك هل يستحق هو حماقتكم وقمعكم الاستبدادى لأولئك الذين أخطأتم فى حقهم، لهذا يقضى بأن لا تمضون بلا عقاب كما بدأ هو فى الحقيقة، لأن هذا ليس ملائما له، ولا هو بلا خطر عليكم، فإن شكواكم لا تًطاق، وتحتاج إلى ما هو أكثر من العلاج العادى. فهو يراكم فى الواقع فى رضوض وجراح بلا حصر نتيجة للتأديب الخاص بكم. أجل إن سحابة من الخطأ الذى لا معنى له والأكثر عِنادا قد حلت عليكم وعلى على بيوتكم، وعلى إخوتكم حلفائكم أولئك الذين يشاركونكم الفراش والمائدة، وأولئك الذين يرتبطون معكم برباط الدم. كل هذه العلاقات منحرفة لديكم إلى حد الكراهية المُرّة. وهؤلاء الذين قد طُرِدوا من أوطانهم ومن أُسَرِهم وهاموا على وجوههم بعيدا بدون مدة محددة للنفى، بل إلى الأبد([752]), وهكذا بلغت وحشيتكم أقصى مدى. لذلك طُرِح ميزانكم فى يأس. هذا هو ما كسبتموه بإنتصاركم عليهم وعلى يوحنا المبارك بواسطة تأجيج عدواتكم الحاقدة والسماح للسانكم بالعربدة ضده كسيف مرهف. وبدلا من التهذب المربح، مارستم سوء مزاجكم وسكبتم على الكنيسة إتهاماتكم الباطلة، مدنسين آذان أولئك الذين يسمعونها. وإتهامات ضد الرجال الذين سيكافأهم الله الرحوم المحب، حسب أعمالهم.
أما بالنسبة لك أيها المبارك يوحنا بأى كلام يمكننى أن أنسج به تاجك غير المضمحل؟. إننى لا أخشى مدحك الآن، إذ قد انتقلتَ من ميدان الصراع ومن أمواج النضال الشرسة. هل هى كلمات شريعة موسى التى استخدمها فى مباركة يوسف النشيط، ولاوى الكاهن المفكر؟. لأننى أرى فيك كلا منهما "لتكن أرضه مباركة من الرب، ومن جبال السماء والندى، وأعماق الينابيع من تحت، وفي أوقات الثمار، ودوران الشمس وتعاقب الشهور، من رؤوس الجبال التي هى منذ البداية، ومن رؤوس التلال التى منذ الأزل تكون على رأس يوسف(وعلى كل رجل على غرار يوسف)، وعلى رؤوس الإخوة الذين يحكمهم، ممجدا بين إخوته كبكر([753]). قرناه مثل جمال الثور. قرناه، قرنا وحيد القرن، بهما يدفع الشعوب إلى أقاصى الأرض" ([754]). وقال للاوى(ولكل من يماثله)، "أعطوا لاوى آياته، وحقه للرجل القديس، الذي حاولوا محاكمته وإغراقه بمياه التناقض. الذي يقول لأبيه وأمه إننى لم أراكما، ولا يعترف بإخوته. حافظ على أقوالك، وصان عهدك. أظهر أحكامك ليعقوب، وشريعتك لإسرائيل. يُصعِد دوما البخور على مذبحك فى يوم عيدك . ليبارك الرب قوته، ويقبل أعمال يديه. وليضرب حواجب عيون الأعداء الذين يقومون ضده، وليجعل من كرهوه لا يقومون ثانية"([755]). وسأضيف هنا كلمة واحدة أكثر "يا يسوع المسيح، اجعل أولئك الذين يحبونه لا يخزون. لأن لك القوة إلى الأبد . آمين".
(الاسقف) هذا هو فهمك الراسخ يا ثيودورس الباحث عن الأفكار النبيلة لتُخرِج من كنز عقلك كما قال المخلص"جددا وعُتقا "([756]). فالأشياء "العتيقة" هى دروس الحكمة البشرية، والأشياء "الجديدة" هى أقوال الروح القدس. ومن هذا الكنز قدَّمت ما هو مناسب لكل جانب من جوانب شخصيته. إن حكمك الصائب لأمر جديرٌ بالتقدير. إن تعبيرك عن نفسك بلغة تناسب تماما تلك الجرائم التى أُرتُكِبَت وأن تنسج من موسى إلى يوحنا تاجا يستحق ذاك الذى خدم ككاهن دون تفكير فى ذاته، ولم يعرف فى بره أبا أو أما أو أواصر دمٍ، ولكن فقط أولئك الذين يحبون ويُمارسون كلام الله.
أما أولئك الذين يُجاهرون فى أيامنا هذه أنهم اساقفة، فقد جعلوا من خبزهم الموحل وسيلة لإقتناء المال ولعمليات عسكرية ومراكز رفيعة خارقين الشريعة التى تقول "يجب على الكهنة ألا يُعطون أبنائهم للحكام، ولا للراكضين بجانب الملوك"([757]). بينما يُضيعون أمور الروح فى المؤامرات والمضايقات والسجون والنفى وجنون الشراب غير المخفف، وهم يظنون أنهم بهذه الوسائل يُهينون أصدقاء الفضيلة. وعن هؤلاء قال المخلّص "ستأتى أيام، يظن فيها كل مَن يقتلكم أنه يُقدِّم خِدمة لله"([758]). إننى لا أعتبر أنه قد تحدث عن الأمم، لأنه كان عندئذ سيقول "الآلهة" إذ أنهم لا يُقرون [بإله] واحد بل بآلهة كثيرين، بينما يذكر الله الواحد والوحيد. فهو يشير إلى أولئك الذين يسلبوننا الآن تحت ذريعة مصلحة الكنيسة. فهم يُخفون عربدتهم وغيرتهم الخاصة، ويُعبّرون عن أنفسهم بكلام يُصوّرهم بأنهم مهتمون برفاهية الكنيسة التى دمَّروها بأعمالهم. ولكن مهما كانوا ماهرين، فإنه نتيجة الأحداث ستُثبِت لهم أنهم كانوا أدنى من المستوى الذى يفتخر به ذاك الذى قال "لن أتزعزع من دور إلى دور بلا سوء"([759]) لأن الحية التى نصحت بنقض الشريعة، والتى تزرع أشر جشع إذ لا تستطيع أن تنصح بشكل جديد من البدع، جرَّت أولئك الذين فى سلطة داخل الكنيسة إلى هلاك متبادل من أجل إشباع شهوتهم للمناصب الأعلى والسلطة الأعلى([760]) عن الجميع. من أجل هؤلاء الذين شقوا الكنيسة إلى إثنين. لأنه إن كان روح وئام الله فى الاساقفة، وكان يوحنا يستحق العزل من وظيفته، سواء عن عمل خاطىء تسبَّب فيه أو لعدم استحقاقه للكهنوت، أو بسبب كبريائه كما زعم ثيوفيلس، فإن حُكْم الله القادر على كل شىءٍ([761]) كان قادرا تماما على إستبعاده من ممارسة الكهنوت بأساليب دستورية أو طرق مبتكرة، يُمكن بواسطتها طرده بها بدون كل هذا الإرتباك والرثاء، سواء بالموت أو بالفالج أو بفقدان الصوت، مثلما نعرف عن بعض أولئك الذين عرَّضوا أنفسهم لهذه المعاناة، ومثلما سيُعانى آخرون. ولكن، إذ نرى أن الخطوات التى أُتُخِذت ضده كانت غير لائقة بالمخلّص. إذ لم يُعزل، ولكن نُفِى([762])، فمن الواضح بشدة أنها كانت من عمل الشيطان الذى دُمِرَّت مملكته بتعليم يوحنا. أنا أعلم أن يوحنا قد عَزل بالصواب ستة أشخاص من مناصبهم، الذين تحدثتُ عنهم سابقا، لأنهم اشتروا كرامة الكهنوت. مَن بكى آنذاك؟. من نزفت أنفه؟. مَن ترك وطنه؟. مَن تم تغريمه ولو بمبلغ زهيد؟. مَن فى كل أسيا سواء أكان متشردا، أو غوغائيا، أو مزارعا أو إسكافيا، أو سوقيا، لم يُسّر بما أُتُخِذ من أجل الدفاع عن القوانين المقدسة؟. وكيف صاح الجميع، ما أعظم أعمالك يارب كلها بحكمة صنعت".([763]) لأنه حيثما يكون الله هو العامل، يكون العمل بحكمة. وحيثما يكون الشيطان فاعل الشر، فكل شىءٍ يُعمل بالتالى بغير حكمة. ويلى عدم الحكمة القتل. والطيش والمشاجرات والفتن، والمزاج الشرير ومؤمرات الجهلاء، ودس الأنوف، والأعمال الساخنة من ذوى السلطة، والصلب والتعذيب والحرق وأنهار الدماء والغرامات الباهظة، وإنتهاكات المراسيم الإلهية، والشقاق فى جميع أنحاء العالم، والإزدراء بالقوانين، ورفض ضبط النفس، ومراقبة البحر والبر، ونقل محركات السفن على ظهور الخيل، والسير على الأقدام، لكى ما يُعوقون أولئك المسافرين من أجل الحق. كيف يتجاسرون إذن على القول أن يوحنا قد طُرِد إذن بتدبير الله؟. إننى أسأل أولئك الذين استخدموا مثل هذا الكلام هل كان حكمة الله الكلى القدرة، كما قلتُ غير قادرة على إيقاف يوحنا إذا كان غير مستحق، بقوة لا تُرَى؟. أو أن تُقنِع أولئك الذين لا يتفقون معه أن يحتملوا عمله بصبر بدون اللجوء إلى ممارسة كل هذه القوة من جانب الماجستيرات؟. لأنه إن كان الله هو نفسه الذى عمل مع موسى من أجل تحرير بنى اسرائيل عندما أعلن فرعون جهرا "لا أعرف الله، ولن أُطلِق الشعب"([764]) فكيف فى تعامله مع يوحنا يحتاج إلى معونة الماجستيرات الأرضيين؟. هل شاخ أم ضعف أم قلت موارده؟. وذاك الذى أظهر للضوء زنى البعض، والجرائم غير الطبيعية لآخرين، وخداع آخرين. هلى صار الآن مع يوحنا بدون قدرة؟. وأيضا ذاك الذى جعل لسان أحدهم ينتفخ إلى أن دوَّن اعترافه كتابة، وسمح لآخر أن يلقى حتفه بسكتة مفاجئة. وجعل آخر يتعذب بسرب من الديدان وهو راقد على فراشه بلا نُطقٍ لما يقرب من عام كامل، وألقى على آخر رعبا لا يوصف من نقرس مزمن، وحرَق رجلىّ آخر لأنه أراد ذلك. أو انتزع أيضا حياة آخر قبل الآوان، كما يعرف كل أحدٍ، بموت يجلب الغثيان. هل كان من الضعف لدرجة أنه فى حالة يوحنا، كما تزعمون، كان غير قادرٍ على فعل أى شىءٍ من هذه الأشياء إذا كان يوحنا فعلا رجلا مُدّنِسا للمقدسات، بل احتاج [أى الله] إلى مساعدة هذا وذاك ليتمكن من طرد يوحنا بالخزى، وبذلك يتمجد([765]). كلا إنهم يخدعون أنفسهم بجهلهم([766]) لوصايا كلمة الله. لأنه لا يُمكن أن يُدعى منتهكا للمقدسات بشكل صحيح، ذاك الذى وزع على الفقراء الذهب والفضة والمشغولات الحريرية، وأطعم الأفواه([767]). أما ذاك الذى من أجل المال والصيت وملذات الموائد قد باع تعاليم المخلص وفرائضه، ومن بعده ذاك الذى أهلك رجلا قديسا مزينا بحياته وبكلامه، وبواسطته أعطى المخلّص شراب الكلمة المغذى([768]) من الكأس أو الصينية لأولئك الذين يُحبون كلمة الله. كلا فليدعوا ذاك الذى سرق الكنيسة الرسولية منتهكا للمقدسات وحرمها من معلميها وباع السيامات بالمال، الذين سيُطاردهم العدل الإلهى ليُصححوا أخطاءهم. لأنه إذا كان أولئك الذين أفسدوا شريعة موسى بعمل طائش غير محترس قد طردهم المخلّص بسوط خارج الهيكل، لأنهم كانوا يبيعون الحمام فى داخله، فأى عقاب سيكون لأولئك الذين يدنسون كهنوت العهد الجديد، سوى أن يمزقهم راعى الرعاة بقضيب من حديد؟. كما يقول الرسول "من خالف ناموس موسى فعلى فم شاهدين أو ثلاثة يموت بدون رأفة. فكم عقابا أشر تظنون أنه يُحسَب مستحقا من داس إبن الله وحسِب دم العهد الذى قُدِّس به دنسا، وازدرى بروح النعمة؟. فإننا نعرف الذى قال لى النقمة أنا أجازى يقول الرب. مخيف هو الوقوع فى يدى الله الحى"([769]).
ليهبنا الله، الذى مجَّد هذا الرجل القديس، هذا الراعى القديس، مصباح البر هذا، أن نجد نصيبا وجزءً معه فى يوم دينونته العادلة المخوف. الذى له المجد والإكرام والعزة والجلالة، الآب والإبن والروح القدس. الآن وكل أوان، وإلى دهر الدهور آمين.
+ + +
إلى هنا انتهى النص الأصلى لعمل بالاديوس ولكن بقية سيرة فم الذهب على الصعيد التاريخى، والإفصاح عن النقاط الحرجة التى صمت عنها بالاديوس، ونقل رفاته من كومانا إلى القسطنطينية، وطلب ثيودوسيوس الصغير المغفرة لوالديه. فهذا نجده فى كتابات المؤرخين الكنسيين سقراتيس وسوزمينوس وثيودوريت، وهى تحت الطبع تباعا فى سلسلة "المؤرخون الكنسيون الأوائل" للمعرب، إن شاء الرب وعاش.
[1] - أنظر مقدمتنا للقسم الثالث من "التاريخ الرهبانى.." نشر باناريون،2013م
[2] - أقول هنا "التاريخ اللوسسى" عن قصد، عن العمل المشهور بإسم "التاريخ اللوزياكى" فى مصر، وبإسم "اللوزى" فى عربية الشام. كما كتبه البعض حديثا "اللاوسى". ولما كان العمل منسوبا الى شخص يُسمَّى Lausus وكانت قواميس اللغة الآن متوفرة بالصوت، فإن القاموس الناطق يلفظ هذا الإسم "لوسس" وليس "لاوس" ولا "لاوز" ومن ثم يكون النعت هنا "لوسَسِى" حسبما أرى، فنقول "التاريخ اللوسسى".
[3] - يرد اسمه ولقبه فى اليونانية بالشكل يوأنس خريسوستوموس : Ἰωάννης ὁ Χρυσόστομος
[4] - مدينة بقبرص، وكان منها القديس اسبريدون أيضا. أنظر سوزمينوس بسلسلة "المؤرخون الكنسيون الأوائل" للمعرب، قيد الطبع.
[5] - الأسقف الخلقيدونى(الملكانى) الدخيل.
[6] - أنظر سلسلة "المؤرخون .."، السابقة الذكر
[7] - أنظر سقراتيس، "ت.ك."، 3:6. وسوزمينوس. للمعرب
[8] - Aimé Puech (Paris: Lecoffre, 1913), (عن هربرت مور)
[9] - كان فم الذهب، كما سنرى توا، سوري الجنس، ومن ثم يقصد المترجم بكلمة (يونانى) هنا الكتَّاب الذين كتبوا باللغة اليونانية.
[10] - أى من بيلزيوم التى هى بالقبطية "بيرومى"، وبالعربية "الفرما". وكانت مدينة فى أقصى شمال غرب شبه جزيرة سيناء، وقد إندثرت الآن، وموقعها خرائب تل الفرما فى شرق قناة السويس. أنظر "المسيحية والحياة الرهبانية فى شبه جزيرة سيناء من القرون الميلادية الأولى إلى يومنا هذا" إعداد مطرانية جنوب سيناء.
[11] - معبود اغريقى.
[12] - ومازال بصورة أو بأخرى فى سائر دول الشرق.
[13] - دربانوم الآن، ببثينية.
[14] - أنظر "التاريخ الرهبانى.."، للمعرب، نشر دار باناريون.
[15] - رسالة 113.
[16] - بالاديوس، "ت.ل."، 12:35. أنظر "التاريخ الرهبانى"، سابق الذكر.
[17] - أسوان حاليا.
[18] - "ت.ك."، 36:7. للمعرب
[19] - فى نظر المترجم، والأمر متروك للقارىء.
[20] - "حوار عن.."، و"التاريخ اللوسسى".
[21] - أنظر، "ت.ل."، 11،26،37. للمعرب
[22] - تُظهِر كلتا المقالتين معرفة بكتابات ايفاجريوس، أحد رفقاء بالاديوس فى الصحراء.
[23] - توفى فى سنة 412م.
[24] - فى (Patr. Gr., vol. xlvii.) عن هربرت مور
[25] - والمعرب أيضا لم يلتزم بذات العناوين الفرعية التى وضعها وخاصة التى تشير إلى نعوت لكنيستنا عفا عليها الزمن. وتلك التى لا تتفق مع الذوق العربى. كما لم يلتزم بهوامشه بنصها إلا فى حالات معينة، أهمها عدم وجود المرجع الأصلى تحت يده.
[26] - "أمله" هذا ربما موجه إلى الغرب لأن كم المخطوطات التى وصلتنا لأعماله العديدة وسيرة حياته تعكس مدى الإهتمام به منذ قرون عديدة وقبل ظهور مجموعة NPNF ليس فى مصر فقط بل وسائر كنائس الشرق على اختلاف مذاهبها العقائدية.
[27] - قارن، مت 10:19. وأذكِّر هنا قارئى العزيز بما سبق أن ذكرته فى مقدمة ترجماتى لأعمال بالاديوس وكاسيانوس، من أن الآباء الأوائل إذ "أكلوا" الأسفار المقدسة أكلاً وامتثلوها إمتثالا كانت عصارة هذه الأسفار تنساب فى أحاديثهم بالمعنى وليس بالحرف فلم يتقيدوا فى اقتباساتهم بحرفية النص ولكن بالمضمون. ولذلك تركتُ فى المتن التعبير كما ورد على لسان بالاديوس ووفقا للمخطوطة التى كانت تحت يده آنذاك، ثم وضعتُ فى الهامش الشاهد الكتابى مسبوقا بكلمة "قارن". فجميع شواهد بالاديوس هنا الكتابية اقتباس حر وبتصرف منه، على أساس أنه حديث شفاهى، وليس عمل مكتبى.
[28] - - اقتباس حر من عب 4:5
[29] - يقول M. Fragm أنها كانت قرية سامرية. (عن هربرت مور، هـ9). [وهذه القرية(وهى تُكتب أيضا Gitta) كانت تقع فى الواقع، على مسافة نحو 49كم(30 ميل) شمال مدينة "فلافيا نيابوليس" (أى نابلس الجديدة) بشمال الضفة الغربية. أنظر كتابات الآباء الأوائل ايرنيئوس، وهيبوليتس، وابيفانيوس، ويوستينوس الشهيد].
[30] - أوضح Dr. Westcott أن عبارة "الروح القدس" [فى كتابات الآباء بالإنجليزية] عندما ترد بدون أداة التعريف، يكون المقصود بها "مواهب" الروح القدس، وليس "أقنوم" الروح القدس. [أنظر، هربرت مور، هـ 11]. ومن ثمة ترجمها هربرت كما فى المتن.
[31] - راجع أع19:8.
[32] - أنظر 1كو19:3 عن أى 13:5.
[33] - قارن أع 23:8
[34] - حرفيا "دياكون".
[35] - "أوغنُسطس"، وهى أولى رتب الشموسية.
[36] - لاحظ هذه الكلمة فى متن نص بالاديوس الذى يكتب فى أوائل القرن الخامس قبل مجمع خلقيدون. ويعلق هربرت مور(فى هامشه19) على اللقب قائلا( إلى سنة 230م، كان أسقف الإسكندرية هو الوحيد في مصر الذى يُدعى "أبا" أى "الأب"، وكان لقبا عاما لجميع الأساقفة. "ولكن في زمن هراقليوس"، عندما تم تعيين أساقفة مصريين أخرين"، دُعى بطريرك الإسكندرية "بابا" (أي "أب الآباء"، "جد"). وهكذا يعتبر يوتيخس (فى "حولياته"، 111)، وأثناسيوس (فى"دفاع ضد اريوس"،69. وفى "المجامع"، 16) اللقب يخص أسقف الإسكندرية فقط. ولكن ترتليان كان يتحدث عن أي أسقف ينطق بالحل، على أنه "بابا بنديكتوس"[ أى بابا المبارك]. وأعطى جيروم اللقب لأثناسيوس، وإبيفانيوس، وأوغسطينوس.. الخ. وفي وقت لاحق، تم نسيان الأصل اللغوي لللقب، وأُفتُرِض أن "بابا" لقبٌ كرامة خاصة لأساقفة الإسكندرية لأنهم يُديرون كرسيا هاما. ومن ثم أُعطِىَّ أيضا لأساقفة روما الذين زعموا بمرور الوقت أنه إمتياز قاصرٌ عليهم.
[37] - يُكتَب فى عربية الشام، تيوفيل. ويرد فى المخطوطات بعدة أشكال: تاوفيلس، ثاوفيلس. هذا، بعدما قضى شبابه بين متوحدى نيتريا، صار سكرتيرا للبابا أثناسيوس ثم كاهنا في الاسكندرية، فأسقفا لها في حوالى سنة 385م. وكان جيروم معجبا به، من بين أمور أخرى، كرجل علم ونشيط. والحقيقة أن ذلك الإعجاب كان بسبب مشاركة ثيوفيلس له فى وجهة نظره بخصوص الأوريجانية. وقد تُوفِىَّ في سنة 412م، وخلفه ابن أخته، كيرلس الشهير، الملَّقب بعمود الدين.
[38] - البابا اينوسنت، بابا روما.
[39] - أى الأنبا يوحنا فم الذهب، بطريرك القسطنطينية.
39 - إن العبارات مثل "محبتكم"، و"وداعتكم"، كانت تستخدم بإستمرار من قِبل الكتّاب المسيحيين الأوائل كتعبيرات تحية فى الخطاب. ومازلنا نحتفظ ببعضها، مثل "نيافتكم" و"قداستكم"، وغيرها.
[41] - قارن هذه العبارة مع "ت.ل."، 16. للمعرب.
[42] - كثيرا ما كان الشمامسة يُوفدون كممثلين للأساقفة حتى فى المجامع العامة. غير أن الدياكونية لم تكن معتبرة درجة فى الكهنوت، ولكنها كانت خدمة [كنسية] متميزة وطويلة الأمد، لها إمتيازاتها الخاصة وواجباتها.
[43] - يُعطينا سوزمينوس(فى ك26:8) ترجمة يونانية لرسالة اينوسنت إلى فم الذهب، يحثه فيها على الصبر. والتى أرسلها له بيد الشماس سرياقوس[ أو كرياكوس]. أنظر سوزمينوس، للمعرب.
[44] - أركاديوس الإمبراطور. ولم يكن لدى الشرقيين اعتراض على لقب "باسيليوس" basileus [ أى ملك، بالعربية] مثلما كان لدى الغرب. بالنسبة للقب rex . (هربرت مور، هــ 30).
[45] - المتضمن فى القوانين 5 و6 من [قوانين] نيقية. ويمنع القانون 2 لمجمع القسطنطينية(سنة 381م) صراحة مثل هذا التدخل من قِبل أساقفة "ما وراء الحدود" بتعبير ثيوفيلس نفسه. فأساقفة الشرق يُديرون الشرق فقط.
[46] - الإيبارشية Eparchia تعنى مقاطعة رومانية. وكان هناك ثلاثة عشر مقاطعة، كل منها لها حاكمها ومجلسها، وتحته حكام مناطق ومُدن، بمجالسهم. وقد اتبعت الكنيسة التقسيم المدنى إلى مقاطعات بمطارنتها أو بطاركتها ومجامعها المقدسة، وتحته الأساقفة المحليون، أو مساعدى الأسقف suffragan. وقد استخدمت أحيانا كلمة أخرى (dioecesis) للتعبير عن كل المقاطعة المدنية. ولكن فى الكثير من الأحيان عن تقسيم إدارى أصغر. ويقول هربرت مور(فى هامشه 33) أنه فى الاستعمال الكنسى تداخل اللقبين فأحيانا تُستَخدم الكلمة للتعبير عن منطقة (province) كما فى (قوانين القسطنطينية، ق2). وأحيانا dioceseكما فى (ق16، نيقية)، والمعبر عنها بإيبارشية parœcia.
[47] - رئيس شمامسة أى "ارشيدياكون". يقول هربرت مور(فى هامشه 34) أن الأرشيدياكون فى الكنيسة القديمة كان أحد الشمامسة السبعة. وكان ( هناك فى كنيسة روما ستة وأربعين كاهنا، ولكن أُبِقِى على عدد الشمامسة حسب التعيين الرسولى). وكان يتم إختياره إما بحُكم الأقدمية، وإما عن طريق الإنتخاب من الشمامسة الآخرين، وإما يُعيّنه الأسقف. وهو يساهد الاسقف فى المذبح، وينظم الشمامسة الآخرين والإكليريكين الأدنى ويتصرف فى غياب الأسقف، أو خلال شغور كرسى الاسقفية. ويساعده فى إدارة ايرادات الكنيسة.. إلخ. وكانت رتبته هامة لدرجة أنه غالبا ما كان يخلف الأسقف. ومن ثم إذا كان العزل فعليا فإن مراسلة رئيس الشمامسة كان صحيحا الى حد بعيد بإعتباره مسؤولا عن شؤون الايبارشية. ويتحدث اسطفانوس عن "يوحنا رئيس شمامسة القسطنطينية" بأكثر جدية [قائلا] "لا يمكننى أن أجد شخصا مثله".
[48] - هذا إصطلاح كنسى يُشير إلى خلو الكرسى من الأسقف. وقد قيل عن أودكسيا أنها "ردَّت للقسطنطينية عريسها"( أنظر عظة de red 4، لفم الذهب).
[49] - كانت القوانين الكنسية والأعراف تقضى بالتعامل مع "الأرشيدياكون" فى حالة خلو الكرسى من الأسقف. وفى تصرف ثيوفيلس هنا إشارة دبلوماسية بلغتنا الى عدم الإعتراف بأسقفيته.
[50] - ترد الكلمة أيضا فى 1كو 2:12. ولكن من الممكن أن يكون المعنى "قُبِض" [عليهم] (حتى بالعنف، كما فى أع 19:12. قارن تك 22:39 س)، إذ يُقال عن الكنائس بعده، أنها "تُرِكت بلا رعاة". المترجم
[51] - آبامياApamea أو Apameia . مدينة أثرية سورية تقع على الضفة اليمنى لنهر أورانتس(العاصى)، على مسافة 60 كم شمال محافظة حماة. إسمها حاليا بالعربية آفاميا. ولكن يتعين التفرقة بينها وبين مدينة أثرية أخرى بإسم Apamea Cibotus, تقع حاليا بالقرب من أزمير بتركيا. ومن أشهر رجال المدينة الأثرية السورية (1)Iamblichus of Chalcis وهو فيلسوف من مدرسة الافلاطونية الحديثة. (2) Polychronius اسقف وأخو ثيودور الموبسوستى Theodore of Mopsuestia) (3) الاسقف ثيودوريت مؤرخ القرن الخامس. (4) ايفاجريوس اسكولاستيكوس Evagrius Scholasticus مؤرخ خلقيدونى فى القرن السادس (5) جونياسJunias الاسقف (ق 9م)
[52] - رفيق كاسيانوس. أنظر مقدمة المعرب فى "الأنظمة"، نشر دار باناريون.
[53] - الكلمة هنا، حسب هربرت مور، "ممسوح"(كالمصارعين) لأجل الإفتراء". والكلمة مستخدمة فى هذه المقالة فى الغالب بمعنى "تشحيم الكف". وبالطبع كناية عن الرشاوى كما سيرِد أدناه.
[54] - يقول هربرت مور (فى هامشه 38) أن الكاتب على صواب تماما فى حديثه عن مقاطعة تيراقيا بالمقارنة مع مقاطعة مصر، وليس بكرسى القسطنطينية. فمقاطعة تراقيا تشمل ستة ايبارشيات تمتد إلى نهر الدانوب. وكان الكرسى الأم فى هيراكليا العاصمة المدنية القديمة. و[صحيح] أن مجمع القسطنطينية قد أمر(فى ق 3) أن يكون لأسقف القسطنطينية الأولوية بعد اسقف روما، لأنها روما الجديدة". ولكن القسطنطينية مازالت ايبارشية مفردة فى مقاطعة تيراقيا.
[55] - الكلمة المستخدمة هنا هى، كما يقول هربرت مور، هى Curiosus، من Curius وهو الحارس المسؤول الذى يُعهَد إليه برعاية النساء والقاصرين. ومن ثم "كوريوسس" هو أى موظف رسمى يعينه المسؤول الأعلى. وهو فى هذه الحالة هنا، comes للواجب العام.
[56] - نلاحظ هنا محاولة بالاديوس إبعاد مسؤولية هذه الأحداث عن السلطة الزمنية الحاكمة، وإلقاء التبعة على ثيوفيلس وحزبه فقط. وربما كان يأمل من ذلك أن تراجع هذه السلطة نفسها وتتدارك الخطأ وتصحح مسارها.
[57] - كان فم الذهب يتوقع تهمة "إعادة الدخول بمبادرة خاصة منه".
[58] - يوم السبت فى "الأسبوع العظيم" هو عشية عيد القيامة. هكذا دُعِى فى رسالة بوليكاربوس الشهيد إلى أهل سميرنا. "لماذا ندعوه الأسبوع العظيم؟. ليس لأن ساعاته أطول، ولكن لأن فيه أتت لنا البركات التى لا تُوصف. فحتى الأمراء أمروا بعدم العمل فيه. وفيه يُطلَق سراح المسجونين"(عظة على تك 30). ويتحدث يوسيبيوس(فى "حياة قنسطنطين"،22:4) عن أبهة العشية وعن كم الشموع المضاءة. لقد كان التقليد السارى أن المسيح سيأتى فى نصف الليل كما فعل للمصريين. لذلك لم يكن الشعب ينصرف قبل منتصف الليل، متوقعين المجىء الثانى.
[59] - الكلمة الواردة هنا هى Bema. ويشرحها لنا هربرت مور(هــ42) بأنها "المكان الذى نصعد إليه"، والذى يوجد فى الجزء الشرقى للكنائس ويرتفع عن أرضية الصحن. وفى هذا الموضع كان يوضع المذبح وكراسى أو "عروش" الأسقف والكهنة، والمنجلية التى كان يُقرأ من عليها الإنجيل، والتى تتمييز عن الإمبل الذى فى الصحن والتى كان تُقرأ من عليه الفصول الأقل أهمية من الكتب المقدسة.
[60] - الكلمة فى "يو2:5"، وكثيرا ما ترد لدى سقراتيس(17:7).
[61] - أى "غير أهل" لسرائر الإيمان التى تشمل قانون الإيمان والصلاة الربانية والسرائر الإلهية. ويتحدث فم الذهب فى(عظات على متى، 23) عن الافخارستيا التى تُعقَد خلف الأبواب المغلقة. وجميع الليتورجيات القديمة تحتوى على "نداء" من الشماس للموعوظين والسامعين غير المؤمنين، بأن يغادروا الآن.
[62] - واضح هنا بجلاء أن عنصرى [الافخارستيا] كانا يُحفظان فى هذه الحالة إلى قداس منتصف الليل.
[63] - أى الوثنيين.
[64] - نلاحظ هنا رغبة فم الذهب فى إبعاد المسؤولية عن الملك، وهذه فى الواقع عادة قديمة فى سائر بلاد الشرق وهى عدم المساس بالسلطة مهما كانت مثالبها وهى فى سُدة الحُكم. وفى مصر كانت هناك فى العصر الملكى جريمة "العيب فى الذات الملكية"!! التى تمنع بالتالى أى كلام مهما كان عن الأسرة المالكة. أى أن الأنظمة السياسية فى تلك الأزمنة لم تكن تقبل بالرأى الآخر. ومن ثم محاولة بالاديوس هنا تحاشى الكلام عن الإمبراطور والإمبراطورة له ما يبرره فى الواقع. ولكن سقراتيس وسوزمينوس أفاضا فى الحديث بحرية أكبر. أنظر تواريخهما للمعرب، قيد الطبع.
[65] - حرفيا من "ضباط المعسكر".
[66] - قارن قول أرميا النبى فى (مرا 14:3).
[67] - تغير هنا، كما لفت نظرنا المترجم الانجليزى، الضمير من الغائب إلى المتكلم، ولكننى حافظتُ على سياق الكلام حسب الأسلوب العربى
[68] - أنظر فم الذهب . de Comp., i. 5
[69] - يوجد هنا حرف ساقط ("grammaton" for "pragmaton") يجعل القراءة إما عاليه وإما "رسائلكم" حسبما ذكر هربرت مور(فى هامشه 51).
[70] - وهذا حق قانونى مسلَّم به فى إجراءات التقاضى المدنى الحالى، متى استشعر المتهم بتحيز المحكمة للخصم لسبب معقول وثابت أن يطلب "رد المحكمة".
[71] - حرفيا رسالة خاصة "بأمور الشركة المساوية". فقد كانت عادة الاساقفة أن يُرسِلوا لبعضهم بعضا "جزءً" من أجزاء من العناصر المقدسة، إشارة إلى الوحدانية والمسرة. وقد أشار إيرينيئوس إلى هذه العادة (أنظر: يوسيبيوس، 24:5). ولكن قانون لاودكية(رقم 14) يحظر هذا الإرسال فى عيد القيامة إلى إيبارشسة أخرى. ولكن "الأمور المتساوية" أُستُخدِمت على نطاق واسع لدى اليونانيين فى وقت لاحق فى تبادل الرسائل التى عُرِفت فى اللاتينية "بالرسائل الرسمية". وقد تناول القانون 11 لخلقيدونية "رسائل الثناء" هذه (قارن 2كو 1:3، رو 1:16) التى كان يحملها المسافرون. والتى كانت تُنعَت "برسائل السلام" أو "خطابات الشركة" كضمان على أن حاملها عضو فى الكنيسة. وهذا هو المعنى هنا. فالخطاب أقرب إلى "خطاب سلام" مرسل من الغرب إلى فلافيان(أنظر سوزمينوس 25:8 للمعرب). والكلمات الأولى من الرسالة أدناه.
[72] - أنظر خطاب اينوسنت إلى كهنة القسطنطينية بالكامل فى سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب.
[73] - مت 17:18، قارن 1كو9:5.
[74] - جاء فى رسالة اينوسنت (فى سوزمينوس 26:8. للمعرب) "نحن نكتب أنه يجب أن نحتذى بالقوانين الموضوعة فى مجمع نيقية التى ينبغى على الكنيسة الجامعة أن تتبعها فقط." وينص القانون الخامس على أن الأشخاص المحرومين من أساقفة مقاطعة(ايبارشية كما قلنا عاليه) لا يتم قبولهم فى الشركة من أساقفة آخرين، ولكن منعا للحرومات غير الصحيحة. يُعقَد مجمعان فى السنة فى كل ايبارشية، يتم فيها فحص مثل هذه الحالات. ومن هنا كان رفض فم الذهب لمنح الإخوة الطوال "الشركة". وقد اقترح اينوسنت مجمعا كنسيا لكل الكنيسة، وليس من مقاطعة منفردة. وكان حرم ثيوفيلس لفم الذهب مبرِّرا كافيا لموقفه هذا.
[75] - العزل الثانى لفم الذهب.
[76] - معلنا نفسه أنه مازال فى شركة معهم.
[77] - أو "مظهره".
[78] - هذا يُمكن أن يكون فقط بواسطة رسالة أو عن طريق وكيل حيث أنه توجه مباشرة إلى المنفى. وقد انعقد مجمع بعد الطرد الأول، كان الشماس هنا يتذكره، ولكن بالاديوس لم يكن منشغلا بتسلسل الأحداث. ويقول هربرت مور ربما يعود القصور فى التسلسل المنطقى فى الحُكم إلى فساد فى النص.
[79] - الضمير هنا عائد إلى هذا "المانيكان".
[80] - قارن، أى 18:32
[81] - أى سيرياقوس.
[82] - اسقف انطاكية.
[83] - أى أن فم الذهب مهرطق!!. لقد أصدر ثيودوسيوس والد أركاديوس مثل هذه المراسيم فيما يتعلق بالأريوسيين. ويُخبرنا غريغوريوس أن فم الذهب قد حصل على نفس الشىء من اركاديوس. وقد أثبت اعتماد الكنيسة على السلطة المدنية أنه دائما سبب الكوارث.
[84] - رفيق كاسيانوس صاحب المحاورات. أنظر مقدمتنا للأنظمة، نشر باناريون.
[85] - هو كاسيان الذى عاش طويلا بين رهبان مصر، والذى سيم شماسا بواسطة فم الذهب، وكان مُعجبا بدرجة كبيرة بكتاباته. أنظر مرجع الهامش السابق.
[86] - بيرية أو بيرويا هو الإسم الاغريقى فى العصر البيزنطى، لمدينة حلب السورية الآن.
[87] - بتولمايسPtolemais وتكتب أيضا بتوليمايس أو بطولومايس اسم عدة مدن فى الواقع بناها بطالمة مصر. منها عكا بإسرائل الآن، والمدينة التى كانت تعرف بإسم Crocodilopolis بإقليم طيبة في مصر(بمحافظة سوهاج الآن). وواحدة بليبيا(وتدعى اليوم طليثمة). وواحده كانت تقع على شاطىء البحر الأحمر. وبالطبع المقصود ببتولمايس هنا مدينة عكا التى تقع الآن فى شمال إسرائيل، على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن القدس حوالي 181 كم إلى الشمال الغربي.
[88] - Ǧabla أو Jabala أو, Jablah أو Gabala, وتكتب بالعربية جبلة( وهو إسم فينيقى أصلا، يعنى "قبة" أو "مكان" [المعبود] " الأيل الكبير الفينيقي") هي مدينة ومركز منطقة جبلة في محافظة اللاذقية في شمال غرب سوريا .تطل على البحر المتوسط، وتبعد مسافة 25 كم جنوب اللاذقية Latakia، وعلى مسافة 25كم شمال بانياسBaniyas .
[89] -كانت التهمة الثالثة فى مجمع البلوطة أنه باع كمية كبيرة من كنوز الكنيسة.
[90] - كانت ايرادات الكنيسة توضع أساسا عند الاسقف لتُوَّزع بمعرفته على الفقراء. وهو يقوم بذلك بواسطة الشمامسة وخاصة الأرشيدياكون. ولكن لما نمت الكنيسة فى الثروة والنطاق عُيِّن "أمناء" [ أو "صارفين"] كانوا دائما من بين الإكليروس. وتنص قوانين خلقيدون(25، 26) على أنه خلال شغور الكرسى يتم إدارة ايرادات الكنيسة بمعرفة "الخازن" حتى لا تكون إدارة الكنيسة بلا شهود، وتتبدد ممتلكات الكنيسة، ويتعرض الإكليروس للإنتقادات. وقد عيَّن ثيوفيلس "خازنين" من الرهبان. وفى رسالته القانونية يأمر بأن يتم إختيار "الأمناء" من بين الإكليروس.
[91] - وكان وثنيا وعدوا لدودا للإيمان. خلف استوديوس كحاكم للقسطنطينية. تعامل مع المتهمين بحرق الكنيسة: يوتروبيوس القارىء الذى مات تحت التعذيب. وتيجريس وسيرابيون بالمثل. وقد أُحضِرَت اوليمبياس أمامه، وبعد استخدام عبارات ودية معها فرض عليها غرامة ثقيلة لرفضها الاشتراك مع ارساكيوس.
[92] - تُوفِىَّ ثيودوسيوس فى سنة 395م. وورَّث مملكة الغرب لهونوريوس ابنه الأصغر، ومملكة الشرق لأركاديوس ابنه الأكبر، ولكن الثانى كان ضعيف الشخصية أمام زوجته حسبما رأى المؤرخون الأوائل.
[93] - وهكذا أُحضِر فم الذهب من انطاكية إلى القسطنطينية، كما لو كان بأمر الإمبراطور. وتم توفير وسيلة النقل له. وبالمثل تم إحضار الأساقفة إلى مجمع نيقية. وتم توفير واجبات الضيافة لهم.
[94] - رسالة اينوسنت فى [عمل] سوزمينوس تذكر أنه قد علِم الحقائق من الاساقفة ديمتريوس وسرياقوس وايليسيوس. وواضح أن المؤلف [لهذا الحوار] كان ملما تماما بالحقائق.
[95] - فى اللغة اليونانية [لهذا النص] هناك تبادل بين الضمير الأول[ ضمير المتكلم المفرد] وبين الضمير الثالث [ الغائب] وهذا يمكن فهمه جيدا ، إذ كان بالاديوس يصف تجاربه الخاصة، ثم ينسى فى بعض الأحيان الحفاظ على إخفاء هويته. ونفس الملمح نجده فى [عمله] "التاريخ اللوسسى"، 1:52. إن دقة التفاصيل المسجَّلة هنا، تترك أثرا قويا فى تحديد شخصية المؤلف لهذه المقالة.
[96] - حرفيا "الأجزاء الخلفية".
[97] - من الصعب أن تحمل عبارة "وُضِعوا على الرف" معناها الحرفى.
[98] - إن كان الخبر يعنى أنه قد نجح فى هدفه فهذا ليس صحيحا. فأرساكيوس أخو نكتاريوس عُيّن وشغل الكرسى لعام ثم خلفه آتيكوس.
[99] - "نوميسيا" باليونانية Nomisma، وباللاتينية nummus "الألف نومى nummi أو سسترى sestertii ، يكوِنون sestertium , أى حوالى ثمانية جنيهات استرلينية[ بتقدير المترجم فى سنة 1921م. المعرب]
[100] - أنظر: أف 15:5، 16.
[101] - تماما مثلما فعل فالنس الإمبراطور مع المندوبين الاتقياء الثمانين الذين حرقهم فى سفينة فى وسط البحر. أنظر: سوزمينوس، "ت.ك."، 14:6، للمعرب.
[102] - لامبسكوس كانت تقع على الساحل الشرقى لمضيق الدرنيل. وكانت الرحلة إلى هيدرون أطول بكثير. ولكن بالاديوس لم يكن مع الأساقفة الغربيين. لذا لا يُورِد أية ملاحظات خاصة بها. وكان من الطبيعى أن يسأل هنا عما إذا كانوا قد وصلوا إلى ايطاليا بآمان. وكانت اللياقة تمنع بالاديوس من [ذكر] الأعمال اللاحقة له ولرفقائه فى روما. وتستمر القصة بعد ذلك.
[103] - أو ترانتو فى جنوب ايطاليا.
[104] - معبود اغريقى.
[105] - أو "عقلانى" قارن رو1:12 ، ابط 2:2 حيث تعنى تقريبا "الروحية".
[106] - اسقف بيرويا Beroeaالذى كان قد أُرسِل إلى روما بمبادرة من فم الذهب لضمان الإعتراف بفلافيان اسقفا لأنطاكية من قِبل الكنيسة الغربية، ويبدو أنه كان فى الثمانين من العمر، ورجلا ذا قدرة كبيرة ونفوذ.
[107] - اسقف بتولمايس، وقد زار القسطنطينية وإذ كان متعلما، ومتكلما بليغا(ويُضيف سوزمينوس ملاحظة شيقة أنه قد دُعِىّ من البعض فم الذهب) غادر المدينة بعد أن جمع الكثير من المال(سوزمينوس،10:8)
[108] - أسقف جابالا Gabala بسوريا، وهو صديق لأنطيوخس, هذا إذ سمع عن نجاح انطيوخس فى القسطنطينية، فكَّر فى عمل نفس الشىء. ورغم أنه كان يتكلم بلكنة سورية جافة، أعدَّ مجموعة من العظات. وعند وصوله رحَّب به فم الذهب ووجد معروفا لدى البلاط. وعندما توجه فم الذهب إلى افسس عهد بإدارة الكنيسة إليه. ولكنه حاول فقط أن يُبهِج الجمهور وأن يحوِّل محبتهم لأسقفهم إلى شخصه هو. فإنتهز سيرابيون الارشيدياكون كل فرصة لإظهار كراهيته له، وأخبر فم الذهب بأعماله إلى حد "تحريف" ملاحظة له[حسب رأى هربرت مور]، وتصويره على أنه أنكر الإيمان. وبناء عليه طرده فم الذهب من المدينة، لكنه عاد فإستدعاه بناء على إلحاح اودكسيا. ولكن سيرابيون لم يغفر له الإهانة. ويرى بعض الدارسين أن سيرابيون كان بهذا سببا فى إذكاء روح العداوة والكراهية بين سيفريانوس هذا وبين فم الذهب. وجدير بالذكر أن السنكسار القبطى يذكر هذا الشخص تحت اليوم السابع من شهر توت، وينعته(الأب القديس الفاضل سوريانوس اسقف جبلة ببلاد اليونان). ومن الثابت جغرافيا وتاريخيا أن جبلة ببلاد سوريا الكبرى، وليست هناك مدينة بهذا الإسم فى اليونان. ولا أعرف سببا لهذا النعت بالسنكسار القبطى، لذا لزم التصحيح(أنظر السنكسار، جـ1، طبعة مكتبة المحبة).
[109] - أى أُطلِق عليهم لقب اساقفة، وهم ليسوا اساقفة حقيقيين.
[110] - يقول مور أنهما كلمتان غريبتان، من الواضح أنهما خاصين بالمؤلف نفسه.
[111] - أصدقاء الإمبراطورة أودكسيا.
[112] - الكلام هنا يُظهر التاريخ المفترض للحوار.
[113] - توفى فم الذهب فى سنة 407م، ومن ثم كان بالاديوس فى الثالثة والأربعين فقط من العمر. ولكن لما كان لا يُقدِّم نفسه [فى النص] على أنه اسقف الحوار فإن هذه النفطة لا تؤثّر على مسألة مَن يكون المؤلف.
[114] - قارن، مز 6:5
[115] - 1 يو22:2، 23
[116] - قارن، مز 11:63
[117] - يقول هربرت مور عن هذا الشاهد أنه أحد الأقوال مما يُسمَّى "الآجرافا" agrapha. وهى أقوال غير كتابية منسوبة إلى ربنا له المجد. وقد اقتبس منها الآباء مرارا. فعلى سبيل المثال: كلمندس الأسكندري، فى الاستروماتا 90:7. ويوسيبيوس القيصرى، فى "ت.ك."، 7:72. والبابا كيرلس الأسكندري، فى عظات على يو 3:4، وكلمنت الرومانى فى عظة 51:2. وقوانين الرسل، 36:2.
[118] - يقول هربرت مور أن تغيير حرف واحد فى النص يُعطى هذا المعنى عاليه فى المتن لأن "التفاخر" لا يُعطى هنا أى معنى، فلا يكفى أن تكون العبارة معقولة ومُصاغة بلغة مقبولة بل يجب أن تٌختَبر بالحقائق.
[119] - قارن، مز 1:39، 3:146
[120] - من حديث بالاديوس عن نفسه مع الأنبا يوحنا الليكوبوللى، بأنه اسقف عام الجرار والأوانى (أنظر:"ت.ل."، للمعرب) يتضح لنا من هذا التشبيه هنا أنه بالفعل كاتب هذا العمل. المعرب
[121] - حسب النص فى متن الترجمة الانجليزية، قارن أر21:9 ط/ بيروت، وكذا الطبعة اليسوعية. المعرب
[122] - أنظر القطعة الثانية من قطع النوم بالأجبية القبطية "ولكرسى حُكمك المرهوب أفزع". المعرب
[123] - ار 21:9 ، 15:7. "طرحتَ كل نسل افرايم".
[124] - قارن هو 11:7، 9
[125] - هو 8:7، 9
[126] - الكلمة اليونانية هنا تعنى سيامة الاساقفة.
[127] - هذه إحدى النقاط التى تدل على أن بالاديوس هو مؤلف هذا العمل فإقامته فى مصر جعلته يُلّم بعادات المصريين.
[128] - أنظر "التاريخ الرهبانى.."، ق2، 21:8، للمعرب، نشر دار باناريون.
[129] - أنظر، 1صم7:16
[130] - أف 1:5
[131] - يقول فم الذهب فى (عظة على 1كو3)، "إذا كنتُ أراك تستولى على ممتلكات الآخرين، وتتعدى على خلاف ذلك، فكيف أصدّق أنك تُؤمن أن هناك قيامة[من الأموات]".
[132] - أنظر: تكملة دانيال فى الاسفار القانونية الثانية.
[133] - حدث هنا تعديل من هربرت مور حيث يرى أن (النص هنا فاسد. فكلمة "سوء استخدام" حرفيا "أى التعامل بمكر" أو "إفساد" كما فى 2كو 17:2.). ولذلك يقول (لقد اتبعتُ هنا تصحيح بيجوت وهو "عار" وجعلها مضاف إليه. ولكن لما كنا نُثبِت الحاضر بالماضى وليس العكس فإننى أفضل أن يكون عار الشيخوخة دليل مؤكد على سوء استخدام الشباب).
[134] - توفى سكوندس والده عقب ولادته بفترة قصيرة، تاركا زوجته أنثوسا أرملة فى سن العشرين.
[135] - لقد درس البلاغة على يد ليبانيوس Libaniusالسوفسطائى الشهير الذى لم يكن وثنيا فقط، بل وأيضا مقاوما شديدا للإيمان. ودرس الفلسفة على يد أندراجاثيوس Andragathius. وعلى الرغم من أنه يقول فى ((de Sacerd. IV. vi. 37 أنه قد نحى جانبا كل دراساته الوضعية إلا أن أدبه الباقى، كما يقول هربرت مور، يدل على أنه لم يستطع ذلك. وقد قال ليبانيوس وهو يشير إلى أنثوسا "ماذا لدى زوجات هؤلاء المسيحيين؟!!"، إذ كان يريد أن يكون فم الذهب خليفة له فى رئاسة مدرسته "لو لم يسرقه المسيحيون".
[136] - 1بط 11:4
[137] - الكلمة المستخدمة هنا فى الترجمة الانجليزية هى verbosities وهى عن أصل لاتينى يعنى الإطناب اللفظى الخالى من المعنى. المعرب.
[138] - كان سبب تأجيل نوال المعمودية فى القرون الأولى، بصفة عامة، إلى سن متأخر وربما إلى الإشراف على الموت، هو الخوف من الوقوع فى الخطية بعد نوالها. ولكن هربرت مور يرى أن تأجيل فم الذهب لنوال سر المعمودية كان بسبب الاضطراب فى كنيسة انطاكية حيث كان الخلاف بين الارثوذكس والاريوسيين مستمرا. ومن ثم ترددت أنثوسا فى تقديم ابنها، حسبما يقول، إلى أن تجد مَن لا يرقى إليه أى شك فى عقيدته.
[139] - "ملازمة" ( وقد وردت هذه الكلمة فى 1كو 13:9). وكانت وظيفة مَن يلازم المذبح إيقاد الشموع وإحضار النبيذ لسر الافخارستيا.
[140] - أى "أوغنسطس"، وهى إحدى رتب الشموسية، ونلاحظ أهميتها والشروط التى كان يتعين توافرها فيمن ينالها فى الكنيسة الأولى. المعرب.
[141] - كان لفم الذهب دور كبير فى جذب أصدقائه أيضا إلى الحياة الرهبانية وقد صار بعضهم أساقفة. أنظر ذلك بالتفصيل فى سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب.
[142] - ولكن آخرين يرون أنه هزيكيوس Hesychius السورى"( هربرت مور، هـ 115).
[143] - قارن "كنتُ فى حيوية عمرى التامة، ومحتاجا ليس إلى خطاب بل إلى شِدة جسدية" فى بالاديوس، "ت.ل."، 4:1. وقد انضم إلى الحياة الرهبانية بعد وفاة والدته فى حوالى 374م/ 375م. أنظر "حياة فم الذهب" للأب تادرس يعقوب.
[144] - الأصح، العهدين القديم والجديد.
[145] - لم يسترد أبدا صحته وقد قال هو نفسه "لى جسد كبيت العنكبوت" إشارة إلى مدى وهنه. ونرى فى ذلك أحد أسباب تناول طعامه على إنفراد. المعرب
[146] - أنظر التعليم المسيحى القويم فى تعليم فم الذهب فهو رغم أنه شديد الإعجاب بالحياة النسكية حيث "يعيش الرهبان فى الأديرة حياة تلائم السماء". لكن إحساسه السليم العام يُظهِر أنه لم يكن لديه معيار للراهب يختلف عن ذلك الذى للفرد العادى. فهو يقول "إننى لا أطلب من الإنسان أن يتوجه إلى الجبال أو إلى الصحراء، ولكن أن يكون صالحا، وعاقلا ولطيفا، ورصينا وهو يعيش فى وسط المدينة". فكل وصايا الناموس هى لنا جميعا كما للرهبان، عدا الزواج (عظة على مت7).
[147] - كان ذلك فى سنة 381م عن عمر يُناهز ستة وثلاثين سنة. وقيل أنه كتَب مقالة "عن الكهنوت" وعن "البتولية" وهو بعد شماس. أنظر "حياة فم الذهب" للأب تادرس يعقوب.
[148] - توفى فى سنة 381م فى خلال مجمع القسطنطينية تاركا اسقفا منافسا هو باولينوس. وقد قيل أن ستة من قادة اكليروس انطاكية قد وافقوا على أنه فى حالة وفاة أىٍ منهما يعترفون بالآخر، الأمر الذى لم يتم. وقد كان سيناتورا، وأُختِير لأسقفية القسطنطينية بواسطة الإمبراطور نفسه وهو بعد موعوظ. أنظر ذلك بالتفصيل فى سوزمينوس("ت.ك."، 8:7) للمعرب.
[149] - ويُكتب أيضا فى الشام، افتروبيوس.
[150] - Comes أو "رفيق"، "كونت". هو رفيق أو ملازم للماجستيريت، وفيما بعد شخص فى جناح الإمبراطور، وبالتالى مسؤول عن قسم. وكان للإمبراطور عددٌ من المرافقين تبعا للمهام الخاصة به. وهكذا كان هناك "كومس" للخزانة الإمبراطورية، و"كومس" لإسطبلات...إلخ. وكومس لبريطانيا وكومس لمصر ..إلخ. إلى أن حل اللقب محل دوكس للحاكم العسكرى للمقاطعة أو المنطقة. وكان الحاكم آنذاك هو اوستيريوس(عن هربرت مور، هــ 125).
[151] - كانت الكنائس تُشيَّد فى الغالب الأعم فوق مقابر الشهداء على أساس أن نفوس أولئك الذين قُتِلوا تكون تحت المذبح (رؤ9:6). [وجدير بالملاحظة أن فكرة أن "نفوس الموتى" تحوم حول أماكن إقامتها بالجسد ليست قاصرة على دين معيَّن، إذ نجد نفس المفهوم لدى قدماء المصريين. المعرب]. وكان هناك مزار لأحد الشهداء فى مدينة بالاديوس هلينوبوليس (أنظر: يوسيبيوس"حياة قنسطنطين، 63:4).
[152] - سيم فى 2 فبراير سنة 398م، وبإتفاق كل الإكليروس والعلمانيين. إما لأنهم كانوا يعرفونه شخصيا وإما لأنهم قد سمعوا عن شهرته.
[153] - الكلمة المستخدمة هنا تعنى "لاحظ" كما ترجمها هربرت مور هكذا فى المتن، أما فى الليتورجية فهى "دعنا نُصغِى" التى تُقال قبل قراءة الإنجيل، "قفوا بخوف من الله لسماع الإنجيل المقدس". المعرب. وقد استخدمها بالاديوس مرتين بهذا المعنى فى "ت,ل.".
[154] - يرى هربرت (فى هــ 128) أن المعنى هنا مشكوك فيه. فالكلمة هنا تعنى "ملاحظ" (كما قلنا فى الهامش السابق مباشرة)، ولكنها تعنى أيضا ببساطة "كان حاضرا". وأيضا الكلمة "متحاملا" المستخدمة عاليه تكررت فى الكتابات الكنسية بشأن التكريس(وهى تعنى أساسا "تعيين" الموظفين المدنيين"). ومن هنا يُفسرها البعض المكرَّس الرئيسى على الرغم من أن هذا سيجعل النحو فى الجملة التالية مشوشا.
[155] - يشرح لنا هربرت مور(فى هـ 129) هنا المعانى المختلفة للكلمة اليونانية غير المعتادة المستخدمة هنا، فيقول أنها إما تعنى "فقد روحه" أو ما نعبر نحن فى اللهجة المصرية العامة "نفسه اتقطع" أو أُحبِط للغاية"، أو "وافق على مضض برسامته". على أية حالة يخبرنا سقراتيس (أنظر "ت.ك." للمعرب) أن يوتروبيوس الخصى قد هدده بمحاكمة إن لم يوافق.
[156] - يرى هربرت مور أن النص هنا فاسد، ويقترح بدلا منه "كان ماهرا جدا فى قراءة المشيئة غير المرئية وفكر الرجل من مظهره المرئى".
[157] - مر24:1، مت 29:8.
[158] - يقول سوزمين "كان خاضعا بالطبيعة للتقويم" أنظر، "ت.ك." للمعرب.
[159] - تشبيه كتابى من القبور المبيضة من الخارج وفى داخلها عظام نتنة.
[160] - أى "مدبرات المنازل" housekeepers . فلما كان من غير المسموح للإكليروس الزواج بعد السيامة، لذلك كانت هناك سيدات تقمن بالأعمال المنزلية لهم. بعضهن كن شابات. وبعضهن كنَّ من أولئك اللواتى قد نذرن البتولية والخدمة بالكنيسة [أى ممن يُعرفون اليوم بالمكرسات]. لذلك نهى مجمع نيقية (فى القرن الثالث الميلادى) إدخال أية إمرأة خلاف الأم أو أية واحدة فوق الشبهات. وهو قانون تكرر تدعيمه فى المجامع التالية. وقد أصدر فم الذهب مقالتين ضد هذه الممارسة، ولكن تاريخهما(فى نظر هربرت مور) غير محقق. وقد قال أنه صحيح أنه ليس هناك قدر كبير من المخالفات الفعلية، ولكنه أشار إلى الفضائح التى يُمكن أن تنشأ لا محالة من مثل هذه الحالات. وأوضح أن هؤلاء النسوة يعشن فى كثير من الحالات معيشة سيدات الطبقة الراقية.
[161] - أر 10:1. تمتلىء كتابات فم الذهب بالإستنكارات للثروة، والحث على الإحسان. ويقول بيوخ Puech أن فم الذهب هو الأكثر تميزا من بين جميع آباء القرن الرابع، فى مدح الصدقات.(اقتباس بيوخ عن مربرت مور).
[162] - كانت العادة فى روما، حسبما يقول سوتونيوس، حمل المرضى إلى معبد اسقولابيوس بجزيرة نهر التيبر ليموتوا هناك، وذلك توفيرا لعناء نقلهم. ويُخبرنا جيروم أن أول مستشفى تأسست هناك، كانت على يد أم مسيحية تُدعَى فابيولا. وقد حذا فم الذهب حذو باسيليوس الكبير الذى كان قد شيَّد مستشفى كبيرا جدا فى قيسارية جعله تحت إشراف "الأسقف المحلى".( مور، هــ 135)
[163] -عن العمل الصالح فى ذاته، أنظر المحاورة السادسة فى "المحاورات" لكاسيان، للمعرب.
[164] - 1تى 3:5, وهذا يُظهِر أنه منذ البداية كان هناك "سجل" لأرامل الكنيسة اللواتى كنَّ من المحتمل فى حاجة إلى مساعدة (اع1:6). ومن الواضح أنه قد صارت هناك حاجة، فى وقت يوحنا، إلى الأخذ بنظام الشماسات، ولذا أُقيمَت بعض المتقدمات فى العمر منهن شماسات للإهتمام بالباقيات. وكانت الأرامل اللواتى أنجبن أولادا تجلسن فى موضع معيَّن فى الكنيسة. وكان يُسمَح للمتقدمات فى العمر واللواتى تزوجن مرة واحدة بأن يكونوا شماسات. وكانت أوليمبياس استثناءً ملحوظا. ويقول هربرت مور "هكذا يتضح لنا أن نظام الشماسات قد نبع أساسا من نظام الأرامل". غير أننى أرى أن عماد سيدات بالغات فى بداية نشر المسيحية، كان يقتضى بالطبع وجود شماسات يُشرفن على تغطيسهن. المعرب
[165] - كانت الحمامات العامة فى المدن الكبيرة عبارة عن مبانى شاهقة، يُهدَر فيها الكثيرُ من الوقت فى متع جسدانية تكون مجالا للفجور، وللقيل والقال. لذلك كان من الأفضل لأولئك الذين شرعوا فى حياة أسمى أن يقبلوا [علاجا] فيزيقيا بدلا من النجاسة المعنوية.
[166] - "الطِلبات"[ وهى ما تُعرَف فى الليتورجية القبطية بإسم "أواشى". المعرب]. نجد فى قوانين الرسل(6:8) الشكل الأوَّلى لها، حيث يأمر الشماس بالصلاة، أو يذكر موضوعات الشفاعة، بينما يرُد الشعب "يارب ارحم".
[167] - يذكر بلينى الخدمات الليلة للمسيحيين، عندمل يُنشِدون التسابيح للمسيح الله. ويقول فم الذهب فى عظته على مز119 "فى نصف الليل..." ، "فى الليل تكون صلواتنا أكثر نقاءً، وأذهاننا أكثر خِفةً، ووقتنا أكثر وفرة". ولذلك كان الفقراء يمكثون فى الكنيسة من منتصف الليل حتى مطلع الفجر، وتنضم إليهم العذارى القديسات، ليلا ونهارا". (عظة على أش 4). وكانت الخدمة تشمل بصفة رئيسية المزامير. وكان يُتلَى منها إثنا عشر مزمورا محددا فى الاستعمال العادى. ومن سوزمينوس نعلم أن الأريوسيين كانوا قد نظموا مواكب تطوف الشوارع ليلا وهم يُنشدون ترانيم ضد العقائد الأرثوذكسية، مما أدى بدوره إلى قيام فم الذهب بتنظيم مواكب مماثلة تُنشِد ترانيما أرثوذكسية. أنظر: سوزمينوس، للمعرب.
[168] - قارن، 1تى 17:6.
[169] - حرفيا "لون".
[170] - " لقد جلس بعض الحاضرين أمس بالمسارح منذ ذلك الحين، يحملقون فى موكب الشيطان"(عظة 40). كان السيرك مصدراَ مثمرا للإثم ولذا غالبا ما أدانه فم الذهب (قارن، عن العازر 1:7). وقد ألقى عظة فى خلال السنة الأولى له بالقسطنطينية "عن الألعاب والمسارح" عقب سباق صاخب عُقِد يوم الجمعة العظيمة، وإنضم إليه مسيحيون كثيرون.
[171] - قِيل أن إدانته لحياة الترف كانت موجهة أساسا لأودكسيا الإمبراطورة التى صارت السلطة الرئيسية فى الدولة فى أياديها عقب موت يوتروبيوس. ومنذ ذلك الوقت فصاعدا، كما تُظهِر مصادرنا الأخرى، تحولت حُسن النية التى كانت تُكنها نحوه سابقا إلى عداوة إزدادت مرارة أكثر وأكثر بمساعدة ثيوفيلس وحزبه إلى أن حققت هلاكه. أنظر سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب
[172] - راجع مت 34:12.
[173] - أو "جنونه السكير" حسب مور.
[174] - يقول سقراتيس "لقد أظهر فم الذهب بإستمرار تقديره السامى للرهبان ، لكنه احتقر أولئك الرهبان الذين تركوا أديرتهم، وجالوا فى المدينة". (أنظر سقراتيس، "ت.ك"، للمعرب).
[175] - قارن مز 6:64 "يخترعون إثما، تمموا إختراعا مُحكَما".
[176] - weather-cock"" ، اصطلاح معروف جيدا فى اللغة الأجنبية, وهو قطعة الحديد التى على شكل ديك التى توضع فوق مداخن البيوت فى الخارج، والتى تدور تبعا لإتجاه الرياح. ومن ثم هو اصطلاح يُقصد به الشخص الذى يدور ويتغير ويتلون دائما تبعا للأهواء. وهو ما يُقابل فى الأمثال والتشبيهات الشعبية المصرية تعبير "هذا بوجهين" أو هذا "حرباية". المعرب
[177] - حرفيا حسب الترجمة الإنجليزية، مهندس إنشاءات لهذه الأمور.
[178] - أف 26:4.
[179] - رو 21:12.
[180] - قارن مز 5:7 سبعينية.
[181] - عن هذه النقطة أنظر عرض سوزمينوس.
[182] - هو ايسيذورس مشرف بيت ضيافة الأسكندرية. ويُخبرنا سوزمينوس بالتفصيل عن المهمة التى قام بها لصالح ثيوفيلس فى روما، والتى من أجلها جاهد فى ترشيحه لكرسى القسطنطينية محل فم الذهب. وقد قضى شبابه كراهب فى نيتريا، وأُشتُهِر بتقواه. ويُخبرنا سوزمينوس أنه اكتسب لنفسه حنق ثيوفيلس الشديد عليه لأنه شهد شهادة حق لصالح القمص بطرس الكاهن بكنيسة الاسكندرية بشأن الاتهام الذى اتهمه به ثيوفيلس. أنظر سقراتيس وسوزمينوس، فى سلسلة "المؤرخون الكنسيون الأوائل" للمعرب.
[183] - يمكننا من هذه الإشارة إلى جانب إشارات أخرى تقدير زمن كتابة بالاديوس لعمله هذا.
[184] - كان هناك فى معظم المدن الكبيرة والأديرة ، "Xenodochium"، أى دار مسنين أو عجزة hospice، لإستقبال الغرباء الذين يحملون رسائل توصية. وقد حظر القانون العاشر من قوانين خلقيدون الغرباء عن التعامل فى شؤون المزارات وبيوت الفقراء أو دور العجزة الخاصة بالكنائس.
[185] - حرفيا "التناول".
[186] - لقد رفضت كنائس روما والاسكندرية فى البداية الاعتراف بفلافيان كأسقف لأنطاكيا، ولكن بعد وفاة بولينس بوقت قصير تفاوض فم الذهب مع ثيوفيلس ونجح فى ذلك.
[187] - أنظر عن هذا الموضوع سوزمينوس للمعرب.
[188] - حرفيا أورس aureus وهو يُعادل 25 دينار أى حوالى 18 جنيه استرلينى(بتقدير مور سنة 1921م).
[189] - أى أمام المذبح المقدس بتعبيرنا اليوم.
[190] - من عظات فم الذهب نعلم أنه كان يدين زخرفة الهياكل الحجرية، على حساب الهياكل "اللحمية".
[191] - تشبيه صحيح إذ عُرف عن الفراعنة ولعهم الشديد بل المفرط بالتشييد ولو بطمس الملك الجديد لعمل مَن سبقه من أجل إقامة نُصب خاص به. المعرب
[192] - وهو هنا ما يُقابل النائب العام، أو المدعى العام.
[193] - قارن "ولا يأخذ الرشوة على البرىء"، مز 5:15.
[194] - شقيقة ثيوفيلس.
[195] - فى الوقت الذى كان هو نفسه قد سبق واستصدر قرارا إمبراطوريا يقضى بحظر اللجوء إلى الكنائس. ويقول هربرت مور( دون أن يذكر مصدره هنا) أن فم الذهب قد رفض فى البداية تسليمه حتى عندما طلبت أودكسيا ذلك. ولكنه أراد أن يُعلّم شعبه بطلان الإتكال على الأمور البشرية حسبما هو مكتوب "ملعون مَن يتكل على ذراع بشر"، فألقى عظتين عن ذلك أولاهما بينما كان هذا الخصى السابق منطرحا تحت المذبح فى رعب شديد. وأثارت هاتان العظتان إستياءً شديدا لدى أصدقاء يوتروبيوس ولدى الطبقة العليا أيضا. فالأولون رأوا فيها قسوة على إنسان بائس ألقى به سوء قدره فى هذا المصير!!. أما الآخرون فلأنهم رأوا فيهما هجوما عنيفا على الأثرياء، وإصرارا على سلطة الكنيسة. أما يوتروبيوس فقد عوقِب بالنفى إلى قبرص، وهناك قُتِل فى الحال. وأُلغِىَّ بالتالى القانون الذى استصدره. أنظر سلسلة المؤرخون ... للمعرب.
[196] - تقع على مسافة حوالى ستين ميلا جنوب الأسكندرية. أنظر: "دير سيدة براموس .."، للمعرب. ويقول بالاديوس [فى "ت.ل." للعرّب]، أنه كان هناك خمسون ديرا يضم خمسة آلاف راهب، بعضهم يعيش "حياة شركة [أى كينوبيوم]، وبعضهم حياة توحد.
[197] - يذكر ثيودوريت المؤرخ [أنظر ترجمة عمله للمعرب] سبعة أساقفة وإثنين وعشرين كاهنا قد كتبوا عن هذا الموضوع للبابا اينوسنت الذى عبثا احتج على ذلك ضد ثيوفيلس.
[198] - لُفاح أو وشاح، باليونانية "أُمفوريون" Omophorion. هو عِصابة طويلة من الصوف الأبيض، تتدلى على الأكتاف من أمام وخلف. كانت أصلا قطعة من الملابس المدنية، واحتفظت بها الكنيسة كما فى حالة ملابس أخرى. وكانت فى وقتٍ ما لها دلالة كنسية ولكنها الآن دلالة رمزية. وكان يرتديها على ما يبدو سائر الأساقفة فى الشرق. وفيما بعد صار الباليوم pallium الرومانى الخاص أولا بالأباطرة لأساقفة روما والمدبرين الكِبار.
[199] - كان أمونيوس وديسقورس أخوين من "الإخوة الطوال" الأربعة المشهورين بتقواهم فى سائر منطقة نيتريا فى القرن الرابع الميلادى إلى حد أن ثيوفيلس نفسه رسم ديوسقورس أسقفا لهرموبوليس بارفا(= دمنهور حاليا)، وأحضر إثنين آخرين منهم للخدمة معه بالأسكندرية. ولكن إذ لم يرضيا بسلوكه، وإستأذنا فى العودة إلى مغائرهما، انقلب عليهم جميعا وأثار ضدهم العواصف الهوجاء التى لم تكف إلا بوفاتهم واحدا تلو الآخر. أنظر عن ذلك بالتفصيل، سلسة المؤرخون الأوائل، للمعرب. و"التاريخ الرهبانى ..."، للمعرب، نشر دار باناريون. و"أديرة وادى النطرون"، لإيفلين هوايت، للمعرب.
[200] - ربما كان يوناني الجنس.
[201] - فارانا Pharana، أو Pharan أوFaran أو .Paranإسم مكان، يرد الآن لعدة مدن فى أقطار سياسية مختلفة: ايران، وأذربيجان، واسرائيل السياسية الحالية (أنظر مواقع البحث الحاسوبى). ما يهمنى هنا المكان الوارد فى اسرائيل السياسية الحالية، والذى يُعرف حاليا بإسم "موشوف" فى وادى العربة( أو أرفا arava)، شمال أيلات، وقد أُطلِق عليه اسم "موشوف" من تك20:21. وبالرجوع الى هذه الآية نجد "وسكن فى برية فاران Paran "(ط/ بيروت). وسبب ترجيحنا لهذا الموقع أن ما تُعرَف حاليا "بدولة إسرائيل" كانت فى ذلك الوقت جزءً من بلاد الشام الكبير. ومن ثم تكون هذه البلدة هى المقصودة هنا. المعرب
[202] - كانت مدينة تقع عند بحيرة البرلس الحالية، شرق رشيد. المعرب
[203] - الاساقفة هنا يقصد بهم آباء البرية العظام الذين عُرِفوا بالإخوة الطوال.
[204] - أى تحت التاج الامبراطورى. وهو الـ"بريفكت". وكان لقبا قاصرا فقط على حاكم مصر. قارن بالاديوس،("ت.ل."، 3:46) للمعرب.
[205] - حرفيا "رئيس قساوسة إيبارشية مصر". وكما رأينا كانت كلمة "ايبارشية" وكلمة "مقاطعة" تعنى نفس المعنى لكلمة "متروبولية". ويقول القانون السادس من قوانين مجمع نيقية "فلتظل العادة القديمة السائدة فى مصر وليبيا وبنتابوليس أن يكون لأسقف الأسكندرية السلطة العليا على كل هذه [المناطق]. مثل العادة السائدة فى روما وأيضا فى انطاكية والمقاطعات(الايبارشيات) الأخرى. فلا يُسَام أسقفٌ بدون موافقة المطران". والقانون الستون من قوانين خلقيدون يتحدث عن "رئيس أساقفة فى ايبارشية مصر لعاصمة الأسكندريين". وكانت هذه المقاطعة هى الأكبر فى العالم وكانت تحتوى على ستة مقاطعات مدنية، وحوالى مائة اسقف، أى أكثر من روما بثلاثين. وكان للمطران إمتياز فريد فى رسامة ليس فقط هؤلاء الاساقفة المساعدين، ولكن أيضا الكهنة والشمامسة فى المقاطعة.
[206] - أظن أن هذا تزيُّد من جانب بالاديوس، أو ربما نوع من الحوار الدرامى. المعرب
[207] - "غير المستنير" (فى 4:6) الإشارة هنا إلى المعمودية. فيوستينوس الشهيد يقول(فى دفاعه، 2) "هذا السر يُدعَى إستنارة لأن الذين يتعلمون هذه الأمور تصير لهم عقول مستنيرة". وهكذا منذ وقته فما بعد. وهكذا أيضا فم الذهب يقول فى (عظة على عب 13) "إننى أعرف أن الكثيرين قد أخطأوا وهم ينتظرون الاستنارة، ولكن الله أعطانا المعمودية ليُحررنا من الآثام لا لكى نُزيدها".
[208] - الكلمة هنا "باروسيا Paroecia" المتغربون. (راجع "التغرب" فى 1بط17:1، 11:2، أف19:2، عب 13:11، 14:13. فى السبعينية). وهكذا أُستُخدِمت هذه الكلمة عن "المسيحيين المتغربين بين الأمم" فى أى وقت. و"الغرباء" أو "النزلاء"، الباروسيا، ينضون تحت اسقف. وفى القانون 16 من نيقية، أمر الإكليروس المتجولين[ أو النزلاء] بالعودة إلى ايبارشياتهم، وألا يرسمهم أى أسقف آخر بدون موافقة الاسقف الذى هجروه.
[209] - قلتُ عاليه أن "الاساقفة" الثلاثة هنا، يقصد بهم كبار آباء نيتريا المعروفين بالإخوة الطوال.
[210] - قارن يوسيبيوس، "ت.ك."، 25:6.
[211] - يُحدثنا بالاديوس، (فى "ت.ل."، 9:17) عن أحد المقاريَن أنه كان يعتبر الإمتناع عن السرائر الإلهية لمدة خمسة أسابيع جريمة خطيرة. وكانت "العناصر السرائرية" آنذاك تُحفَظ لعِدة أيام. ومن ثم كان كل الذين يقطنون وحدهم فى الصحراء بلا قس يحفظون "الشركة" [أى الافخارستيا] فى أديرتهم، ويتناولونها بأياديهم"(باسيليوس، الرسالة 93.). وقد تناول ثيودوريت هذه الكلمة فى رسالته 13 مشيرا إلى أن العنصر لا يفقد سماته الطبيعية. ويقول ديونيسيوس الأريوباغى "الرموز المقدسة موضوعة على المذبح". [ وفيما بعد أُبطِلت هذه العادة لأسباب عديدة، فى الكنيسة القبطية، وحل محلها القداسات اليومية. المعرّب]
[212] - إحدى القطع الرهبانية، وهى مصنوعة من جلد الغنم. أنظر "الأنظمة الرهبانية" لكاسيان، تعريب الأب بولا ساويرس، نشر دار باناريون.
[213] - إسم مدينة "اورشليم" فى العصر البيزنطى. ويُخبرنا سوزمينوس أنهم ذهبوا إلى اسكيثوبوليس، حيث هناك نخيل كثيرُ، يستخدمون أوراقه فى عملهم المعتاد، وهو صُنع السلال. أنظر سوزمينوس للمعرب.
[214] - هنا تلميح إلى الآية التى تقول "ألم أقل أنكم آلهة".
[215] - Stratopedon حرفيا "المعسكر". المكان الذى يُقيم فيه الإمبراطور. فقد كان الإمبراطور هو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
[216] - لاحظ هنا أن لون ملابس الرهبان آنذاك كان رماديا grey، وليس أسودا black. والكلمة الانجليزية المستعملة هنا للملابس هىhabits وهذه تعنى الزى الخاص او المميَّز. مع "كدهم " أى أثار شقائهم واضحة وجلية. المعرب
[217] - هذه الكنيسة هى التى بدأ فيها القديس غريغوريوس النزينزى خدمته فى القسطنطينية، وهى ذاتها التى ألقى فيها فم الذهب عددا من عظاته. وكانت هناك كنيسة أخرى بإسم "كنيسة السلام".
[218] - كلمة "بسطوا" أو مدوا "الأيادى" كانت تُستعمل دائما للإشارة إلى السيامة, وهكذا استعملها سقراتيس.
[219] - المقصود هنا الخدمة الكنسية الرسمية. وهذه إحدى الإتهامات الباطلة التى إدعاها ثيوفيلس على فم الذهب أنه أشركهم معه فى "التناول".
[220] - اتهام بالأوريجانية.
[221] - كلام جميل جدا، ومنطقى وقانونى: (1) عدم تدخل اسقف ايبارشية ما فى شؤون ايبارشية أخرى ليست تحت إشرافه. وفقا لقوانين نيقية. وهو ما يُعبَّر عنه أيضا فى العلاقات الدولية اليوم، بعد تدخل دولة ما فى الشؤون الداخلية لدولة أخرى. (2) المحاكمة أمام قضاة مصريين، أى مبدأ "الولاية القضائية" الوطنية على مواطنى الدولة التابعين لها. ولكن السؤال الهام والمحورى هنا لماذا لم يُطبِّق ثيوفيلس صاحب هذه الفقرة عاليه ذات الشروط عندما تعلق الأمر بالقديس يوحنا؟. لماذا كسر هذه المبادىء التى رفعها، واستعان بالسلطة الزمنية ضد أسقف ايبارشية لا تتبعه من قريب أو بعيد؟!. أليس هذا أحد أساليب السياسة الدنيوية. لو كان ثيوفيلس بريئا كل البراءة من سائر إتهامات المؤرخين والباحثين، فإن هذه الفقرة وحدها كافية لإدانته تاريخيا، وفقا للآية "من فمك تتبرر ومن فمك تُدان". المعرب
[222] - الكلمة هنا "Princeps" ، وهى تعنى على وجه صحيح، كما يقول مور، كابتن فى الصف الثانى لجنود فى فيلق.
[223] - عقد ثيوفيلس فى خلال تلك الفترة مجمعا يُدين الأوريجانية، وكتب إلى ابيفانيوس اسقف سالاميس الطاعن فى السن، الجزيل الاحترام لينضم إليه فى هذه الحملة. انظر عن ذلك بالتفصيل. سوزمينوس، للمعرب.
[224] - Proikonesos أو Prokonnesos هو الإسم الذى كانت تعرف به (جزيرة مرمرة، ببحر مرمرة، بتركيا الحالية)، في العصور القديمة، وصار باللاتينية Proconnesus ونقلها مور هكذا فى الانجليزية. ويُلاحظ أن الاسم الحديث "مرمرة" هو أيضا مشتق من الكلمة اليونانية μάρμαρον والتي تعنى "الصخور البلورية"، أو " الحجر الساطع" لأنها كانت تشتهر بالرخام الأبيض.
[225] - أى يوم الخميس، بتعبيرنا الحالى، ونلاحظ انعكاس الأسماء العددية للأسبوع على الأسماء العربية الحالية.
[226] - الذين كانوا فى سفن شحن الغلال المصرية آنذاك.
[227] - فى 19:3
[228] - أو "مساكن الأشرار. "قارن، مز 10:84.
[229] - انظر سوزمينوس. السابق الذكر
[230] - بالاديوس يشير هنا إلى موقف ثيوفيلس القديم من رسامة يوحنا.
[231] - الناجم عن وقوف يوحنا فى صف الحق، ورغبته فى إنصاف المظلومين وفقا لتعليم الإنجيل!!.
[232] - محذرا إياهم من العقاب الإلهى للأوريجانية. !!!
[233] - لاحظ هنا صرف تبرعات الشعب، على الموائد الهادفة إلى الشر، بينما منع يوحنا الانفاق البذخى للأساقفة، وإقامة ولائم أسقفية، من أجل استخدام التبرعات فى بناء المستشفيات وإيواء العجزة والفقراء. المعرب
[234] - إشارة طقسية هامة، مما يعنى أن عادة شرب المياه بعد التناول، بدأت مع يوحنا فم الذهب. المعرب.
[235] - أى من "عنصرىّ سر الافخارستيا المقدس".
[236] - أع 20:20.
[237] - ينتقل بالاديوس هنا، دون توضيح، من تناول ما جرى فى منزل اوجرافيا، إلى رواية ما جرى فى مجمع البلوطة، رافضا أن يدعوه مجمعا، وله كل الحق فى ذلك. ويحدثنا سقراتيس عن استدعاء ثيوفيلس هناك، لباقى رهبان نيتريا، ومطالبتهم بالتوبة. ولما كان الرهبان معتادين على قول "أخطأتُ" سواء أخطأوا أو لم يُخطؤا [تبعا لأحد الأقوال الرهبانية]، فقد فعلوا ذلك. ثم يُسجل رأيه بصراحة قائلا أن ذلك ما كان سيحدث لولا أن أمونيوس وديسقورس كانا قد تُوفيا. وهكذا انتهت مسألة الأوريجانية التى كانت ذريعة شكلية للإنقضاض بواسطتها على فم الذهب. انظر سقراتيس للمعرب.
[238] - يُعطينا فوتيوس رواية لِما حدث فى هذا التجمع، فيقول أن "الشماس يوحنا" السابق الذكر قدَّم إثنين وعشرين إتهاما ضد فم الذهب، من قبيل يأكل بمفرده !!، يمص حلوى!![بستيليا]، عزله من الدياكونية..إلخ. كما قدَّم اسحق الراهب ثمانية عشر إتهاما آخر، مثل استخدام تعبيرات غريبة!! فى عظاته.
[239] - يقول هربرت مور من المستحيل الشك فى أننا نملك هنا رواية شاهد عيان، فقد كان بالاديوس موجودا آنذاك بالقسطنطينية، وشملته إحدى التُهم.
[240] - أى فى دار الاسقفية.
[241] - "الروح" هنا بحرف استهلالى كبير فى النص الانجليزى، مما يعنى الاشارة إلى "الروح القدس". المعرب
[242] - قارن، 2تيم 6:4
[243] - فى 21:1
[244] - أنظر هامشنا 48 السابق.
[245] - أى "تلميذه" بتعبيرنا الحالى. المعرب
[246] - هذه ضاحية بمدينة خلقيدونية تُدعَى على اسم روفينوس القنصل حيث كان هناك قصر له وكنيسة شيَّدها على اسم بطرس وبولس الرسولين. انظر سقراتيس للمعرب.
[247] - رفيق كاسيانوس. أنظر مقدمة "الأنظمة" لكاسيان، تعريب الأب بولا ساويرس.
[248] - هذه أول نقطة يكسرها ثيوفيلس والتى تمسك هو نفسه بها كما أشرنا فى هامشنا 221.
[249] - فى تك8:4 سبعينية، نقرأ "وقال قايين لهابيل دعنا نذهب إلى الحقل".
[250] - لم تكن هذه هى القضية بالضبط إذ كان بعضهم من أسيا.
[251] - أى أساقفة عواصم أو مدن كبيرة مثل عواصم المحافظات.
[252] - النص هنا غير مؤكد. فجورج يحذف "ضدكم". "دع المتهمون يكفون عن اتهاماتهم وعن هجومهم على يوحنا".
[253] - notary أى مُحضِر بتعبيرنا الحالى.
[254] - فى محل سيرابيون الذى عُزِل.
[255] - تماما مثلما حدث مع البابا اثناسيوس الرسولى. وكأن ثيوفيلس لا يعرف هذا!!.
[256] - فى عظة قبل ذهابه إلى المنفى يدعو أولئك المُرسَلين "عناكب مُرسَلة من عناكب".
[257] - هكذا بدون نعته الرسمى.
[258] - يقول لنا سوزمينوس فى (17:8. للمعرب) أن ما يُسمَى بمجمع البلوطة قد أدان فم الذهب لأنه فقط لم يَمْثُل أمامهم عندما استدعوه!!.
[259] - من المصادر التاريخية(أنظر سلسلة المؤرخون الكنسيون الأوائل، للمعرب) نعلم أن فم الذهب ألقى عظة عقب رحيل ابيفانيوس وبخ فيها النساء بصفة عامة، ولكن أصحاب الهوى فسروها على أنها هجوما على الإمبراطورة. انظر تعليقنا على هذا الموضوع فى سوزمينوس بهذه السلسلة.
[260] - فى اليوم الثالث بعد حرمانه نفذت السلطات المدنية قرار المجمع المزعوم، وخرج فم الذهب سرا حفاظا على سلامة الشعب، الأمر الذى لم يخفَ طويلا عن الشعب مما أدى إلى هياجه وسًخطه على ثيوفيلس وسيفريانوس. أنظر سوزمينوس للمعرب.
[261] - على الجانب الآخر من البوسفور.
[262] - يذكر سوزمينوس أنه كان زلزالا. وكتبت اودكسيا ملتمسة رجوعه بسرعة وقالت" إننى بريئة ولا أعرف شيئا مما حدث. ولا يمكننى أن أنسى أنك قد عمَّدت أولادى".!!
[263] - لقد رفض دخول الكنيسة على أساس أن المجمع الذى عزله هو ذاته الذى يجب أن يُعيده. ولكن الجماهير أصرت على دخوله. أنظر الوصف الكامل لذلك وتداعياته فى سوزمينوس(19:8)، للمعرب.
[264] - ثارت المشاعر بشدة بسبب إدانة المجمع لهيراقليوس وإتهامه بالأوريجانية مما أدى إلى حدوث شغب بالشوارع.
[265] - نصَّ القانون 12 من قوانين المجمع الأريوسى لأنطاكية على أن أى أسقف معزول يلجأ إلى السلطات المدنية بعد عزله، يكون الحُكم بعزله حكما لا رجعة فيه. وكان أعضاء هذا المجمع من حزب يوسيبيوس القيصرى أنصاف الأريوسيين، وكانوا يهدفون إلى الحفاظ على مكتساباتهم الشخصية.
[266] - قارن رو8:1. رو8:1. ويعترض أيضا كبريانوس(فى رسالته 4) على تعليق كرنيليوس اسقف روما ضد قرار المجمع الأفريقى بأنهم نسوا أن إيمان روما هو الذى أشاد به الرسول بولس فى كرازته.
[267] - لاودكية فى ليكاؤنية، وقد دُعِيَت كذلك من الأفران الخاصة بالمناجم كما يقول رامسى.
[268] - وكان حاضرا به مائة وسبعون أسقفا، وقد اعترض الأساقفة الشرقيون على حضور اثناسيوس المعزول، ولكنهم كانوا أقلية أمام الأغلبية. ويشير بالاديوس، ( "ت.ل."، 1:63) إلى نفس الملاحظة فى زمن قنسطانتيوس الملك، وكان قنسطانس امبراطور الغرب.
[269] - وهكذا، على الصعيد القانونى، يكون ثيوفيلس فى استخدامه لهذا القانون الأريوسى من أجل غرضه الشخصى، قد أدان، لا أقول بتاتا بدون بوعى، القديس اثناسيوس الرسولى وحكم عليه بالهرطقة!!! لصالح الاريوسية.
[270] - كان يوليوس اسقفا لروما فى ذلك الوقت، وخلفه ليبريوس سنة 352م. وفى هذا المجمع تحدد أن الاسقف الذى يجد نفسه متضررا، من أمر ما يمكنه أن يلتمس من يوليوس اسقف روما إعادة محاكمته أمام اساقفة مجاورين يعينهم هو. وكان القانون مُطبّق على يوليوس فقط بشخصه لمواجهة متطلبات اللحظة الراهنة. ولذا إلتمس اثناسيوس ذلك من الإمبراطور. إذ لمَّا كان قنسطانتيوس أريوسيا، حلَّ يوليوس محلّه لهذا السبب.
[271] - لدينا ستة رسائل من رسائل فم الذهب موجهة إليه, وقد عُزِل هو أيضا، ولكنه عاد إلى كرسيه فى سنة 414م.
[272] - وفى هذه الحالة يُسلّمون بأنهم هراطقة اريوسيين.
[273] - بالاديوس يكتب عمله هذا فى ذات الوقت الذى كان الملك اركاديوس ما زال فى السلطة. لذلك جاهد على قدر استطاعته فى إبعاد المسؤولية عنه، وإلقائها على عاتق ثيوفيلس واكاكيوس وانتوخيوس. وإننا نعذره فى ذلك فالشرق لم يعرف بتاتا طوال عصوره المديدة وتعدد أنظمته السياسية ومذاهبه الدينية، ما يُسمَّى فى أيامنا "بالرأى الآخر" أو "حرية التعبير". ولا ننسى جريمة "العيب فى الذات الملكية" التى سادت فى العصر الملكى لمصر، فى أواخر النصف الأول للقرن الميلادى العشرين. لذلك غطى سوزمينوس وسقراتيس الجوانب التى عبَر عليها بالاديوس، بأكثر كفاية ووضوحا. أنظر سلسلة "المؤرخون الأوائل" للمعرب.
[274] - هنا انقلبت اودكسيا مرة أخرى بسبب العظة التى ألقاها عن الاحتفالات الماجنة، عقب إقامة تمثال لها امام الكنيسة. والتى نجم عنها امتناع الإمبراطور عن حضور قداس عيد الميلاد المجيد، وأُثير عندئذ اتهام دخوله الكنيسة مرة أخرى بدون تصريح "مجمع"!!. راجع سوزمينوس، مرجع سابق.
[275] - أى الصوم الأربعينى.
[276] - واضح أنهم قد خشوا عواطف الجماهير عند حضورهم احتفالات العيد.
[277] - "ابسكوبوس" "ناظر"(أع 28:20). انظر نفس الكلمة فى بالاديوس،( "ت.ل."، 10:35). وجاء فى حك6:1 "الله هو ابسكوبس(= اسقف، ناظر) الحقيقى للقلب.
[278] - أى الصوم الأربعينى، أو الصوم الكبير.
[279] - حرفيا، كاهنها.
[280] - يقول سوزمينوس(21:8) عند روايته لهذه الإجراءات "أولئك الذين نالوا البدايات، سوف يعرفون على الأرجح ما حدث فى خضم هذه الفوضى، الأمر الذى لابد أن أصمت عنه. لئلا يقرأ روايتى هذه شخصٌ لم يتأهل بعد". أنظر سلسلة "المؤرخون..." للمعرب.
[281] - فى بيثينية.
[282] - يتحدث جيروم فى(مت25) عن التقليد الرسولى بشأن عدم انصراف الشعب قبل منتصف الليل. ويُحذر ترتليان من الزواج بوثنى حتى لا يمنع زوجته من الغياب طوال الليل فى الاحتفالات بأعياد الفصح. [ ومعنى ذلك أنه منذ عهد جيروم، وما قبله كان الاحتفال بعيد القيامة يتم ليلا. المعرب].
[283] - الكلمة هنا تشير إلى أنه كان وثنيا.
[284] - يرى مور أنه من الممكن أن يكون الحرفان الأولان من كلمة(هدايا) قد سقطا من النص وتركا بذلك "الكلمات".
[285] - "الخامس" لأنه على خمسة أميال من الفورم.
[286] - لاحظ الملابس البيضاء بعد المعمودية.
[287] - أظن أن الرقم هنا رمزيٌ، للتشبه بعدد المؤمنين فى يوم البنطقستى، عقب عظة مار بطرس الرسول. المعرب
[288] - الكلمة المستخدمة هنا هى "هترودكسى" Heterodoxi أى غير أرثوذكسي!!. وهكذل حولوا الخلاف السياسى إلى خلاف عقيدى، وهكذا هى السلطة فى كل زمان ومكان!!. وذات الكلمة يستخدمها اليونانيون إلى الآن عن الكنيسة الأرثوذكسية القبطية، حتى وهم داخل ايبارشياتها مثل موقع الروم[= اليونانيون] بطور سيناء. أنظر المسيحية بسيناء، إصدار اسقفية جنوب سيناء.
[289] - حرفيا "الظهر".
[290] - أى أكثر من مجرد التعبير عن أفكار مجردة.
[291] - لاحظ هنا وبشدة، أن الكاتب يكتب فى أوائل القرن الخامس الميلادى، ويتحدث عن نساء مسيحيات شرقيات يونانيات، والكلمة واضحة بلا لبس "نقاب" أو "خِمار" الأمر الذى يوضح بجلاء أن النِقاب لم يكن قاصرا على المرأة العربية فقط(عن النقاب والمرأة العربية، أنظر مقالات الدكتور عبد المنعم نمر). المعرب
[292] - "مافوريا"Maphoria كانت فى البداية "الحجاب" الذى ترتديه النساء. ولكن فيما بعد ارتدته العذارى والشماسات بشكل ما مميز، ثم صار قاصرا عليهن وحدهن.
[293] - الفترة من القيامة والعنصرة. ويقول سقراتيس (18:6، للمعرب) أن فم الذهب لم يخرج طوال شهرين علنا.
[294] - أليست هذه هى مشورة قيافا قديما "أن يموت واحدٌ عن الأمة"، أيها "الآساقفة القديسون"!! كما نعتم أنفسكم.
[295] - هذه الصيغة تختلف عما أوردها سوزمينوس وذلك لأن بالاديوس يكتب أثناء حياة الملك، كما قلنا. المعرب
[296] - يقول فم الذهب فى عظته عن الصعود "إذا كان كل الجو مملوءً بالملائكة، فكم بالأحرى الكنيسة. آلا تسمع الشماس فى الكنيسة يُدعو دائما ملائكة السلام" . وفى موضع آخر يقول "الملائكة تقف حول الكهنة". إن إحساس ذهبى الفم بحضور الملائكة ظاهر فى ليتورجية القسطنطينية، ففى صلاة الدخول أو التمهيد [وهى تقابل "صلاة الإستعداد" فى الليتورجية القبطية. المعرب] نجد "إجعل الملائكة القديسين يشتركون فى دخولنا". وفى سفر دانيال النبى نجد ملائكة حراس لكل مِن الأمم. ويدعو باسيليوس "حكام الكنائس" ملائكة [ فى الواقع لم يكن باسيليوس [الكبير] أولَّ مَن دعاهم هكذا، ففى سفر الرؤيا يأمر الرب يوحنا الإنجيلى قائلا "أكتب إلى ملاك كنيسة..." أى إلى اسقفها. المعرب]. ويعتبر يوسيبيوس أن مز5:48 موجه إلى الملائكة الحارسين للكنائس. وتُشير الآيات(مت10:18) و( اع15:12) إلى الملائكة الحارسين للأفراد، فكل منا له ملاك حارس إلى جانبه(عظة على عب14). إن فكرة الملاك الحارس لكل كنيسة، هى بلا شك مؤسسة على رؤ3:2 التى يشرحها أورجينوس فى (عظة على العدد 4:20) أنه ملاك أو ملائكة كنيسته. ويقول فم الذهب "لكل فرد ملاك. وفى كل كنيسة وضع المسيح حراسا من الملائكة".
[297] - حيث ملابس الكهنة، والأوانى المقدسة..إلخ. ويستخدم بالاديوس أيضا هذه الكلمة فى هذه المقالة والتاريخ اللوسسى، عن "هيئة الاكليروس".
[298] - يقول سوزمينوس أن أوليمبياس قد سيمت شماسة بيد نكتاريوس على الرغم من أنها كانت أرملة شابة، نظرا لتقواها غير العادية. وقد نشأت الرتبة كما رأينا من [نظام] الأرامل. وقد جعل مجمع خلقيدون سن الأربعين هو الحد الأدنى لسيامتهن. وكانت واجباتهن المساعدة فى تعليم الموعوظات، وفى عمادهن، وفى زيارة النسوة المرضى، وحراسة الأبواب، والعناية بالسيدات فى الكنيسة. [وقد عادت هذه الخدمة إلى البروز فى الكنيسة القبطية تحت إسم "المكرَّسات" وهنّ يهتممن بالفعل برعاية السيدات المرضى والأرامل، وكذا رعاية الأطفال فى الحضانة، وتنظيم صفوف السيدات عند التناول إلى جانب ما يُعهَد من خدمات كنسية أخرى. دون الأخذ بهذا الحد الأدنى لسن سيامتهن الآن. المعرب]
[299] - كانت سيلفيا واوليمبياس صديقتان بوصفهما أرملتين لزوجين يحملان نفس الإسم.
[300] - 2تيم 7:4.
[301] - أع 25:29
[302] - هنا استعارة مستيكية من بالاديوس. فالشرق رمز للنور، والغرب رمز للظُلمة والخطية. ولذا ينظر المتقدمون للعماد أولا إلى الغرب إلى أن يجحدوا الشر[ فى طقس جحد الشيطان، فى الكنيسة القبطية] وبعد ذلك يلتفتون إلى الشرق. وما زال هذا الطقس قائما فى الكنيسة القبطية حتى اليوم. المعرّب
[303] - هذه الكلمة مقصود بها هنا الوثنيون.
[304] - يقول سقراتيس "وفى نفس اليوم، أحرق بعض أتباع يوحنا الكنيسة". بينما اعتبر سوزمينوس إحتراقها علامة من السماء على غضبها مما جرى ليوحنا. وهنا يعتبر بالاديوس احتراقها ناجم عن خروج ملاك الكنيسة مع يوحنا.
[305] - أع 18:1، 2بط13:2، 15. التعبير غريب وربما يكون حرف الجر قد تغير، وبذا يجب قراءة العبارة "وضع عليهم"، "دفع". النحو هنا سىء للغاية.
[306] - الكنيسة هى "سانت صوفيا" التى بناها قنسطنطين سنة 360م. وقد تم ترميمها بعد هذا الحريق، ولكنها احترقت ثانية، وأُعيد بناؤها فى عهد جوستنيان، بنفقات باهظة سنة 532م. [ثم حولها الأتراك عندما استولوا على القسطنطينية إلى "جامع"، ثم فى العقود الأخيرة نسبيا جعلوها متحفا.]
متحفا.]
[307] - إحدى الإتهامات التى ذكرها فوتيوس.
[308] - يقول سوزمينوس أن النيران امتدت من وقت متأخر ليلا إلى الصباح.
[309] - أوقع البريفكت أوبتاتوس على المتهمين أنواعا شتى من التعذيب لدرجة أن القارىء يوتروبيوس قد مات تحت التعذيب. وقد خضعت أوليمبياس للمحاكمة.
[310] - لأنه كما نقول الآن فى المجال القضائى" كان الحُكم صادرا قبل المداولة" أو بصورة أدق "قبل النظر فى أوراق الدعوى" أساسا أو حتى الإطلاع عليها. لأن القضية، كما أوضح سوزمينوس صراحة، لم تكن دينية أو عقيدية أو سلوكية من قريب أو بعيد، بل كانت بالكلية " قضية سياسية" بتعبيرنا اليوم.
[311] - "كوكسس" هو الإسم اللاتينى للمدينة التى كانت تعرف باليونانية بإسم Kykysòs والتى كانت تقع عند سفح جبال طوروس على حافة كيليكية، عند منبع نهر بيراموس. وحسنا قال بالاديوس (قرية بأرمينيا) فقد كانت فى ذلك الوقت داخلة فى زمام "أرمينيا سيكوندا". وهى الآن قرية "جوكسن" بمحافظة (قهرمان مرعش) بإقليم البحر المتوسط بدولة تركيا الحالية. ( وهذا الإقليم يُعرَف بأرمينيا التركية). ويكتبها البعض كوكوزة.
ولقد بذل أصدقاء فم الذهب أقصى ما فى وسعهم لجعله يُنفى فى مكان أقل بُعدا وخطورة، ولكن الإمبراطورة هى التى اختارت كوكوسس بنفسها، وكانت فى هذه المرة عنيدة للغاية. واستغرق ذلك منه سفر سبعين يوما للوصول إليها. وتُخبرنا رسائله بالتفصيل عن المشقات التى لاقاها طوال هذه المدة.
[312] - كان فى الثمانين من عمره. ويقول سقراتيس أنه أدار الكرسى بلُطف مفرط. كما يتحدث سوزمينوس عنه بإشادة.
[313] - نلاحظ هنا زواج الاساقفة فى القرن الرابع.
[314] - قال سقراتيس عنه أنه أرمنى وكان راهبا منذ شبابه. أنظر سلسلة "المؤرخون.." سابقة الذكر.
[315] - يقول هربرت مور "هنا لعب بالكلمات، فكلمة "جرافى" تعنى الكتاب المقدس، وكلمة "أنتى جرافى" تعنى براءة."
[316] - أسقف انطاكية
[317] - مت 23:10.
[318] - أم 4:11(فى مخطوطة واحدة)
[319] - كان الحزام (أو المِنطقة) علامة على رتبة الشخص الوظيفية، كمثل "الشريط" على كتف صف ضباط الشرطة.
[320] - "فى ضواحى المدينة". وقد قُمِعَت الاجتماعات بالقسوة والسلب. فتركت نِكريت ضمن آخرين المدينة.(أنظر: سوزمينوس، ).
[321] - من يو 15:15 الذى يتحدث فيها رابطا بين النصين(6:14 و 33:16)
[322] - أمده أصدقاء كثيرون بما فيهم أوليمبياس بالنقود التى افتدى بها الكثيرين من أسرى الأيسوريين، وأغاث المحتاجين كما خرج إليه الكثيرون من أنطاكية وسوريا وكيليكية (سوزمينوس). وظل فى تواصل وثيق مع أصدقائه فى المدينة يُحدثهم تارة عن هجوم ايسورى وتارة عن الهدوء.
[323] - حصن قوى ليس بعيدا عن كوكوسس. وكان "الحرمان" أمرا لا مفر منه. حيث أن المكان كان مزدحما بالهاربين. وقد استولى عليه حوالى ثلاثمائة ايسورى فى هجوم ليلة واحدة.
[324] - مت 14:5، 15.
[325] - كان فم الذهب يُشجع برسائله المشروعات التبشيرية التى بدأها كأسقف، فى بلاد فارس وفينيقية وبين القوط. وكانت ضمن مسؤولية قنسطانتيوس الذى انضم إليه لبعض الوقت فى كوكوسس.
[326] - "المحاكمات"، هذه الكلمة وُجِدت بصيغة الجمع فى أع 19:20 فقط، وبالمفرد فى محاكمة ربنا، وفى الصلاة الربانية، وفى بستان جسثيمانى.
[327] - 2كو 9:12.
[328] - هذا مصطلح يُستخَدم مرارا من الآباء عن "الإيمان والممارسة". "المحنة هى أُم الفلسفة"(عن مز 9) "أن تكون لطيفا فى الكلام فهذا هو الطريق إلى الفلسفة"(عن يو 26). وتقارن إحدى مقالات فم الذهب القصيرة بين حياة الملك وحياة "راهب بحسب الفلسفة المسيحية". ومن ناحية أخرى "هل هناك أى وثنى يعيش بالفلسفة"(عن يو 28)، رحيم مع الزوجة كما فى أم16:11س، "شاكر" كما فى كو15:3. وتتطابق الكلمات هنا مع بالاديوس، ( "ت.ل."، 15:17).
[329] - كما يقول أشعياء (8:53) "قُطِع من أرض الأحياء".
[330] - قال آميدون أن كلمة كاهن كانت تستخدم آنذاك للكاهن والاسقف.
[331] - "نُفِيَت إلى بلاد بربرية مثلما كان داوود منفيا بلا مأوى، متغربا"(Ad eos qui, ii.).
[332] - بيتيوس باليونانية القديمة، أو بيتيونت، هى حاليا مدينة بيتسونداالمطلة على البحر الاسود، بإقليم أبخازيا(أو افخازيا) بمقاطعة غاغرا ، بجورجيا الحالية، بالقرب من جبال القوقاز. نفي إليها القديس يوحنا فم الذهب إلى البلدة ومات بالقرب منها عام 407.
[333] - فى أقصى الطرف الشرقى.
[334] - كان نقل الأسرى والمنفيين من مكان إلى مكان يتم عن طريق جرهم بالسلاسل وهم سائرون على الأقدام خلف الجندى الممتطى لجواده. ومن ثم إذا اسرع الجندى بجواده كان الأسير يهرول وراءه أو يسقط أرضا ويُجَرّ كقطعة جماد.
[335] - أى أصلع.
[336] - كومانا comanaأو "قومانه" (باليونانية: Κόμανα)، هى مدينة قديمة فى اقليم بونتوس الذى يقع على شاطىء البحر الأسود وشكلت تقليديا مستعمرة Comana في كابادوكيا، وفقا للجغرافيين القدماء. وتُشاهد خرائبها حاليا بالقرب من قرية تسمى Gümenek على مسافة نحو سبعة أميال من توكات (أو توقات). بولاية أضنة بأرمينيا التركية حاليا. أنظر William Mitchell Ramsay, The Historical Geography of Asia Minor .
[337] - سنة 303م، عندما استهل دقلديانوس زميل مكسيميانوس، الاضطهاد فى الشرق.
[338] - كان شهيد المكان اسمه كولوتيوس، أنظر عن هذه الرؤيا بالاديوس،("ت.ل."،60، فى"التاريخ الرهبانى...". للمعرب). ويُعطِينا ثيودريت (أنظر تاريخه، للمعرب، تحت الطبع) رواية مختلفة لهذه الرؤيا حيث يقول أنها وُهِبَت له قبل وصوله إلى كوكوسس.
[339] - غَلْوَةً. مقياس يوناني الأصل يبلغ 606 أقدام إنجليزية، أي ثُمن ميل روماني. والغلوة
اليونانية أقصر قليلا من الغلوة الإنجليزية التي تبلغ 660 قدما إنجليزية، أي ثمن
ميل انجليزى (قاموس الكتاب المقدس).
[340] - يقول فم الذهب "نحن نُلبِس الموتى ملابس جديدة إشارة إلى أنهم قد لبسوا ملابس عدم الفساد الجديدة"(فى عظة 116). وهكذا إرتدى قنسطنطين الملابس الملكية اللامعة فى موته" (يوسيبيوس،"حياة قنسطنطين). ويروى لنا بالاديوس كيف أن الكسندرا قد رقدت فى السنة العاشرة بعد أن أعدت نفسها (للموت) (انظر:"التاريخ الرهبانى..: للمعرب). ويقول ثيودوريت أنها كانت "ملابس الليتورجية المقدسة".
[341] - يرى بيجوت Bigot أن الكلمة المستخدمة هنا هى "jejunus" وترجمها "بدون كسر صومه". أما هربرت مور فقد فهمها كما فى المتن كما يقول، هذا وقد وردت هذه الكلمة فى(1تس 8:5، 2تى5:4.. إلخ).
[342] - من (Ambrose, de Ob. Sat. iii. 19) نعلم أن السرائر "السابق تقديسها" كانت تُحمَل أثناء السفر. ومن المعروف أن الطقس البيزنطى كان وما زال يحتفظ بها. أما فى الكنيسة القبطية فقد كانت هى أيضا تأخذ بهذه العادة، إلى أن أبطلها البابا غبريال لتجنب ما قد يحدث لمواد السرائر من أعراض خارجية. وقد انتشر الآن فيها نظام القداسات اليومية. المعرب
[343] - وفى رواية أخرى "ليكن إسم الرب ممجدا فى كل شىء"(سوزمينوس، للمعرب). "إنه يختم الكتاب بصلاة الشكر، ليُرينا أنها تجب أن تكون بداية ونهاية كلامنا وأعمالنا، كما فى صلاتنا يا أبانا. إنها لغة البشر الذين يشكرونه على عطاياه التى نالوها"(عظة عن مز 150). "فلنقدم الشكر عندما نكون فى فقر، فى مرض، فى عار. ليس بالكلام ولا باللسان، ولكن بالفكر والعمل. لا تقل شيئا أقل من هذه الكلمة "أشكرك يارب" (عن افسس 2:19). "ماذا أقول؟. مبارك هو الله. هذا هو ما أقوله عندما أرحل، ولا أكف عن قولها. أنتم تتذكرون أننى اقتبستُ كلمات أيوب ليكن إسم الرب مباركا إلى الأبد" (من عظة بعد عودته من النفى الأول). وفى ختام ليتورجية فم الذهب التى ما زالت الكنيسة اليونانية تستخدمها إلى اليوم، يرد ما يلى"بعدما يتزين الكاهن، ويُقدّم الشكر لله، على كل شىء، ينصرف".(عن مور هــ280)
[344] - يقول ترتليان(فى مقالته عن كو3) " عند سفرنا.. عند ارتدائنا لملابسنا ونِعالنا.. عند ذهابنا لفراشنا.. عند جلوسنا.. نرسم جباهنا بالعلامة" [أى بالصليب].
[345] - أنظر قول الرسول لتكن اقدامكم..
[346] - قارن ذلك بقول الرب فى حز18:3- 21.
[347] - يقول سقراتيس (انظر تاريخه، للمعرب، تحت الطبع) عن فم الذهب "كان رجلا متحمسا للإعتدال، فكان من أجل الإعتدال يميل إلى الغضب عن الإحترام. ومن أجل الإعتدال سمح للسانه طوال حياته بصراحة مفرِطة. لذا أعجبُ كيف يمكن لرجلٍ بمثل هذا الحماس للإعتدال أن يُعلِّم فى عظاته للناس بإحتقار الإعتدال".
[348] - يقول سقراتيس أن ذلك كان فى 24 سبتمبر حيث يكون الطقس أكثر احتمالا.
[349] - من سقراتيس نعلم أن وفاته كانت فى الرابع عشر من سبتمبر فى القنصلية السابعة لهونوريوس، والثانية لثيودوسيوس، أى فى 14 سبتمبر سنة 407م. أنظر "المؤرخون..الأوائل" للمعرب. وتحتفل الكنيسة بالقبطية بتذكار نياحته فى السابع عشر من شهر هاتور. وبتذكار نقل رفاته من كومانا إلى القسطنطينية فى السادس عشر من شهر توت. غير أن كاتب سيرته بالسنكسار تجنب بالكلية أعمال البابا ثيوفيلس ضده، ملقيا اللوم كله على اودكسيا الامبراطورة. تماما مثل فعل المؤلِّف المجهول فى "تاريخ البطاركة" القبط، الذى قام بتأليف قصة ليصالح بها بين القديس يوحنا ذهبى الفم وبين البابا ثيوفيلس. انظر "إطلالات على تراث الأدب القبطي"، للدكتور صموئيل القس قزمان، نشر مجلة الاسكندرية، ص ٧٣-٧٥.
[350] - أى 26:5.
[351] - يقول يوسيبيوس أن الإكليروس كرّموا قنسطنطين بليتورجية، فى جنازته. ويُظهِر مجمع قرطاجنة أن عادة الثالث المُعتادة كانت علامة على الشركة بين الأحياء والأموات. ويتحدث امبروسيوس عن نقل الجسد من الكنيسة حيث تُقدَّم فيها الإفخارستيا إلى موضع الدفن. وهذا الإحتشاد، ما كان من الممكن حدوثه قبل إنقضاء فترة طويلة، على الدفن بسبب بُعد المسافة، على الرغم من أن Vit.Anon تقول أن ذلك قد حدث فورا عن طريق إلهام إلهى . والكلمة التى ترجمها مور عاليه "تجمع"، تُستَخدَم لإحتفال كنسى مثل "عيد القيامة". وكان أقرباء المسيحى [المتوفى] يجتمعون فى اليوم الثالث، والتاسع، والأربعين بعد الوفاة [لترتيل] المزامير، والتسابيح والصلاة". (قوانين الرسل، 42:8). ويقول بالاديوس(فى"ت.ل." 15:21) "وحدث أن خدمة يوم الأربعين لأحد الإخوة، والثالث لآخر كان يُحتَفل بها"(أنظر "التاربخ الرهبانى"، للمعرب).
[وهنا ملاحظة جديرة بالتأمل، وهى أن البعض رأى أن عادة الثالث والأربعين، عادة فرعونية قاصرة على المصرببن فقط. ولكننا نراها هنا تخص غير المصريين، مما يستدعى دراسة أسباب هذه العادة لديهم. المعرب]
[352] - قارن، جا 9:8
[353] - 1كو8:8
[354] - أنظر رأى سقراتيس فى مسألة أكله على إنفراد. للمعرب.
[355] - أع 37:19 ، رو22:2.
[356] - أنظر على سبيل المثال، ما فعله المشرف على مائدة الفقراء فى سيرة القديس أنبا إبرآم اسقف الفيوم(1881م-1914م).
[357] - أو ربما "لهجة أخلاقية" و"شخصية".
[358] - اقتباس بتصرف جدا من أع2:6، وبدون سند من مخطوطة.
[359] - مت35:25.
[360] - قارن، لو26:6.
[361] - مت 18:11 مع 32:21. وبالمثل يربط بالاديوس فى تاريخه اللوسسى بين الآيتين بدون سند من مخطوطة.
[362] - تقريبا ترجع كل رسائله ال 264 إلى فترة نفيه الثانى، وكانت عبارة عن إجابات قصيرة على استفسارات، وطِلبات بالصلاة. أو لإعتبارات تقوية عن العناية[الإلهية] وتحمّل المعاناة. وكان منها سبعة عشر رسالة موجهة إلى اوليمبياس. والعبارة هنا توحى بمرور فترة معينة من الزمن ـ كما يرى هربرت مور، لتجميعها. ولم يكن من المتصور وصولها إلى روما فى التاريخ المقترض للحوار.
[363] - قارن من تك8:18، 22. ملاك المشورة العظيم(اش6:9). حيث فسَّر الآباء الملاك هنا بأقنوم الكلمة.
[364] - عب 2:13
[365] - لو 30:6.
[366] - جا 29:11
[367] - "سارابارا" Sarabara، سروال فارسى. دا 21:3
[368] - الجملة تبدو هنا لامعة، ولكن مؤلفنا مثل الكثيرين من الآباء مغرم "بالتعليم الوسط"
[369] - الكلمة المستخدمة هنا، كما يقول هربرت مور، تعبّر عن مشرف بيت الضيافة فى الكنيسة.
[370] - اش 22:1
[371] - عا 11:8
[372] - عا 12:8
[373] - 1صم 13:2
[374] - هذه إشارة إلى يعقوب المصارع.
[375] - تث 15:32
[376] - حز 49:16
[377] - فى السبعينية، "هى".
[378] - عا 4:6-6
[379] - أش 11:5، 12
[380] - بعل ودراجون. شوهدت أثار اقدامهم فى الرماد بواسطة دانيال. "تكملة سفر دانيال" فى الأسفار القانونية الثانية.
[381] - يقول مور، تبديل زهيد فى النص هنا يُعطى هذا المعنى عاليه.
[382] - تك 40:31.
[383] - تك 20:28.
[384] - pheasants ببونطس. وهذه الطيور سبق أن أشار إليها أيضا كلمينضس الأسكندري فى المربى. المعرب
[385] - هى الرامة (1صم17:7).
[386] - قارن، مز 9:102
[387] - العبارة تذكرنا بخروج 14:3.
[388] - عب 7:13.
[389] - لو 7:3
[390] - مت 17:5، غل 18:2
[391] - رو14:1
[392] -1تيم13:4
[393] - تيم 2:4
[394] - يقول هربرت مور أن النحو فى هذه الجملة غريب جدا لدرجة يجعلها تقريبا غير قابلة للترجمة. فإن كلمة "تملق" لا يمكن أن ترتبط بكلمة "يربح"، أو يُؤدب لأن التملق ليس "مُرَّا" بتاتا. بينما الوعظ يُمكن أن يكون أكثر مرارة كما يظهر عن أىٍ منهما. ومن ثم لم يتردد الرسول فى ربط الوعظ السار بالتوبيخ المر.
[395] - الأمور التى تبدو مخجلة (الصليب) مكرَّمة لدينا جدا(عظة على يوحنا 3:125) قارن بالاديوس،( "ت.ل."،2:56 المرجع السابق)
[396] - 2تيم 10:3
[397] - فى 5:1، 1تى3:1، 4
[398] - تى12:1
[399] - هذه الكلمة توجد هنا فقط، وفى "ت.ل."، 2:65 .
[400] - خر6:32
[401] - خر 1:32
[402] - ملا 7:2
[403] - "كلنة" إحدى مدن نمرود بسهل شنعار. أنظر تك 10:10.
[404] - مضمنة فى كلمات "كيف يُعطينا هذا الرجل جسده لنأكل"،
[405] - يو27:6
[406] - 1كو 8:8
[407] - 1كو 32:15
[408] - أش 20:5
[409] - لو كان النص صحيحا، فهذاه معناه ان الرجل يقيم ولائم الأكل ليس حبا فى الأكل ولكن لأنه يُريد أن ينتمى إلى فئة "النخبة"، ويتقدم إلى الأمام بالتباهى بثروته.
[410] - قارن، عبارة "ذات يوم" و"مرة كل يومين" فى بالاديوس "ت.ل."، 1:31، 6:61
[411] - يقول مور، كلاهما استعارة محببة لدى فم الذهب. العناية الإلهية لا يُعترَف بها مثلما يحدث عندما يُنقِذ الربان السفينة فى العاصفة فالمسافرون لا يعترفون بمهارته فى وسط الإرتباك العام".
[412] - تتكرر الكلمة فى العهد الجديد "البركات الروحية"(1كو16:10)، غل 14:3، يع 10:3). وتستعمل فى النسخة السبعينية لأية فائدة ممنوحة كما فى (قض 15:1) عن قطعة أرض. وعن عطية ابيجايل(فى1صم 27:25، 2مل 15:5). وهنا يقصد بها بصفة خاصة الخبز غير المكرّس للإفخارستيا. ويُخبرنا سقراتيس عن أسقف لم يأخذ شيئا من الكنيسة سوى "رغيفىّ أولوجيا" كل يوم أحدٍ. قارن"لستُ أسوأ منك لكى ما تُرسِل لى بركة"(فى بالاديوس، "ت.ل."، 3:25 للمعرب). ومن ثم يكون المعنى هنا "الحصول على خيرٍ" من الدنيا لن يكون، روحيا".
[413] - قارن حز 2:34-4
[414] - 2كو20:11
[415] - أر 10:12
[416] - هكذا وردت فى ترجمة مور، وبديهى أن المقصود "صيتا رديئا". المعرب
[417] - سيكون له إسم ردىء إن قام بدور المُضيف، كثيرا جدا.
[418] - مت 11:5
[419] - لو26:6
[420] - مت 24:6
[421] - مت 27:19
[422] - لو 27:13
[423] - يو1:1
[424] - "الكلمة" يُعبَّر عنه باليونانية "لوجوس" أى "عقل", والعقل يُعبّر عن نفسه بالكلام.
[425] - كان ايسيذوروس مدبر بيت الضيافة بالاسكندرية يرى أنه من الأفضل إسترداد أجساد المرضى التى هى هياكل الله بالصواب عن بناء الجدران (أنظر: سوزمينوس 12:8 للمعرب). وقد دعى ايسيذورس البيلوزي ثيوفيلس "ليثومانيا"، أى "المهووس بالذهب". المعرب
[426] - جا 5:2، 11، 18
[427] - لعلها ما تُعرَف فى المجال المعمارى "بالبواكى".
[428] - أنظر: "المربى" للقديس كلمنضس الأسكندرى. إصدار مجلة الأسكندرية.
[429] - حرفيا الأشياء المختومة، ثم صارت الكلمة فى اليونانية المتأخرة تعنى "سيامة" أو "مرسوم" لأشخاص فى السلطة.
[430] - يقول سقراتيس "ثلاثين فى ليكية، فريجية، اسيا، وأيضا جيرونتيوس اسقف نيقوميديا". وهو فى طريقه من افسس إلى وطنه، الذى رعى قطيعه كمثل طبيب ماهر. وقد رسم فم الذهب بانسوفيوس معلم الإمبراطورة فى وقت متأخر مكانه. الأمر الذى سبَّب سخطا شديدا. ويبدو أن العدد كان ستة فى أسيا وسبعة فى ليكيا وفريجية. وكانت التهمة الحادية عشر لإسحق فى البلوطة هى أنه غزا مقاطعات أخرى، ورسم فيها اساقفة.
[431] - قارن، أش 1:10
[432] - يقول مور، جاء بالنص "the thirteenth indiction," وهذا خطأ بيّن بجلاء. فعبارة indiction إشارة إلى الضرائب التى كانت تتكرر كل 15 سنة. وهذه كانت فترة مدتها 15 سنة، وهو نظام تأسس فى سنة 312م، عندما صار قنسطنطين امبراطورا منفردا بلا منازع عقب انتصاره على ماجننتيوس. ومن الممكن أنه أراد أن يُظهِر غيرته للإيمان بإبطال نظام حساب التاريخ بالأسلوب الوثنى[ المعروف بالأولمبياد] الذى يعتمد على مدة من أربع سنوات. وكان مايو سنة 400 هو زمن هذه الحادثة.
[433] - كان قوطيا مبعوثا إلى الهون. وقد رفض التوقيع على قرار الإتفاق مع ابيفانيوس فى إدانة الأوريجانية. أنظر سوزمينوس للمعرب
[434] - لقد كان من الطبيعى فى ذلك الوقت أن يزور اساقفة كثيرون عاصمة الإمبراطورية الشرقية "فى مهام كنسية"، وهذا أدى تدريجيا إلى تكوُّن "synodus endemusa" التى يترجمها مور"floating synod" تلتأم تحت رئاسة رئيس الاساقفة [بالقسطنطينية]. وقد أثيرت هذه المسألة فى مجمع خلقيدون فيما يتعلق بسلطة مثل هذه المجامع، وأُعلِن أنها جيدة. وقد وُجِدت مجامع محلية مماثلة فى روما وتريف خلال إقامة الأباطرة هناك.
[435] - بمقاطعة أسيا، على الساحل الجنوبى لبحر مرمرة الذى دُعِىَّ كذلك بسبب محاجر المرمر فى بروكونسيس.
[436] - طبقا لقوانين الرُسُل يُسمَح فقط للرتب الأدنى فى الكهنوت بالزواج بعد إلتحاقهم بالخدمة وأمر المجلس فى ترولو أن تلتحق زوجة الاسقف بدير، أو تصير شماسة فى قيسارية، وأنه إذا تزوج قس بعد سيامته يُنحَّى من وظيفته. ولذا كان استئناف انطونيوس لعلاقته الزوجية معادلا لزواجه بعد السيامة. وقد كان هناك اقتراح فى مجمع نيقية بفصل الكهنة المتزوجين عن زوجاتهم، ولكن هذا الاقتراح رُفِض بمشورة الأنبا بافنوتيوس المعترف. المعرب
[437] - من المفترض أن الحوار يتم فى وسط جماعة من المستمعين.
[438] - 2كو12:11
[439] - يقول مور أن هذا الأسقف ترأس كمطران فى البلوطة.
[440] - يقول فم الذهب فى(عظة على 1كو36، وهكذا فى كو3) أن الاسقف يقول دائما عند دخوله الكنيسة "السلام لجميعكم" كتحية مناسبة عند دخوله بيت الآب).
[441] - من الجملة التالية مباشرة نفهم أن هذه العبارة هى "أن يرفع الذبيحة المقدسة".
[442] - مت 23:5
[443] - ترد فى النص Photisterion أى "موضع الإستنارة"
[444] - يقول مور أن الكلمة المستخدمة هنا غريبة. ولذلك اقترح Savile ترجمتها على أنها "الإعتذار عن مخالفات أُرتُكِبَت بعجلة".
[445] - 1تيم 6:10.
[446] - أى على الأوانى المقدسة، التى تُستخدم فى السرائر الإلهية. ويُحدثنا سوزمينوس(ك8:5) عن شخص ما يُدعى ثيودوريت شغل وظيفة "حارس الأوانى المقدسة"، تعرض للتعذيب لرفضه تسليمها. المعرب
[447] - أكدّ القانون الثالث لمجمع خلقيدون(سنة 451) قوانين المجامع المحلية العديدة التى حظرت على الاساقفة القيام بخدمات مدنية.
[448] - كان جايناس( أو غايناس) قوطيا، وصار قائدا للجيش فى القسطنطينية. وكان من المعروف عن فم الذهب علاقته الرقيقة مع القوط وعمله الكرازى بينهم(عن جايناس والقوط، أنظر: سوزمينوس، وثيودريت. للمعرب). لذا كانت مصادقته "للوثنيين" إحدى التُهم الموجهة إلى فم الذهب فى البلوطة.
[449] - فى جنوب تيراقيا.
[450] - فى برونتيوس.
[451] - سميرنا. مدينة إغريقية قديمة تقع على الساحل الغربي للأناضول، على البحر الأبيض المتوسط. وتقع أطلالها ضمن مدينة إزمير التركية.
[452] - لقد أدين يوسيبيوس بشدة بنفس الجريمة.
[453] - حرفيا "هارب" غير قادر على مواجهة التحقيق.
[454] - أنظر هامشنا 224 قبله.
[455] - من خلقيدونية. وكان فى ذلك الوقت صديقا لفم الذهب ثم صار فيما بعد عدوا لدودا.
[456] - من هنا كانت معرفة المؤلف بتفاصيل الرحلة.
[457] - لمّا وجد فم الذهب تنازع كبير لشغل المنصب الشاغر، سوّى المنازعة بتعيين هيراقليدس القبرصى أحد شمامسته، والذى كان قبلا راهبا فى الإسقيط. وإذ آمُل ثيوفيلس فى دعم قضيته ضد فم الذهب فى البلوطة، أورد إتهاما ضد الاسقف الجديد بأنه استخدم العنف ضد بعض الأشخاص، وأنه من الأوريجانيين. ولمَّا لم يكن حاضرا للرد على هذا الإتهام إنتهت المناقشة بين اساقفة القسطنطينية واساقفة مصر بالضرب. وإذ وجد ثيوفيلس أن خطته قد فشلت "رحل فى الحال إلى مصر". أنظر سوزمينوس للمعرب. ومع ذلك أُطيح بهيراقليدس فيما بعد.
[458] - أم 20:1
[459] - أم 2:4
[460] - كان كلُّ المواطنين الذين يحوزون على 35 فدانا من الأرض معرَّضين للخدمة فى مجلس المدينة. فأعفى قنسطنطين الإكليروس من هذه الخدمة (أنظر: يوسيبيوس، "حياة قنسطنطين"، 7:10. للمعرب). ولكن لمَّا تبين أن العلمانيين كانوا ينضمون إلى الرتب الإكليريكية الدنيا لتجنب الخدمة المدنية، حُصِر هذا الإمتياز فيما بعد فى الاساقفة، وبالمثل للكهنة والشمامسة. الذين "يُرسمون بموافقة البلاط المدنى، وإلاَّ لا يسرى الإعفاء". ويطلب باسيليوس(فى الرسالة 279) إعفاء الإكليروس من الضرائب، طبقا للقانون القديم. وكذلك يشكو غريغوريوس النزينزى (رسالة 259) من إجبار شماس على دفع الضرائب.
[461] - لاحظ هنا أن الأسقف كانت له تركة وورثة.
[462] - الكلمة اليونانية هنا تعنى بالتحديد "مذبح". وقد امتدت فى استعمال العهد القديم لتعنى "مكان المذبح".
[463] - واضح هنا أن الأثر النفسى الثقيل الجاثم على صدر بالاديوس جعله يخرج عن إتزانه وموضوعيته، ليُلصِق السيمونية بالمصريين ككل. أما عن الربط بين تغيير الكاهن الأعلى لدى اليهود كل سنة أو سنتين بقصد جمع المال، فأيضا ربما هذا تأمل خاص منه.
[464] - وهو ما ندعوه سيمونية نسبة إلى سيمون ماجوس(أنظر أع 9:8). وفى القرن الخامس دُعِيَت( كما يقول هربرت مور) "المتاجرة بالمسيح".
[465] - "بطريرك" فى(1 أخ 11:17 س). وبعد سقوط أورشليم أقام "بطاركة" اليهود فى طبريا وبابيلون. وقد أشار الكتَّاب الكنسيون إلى هذه الوظيفة بإعتبارها كرامة عظيمة، ولكنهم كفّوا عن ذلك بنهاية القرن الرابع الميلادى. والإشارة هنا غير محققة.
[466] - هذا أيضا تحامل شديد وثقيل على "البطريرك المصرى" على صعيد التعميم المطلق، فوجود بطريرك واحد أو إثنين فى التاريخ الكنسى القبطى لجأ إلى هذه الوسيلة لسبب أو لآخر لا يعنى أن "البطاركة" المصريين جميعا قد تاجروا بالكهنوت. على أية حال الضغط النفسى الشديد نتيجة لعمل ثيوفيلس دفعه إلى مثل هذا التنفيث.
[467] - اقتباس بتصرف حر من ميخا 11:3. قارن، ط/ اليسوعية "كهَنَتُها يُعَلِّمونَ بِالأُجرَة وأَنبِياؤُها يُمارِسونَ العِرافَةَ بالفِضَّة ويَعتَمِدونَ على الرَّبِّ قائِلين: أَلَيسَ الرَّبُّ في وَسْطِنا".
[468] - كان لكل منظمة كبيرة مثل هذا المسؤول. ومن الطبيعى أن تُعيّن الكنيسة مَن يخصها. وكانوا إما من الإكليروس أو من العلمانيين. وكانت مهمتهم الحفاظ على الحقوق الشرعية، أو حقوق أفراد الإكليروس ضد التعدى والظُلم. (أنظر ق23 لخلقيدون).
[469] - يقول مور أنها ترد هكذا فى مخطوطة سبعينية واحدة ولكنها ربما تسللت من 1صم 11:3.
[470] - رو21:1، أف 18:4.
[471] - 1كو8:15
[472] - أى 1:30، 7.
[473] - يتحدث فم الذهب (فى عظة على 2كو 18) عن السيامة التى يعرف "المبتدىء" أنها لا تُعلَن لغير المبتدئين. وهكذا فى(عظة على 1كو) لم يشأ أن بتحدث عن العماد بسبب حضور غير المبتدئين.
[474] - يو14:15
[475] - كان يوحنا الرسول مُعتبرا اسقف افسس الأول.
[476] - مت 15:24
[477] - يمنع القانون الأول لمجمغ نيقية سيامة الخصى. فمنذ وقت مبكر أُعتُبِرَت سيامة أوريجينوس باطلة بسبب خصيه لنفسه فى حماسه الشبابى لكى ما يكون فوق الشبهات بوصفه معلّم للجنسين. ومن إشارة سابقة نعلم أنه حمل لقب خصى. واللغة المستخدمة هنا بها لعب بالكلمات . وربما رشح فيكتور مثلما رشح يوتروبيوس فم الذهب.
[478] - قارن، بالاديوس،( "ت.ل."، 3:21)
[479] - عبارة بالاديوس "عملته الخاصة" حرفيا "أُدِين بوضعه فى الحديد". [ قارن عبارة المزمور عن يوسف الصدِّيق "فى الحديد دخلت نفسه" مز 18:105].
[480] - معبود يونانى
[481] - إله الخمر عند اليونان
[482] - "إستنارة"
[483] - أى جسده
[484] - ه رو14:10
[485] - اف 2:5
[486] - أر 28:5 سبعينية.
[487] - عن أسلوب ترشيح شخص للأسقفية وسيامته أنظر "تعاليم الرسل،4:8، 5". وفى مخطوطة من القرن التاسع الميلادى، يرد ما يلى "بعد كيرياليسون، يضع رئيس الأساقفة الإنجيل على رأسه ورقبته، بينما يقف الاساقفة الآخرين حوله ويلمسونه، ويضعون أياديهم عليه ويصلّون هكذا.."
[488] - مت 36:12 اقتباس بتصرف.
[489] - اى لـشيبتى
[490] - مت 6:18
[491] - يحدثنا سقراتيس وسوزمينوس أكثر عن هذا الرجل، وعن الشقاق الذى حدث فى انطاكية بسبب عزل فم الذهب، وعن مرسوم ارساكيوس. أنظر سلسلة "المؤرخون .. الأوائل" للمعرب
[492] - الكلمة هنا وردت ايضا فى (تك23:41، يه12) بمعنى "تحمّل قليل"، وهكذا استخدمها بالاديوس فى( "ت.ل."، 11:47).
[493] - نلاحظ هنا فى هذا العمل ثلاثة أمثال شائعة وردت أيضا فى "ت.ل." لبالاديوس مما يُعتَبر أحد الأدلة على وحدة المؤلِّف للعملين.
[494] - أم 22:26 س
[495] - هؤلاء رجال يلعبون دور النساء فى المسارح. ونفس هذه النقاط ترد فى العظة على تسالونيكى. واللهجة الأخلاقية فى المسارح كانت متدنية للغاية.
[496] - قارن عب 8:6
[497] - هذه الكلمات وُجِدَت فى المخطوطة ولكنها حُذِفَت من الناشر بوصفها غريبة على السياق(بيجو).
[498] - يذكر لنا ثيودريت أنه ترك مذكرات كثيرة لشخصيته المحبوبة. أنظر تاريخ ثيودريت للمعرب.
[499] - قض15:3 امبيدكستر ambidextrous، أى مَن يُعتبَر بصفة عامة قويا فى يده اليسرى كمثل اليمنى. أنظر المحاورات لكاسيان، (6/10/1) للمعرب.
[500] - أم 24:12س
[501] - نلاحظ بداية الأخذ بعزوبية الأسقف وتفضيلها.
[502] - هنا الكلمة ليست "مدَّوا أياديهم" كما هى العادة فى هذه المقالة، ولكن "كاتستاسيسا" catastasis
[503] - حديقة عامة فى ضواحى انطاكية.
[504] - الكلمة فى أع 16:28. تعنى هناك المسؤول عن مستودعات الوارد والمنصرف لجنود الجيش.
[505] - سكان ايسوريا، وهو اقليم فى جنوب اسيا الصغرى، ويقع حاليا بجنوب تركيا
[506] - هى Cape Amanus على خليح إيسوس Issus
[507] - يقول بيد فى("ت.ك."، 25:1) "وهكذا جاء أوغسطين ورفقاؤه الأربعون إلى كانتربيرى "حاملين صليبا من الفضة لرايتهم، وأيقونة ربنا مرسومة على لوحة وهم يُنشِدون باللاتينية، ويُقدّمون الصلوات إلى الله". عن هربرت مور.
[508] - أو "بطن الحية" (الشيطان) التى تزحف على صدرها". النص اليونانى هنا غير منتظم.
[509] - المُحَمَّى، أنظر سوزمينوس، "ت.ك." للمعرب.
[510] - يرى هربرت مور أن الجملة هنا بعيدة تماما عن النحو السليم.
[511] - يُخبرنا بالاديوس فى ( "ت.ل."،56) أنها كانت ابنة سيليكوس Seleucusالكونت السابق ex-count، وحفيدة ابلافيوس Ablavius البريفكت prefect السابق. وأنها أعطت ملابسها الحرير للمذابح (الحوار، 61). وقد وُلِدت فى وقت ما بين 361م و 368م، فى أنطاكيا أو القسطنطينية. وتنيحت فى 25 يوليو سنة 408م فى نيقوميديا. وهى معتبرة قديسة بالكنيسة اليونانية. قال عنها القديس غريغوريوس النزينزي "مجد الأرامل في الكنيسة الشرقية". ذاقت الكثير من الضيقات من أجل فم الذهب، وعاشت سنواتها الأخيرة فى المنفى بنيقوميديا الى حين وفاتها. وتقدسها أيضا كنيسة روما حيث لها عمود من بين 140 عمودا بساحة القديس بطرس.
[512] - الكلمة الانجليزية الواردة هنا تعنى حرفيا "إمرأةٌ / رجلٌ" أى "هذه رجل"، أنظر توضيح بالاديوس لهذا الوصف بعده مباشرة.
[513] - فى الحقيقة بالنسبة لهذ الخِصلة بالذات، أعرف سيدة اتسمت بقدرة صبر عجيبة لسنوات طويلة، على شدائد مريرة لم يحتملها أقرب الرجال لها حتى زوجها. و"عجز الصبر ذاته" أمام صبرها، رغم ضعفها الأنثوى والبدنى. ولم أجد ما أقوله سوى قول الربُ " تكفيك نعمتى لأن قوتى فى الضعف تكمل". المعرّب.
[514] - أى ثيوفيلس.
[515] - داماسوس اسقف روما (367-384). سيريكوس (385-398) "أو" تبدو هنا وفى مواضع أخرى من المقالة مُعادلة لـ "و". وعن علاقة ثيوفيلس بإبيفانيوس أنظر: المؤرخون الأوائل، للمعرّب.
[516] - بلا شك هذا تعبير مجازى من بالاديوس عن ثيوفيلس ليُشير به إلى لهفته للمال، ومن ثم اهتمامه المفرط بذوى المال. وهذا سلوك بشرى يشترك فيه الكثيرون، علمانيون كانوا أم كهنة. ولذلك صدَقَ مَن قال "القداسةُ سمةٌ شخصية، وهِبة خاصة من الله". ولا يجب أخذها بالمعنى الحرفى البدنى.
[517] - قيل عن الأنبا ايسيذورس قس الاسقيط أنه كان يقبل كل مَن يطرده أى دير، ويجعله يُقيم معه. أنظر:"الأنبا ايسيذورس قس الإسقيط" للمعرب.
[518] - هنا عبارة محذوفة ولكنها مفهومة ضمنيا، وهى أن ذلك صواب.
[519] - 1كو12:4
[520] - تى 10:3
[521] - اسم ثيوفيلس يعنى "محب الله".
[522] - يو26:6
[523] - لو 31:5
[524] - مت45:5. اقتباس يتصرف
[525] - مت11:9 / مر16:2. وتوجد نفس الكلمات والترتيب ولإضافة كلمة "يوبخ" فى("ت.ل."، المقدمة، 11). وهى إشارة قوية إلى وِحدة المؤلف للعملين كما قلنا.
[526] - "إبكو معى، ليس من أجل أنفسكم بل من أجل أولئك الذين سلبوكم، الذين هم أكثر منكم سوءً"(عظة على تيموثاوس الأولى،12). ويقول افلاطون أن تعمل خطأ فهذا أكبر من أن تتألم من خطأ بشر.
[527] - أع 27:18، 17:21.
[528] - ترد هذه الكلمة فى أع22:17. ويذكر يوسيبيوس( فى "حياة قنسطنطين"، 53) أن أشخاصا خرافيين بنوا مذبحا فى بلوطة ممرا. ويبدو أن المقصود بذلك "وجهة نظر دينية باطلة". ويرى "سافيل" أنه مصطلح غير مناسب.
[529] - سمع بالاديوس إحدى هذه القصص من هيراكس (أنظر: "ت.ل."، 22 فى "التاريخ الرهبانى للمعرب)
[530] - القديس انطونيوس ابو الرهبان، اعتزل بجبل البحر الأحمر فى سنة 305م وتوفِىَّ سنة 365م.عن عمر يُناهز مائة وخمس سنوات.
[531] - أى فى الحبس.
[532] - "نوفاتى"( أى بيورتان Puritan) وهو اسقف القسطنطينية، وأثنى عليه سوزمينوس كثيرا لسيرته وعِلمه وفكاهته.
[533] - حكَم ذهبى الفم بإدانته.
[534] - حرفيا "كان مُخللا". وهكذا كان فم الذهب(فى عظة على 2تس، وعلى رو21)، وكان أيضا أغلب الآباء والشهداء أنظر: بالاديوس، ("ت.ل."، 38) فى "التاريخ الرهبانى.." للمعرّب.
[535] - يُخبِرنا سقراتيس عن كيرينيوس اسقف خلقيدون الذى تُوفى إثر عمليات جراحية متكررة نتيجة لوطأ اسقف على قدمه. وعن عاصفة رهيبة فى القسطنطينية، وعن موت افودكسيا بعد أربعة أيام. انظر: "المؤرخون الأوائل" للمعرب.
[536] - Hypophet مثل "نبى" prophet. أُستُخدِمت من فترة هوميروس فصاعدا عن ذاك الذى ينطق بوحى. وقد استخدمها يوسيبيوس هكذا فى in Triak. x. 4
[537] - مز 11:87س.
[538] - نفس العبارة هنا عن أمونيوس[ الإسم أساسا مصرى بحت شكله الأصلي آمون] وردت فى بالاديوس،( "ت.ل."، 11). وأسلوب الكتابة عن الرهبان هنا هو نفسه فى التاريخ اللوسسى.
[539] - البلوطة، حيث انعقد المجمع. والشهيد هو موكيوس Mocius (أنظر سوزمينوس، للمعرب).
[540] - على شاطىء البحر الأحمر مسافة سفر "سبعة أيام" من المناطق المأهولة. أنظر كاسيان للمعرب.
[541] - دليل آخر على أن بالاديوس اسقف هلينوبوليس هو كاتب هذا العمل. انظر "ت.ل."
[542] - كيف تحتملين النضال مع الضجر"؟. أنظر: بالاديوس،( "ت.ل."، 1:21 للمعرب). نُشير الكتابات الآبائية بإستمرار إلى "الضجر الروحي" الذى هو التجربة الطبيعية التى تصادف أولئك الذين يعيشون حياة تأمل بلا إنشغال بأمور بشرية، وفى ظل تقشف صارم. وفى الآية "نفسى ذابت من الِثقل"(مز28:119) ترد الكلمة فى السبعينية "من الضجر".
[543] - لو62:6. وفى "ت.ل."، 9:35 ترد نفس الفقرة فى ذات السياق.
[544] - قارن، "ت.ل."،17.
[545] - لو31:22.
[546] - أنظر بالاديوس، "ت.ل."،21.
[547] - يبدو هنا جزء مفقود لذا الجملة التالية غير واضحة. وقد وضع المترجم هذه النقاط قبلها.
[548] - قلنا سابقا أن ثيوفيلس تعنى "محب الله".
[549] - مُثِّل الحوار على أنه استغرق عدِة أيام.
[550] - أيضا فى "ت.ل."، 1:54.
[551] - السابق 8:10.
[552] - يُحذّر فم الذهب فى (1 تيم 14:5) من الزواج الثانى على الرغم من أنه لم يُدنه(عن العذارى، 37)
[553] - 1 تى 9:1.
[554] - "انثروبس" Anthropos "كائن بشرى" والكلمة مسبوقة بأداة تعريف مؤنثة. ويقول بالاديوس فى ("ت.ل."، 9) عن ميلانيا " ميلانيا Anthropos (= رجل الله) انظر "التاريخ الرهبانى.."للمعرب. كما يقول فى مقدمته "هذا الكتاب ... يحتوى على مذكرات للنسوة اللواتى ناضلن بذهن كامل ورجولى نضالات الزهد الفاضلة".
[555] - قارن رد ميلانيا فى بالاديوس("ت.ل."، 61) بالتاريخ الرهبانى للمعرب.
[556] - كان تمرد مكسيموس فى سنة 388م.
[557] - أى حياة التكريس.
[558] - لاحظ هنا تقليد الإمتناع عن الأطعمة الحيوانية.
[559] - مرة أخرى علينا أن نتذكر أن المقصود بعدم إرتياد مثل هذه الحمامات، ليس عدم النظافة كما ذهب أعداء المسيح، وإنما عدم الإقتراب من أماكن الرذيلة.
[560] - رو2:16
[561] - فى 2:2
[562] - راجع نصيحة فم الذهب لها فى(سوزمينوس، 9:8 للمعرب).
[563] - اقتباس بكلمات مختلفة من 1 كو 18:9.
[564] - قارن، "ت.ل."، 3:1 للمعرب. "إننى أخجل عندما اشترك فى الطعام غير العقلانى".
[565] - جا 15:21.
[566] - 1تى 18:5 "طعام" أو "مكافأة".
[567] - 1كو 7:9.
[568] - 1كو 12:9.
[569] - 1كو23:9 .
[570] - 1كو9:8.
[571] - 2كو 15:5
[572] - مز12:24
[573] - مز8:24
[574] - أى 1:31.
[575] - وأيضا يقترح بيجو بالإشارة إلى مت 29:5 تصويبا كما يلى "أولئك الذين يتمردون على الإعتدال."
[576] - مز106:119
[577] -"ت. ل." 7:32
[578] - 1كو33:15
[579] - أر1:9، 2.
[580] - غل 15:3 مع أر 11:5س.
[581] - بتصرف من أر 17:15
[582] - قارن، مز4:25-6
[583] - راج حز ص 8.
[584] - غل 6:2.
[585] - 2بط3:2
[586] - فى 19:3
[587] - بتصرف من يه 12، 13.
[588] - حز1:9-6. اقتباس بتصرف حر.
[589] - الياقوت الأزرق.
[590] - حز 1:1-3
[591] - أع 27:18
[592] - كان الصبى اليهودى عندما يبلغ الثالثة عشر من العمر، يصير "إبنا للشريعة". والأشخاص الروحيون يصيرون أبناءً لله من جرن المعمودية" (أنظر باسيليوس من سلوقية، 27. مقتبس فى هربرت مور، هــ511)
[593] - 1كو 11:10.
[594] - حز3:33-6
[595] - "ارفع صوتى أعلى من البوق بكل وضوح"( Or. lxiv. de Jej)
[596] - 1كو8:14.
[597] - قارن، رو8:1.
[598] - أم 9:20
[599] - الإقتباس الذى يُقدمه الشماس هنا حوَّل التقديم من المبنى للمجهول إلى "الأمور المؤسسة"
[600] - قارن أع 37:2.
[601] - قارن أم6:25.
[602] - الشاهد هنا من (كو5:4) وهو فى الطبعة البيروتية "مفتدين الوقت" وفى الترجمة اليسوعية "مُنتَهِزينَ الفُرْصةَ السَّانِحَة" أما فى النص الانجليزى لهذا العمل فكانت Buying up the opportunity (ونلاحظ هنا أن عبارة "Buying up " تعنى فى قواميس اللغة شراء سلعة لإحتكارها) وكما قلنا ذكر المترجم بوضوح أن كل شواهد بالاديوس هنا من الذاكرة وحسب تعبيره هو، ولذلك حرص هربرت مور على ترجمة النص كما هو، ولم يشأ إرجاع الشواهد الى نص الطبعات التى تحت يدنا حفاظا على نفَس المؤلِّف. والمعرب هنا إلتزم هو أيضا بنص هربرت مور الانجليزى.
[603] - هنا زلة أو سهو.
[604] - "الفرصة ليست لنا، أنتم غرباء ونزلاء، فلا تطلبوا الشرف والسلطة بل احتملوا كلّ شىءٍ وبذلك تقتنصون الفرص. كمثل رجل فى بيت كبير هاجمه لصوص. إنه يُسلِّمهم كل شىء لكى ما يفدى نفسه منهم".
[605] - تنبأ ميخا فى أيام يوثام وآحاز وحزقيا ملوك يهوذا (مى 1:1).
[606] - فم الذهب
[607] - يو36:1.
[608] - ردا على التهمة الموجهة ضد فم الذهب وهى الكلام عن اودكسيا بأنها ايزابيلا وإبنة هيروديا، "لا يتضايق أحدٌ منى فإننى لا أتكلم شخصيا" (عظة على افسس، 2).
[609] - 1كو25:10.
[610] - مثل موسى وإيليا والآخرين.
[611] - على الرغم من أنه يتحدث عن الفينيقين و...إلخ بالإسم إلاَّ أنه لا يُهاجم أخطاؤهم الشخصية، ولكنه يستخدمهم كأمثلة للأخطاء الشائعة بين جميع البشر.
[612] - أى 25:40س(6:41 ط/بيروت). الكلمة الواردة فى هذا الشاهد فى الطبعة البيروتية(عن العبرانية)هى "الكنعانيون". ويشرح لنا هربرت سبب استخدام بالاديوس كلمة "فينيقيين" هنا بدلا منها فيقول أن الكلمة العبرية "كنعانيين" كانت اصطلاحا عاما للإشارة إلى "التجار"، وبالمثل صارت كلمة "الفينيقيون" بصفة عامة تشير إلى التجار. (لذلك كان بالاديوس على صواب فى اعتبار الفينيقيين مرادفا للتجار. ولكن تأويله لبهيموث غير سليم).
[613] - تث 20:4
[614] - تيط 12:1
[615] - غل 1:3
[616] - 1كو1:3
[617] - رو8:1
[618] - أف18:1 ولكن الكلمة هنا initiated ones أى مبتدئين.
[619] - اتس11:5
[620] - يقول فم الذهب فى (عظة على 1كو3:40) "سوف تقولون لا تضع مثل هذا العبء على سامعيك. فأنت تجعلنا نستحى، ولكننى لا أستطيع التسامح مع مثل هذه الاعتراضات. إن كنتُ أطلب ذلك لنفسى لكان هناك أساس ما للعار، ولكننى أطلب هذا لأجل صالحكم. ولذلك أتجاسر على الكلام".
[621] -1 تى 20:5
[622] - رو30:1، 2تى 3:3
[623] - 1تى26:3، 4:6
[624] - مت1:5
[625] - مت 18:8
[626] - أى بمثال المخلّص.
[627] - رو 30:1 ، 1تى 13:1
[628] - مت19:8
[629] - "إنه لم يكذب قط، ولا حلف، ولا أساء، ولا تكلم بلا ضرورة"(ت.ل.، 92).
[630] - نلاحظ هنا وجهة نظر الآباء الأولين للخطية قبل أخد الكنيسة اللاتينية بفكرة "خطايا صغيرة وخطايا "مميتة".
[631] - يو12:7
[632] - لو15:11
[633] - لو34:7
[634] - يو 48:8
[635] - مت13:16
[636] - بو12:1
[637] - أى على "الإيمان" الظاهر فى اعترافه هذا، وهكذا الآباء عموما وفم ذهب هنا. ولاحظ هنا بشدة مفهوم آباء القرن الرابع الميلادى لعبارة "وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستى" قبل بروز المفهوم اللاتينى.
[638] - أع 6:17 لقد كان يهود تسالونيكى هم الذين قالوا هذا.
[639] - ما من شك فى أنه كان مكرَّما جدا فى وقت كتابة الحوار. أنظر ما قاله سقراتيس عن بروكلس (فى 45:7. أنظر المؤرخون الأوائل، للمعرب)
[640] - أى استخدام لغة مناسبة.
[641] - اش 15:40. حسب النص هنا وبالطبع عن السبعينية.
[642] - أُتُهِم فم الذهب فى البلوطة بإستعماله لغة مهينة للإكليروس.
[643] - المعمدان.
[644] - لو7:3
[645] - أع3:23
[646] - مت 39:12
[647] - لو25:24. هنا "جميع الرسل" خطأ.
[648] - مت13:16
[649] - أكثر من السمعة.
[650] - 1كو15:2
[651] - أنظر 2تى 23:2. الجاهلين بالتعليم المسيحى والتهذب.
[652] - عب 24:11.
[653] - كلمة تُستَعمل كثيرا للتعبير عن الأبهة من أى نوعٍ.
[654] - عب 38:11.
[655] - بتصحيح زهيد يُمكن أن تكون العبارة "على الرغم من واحد".
[656] - جا 15:13.
[657] - 2كو14:6.
[658] - 1كو20:19، 21.
[659] - حرفيا "السير مع الله". ولكنها ليست كلمة فى العهد الجديد.
[660] - أنظر مقدمة بالاديوس للتاريخ اللوسسى، فى "التاريخ الرهبانى.." للمعرب، حيث يقول " لقد كتبتٌ ذلك لأستثير روح المنافسة فى أولئك الذين يتوقون إلى إقتناء نمط الحياة السمائية، ويرغبون فى أن يسلكوا على الدرب المؤدى إلى ملكوت السموات".
[661] - يقول فم الذهب(فى عظات على أعمال الرسل،3) "الأسقف لا يُمكن أن يُخطىء بدون مراقبة. فليغضب لينصحك، وليحُلم بلحظة ميلادك الثانى. إنه يذكر الاساقفة السابقين ليُسيىء إلى الحاضرين. ولكن إن دخل القصر، مَن يكون الأول؟. إن اقتضت الحاجة إلى زيارة سيدات، أو بيوت عظماء فلا أحدٌ يُفضَّل عنه. إننى أتكلم بهذا لا لكى أُخزِى الاساقفة، ولكن لكى أُقمع لهثكم وراء هذه الوظيفة".
[662] - عب 1:13. اقتباس بتصرف.
[663] - مز15:116.
[664] - أو كرياكوس.
[665] - على الضفة الشرقية لأورانتس[ نهر العاصى الآن].
[666] - فى واحة بالصحراء السورية بجنوب دمشق.
[667] - أى العرب.
[668] - أسوان. أنظر مقدمة بالاديوس لعمله (ت.ل.) السابق الذكر.
[669] - قبيلة بدوية نوبية كانت تقطن فى منطقة كوش التى هى السودان الآن. وكانت تشن الغارات على طيبة من آن لآخر. ونسمع عن بعض غاراتها على الأديرة. أنظر رسالة ماجستير المعرب، سابقة الذكر.
[670] - هرب من هيراقليا وإلتجأ إلى القوط.
[671] - كان فم الذهب يعتَبر وجوده بالقسطنطينية من الأهمية لدرجة أنه كتب إليه ألاَّ يزور حتى ايبارشيته بدون تصريح مكتوب.
[672] - فى تيراقيا.
[673] - تحدث بالاديوس عن نفسه فى("ت.ل."، 71)، ولكن لا شىء يُعرَف عن أخيه بريسون سوى هذه الإشارة العابرة، وأن فم الذهب قد كتب إليه رسالتين من كوكوسس.
[674] - ت.ل.، 30
[675] - يروى لنا سوزمينوس، كيف شوا جنبيه بعدما جردوه من ثيابه وجلدوه وقيَّدوا يديه وقدميه بمشواة التعذيب. أنظر تاريخه، للمعرب
[676] - يحث باسيليوس الكبير(فى القوانين، 15) على أن يكون التعلَّم جزءً من عمل الرهبان. وعلى الكنيسة أن تقدم التعليم المتضاد[للتعليم] المادى غير المسيحى للمدارس الوثنية ومعلمى البلاغة. ومثل هؤلاء الذين تعلَّم منهم فم الذهب "الحروف". وكان التدريب مجانا وخاصة للأيتام، وللشباب الذى يسعى لحياة الرهبنة أو الخدمة الكهنوتية، ومن ثم لا ذكر للأدب اليونانى القديم فى المناهج المدرسية. ونحن لا نعرف أين كانت "مدرسة فيلبس". ولكن من الطبيعى أن واحدة كانت فى القسطنطينية إن كانت فقط لتدريب الاكليروس.
[677] - يطلب فم الذهب من اوليمبياس(رسالة 14) أن تُرسِل له بعض الرسائل الهامة منه.
[678] - ليس هناك أية إشارة سابقة عن هذا الرسول ولكن من الثابت أن هناك رسائل كثيرة قد أُرسِلت. فسوزمينوس يذكر لنا راهبا ليبيا كان يعيش فى ماريوتيس قبل هذه الأحداث بثلاثين سنة.
[679] - البتراء بالأردن حاليا، وكانت صحراء جرداء.
[680] - يعطينا سوزمينوس رواية عن هذه المحاولة.
[681] - رتبة المنشِد[ المرّتِل] من الواضح أنها برزت فى وقت مبكر من القرن الرابع بسبب اضمحلال الإنشاد الجماعى. ويحظر مجمع لاودكية على الآخرين، خلاف المرتلين الكنسيين، الإنشاد فى الكنيسة. "مَن يَصعد إلى المنبر، ويُرتل كتابا". وعلى الرغم من هذه القاعدة يبدو أنها قد تُرِكت سريعا. وقد كانوا يُعينون من الكهنة وليس من الاسقف. [وكانت الصلوة التى تتلى عليه] "أنظر إنك تؤمن فى قلبك بما تُنشِده بفمك. وما تؤمن به فى قلبك اثبته بعملك". وفى عمل سوزمينوس ترد سيرة "قارىء" تعرض للتعذيب المبرح.
[682] - يتناول بالاديوس هنا مرة أخرى بالتفصيل مسألة الاساقفة الشرقيين الذين وفدوا إلى روما، والذين رأيناهم فى لامباسكوس. مقدمة الشماس هنا والجندى رفيقه تتفق مع أسلوب بالاديوس، كما يقول هربرت مور، فى التاريخ اللوسسى.
[683] - أى بلا سُروج.
[684] - أى لذاك الجندى القاسى.
[685] - 2كو15:2.
[686] - 1كو9:4.
[687] - فم الذهب يكتب إليه(رسالة 87) وهو غير واعٍ بهذا، ويُثنى على تقواه.
[688] - مدينة بشمال سيناء، مندثرة الآن، وموقعها تل الفرما حاليا. وإذا كان هذا الأسقف قد فعل ذلك مجاملة بالطبع لثيوفيلس، أو خشية منه، فإن القديس ايسيذورس البيلوزى قد أدان عمل ثيوفيلس وحث البابا كيرلس عمود الدين على إلغاء حرم ثيوفيلس لفم الذهب.
[689] - 3يو1-4.
[690] - 3 يو 9-11.
[691] - إحدى مدن سيناء. ونرى اسقف اوستراسين هنا ممدوحا من فم الذهب. فعَّوض بذلك موقف اسقف بيلوزيوم. و"اوستراسين" أو "أوستراكينى" هى الآن، "تل الفلوسيات" بشمال سيناء. أنظر "المسيحية... فى سيناء"، سابق الذكر.
[692] - 2تس 3:2.
[693] - 1يو18:2
[694] - مت6:20
[695] - "ت.ل."، 6:54 . يا أولادى الصِغار لقد كُتِب منذ أربعمائة سنة مضت أنها الساعة الأخيرة، فلماذا تُحبون التلكؤ فى تفاهات الحياة؟.
[696] - لو31:22.
[697] - فى 19:3
[698] - هو12:4س.
[699] - 1كو10:6
[700] - 1يو9:2
[701] - أم 1:15 بتصرف
[702] - عن هذا المرض الروحى، أنظر الأنظمة لكاسيان، للمعرب، نشر دار باناريون.
[703] - مز 28:119 " قَطَرتْ نفسى من الحزن" (ط/بيروت). "نَسِيتُ نفسى من الحزن"(السبعينية) "ذابت نفسى من الغم" (ط/يسوعية).
[704] - ذكر هربرت مور هذا الشاهد أنه من جا14:2، وهذا خطأ. فهو من سفر يشوع بن نون، 14:2(وهو من الأسفار القانونية الثانية).
[705] - مز6:52 سبعينية.
[706] - 1يو16:2
[707] - مز 51:119
[708] - السلسلة الأخلاقية عند ارسطو تبدأ بالتطرف ثم الخلاعة وأدناها الاستهتار.
[709] - فوتنوس، ربما خطأ لكلمة فوتوس.
[710] - على صعيد، دعنى أقول الأمراض الروحية، ليس من الضرورى أن يكون "النوم غير المفيد" نتاج خطية "الزنى" وإلا كان كل سخونة فى الجسم البشرى هى حصبة!!. فالواقع هذا النوم يمكن أن يكون نتاج حزن شديد، أو إحباط، أو سأم أو ضيقة مرة. فمع احترامنا لتأمل بالاديوس هنا إلاَّ أننى لا اتفق معه بشخصى فى هذه النقطة، من ناحية. ومن ناحية أخرى عالجت الأنظمة والمحاورات هذه الأوجاع الروحية وطرق علاجها من واقع أقوال آباء البرية المصريين على نحو وافٍ (أنظر ترجمتهما للمعرب، نشر دار باناريون). المعرب
[711] - يع6:4.
[712] - مز3:73 س.
[713] - مز2:93
[714] - مت16:7
[715] - أى 4:21-14
[716] - مز1:100 س(مز101 ط/بيروت).
[717] - مز1:72-3 س (مز73 ط/بيروت).
[718] - مز12:143- 15. س (مز144 ط/بيروت)
[719] - حبق 2:1-4 بتصرف.
[720] - أر 1:12، 2
[721] - صفنياس" Sophonias هو اسم صفنيا فى النسخة السبعينية, والاقتباس فى الحقيقة من ملا 13:3-16. و"سوفوس" فى اليونانية تعنى الحكمة.
[722] - يقول فم الذهب فى(العظة على الاعمال،28) عن الذين يُنكرون أن العناية [الإلهية] تشمل جميع مَن تحت القمر. "هل الشخص الخيّر يُجازَى بالنكبة؟. العامل الذى يكتسب طعامه ينال أقل أجر فى المقابل؟. هكذا الرجل الخيّر الذى ينال بركة فى هذا العالم".(1كو43) "إن رأيتَ رجلا شريرا مزدهرا، فإعرف أنه صنع خيرا ذات مرة وهو ينال مكافأة هنا، ليخسر دعواه فى ذلك الآتى؟ (أور، 65).
[723] - 2تى 13:3
[724] - 1كو9:4- 13
[725] - جا18:15[ هكذا أورد هربرت الشاهد، ولكن هذا الاقتباس من سفر يشوع بن سيراخ بتصرف. وهو من الأسفار القانونية الثانية التى تعترف بها كنيستنا. المعرب]
[726] - يبدو كما لو كانت "أو" قد سقطت من النص، أو كما لو أن "لا" قد تسللت إلى ما قبل "إنشاء". فإذا كنا قد خُلِقنا بلا شائبة، لما احتجنا إلى محاكمة. لأننا أُنشِئنا بالفعل فى برٍ. وهذا سيجعلنا آلات بلا فضيلة أخلاقية. والبديل لهذا كان ألاَّ تُنشَأ عقولنا فنحتاج إلى محاكمة. [شرح هربرت مور هذا غير واضح. المعرب]
[727] - اليوم وقت النزال. لقد أتيتَ لتتعلم كيف تجاهد برجولة، ولتُشارك فى كل نزال. لا أحد يأتى إلى مدرسة تدريب يعيش فى ترف، ولا فى وقت النزال يسعى إلى الموائد"(عظة على متى). "ربما جسدى يستحق العقاب، ومن المناسب أن يدفع الغرامة الآن أفضل من أن [يدفعها] بعدما أغادر الحلبة"(أنظر، "ت.ل."،24).
[728] - يرى بيجو أن العطف لـ "الأماكن"، وهو "مع ذلك"، يُمكن أن يُشير إلى موضع فى الكنيسة كما فى أع25:1،1 كو16:14.
[729] - يقول هربرت مور النص هنا غير محقق. [ ومن جانبى قمتُ أنا بتغيير الضمير بما يتلائم مع الأسلوب العربى للحفاظ على معنى الجملة, المعرب]. وعن المقابلة بين حلاوة الخطوبة وبين نعيم حياة الزوجية. قارن حك2:8(من الأسفار القانونية الثانية).
[730] - أف30:4.
[731] - يقترح بيجو "نعمة".
[732] - "رجل ذو ثروة عظيمة لم يكتب وصية عند احتضاره، ولم يترك نقودا لإخوته، ولكنه عهد بهم للمسيح"(أنظر، ت.ل.، 1).
[733] - مز5:120.
[734] - مت21:25.
[735] - قلنا مرارا وتكرر أن بالاديوس شأنه شأن الكثيرين من الآباء الأوائل إن لم يكن جميعهم، لا يقتبس آيات الكتاب المقدس نصا وحرفيا ولكن بالمعنى وإرتجاليا مثل واعظ فى عظة عامة. إذ كان الاستشهاد بآيات الكتاب المقدس تنساب كعصارة لِمَا هضموه. ولذلك نجد هنا كلمة "وفرة" أو "فيض".
[736] - مت34:12
[737] - حرفيا "دينار". مت2:20.
[738] - بالمقابلة مع أبدية الله.
[739] 2تى18:1.
[740] يخبرنا سوزمينوس أن اينوسنت قد حث فى رسالته إلى اكليروس القسطنطينية على ضرورة عقد مجمع كنسى مسكونى للتحقيق فى الأمر. الأمر الذى لم يتم.[ أنظر، سوزمينوس للمعرب].
[741] - 1تى18:6 "مستعد للشركة".
[742] - مت 23:5
[743] - مت 39:5.
[744] - مز1:133. سبعينية بتصرف
[745] - أم 17:17س. بتصرف
[746] - أم19:18س.
[747] - تث13:33- 17، 8-11.
[748] - أى الله
[749] - هو8:9 بتصرف
[750] - يقول مور أن النص قد ورد به هنا عبارة "طبقا لـ" وهو بالطبع، كما يقول خطأ، لذلك صححها كما فى المتن إلى "ضد لـ"
[751] - الضمير هنا عائد إلى الله. المعرب
[752] - نفى الى الأبد، يعنى "الجلاء". ولهذا نجد فى طلبات اسبوع الآلام "ونجنا من الجلاء". أنظر دلال الكنيسة القبطية, وهو ما يقابل فى أيامنا هذه عمليات "التهجير القسرى" التى تتم فى بعض الأماكن على يد المتطرفين، فى أوقات الإنفلات الأمنى. المعرب.
[753] - يقول هربرت مور(فى هامشه 665) أنه ليس لدينا مخطوطة تدعم نقطة التوقف هنا، ويرى أن ذلك ربما يعود إلى سهوٍ من الذاكرة.
[754] - قارن، تث13:33- 17.
[755] - قارن، تث 8:3 -11.
[756] - مت 52:13.
[757] - هنا تأمل خاص ببالاديوس فى لا 21:18 سبعينية.
[758] - يو2:16 بتصرف.
[759] - مز6:10.
[760] - يُشير مور فى(هــ 671) إلى أن الكلمة الواردة هنا تتضمن معنى كرسى الاسقف cathedral chair
[761] - قارن حك17:11، 9:12.
[762] - أى بالسلطات المدنية.
[763] - مز24:103
[764] - خر2:5
[765] - الضمير عائد إلى الله.
[766] - لقد أضاف بيجوث هذه الكلمة وهى ليست فى المخطوطة وأخذ بها مور كما قال فى هامشه 676
[767] - مت 19:6 "هل تتفاخر بثوبك الحرير، إنه مغزول من ديدان من إختراع البرابرة.(عظة لفم الذهب،71).
[768] - اصطلاح طبى.
[769] - عب 28:10-31.